|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا والآخرة السيد مراد سلامة الخطبة الأولى أما بعد:إخوة الإيمان، حديثنا في هذا اليوم الطيب الميمون الأغر عن (إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا والآخرة)؛ فالعلم نور تنشرح به الصدور، وتُضاء به العقول، وتستنير به القلوب؛ لمعرفة علام الغيوب جل جلاله. العِلمُ أَعْلَى وَأَحْلَى مَا لَهُ اسْتَمَعَتْ ![]() أُذن وَأَعْرَبَ عَنْه نَاطِقٌ بِفَمِ ![]() العِلمُ غايته القصوى وَرتبته ال ![]() علياءُ؛ فَاسْعَوا إِلَيْهِ يَا ذَوي الْهِمَمِ ![]() العِلمُ أَشْرَفُ مَطْلُوبٍ وَطَالِبُهُ ![]() للهِ أَكْرَمُ مَنْ يَمْشِي عَلَى قَدَمِ ![]() العِلمُ نُورٌ مُبِيْنٌ يَسْتَضِيء بِه ![]() أَهْلُ السَّعادة وَالْجُهَّالُ فِي الظُّلَمِ ![]() العِلمُ أَعْلَى حَيَاة لِلعِبَادِ كَمَا ![]() أَهْل الْجهالِة أَمواتٌ بِجَهْلِهِمِ ![]() العِلمُ وَاللهِ مِيراثُ النُّبُوَّةِ لَا ![]() مِيرَاثَ يُشْبِهُه طُوبَى لِمقتَسِمِ ![]() لأَنَّهُ إِرْثُ حَقٍّ دَائمٍ أَبَدًا ![]() وَمَا سِواهُ إِلَى الإِفْناءِ وَالعَدَمِ ![]() العِلمُ مِيزانُ شرعِ اللهِ حَيْثُ بِهِ ![]() قِوامُهُ وَبدونِ العِلْمِ لَمْ يقمِ ![]() فضل العلم ومنزلته: أعلم- زادك الله علمًا وفهمًا- أنك إذا كنت أيها المبارك ترغب في سمو القدر، ونباهة الذكر، وارتفاع المنزلة بين الخلق، وتلتمس عزًّا لا تثلمه الليالي والأيام، ولا تتحيَّفه الدهور والأعوام، وهيبة بغير سلطان، وغنى بلا مال، ومنعة بغير سلاح، وعلاء من غير عشيرة، وأعوانًا بغير أجر، وجندًا بلا ديوان وفرض؛ فعليك بالعلم، فاطلبه في مظانِّه، تأتِكَ المنافع عفوًا، وتلق ما يعتمد منها صفوًا، واجتهد في تحصيله ليالي قلائل، ثم تذوَّق حلاوة الكرامة مدة عمرك، وتمتع بلذة الشرف فيه بقية أيامك، واستبْقِ لنفسك الذكر به بعد وفاتك؛ ا.هـ [1]. واعلم أن العلم جمال لا يخفى، ونسب لا يُجفى، بعيد المرام، لا يُصاد بالسهام، ولا يقسم بالأزلام، ولا يُرى في المنام، ولا يُورَث عن الأعمام، ولا يُكتَب للغلام. يقول أبو بكر الجزائري رحمه الله: إن فضل العلم لعظيمٌ، وإن شرفه لعالٍ رفيع، فكم من وضيع رفعه العلم إلى مصافِّ الشرفاء، وكم من حقير نظمه العلم في سلك العظماء، به شرف آدم في الملأ الأعلى، وبه فاز أهله بالدرجات العلى، قال الله تعالى: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [المجادلة: 11]. ولو لم يكن العلم أشرف شيء في الحياة؛ لما طلب الله جل جلاله من رسوله أن يسأله المزيد منه في قوله: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114][2]. نور الشمس والقمر ونور العلم: ونور العلم لا يحجبه سبع سماوات، والشمس تغيب ليلًا، والقمر يخفى نهارًا، ونور العلم لا يغيب ليلًا ولا نهارًا، بل هو، وهو في الليل آكد ﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا ﴾ [المزمل: 6]. والقمران يفنيان والعلم لا يفنى، والقمران ينكسفان والعلم لا ينكسف، والقمران تارة يضران وتارة ينفعان، والعلم ينفع ولا يضر بشرطه، والقمران في السماء زينة لأهل الأرض، والعلم في قلب المؤمن وهو في التحت، ويضيء ما فوقه وما تحته. وبهما ينكشف وجود الخلق، وبالعلم ينكشف وجود الخالق. وضوءهما يقع على الولي والعدو، والعلم ليس إلا للوليِّ، وشعاع الكواكب إلى أسفل وشعاع العلم يصعد إلى العلو. والكواكب تطلع من خزانة الفلك، والعلم يطلع من خزانة الملك. والكواكب علامة والعلم كرامة، والكواكب موضع نظر المخلوقين، والعلم موضع نظر رب العالمين، والكواكب نفعها في الدنيا والعلم نفعه في الدنيا والآخرة. والشمس تسوِّد الأشياء والعلم يُبيِّضها، والشمس تحرق والعلم ينجي. والقمر يبلي الثياب والعلم يجدد المعارف لأولي الألباب. وإنما كانوا كالمصابيح في الآخرة؛ لأن الناس يحتاجون إلى العلماء في الموقف في الشفاعة؛ بل وبعد الدخول، فينتفع بهم فيها كالمصابيح؛ ولذا يقال: إن ذات العلم تكسي نورًا، وتضيء كالمصباح حقيقة، ألا ترى أن هذه الأمة تُدعى غُرًّا مُحَجَّلين من آثار الوضوء، فالعالم يتميز على آحاد المؤمنين بأن تصير جنته كلها مضيئة، فنعمة العلم أفخر النعم، وأجزل القسم، ومن آويته فقد أوتي خيرًا كثيرًا؛ ا. هـ[3]. فالعلم هو النور في الظلم، والأنيس في الوحدة، والوزير عند الحادثة، فإن اشتغل القلب به دَلَّه على المعبود الحق سبحانه وتعالى، فإن القلب له مواطن يجول فيها. يقول ابن القيم رحمه الله في بيان منزلة العلم وأهله: "استشهد سبحانه بأولي العلم على أجلِّ مشهود عليه، وهو توحيده، فقال سبحانه: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 18]، وهذا يدل على فضل العلم وأهله من وجوه: أحــدهـا: استشهادهم دون غيرهم من البشر. الـثـانـي: اقتران شهادتهم بشهادته. الثالـث: أن في ضمن هذا تزكيتهم وتعديلهم؛ فإن الله لا يشهد من خلقه إلا العدول..."[4]. فالعلم أفضل ما اكتسبته النفوس، وحصَّلته القلوب، ونال به العبد الرفعة في الدنيا والآخرة، هو العلم والإيمان؛ ولهذا قرن بينهما في قوله: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 56]، وفي قوله: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [المجادلة: 11]. وهؤلاء هم خلاصة الوجود ولُبُّه، والمؤهلون للمراتب العليا، ولكن أكثر الناس غالطون في حقيقة مسمى العلم والإيمان اللذين بهما السعادة والرفعة"[5]. وتأمل هذا التشبيه وذلك المثال الذي ضربه صلى الله عليه وسلم لما بعثه الله من العلم والهدى؛ ففي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضًا، فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء وأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء؛ فنفع الله بها الناس، فشربوا منها، وسقوا، وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى منها، إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلَّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به»[6]. فالعلم حياة ونور، والجهل موت وظلمة، والشر كله سببه عدم الحياة، والنور والخير كله سببه النور والحياة، فإن النور يكشف عن حقائق الأشياء، ويُبيِّن مراتبها، والحياة هي المصححة لصفات الكمال، الموجبة لسديد الأقوال والأعمال [7]. ورُوي عن علي رضي الله عنه قوله: العلم أفضل من المال لسبعة أوجه؛ هي: 1- العلم ميراث الأنبياء، والمال ميراث الفراعنة. 2- العلم لا ينقص بالنفقة، والمال ينقص بها. 3- المال يحتاج إلى الحافظ، والعلم يحفظ صاحبه. 4- إذا مات الرجل خلَّف ماله وراءه، والعلم يدخل معه في قبره. 5- المال يحصل للمؤمن والكافر، والعلم لا يحصل إلا للمؤمن. 6- جميع الناس محتاجون إلى العالم في أمور دينهم ولا يحتاجون إلى صاحب المال. 7- العلم يقوِّي صاحبه عند المرور على الصراط، والمال يمنعه منه. وروي عن مصعب بن الزبير رضي الله عنه قال لابنه: يا بُنيَّ، تعلَّم العلم؛ فإنه إن يك لك مال كان لك العلم جمالًا، وإن لم يكن لك مال كان لك العلم مالًا[8]. وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: «تعلموا العلم؛ فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه صدقة، وبذله لأهله قربة»[9]. ومما يؤثر في فضل العلم من الشعر: وفي الجهل قبل الموت موت لأهله ![]() وأجسامهم قبل القبور قبور ![]() وإنَّ امرأً لم يحي بالعلم ميت ![]() وليس له حتى النشور نشور[10] ![]() ويقول آخر: ما الفخر إلا لأهل العلم إنَّهموا ![]() على الهدى لمن استهدى أدِلَّاء ![]() وقدر كل أمري ما كان يحسنه ![]() والجاهلون لأهل العلم أعداء[11] ![]() العلم نور يفرق به العبد بين الحق والباطل: معاشر الموحدين، العلم يفرِّقون به بين الحقِّ والباطل؛ كما قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ ﴾ [الحديد: 28]، وقال تعالى: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ﴾ [الأنعام: 122]، وقوله تعالى: ﴿ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ ﴾ [المائدة: 16]، وقوله: ﴿ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ﴾ [الشورى: 52]. فإذا عَدِمَ القلبُ هذا النورَ صار بمنزلة الحيران الذي لا يدري أين يذهب، فهو لحيرته وجهله بطريق مقصوده يَؤُمُّ كلَّ صوتٍ يسمعُه. ولم يَسْكُنْ قلوبَهم من العلم ما تمتنعُ به من دعاة الباطل؛ فإنَّ الحقَّ متى استقرَّ في القلبِ قَوِيَ به، وامتنعَ مما يضرُّه ويُهْلِكه؛ ولهذا سمَّى اللهُ الحجةَ العلميَّة: سلطانًا. فالعبدُ يُؤتى من ظُلمة بصيرته، ومن ضَعْف قلبه، فإذا استقرَّ فيه العلمُ النافعُ استنارت بصيرتُه وقَوِيَ قلبُه[12]. العلم نور يورث صاحبه خشية الله تعالى: إخوة الإيمان، العلم هو الذي يبذر في القلوب نور الحكمة والخوف لتثمر بعد ذلك ثمار الخشية لله تعالى. قال أحمد بن صالح المصري، عن ابن وهب، عن مالك قال: إن العلم ليس بكثرة الرواية، وإنما العلم نور يجعله الله في القلب. قال أحمد بن صالح المصري: معناه: أن الخشية لا تدرك بكثرة الرواية، وأما العلم الذي فرض الله عز وجل أن يتبع؛ فإنما هو الكتاب والسُّنَّة، وما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم، ومن بعدهم من أئمة المسلمين، فهذا لا يدرك إلا بالرواية، ويكون تأويل قوله: "نور" يريد به فهم العلم، ومعرفة معانيه. وقال سفيان الثوري، عن أبي حيان [التميمي]، عن رجل قال: كان يقال: العلماء ثلاثة: عالم بالله عالم بأمر الله، وعالم بالله ليس بعالم بأمر الله، وعالم بأمر الله ليس بعالم بالله. فالعالم بالله وبأمر الله: الذي يخشى الله ويعلم الحدود والفرائض. والعالم بالله ليس بعالم بأمر الله: الذي يخشى الله ولا يعلم الحدود ولا الفرائض. والعالم بأمر الله ليس بعالم بالله: الذي يعلم الحدود والفرائض، ولا يخشى الله عز وجل[13]. وفي تفسير القرطبي: «قال الربيع بن أنس: من لم يخش الله تعالى فليس بعالم. وقال مجاهد: إنما العالم من خشي الله عز وجل. وعن ابن مسعود: كفى بخشية الله تعالى علمًا، وبالاغترار جهلًا. وقيل لسعد بن إبراهيم: من أفقه أهل المدينة؟ قال: أتقاهم لربِّه عز وجل. وعن مجاهد قال: إنما الفقيه من يخاف الله عز وجل. وعن علي رضي الله عنه قال: إن الفقيه حق الفقيه من لم يقنط الناس من رحمة الله، ولم يرخص لهم في معاصي الله تعالى، ولم يؤمنهم من عذاب الله، ولم يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره، إنه لا خير في عبادة لا علم فيها، ولا علم لا فقه فيه، ولا قراءة لا تدبر فيها»[14].
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |