مع سورة المعارج - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         8 وجبات صحية للعودة الى المدرسة , وجبات صحية للاطفال للمدرسة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          Translation of the meanings of Surat AL FURQAAN (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          تأملات قرآنية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          The obligatory parts and sunnahs of wudoo (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          10 نصائح للفتاة المسلمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          ما هو علاج نزلات البرد او علاج البرد؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          أهم النصائح لتحافظ على صحة قلبك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          كيفية علاج الجروح العميقة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          تطوير آلية لحماية الأطفال من الإصابة بالسكري مبكرًا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          أبسط الطرق لعمل الصابون السائل في المنزل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 26-11-2025, 09:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,565
الدولة : Egypt
افتراضي مع سورة المعارج

مع سورة المعارج

د. خالد النجار
قال ابن عاشور: سميت هذه السورة في كتب السنة وفي «صحيح البخاري» و«جامع الترمذي»، وفي «تفسير الطبري» وابن عطية وابن كثير «سورة سأل سائل».

وكذلك رأيتها في بعض المصاحف المخطوطة بالخط الكوفي بالقيروان في القرن الخامس.

وسميت في معظم المصاحف المشرقية والمغربية وفي معظم التفاسير «سورة المعارج». وذكر في «الإتقان» أنها تسمى «سورة الواقع».

وهذه الأسماء الثلاثة مقتبسة من كلمات وقعت في أولها، وأخصها بها جملة ﴿ سَأَلَ سَائِلٌ ﴾ [المعارج:1]؛ لأنها لم يرد مثلها في غيرها من سور القرآن، إلا أنها غلب عليها اسم «سورة المعارج»؛ لأنه أخف.

وهي مكية بالاتفاق. وهي السورة الثامنة والسبعون في عداد نزول سور القرآن عند جابر بن زيد، نزلت بعد سورة الحاقة وقبل سورة النبأ.

وعد جمهور الأمصار آيها أربعًا وأربعين. وعدَّها أهل الشام ثلاثًا وأربعين.

﴿ سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ * تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ﴾ [المعارج: 1 - 4].

﴿ سَأَلَ سَائِلٌ ﴾ سائل: لزيادة تصوير هذا السؤال العجيب.

والسؤال مستعمل في معنيين: الاستفهام عن شيء والدعاء، على أن استفهامهم مستعمل في التهكم والتعجيز.

﴿ بِعَذَابٍ ﴾ من قال أن السؤال بمعنى الدعاء؛ أي: دعا داعٍ بعذاب﴿ وَاقِعٍ ﴾ وفيه تضمين دل عليه حرف "الباء"، كأنه مُقَدر: يستعجل سائل بعذاب واقع؛ كقوله: ﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ ﴾ [الحج:47]؛ أي: وعذابه واقع لا محالة؛ كقوله تعالى: ﴿ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ ﴾ [المؤمنون:20]، وقوله. ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ ﴾ [مريم:25]، فالباء تأكيد؛ أي: سأل سائل عذابًا واقعًا.

قال مجاهد: أي: دعا داعٍ بعذاب يقع في الآخرة، وهو قولهم: ﴿ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الأنفال:32].

والسائل هو النضر بن الحارث بن كَلَدَة- فيما رواه النسائي عن ابن عباس- فنزل سؤاله، وقتل يوم بَدْر صبرًا هو وعقبة بن أبي مُعيط؛ لم يقتل صبرًا غيرهما؛ قاله ابن عباس ومجاهد. ففي الآية إخبار عن مغيب وقع مصداقه.

وإذا كانت الباء بمعنى «عن»- وهو قول قتادة- فكأن سائلًا سأل عن العذاب بمن يقع أو متى يقع.. قال الله تعالى: ﴿ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 59]؛ أي: سل عنه.

قال ابن عاشور: ووصف العذاب بأنه واقع، وما بعده من أوصافه إلى قوله: ﴿ إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ﴾ [المعارج: 6] إدماج معترض ليفيد تعجيل الإجابة عما سأل عنه سائل بكلا معنيي السؤال؛ لأن السؤال لم يحك فيه عذاب معين؛ وإنما كان مجملًا؛ لأن السائل سأل عن عذاب غير موصوف، أو الداعي دعا بعذاب غير موصوف، فحكي السؤال مجملًا ليرتب عليه وصفه بهذه الأوصاف والتعلقات، فينتقل إلى ذكر أحوال هذا العذاب وما يحف به من الأهوال.

وقد طويت في مطاوي هذه التعلُّقات جمل كثيرة كان الكلام بذلك إيجازًا؛ إذ حصل خلالها ما يفهم منه جواب السائل، واستجابة الداعي، والإنباء بأنه عذاب واقع عليهم من الله لا يدفعه عنهم دافع، ولا يغرُّهم تأخُّره.

وهذه الأوصاف من قبيل الأسلوب الحكيم؛ لأن ما عدد فيه من أوصاف العذاب وهوله ووقته هو الأولى لهم أن يعلموه ليحذروه، دون أن يخوضوا في تعيين وقته، فحصل من هذا كله معنى: أنهم سألوا عن العذاب الذي هدَّدوا به عن وقته ووصفه سؤال استهزاء، ودعوا الله أن يرسل عليهم عذابًا إن كان القرآن حقًّا، إظهارًا لقلة اكتراثهم بالإنذار بالعذاب. فأعلمهم أن العذاب الذي استهزءوا به واقع لا يدفعه عنهم تأخُّر وقته، فإن أرادوا النجاة فليحذروه.

﴿ لِلْكَافِرِينَ ﴾ مُرصد مُعَدّ للكافرين، واللام لشبه الملك؛ أي: عذاب من خصائصهم؛ كما قال تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 24].

﴿ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ ﴾ رادٌّ يرده من جهته، لتعلق إرادته به. وهذا كقوله تعالى: ﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ ﴾ [الحج: 47].

﴿ مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ ﴾ المعارج جمع مِعْرَجٍ، وهو ما يعرج به؛ أي: يصعد من سلم ومدرج، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ﴾ [الزخرف: 33].

والمفسرون ذكروا فيه وجوهًا:
أحدها: قال ابن عباس في رواية: أي: هي السماوات؛ وسماها معارج؛ لأن الملائكة يعرجون فيها.

وثانيها: قال قتادة: ذي الفواضل والنعم؛ وذلك لأن لأياديه ووجوه إنعامه مراتب، وهي تصل إلى الناس على مراتب مختلفة.

وثالثها: أن المعارج هي الدرجات التي يعطيها أولياءه في الجنة. وقيل: المعارج الغرف؛ أي: إنه ذو الغرف؛ أي: جعل لأوليائه في الجنة غُرُفًا.

وإجراء وصف ﴿ ذِي الْمَعَارِجِ ﴾ على اسم الجلالة لاستحضار عظمة جلاله، ولإدماج الإشعار بكثرة مراتب القرب من رضاه وثوابه، فإن المعارج من خصائص منازل العظماء، قال تعالى: ﴿ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ﴾ [الزخرف: 33]. ولكل درجة المعارج قوم عملوا لنوالها قال تعالى: ﴿ يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة:11]، وليكون من هذا الوصف تخلُّص إلى ذكر يوم الجزاء الذي يكون فيه العذاب الحق للكافرين.

﴿ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ ﴾ جبريل، ويكون من باب عطف الخاص على العام. وتخصيصه بالذكر لتمييزه بالفضل على الملائكة. ونظير هذا قوله: ﴿ تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا ﴾ [القدر:4]؛ أي: في ليلة القدر.

ويحتمل أن يكون اسم جنس لأرواح بني آدم، فإنها إذا قبضت يُصعد بها إلى السماء.. قال قبيصة بن ذؤيب: إنه روح الميت حين يقبض.

والجملة اعتراض لبيان أن المعارج منازل من الرفعة الاعتبارية ترتقي فيها الملائكة وليست معارج يعرج إليه فيها؛ أي: فهي معارج جعلها الله للملائكة فَقُرِّبَ بها من منازل التشريف، مُعْرَجُ إِلَيْهِ بِإِذْنِهِ لَا عَارِجٌ، وبذلك الجعل وصف الله بأنه صاحبها؛ أي: جاعلها، ونظيره قوله تعالى: ﴿ ذُو الْعَرْشِ ﴾ [غافر: 15].
﴿ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ﴾ قال ابن جرير: أي: تصعد الملائكة والروح، وهو جبريل، إليه عز وجل، في يوم كان مقدار صعودهم ذلك، في يوم لغيرهم من الخلق: خمسين ألف سنة؛ وذلك أنها تصعد من منتهى أسفل الأرض، إلى منتهى أمره من فوق السماوات السبع.

وقيل: المراد بذلك يوم القيامة، تعرج الملائكة والروح إليه في يوم يفرغ فيه من القضاء بين خلقه قدره خمسون ألف سنة.. فهذا العروج كائن يوم القيامة، وهو اليوم الذي مقداره خمسون ألف سنة. وهذه تقريبات لنهاية عظمة تلك المنازل وارتقاء أهل العالم الأشرف إليها وعظمة يوم وقوعها.

وهذه الآية كآية: ﴿ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ﴾ [السجدة: 5].

وروى الإمام أحمد عَنْ أَبِي عُمَرَ الْغُدَانِيِّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ جَالِسًا، قَالَ: فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، فَقِيلَ لَهُ: هَذَا أَكْثَرُ عَامِرِيٍّ نَادَى مَالًا [جمع مالًا]، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: رُدُّوهُ إِلَيَّ، فَرَدُّوهُ عَلَيْهِ فَقَالَ: نُبِّئْتُ أَنَّكَ ذُو مَالٍ كَثِيرٍ، فَقَالَ الْعَامِرِيُّ: إِي وَاللهِ، إِنَّ لِي لمِائَةً حُمْرًا، وَمِائَةً أَدْمَاءَ [وفي رواية ومائة أدمًا]، حَتَّى عَدَّ مِنْ أَلْوَانِ الْإِبِلِ، وَأَفْنَانِ الرَّقِيقِ [جمع فن؛ أي: نوع]، وَرِبَاطِ الْخَيْلِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِيَّاكَ، وَأَخْفَافَ الْإِبِلِ، وَأَظْلَافَ الْغَنَمِ [أي: إياك وأن تمنع زكاة الإبل والغنم فتطؤك الإبل بأخفافها والغنم بأظلافها]، يُرَدِّدُ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى جَعَلَ لَوْنُ الْعَامِرِيِّ يَتَغَيَّرُ، أَوْ يَتَلَوَّنُ، فَقَالَ: مَا ذَاكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ-: ((مَنْ كَانَتْ لَهُ إِبِلٌ لَا يُعْطِي حَقَّهَا فِي نَجْدَتِهَا، وَرِسْلِهَا) قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا نَجْدَتُهَا وَرِسْلُهَا؟ قَالَ: (فِي عُسْرِهَا وَيُسْرِهَا [يعطي وهي سمان حِسَان يشتد عليه إخراجها فتلك نجدتها، ويعطي في رسلها وهي مهازيل مقاربة]، فَإِنَّهَا تَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَغَذِّ مَا كَانَتْ [من الإغذاذ؛ أي: أسرع وأنشط]، وَأَكْبَرِهِ، وَأَسْمَنِهِ، وَآشرِهِ [وأسَرَّه؛ أي: كأسمن مما كانت وأوفره، مِن سَر كل شيء: وهو لُبه ومُخه، وقيل: هو من السرور؛ لأنها إذا سمنت سَرَّت الناظرَ إليها. وأما "آشره": أبطره وأنشطه]، ثُمَّ يُبْطَحُ لَهَا بِقَاعٍ [المكان الواسع] قَرْقَرٍ [المكان المستوي]، فَتَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا، إِذَا جَاوَزَتْهُ أُخْرَاهَا أُعِيدَتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فَيَرَى سَبِيلَهُ، وَإِذَا كَانَتْ لَهُ بَقَرٌ لَا يُعْطِي حَقَّهَا فِي نَجْدَتِهَا، وَرِسْلِهَا، فَإِنَّهَا تَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَغَذِّ مَا كَانَتْ، وَأَكْبَرِهِ، وَأَسْمَنِهِ، وآشَرِهِ، ثُمَّ يُبْطَحُ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، فَتَطَؤُهُ كُلُّ ذَاتِ ظِلْفٍ بِظِلْفِهَا، وَتَنْطَحُهُ كُلُّ ذَاتِ قَرْنٍ بِقَرْنِهَا، إِذَا جَاوَزَتْهُ أُخْرَاهَا أُعِيدَتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ حَتَّى يَرَى سَبِيلَهُ، وَإِذَا كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ لَا يُعْطِي حَقَّهَا فِي نَجْدَتِهَا وَرِسْلِهَا، فَإِنَّهَا تَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَغَذِّ مَا كَانَتْ، وَأَكْبَرِهِ، وَأَسْمَنِهِ، وآشَرِهِ، ثُمَّ يُبْطَحُ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، فَتَطَؤُهُ كُلُّ ذَاتِ ظِلْفٍ بِظِلْفِهَا، وَتَنْطَحُهُ كُلُّ ذَاتِ قَرْنٍ بِقَرْنِهَا- يَعْنِي لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ [الملتوية القرن]، وَلَا عَضْبَاءُ [المكسورة القرن]- إِذَا جَاوَزَتْهُ أُخْرَاهَا أُعِيدَتْ أُولَاهَا، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فَيَرَى سَبِيلَهُ)، فَقَالَ الْعَامِرِيُّ: وَمَا حَقُّ الْإِبِلِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: "أَنْ تُعْطِيَ الْكَرِيمَةَ [هي الخالية من العيوب، وذلك في الصدقة]، وَتَمْنَحَ الْغَزِيرَةَ [هي كثيرة اللبن]، وَتُفْقِرَ الظَّهْرَ [تعيره للحمل والركوب، والظهْر: الدابة]، وَتُسْقِيَ اللَّبَنَ، وَتُطْرِقَ الْفَحْلَ [الطْرْق: ماء الفحل؛ أي: تعيره من أجل اللقاح]"؛ [حديث صحيح].

وروى أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: قَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((مَا مِنْ صَاحِبِ كَنْزٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهُ، إِلَّا جُعِلَ صَفَائِحَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَتُكْوَى بِهَا جَبْهَتُهُ وَجَنْبُهُ وَظَهْرُهُ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- بَيْنَ عِبَادِهِ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ، ثُمَّ يُرَى سَبِيلَهُ، إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ))؛ [حديث صحيح].

﴿ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا ﴾ [المعارج: 5 - 7].

﴿ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا ﴾ اصبر يا محمد على تكذيب قومك لك، واستعجالهم العذاب استبعادًا لوقوعه؛ كقوله: ﴿ يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ ﴾ [الشورى: 18].

والصبر الجميل: هو الذي لا جزع فيه ولا شكوى لغير الله.

وقال ابن عاشور: الصبر الحسن في نوعه، وهو الذي لا يخالطه شيء مما ينافي حقيقة الصبر؛ أي: اصبر صبرًا محضًا، فإن جمال الحقائق الكاملة بخلوصها عما يعكر معناها من بقايا أضدادها.

وقيل: هو أن يكون صاحب المصيبة في القوم لا يدري من هو.

﴿ إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ ﴾ العذاب الدنيوي أو الأخروي ﴿ بَعِيدًا ﴾ وقوع العذاب وقيام الساعة يراه الكفرة بعيد الوقوع، بمعنى مستحيل الوقوع؛ لعدم إيمانهم بوعيده تعالى.

وأيضًا هو تجهيل لهم إذا اغتروا بما هم فيه من الأمن ومسالمة العرب لهم، ومن الحياة الناعمة، فرأوا العذاب الموعود بعيدًا، إن كان في الدنيا فلأمنهم، وإن كان في الآخرة فلإنكارهم البعث، والمعنى: وأنت لا تشبه حالهم.

وذلك يهون الصبر عليك، فهو من باب: ﴿ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ﴾ [المائدة: 48]، ﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ﴾ [الكهف: 28].

﴿ وَنَرَاهُ قَرِيبًا ﴾ قريب الحضور. والمؤمنون- أيضًا- يعتقدون كونه قريبًا، وإن كان له أمد لا يعلمه إلا الله عز وجل، لكن كل ما هو آتٍ فهو قريب وواقع لا محالة.

واستعمل ﴿ قَرِيبًا ﴾ كناية عن تحقُّق الوقوع على طريق المشاكلة التقديرية والمبالغة في التحقيق.

﴿ يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ * وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا * يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ ﴾ [المعارج: 8 - 14].

﴿ يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ ﴾ كالشيء المذاب، أو درْديّ الزيت وعكره.. تشبيه السماء في انحلال أجزائها بالزيت.

﴿ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ ﴾ كالصوف المنفوش. والمعنى: أنها تلين بعد الشدة، وتتفرَّق بعد الاجتماع.

وقيل: أول ما تتغير الجبال، تصير رملًا مهيلًا، ثم عهنًا منفوشًا، ثم هباء منبثًّا، قال تعالى: ﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا ﴾[المزمل: 14]، ﴿ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ ﴾ [القارعة: 5]، ﴿ وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاء مُنبَثًّا ﴾ [الواقعة: 5-6].

﴿ وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا ﴾ لشدة ما يعتري الناس من الهول، فمن شدة ذلك أن يرى الحميم حميمه في كرب وعناء فلا يتفرغ لسؤاله عن حاله؛ لأنه في شغل عنه؛ كقوله: ﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ ﴾ [المؤمنون:101]، وقوله: ﴿ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴾ [عبس: 37].

﴿ يُبَصَّرُونَهُمْ ﴾ يرون أقرباءهم، وليس في القيامة مخلوق إلا وهو نصب عين صاحبه من الجن والإنس. فيبصر الرجل أباه وأخاه وقرابته وعشيرته ولا يسأله ولا يكلمه؛ لاشتغالهم بأنفسهم.

وقال ابن عباس: "يتعارفون ساعة ثم لا يتعارفون بعد تلك الساعة".

كما قال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ [يونس: 45]؛ أي: يعرف بعضُهم بعضًا إذا بعثوا، ثم ينقطع التعارف؛ لشدة الأحوال والأهوال.

وفيه تنبيه على أن المانع من هذا السؤال هو الاندهاش مما نزل، لا احتجاب بعضهم من بعض.

وقيل: إنه يبصر المظلوم ظالمه، والمقتول قاتله، والمتبوع تابعه.

وفي بعض الأخبار: أن أهل القيامة يفرُّون من المعارف مخافة المظالم.

﴿ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ ﴾ الذي أتى الجُرم، وهو الذنب العظيم؛ أي: الكفر، فيتمنَّى الكافر وذلك إما بخاطر يخطر في نفسه عند رؤية العذاب. وإما بكلام يصدر منه نظير قوله: ﴿ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا ﴾ [النبأ: 40]، وهذا هو الظاهر؛ أي: يصرخ الكافر يومئذٍ فيقول: أفتدي من العذاب ببني وصاحبتي وفصيلتي؛ فيكون ذلك فضيحة له يومئذٍ بين أهله.

﴿ لَوْ يَفْتَدِي ﴾والافتداء: إعطاء الفداء، وهو ما يعطى عوضًا لإنقاذ من تبعة، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ ﴾ [البقرة: 85].

﴿ مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ ﴾ الذين هم محل شفقته.

﴿ وَصَاحِبَتِهِ ﴾ زوجته التي هي أحب إليه ﴿ وَأَخِيهِ ﴾ الذي يستعين به في النوائب.


﴿ وَفَصِيلَتِهِ ﴾ عشيرته، وقال المبرد: "الفصيلة القطعة من أعضاء الجسد، وهي دون القبيلة. وسميت عترة الرجل فصيلته تشبيها بالبعض منه"؛أي: الأقرباء الأدنون من القبيلة، وهم الأقرباء المفصول منهم؛ أي: المستخرج منهم، فشملت الآباء والأمهات.

وقد رتبت الأقرباء على حسب شدة الميل الطبيعي إليهم في العرف الغالب؛ لأن الميل الطبيعي ينشأ عن الملازمة وكثرة المخالطة.
ولم يذكر الأبوان؛ لدخولهما في الفصيلة قصدًا للإيجاز.

﴿ الَّتِي تُؤْوِيهِ ﴾ تضمُّه إليها عند الشدائد حماية ونصرة له، وتؤمنه من خوف إن كان به.

﴿ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ﴾ ويفتدي بمن في الأرض، ومن له في الأرض مما يعز عليه من أخلَّاء وقرابة ونفائس الأموال مما شأن الناس الشحُّ ببذله والرغبة في استبقائه على نحو قوله تعالى: ﴿ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوْ افْتَدَى بِهِ ﴾ [آل عمران:91].

﴿ ثُمَّ ﴾ للتراخي المشير للاستبعاد ﴿ يُنْجِيهِ؛ أي: الافتداء.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 121.79 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 120.08 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.41%)]