|
ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أدب الغرباء(1) بقلم:عبد الحكيم الأنيس كتبَ أبو الفرج الأصبهاني هذا الكتاب "أدب الغرباء" بعد عام ( 362هـ )، وقال في مقدِّمته: (جمعتُ في هذا الكتاب ما وقع إليَّ وعرفته، وسمعتُ به وشاهدته، من أخبار مَن قال شعراً في غربة، ونطق عمّا به من كربة، وأعلنَ الشكوى بوجده إلى كل مشرَّد عن أوطانه، ونازح الدار عن إخوانه، فكتب بما يَلقى على الجدران، وباح بسرِّه في كل حانة وبستان، إذ كان ذلك قد صار عادة الغرباء في كل بلد ومقصدٍ، وعلامة بينهم في كل محضَرٍ ومشهد).وذكَرَ فيه أخباراً وروايات كثيرة ممّا رأى هو وعايش، أو مِن أخبار السابقين فكان كتاباً مسلّياً، نهجَ منهجاً فريداً إذ لم يسبقه إلى هذه الفكرة سابق، ولم يلحقه ــ فيما أعلم ــ لاحق، ولكن يا تُرى هل نستطيع أنْ نرى للغرباء أدباً الآن؟ الواقعُ أنَّ الحال قد اختلفت، والأمورَ تغيرت، وإذا كنّا رأينا للغرباء أدباً في الماضي فالآن لا نرى إلا ذكريات وأسماء وتواريخ، وإذا كان ثمة شيءٌ من الشعر فهو على سبيل التمثل لا الارتجال، حدثنا أستاذٌ وشيخٌ كبير(2) أنَّ بعض الطلاب كانوا إذا انتهوا من الدراسة كتبوا على جدران المدرسة: نزلنا ههنا ثم ارتحلنا كذاك الدهرُ حَلٌ وارتحالُ وأتبعوه بأسمائهم. وقد انتقلتْ الكتابة من الجدران إلى الكتب الدراسية، وهناك حوادث عدّة في هذا المجال، وأنقل للقارئ نصاً كتبه غريبٌ ليبقى أثراً بعده بعنوان " أشجان ليلة ": (لم تذهبْ عن البال تلك الجولة الجميلة التي أصبحتْ أعز الأيام التي أعيشها، يوم انفتح قلبُها بكلام كنت أطير فرحاً به، ولم أصدق مَن تكون هذه التي تتكلم، يا سلام على تلك الضحكة التي تنبعُ من صومعة القلب الذي يكمن تحت أشواق وفرحة لا توصف، هذه هي الحبيبة التي كانت سعادتي غامرة في لقائها الجميل، وقد كبر حبي وتمسُّكي بها عن الماضي، شعرتُ أنها تفهم وتقدِّر كل همس وحركة أقدِّمها إليها، أصبحتْ تتقرب مني أكثر من السابق، شعور حنانها، لطف قلبها أخذني في هذه الليلة، إنني لا أستطيع أن أبتعد عنها ليلة). (1) نشر هذا المقال في جريدة العراق ببغداد عام 1985م (2) هو أستاذنا الشيخ عبد الكريم الدبان (ت:1993م) رحمه الله. بهذه العبارة ينهي صاحبُنا قولَه دون أن نعرفه أو نعرف مَن هذه الحبيبة! وليس هذا بغريب، إنما الغريبُ إذا عرفنا أنَّ هذه الكتابة كانت على غلاف كتاب "الهداية" في الفقه الحنفي! وبمقابل الكتب الدراسية: المقاعدُ، فقد أمست هي الأخرى جدراناً لأدب الغرباء وغيرهم، يسيطرون عليها مشاهدات، وذكريات، والتفاتات، وانطباعات، لا يخلو بعضُها من شتيمة مدرِّس، أو طعن بدرس، وإلى جانب هذا صور كاريكاتيرية مضحكة حينًا، وسخيفة أحيانًا. والمُتنقّل بين المحافظات لا يرهقه البحثُ أن يرى شيئاً من هذا على جلود المقاعد كأن يكتبوا: ذكرى فلان وفلان في زيارتهما صديقاً أو مكاناً أو ما شابه ذلك بتاريخ كذا وكذا، ويعقبون ذلك بعبارات أكثرُها يبعث على الاشمئزاز. وقد قرأتُ على جدران مدرسة عشتُ فيها فينة من الدهر أشياءَ كثيرة من هذا الأدب، وأكثرُها مصدرة بهاتين العبارتين: " الذكرى جرس يدق في عالم النسيان ". و "كل وردة يعروها الذبول، والذكرى تبقى ولا تزول". وإذا كانت هذه بصمات الأيدي فإنَّ هناك من اكتفى بطبع صورة "حذائه" على جدار الصف الأبيض دون تعليق أو تاريخ! على أنّنا قد نرى ما يذكِّرنا بكتاب أبي الفرج الأصفهاني فعلى سبيل المثال: رؤي مرة شابٌّ في قاعة الانتظار الأخيرة في مطار بغداد الدولي تناولَ جريدة أمامه فقرأ قليلاً، ثم كتب بيتين من الشعر: يا دهرُ أقلقتَ قلبي وزدتَ بالبعد خطبي الحبُّ صعبٌ ولكن البعدُ أصعبُ صعبِ وأخيراً لا أدري هل يحقُّ لي أن أعتبر هذه النماذج مِن "أدب الغرباء الحديث"، أم عليّ أنْ أهملَ كل هذا، وأكتب عن "أدباء المهجر"، وعن البارودي في سرنديب الهند، وشوقي في اسبانيا، والزهاوي في الأستانة؟ ما قولُكم دام فضلكم؟ أفتونا مأجورين.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |