|
|||||||
| ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
تقسيم المقاصد لدى علماء العصر الحديث محمد عبد الفتاح عمار تحتل مقاصد الشريعة الإسلامية أهمية محورية في الفكر الأصولي والفقهي، إذ تمثل روح التشريع وغاياته الكبرى التي تهدف إلى تحقيق مصالح العباد في الدارين. وباعتبارها الضابط المنهجي الذي يكفل للشريعة صلاحيتها ومرونتها عبر تغير الأزمنة والأمكنة، فقد حظيت بعناية العلماء والباحثين دراسةً وتأصيلاً. وفي سبيل فهم هذه المقاصد وتنزيلها على الوقائع، اجتهد العلماء والأصوليون في تصنيفها وتقسيمها بحسب جهات نظر متعددة؛ فصُنِّفت بحسب الحاجة إليها إلى ضرورية وحاجية وتحسينية، وبحسب نطاقها إلى عامة وخاصة وجزئية، وبحسب اعتبارات أخرى كالثبات والتغير، والاعتداد الشرعي، وزمان تحققها. وقد أدت هذه التعددية في التقسيمات إلى إثراء المنظومة المعرفية للمقاصد، إلا أنها بقيت في مجملها ذات طابع منهجي يهدف إلى التيسير الدراسي والتنظيم النظري. تستعرض هذه الأسطر أبرز التقسيمات المعهودة بغية تحليل أسسها ومنطلقاتها، وتطرح معيار يرتكز على الغاية الكبرى التي تدور حولها الشريعة بأكملها، والمستمدة من قوله تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، وتقدم تقسيما ثنائيا للمقاصد : مقاصد لإقامة الدين وتحقيق العبادة مقاصد لإقامة الدنيا على الصلاح باعتبار أن كلا القسمين يخدمان المقصد الأسمى لوجود الإنسان، ويتكاملان لتحقيق صلاح دنياه وآخرته. تقسيمات المقاصد تعددت تقسيمات المقاصد بحسب الجهة التي ينظر إليها وذلك على النحو التالي : أولًا: تقسم المقاصد بحسب الحاجة إليها المقاصد الضرورية: وهي التي لا بد منها لقيام مصالح الدين والدنيا وهي تنحصر في خمس لا خلاف عليها وهي الدين والنفس والعقل والولد والمال، والبعض أضاف عليها، كالقرافي العِرض، وإنا كنا نرى أنه ملحق بالنفس وابن عاشور أضاف أيضًا الحرية والمساوة وإن كنا نرى أنها من الدين بالضرورة. والمقاصد الضرورية مستمدة أصلا من الشرع، نص عليها القرآن ونظمتها السنة الصحيحة وهي مقاصد محققة لا يجوز تركها أو إهمالها وإلا تحققت المفسدة المطلقة. المقاصد الحاجية: هي كل ما يحتاج إليها من حيث التوسعة أو لرفع الضيق والحرج والمشقة والعنت وهي في العبادات كالرخص، وفي العادات كإباحة الصيد وفي المعاملات كبيع السلم وهي تحقق انتظام المصالح واستقامة الحياة دون اعوجاج. مقاصد تحسينية: وهي ما يزيد الأفعال حسنًا وجمالًا، وهي تكون في أغلبها في عادات الناس، وإن اتصلت بالعبادات والمعاملات ففي العبادات تؤدي إلى تحسين علاقة العبد بربه، وفي المعاملات تؤدي إلى انتظام الحياة وسيرورتها بحسن التعامل فيكون الاستقرار والطمأنينة بين الخلق بعضهم وبعض. والمقاصد التحسينية كما ترد في شرع الله فإن العقل السليم والفطرة السوية يهتديان إليها. ومن وجهة نظرنا فإن مفهوم المقاصد سواء الضرورية أو الحاجية أو التحسينية ليس مفهومًا جامدًا ضيقًا، وإنما هو يتسع بالنسبة إلى كل نوع ليدخل ضمنه ويندرج تحته ما هو من مستلزماته الضرورية بحسب التغير في الزمان والمكان والحال والمآل. فما يرتبط بالمقاصد الضرورية يصبح جزءًا لا يتجزأ منها بحسب الأحوال فهي تتسع إلى كل ما يكون الأخذ به محققًا لمصلحة ضرورية، وإلى ما يكون تركه مفسدة مؤكدة، وهو ما يعطي نظرية المقاصد حيزًا متسعًا من المرونة ليستوعب كل ما يحقق مصلحة الدين والدنيا، وما يؤدي تركه وهجره إلى إهدار مصلحة الدين والدنيا، وبهذا يمكن القول باتساع الكليات الخمس مع تطور الزمن لتصبح شاملة كل ما يحقق مستلزماتها في كل عصر من العصور بحيث يعتبر جزءًا منها ويأخذ حكمها، وهو ما يؤدي للتوسعة أو التضييق بحسب الحال والمآل، بل والزمان داخل نظرية المقاصد، وكذلك الحال بالنسبة لما يحقق المقاصد الحاجية والمقاصد التحسينية. ثانيًا: تقسيم المقاصد بالنظر للنطاق (العموم والخصوص) قسمها البعض[1] بالنظر للنطاق الذي ينظر اليه (باعتبار العموم والخصوص)، فيمكن النظر إليها على نطاق الشريعة كلها فنكون حينئذ أمام مجمل مقاصدها ويمكن النظر إلى جانب معين أو بضعة جوانب من الشريعة، فتظهر لنا مقاصد ذلك الجانب وقد ننظر إلى كل من أحكام الشريعة على حدة لنتبين مقصوده الخاص به أو مقاصده إن كانت له مقاصد متعددة. وتقسم المقاصد على هذا الأساس إلى ثلاثة أقسام: المقاصد العامة: وهي المقاصد التي تمت مراعاتها وثبتت إرادة تحقيقها على صعيد الشريعة كلها أو في الغالب الأعم من أحكامها وذلك مثل حفظ الضروريات الخمس “الدين والنفس والنسل والعقل والمال” ومثل رفع الضرر، ورفـع الحرج، وإقامة القـسط بـين النـاس، وإخـراج المكلـف عـن داعية هواه. المقاصد الخاصة: ويقصد بها المقاصـد المتعلقـة بمجـال خـاص مـن مجـالات التشريع، كمقاصد الشريعة في أحكام الإرث وما يلحـق بـه، ومقاصد الشريعة في مجالات المعـاملات الماليـة، أو في مجـال الأسرة، وقد يدخل ضمن المقاصد الخاصة المقاصد المتعلقة بعـدة أبــواب تــشريعية، لكنهــا متقاربــة ومتداخلــة، كمقاصــد الولايات العامة، ومقاصد العبادات. المقاصد الجزئية: وهي مقاصد كل حكم على حدة من أحكام الشريعة، من إيجاب، أو ندب، أو تحريم، أو كراهة، أو شرط. مثال ذلك: الصداق في النكاح فمقصوده: إحـداث المـودة بـين الـزوج والزوجـة، والإشـهاد مقـصوده: تثبيـت عقدة النكاح دفعًا للتنازع والجحود. ومعلوم أن الإدراك الصحيح والكامل لمقاصـد الـشريعة لا يكون إلا بالبحـث عنهـا، والنظـر إليهـا مـن خـلال هـذه الأقسام الثلاثة كلها، بحيث لا يمكن الحديث عن المقاصد العامة للـشريعة مـن غـير إدراك لمقاصـدها في كـل بـاب مـن أبوابهــا، ولا يمكــن إدراك مقاصــد الأبــواب ولا المقاصــد العامــة إلا بفحــص المقاصــد الجزئيــة وتتبعهــا واســتخراج دلالاتهــا المــشتركة، كــما لا يــصح تقريــر العلــل والمقاصــد الجزئية للأحكام في معزل عن المقاصد العامة. ثالثًا: تقسيم المقاصد إلى أخروية ودنيوية ويقوم هذا التقسيم على أساس النظر إلى زمن تحقق المقاصد الشرعية وحصولها فهناك: مقاصد أخروية: عرفها البعض ومنهم العز بن عبد السلام[2] “بأنها المنافع التي يرجى حصولها والمضار التي يرجى دفعها في الآخرة، وهي متوقعة الحصول من غير قطع” كالأمر بالمعروف والنهي عن الفحشاء والمنكر وهي إن حققت المصلحة الدنيوية إنما يكون هدفها تحقيق المصالح الأخروية للعباد. المقاصد الدنيوية: وهي المنافع والمصالح التي تتحقق من الحكم الشرعي في الحياة سواء أكانت مصلحة فردية تتحقق للفرد وحده، كإباحة الأكل والتناسل أو جماعية تهم الأمة كلها. مقاصد مختلطة بين الدنيا والآخرة: كالكفارات والعبادات فهي تحقق مصالح الدنيا ومصالح آجلة في الآخرة[3]. ولا شك أنه عند التعارض تقدم مصالح الآخرة على مصالح الدنيا. رابعًا: أقسام المقاصد بالنظر إلى الثبات والتغير لقد قسم العلماء المقاصد والمصلحة إلى متغيرة بحسب تغير الأزمان والبيئات والأشخاص كالتعازير والنهي عن المنكر وما شابهها، وإلى مصلحة لا تتغير على مر الأيام بمثل تلك الاعتبارات كتحريم الظلم والقتل والسرقة والزنا[4]. خامسًا: تقسيم المقاصد بحسب اعتداد الشارع لها من عدمه فتقسم إلى: مقاصد معتبرة: وهي التي أقرها النص الشرعي وأجمع عليها أهل الفقه والعلم. المقاصد الملغاة: وهي التي أبطلها الشارع ونهى العمل على تحقيقها ولو كانت من ظاهرها مقبولة عقلًا كالمتعة من شرب الخمر أو قتل المريض الميئوس من شفائه، ومنها المصالح الضرورية والحاجية والتحسينية كشرع الحدود لحفظ الدين والنفس والمال والعقل والعرض والنسب. المقاصد المرسلة: وقال عنها الإمام الغزالي: “إنها المصلحة التي سكتت شواهد الشرع ونصوصه عنها، فلا يناقضها نص ولا يشهد لجنسها شرع، ويتضمن اتباعها إحداث أمر لا عهد بمثله في الشرع”[5]. ويتعين للعمل بالمصالح والمقاصد المرسلة جملة شروط: عدم مخالفتها الدليل القطعي من كتاب وسنة وإجماع. ألا يؤدي العمل بها إلى إهدار مصلحة معتبرة سواء مساوية لها أو أهم منها. أن تكون متفقة وأغراض وقصد الشارع بصفة عامة. ومنها جمع القرآن الكريم، ووضع الخراج وإنشاء الدواوين وفي مجال الحدود قتل الجماعة بالواحد. سادسًا: تقسيم المقاصد بحسب اعتبار حصولها وإذا كانت التقسيمات السابقة هي من أشهر التقسيمات إلا أنه توجد تقسيمات أخرى كتقسيم المقاصد بحسب اعتبار حصولها وإن أطلق عليها تعبير المصالح فتنقسم إلى: مصالح قطعية: أي ثبتت بصورة قطعية كأن تثبت بنص قطعي الثبوت قطعي الدلالة ولا يحتمل التأويل أو استقراء العديد من الأدلة أو دل العقل على أن تحصيلها يحقق مصلحة عظمة وكبرى وفي تركها ضرر بالغ بالأمة أو الأفراد. مصالح ظنية: وهي ما دل عليها دليل ظني فهي تقع في دائرة التوقع العقلي بأن حصولها يحقق مصلحة أو يدرأ مفسدة وعدم تحققها وتحصيلها يجلب ضرر أو يهدر نفعًا واتفق الأصوليين على التمثيل لها بالقصاص ومنها تحريم النبيذ وإن قل ومصلحة توريث المطلقة ثلاث في مرض الموت. ويلحق البعض بها ما يعرف بالمصالح المشكوك فيها والمصالح المعدومة، وإن كنا لا نسلم بأن تلك من قبيل المقاصد ولا يمكن اعتبارها ضمن هذا التقسيم. فالمقاصد المشكوك فيها أو المصالح، هي التي يمكن الوصول إليها عن طريق التقريب فهي المقاصد الموهومة، وهي ما يتوهم البعض أن فيه مصلحة ومنفعة أو دفع مفسدة ومضرة، إلا أنها على خلاف ذلك مصالح باطلة ومقاصد مردودة كالتعامل بالربا ومصالح مما يشاع الآن من ضرورة التسوية بين الرجل والمرأة في الميراث[6]. …. ويمكن القول إن ثمة أقسامًا أخرى للمقاصد الشرعية، وكل تقسيم يرجع إلى الزاوية التي ينظر الفقيه إلى المقاصد من خلالها[7]. فهناك من يقسم المقاصد بالنظر إلى كونها حاصلة من الأفعال بالقصد أو بالمآل وهناك من يقسم المقاصد بحسب الأصالة والتبعية أو بالنظر في حظ المكلف وعدمه وكذلك تقسيم المصالح أو المقاصد باعتبار الدوام والانقطاع وتقسيم المصالح أو المقاصد باعتبار حكمها الشرعي والثواب والعقاب. والخلاصة أن تعدد أقسام المقاصد على النحو السابق لا يعني خلق مقاصد جديدة أو غير موجودة أصلًا للأحكام الشرعية، ولكن الأمر يتعلق أكثر ما يتعلق بالصفات التي يمكن إصباغها على المقصد الشرعي كالتقسيم على أساس الثبات والتغير أو يتعلق بنطاق التطبيق فتكون مقاصد عامة ومقاصد خاصة أو بحسب أهميتها وضروريتها كالتقسيم الأشهر إلى مقاصد ضرورية وحاجية وتحسينية. إذًا فالتقسيمات السابقة إنما كانت تهدف إلى سهولة وضع كل نوع من المقاصد في مجموعة متناسقة تتفق من حيث أهميتها او وصف معين يلحق بها او زمن تحققها اوغيرها من المعايير التي تناولناها. معيارنا في تقسيم المقاصد (بحسب الغاية منها وفي ضوء اعتبار الشارع لها) نود الإشارة إلى ان تنوع تقسيمات المقاصد يبدو أمرا غير ذي أهمية بالغة من الناحية العملية، وإنما هو مجرد عمل منهجي لا يضيف جديدًا للمقاصد ويقوم على جمع كل طائفة معينة من المقاصد تحت عنوان كبير فهو تقسيم لا يؤدي إلى خلق المقاصد ولا تطورها ولكنه يساعد على فهمها ودراستها. والتقاسيم تبدو متداخله فالذين قسموا المقاصد الجزئية رأينا أنها تبحث فى كل حكم لتستقرأ مقاصده سواء أكان الحكم متعلق بالحرمة أو الحل أو الكراهة أو الندب وسنجد أن المقصد في الحل والحرمة لا بد أن يكون مقصدًا ضروريًا نظرًا لما للحل والحرمة من حجية وإلزام وضرورة، أما الأحكام التي تدور مع الكراهية أو الندب فمن الممكن أن تكون مقاصد حاجية أو تحسينية، وهكذا دائمًا هناك نوع من التداخل فلا يمكن القول بأن هناك تقسيمًا جامعًا مانعًا، كما أنه من ناحية أخرى ليس لهذه التقسيمات من دلالة موضوعية على نظرية المقاصد بصفة عامة. ومع ذلك ومن قبيل تنظيم وتنظير المقاصد نرى أن المعيار الذي نرتكن إليه عند تقسيم المقاصد يتعين أن يكون الإطار الواسع الذي تعمل فيه المقاصد أو الهدف الذي ترمي إلى تحقيقه، ولا ريب لدينا في أن نظرية المقاصد في عمومها والمصدر الرئيسي الذي تدور حوله وتتمحور في إطاره هو مقصد العبادة، انطلاقًا من نص الآية الكريمة: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (سورة الذاريات: 56) وفي سبيل تحقيق هذا المقصد لا بد من الحفاظ على الدين كقيمة أخروية ودنيوية معًا، الدين كأحكام عبادة ومعاملات، ثم الإنسان المكلف بهذه العبادة والمعنى بهذه المعاملات، فالإنسان خلق ليعبد الله وهو مقصد صرح به القرآن الكريم وأفصح عن أنه المقصد الوحيد الذي يعتد به الخالق عز وجل ومقصد العبادة لا يتحقق إلا بإرادة فاعلة تستلهم قواعد الدين المتعلقة بالعبادة وقواعد السلوك المتعلقة بالمعاملات. وعلينا أن ندرك وبوضوح أن كل القواعد لا تعمل منفصلة عن الأخرى، بل هي تصب في قصد العبادة، فمعاملات الإنسان يجب أن ترتكز على قيم الصلاح والتقوى وتستلهم أصول العقيدة ومقوماتها ومن هنا تبرز قيمة الدين الإسلامى باعتباره الشريعة الأسمى والخاتمة والتي تكفل السعادة في الدارين، فامتزاج المعاملات في العبادات والارتباط بينهما لا يمكن فصله، ولا يقبل أن يكون الشخص عابدًا لله سيء الخلق والعكس صحيح وقد تجلى ذلك في العديد من الآيات القرانية التي تتناول القيم الأخلاقية والتعامل مثل الوفاء بالعقود وحفظ الأمانات وعدم السخرية من الغير وصلة الرحم والبر بالوالدين ولو كانا مشركَين وغيرها، وهي شديدة الوضوح وفضلًا عن ذلك كانت أحاديث الرسول ـ ﷺ ـ قاطعة الدلالة في هذا الاتجاه، ومنها قول الرسول ﷺ: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”[8]، ومن ذلك قوله ﷺ: “ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة؟” فأعادها ثلاثًا أو مرتين. قالوا: بلى يا رسول الله. قال: “أحاسنكم أخلاقًا”[9]. وفي صحيح البخاري عن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: “إن من خيركم أحسنكم خلقًا” حتى شاع بين الناس أن الدين المعاملة، وأن ظنوه حديثًا وهو ليس كذلك لكنه اعتقاد صائب ومقولة تعبر بالفطرة عن هذا الارتباط. ولذلك نرى أن المقاصد تنقسم إلى مقاصد الهدف منها إقامة الدين وتحقيق الشريعة، ومقاصد تهدف إلى إقامة الدنيا على الصلاح وهي لا تكون كذلك إلا إذا كانت معتبرة أيضًا لدى الشارع. وخلاصة ما نراه أن المقاصد لابد أن تكون هادفة لتحقيق غاية وأن تكون في ذاتها مقدرة من الشرع معتبرة في وجودها وتصب في تحقيق غاية الوجود والمقصد الأسمى وهو العبادة، وإلا لا قيمة لما تحققه من غاية أخرى، ولا ينظر إلى مراتبها ولا ثباتها ولا تغيرها ولا مآلها فكلها أوصاف وصفات توصف بها المقاصد، فإن اعتبرت من قبيل الشرع لم يعد من الأهمية التركيز على غير ذلك من أوصافها وسماتها. أولًا: مقاصد لإقامة الدين وتحقيق العبادة مما لا ريب فيه أن المقصد الأول والأسمى من مقاصد الشريعة هو العبادة وهي لا تكون إلا بإقامة شريعة الله وهي أيضًا لا تتحقق إلا بكل ما يحفظ الدين ولا خلاف على ذلك حتى الذين يقسمون المقاصد إلى أقسام أخرى أو يصنفونها يضعون قصد حفظ الدين على رأس مقاصد الشريعة وهو أمر طبيعي، فحياة البشر الأولى وحياتهم الآخرة انما تقوم على الدين وهو المقصد الأسمى الذي لو تعمقنا فيه أساسًا لوجدنا أن كل المقاصد تتفرع عنه، وهي من لزومياته الضرورية، فحتى المقاصد التي نتكلم عنها فيما بعد ونقصد بها مقاصد لإقامة الدنيا على صلاح، هي مقاصد لا تُقر ولا وجود لها ما لم يقرها الدين وتصب في تحقيق الحفاظ على الدين وشرع الله في الأرض. وقد يسأل سائل عن السبب، وأرى أن الإجابة واضحة وبسيطة وهي تكمن في خصوصية الدين الإسلامي، فالدين الإسلامى ليس دينًا كهنوتيًا يمارس في دور العبادة ويقتصر على أركان الإسلام الخمسة، بل هو دين للحياة كما هو للآخرة لذلك فإن الحياة لا يمكن ممارستها بعيدًا عن هذا الدين، بل لا بد من أن تكون الحياة في إطار قواعد الدين وضوابطه التي تكفل الشرع بها وبإقرارها وإبرازها. واذا نظرنا إلى القرآن الكريم المصدر الأعلى للشرع والدين الإسلامي سنجد أنه بقدر ما هو نص يتضمن أحكام العبادة فقد وضع أسس المعاملات للفرد مع الفرد والفرد مع الأسرة والفرد مع الجيران والفرد في مجتمعه والفرد في وطنه والفرد مع دولته بل الفرد مع العالم، هذه الخصوصية التي جعلت الإسلام خاتم الرسالات والأديان كلها وجعلت منه دينًا عالميًا للبشر أجمع، ولم تُخاطب به أمة محددة في زمن محدد أو مكان محدد، إذًا فمقاصد الشريعة جميعها تصب في الحفاظ على هذا الدين، ولأن الدين دين عبادة وشريعة ودين حياة ومعاملة فإن المقاصد كما ستكفل بالضرورة حفظ الدين فهي أيضًا ستكفل إقامة هذه الحياة بما يتفق مع الدين في أطره التي رسمتها شريعته. فقوة مقصد حفظ الدين وسموه توجد في الآية القرآنية التي يقول فيها المولى عز وجل: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (الذاريات: 56) فالغاية التي من أجلها خلق الإنسان هي عبادة الله سبحانه وتعالى، وهذه الغاية هي التي يعمل تحتها البشر جميعًا ولا تكون عبادة الله إلا بكل ما يقيم الدين ويحافظ عليه وقد تكرر هذا المعنى بأكثر من موضع في القرآن الكريم، فيقول المولى عز وجل في أكثر من موضع: “وما أمروا إلا ليعبدوا إلهًا واحدًا” (التوبة: 31) “وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوْحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُوْنَ” (المؤمنون: 23) “قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّيْنَ” (الزمر: 11) ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ (الأنبياء: 25) ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (الزمر: 65) لكن من أكثر الآيات وضوحًا ودلالة على أن مقصد إقامة الدين كما يرتبط بالعبادة يرتبط بالمعاملات قوله هذا وجل: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ (الأنعام: 162-163) وقوله أيضًا: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾ (الملك: 1-2) إذًا فمقصد إقامة الدين هو المقصد الأسمى وكل ما يحقق إقامة الدين يندرج ضمن هذا المقصد سواء ورد صريحًا بنص في القرآن الكريم ودلت عليه آيات القرآن كمقصد رفع الحرج وإزالة الضرر، أو مقصد التيسير ودفع المشقة والتخفيف عن الناس في قوله تعالى: “مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ” (سورة الحج، آية ٧٨)، وقوله تعالى: “يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا” (سورة النساء، آية ٢٨). وكما تكون هذه المقاصد التي صرح بها القرآن الكريم مقاصد كلية أو عامة قد تكون مقاصد جزئية أو فرعية كبيان الهدف من أركان الإسلام كالصلاة في قوله تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي﴾ (سورة طه، آية ١٤). فقد فرضت الصلاة لإقامة ذكر الله، وكقوله تعالى في فريضة الحج: “لِّيَشهَدُواْ مَنَٰفِعَ لَهُم وَيَذكُرُواْ ٱسمَ ٱللَّهِ فِيٓ أَيَّام مَّعۡلُومَٰتٍ…” (سورة الحج، آية ٢٨-٢٩). فقد فرض الحج لتحقيق منافع متعددة دينية ودنيوية. وكقوله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ﴾ (سورة المائدة، آية ٩٠). فقد حرم الخمر والميسر لأنهما يفضييان إلى النزاع والخصومة والعداء بين الناس. يتبع
__________________
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |