رهق أبي العباس والموهوبين - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          من آداب المجالس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          أعظم فتنة: الدجال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          فضل معاوية والرد على الروافض (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          طريق لا يشقى سالكه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          مكانة العلم وفضله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          العليم جلا وعلا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          فضل العلم ومنزلة العلماء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26-06-2020, 11:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,225
الدولة : Egypt
افتراضي رهق أبي العباس والموهوبين

رهق أبي العباس والموهوبين


د. عبدالعزيز بن محمد آل عبداللطيف







عقول الناس على قدر زمانهم،كما قال مطرِّف بن عبدالله بن الشخير[1]، وقد وصف الإمامُ إبراهيم الحربي بشرَ بن الحارث (الزاهد المشهور) (ت 277هـ) قائلاً: "ما أخرجتْ بغداد أتمَّ منه، وكان في كل شعرةٍ منه عقل، ولو قسم عقله على أهل بغداد لصاروا عقلاء، وما نقص من عقله شيء"[2].

وعندما يتحدَّث السلف الصالح عن العقلاء الكبار، فإنهم يعنون بهم أربابَ العقول المحمودة، التي أعانها الله - تعالى - بالتوفيق، "فالعقل الذي أُعين بالتوفيق يدعو صاحبه إلى موافقة أمر الله، والانقياد لحكمه، والتسليم لما جاء عنه، وترك الالتفات إلى ما خالف أمره، أو وافق نهيه... فيسعد باتِّباع الأمر، واجتناب النهي"[3].

وإلا فقد يكون الشخص من أذكياء العالم؛ لكنه مخذول جزاءَ إعراضِه عن اتباع الشرع المنزَّل، واعتراضه على نصوص الوحيين.

قال ابن تيمية: "من عارض آيات الله بمعقوله، فإنه لا علم عنده؛ إذ ذلك المعارض، وإن سمَّاه معقولاً، فإنه جهل وضلال، فليس بعلمٍ ولا عقل ولا هدى" إلى أن قال: "ومن تبحَّر في المعقولات، وميَّز بين البيِّنات والشبهات، تبيَّن له أن العقل الصريح أعظمُ الأشياء موافقةً لما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم - وكلما عظمتْ معرفة الرجل بذلك، عظمتْ موافقته للرسول – صلى الله عليه وسلم"[4].

فالأذكياء وأصحاب المواهب الذهنية الحادة لا يحصل لهم الانتفاع بعقولهم في الدارين، إلا بلزوم الشريعة والاعتصام بالكتاب والسُّنة؛ فالعقل خلقه الله - تعالى - لأجْل عبادته، ولا يَشرُف هذا العقل، ولا يظهر خيرُه العميم، ولا يعظُم أثرُه؛ إلا بعبادة الله واتِّباع شرعه؛ بل إن العبد يعتري عقلَه الفساد، ويطيش حلمُه؛ لأجل مخالفة الشرع، كما قرره ابن القيم بقوله: "إن الله - سبحانه - اقتضتْ حكمته وعدله أن يُفسد على العبد عقلَه الذي خالف به رسله، ولم يجعله منقادًا لهم، مسلمًا لِمَا جاؤوا به، مذعنًا له؛ فأول ما أفسد - سبحانه - عقل شيخهم القديم إبليس؛ حيث لم يَنْقَد به لأمره، وعارض النص بالعقل، وذكر وجه المعارضة، فأفسد عليه عقله غاية الإفساد، حتى آل الأمر إلى أن صار إمام المبطلين، وقدوة الملحدين، وشيخ الكفار والمنافقين" إلى أن قال: "فما عُصي الله بشيء إلا أفسده على صاحبه، ومن أعظم معصية العقل إعراضُه عن كتابه ووحيه"[5].

وإن تعجْب فعجبٌ من أقوام تزن عقولهم الجبال، ثم لهم مقالات واعتقادات محل تهكمٍ وسخرية، وموطن مكابرة وسفسطة، كما في مقالات فلاسفة اليونان، وكفرة أهل الكتاب، ومن شابههم من مبتدعة هذه الأمة؛ فهي حقيقة مطَّردة، وسنة ثابتة: أن من جانَبَ سبيل المرسلين، وزاغ عن الصراط المستقيم، فإن انتكاس العقل يصيبه، وطيش الأحلام يلازمه، والمقصود أن العقل لا يتحقَّق أثرُه، ولا تعم بركتُه، إلا فيما ينفع، وتفتيقه فيما يصلح دون إفراط وغلو؛ فلا يتوثب على الشرع، ولا يتجاوز حدود ما أنزل الله على رسوله.

وتاريخ الإسلام حافل بالنماذج الرائعة، والقدوات الرفيعة من أصحاب العقول الفذة، من العلماء الربانيين، الذين جمعوا بين رسوخ العلم الشرعي، وحِدَّة الذكاء وتوقده، وإخبات العبادة وإخلاصها.

"قال الشعبي - رحمه الله -: إنما كان يطلب هذا العلم من اجتمع فيه العقل والنسك"[6].

وأبو العباس ابن تيمية - رحمه الله - أحد هذه النماذج النادرة، والشخصيات الفريدة، التي تميزت بقوة ذكاء، وسرعة إدراك، وسيلان ذهن، حتى قالوا عنه: "كأن عينيه لسانان ناطقان"، وسنشير إلى جوانب من ذلك في مرحلة نشأته ورهقه.

- ناظر ابن تيمية وهو دون البلوغ، وكان يحضر المدارس والمجالس في صغره فيتكلم ويناظر ويفحم الكبار، وأفتی في سن السابعة عشرة من عمره، وكذا بدأ التأليف في سن السابعة عشرة، وقبل ذلك كان قد أتقن العلوم من: التفسير، والحديث، والفقه، والأصول، والعربية، والتاريخ، والجبر، والمنطق، والملل، وعلم أهل الكتابين، وعلم أهل البدع... وغيرها، وهو ابن بضع عشرة سنة[7].

- كان في بداية أمره يخرج أحيانًا إلى الصحراء، يخلو عن الناس، ويطلب الأنس بالله والشوق للقائه، ويتمثل قول الشاعر:




وَأَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ البُيُوتِ لَعَلَّنِي أُحَدِّثُ عَنْكَ النَّفْسَ بِالسِّرِّ خَالِيًا[8]




نشأ - رحمه الله - في عفاف وتألُّه، واتباع وإخبات، كما في هذه الواقعة التي حكاها - رحمه الله - قائلاً: "كنت في أوائل عمري حضرت مع جماعة من أهل الزهد والعبادة، فبتنا بمكان، وأرادوا أن يقيموا سماعًا[9]، وأن أحضر معهم، فامتنعتُ من ذلك، فجعلوا لي مكانًا منفردًا قعدت فيه، فلما سمعوا وحصل الوجد، صار الشيخ الكبير يهتف لي في حالة وَجْدِه ويقول: يا فلان، قد جاءك نصيب عظيم، تعالَ خذ نصيبك، فقلت لهم: أنتم في حل من هذا النصيب، فكل نصيب لا يأتي من طريق محمد بن عبدالله – صلى الله عليه وسلم - فإني لا آكل منه شيئًا.

والذي قلته أن هذا النصيب وهذه العطية سببُها غير شرعي، ليس هو طاعة لله ورسوله، ولا شَرَعها الرسول"[10].

Ÿ ولئن كان الأطفال والناشئة في مرحلة لهوٍ وتصابٍ، ولعب ومرح، فإن أبا العباس في طفولته في جدٍّ وجَلَد في تحصيل العلم وتحقيقه؛ إذ طَلَبَ العلم وهو في السابعة من عُمُره، وأخذ عن أكثر من مائتي عالم في دمشق الشام؛ بل إنه ناظر - وهو طفل صغير - أتباع ابن عربي الزنديق في هذيانهم باسم "هو"، فيجعلون قول: لا إله إلا الله ذكرًا للعامة، واسم الله المفرد (الله) للخاصة، و(هو) لخاصة الخاصة، فكان من هذه المناظرة ما سطَّره قائلاً: "قال لي مرة شخص من هؤلاء الغالطين في قوله - تعالى -: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلاَّ اللَّهُ} [آل عمران: ٧]، قال: المعنى: وما يعلم تأويل (هو)؛ أي: اسم (هو)، الذي يقال فيه: (هو، هو)، وصنف ابن عربي كتاباً في (الهو)، فقلت له - وأنا إذ ذاك صغير جدًّا -: لو كان كما تقول، لكتبتْ في المصحف مفصولة (تأويل هو)، ولم تكتب موصولة، وهذا الكلام الذي قاله هذا معلوم الفساد بالاضطرار"[11].

Ÿوإذا تجاوزنا عالم اليقظة إلى عالم النوم والأحلام، فأحلام عموم الناشئة يكثر فيها الاحتلام، وأضغاث الأحلام، وما أشبهه، وأما أبو العباس - رحمة الله عليه - فقد علتْ همَّته، وشَرُفت نفسه، حتى في أحلامه ومناماته وقت رهقه وشبابه؛ إذ ليس له شغل ولا همٌّ إلا بالإقبال على العلم والتصنيف، والذبِّ عن دين الله - تعالى - فكان يورد الحجج والبينات في الردِّ على المبطلين، كما في مناظرته لابن سينا في المنام؛ حيث قال ابن تيمية - رحمه الله -: "وقد كنت في أوائل معرفتي بأقوال الفلاسفة بعد بلوغي بقريب، وعندي من الرغبة في طلب العلم، وتحقيق هذه الأمور ما أَوجَبَ أني كنت أرى في منامي ابن سينا، وأنا أناظره في هذا المقام وأقول له: أنتم تزعمون أنكم عقلاء العالم، وأذكياء الخلق، وتقولون مثل هذا الكلام الذي لا يقوله أضعف الناس عقلاً، وأورد عليه مثل هذا الكلام، فأقول: العقل الأول إن كان واحدًا من جميع الجهات، فلا يصدر عنه إلا واحد، لا يصدر عنه عقل ونفس وفلك، وإن كان فيه كثرة، فقد صدر عن الواحد أكثر من واحد، ولو قيل: تلك الكثرة هي أمور عدمية، فالأمور العدمية لا يصدر عنها وجود... إلخ"[12].

وقد اقتصرت في النقل السابق على ما كان واضحًا سهلاً، وتركت العويص والعميق؛ إشفاقًا على الكاتب، ورفقًا بالقارئ.

وأخيرًا:
فلقد كانت هذه العقلية الباهرة وسطًا بين الإفراط والتفريط، فلئن كان تراثه النفيس حافلاً بالبراهين العقلية، والحِجَاج والبراهين التي نسفت "معقولات" الفلاسفة وأشباههم من المتكلمين، وترغيبه في النظر في العلوم الصادقة، كالجبر، وعويص الفرائض، والوصايا؛ لشحذ الذهن وتفتيقه[13]، فإن في تراثه تأكيدًا وتقريرًا بلزوم العقل للشرع، وموافقة العقل الصريح للنقل الصحيح، والتحذير من انفلات العقل وخروجه عن ناموس الشريعة، وكذا توسطه تجاه ما يحرِّك الذهن؛ إذ لا حاجة إلى الإغراق في حساب النجوم، والاشتغال بمعرفة أقدار الأفلاك وحركاتها وصفاتها، فهو كثير التعب، قليل الفائدة[14].




فعلى الدعاة والمشتغلين بالمحاضن التربوية أن يلتفتوا إلى هؤلاء الأعلام؛ ففي الأمة من النوابغ والأذكياء ما لا يحصى، فيحتاج إلى تهيئة البيئة الملائمة، والظروف المناسبة في إعداد هؤلاء النوابغ، وتوجيههم إلى العلم الشرعي، والتربية الإيمانية التعبدية؛ إذ صار النبوغ - الآن - يقترن بالاشتغال بسائر العلوم وإهمال علوم الشريعة.



والله المستعان.







ــــــــــــــــــ




[1] انظر: "عيون الأخبار"، لابن قتيبة، 1/393.

[2] "البداية لابن كثير"، 10/297.






[3] "الحجة في بيان المحجة"، لقوام السُّنة الأصفهاني، 2/295، بتصرف يسير.
[4] "الدرء"، 5/263، 314.
[5] "الصواعق المرسلة"، 3/861 ، 865.


[6] "سير أعلام النبلاء"، 4/307.
[7] انظر: مقدمة "الجامع لسيرة ابن تيمية"، تقديم بكر أبو زيد.
[8] انظر: "مدارج السالكين"، 3/59، 60.
[9] يعني: سماعًا بدعيًّا، من إنشاد قصائد ومنظومات على سبيل التعبد تصدُّ عن سماع القرآن، وقد يصحبها بعض المعازف، كما هو مبسوط في "الاستقامة" لابن تيمية، و"السماع" لابن القيم، و"تلبيس إبليس" لابن الجوزي.
[10] "مجموع الفتاوى"، 10/418 - 419، باختصار.


[11] "مجموع الفتاوى"، 10/560.

[12] "بيان تلبيس الجهمية"، 5/263، 264.

[13] انظر: "الردّ على المنطقيين"، ص 255.

[14] انظر: "مجموع الفتاوى"، 35/181.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 54.28 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 52.65 كيلو بايت... تم توفير 1.63 كيلو بايت...بمعدل (3.00%)]