"ليبطئن"... كلمة تبطئ اللسان وتفضح النية! - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         وكفى بالله وكيلاً، كفى بالله شهيداً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          جحيم الأنا ونعيم اهدنا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          ما رأيك في هؤلاء ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          الإسلام دين الإنصاف لكبار السن وأهل الفضل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          الضوابط الشرعية لضرب الولد للتأديب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          ذوبان الحدود الشعورية! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          الثناء نافذة العطاء! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          عمل الشيطان: إثارة الهموم والمخاوف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          ﴿خافضة رافعة﴾ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          هل أنكر المنكر وأنا أفعل المعصية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم يوم أمس, 09:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,551
الدولة : Egypt
افتراضي "ليبطئن"... كلمة تبطئ اللسان وتفضح النية!

"ليبطئن"... كلمة تبطئ اللسان وتفضح النية!

عبدالخالق الزهراوي

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الملك الحق المبين، والصلاة والسلام على من أوتي جوامع الكلم.
"لَيُبَطِّئَنَّ"... كلمة تبطئ اللسان وتفضح النية!

في رحاب القرآن الكريم، تتناغم الألفاظ والمعاني في سموِّ بلاغي عبر سُلَّم الجمال والجلال قلَّ نظيره، فتجد الكلمة الواحدة تشكل مشهدًا شعوريًّا ومعنويًّا كاملًا، ليس فقط بمعناها، بل حتى بإيقاعها وجرسها، ومن أعجب ما يطالعنا في هذا الباب كلمة وردت في سورة النساء، ثقيلة في مبناها، عميقة في معناها، وهي قول الله تعالى: ﴿ وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 72].

الآية في سياقها: موقف نفس متخاذلة:
الآية ترسم مشهدًا نفسيًّا لفئة من الناس كانوا في صفوف المؤمنين ظاهريًّا، لكنهم في الحقيقة يتباطؤون ويتخلفون عن المشاركة في ميادين الجهاد والبذل؛ هذا التباطؤ ليس وليد الكسل العابر، بل ناتج عن ضعف إيمان، وخوف داخلي، ونفاق دفين.

وهنا يأتي التعبير القرآني بـ "لَيُبَطِّئَنَّ" ليكشف هذه الحالة النفسية المترددة، ويجسِّدها في لفظ تتعثَّر به الألْسُن كما تتعثَّر القلوب المتخاذلة في اتخاذ القرار.

ثقل النطق.. مرآة لثقل النية:
فلنتأمَّل بناء هذه الكلمة من حيث الصوت والنطق:
"لَيُبَطِّئَنَّ":
تبدأ بـ لام التوكيد الثقيلة، تعطي انطباعًا بالقطع والجزم.
تليها ياء المضارعة التي تدل على الاستمرارية أو المستقبل.

ثم الباء، يليها الطاء المشددة، وهو من أقوى الحروف؛ لاشتماله على صفات الاستعلاء والإطباق والجهر، ما يجعله انفجاريًّا على رأي أهل الصواتة.

وتليها الهمزة المفتوحة، وهي من الحروف الحلقية الصعبة.

ثم تأتي نون التوكيد الثقيلة في الختام، لتغلق الكلمة بإيقاع مثقل ومغلق.

كل حرف في هذه الكلمة يبدو وكأنه يعيق جري اللسان، ومجرى الهواء في الحلق، ويبطئ حركته، فيحاكي بذلك التباطؤ الذي تحمله الكلمة في معناها. وكأن القارئ حين ينطقها يجبر على الوقوف، أو التردُّد، أو الإبطاء، فيعيش لحظة التخاذل نفسها التي يصفها القرآن.

إنه مثال بليغ لما يعرف بـ "المحاكاة الصوتية"، حيث يطابق الصوت المعنى، والإيقاع النفسي.

دلالات صرفية: الكلمة تحمل أكثر مما يبدو:
الجذر:
الكلمة مأخوذة من الجذر: [ب - ط – ء]
والفعل الأصلي: بَطُؤَ؛ أي: تأخَّر وثقُل.
الفعل المزيد: بَطَّأ، بصيغة فعَّل، للدلالة على التعدية والتكثير.

الوزن:
الكلمة على وزن: "لَيُفَعِّلَنَّ" مع زيادة:
لام التوكيد في أولها.
نون التوكيد الثقيلة في آخرها، في إطار السوابق واللواحق.

هذه التراكيب النحوية توصل رسالة واضحة: هذا الفعل مؤكَّد الحدوث، متكرر، دالٌّ على سلوك مستمر نابع من طبع متجذر، لا زلة عابرة، أو خطأ غير مقصود.

البنية النفسية: "أنعَمَ الله عليَّ"!
الأدهى أن صاحب هذا الفعل- الذي تباطأ وتخلَّف- إذا وقعت بالمسلمين مصيبة، لا يشعر بالخجل من قعوده، بل يقول:﴿قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا﴾ [النساء: 72].

كأنَّ السلامة من البلاء هي النعمة الكبرى، لا المشاركة مع المؤمنين في التضحية والفداء!

وهذا يُبيِّن كيف يمكن للجبن أن يتحوَّل إلى "قناعة"، وللتقاعس أن يلبس لباس الحكمة أو السلامة، في مشهد تعرية أخلاقية كاملة، وكشف فاضح للنية؛ حيث لم يحتَجْ فيها القرآن لأكثر من كلمة واحدة لتفتح الباب على هذه النفسية المريضة: "لَيُبَطِّئَنَّ".

فمن تأمل كلمة "لَيُبَطِّئَنَّ" أدرك أن القرآن لا يقدم معانيه فقط من خلال التفسير، بل حتى من خلال الصوت، والإيقاع، والحركة الفعلية للسان.

فالقارئ حين يصل إلى "لَيُبَطِّئَنَّ" غالبًا يبطئ فعلًا في نطقها، سواء شاء أم أبى، حتى دون قصد، وهذا البطء اللحني الإجباري هو جزء من عبقرية البيان القرآني، حيث تفرض الكلمة إيقاعها على القارئ، فتنشئ تجربة حسية متكاملة، يشعر فيها التالي والسامع معًا بثقل الفعل وبشاعة الموقف.

إن "لَيُبَطِّئَنَّ" ليست مجرد فعل يدل على التباطؤ، بل هي تجسيد صوتي ونفسي وأخلاقي لحالة متكاملة من الجبن والتقاعس والخيانة الداخلية.

فمن تأمل تركيبها الصوتي الثقيل، أحسَّ بما في النفس من تردُّد، ومن وعى معناها، فهم ما في القلب من خلل، ومن قرأ سياقها، أدرك ما في الموقف من خطورة.

فالقرآن الكريم، في هذه الكلمة القصيرة، يصوِّر شخصية كاملة بكل ما فيها من تناقُض وضعف، ويجعلنا نسمع ونحس هذا التباطؤ قبل أن نفهمه.

وهذا هو إعجاز القرآن: حيث تلتقي البلاغة بالصوت، والمعنى بالحركة، والنطق بالحال، فيتحول الحرف إلى مشهد، والكلمة إلى موقف، والآية إلى مرآة للقلب.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 66.10 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 64.38 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.60%)]