|
|||||||
| هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#36
|
||||
|
||||
|
فخسِروا الآخرة وما فيها من ألوان النعيم الحسي والمعنوي، وحرموا تكليم الله لهم بما يسرُّهم، ونظره إليهم بعين العطف والرحمة يوم القيامة وتزكيتهم مع ما أعد لهم من العذاب الأليم؛ قال تعالى: ﴿ فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ [الزمر: 15]. قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾. قوله: ﴿ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ ﴾ معطوف على قوله: ﴿ وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ ﴾؛ أي: وإنَّ من أهل الكتاب (لفريقًا) مُحرِّفون لكتاب الله. ﴿ يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ ﴾: قرأ أبو جعفر: «يُلوُّون» بالتشديد مع ضم الياء؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ﴾ [المنافقون: 5]، وقرأ الباقون بالتخفيف مع فتح الياء ﴿ يَلْوُونَ ﴾. و«اللي»: الفتل، ومنه يُقال: لويت يد فلان، أي: فتلتها، ولويت الغريم، إذا مطلته. وفي الحديث: «مَطلُ الغني ظلمٌ»[9]. والمعنى: يُحرِّفون بألسنتهم الكتاب تحريفًا لفظيًا وتحريفًا معنويًا، كما قال تعالى: ﴿ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ﴾ [النساء: 46]، وقال تعالى: ﴿ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ﴾ [المائدة: 41]، وقال تعالى: ﴿ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 75]. تحريفًا لفظيًّا بزيادة أو نقصان في حروفه وكلماته، والإتيان بكلام من عندهم ونسبته إلى كتاب الله تعالى، كما فعل ابن صوريا حيث زعم أن حكم الزاني في التوراة أن يحمم وجهه، ونفى أن يكون فيها الرجم[10] إلى غير ذلك من أنواع التبديل والتغيير. أو بتحريف الكلم بلفظه بالتحريف في الحركات كما حرف المبتدعة قوله تعالى: ﴿ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ﴾ [النساء: 164]، بنصب لفظ الجلالة ليكون التكليم من موسى- عليه السلام- ومن التحريف اللفظي قولهم: «السام عليكم»[11] بدل «السلام» يعنون: الموت لكم. وتحريفًا معنويًّا بتأويل الكتاب على غير تأويله كما في تأويلهم في كلامهم «راعنا» بجعلها من الرعونة؛ ليسبوا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا نهى الله تعالى المؤمنين عن قولها، فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 104]، ومن ذلك تحريف أهل البدع ﴿ استوى ﴾ بمعنى «استولى» ونحو ذلك. ﴿ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ ﴾: اللام للتعليل، والخطاب في ﴿ لِتَحْسَبُوهُ ﴾ للمسلمين، والضمير (الهاء) يعود إلى ما حصل به اللي من الكتاب. أي: يلوون ألسنتهم بالكتاب بقصد منهم، لتظنوه أيها المسلمون من الكتاب الذي أنزله الله، أي: من «التوراة» أو «الإنجيل»؛ بقصد التلبيس على المسلمين، وتشكيكهم في القرآن الكريم. وقيل: يحتمل كون اللام للعاقبة، أي: لتكون العاقبة والنهاية أن تظنوه من الكتاب، والأول أولى. ﴿ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ ﴾ الواو: حالية، و«ما»: نافية، أي: والحال أنه ليس من الكتاب، أي: ليس هذا الذي لووا به ألسنتهم من الكتاب، لا من التوراة ولا من الإنجيل، بل هو من ليِّهم وتحريفهم ألفاظ الكتاب ومعانيه بألسنتهم. ﴿ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾؛ أي: ويقول هؤلاء الذين يلوون ألسنتهم بالكتاب، ﴿ هو ﴾ أي: ما لووا به ألسنتهم، ﴿ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ أي: مُنزَّل من عند الله، فلا يكتفون بِليّ ألسنتهم به؛ ليظن أنه من الكتاب، بل يقولون صراحةً هو من عند الله، وفى هذا تشنيع عليهم. ﴿ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ أي: والحال أنه ليس من عند الله، أي: ليس هو نازلًا من عند الله تعالى. وأظهر في مقام الإضمار في الموضعين، فلم يقل في الموضع الأول: «وما هو منه» ولم يقل هنا: «وما هو من عنده»؛ لتأكيد نفي أن يكون ما لووا به ألسنتهم من الكتاب هو من عند الله، والتشنيع عليهم، ولتهويل ما أقدموا عليه، والعناية والاهتمام كما قيل: لا أرى الموت يسبق الموت شيء ![]() قهر الموت ذا الغنى والفقيرا[12] ![]() ![]() ![]() وقال الآخر: وَلما رَأَيْت الشيب لَاحَ بياضه ![]() بمفرق رَأْسِي قلت للشيب مرْحَبَا[13] ![]() ![]() ![]() ﴿ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ﴾: الجملة معطوفة على قوله: ﴿ يَلْوُونَ﴾. أي: في نسبتهم ذلك إلى الله تعالى تعريضًا وتصريحًا، وجاء التعبير بالمضارع في ﴿ يَلْوُونَ ﴾ و﴿ وَيَقُولُونَ ﴾ للدلالة على التجدد وأن هذا دأبهم، أي: ويفترون على الله الكذب في ليِّ ألسنتهم بالكتاب، ونسبتهم ذلك إلى الله تعالى؛ كما في قولهم: ﴿ لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾ [آل عمران: 181]، وقولهم: ﴿ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ﴾ [المائدة: 64]. وكما في قولهم: «استراح يوم السبت». ﴿ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾: الجملة حالية، أي: والحال أنهم يعلمون، أي: يعلمون أنهم كاذبون على الله، فهم يكذبون ويفترون على الله عن عمد، وهذا أشد ممن قال الكذب وهو لا يعلم أنه كذب. قوله تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ﴾. بيَّن عز وجل في الآية السابقة كذبَ أهل الكتاب وافتراءهم على الله تعالى ونفى ذلك وأبطله، ثم أتبع ذلك بذكر افترائهم على رسله ونفى ذلك وأبطله ومن ذلك زعم النصارى أن عيسى - عليه السلام - أمرهم بعبادته من دون الله. عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال أبو رافع القرظي حين اجتمعت الأحبار من اليهود والنصارى من أهل نجران عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الإسلام: أتريد يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم؟ فقال رجل من أهل نجران نصراني يقال له الرِّبِّيس: أو ذاك تريد منا يا محمد وإليه تدعونا؟ أو كما قال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «معاذ الله أن نعبد غير الله، أو أن نأمر بعبادة غيره، ما بذلك بعثني، ولا بذلك أمرني»، أو كما قال، فأنزل الله - عز وجل - في ذلك من قولهم: ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ * وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾»[14]. قوله: ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾. ﴿مَا﴾: نافية، أي: ما كان جائزًا شرعًا وقدرًا لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس هذه المقالة الشركية، أي: أن هذا ممتنع ومستحيل كل الاستحالة. ﴿ لِبَشَرٍ ﴾ أي: ما كان لواحد من البشر، و«البشر» هم بنو آدم، وسُمِّيَ الإنسان بشرًا؛ لأن بشرته ظاهرة ليس عليها شعر ولا صوف ولا وبر ولا ريش ولا زعانف، وقيل: لظهور أثر البشارة عليه إذا أخبر بما يسره، وقيل: لهذا ولهذا. ﴿ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّه الْكِتَابَ ﴾ أي: أن يعطيه الله الكتاب شرعًا وقدرًا، و(أل) في «الكتاب» للجنس، أي: جنس الكتاب، أي: أن ينزل عليه الكتاب. ﴿ وَالْحكْمَ ﴾؛ أي: والحكم الشرعي بين الناس بما أنزل من الكتاب والوحي؛ كما قال تعالى مخاطبًا النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ﴾ [المائدة: 49]. ﴿ وَالنُّبُوَّةَ ﴾؛ أي: الإنباء والإخبار بالوحي، وهي مأخوذة من «النبأ» وهو الخبر، ومن «النَّبْوة» وهى المكان المرتفع، فالأنبياء مُخبَرون من الله ومُخبِرون لأقوامهم، وهم ذوو مكانة رفيعة ومنزلة عالية عند الله وعند المؤمنين. وهذا يدل على أن المراد بقوله: ﴿ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ ﴾؛ أي أن يعطيه الله الكتاب، وينبأ ويرسل به إلى الناس. وليس المراد به المرسل إليهم؛ كما في قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 146]. ﴿ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ ﴾: معطوف على «يؤتيه». ﴿ ثُمَّ ﴾: عاطفة، أي: ثم بعد ما يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة يقول للناس. ﴿ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾، هذا هو المستحيل والممتنع شرعًا وقدرًا، والذي ينصب عليه النفي، في قوله تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ ﴾. ومعنى: ﴿ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ أي: اعبدوني من دون الله، أي: مع الله أو اعبدوني ولا تعبدوا الله. وكل مَن عَبد غير الله فهو مُشرِك، سواء أفرد هذا المعبود بالعبادة ولم يعبد الله، أو عبد هذا المعبود مع الله؛ لأن مَن عبد مع الله غيره فهو لم يعبد الله؛ لأن عبادته لله مع غيره كلا عبادة، وسواء أشرك مع الله غيره في العبادة، أو في الطاعة، أو فيهما معًا، كما جاء في الحديث القدسي: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه»[15]. وعبادة الأنبياء وإشراكهم مع الله إنما ابتدعها أهل الكفر والشرك من أممهم؛ كما قال الله تعالى: ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 31]. ﴿ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ ﴾ الواو: عاطفة، و«لكن»: حرف استدراك، أي: ولكن يقول: ﴿ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ ﴾؛ أي: كونوا شرعًا. ﴿ رَبَّانِيِّينَ ﴾: جمع «رباني» نسبةً إلى «الرب» - عز وجل - وطاعته، والتربي بشرعه، امتثالًا لأمره، واجتنابًا لنهيه، وتربية الناس على ذلك، وتعليمهم الخير مما يصلح دينهم ودنياهم وأُخراهم؛ كما قال تعالى: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ ﴾ [آل عمران: 146]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المائدة: 44]. أي: ويحكم بها الربانيون الذين، أطاعوا الله - عز وجل - وتربُّوا على عبادته وطاعته، وعملوا على تربية الناس على ذلك. فالمعنى: ﴿ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ ﴾ أي: متعبدين للرب - عز وجل - مخلصين له متربين بشرعه ومربين الناس عليه. ﴿ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ ﴾: قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وعاصم ﴿ تُعَلِّمُونَ ﴾ بضم التاء وفتح العين وكسر اللام مع تشديدها، أي: تُعَلِّمون الناس الكتاب، أي: تُفَهِّمونهم معناه، وقرأ الباقون «تَعْلَمون» بفتح التاء وإسكان العين وفتح اللام مع التخفيف، أي: تَعْلَمون بأنفسكم الكتاب، أي: تفهمون معناه. والباء في قوله: ﴿ بما ﴾: للسببية، و«ما» مصدرية. والمراد بــ«الكتاب»: التوراة والإنجيل، أي: بسبب كونكم تعلمون الكتاب وتفهمون معانيه وتُعَلِّمونه للناس؛ لأن الذي يُعَلِّم ويُفَهِّم الناس ينبغي أن يكون ربانيًّا يقرن في تعليمه للناس بين التعليم، والتربية على العمل بالعلم، كما كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في سيرته مع أصحابه، وهدي الخلفاء الراشدين من بعده. عن عمرو بن سلمة - رضي الله عنه - قال: «كنت غلامًا في حِجر النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت يدي تطيش في الصفحة، فأمسك صلى الله عليه وسلم بيدي، وقال: «يا غلام، سَمِّ الله، وكُل بيمينك، وكُل مما يليك»، فما زالت تلك طعمتي بعد»[16]. وعن كلدة بن حنبل - رضي الله عنه - قال: «دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ولم أُسَلِّم، ولم أستأذن، فقال «ارجع، فقُل: السلام عليكم. أأدخل؟!» فرجعت، فقلت: السلام عليكم. أأدخل؟، فأذن لي»[17]. والجمع بين التعليم والتربية على العمل بالعلم وممارسته وتطبيقه هو المنهج الصحيح في التعليم؛ لأن ثمرة العلم هي العمل به، وما فائدة علم يجمع في الأذهان ولا تظهر ثمرته وأثره على الجوارح والأبدان؟! ولهذا جاء الوعيد الشديد لمن تعلم القرآن والعلم ولم يعمل به، كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في أول من تسعر بهم النار، قال صلى الله عليه وسلم: «ورجل تعلم العلم وعلَّمه، وقرأ القرآن فأتي به فَعرَّفة نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلَّمته وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت ولكنك تعلَّمت العلم ليُقال: عالِم، وقرأت القرآن ليُقال: هو قارئ، فقد قيل. ثم أمر به، فسُحِبَ على وجهه حتى أُلقيَ في النار»[18]. وعالم بعلمه لم يعلمن ![]() معذب من قبل عباد الوثن[19] ![]() ![]() ![]() وكثير ممن يتولون التعليم في مراحله المختلفة لا تظهر عليهم آثار التربي بالعلم، ولا يربون الناس عليه؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه، وكيف لمن لم يُرَبِّ نفسه بالعلم - إن كان عنده علم- أن يربي الناس عليه؟! وكما قال أحمد شوقي: وإذا المُعلِّم ساء لحظ بصيرة ![]() جاءت على يده البصائر حولا[20] ![]() ![]() ![]() ومع أن المؤسسات التعليمية في كثير من البلاد العربية والإسلامية وغيرها تتقمص مُسَمَّى التربية والتعليم إلا أن الملاحظ وجود الانفصام بين التعليم والتربية، فالموجود في كثير من هذه المؤسسات هو التعليم النظري مع ضعف فيه دون التربية، وهذا بلا شك ناقوس الخطر. ﴿ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ﴾: معطوفة على الجملة قبلها، والباء: سببية، و«ما»: مصدرية، أي: وبسبب كونكم تدرسون الكتاب، أي: تقرؤونه وتتلونه، كما في الحديث: «وما اجتمع قوم في بيتٍ من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشِيتهم الرحمة، وحفَّتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده»[21]. والمعنى: كونوا ربانيين بسبب كونكم تعلمون وتفهمون معانيه، وتُعلِّمونه للناس وبسبب كونكم تَدْرُسون الكتاب وتكررون قراءته وتُدَرِّسونه. قوله تعالى: ﴿ وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾. نفى في الآية السابقة أن يكون لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة، فيدعو الناس لعبادته من دون الله، ثم أتبع ذلك بنفي أن يدعوهم إلى اتخاذ الملائكة والنبيين أربابًا؛ لأن هذا وذاك أمر بالكفر. قوله: ﴿ وَلَا يَأْمُرَكُمْ ﴾: قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة وخلف ويعقوب بنصب الراء ﴿ وَلَا يَأْمُرَكُمْ ﴾ عطفًا على ﴿ يَقُولَ ﴾، و«لا»: زائدة من حيث الإعراب مؤكدة لمعنى النفي في قوله: ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ ﴾ وفاعل ﴿ يَأْمُرَكُمْ ﴾: ضمير يعود إلى «بشر»، أي: ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يأمر الناس بأن يكونوا عبادًا له، ويأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابًا. وقرأ الباقون: «ولا يأمُرُكم» بضم الراء على الاستئناف، وقرأها أبو عمرو على أصله من جواز تسكين الراء والاختلاس: «ولا يأمرْكم». وضمير الفاعل في «يأمركم» على هاتين القراءتين يجوز أن يعود إلى الله تعالى، ويجوز أن يعود إلى «بشر» في قوله تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ ﴾. والمعنى: ما كان له أن يقول: اعبدوني من دون الله، وما كان له أن يأمُركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابًا، أي: إن هذا وهذا مستحيل أن يقوله أو يأمر به من أعطاه الله الكتاب والحكم والنبوة. ﴿ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا ﴾: أي: أن تجعلوا وتصيروا الملائكة والنبيين أربابًا، و«تتخذوا» ينصب مفعولين: الأول هنا: «الملائكة والنبيين»، والثاني: «أربابًا». و﴿ أَرْبَابًا ﴾: جمع رب، أي: معبودين وآلهة تُعبد من دون الله؛ كما قال تعالى: ﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [يوسف: 39]، وقال تعالى: ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 31]. ﴿ أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ ﴾: قرأ أبو عمرو: «أيأمرْكم» بتسكين الراء واختلاسها، وقرأ الباقون بضمها ﴿ أَيَأْمُرُكُمْ ﴾. والاستفهام للإنكار والنفي، أي: لا يمكن أن يأمركم بالكفر بعبادته من دون الله، أو اتخاذ الملائكة والنبيين أربابًا. ﴿ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ أي: بعد أن تقرر وثبت أنكم مسلمون، أي: بعد أن تقرر وثبت إسلامكم، فالله - عز وجل - لا يأمر بذلك وكذا أنبياؤه عليهم السلام؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25]، وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [النحل: 36]، وقال تعالى: ﴿ وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ ﴾ [الزخرف: 45]. [1] أخرجه أبو داود في البيوع (3535)، والترمذي في البيوع (1264)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وقال الترمذي: «حديث حسن غريب». [2] أخرجه البخاري في الصوم (1913)، ومسلم في الصيام (1080)، وأبو داود في الصوم (2319)، والنسائي في الصيام (2140)، من حديث عمر رضي الله عنه. [3] أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء (3329)، من حديث أنس رضي الله عنه. [4] أخرجه البخاري في الخصومات (2417)، ومسلم في الإيمان (138)، وأبو داود في الأيمان والنذور (3243)، والترمذي في أبواب البيوع (1269)، وابن ماجه في الأحكام (2322)، والواحدي في أسباب النزول ص(72-73). [5] أخرجه البخاري في البيوع (2088)، وفي التفسير (4276)، والواحدي في أسباب النزول ص(73). [6] أي: ستره ورحمته. [7] أخرجه البخاري في المظالم والغصب (2441)، ومسلم في التوبة (2728)، وابن ماجه في المقدمة (183). [8] أخرجه مسلم في الإيمان (181). [9] أخرجه البخاري في الحوالات (2287)، ومسلم في المساقاة (1564)، وأبو داود في البيوع (3345)، والنسائي في البيوع (4688)، والترمذي في البيوع (1308)، وابن ماجه في الأحكام (2404 )، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. [10] أخرجه البخاري في التفسير (4556)، ومسلم في الحدود (1699)، وأبو داود في الحدود (4446)، وابن ماجه في الحدود (2556 )، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. [11] أخرجه البخاري في الأدب (6024)، ومسلم في السلام (2165)، والترمذي في الاستئذان (2701)، وابن ماجه في الأدب (3698)، من حديث عائشة رضي الله عنها. [12] البيت لعدي بن زيد؛ انظر: «ديوانه» (ص65). [13] البيت ليحيى بن زياد؛ انظر: «ديوان الحماسة» (ص784). [14] أخرجه ابن إسحاق؛ انظر: «السيرة النبوية» لابن هشام (1/554)، وأخرجه الطبري في «جامع البيان» (5/524)، وابن أبي حاتم في «تفسيره» (2/693). [15] أخرجه مسلم في الزهد والرقائق - من أشرك في عمله غير الله (2985)، وابن ماجه في الزهد (4202)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. [16] أخرجه البخاري في الأطعمة (5376)، ومسلم في الأشربة (2022)، وأبو داود في الأطعمة (3777). [17] أخرجه الترمذي في الاستئذان (2710)، وأخرجه أبو داود مختصرًا في الأدب ( 5176). [18] أخرجه مسلم في الإمارة (1905)، والنسائي في الجهاد ( 3137). [19] البيت لابن رسلان؛ انظر: «غاية البيان» (ص4). [20] انظر: «الشوقيات» (2/76). [21] أخرجه مسلم في الذكر والدعاء (3699)، وأبو داود في الصلاة (1455)، والترمذي في القراءات (2945)، وابن ماجه في المقدمة (225 )، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
__________________
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |