شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5044 - عددالزوار : 2204178 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4626 - عددالزوار : 1484499 )           »          حكم حج المرأة على نفقه الغير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          هل يكشف الله تعالى لبعض خلقه عن الغيب ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          (يا أبا الحسن ارفع يدك إلى السماء، وادع ربك وسله يعطك) حديث موضوع. (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          هل يشرع للمسلم كلما تلا قوله تعالى : ( فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          what are the two surhas that have been called"as-zahrawan"? Praise be to A (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          ما هما السورتان اللتان تلقبان بـ ( الزهراوين ). (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          إصــلاح الــزوج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          فواصل للمواضيع . (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 34 - عددالزوار : 146 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #11  
قديم 18-10-2025, 06:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,955
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب اللعان)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (469)

صـــــ(1) إلى صــ(24)







شرح زاد المستقنع - كتاب العدد [3]
شرع الله سبحانه وتعالى لمن توفي زوجها أن تعتد أربعة أشهر وعشرا، وهذه العدة فيها من الحكم والأسرار الشيء الكثير، وتختلف أحكام المعتدة هذه العدة بحسب حالها من حيث الحيض وعدمه، والحمل وعدمه، وكذلك من حيث تعلق عدة أخرى بها من عدمه.
عدة المتوفى عنها زوجها
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن سار على سبيله ونهجه إلى يوم الدين.
أما بعد: يقول المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: الثانية: المتوفى عنها زوجها بلا حمل منه] .
شرع المصنف رحمه الله في النوع الثاني من النساء المعتدات وهي المرأة التي توفي عنها زوجها، وقد شرع الله عز وجل لها العدة أربعة أشهر وعشرا، كما قال تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} [البقرة:234] ، فبين سبحانه وتعالى لزوم العدة -التي هي الحداد- على المرأة التي توفي عنها زوجها، ودلت السنة على ذلك، كما في حديث أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنها، وفيه: أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا) ، وقد كانت في الجاهلية تمكث المرأة سنة كاملة بعد وفاة زوجها، وتجلس في مكان ضيق، وتمتنع من الطيبات والمباحات، وتكون بأبشع حال وأسوأ صورة حتى تتم سنة كاملة، فخفف الله تبارك وتعالى ويسر، ودفع عن عباده ما كان من أمور الجاهلية التي ما أنزل الله بها من سلطان، فشرع هذا الحداد أربعة أشهر وعشرا، وهذا النوع من العدة سواء كان الزوج دخل بها أو لم يدخل بها، فكل امرأة عقد عليها زوجها وتوفي عنها وهي في عصمته سواء وقع الدخول أو لم يقع الدخول فإنها زوجته ترثه ويرثها إذا ماتت، فيلزمها الحداد وعدة الوفاة.
(المتوفى عنها زوجها بلا حمل منه قبل الدخول أو بعده).
(قبل الدخول أو بعده)، سواء دخل بها أو بعده، ثم تنقسم هذه التي توفي عنها زوجها إلى قسمين: إما أن تكون حاملا، وإما أن تكون حائلا، فالمرأة الحائل التي هي غير حامل هي التي تكون عدتها بما ذكرنا، ولكن إذا كانت حاملا فإنها تعتد بوضع حملها، لقوله تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} [الطلاق:4] ، فجعل الله عز وجل عدة المرأة الحامل أن تضع ما في بطنها، وقد دل على ذلك الحديث الصحيح في قصة أبي السنابل بن بعكك رضي الله عنه وأرضاه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أفتى في هذا الحديث الصحيح أن المرأة الحامل تعتد بوضعها لحملها ولو كان الوضع بعد الوفاة أو بعد الطلاق بساعة.
فلو أنه توفي عنها الساعة الثانية ظهرا، وبعد وفاته ولو بدقيقة خرج حملها وجنينها فقد خرجت من عدتها، وهذا حكم الله، والله يحكم ولا معقب لحكمه سبحانه وتعالى، وهذا شرعه وهذا حكمه، فهو أمر تعبدي، فإذا وضعت الحامل حملها خرجت من عدتها.
فهنا بين المصنف رحمه الله أنها تعتد أربعة أشهر وعشرا بشرط: أن لا تكون حاملا، فإن كانت حاملا فإنها تعتد بوضع الحمل، وجماهير السلف والخلف -رحمهم الله ورضي الله عن أصحاب رسوله صلى الله عليه وسلم أجمعين-على هذا.
وهناك من الصحابة من أثر عنه القول، بأنها تعتد أبعد الأجلين، فإن كانت حاملا ووضعت بعد الوفاة بأسبوع أو بشهر أو بشهرين أو بثلاثة فإنها تعتد عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا؛ لأن عدة الوفاة أطول، وإن كان حملها يستمر فوق الأربعة الأشهر وعشرا فتعتد لوضع الحمل، فيرون أنها تعتد أبعد الأجلين، وهذا قول ضعيف.
والصحيح: ما دل عليه ظاهر الكتاب، وظاهر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانعقدت عليه كلمة جماهير السلف رحمهم الله أجمعين.
عدة الأمة المتوفى عنها زوجها
قال رحمه الله: [للحرة أربعة أشهر وعشرا وللأمة نصفها] .
هذه العدة للحرة.
أي: للمرأة الحرة أربعة أشهر وعشرا كما في نص الآية التي سبقت، وكذلك حديث أم حبيبة رضي الله عنها في الصحيحين، فقد نص النبي صلى الله عليه وسلم على أن عدة المرأة أربعة أشهر وعشرا، وفرق المصنف رحمه الله بين الحرة والأمة، فالأمة في مذهب الجمهور تكون على التشطير في عدة الوفاة، وهذه المسألة خالف فيها بعض أئمة السلف رحمهم الله وقالوا: عدة الوفاة تستوي فيها الحرة والأمة كما هو مذهب الظاهرية، والذي يظهر من ناحية الدليل أن أصح القولين مذهب الظاهرية؛ فإنهم لا يقولون بالتشطير، وفي مذهب مالك أيضا ما يدل على ذلك، وهذا القول ألزم للأصل، وأقعد للسنة بالدليل، فالكتاب والسنة على أن المرأة حرة كانت أو أمة تعتد بهذه العدة وهي أربعة أشهر وعشرا؛ لأن ظاهر القرآن لم يفرق، وكذلك ظاهر السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيبقى على هذا الظاهر، والحنابلة ومن وافقهم رحمة الله عليهم ألحقوا هذه المسألة بعدة الطلاق فقالوا: لما كانت الأمة تعتد في طلاقها على النصف فكذلك في عدة الوفاة، وفي الحقيقة أن عدة الوفاة جانب التعبد والقياس فيها أضيق، ثم إن مسألة تشطير عدة الطلاق سيأتي -إن شاء الله- الكلام عليها وفيها ما فيها، وبناء على ذلك يكون هذا من باب رد المختلف فيه إلى غير المختلف فيه، وظواهر النصوص على أن عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا بالنسبة للمرأة حرة كانت أو أمة.

إذا اعتدت لطلاق رجعي فمات الزوج أثناء عدتها رجعت لعدة الوفاة
قال رحمه الله: [فإن مات زوج رجعية في عدة طلاق سقطت] .
هذه مسألة تتعلق بالمرأة المطلقة، فالمرأة إذا كانت في عصمة الرجل.
أي: عقد عليها وتوفي عنها فلا إشكال، وحينئذ تعتد، وقلنا: سواء توفي وقد دخل بها أو لم يدخل، حتى لو توفي بعد العقد بثانية واحدة فإنها زوجته ترثه ويسري عليها ما يسري على الزوجة من وجوب عدة الوفاة.
أما بالنسبة للمسألة التي معنا فهي مسألة الطلاق: إذا طلق الرجل امرأته واعتدت في طلاقه لها عدة الطلاق وتوفي أثناء العدة، فإن كانت المرأة في عدة طلاق رجعي كأن يكون طلقها الطلقة الأولى أو طلقها الطلقة الثانية ثم توفي أثناء عدة الطلاق؛ فإنها في حكم الزوجة وتعتد بعدة الوفاة، وبناء على ذلك: فإنه يحكم بوجوب الحداد عليها أربعة أشهر وعشرا، وتنتقل إلى عدة الوفاة، ومن العلماء من اختار أنها تعتد أبعد العدتين، والذي اختاره المصنف رحمه الله: أنها تنتقل إلى عدة الوفاة وأنها زوجته، وبناء على ذلك: تأخذ حكم الزوجية، وقد تقدم معنا أن الطلاق الرجعي تبقى فيه المرأة في حكم الزوجة.

قال رحمه الله: [سقطت وابتدأت عدة وفاة منذ مات] .

سقطت عدة الطلاق ورجعت إلى عدة الوفاة، حتى ولو كان ما بقي لها من عدة الطلاق إلا اليسير، فما دام أنه قد توفي قبل انتهاء عدة الطلاق، فلا عبرة بعدة الطلاق وتستأنف عدة الوفاة؛ لأنه توفي عنها وهي في عصمته وفي حكم الزوجة، وقد بينا أنها في حكم الزوجة، ولذلك يحق للرجل أن يراجع زوجته الرجعية التي هي في الطلقة الأولى والطلقة الثانية بعد الدخول حتى ولو لم ترض، ويردها بدون مهر وبدون عقد جديد، وهذا يدل على أنها في حكم الزوجة، ومن هنا لو مات عنها فقد شاء الله عز وجل أن يموت وهي في عصمته، فتعتد عدة الوفاة وتبقى في حكم الزوجية، ومن هنا يرد
السؤال لو بقي قليل من عدة طلاقها وتوفي الرجل، هل تتم عدة الطلاق أم تستأنف عدة الوفاة؟ بين رحمه الله أنها تسقط عدة الطلاق وتستأنف عدة الوفاة منذ وفاة زوجها، فلو توفي في شهر شوال وكان قد بقي لخروجها من عدة الطلاق إلى نهاية ذي القعدة وبلغ الخبر في خمسة عشر من ذي القعدة فإنها تحتسب من شهر شوال الذي وقعت فيه الوفاة، فبين رحمه الله حكمين: الحكم الأول: سقوط عدة الطلاق؛ لأنها في حكم الزوجة وقد توفي عنها زوجها.
ثانيا: استئناف عدة الوفاة، وهذا الاستئناف لعدة الوفاة يكون من حين وفاته، وهذا ما أشار إليه المصنف رحمه الله حينما جعل بداية العدة منذ وفاته.
طلاق الرجل لامرأته في مرض الموت
قال رحمه الله: [وإن مات في عدة من أبانها في الصحة لم تنتقل] .
سيدخل المصنف في مسألة الطلاق والموت بعده، فالمرأة إذا طلقها زوجها وتوفي بعد تطليقه لها لا يخلو طلاقه من صورتين:
تطليق الرجل لامرأته قبل الموت مع عدم التهمة
مثال ذلك: أن يطلقها وهو صحيح ثم يخرج -نسأل الله السلامة والعافية- فيحصل له حادث فيموت، وتكون الطلقة الأخيرة، أو يطلقها ثلاثا -على مذهب الجمهور- وتبين منه، ففي تطليقه لها الطلقة الثالثة أو ثلاث مجموعات في حال صحته وليس هناك مرض مخوف -كما قدمنا في ضبط مرض الخوف- فإنه لا يتهم في إخراجها وحرمانها من الميراث، ولا ترثه ولا إشكال في ذلك، فإذا طلقها وهو صحيح قوي ثم توفي فجأة فإننا لا نشك أن الطلاق قصد منه إخراجها عن العصمة وحرمانها من الميراث دون وجود تهمة أنه يريد ذلك، ولا ترثه لأنها صارت في حكم الأجنبية.
تطليق الرجل لامرأته مع التهمة
وقد يطلقها وتجتمع القرائن على إثبات أنه يريد حرمانها من الميراث، كأن يطلقها في مرض الموت المخوف ويبت طلاقها فدل على أنه يقصد أن يحرمها من الميراث، فهذه المسألة اختلف فيها أئمة السلف رحمهم الله، وكان الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه يقضي أنها تورث حتى ولو خرجت من عدتها، وذلك معاملة له بنقيض قصده حيث خالف شرع الله عز وجل وظلمها وحرمها حقها، فالظاهر شيء ونيته شيء آخر، فمن قضى من الصحابة بهذا القضاء غلب الباطن على الظاهر؛ لأن الشريعة قد يجمع فيها الأمران الظاهر مع الباطن، وقد ينظر إلى الظاهر ولا يلتفت إلى الباطن كما في المنافقين، وقد ينظر إلى الباطن ولا يلتفت إلى الظاهر كما في هذه المسألة، والباطن إما بإقراره كأن يقول: قصدت حرمانها، ويأتي شهود عند القاضي ويقولون: فلان طلق فلانة في مرضه وقال: قصدت حرمانها من الميراث، فحينئذ يثبت عند القاضي أنه قصد هذا القصد السيئ الذي يخالف شرع الله، أو تدور القرائن على هذا، كأن يطلقها بالثلاث وبعد أن أخبره الأطباء أن مرضه مرض موت، فليس هناك من داع لهذا الطلاق ومرضه مخوف يؤدي إلى الموت -نسأل الله السلامة والعافية- إلا الإضرار بالمرأة، ولذلك يذكر العلماء من أمثلة ختم العمل -والعياذ بالله- بالعمل السيئ: أن يظلم الإنسان في آخر عمره بتطليق الزوجة وحرمانها من الميراث؛ أو بالجوار في الوصية، كما جاء في الأثر أن من جار في وصيته ختم له بخاتمة سوء والعياذ بالله، فآخر ما يكتب في ديوانه عمل السوء -نسأل الله السلامة والعافية- حتى إن بعض العلماء قالوا: قوله: (فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) ، قالوا: المراد دخول الموحدين، وهو أن يعمل بعمل أهل النار فيفعل كبيرة قبل موته فيختم له بخاتمة السوء، ويشاء الله تعذيبه كي يدخل النار تطهيرا من هذا الذنب.
إذا: من أمارات سوء الخاتمة أن الشخص -والعياذ بالله- يجور ويظلم في آخر عمره، وفي هذه المسألة قضى الصحابة رضوان الله عليهم -وهو وقضاء عثمان رضي الله عنه- أنها ترث حتى بعد خروجها من العدة، وقد اختار هذا طائفة من أئمة السلف ودواوين العلم رحمهم الله واختاروا أنه يعامل بنقيض قصده.
إذا توفي من أبانها في مرض موته
قال رحمه الله: [وتعتد من أبانها في مرض موته: الأطول من عدة وفاة وطلاق] .
أي: تعتد عدة الوفاة، وإذا أثبت لها عدة الوفاة فمعنى ذلك: أنه أثبت لها الميراث؛ وعامله بنقيض قصده، فترث في هذه الحالة كل من طلقها زوجها في حال مرضه المخوف -وهو مرض الموت وقد تقدم ضابطه- وكان طلاقه طلاقا بائنا، ولو كان طلاقه جاريا على العادة لطلقها طلاقا رجعيا، لكنه حين طلقها ثلاثا دل على أنه يقصد حرمانها وظلمها، فمن هنا تقوى الشبهة والقرينة في الدلالة على أنه يريد السوء بها فيعامل بنقيض قصده.
إذا: يثبت لها: أولا: الإرث؛ معاملة له بنقيض القصد.
ثانيا: إذا ثبت الإرث ترتب عليه العدة، فلو كانت عدة الوفاة أطول من عدة الطلاق قدمت عدة الوفاة على عدة الطلاق وتعتد عدة الوفاة، وإن كانت عدة الطلاق أطول من عدة الوفاة اعتدت عدة الطلاق.
يعني: تعتد أطول العدتين، وهذا قد تقدم معنا غير مرة، وهي من مسائل الاشتباه، ولذلك يحتاط لحق الله عز وجل؛ لأن العدة فيها معنى التعبد، ومن هنا يقال: إذا كان الأطول عدة الوفاة اعتدتها، وإن كان الأطول عدة الطلاق اعتدتها، فلو أنه توفي في آخر عدة الطلاق فالأطول عدة الوفاة، ولو كان العكس كأن يطول حيضها وطهرها فعدة الطلاق أطول، وحينئذ تقدم عدة الطلاق على عدة الوفاة.
حالات تقديم عدة الطلاق على عدة الوفاة
قال رحمه الله: [ما لم تكن أمة أو ذمية أو جاءت البينونة منها فلطلاق لا لغيره] .
(ما لم تكن أمة أو ذمية)؛ لأن الأمة والذمية لا إرث لهما، فلو تزوج أمة وتوفرت فيه الشروط التي تقدمت معنا في نكاح الإماء، وطلقها قبل وفاته طلاقا بائنا فلا ترثه سواء طلقها أو لم يطلقها.
وموانع الإرث واحدة من علل ثلاث -كما ذكرها صاحب الرحبية-: رق وقتل واختلاف دين فاعلم فليس الشك كاليقين من موانع الإرث: الرق؛ لأن الأمة لا تملك وليس لها يد بالملكية، وحينئذ مالها لسيدها، فلو قلنا بإرثها لكان الإرث للسيد، وبناء على ذلك تقول: لا ترثه إذا توفي، فإذا كانت لا ترثه إذا توفي فحينئذ إذا طلقها فلا تهمة عليه؛ لأنها لا ترث أصلا، ومن هنا فليس هناك موجب لإدخال عدة الوفاة عليها إذا طلقها طلاقا بائنا.
(أو ذمية) الذمية: هي المرأة من أهل الكتاب من اليهود والنصارى، ويجوز للمسلم نكاح نسائهم في سائر الأعصار والدهور؛ لأن النص واضح وصريح ولا إشكال فيه، ولكن قد تستثنى بعض الحالات ويمنع من ذلك، كأن يؤدي به إلى أن يذهب إلى بلاد الكفر، أو أن ذريته ستؤخذ منه، فهذه مسائل مستثناة؛ لكن الأصل الشرعي الذي دل عليه نص الكتاب وأصول الشريعة: جواز نكاح نسائهم وأكل ذبائحهم، والسبب في هذا: الطمع في إسلامهن، وقد أحل الله الزواج من الكتابية ولم يحل نكاح الكتابي للمسلمة؛ لأن الرجل غالب للمرأة، فالغالب أن المرأة تتأثر به، وقد تسلم، وإذا لم تسلم على يد زوجها فقد تسلم على يد أولادها، ولكن إذا كان الزوج كافرا والمرأة مسلمة، فقد يكون الأمر بالعكس، فأحل الله النكاح للرجال ولم يحله للنساء، فإذا قيل: إن عندهم شركا، فالنصارى يعبدون المسيح، واليهود يقولون: عزير ابن الله.
نقول: لقد نص الله عز وجل على هذا من أيام النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الشرك موجود من أيام النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يختلف فيه اثنان، ووصفهم الله بأنهم أشركوا وكفروا، ونص على ذلك في غير ما موضع من الكتاب، ومع ذلك أجاز نكاحهن.
إذا: من حيث النصوص فلا إشكال في جواز نكاح الكتابية، لكن لا يفتى لكل شخص بجواز ذلك، فالفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان، فلو أن شخصا سألك عن ذلك، وأنت تعرف حالته أنه ضعيف دين وإيمان، ويخشى عليه من زواج الكتابية، فهذا لا شك أن شرع الله عز وجل يمنعه؛ لأن الوسائل آخذة حكم مقاصدها، فالوسيلة إلى الكفر من أعظم المسائل في الشريعة الإسلامية تحريما، حتى إن الإمام العز بن عبد السلام وكذلك السيوطي وغيرهما من أئمة العلم لما قرروا في قواعد الفقه مسألة الوسائل ذكروا أن أعظمها إثما: ما أفضى إلى الشرك والكفر، فإذا كان نكاحه للكتابية يفضي إلى الكفر منع من ذلك، وتتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان وفي حق بعض الظروف والأشخاص، لكن أصول الشريعة دالة على جوازه.
إذا: الشاهد: أنه لو تزوج امرأة من أهل الكتاب وطلقها وأبانها في مرض الوفاة فإنه لا يتهم؛ لأنها لا ترثه؛ لأن الكافر لا يرث المسلم، والمسلم لا يرث الكافر كما تقدم في موانع الإرث في بيت الرحبية: رق وقتل واختلاف دين فاعلم فليس الشك كاليقين فاختلاف الدين يمنع من الإرث، ومن هنا قال صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيح- لما سئل عن منزله في حجة الوداع، قال عليه الصلاة والسلام: (وهل ترك لنا عقيل من رباع) ؛ لأن قرابته ماتوا وهم على الشرك فلم يرثهم عليه الصلاة والسلام، وعقيل تأخر إسلامه فورث الكفار الذين ماتوا من قرابة النبي صلى الله عليه وسلم، فباع الدور ثم أسلم رضي الله عنه، فجمع الله له بين الدين والدنيا؛ فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وهل ترك لنا عقيل من رباع) ؛ لأن الكفر حال بينه عليه الصلاة والسلام وبين الإرث، فالمرأة إذا كانت كافرة فلا يرثها زوجها المسلم ولا ترثه؛ لأن المقصود من نكاحه لها هدايتها إلى الإسلام، فإذا مات عنها وهي على الكفر فقد فات المقصود، ومن هنا لا علاقة بينه وبينها، وتطليقه لها في مرض الموت ولو كان باتا موجب لخروجها من العصمة ولا تهمة فيه، وحينئذ لا تثبت عدة الوفاة بالنسبة لها.
قال رحمه الله: [أو جاءت البينونة منها فلطلاق لا لغير] .
أي: طلبت الطلاق وهذه كلها أمثلة لما تستبعد فيه الشبهة وتستبعد فيه القرينة على أنه يريد حرمانها، وصورة المسألة: امرأة اختصمت مع زوجها في مرض موته، فقالت له: طلقني ثلاثا، فلو كانت الطلقة الأخيرة فقالت: طلقني، فيفهم حينئذ أنها هي التي طلبت الطلاق وليس هو الذي ابتدأ الطلاق، فالتهمة حينئذ ضعيفة، والظن ضعيف، فإذا طلقها فلا إرث لها ولا تأثير في عدتها؛ لأنها صارت أجنبية بالطلقة الثالثة وليس هناك تهمة له بقصد حرمانها من الميراث؛ لأنها هي التي طلبت الطلاق، ولم تتوفر العلة التي أعمل الصحابة رضوان الله عليهم بسببها الإرث وحكموا بثبوته، فإذا طلبت وسألت الطلاق؛ فحينئذ يسقط حقها في الميراث.
بالمناسبة: يجب التنبيه على هذه المسائل خاصة في هذا الزمان -نسأل الله السلامة والعافية- الذي كثر فيه تطليق الكبار في آخر أعمارهم لزوجاتهم، وهذا أمر يحتم على طلاب العلم نصيحة الناس وتذكيرهم بالله عز وجل، خاصة الأئمة والخطباء، فإن الرجل في آخر عمره قد تسيء إليه زوجته وتضايقه، وقد تكون الإساءة منها بسبب ضعفها وكبرها، فالإنسان إذا كبر ضعف وربما ساء خلقه؛ كما في قصة ثعلبة في قصة الظهار لما جاءت زوجته خولة تشتكيه وقد كان شديدا عليها، وظاهر منها وآذاها وأضر بها، ومع ذلك قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (استوصي بابن عمك خيرا) ، فالرجل إذا كان كبيرا في آخر عمره تسوء أخلاقه، والمرأة إذا كبرت تسوء أخلاقها أكثر؛ لأنها أضعف من الرجل، فمسألة الطلاق في آخر العمر يوصى الأئمة والخطباء والعلماء ومن له دور في توجيه الناس بتذكير الناس بالله عز وجل بحفظ العهد، فالمرأة تمكث مع زوجها خمسون سنة وهي أم لأطفاله وتقوم على حاله، وقد يكون في حال فقر وشدة فتكافح وتجاهد من أجله حتى إذا كان في آخر عمره يسرحها ويطلقها، وقد لا يوجد من يعولها، فهذا أمر في شدة الغرابة، وهو يجوز له أن يطلق لكن ليس هذا من الوفاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ما أولئك بخياركم) ، فيذكر الناس بالأخير، ويذكر الرجل بأنه قد صبر هذه المدة كلها أفلا يصبر القليل من عمره؟! وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن حفظ العهد من الإيمان، ومن حفظ العهد: أنه إذا أساء إليك من له حق ومن له سابقة أن لا تقابله بالإساءة، فهذا حاطب بن أبي بلتعة الصحابي الجليل رضي الله عنه، شهد بدرا ثم كتب كتابه إلى قريش يحذرها من النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الكتاب من أخطر الكتب؛ لأنهم إذا أخذوا الحذر فسيقتلون المسلمين وسيحتاطون، ولربما كمنوا للمسلمين، وأخذوا المسلمين على غرة فتسيل الدماء وتزهق الأرواح، ومع ذلك لما أطلع الله رسوله على كتابه قال عمر رضي الله عنه: (يا رسول الله! دعني أضرب عنق هذا المنافق) ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (وما يدريك! لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) ؛ لأنه جاهد ووقف الموقف العظيم في يوم بدر وكان منه ما كان، ولكن الله جل وعلا من عظيم وفائه، حفظ له جهاده وسابقته في الإسلام: (وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) وهذا من كرمه سبحانه وتعالى، وصدق الله إذ يقول: {ومن أوفى بعهده من الله} [التوبة:111] ، فلا أوفى من الله، حتى إن الرجل الصالح إذا مات وفى الله له في حياته وبعد موته.
الشاهد: أن الله يحب الوفاء، وعدم الوفاء أمر عمت به البلوى، وكثرت فيه الشكوى، خاصة: تطليق النساء في آخر الأعمار، وأعظم ما يكون ذلك إذا كانت المرأة لا عائل لها وتتعرض إلى سؤال الناس، وأعرف بعض الحوادث التي تئن لها القلوب وتنجرح لها النفوس -نسأل الله العافية والسلامة- استولى عليه الشيطان وطلقها في آخر عمره فعاشت في شر عيشة، مع أنها كانت معه في فقر وشدة وكانت بعد الله سببا في صبره على كثير من الشدائد التي مر بها، فهذه أمور في الحقيقة يفضل أنه ينبه الناس عليها، خاصة في هذا الزمان الذي لا يجد فيه الزوج من يصبره، وإلى الله المشتكى والله المستعان.
مسألة: إذا طلق بعض نسائه مبهمة أم معينة ثم أنسيها ومات قبل القرعة
قال رحمه الله: [وإن طلق بعض نسائه مبهمة أو معينة ثم أنسيها ثم مات قبل قرعة اعتد كل منهن سوى حامل الأطول منهما] .
(وإن طلق بعض نسائه مبهمة أو معينة) مبهمة: أي: لم يحدد.
كأن يكون عنده ثلاث نساء فقال: واحدة منكن طالق، فالطلاق وقع، ولكن لا ندري أيتهن التي طلقها.
كذلك أيضا (معينة) لو قال: فلانة من نسائي طالق، وقال هذا في خلوته أو بحضور شخص، فنسي هو والشخص الذي معه من التي طلقها.
إذا أبهم الطلاق فقال: (إحداكن طالق) فقد تقدم معنا أنه يقرع بين النساء، فمن خرجت القرعة عليها فهي الطالق، وفي هذه الحالة إذا أجريت القرعة عرفنا من التي يقع عليها الطلاق، لكن الإشكال: إذا حصلت له الوفاة قبل أن يقرع، فحينئذ تكون القرعة محتملة لكل واحدة، فكل واحدة منهن يحتمل أن تكون هي التي تخرج عليها القرعة لو أجراها في حياته، ومن هنا تلزم جميع نسائه بالأطول من العدة، سواء كانت عدة الوفاة أو عدة الطلاق؛ لما تقدم معنا في مسألة التداخل.
(أو معينة ثم أنسيها) القضية أن يكون هناك إبهام، إما إبهام في الأصل، أو إبهام طارئ، والإبهام الطارئ: أن يعين ثم ينسى.
(ثم مات قبل قرعة) نفهم أنه لو مات بعد القرعة فلا إشكال، فالتي خرجت عليها القرعة هي التي يتعلق بها الطلاق، والباقيات نساء يرثن ويعتددن.

(اعتد كل منهن -سوى حامل- الأطول منهما).

سوى الحامل: فإنها تعتد عدة الوفاة أو عدة الحمل، والحامل بينا أنها تعتد بوضع جنينها؛ لأن ظاهر الكتاب والسنة دال على أن المرأة إذا كانت حاملا ووضعت حملها انتهت عدتها، لكن بالنسبة للمطلقة فإنه ينظر إلى الأطول في عدتها، سواء عدة الطلاق أو الوفاة، كأن تكون واحدة من زوجاته صغيرة، والصغيرة التي لم تحض عدتها ثلاثة أشهر، وعدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا، فتعتد عدة الوفاة؛ لأنها تكون في حكم الزوجة، وفي هذه الحالة نحكم بأنها تعتد الأطول وهي عدة الوفاة، وأسقطنا الأقل وهي عدة الطلاق الثلاثة الأشهر، ولو كان حيضها يطول فيه الطهر بين الحيضتين بحيث تستنفذ مدة الوفاة وتربو عليها فحينئذ تعتد بعدة الطلاق، سوى الحامل بنص الكتاب والسنة على أنها تعتد لوضع حملها، فقال رحمه الله: (سوى حامل) وسوى من أدوات الاستثناء.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 11 ( الأعضاء 0 والزوار 11)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 1,528.60 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 1,526.88 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (0.11%)]