|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الجهاد شرح سنن أبي داود [322] الحلقة (354) شرح سنن أبي داود [322] من فضل الله عز وجل على عباده المجاهدين أن جمع لهم إلى النصر والظفر الغنائم التي يغنمونها من عدوهم، وهذه الغنائم حق خالص لمن خرج للغزو فيما عدا الخمس، إلا أن هناك أصنافاً من الناس لا يأخذون منها وإن كانوا مع الجيش عند تقسيمها، ومن هؤلاء المرأة والعبد، لكن لا بأس بمنحهما منيحة منها دون السهم. من جاء بعد الغنيمة لا سهم له شرح حديث ترك النبي القسم من غنائم خيبر لسرية أبان بن سعيد قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن جاء بعد الغنيمة لا سهم له. حدثنا سعيد بن منصور قال: حدثنا إسماعيل بن عياش عن محمد بن الوليد الزبيدي عن الزهري أن عنبسة بن سعيد أخبره أنه سمع أبا هريرة يحدث سعيد بن العاص : (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث أبان بن سعيد بن العاص على سرية من المدينة قبل نجد، فقدم أبان بن سعيد وأصحابه على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخيبر بعد أن فتحها وإن حزم خيلهم ليف، فقال أبان : اقسم لنا يا رسول الله. فقال أبو هريرة : فقلت: لا تقسم لهم يا رسول الله. فقال أبان: أنت بها -يا وبر- تحدر علينا من رأس ضال. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اجلس يا أبان . ولم يقسم لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) ]. أورد أبو داود باباً فيمن جاء بعد الغنيمة لا سهم له. أي أن من جاء بعد حيازة الغنيمة لا سهم له، يعني: أنه لا يعطى؛ لأن الغنيمة يعطاها من حضر المعركة وشارك، فهذا هو الذي يعطى من الغنيمة، وأما إنسان جاء بعدما انتهت الحرب وحيزت الغنائم فإنه لا يكون له نصيب فيها؛ لأنه ما شارك، وإنما الذي جاء قبل أن تنتهي الحرب وشارك قبل أن تحاز الغنيمة فإنه يكون له نصيب منها، ومن جاء بعد ذلك لا يكون له نصيب. وأورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل سرية فيها أبان بن سعيد بن العاص قبل نجد، وأنهم جاءوا بعدما انتهى القتال في خيبر فطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم من الغنيمة نصيباً. فعندما طلب هذا قال أبو هريرة : (لا تقسم لهم يا رسول الله). يعني: أنه ما شارك في المعركة. فغضب وعاب أبا هريرة وتكلم فيه كلاماً فقال: أنت بها -يا وبر- تحدر علينا من رأس ضالٍّ. قوله: [(أنت بها)]. يعني: أنت بهذه الكلمة تتصدى لهذا الأمر وتتدخل في هذا الأمر! والوبر هو دويبة وحشية في الفلاة، تشبه السنور، وهي التي جاء ذكرها على لسان مسيلمة الكذاب الذي لما جاءه عمرو بن العاص قال له: ماذا أنزل على صاحبكم؟ وكان عمرو كافراً لم يسلم بعد، وكان صديقاً لمسيلمة ، فقال: إن أصحابه يقولون: إنه أنزل عليه وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر:1-2] فقال: وأنا أنزل علي قرآن: الوبر وما أدراك ما الوبر! له أذنان وصدر، إن قريشاً قوماً يعتدون. ماذا تقول يا عمرو ؟ قال: والله إني لأعلم أنك تعلم أني مكذب لك. فالوبر دويبة تشبه السنور أو على قدر السنور، وهي متوحشة وتكون في الفلاة والجبال. قوله: [(من رأس ضالٍّ)] يعني: من رأس جبل. قوله: [(فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اجلس يا أبان . ولم يقسم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم)]. لم يقسم لهم لأنهم حضروا بعد حيازة الغنيمة وانتهاء الحرب. تراجم رجال إسناد حديث ترك النبي القسم من غنائم خيبر لسرية أبان بن سعيد قوله: [حدثنا سعيد بن منصور عن إسماعيل بن عياش عن محمد بن الوليد الزبيدي عن الزهري ]. الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أن عنبسة بن سعيد أخبره]. عنبسة بن سعيد ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود . [أنه سمع أبا هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. شرح حديث سؤال أبي هريرة النبي أن يسهم له من غنائم خيبر قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حامد بن يحيى البلخي قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا الزهري -وسأله إسماعيل بن أمية فحدثناه الزهري - أنه سمع عنبسة بن سعيد القرشي يحدث عن أبي هريرة قال: (قدمت المدينة ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخيبر حين افتتحها، فسألته أن يسهم لي، فتكلم بعض ولد سعيد بن العاص فقال: لا تسهم له يا رسول الله. قال: فقلت: هذا قاتل ابن قوقل ! فقال سعيد بن العاص : يا عجباً لوبر قد تدلى علينا من قدوم ضال! يعيرني بقتل امرئ مسلم أكرمه الله تعالى على يدي ولم يهني على يديه!) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وفيها أن القصة بالعكس، وذلك لأن الذي في المسألة الأولى هو أن أبا هريرة هو الذي اعترض على طلب أبان بن سعيد بن العاص ، وفي هذه القصة أن أبا هريرة هو الذي طلب أن يجعل له نصيب من الغنيمة و أبان هو الذي اعترض عليه، وكل منهما جاء في آخر الأمر؛ لأن أبا هريرة إنما جاء في زمن متأخر بعد انتهاء خيبر، وكذلك أبان بن سعيد بن العاص ، ولما قال أبو هريرة: (اقسم لي يا رسول الله اعترض عليه أبان فقال: لا تسهم له يا رسول الله). يقول أبان : لا تسهم له. يعني: لأبي هريرة . فغضب أبو هريرة وقال: هذا قاتل ابن قوقل ! وهو مسلم قتله أبان بن سعيد وهو كافر. فعند ذلك تكلم أبان بن سعيد بكلام من أحسن الكلام وأجمله وأبلغه فقال: يعيرني بقتل امرئ مسلم أكرمه الله تعالى على يدي ولم يهني على يديه. يعني: يعيرني بقتل امرئ مسلم أكرمه الله على يدي بالشهادة حيث قتلته فصار شهيداً، ولم يهني على يديه بأن يقتلني فأموت كافراً. فسلم من القتل ومن الله عليه بالإسلام فأسلم، وهذا من أحسن الكلام وأجمل الكلام وأجوده. و ابن قوقل -بقافين- على وزن جعفر، واسمه النعمان بن مالك بن ثعلبة بن أصرم وقوقل لقب ثعلبة و أصرم ، وعند البغوي في الصحابة أن النعمان بن قوقل قال يوم أحد: أقسمت عليك -يا رب- ألا تغيب الشمس حتى أطأ بعرجتي في الجنة. فاستشهد ذلك اليوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد رأيته في الجنة وما به عرج). تراجم رجال إسناد حديث سؤال أبي هريرة النبي أن يسهم له من غنائم خيبر واعتراض أبان بن سعيد عليه قوله: [حدثنا حامد بن يحيى البلخي ]. حامد بن يحيى البلخي ثقة، أخر له أبو داود . [ حدثنا سفيان قال: حدثنا الزهري ]. سفيان هو سفيان بن عيينة المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و الزهري مر ذكره. [أنه سمع عنبسة بن سعيد القرشي يحدث عن أبي هريرة ]. عنبسة بن سعيد وأبو هريرة قد مر ذكرهما. والروايتان مختلفتان كما هو واضح، فيحتمل أن تكون إحداهما هي الراجحة. وقد أخرج البخاري الرواية الأولى في صحيحه معلقة، وأخرج الثانية في صحيحه متصلة. ويحتمل أن يكون كل واحد منهما طلب وأن كل واحد منهما اعترض على الآخر. وقوله: [ فقال سعيد بن العاص واعجباً...]. صوابه: فقال ابن سعيد بن العاص. فكلمة (ابن) هنا سقطت. قال المنذري : قال أبو بكر الخطيب : هكذا روى أبو داود هذا الحديث عن حامد بن يحيى ، وقال فيه: فقال سعيد بن العاص ، وإنما هو ابن سعيد بن العاص، واسمه أبان ، وهو الذي قال: (لا تسهم له يا رسول الله). قوله: [قدوم ضال] يعني: مكاناً مرتفعاً، أي: جبلاً. [قال أبو داود : هؤلاء كانوا نحو عشرة، فقتل منهم ستة ورجع من بقي]. يعني: أن الذين ذهبوا قبل نجد وفيهم أبان بن سعيد بن العاص كانوا عشرة، فقتل منهم ستة وبقي أربعة، وهم الذين جاءوا وطلبوا أن يسهم لهم في خيبر. شرح حديث إسهام النبي صلى الله عليه وسلم لأبي موسى وقومه ومهاجري الحبشة عند قدومهم بعد فتح خيبر قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن العلاء قال: حدثنا أبو أسامة حدثنا بريد عن أبي بردة عن أبي موسى قال: (قدمنا فوافقنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين افتتح خيبر فأسهم لنا -أو قال: فأعطانا منها- وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئاً إلا لمن شهد معه، إلا أصحاب سفينتنا جعفر وأصحابه فأسهم لهم معهم) ]. أورد أبو داود هنا حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعط أحداً لم يشهد غزوة خيبر شيئاً إلا أهل سفينتهم، وهم الذي جاءوا من الحبشة في سفينة فيهم جعفر بن أبي طالب وغيره، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاهم، والمقصود بأنه أعطاهم أنه لم يسهم لهم، وإنما أعطاهم شيئاً بدون إسهام، ولعل ذلك من الخمس الذي يتصرف فيه النبي صلى الله عليه وسلم كيف يشاء، وأما الأربعة الأخماس الباقية فهي للغانمين، ولا تعطى لأحد سواهم. و أبو داود رحمه الله أورد هذا الحديث تحت الترجمة أنه لا سهم له، ومعنى ذلك: أنه لا سهم له في الغنيمة، وأما إعطاء النبي صلى الله عليه وسلم لأبي موسى و جعفر بن أبي طالب وغيرهما ممن جاءوا في السفينة وهم لم يشهدوا الوقعة فإنما ذلك من غير إسهام ومن غير أن يكون لهم نصيب في الغنيمة يزاحمون فيه الذين حضروها فيعطون مثلما أعطوا، وإنما أعطاهم شيئاً بدون إسهام، وذلك من الخمس الذي يتصرف فيه النبي صلى الله عليه وسلم في مصالح المسلمين. تراجم رجال إسناد حديث إسهام النبي صلى الله عليه وسلم لأبي موسى وقومه ومهاجري الحبشة عند قدومهم بعد فتح خيبر قوله: [حدثنا محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا أبو أسامة ]. هو حماد بن أسامة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا بريد ]. هو بريد بن عبد الله بن أبي بردة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي بردة ]. هو جد بريد ، فبريد يروي عن جده أبي بردة ، وأبو بردة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي موسى ]. اسمه عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه، صحابي مشهور، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. والحديث يرويه حفيد عن جده، وذلك الجد يروي عن أبيه. شرح حديث إسهام النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان من غنائم بدر وقد غاب عنها قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محبوب بن موسى أبو صالح قال: حدثنا أبو إسحاق الفزاري عن كليب بن وائل عن هانئ بن قيس عن حبيب بن أبي مليكة عن ابن عمر قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قام -يعني: يوم بدر- فقال: إن عثمان انطلق في حاجة الله وحاجة رسول الله، وإني أبايع له. فضرب له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسهم، ولم يضرب لأحد غاب غيره) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر أعطى الغنيمة للغانمين ولم يعط أحداً غاب عنها إلا عثمان بن عفان رضي الله عنه، فإنه غاب عنها بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبأمره، وذلك ليمرض زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعطاه سهماً كغيره؛ لأن غيابه عن الغزوة إنما كان بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل هذا الغرض الذي هو تمريض زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ماتت رضي الله تعالى عنها في ذلك الوقت، وكان الناس في بدر. وأما ذكر المبايعة وأنه بايع عنه فإن البيعة المشهور أنها في بيعة الرضوان، وقد كان رضي الله تعالى عنه ذهب إلى مكة وأشيع أنه قتل، فعند ذلك بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه على ألا يفروا، وكان بايع عن عثمان وضرب بيديه إحداهما على الأخرى، وقال: (هذه لعثمان) ، وأما بدر فليس فيها مبايعة، وإنما كان فيها إسهام له وإعطاؤه نصيبه من الغنيمة؛ لأنه في حكم الحاضرين؛ لأن غيابه عنها إنما كان بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث إسهام النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان من غنائم بدر وقد غاب عنها قوله: [حدثنا محبوب بن موسى أبو صالح ]. محبوب بن موسى صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [حدثنا أبو إسحاق الفزاري ]. هو إبراهيم بن محمد بن الحارث ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن كليب بن وائل ]. كليب بن وائل صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي . [عن هانئ بن قيس ]. هانئ بن قيس مستور، أخرج له أبو داود . [عن حبيب بن أبي مليكة ]. حبيب بن أبي مليكة مقبول، أخرج له أبو داود . [عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. والحديث ثابت وإن كان فيه ذلك المستور والمقبول؛ لأن له شواهد، إلا أن ذكر المبايعة فيه نظر. المرأة والعبد يحذيان من الغنيمة شرح حديث جواب ابن عباس لنجدة الحروري في الإحذاء للمملوك وخروج النساء للجهاد قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في المرأة والعبد يحذيان من الغنيمة. حدثنا محبوب بن موسى أبو صالح حدثنا أبو إسحاق الفزاري عن زائدة عن الأعمش عن المختار بن صيفي عن يزيد بن هرمز قال: (كتب نجدة إلى ابن عباس رضي الله عنهما يسأله عن كذا وكذا -وذكر أشياء- وعن المملوك أله في الفيء شيء؟ وعن النساء هل كن يخرجن مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهل لهن نصيب؟ فقال ابن عباس : لولا أن يأتي أحموقة ما كتبت إليه، أما المملوك فكان يحذى، وأما النساء فقد كن يداوين الجرحى ويسقين الماء)]. أورد أبو داود هذه الترجمة: [باب في المرأة والعبد يحذيان من الغنيمة] يعني: يعطيان عطاء بدون أن يسهم لهما، فالإحذاء هو الإعطاء، ويحذيه: يعطيه. والإحذاء هو الذي يسمى رضخاً. أي: يعطى شيئاً من غير إسهام ومن غير أن يكون حكمه حكم الغانمين، فلا يكون له نصيب كالنصيب الذي يكون لكل مجاهد حضر المعركة وجاهد وقاتل الكفار. فالمرأة والعبد يعطيان من غير إسهام، فهذا هو معنى قوله (يحذيان). فالإحذاء هو الإعطاء، ومنه ما جاء في حديث أبي موسى الأشعري الذي فيه: (مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة). وأورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه كتب إليه نجدة -وهو من الحرورية من الخوارج- يسأله عن العبد هل يكون له في الغنيمة شيء وعن النساء هل يخرجن في الغزو ويكون لهن شيء؟ فقال عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه: لولا أن يرتكب أحموقة ما كتبت له. يعني: لكونه من الخوارج؛ فلأجل ألا يحصل منه أعمال غير طيبة كتب إليه يجيبه فقال: (أما المملوك فكان يحذى). يعني: كان يعطى عطية بدون إسهام. قوله: [(وأما النساء فقد كن يداوين الجرحى ويسقين الماء)]. ولم يذكر إعطاء، ولكنهن يحذين ويعطين من غير إسهام، كالذي يحصل للمملوك، ولهذا ذكر أبو داود رحمه الله في الترجمة أنهما يحذيان، يعني: يعطيان من غير إسهام، وإعطاؤهما من أجل هذا العمل وهذه الخدمة التي يقومان بها. تراجم رجال إسناد حديث جواب ابن عباس لنجدة الحروري في الإحذاء للمملوك وخروج النساء للجهاد قوله: [حدثنا محبوب بن موسى حدثنا أبو إسحاق الفزاري عن زائدة ]. مر ذكر محبوب بن موسى و أبي إسحاق الفزاري . و زائدة هو ابن قدامة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المختار بن صيفي ]. المختار بن صيفي مقبول، أخرج له مسلم و أبو داود . [عن يزيد بن هرمز ]. يزيد بن هرمز ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . وابن عباس هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. شرح حديث جواب ابن عباس لنجدة الحروري من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس قال: حدثنا أحمد بن خالد -يعني الوهبي - قال: حدثنا ابن إسحاق عن أبي جعفر و الزهري عن يزيد بن هرمز قال: (كتب نجدة الحروري إلى ابن عباس رضي الله عنهما يسأله عن النساء هل كن يشهدن الحرب مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ وهل كان يضرب لهن بسهم؟ قال: فأنا كتبت كتاب ابن عباس إلى نجدة : قد كنَّ يحضرن الحرب مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأما أن يضرب لهن بسهم فلا، وقد كان يرضخ لهن)]. أورد أبو داود حديث ابن عباس من طريق أخرى، وفيه بيان أن النساء يعطين رضخاً دون إسهام، والرواية السابقة ليس فيها ذكر الرضخ والإعطاء، وهذه فيها بيان الإعطاء لهن، وأنه يرضخ لهن، أي: يعطين من غير إسهام. تراجم رجال إسناد حديث جواب ابن عباس لنجدة الحروري من طريق أخرى قوله: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [حدثنا أحمد بن خالد -يعني الوهبي -]. أحمد بن خالد الوهبي صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [حدثنا ابن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [عن أبي جعفر ]. هو محمد بن علي الملقب بالباقر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [و الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن يزيد بن هرمز عن ابن عباس ]. يزيد بن هرمز و ابن عباس قد مر ذكرهما. شرح حديث أم زياد في خروجها هي ونسوة في غزوة خيبر قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن سعيد وغيره قالا: أخبرنا زيد بن الحباب قال: حدثنا رافع بن سلمة بن زياد قال: حدثني حشرج بن زياد عن جدته أم أبيه (أنها خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة خيبر سادس ست نسوة، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبعث إلينا، فجئنا فرأينا فيه الغضب، فقال: مع من خرجتن وبإذن من خرجتن؟ فقلنا: يا رسول الله! خرجنا نغزل الشعر ونعين به في سبيل الله، ومعنا دواء الجرحى، ونناول السهام، ونسقي السويق. فقال: قمن. حتى إذا فتح الله عليه خيبر أسهم لنا كما أسهم للرجال. قال: فقلت لها: يا جدة! وما كان ذلك؟ قالت: تمراً) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث جدة حشرج أنها خرجت سادسة ست نسوة خرجن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم دعاهن وهو مغضب وقال: (مع من خرجتن وبإذن من خرجتن؟) فأخبرنه بأنهن خرجن يغزلن الشعر ويداوين المرضى ويسقين السويق، فقال لهن: (قمن) ثم بعدما حصلت الغنيمة أسهم لهن كما أسهم للرجال، فقال لها حفيدها: وماذا كانت الغنيمة؟ قالت: تمراً. فهذا فيه بيان أنه أسهم لهن كما أسهم للرجال، وهذا يخالف ما تقدم من أنهن يرضخ لهن ولا يسهم لهن، وأيضاً جاء فيه أنه تمر، ولعل المقصود بذلك أنه أسهم لهن كما يسهم للرجال من الطعام الذي يقدم والذي يمنح للغزاة، إذ قد عرفنا فيما مضى أن الطعام يبذل وأنه يقسم عليهم للاقتيات، فيمكن أن يكون المقصود من ذلك أنه أسهم لهن كما أسهم لغيرهن في القوت، وذلك من التمر الذي هو الطعام، لأن إعطاء الطعام وتقسيمه يختلف عن قسمة الغنيمة التي تكون للغانمين. والحديث ضعيف غير ثابت، ولكن معناه يحمل على أن المقصود هو الإسهام في الطعام وليس في الغنيمة، ومعلوم أن الطعام إنما يقسم على الحاضرين وعلى الموجودين لاقتياتهم، وسبق أن مر بعض الأحاديث الدالة على ذلك، أي أن الطعام يقسم ولا يكون من جملة الغنيمة، اللهم إلا إذا كان كثيراً فيؤخذ منه قدر الحاجة والباقي يكون مع الغنيمة، كما سبق أن مرت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث أم زياد في خروجها هي ونسوة في غزوة خيبر قوله: [حدثنا إبراهيم بن سعيد ]. إبراهيم بن سعيد ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [وغيره]. يعني: ومعه غيره. [أخبرنا زيد بن الحباب ]. زيد بن الحباب صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [حدثنا رافع بن سلمة بن زياد ]. رافع بن سلمة بن زياد ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي . [حدثني حشرج بن زياد ]. حشرج بن زياد مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي . [عن جدته أم أبيه]. هي أم زياد الأشجعية رضي الله تعالى عنها، صحابية لها حديث، أخرج لها أبو داود و النسائي . شرح حديث عمير مولى آبي اللحم في شهوده خيبر وإعطاء النبي صلى الله عليه وسلم له من خرثي المتاع قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا بشر -يعني ابن المفضل - عن محمد بن زيد قال: حدثني عمير مولى آبي اللحم قال: (شهدت خيبر مع سادتي، فكلموا في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأمر بي فقلدت سيفاً فإذا أنا أجره، فأخبر أني مملوك فأمر لي بشيء من خرثي المتاع). قال أبو داود : معناه أنه لم يسهم له. قال أبو داود : وقال أبو عبيد : كان حرم اللحم على نفسه فسمي: آبي اللحم ]. أورد أبو داود حديث عمير مولى آبي اللحم رضي الله تعالى عنهما أنه خرج مع سادته إلى غزوة خيبر، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر به فأعطي سيفاً فجعل يجره، وأخبر أنه مملوك، فلما قسمت الغنيمة رضخ له، يعني: أعطي ولم يسهم له، وهذا يدل على ما دل عليه الحديث الأول الذي هو حديث ابن عباس في قصة كتابته إلى نجدة أنه يرضخ له بدون أن يسهم له، وهذا -مثله- يدل على أنه يعطى بدون إسهام، وأنه لا يعامل معاملة الغانمين الذين تقسم عليهم أربعة أخماس الغنيمة بالسوية، بل العبد يرضخ له والمرأة يرضخ لها، وهذا فيه دليل على الرضخ للمملوك، ولذلك أخبر بأنه أمر له بشيءٍ من خرثي المتاع، يعني: من جملة المتاع، ولو كان أسهم له لأعطي كما يعطى غيره. قوله: [(شهدت خيبر مع سادتي)]. سادته هم مواليه من أعلى؛ لأن الموالي من أعلى هم السادة، والموالي من أسفل هم الأرقاء أو المعتقون، فهذا مولى من أعلى وهذا مولى من أسفل. قوله: [(فكلموا في رسول الله صلى الله عليه وسلم)]. معناه: أنهم كلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ليشارك أو ليكون له نصيب، فأعطي سيفاً فصار يجره، ومعناه: أنه قصير وصغير. تراجم رجال إسناد حديث عمير مولى آبي اللحم في شهوده خيبر وإعطاء النبي صلى الله عليه وسلم له من خرثي المتاع قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا بشر -يعني ابن المفضل -]. بشر بن المفضل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن محمد بن زيد ]. محمد بن زيد ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [حدثني عمير مولى آبي اللحم ]. هو عمير مولى آبي اللحم رضي الله عنه، وحديثه أخرجه مسلم وأصحاب السنن. وهذا الإسناد رباعي من الأسانيد العالية عند أبي داود . [ قال أبو داود : وقال أبو عبيد : كان حرم اللحم على نفسه فسمي: آبي اللحم ]. يعني: لقب آبي اللحم ؛ لأنه امتنع من أكل اللحم، أو ترك أكل اللحم، فقيل له: آبي اللحم، وهو من الإباء، ويأباه أي: لا يريده. وآبي اللحم أي: غير مريده، من أبى الشيء إذا لم يرده وتركه. وأبو عبيد هو القاسم بن سلام . شرح حديث جابر (كنت أميح أصحابي الماء يوم بدر) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سعيد بن منصور حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: كنت أميح أصحابي الماء يوم بدر]. أورد أبو داود حديث جابر رضي الله تعالى عنه أنه قال: كنت أميح أصحابي الماء يوم بدر. ومعناه: أنه ينزل في البئر حين يكون الماء قليلاً فيغرف ويصب في الدلو، ثم تنزع الدلو. وإذا كان الماء كثيراً فإنه لا يحتاج إلى ميح، بل ترسل الدلو فتمتلئ ثم يرفعونها، ولكن حين يكون الماء قليلاً فإنه يحتاج إلى أن يغرف باليدين أو بإناء ثم يصب في الدلو، وفاعل هذا يقال له: مائح، وأما الذي فوقه ينزع الدلو فيقال له: ماتح. والحديث لا علاقة له بالترجمة، ولا يدل عليها في كون العبد والمرأة يحذيان ولا يسهم لهما. تراجم رجال إسناد حديث جابر (كنت أميح أصحابي الماء يوم بدر) قوله: [حدثنا سعيد بن منصور ]. سعيد بن منصور ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا أبو معاوية ]. هو محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش عن أبي سفيان ]. الأعمش مر ذكره، و أبو سفيان هو طلحة بن نافع ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. حكم الإسهام للمشرك والاستعانة به في الحرب شرح حديث (أن رجلاً من المشركين لحق بالنبي ليقاتل معه...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في المشرك يسهم له. حدثنا مسدد و يحيى بن معين قالا: حدثنا يحيى عن مالك عن الفضيل عن عبد الله بن نيار عن عروة عن عائشة، قال يحيى : (إن رجلاً من المشركين لحق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ليقاتل معه، فقال: ارجع، ثم اتفقا فقال: إنا لا نستعين بمشرك)]. أورد أبو داود باباً في المشرك يسهم له. يعني: هل يسهم له أو لا يسهم له؟ فلا يسهم له ولا يستعان به في الحرب والجهاد في سبيل الله؛ لأنه هو نفسه بحاجة إلى جهاد وبحاجة إلى أن يدخل في الإسلام، وأولئك يُقَاتلون ليدخلوا في الإسلام، وهو ما دخل في الإسلام فلا يستعان به في جهاد الكفار وقتالهم من أجل أن يدخلوا في الإسلام، وعلى هذا فإنه ليس له نصيب؛ لأنه ليس أهلاً لأن يقاتل، وليس أهلاً لأن يعطى شيئاً؛ لأن الأصل الذي يبنى عليه تقسيم الغنيمة إنما يكون في حق من يكون من أهل الجهاد، وذلك بأن يكون مسلماً، أما إذا كان كافراً فإنه لا يستعان به في الجهاد؛ لأن الجهاد إنما هو لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وهو لا يزال في الظلمات، فهو بحاجة إلى أن يخرج من الظلمات إلى النور، فكيف يقاتل الكفار ليدخلوا في الإسلام وهو ما دخل في الإسلام؟! وهذا فيما يتعلق بالجهاد. وأما بالنسبة للدفاع فإنه لا بأس بالاستعانة بالكفار من أجل الدفاع، فالدفاع والمحافظة على الأنفس والاستعانة بهم على رد العدوان لا بأس به، كما أن الإنسان لو كان له جار كافر ثم اعتدى عليه لصوص فإن له أن يستدعي جاره الكافر ليساعده على التخلص من اللصوص؛ لأن مثل هذا العمل لا بأس به وهو استعانة سائغة، وإنما الذي لا يجوز هو الاستعانة بهم في الجهاد في سبيل الله وقتال الكفار من أجل دخولهم في الإسلام؛ إذ إن فاقد الشيء لا يعطيه، وهو مثلهم إلا أنه قد يكون مستأمناً أو صاحب ذمة يأمن على نفسه، وأما كونه يذهب من أجل يقاتل في سبيل الله لإخراج الناس من الظلمات إلى النور وهو ليس من أهل ذلك فلا. قوله: [(إن رجلاً من المشركين لحق بالنبي صلى الله عليه وسلم ليقاتل معه فقال: ارجع؛ إنا لا نستعين بمشرك)]. يعني: أن ذلك المشرك كان صاحب ذمة أو صاحب عهد وأمان، فقال له النبي: (ارجع؛ فإنا لا نستعين بمشرك)، يعني: في هذا العمل الذي هو الجهاد في سبيل الله. تراجم رجال إسناد حديث (أن رجلاً من المشركين لحق بالنبي ليقاتل معه...) قوله: [حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [و يحيى بن معين ]. يحيى بن معين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، وقد مر ذكره. [ عن الفضيل ]. هو الفضيل بن أبي عبد الله ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [عن عبد الله بن نيار ]. عبد الله بن نيار ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [عن عروة ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عائشة ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم."
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الجهاد شرح سنن أبي داود [323] الحلقة (355) شرح سنن أبي داود [323] قسم الله الغنائم بين المجاهدين، وجعل لكل مجاهد نصيباً منها سواء كان راجلاً أو راكباً، إلا أنه ميز الراكب على الراجل بسهم فرسه التي خرج بها للجهاد، فجعل للراجل سهماً واحداً وللراكب ثلاثة أسهم، فزاده سهمين لفرسه فوق سهمه الذي هو له. ما جاء في سهمان الخيل شرح حديث إسهام النبي لرجل سهماً ولفرسه سهمين قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في سهمان الخيل. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا أبو معاوية حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسهم لرجل ولفرسه ثلاثة أسهم سهماً له وسهمين لفرسه) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [باب في سهمان الخيل] يعني: أن الخيل يسهم لها، ويكون لصاحبها أسهم في مقابل استخدامها، وذلك بأن يكون لصاحب الفرس وفرسه ثلاثة أسهم: سهم له وسهمان لفرسه، وأما الراجل أو الراكب الذي ليس من أهل الخيل فإنه له سهم واحد، وعلى هذا فكل مجاهد حضر المعركة وهو من أهل القتال يكون له سهم، ومن كان له فرس فيضاف إلى سهمه الذي له سهمان لفرسه. وإنما جعل الفرس له سهمان لقوة البلاء الذي يكون باستخدامه من الكر والفر والتمكن من الوصول إلى الأعداء والنكاية بهم، ثم لمقابل ما يحتاج إليه من علف ومن خدمة ومن أمور أخرى. وقد أورد أبو داود حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى للفارس ثلاثة أسهم: سهم له وسهمان لفرسه، سهم له لأنه واحد من المقاتلين، وكل مقاتل يكون له سهم، والفرس له سهمان من أجل الفائدة الكبيرة التي تترتب على استخدامه ومن أجل ما يحتاج إليه من علف وغير ذلك. تراجم رجال إسناد حديث إسهام النبي لرجل سهماً ولفرسه سهمين قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا أبو معاوية حدثنا عبيد الله ]. عبيد الله هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ابن عمر ] قد مر ذكره. شرح حديث أبي عمرة عن أبيه في سهمان الخيل قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا أبو معاوية حدثنا عبد الله بن يزيد حدثني المسعودي حدثني أبو عمرة عن أبيه قال: (أتينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربعة نفر ومعنا فرس، فأعطى كل إنسان منا سهماً، وأعطى للفرس سهمين) ]. أورد أبو داود حديث أبي عمرة ، وهو أنهم جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهم أربعة، ومعهم فرس، فأعطى كل واحد سهماً، وأعطى للفرس سهمين، وهذا مطابق للذي تقدم، وهو أن الفارس له ثلاثة أسهم: سهم له، وسهمان للفرس. تراجم رجال إسناد حديث أبي عمرة عن أبيه في سهمان الخيل قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا أبو معاوية حدثنا عبد الله بن يزيد ]. أحمد بن حنبل و أبو معاوية مر ذكرهما. و عبد الله بن يزيد المقري المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا المسعودي ]. هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة ، وهو صدوق اختلط، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ حدثني أبو عمرة ]. أبو عمرة هو مجهول، أخرج له أبو داود . [ عن أبيه ]. لا نعرف من أبوه! فالإسناد فيه مجهول، ولكن معناه مطابق لما جاء في الأحاديث من ناحية أن الرجل له سهم، وأن الفرس يكون له سهمان. شرح حديث أبي عمرة عن أبيه في سهمان الخيل من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا أمية بن خالد حدثنا المسعودي عن رجل من آل أبي عمرة عن أبي عمرة بمعناه إلا أنه قال: (ثلاثة نفر) زاد: (فكان للفارس ثلاثة أسهم) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم من ناحية الإسهام أي: أن الراجل له سهم، والفارس له ثلاثة أسهم؛ سهم له، وسهمان لفرسه. تراجم رجال إسناد حديث أبي عمرة عن أبيه في سهمان الخيل من طريق أخرى قوله: [حدثنا مسدد حدثنا أمية بن خالد ]. أمية بن خالد صدوق، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا المسعودي عن رجل من آل أبي عمرة عن أبي عمرة بمعناه]. بمعناه، إما أن يكون عن أبيه الأول أو أنه منه ويكون فيه الإرسال. وفي الحديث السابق قال: حدثنا المسعودي عن أبي عمرة وهنا قال: حدثنا المسعودي عن رجل من آل أبي عمرة عن أبي عمرة، ومعناه: أنه رواه هناك بدون واسطة، وهنا بواسطة رجل مبهم. وهذان الحديثان من حيث الإسناد ضعيفان، لكن من حيث المتن فالمعنى مستقيم مطابق للأحاديث الأخرى. ما جاء فيمن أسهم للخيل سهماً واحداً شرح حديث من جعل للفرس سهماً واحداً قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيمن أسهم له سهماً. حدثنا محمد بن عيسى ثنا مجمع بن يعقوب بن مجمع بن يزيد الأنصاري قال: سمعت أبي يعقوب بن مجمع يذكر عن عمه عبد الرحمن بن يزيد الأنصاري عن عمه مجمع بن جارية الأنصاري، وكان أحد القراء الذين قرءوا القرآن قال: (شهدنا الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما انصرفنا عنها إذا الناس يهزون الأباعر، فقال بعض الناس لبعض: ما للناس؟ قالوا: أوحي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فخرجنا مع الناس نوجف، فوجدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم واقفاً على راحلته عند كراع الغميم، فلما اجتمع عليه الناس قرأ عليهم: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا [الفتح:1] فقال رجل: يارسول الله أفتح هو؟ قال: نعم والذي نفس محمد بيده إنه لفتح، فقسمت خيبر على أهل الحديبية، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ثمانية عشر سهماً، وكان الجيش ألفاً وخمسمائة فيهم ثلاثمائة فارس، فأعطى الفارس سهمين وأعطى الراجل سهماً) . قال أبو داود : حديث أبي معاوية أصح والعمل عليه، وأرى الوهم في حديث مجمع أنه قال: ثلاثمائة فارس، وكانوا مائتي فارس ]. أورد أبو داود باباً فيمن أسهم للفرس سهماً واحداً؛ لأن الباب الأول في السهمين للفرس، وذكر فيه الأحاديث التي فيها أنه يكون له سهمان، وهي صحيحة، وأورد بعد ذلك هذه الترجمة فيمن أسهم له سهماً واحداً بدل أن يعطى اثنين. وأورد فيه أبو داود حديث مجمع بن جارية رضي الله عنه، وأنهم كانوا في غزوة الحديبية، وأنه لما فتحت خيبر قسمت على أهل الحديبية، وكان الذين حضروا الحديبية هم الذين حضروا خيبر، وقسمت عليهم الغنائم، وفيه أنه أسهم للفارس سهمين، سهماً له وسهماً لفرسه، وهذا مخالف لما سبق في الأحاديث أن للفارس وفرسه ثلاثة أسهم سهماً له وسهمين لفرسه. والفرس يذكر ويؤنث، ويعرف التذكير والتأنيث بعودة الضمائر على اللفظ وبالإشارة إليه. قوله: [ (يهزون الأباعر) ] يحركونها، والمقصود السيوف. قوله: [ (فقال بعض الناس لبعض: ما للناس؟ ) ]. يعني: ما للناس يهزون الأباعر من فرط سرعتهم. قوله: [ (قالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أوحي إليه) ] فكأنهم يريدون أن يحضروا ويسمعوا ذلك الوحي الذي أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (فخرجنا مع الناس نوجف) ]. أي: نسرع، قال تعالى: فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ [الحشر:6]، قوله: [ (فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم واقفاً على راحلته عند كراع الغميم، فلما اجتمع عليه الناس قرأ عليهم: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا [الفتح:1]) ]. أي: نزلت عليه هذه السورة. قوله: [ (وقيل: أفتح هو يا رسول الله؟ قال: نعم) ] ولا شك أنه كان مقدمة الفتح، أعني فتح مكة؛ لأن هذا الصلح الذي قد تم حصل فيه الخير الكثير، وترتب على ذلك مصالح كبيرة للمسلمين، ثم بعد ذلك حصل الفتح بعد صلح الحديبية بسنتين، فقد كانت الحديبية في السادسة، وخيبر في السابعة والفتح في الثامنة. قوله: [ (فقسمت خيبر على أهل الحديبية، قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثمانية عشر سهماً، وكان الجيش ألفاً وخمسمائة، فيهم ثلاثمائة فارس، فأعطى الفارس سهمين وأعطى الراجل سهماً) ]. أعطى الفارس سهمين؛ سهماً له وسهماً لفرسه، وأعطى الراجل سهماً، وهذا يخالف ما تقدم من أن الفرس له سهمان وليس سهماً واحداً. قوله: [ حديث أبي معاوية أصح والعمل عليه ]. يعني: الحديث المتقدم الذي فيه أن للفارس ثلاثة أسهم؛ سهماً له وسهمين لفرسه، وليس كما جاء في حديث مجمع بن جارية أن للفارس سهمين؛ سهماً له وسهماً واحداً لفرسه. قوله: [ وأرى الوهم في حديث مجمع أنه قال: ثلاثمائة فارس وكانوا: مائتي فارس ]. هو قال هنا: إنهم ثلاثمائة، قالوا: والصحيح أنهم كانوا مائتي فارس، وإذا كانوا مائتي فارس وهم على الصحيح ألف وأربعمائة، فإنهم يعطون أربعة عشر سهماً ويبقى بعد ذلك أربعة أسهم للخيول المائتين، فتكتمل ثمانية عشر سهماً، لكن على القول بأنهم ثلاثمائة فارس يصير العدد ألفاً ومائتين مقابل اثني عشر سهماً، وبقيت من الثمانية عشر سهماً ستة أسهم لثلاثمائة فارس وثلاثمائة فرس، للفرس سهم وللفارس سهم. تراجم رجال إسناد حديث من جعل للفرس سهماً واحداً قوله: [ حدثنا محمد بن عيسى ]. هو محمد بن عيسى الطباع ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا مجمع بن يعقوب بن مجمع بن يزيد الأنصاري ]. وهو صدوق أخرج له أبو داود و النسائي . [ سمعت أبي يعقوب بن مجمع ]. وهو مقبول، أخرج له أبو داود . [ يذكر عن عمه عبد الرحمن بن يزيد الأنصاري ]. عمه عبد الرحمن بن يزيد ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وأخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن عمه مجمع بن جارية الأنصاري ]. مجمع بن جارية الأنصاري رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . والحديث فيه يعقوب وهو مقبول، فيكون الحديث غير صحيح، ويكون الصحيح هو الحديث المتقدم الذي فيه أن للفارس ثلاثة أسهم؛ سهماً له وسهمين لفرسه."
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الجهاد شرح سنن أبي داود [324] الحلقة (356) شرح سنن أبي داود [324] غنائم الحرب من القضايا التي حدد تقسيمها الله سبحانه وتعالى، فيتساوى فيها كل أفراد الجيش كل على قدر سهمه إن كان راجلاً أو راكباً، ولا بأس أن يميز ببعض أفراد الجيش عن بعض بالنفل، وهو الزيادة التي يعطاها فوق سهمه من المغنم. النفل في الغزو شرح حديث ابن عباس في النفل من طريق خالد الطحان قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في النفل. حدثنا وهب بن بقية قال: أخبرنا خالد عن داود عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر: من فعل كذا وكذا فله من النفل كذا وكذا، قال: فتقدم الفتيان ولزم المشيخة الرايات فلم يبرحوها، فلما فتح الله عليهم قالت المشيخة: كنا ردءاً لكم لو انهزمتم لفئتم إلينا، فلا تذهبوا بالغنم ونبقى، فأبى الفتيان، وقالوا: جعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لنا، فأنزل الله: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ [الأنفال:1] إلى قوله: كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ [الأنفال:5]، يقول: فكان ذلك خيراً لهم، فكذلك أيضاً فأطيعوني فإني أعلم بعاقبة هذا منكم) ]. أورد أبو داود باباً في النفل، والنفل هو: ما يعطى المجاهد في سبيل الله زيادة على السهام، وقيل له نفل؛ لأنه نافلة، والنفل والنافلة: الزيادة، فهو ما يعطاه المجاهد زيادة على نصيبه من المغنم، هذا هو المقصود بالنفل. أورد أبو داود حديث ابن عباس . قوله: [ (من فعل كذا وكذا، فله من النفل كذا وكذا) ]. معناه: أنه يعطى زيادة على السهم كذا وكذا، وهو مثل السلب، إلا أن ذاك فيه: (من قتل قتيلاً فله سلبه) وهنا يقول: من عمل كذا فله كذا، ويحدد شيئاً لا من أجل أنه قتل إنساناً، ولكن من أجل أنه قام بجهد خاص مثلما سيأتي في قصة السرية التي أعطى كل واحد منهم بعيراً تنفيلاً. قوله: [ (فتقدم الفتيان، ولزم المشيخة الرايات، فلم يبرحوها) ]. المشيخة هم الكبار وقد لزموا الرايات فلم يبرحوها. قوله: [ (فلما فتح الله عليهم قال المشيخة: كنا ردءاً لكم لو انهزمتم لفئتم إلينا ) ]. أي: لو انهزمتم لصرتم إلينا؛ لأنهم وقاية ومرجع لهم يرجعون إليهم. قوله: [ (فلا تذهبوا بالمغنم ونبقى، فأبى الفتيان وقالوا: جعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لنا، فأنزل الله يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ [الأنفال:1]) ]. أي: فلم يوافق الفتيان على ما طلبه منهم الكبار، وأنزل الله عز وجل: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ [الأنفال:1] أي: يضعها حيث يشاء، والمغنم كما هو معلوم يشترك فيه الجميع، ولكن النفل هو الذي يختص به من يكون له جهد خاص. قوله: [ (إلى قوله: كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ [الأنفال:5]، يقول: فكان ذلك خيراً لهم، فكذلك أيضاً فأطيعوني فإني أعلم بعاقبة هذا منكم!) ]. أي: أطيعوني فيما آمركم به، وفيما أقول لكم، فإني أعلم بعاقبة ذلك منكم، أي أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم العاقبة والنتيجة لهذا الأمر، وأن ذلك خير لهم إذا أطاعوه واستجابوا لما يأمرهم به، ولو كان في ذلك شيء من التفاوت بأن يعطى أحد من أجل قيامه بجهد خاص شيئاً زائداً، وأما الغنيمة فيشترك فيها الجميع. قوله: [ (أطيعوني فإني أعلم بعاقبة هذا منكم) ]، يعني: هذا الذي أمرهم به، بأن من فعل كذا فله من النفل كذا، فالمشيخة الذين لم يحصل لهم نصيب من ذلك يسمعون ويطيعون لما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ [الأنفال:1]، أي: هذا الذي حصل بينكم من الخلاف لابد أن تعملوا على إصلاحه وعلى إزالته. وقول المشيخة: (فلا تذهبوا بالمغنم) يعنون به النفل الزائد على الغنيمة. تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في النفل من طريق خالد الطحان [ حدثنا وهب بن بقية ]. هو وهب بن بقية الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ أخبرنا خالد ]. هو خالد بن عبد الله الواسطي الطحان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن داود ] . داود هو ابن أبي هند وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ابن عباس ] وقد مر ذكره. شرح حديث ابن عباس في النفل من طريق هشيم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا زياد بن أيوب حدثنا هشيم أخبرنا داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس: (أن رسول الله صلى الله عليهآله وسلم قال يوم بدر: من قتل قتيلاً فله كذا وكذا، ومن أسر أسيراً فله كذا وكذا) ثم ساق نحوه، وحديث خالد أتم ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وفيه ذكر السلب وذكر غيره قال: (من قتل قتيلاً فله سلبه، ومن أسر أسيراً فله كذا) وهذا يفسر ما تقدم من قوله: (من فعل كذا فله من النفل كذا)؛ لأن فيه ذكر السلب، وفيه ذكر الأسر وله مقابل يخصه، وهذا يتميز به من فعل ذلك عن أصحاب الغنيمة. تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في النفل من طريق هشيم قوله: [ حدثنا زياد بن أيوب ]. زياد بن أيوب ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا هشيم ]. هو هشيم بن بشير الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس ]. وقد مر ذكرهم. شرح حديث ابن عباس في النفل من طريق يحيى بن أبي زائدة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن محمد بن بكار بن بلال حدثنا يزيد بن خالد بن موهب الهمداني حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة أخبرنا داود بهذا الحديث بإسناده قال: (فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسواء) وحديث خالد أتم ]. وذكر أبو داود طريقاً أخرى، فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم الغنيمة بالسواء، أي بالسوية، لا فرق بين شخص وشخص، وهذا لا ينافي ما تقدم من أن النفل الذي هو زائد على القسمة يعطى لمن كان له جهد خاص؛ لأن القسمة بالسواء إنما هي للغنيمة، فمعناه: أن كلاً أخذ نصيبه من الغنيمة، ولكن النفل والسلب والشيء الذي حصل من بعض الأشخاص فإنهم يتميزون به، فيأخذونه مع نصيبهم من الغنيمة، ويكون ذلك زائداً على الغنيمة. تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في النفل من طريق يحيى بن أبي زائدة قوله: [ حدثنا هارون بن محمد بن بكار بن بلال ]. وهو صدوق أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا يزيد بن خالد بن موهب الهمداني ]. وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ]. يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن داود بإسناده ]. هو داود بن أبي هند وقد مر ذكرهم. شرح حديث سعد بن أبي وقاص في النفل قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد بن السري عن أبي بكر عن عاصم عن مصعب بن سعد عن أبيه قال: (جئت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر بسيف، فقلت: يا رسول الله، إن الله قد شفى صدري اليوم من العدو، فهب لي هذا السيف، قال: إن هذا السيف ليس لي ولا لك، فذهبت وأنا أقول: يعطاه اليوم من لم يبل بلائي، فبينما أنا إذ جاءني الرسول فقال: أجب، فظننت أنه نزل في شيء بكلامي، فجئت فقال لي النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إنك سألتني هذا السيف وليس هو لي ولا لك، وإن الله قد جعله لي فهو لك، ثم قرأ: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ [الأنفال:1] إلى آخر الآية) قال أبو داود : قراءة ابن مسعود : (يسألونك عن النفل) ]. أورد أبو داود حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه، أنه أتى بسيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر. قوله: [ (ليس هو لي ولا لك) ]. معناه: أنه يكون من جملة الغنيمة، ثم إنه وقع في نفسه شيء، فقال: يمكن أن يعطاه أحد دوني، فبعد ذلك جاءه رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبه، فظن أنه نزل فيه شيء من أجل هذا الذي قاله في نفسه، فذهب فقال له الرسول: (إنك سألتني هذا السيف وليس هو لي ولا لك، وإن الله قد جعله لي، فهو لك!). ومعناه: أنه جعله له تنفيلاً، أي: زيادة على سهمه من الغنيمة. تراجم رجال إسناد حديث سعد في النفل قوله: [ حدثنا هناد بن السري ]. هو هناد بن السري أبو السري ، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي بكر ]. هو أبو بكر بن عياش، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عاصم ]. هو عاصم بن بهدلة ، وهو عاصم بن أبي النجود ، وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة، و البخاري و مسلم إنما أخرجا له مقروناً. [ عن مصعب بن سعد ]. هو مصعب بن سعد بن أبي وقاص ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبيه]. هو سعد بن أبي وقاص ، أحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنه وأرضاه، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. نفل السرية تخرج من العسكر شرح حديث ابن عمر في نفل السرية تخرج من العسكر قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في نفل السرية تخرج من العسكر. حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا الوليد بن مسلم، ح وحدثنا موسى بن عبد الرحمن الأنطاكي حدثنا مبشر، ح وحدثنا محمد بن عوف الطائي أن الحكم بن نافع حدثهم المعنى كلهم، عن شعيب بن أبي حمزة عن نافع عن ابن عمر قال: (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جيش قبل نجد، وانبعثت سرية من الجيش، فكان سهمان الجيش اثني عشر بعيراً اثني عشر بعيراً، ونفل أهل السرية بعيراً بعيراً، فكانت سهمانهم ثلاثة عشر ثلاثة عشر) ]. ذكر الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باباً في السرية تخرج من العسكر. والسرية: هي القطعة من الجيش تخرج منه لتقوم بمهمة ثم تعود، وما يحصل من غنيمة فإنه يكون لها وللجيش؛ لأن الجيش ردء لها وأصل لها ومرجع لها، فلا تنفرد بما يحصل لها من الغنائم، كما أن الجيش لا ينفرد عنها بما يحصل له من الغنائم، بل الغنيمة للجميع، أعني: للسرية وللجيش الذي خرجت منه السرية. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشاً قبل نجد، وخرجت منه سرية فغنموا إبلاً، فنفلوا بعيراً بعيراً، وقسمت الغنائم على الجيش وعلى السرية، فأصاب كل واحد منهم اثني عشر بعيراً، إلا أصحاب السرية الذين نفلوا بعيراً بعيراً صار لكل واحد منهم ثلاثة عشر بعيراً)، وهذا يدل على أن السرية لا تنفرد بغنائمها، وإنما تكون لها وللجيش. فهذا الباب يتعلق بنفل السرية، أي أن السرية إذا نفلت بشيء فإنه يكون لها وتتميز به عن الجيش، ولكن ما زاد عن النفل فإنه يوزع على السرية وعلى الجيش، وحديث عبد الله بن عمر واضح في ذلك؛ لأنهم غنموا إبلاً كثيرة، ولما قسموها على الجيش وعلى السرية صار لكل واحد من الجيش والسرية اثنا عشر بعيراً، ونفل كل واحد من السرية بعيراً. والنفل لا يخرج من الخمس، بل إما أن يكون من أصل الغنيمة قبل إخراج الخمس أو بعد إخراجه، وستأتي ترجمة تتعلق بالنفل بعد الخمس. وهنا كان كلام لابن المسيب يقول: إنما ينفل الإمام من الخمس، أي من سهم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو خمس الخمس من الغنيمة، وإلى هذا ذهب الشافعي و أبو عبيد ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضعه حيث أراه الله عز وجل في مصالح أمر الدين، ومعاون المسلمين. وقال أبو عبيد : الخمس مفوض إلى الإمام، ينفل منه إن شاء، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود عليكم). وقال غيرهم: إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم ينفلهم من الغنيمة التي يغنمونها، كما نفل القاتل السلب من جملة الغنيمة. تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في نفل السرية تخرج من العسكر قوله: [ حدثنا عبد الوهاب بن نجدة ]. عبد الوهاب بن نجدة ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا الوليد بن مسلم ]. هو الوليد بن مسلم الدمشقي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا موسى بن عبد الرحمن الأنطاكي ]. وهو صدوق يغرب، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا مبشر ]. هو مبشر بن إسماعيل ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن عوف الطائي ]. وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي في مسند علي . [ أن الحكم بن نافع حدثهم ]. الحكم بن نافع هو أبو اليمان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شعيب بن أبي حمزة ]. هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث ابن عمر في نفل السرية من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الوليد بن عتبة الدمشقي قال: قال الوليد -يعني ابن مسلم - حدثت ابن المبارك بهذا الحديث قلت: وكذا حدثنا ابن أبي فروة عن نافع قال: لا تعدل من سميت بمالك ، هكذا أو نحوه، يعني مالك بن أنس ]. ذكر أبو داود طريقاً ثانية للحديث، وفيها ذكر الإمام مالك رحمة الله عليه، وتميزه في الرواية، وتقديمه على غيره. تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في نفل السرية من طريق ثانية قوله: [ حدثنا الوليد بن عتبة الدمشقي ]. الوليد بن عتبة الدمشقي ثقة، أخرج له أبو داود . [ قال الوليد -يعني ابن مسلم - ]. الوليد بن مسلم مر ذكره. [ حدثت ابن المبارك بهذا الحديث ]. ابن المبارك هو عبد الله بن المبارك ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قلت: وكذا حدثنا ابن أبي فروة ]. هو إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة ، وهو متروك، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن نافع ]. نافع مر ذكره. [ قال: لا تعدل من سميت بمالك ]. سيأتي في بعض الروايات أن مالكاً يروي هذا الحديث. شرح حديث ابن عمر في نفل السرية من طريق ثالثة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد حدثنا عبدة -يعني ابن سليمان الكلابي - عن محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سريةً إلى نجد، فخرجت معها فأصبنا نعماً كثيراً، فنفلنا أميرنا بعيراً بعيراً لكل إنسان، ثم قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقسم بيننا غنيمتنا، فأصاب كل رجل منا اثنا عشر بعيراً بعد الخمس، وما حاسبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالذي أعطانا صاحبنا، ولا عاب عليه بعد ما صنع، فكان لكل رجل منا ثلاثة عشر بعيراً بنفله) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر من طريق ثالثة، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية، وأنهم غنموا، وأن أميرهم نفلهم بعيراً بعيراً، وأنهم لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم الغنيمة بينهم فصار لكل منهم اثنا عشر بعير، وذلك بعد الخمس، يعني: أنه أخرج الخمس وقسم الباقي عليهم، وهذا يخالف ما تقدم من أن الرسول بعث جيشاً، وأنه خرج منه سرية، وأن السرية غنمت، وأن أميرهم نفلهم، وأن الغنيمة قسمت على الجيش وعلى السرية فصار لكل من الجيش والسرية اثنا عشر بعيراً من الغنيمة، وأن أصحاب السرية حصل لهم زيادة بعير نفلاً فصار لكل منهم ثلاثة عشر بعيراً، فهذا إما أن يكون فيه اختصار، وأنه لم يذكر فيه الجيش وما حصل للجيش، أو أن فيه وهماً أو خطأ؛ ولهذا ضعفه الألباني ، ولعل التضعيف بالمخالفة أو من أجل رواية محمد بن إسحاق لأنه عنعن، ولكن إذا كان فيه اختصار فليس فيه إشكال؛ لأنه يكون ذكر فيه ما يتعلق بالسرية دون الجيش، وفيما يتعلق بالسرية ما دام أنهم تساووا في الثلاثة عشر، إذاً لم يكن هناك شيء من التنفيل، لأن التنفيل إنما يتبين في تميزهم على الذين ليسوا من أهل السرية، ولعل الحديث يكون صحيحاً، لأنه مثل غيره، إلا أن فيه اختصاراً. تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في نفل السرية من طريق ثالثة قوله: [ حدثنا هناد ]. هو هناد بن السري أبو السري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبدة -يعني ابن سليمان الكلابي - ]. عبدة بن سليمان الكلابي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن نافع عن ابن عمر ]. قد مر ذكرهما. شرح حديث ابن عمر في نفل السرية من طريق رابعة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك، ح وحدثنا عبد الله بن مسلمة و يزيد بن خالد بن موهب قالا: حدثنا الليث المعنى عن نافع عن عبد الله بن عمر : (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث سريةً فيها عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قبل نجد، فغنموا إبلاً كثيرة، فكانت سهمانهم اثني عشر بعيراً ونفلوا بعيراً بعيراً، زاد ابن موهب: فلم يغيره رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. وهذه الرواية هي مثل الرواية السابقة، من جهة أن الرسول بعث السرية قبل نجد وفيها ابن عمر ، وأنهم غنموا إبلاً كثيرة، وأن أميرهم نفلهم بعيراً بعيراً، وأنها قسمت السهام، فصار لكل منهم ثلاثة عشر بعيراً. وهذه هي رواية مالك والتي أشار إليها فيما مضى بقول ابن المبارك : لا تعدل بمالك غيره، أي لا يساوى به غيره، وعلى هذا فيكون الجيش الذي هو أصل السرية صار له نصيبه من الغنيمة، ولكن تميز أهل السرية بالتنفيل، ويكون ما ذكر هنا من قبيل الاختصار. تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في نفل السرية من طريق رابعة قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ وحدثنا عبد الله بن مسلمة و يزيد بن خالد بن موهب ]. يزيد بن خالد بن موهب ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا الليث ]. الليث بن سعد المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع عن ابن عمر ]. قد مر ذكرهما. حديث ابن عمر في نفل السرية من طريق خامسة وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن عبيد الله قال: حدثني نافع عن عبد الله قال: (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سرية فبلغت سهماننا اثني عشر بعيراً، ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعيراً بعيراً) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم. قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله ]. هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني نافع عن عبد الله ]. قد مر ذكرهما. شرح حديث ابن عمر في نفل السرية من طريق سادسة [ قال أبو داود : رواه برد بن سنان عن نافع مثل حديث عبيد الله ورواه أيوب عن نافع مثله إلا أنه قال: (ونفُلنا بعيرا بعيراً)لم يذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ]. أورد المصنف الإشارة إلى طريق أخرى معلقة، وأنها مثل التي قبلها، إلا أنه لم يذكر أنه نفلهم الرسول صلى الله عليه وسلم بعيراً بعيراً، بل قال: (ونفُلنا بعيراً بعيراً)، ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم. ثم ما جاء في بعض الروايات من أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي نفل، وجاء في بعضها أن أميرهم هو الذي نفل، يمكن الجمع بينها بأن يقال: يكون الأمير هو الذي نفل، والنبي صلى الله عليه وسلم أقر ذلك، فيكون المراد بتنفيل النبي صلى الله عليه وسلم إقراره، ومعنى تنفيل الأمير السرية أنه الذي أعلن أن من فعل كذا فله كذا. تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في نفل السرية من طريق سادسة [ قال أبو داود : رواه برد بن سنان ]. برد بن سنان صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن نافع مثل حديث عبيد الله ]. قد مر ذكرهما. [ ورواه أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع مثله ]. مر ذكره. شرح حديث ابن عمر في نفل السرية من طريق سابعة قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث قال: حدثني أبي عن جدي، ح وحدثنا حجاج بن أبي يعقوب قال: حدثني حجين قال: حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن سالم عن عبد الله بن عمر : (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة النفل سوى قسم عامة الجيش، والخمس في ذلك واجب كله) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرسل السرايا وأنه كان ينفل بعض السرايا بشيء لأنفسهم دون عامة الجيش، بمعنى أنه يخصهم به. قوله: [ (كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة النفل) ]. معناه: أن التنفيل لا يكون دائماً وأبداً، وإنما يكون في بعض الأحيان، فليس كل جيش ينفل فيه، وليس كل سرية ينفل فيها، وإنما قد يحصل في بعض الأحيان وقد لا يحصل. قوله: [ (سوى قسم عامة الجيش) ]. يعني: أن النفل زائد على ما يكون لعامة الجيش وهم منهم، فيحصلون نصيبهم من الغنيمة ثم النفل. قوله: [ (والخمس في ذلك واجب كله) ]. معناه: أن الخمس يكون من أصل الغنيمة قبل التنفيل، ثم يخرج التنفيل من الباقي. تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في نفل السرية من طريق سابعة قوله: [ حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث ]. عبد الملك بن شعيب بن الليث ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن أبيه ]. أبوه كذلك، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن جده ]. جده الليث بن سعد مر ذكره . [ حدثنا حجاج بن أبي يعقوب ]. حجاج بن أبي يعقوب ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود . [ حدثني حجين ]. هو حجين بن المثنى ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا الليث عن عقيل ]. الليث مر ذكره، و عقيل بن خالد بن عقيل المصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن سالم ]. هو سالم بن عبد الله بن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عبد الله بن عمر ]. قد مر ذكره. وجه قسم الغنائم على كامل الجيش مع اختصاص السرية بالابتعاث ترد هنا مسألة وهي أن يقال: فما وجه قسم الغنائم على الجيش كله، والسرية هي التي عانت وتعبت في جلب هذه الغنائم؟ والجواب: معلوم أن الجيش ردء للسرية وهو أصلها ومرجعها، وأيضاً لو حصل للجيش شيء، فلا يختص به دون السرية، ولا السرية دون الجيش، وإنما الغنيمة للجميع، ولكن السرية اختصت بالتنفيل فقط، وأما تحصيل الغنائم فهو مثلما لو أن الجيش حصل وهم لم يحصلوا. شرح حديث عبد الله بن عمرو في نفل السرية قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب حدثنا حيي عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوم بدر في ثلاثمائة وخمسة عشر، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اللهم إنهم حفاة فاحملهم، اللهم إنهم عراة فاكسهم، اللهم إنهم جياع فأشبعهم ،ففتح الله له يوم بدر، فانقلبوا حين انقلبوا وما منهم رجل إلا وقد رجع بجمل أو جملين واكتسوا وشبعوا) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج بأصحابه يوم بدر، وكان عددهم ثلاثمائة وخمسة عشر رجلاً). ومعنى الحديث: أنهم كانوا يمشون على أرجلهم، فحملهم الله بأن حصلوا هذا الظفر وهذا المركوب الذي غنموه، وحتى شبعوا أيضاً واكتسوا، وكل ذلك حصل من الغنائم. وهذا الحديث لا يطابق الترجمة؛ لأن الترجمة في النفل وهذا ليس فيه ذكر شيء من النفل. تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عمرو في نفل السرية قوله: [حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ عن عبد الله بن وهب ]. عبد الله بن وهب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حيي ]. هو حيي بن عبد الله المصري ، وهو صدوق يهم، أخرج له أصحاب السنن. [ عن أبي عبد الرحمن الحبلي ]. هو عبد الله بن يزيد ، أخرج له البخاري في الأدب المفر و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن عمرو ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة."
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الجهاد شرح سنن أبي داود [325] الحلقة (357) شرح سنن أبي داود [325] شرع الله الجهاد، وأباح لأمة محمد المغانم رحمة بها، وأجاز لقائد الجيش أن ينفل من يبذل جهداً خاصاً في القتال من فرد أو سرية أو نحو ذلك، فيجعل له شيئاً زائداً على نصيبه من الغنيمة. من قال الخمس قبل النفل شرح حديث حبيب بن مسلمة في أن الخمس قبل النفل قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن قال: الخمس قبل النفل. حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن يزيد بن يزيد بن جابر الشامي عن مكحول عن زياد بن جارية التميمي عن حبيب بن مسلمة الفهري أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينفل الثلث بعد الخمس) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [باب من قال الخمس قبل النفل]، يعني: أن التنفيل من الأربعة الأخماس، وأما الخمس فإنه يكون من الجميع، وهذا وجه، والوجه الثاني: أنه يخرج من أصل الغنيمة، وكل من ذلك صحيح وثابت، وهذا يرجع إلى الإمام، إن شاء أن ينفل من الأصل، وإن شاء أن ينفل مما زاد على الخمس. قوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفل الثلث بعد الخمس) ]. أي أنه ينفل الثلث من الباقي الذي هو أربعة الأخماس، وما زاد على ذلك يكون للغانمين. وهذا هو أعلى شيء ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ورد الربع إذا كانوا ذاهبين، والثلث إذا كانوا قافلين، وورد مطلقاً كما هنا. تراجم رجال إسناد حديث حبيب بن مسلمة في أن الخمس قبل النفل قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. هو الثوري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن يزيد بن جابر الشامي ]. ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [عن مكحول ]. هو الشامي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن زياد بن جارية التميمي ]. زياد بن جارية التميمي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أبو داود و ابن ماجة . يقول الحافظ : يقال: له صحبة، وثقه النسائي . [ عن حبيب بن مسلمة الفهري ]. حبيب بن مسلمة الفهري رضي الله عنه، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . شرح حديث حبيب في أن الخمس قبل النفل من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة الجشمي حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن مكحول عن ابن جارية عن حبيب بن مسلمة: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان ينفل الربع بعد الخمس، والثلث بعد الخمس إذا قفل) ]. أورد أبو داود حديث حبيب بن مسلمة من طريق أخرى، وفيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفل الربع بعد الخمس، والثلث بعد الخمس إذا قفل)، ومعناه: أنه في حال الذهاب ينفل الربع، وفي حال القفول والرجوع ينفل الثلث. فقيل في التفريق بينهما: أنه في حال الذهاب يكون الناس في قوة وعندهم الزاد، وهم مقبلون على العدو وعلى القتال فكانوا ينفلون الربع، ولكن في حال الرجوع ينفلون الثلث؛ لأن حالتهم في الرجوع تختلف عن حالتهم في الذهاب؛ فيكون فيهم ضعف، بعد ما حصل لهم من تعب ومن نصب، فينفلون الثلث. وقيل: إن المقصود بالقفول: أنهم عندما يقفلون يطلب من بعضهم أن يرجع إلى العدو أو يرجع إلى جهة، فيكون في ذلك مشقة وتعب؛ فصاروا كأنهم ذاهبون مع أن الجيش قد انصرف. فيكون القفول له معنيان: إما أن يكونوا راجعين، وأن هذا التنفيل حصل لهم في حال رجوعهم، أو أنهم رجعوا إلى العدو وأولئك انصرفوا، فصار لهم زيادة التعب والنصب والمشقة، فزيدوا في التنفيل إلى الثلث بدل الربع. تراجم رجال إسناد حديث حبيب بن مسلمة في أن الخمس قبل النفل من طريق ثانية قوله: [حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة الجشمي ]. هو عبيد الله بن عمر بن ميسرة القواريري الجشمي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ]. عبد الرحمن بن مهدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معاوية بن صالح ]. هو معاوية بن صالح بن حدير ، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن العلاء بن الحارث ]. صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن مكحول عن ابن جارية عن حبيب بن مسلمة ]. مر ذكر الثلاثة. شرح حديث حبيب في أن الخمس قبل النفل من طريق ثالثة قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان و محمود بن خالد الدمشقيان المعنى قالا: حدثنا مروان بن محمد قال: حدثنا يحيى بن حمزة قال: سمعت أبا وهب يقول: سمعت مكحولاً يقول: كنت عبداً بمصر لامرأة من بني هذيل فأعتقتني، فما خرجت من مصر وبها علم إلا حويت عليه فيما أرى، ثم أتيت الحجاز فما خرجت منها وبها علم إلا حويت عليه فيما أرى، ثم أتيت العراق فما خرجت منها وبها علم إلا حويت عليه فيما أرى، ثم أتيت الشام فغربلتها؛ كل ذلك أسأل عن النفل، فلم أجد أحداً يخبرني فيه بشيء حتى لقيت شيخاً يقال له زياد بن جارية التميمي فقلت له: هل سمعت في النفل شيئاً؟ قال: نعم، سمعت حبيب بن مسلمة الفهري يقول: (شهدت النبي صلى الله عليه وآله وسلم نفل الربع في البدأة، والثلث في الرجعة) ]. أورد أبو داود حديث حبيب بن مسلمة من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، وفيه هذه القصة لمكحول الدالة على عنايته واشتغاله بالعلم، وأنه إذا حل في بلد ينتهز الفرصة فيحرص على لقاء الشيوخ والأخذ عنهم؛ لأن الإنسان إذا قدم بلداً فهو لن يبقى فيه ولن يستمر فيه، فيجد الفرصة سانحة لأن يبذل جهده لأخذ ما عند علماء ذلك البلد من العلم، والجلوس إليهم والاستفادة منهم، وقال: إنه كان عبداً لامرأة من هذيل في مصر، فأعتقته، وإنه ما خرج من مصر إلا وقد حوى ما فيها من علم فيما يظن، ثم جاء إلى الحجاز ففعل كذلك، ثم ذهب إلى العراق ففعل كذلك، ثم إلى الشام، وقوله: (وغربلتها)، معناه: أنه اجتهد في أخذ ما فيها من العلم. وكان في كل ذلك يسأل عن النفل، فوجد زياد بن جارية يحدث عن حبيب بن مسلمة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفل الربع في البدأة والثلث في الرجعة)، وهو مثل المتن الذي تقدم في الطرق المتقدمة. تراجم رجال إسناد حديث حبيب في أن الخمس قبل النفل من طريق ثالثة قوله: [حدثنا عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان ]. هو عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان الدمشقي ، وهو صدوق، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [و محمود بن خالد ]. ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [حدثنا مروان بن محمد ]. مروان بن محمد ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا يحيى بن حمزة ]. يحيى بن حمزة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت أبا وهب ]. هو عبيد الله بن عبيد الكلاعي ، وهو صدوق، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ سمعت مكحولاً ]. قد مر ذكره. لقيت شيخاً يقال له: [ زياد بن جارية التميمي ]. قد مر ذكره. [ سمعت حبيب بن مسلمة ]. قد مر ذكره. السرية ترد على أهل العسكر شرح حديث عبد الله بن عمرو في السرية ترد على أهل العسكر قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في السرية ترد على أهل العسكر. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن أبي عدي عن ابن إسحاق -هو محمد - ببعض هذا، ح وحدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة حدثني هشيم عن يحيى بن سعيد جميعاً عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (المسلمون تتكافأ دماؤهم، يسعى بذمتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم، يرد مشدهم على مضعفهم، ومتسريهم على قاعدهم، لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده). ولم يذكر ابن إسحاق القود والتكافؤ ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [باب في السرية ترد على أهل العسكر]. أي ترد ما غنمت، فالمفعول محذوف، أي أن السرية لا تنفرد بالغنائم التي تحصلها؛ لأن الجيش ردء لها، فهو شريك لها، كما أن الجيش الأول إذا غنم فإن السرايا تغنم معه، فلا ينفرد الجيش عن السرية ولا السرية عن الجيش. فالمقصود من الترجمة هنا أن السرية ترد ما غنمت على العسكر ولا تنفرد بالشيء الذي حصلته، وإنما تنفرد بالتنفيل إذا كان هناك تنفيل، وأما أصل الغنيمة فإنها لها وللجيش الذي انفصلت منه. وقد أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المسلمون تتكافؤ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم). قوله: [ (تتكافؤ دماؤهم)] يعني: أن بعضهم لبعض أكفاء، فيقتل الحر بالحر وإن كان المقتول شريفاً والقاتل وضيعاً أو العكس، أو كان هذا كبيراً وهذا صغيراً، فلا ينظر لكون هذا شريفاً أو كبيراً أو صاحب منزلة وذاك دونه، فإن وصف الإسلام قد سوّى بينهم فلا يميز فيه أحد عن أحد. قوله: [ (ويسعى بذمتهم أدناهم) ] معناه: إذا حصل من أحد منهم إعطاء أمان لأحد فهو معتبر ولو كان من أدناهم؛ كأن يكون عبداً، أو تكون أمة أو امرأة. قوله: [ (ويجير عليهم أقصاهم) ]. أي: من يكون بعيداً وحصل منه الجوار اعتبر، وإن كان هناك من هو دونه أو كان قبله ولم يحصل منه عقد الجوار. قوله: [ (وهم يد على من سواهم) ]. أي: بعضهم أعوان لبعض على من سواهم من غير المسلمين. قوله:[ (يرد مشدهم على مضعفهم) ]. أي: يرد قويهم على ضعيفهم. قوله: [ (ومتسريهم على قاعدهم)] هذا هو محل الشاهد للترجمة. والمتسري هو الذي يخرج في السرية، والقاعد هو الذي لا يخرج في السرية، ومعناه: أنه يصيب من المغنم. قوله: [ (لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده) ]. أي: ما دام معاهداً فإنه لا يجوز قتله حتى ينبذ إليه عهده ويعلم ترك العهد، ثم بعد ذلك يكون هناك مجال للمقاتلة. قوله: [ ولم يذكر ابن إسحاق القود والتكافؤ ]. أي: ولم يذكر ابن إسحاق التكافؤ بقوله: (تتكافؤ دماؤهم)، والقود بقوله: (لا يقتل مؤمن بكافر). تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عمرو في السرية ترد على أهل العسكر قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن أبي عدي ]. هو محمد بن إبراهيم بن مسلم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن إسحاق هو محمد ]. ابن إسحاق مر ذكره. [ح وحدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة قال: حدثني هشيم ]. ابن ميسرة مر ذكره. وهشيم بن بشير الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن سعيد جميعاً عن عمرو بن شعيب ]. يحيى بن سعيد هو الأنصاري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وعمرو بن شعيب صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. وهو صدوق أيضاً، أخرج له البخاري في جزء القراءة والأدب المفرد، وأصحاب السنن. [ عن جده ]. وهو عبد الله بن عمرو ، وهو جد شعيب ؛ لأن شعيباً هو ابن محمد ، وقد سمع شعيب من جده عبد الله ، وهو عبد الله بن عمرو ، وقد مر ذكره. شرح حديث سلمة بن الأكوع في السرية ترد على أهل العسكر قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا عكرمة حدثني إياس بن سلمة عن أبيه قال: (أغار عبد الرحمن بن عيينة على إبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقتل راعيها، فخرج يطردها هو وأناس معه في خيل، فجعلت وجهي قبل المدينة، ثم ناديت ثلاث مرات: يا صباحاه! ثم اتبعت القوم، فجعلت أرمي وأعقرهم، فإذا رجع إليَّ فارس جلست في أصل شجرة حتى ما خلق الله شيئاً من ظهر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا جعلته وراء ظهري، وحتى ألقوا أكثر من ثلاثين رمحاً وثلاثين بردةً يستخفون منها، ثم أتاهم عيينة مدداً، فقال: ليقم إليه نفر منكم، فقام إليَّ أربعة منهم فصعدوا الجبل، فلما أسمعتهم قلت: أتعرفوني؟ قالوا: ومن أنت؟ قلت: أنا ابن الأكوع ، والذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا يطلبني رجل منكم فيدركني، ولا أطلبه فيفوتني، فما برحت حتى نظرت إلى فوارس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتخللون الشجر أولهم الأخرم الأسدي فيلحق بعبد الرحمن بن عيينة ويعطف عليه عبد الرحمن ، فاختلفا طعنتين فعقر الأخرم عبد الرحمن وطعنه عبد الرحمن فقتله، فتحول عبد الرحمن على فرس الأخرم فيلحق أبو قتادة بعبد الرحمن فاختلفا طعنتين فعقر بأبي قتادة وقتله أبو قتادة فتحول أبو قتادة على فرس الأخرم ، ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو على الماء الذي جليتهم عنه ذو قرد، فإذا نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم في خمسمائة، فأعطاني سهم الفارس والراجل) ]. أورد أبو داود حديث سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه: أن إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذت وقتل راعيها، وكان الذي قام بذلك عبد الرحمن بن عيينة ومعه جماعة، فلما علم بذلك سلمة بن الأكوع رضي الله عنه استقبل المدينة ونادى: يا صباحاه! وهذه كلمة يقولونها عند الفزع وعند حث الناس على النفير لهذا الذي يدعون له، فكان أن لحق بهم وعقر أفراسهم، وكان إذا انكب له أحد لاذ بشجرة، واختفى فيها، حتى خلف جميع النعم التي أخذت من راعي الرسول صلى الله عليه وسلم وراء ظهره، وحتى أنهم ولوا هاربين ورموا شيئاً من متاعهم، يريدون التخفف لما أصابهم من الذعر، ثم جاءهم مدد، فصعد سلمة على مكان مرتفع فصعد أربعة منهم إليه، فلما خاطبهم وأسمعهم، قال: أتعرفوني، أنا ابن الأكوع ، وإنه لا يطلبني أحد فيدركني، ولا أطلب أحداً فيفوتني، ثم إنه رأى طلائع فرسان رسول الله -الذين تقدموا في هذا الفداء وهذا الفزع- من خلال الشجر.. ثم ذكر القصة. قوله: [ (فأعطاني سهم الفارس والراجل) ]. أعطاه سهم الراجل لكونه راجلاً، وأعطاه سهم الفارس الذي هو ثلاثة أسهم؛ لأن الفارس له ثلاثة أسهم: سهم له وسهمان لفرسه. قوله: [ عن سلمة قال: (أغار عبد الرحمن بن عيينة على إبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقتل راعيها، فخرج يطردها هو وأناس معه في خيل)] الضمير في قوله: (فخرج يطردها) راجع إلى عبد الرحمن بن عيينة . قوله: [ (فإذا رجع إلي فارس جلست في أصل شجرة، حتى ما خلق الله شيئاً من ظهر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا جعلته وراء ظهري) ]. الظهر المقصود به: الإبل، وظهر النبي صلى الله عليه وسلم: إبله التي أخذت خلفها كلها وراءه وأولئك هربوا. قوله: [ (وحتى ألقوا أكثر من ثلاثين رمحاً وثلاثين بردةً يستخفون منها) ]. لشدة الذعر الذي أصابهم أرادوا أن يتخففوا حتى تسرع دوابهم، يقول الشاعر: ألقى الصحيفة كي يخفف رحله والزاد حتى نعله ألقاها قوله: [ (فما برحت حتى نظرت إلى فوارس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتخللون الشجر أولهم الأخرم الأسدي فيلحق بعبد الرحمن بن عيينة ويعطف عليه عبد الرحمن فاختلفا طعنتين فعقر الأخرم عبد الرحمن وطعنه عبد الرحمن فقتله، فتحول عبد الرحمن على فرس الأخرم فيلحق أبو قتادة بعبد الرحمن فاختلفا طعنتين فعقر بأبي قتادة ، وقتله أبو قتادة فتحول أبو قتادة على فرس الأخرم ، ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو على الماء الذي جليتهم عنه ذو قرد، فإذا نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم في خمسمائة فأعطاني سهم الفارس والراجل) ]. معناه: أن هذا الذي حصله سلمة ما أخذه، وإنما رده إلى الجيش وإلى الذين خرجوا تابعين لهؤلاء، وكان قد حصل الأشياء التي رموها وتركوها غير الإبل التي كانت لهم في الأصل وليست غنيمة، وإنما رجع إليهم حقهم، والغنيمة إنما هي الشيء الذي حصلوه. تراجم رجال إسناد حديث سلمة في السرية ترد على أهل العسكر قوله: [حدثنا هارون بن عبد الله ]. هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا هاشم بن القاسم ]. هاشم بن القاسم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عكرمة ]. هو عكرمة بن عمار، وهو صدوق يغلط، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثني إياس بن سلمة ]. هو إياس بن سلمة بن الأكوع ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبيه ]. أبوه صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة. النفل من الذهب والفضة ومن أول مغنم شرح حديث النفل من الذهب والفضة قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في النفل من الذهب والفضة ومن أول مغنم. حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى أخبرنا أبو إسحاق الفزاري عن عاصم بن كليب عن أبي الجويرية الجرمي قال: (أصبت بأرض الروم جرة حمراء فيها دنانير في إمرة معاوية، وعلينا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بني سليم يقال له معن بن يزيد ، فأتيته بها فقسمها بين المسلمين وأعطاني منها مثلما أعطى رجلاً منهم، ثم قال: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لا نفل إلا بعد الخمس. لأعطيتك، ثم أخذ يعرض علي من نصيبه فأبيت) ]. أورد أبو داود باباً في النفل من الذهب والفضة ومن أول مغنم، يريد من وراء ذلك أن النفل ليس خاصاً بالإبل والخيل وغير ذلك، بل يكون أيضاً في الذهب والفضة، فيقال: من أتى بشيء فله ربعه أو فله منه كذا، فلا بأس بذلك، ويكون في الذهب والفضة كما يكون في غيرها. قوله: [ ومن أول مغنم ]. كأن المقصود به أنه من أصل الغنيمة قبل إخراج الخمس. قوله: [وأعطاني منها مثلما أعطى رجلاً منهم ]. يعني: أنه ما ميزه بشيء نفلاً لكونه جاء بها، وذلك لأنها اعتبرت من الفيء الذي ما أوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، وإنما هي شيء وجدوه مما تركه العدو وهرب دون أن يكون هناك قتال، فكانت فيئاً أفاء الله تعالى بها على المسلمين، فلا يعتبر غنيمة تخمس وتكون أربعة الأخماس للغانمين، وإنما يصرف كله في مصالح المسلمين، فقسمه ذلك الأمير عليهم ولم يميزه بشيء ثم قال: (لولا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا نفل إلا بعد الخمس. لأعطيتك). قوله: [ (لا نفل إلا بعد الخمس)] يعني: في الغنائم؛ لأن الغنائم هي التي تخمس، وأما الفيء فإنه لا يخمس. وقوله: [ (لا نفل إلا بعد الخمس) ] يدل على أن التنفيل إنما يكون في الغنائم، وأن الفيء لا يكون فيه التنفيل؛ لأنه ما حصل فيه جهد خاص من ناحية النكاية بالأعداء وقتالهم، فمحل الشاهد من الترجمة قوله: (لولا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا نفل إلا بعد الخمس. لأعطيتك) ثم إنه أراد أن يرضيه ويعطيه من نصيبه الخاص به، فأبى أن يأخذ ذلك. تراجم رجال إسناد حديث النفل من الذهب والفضة قوله: [ حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى ]. أبو صالح محبوب بن موسى صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ أخبرنا أبو إسحاق الفزاري ]. هو إبراهيم بن محمد بن الحارث ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عاصم بن كليب ]. وهو صدوق أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي الجويرية الجرمي ]. هو حطان بن خفاف ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ معن بن يزيد ]. معن بن يزيد رضي الله عنه، وحديثه أخرجه البخاري و أبو داود . حديث النفل من الذهب والفضة من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد عن ابن المبارك عن أبي عوانة عن عاصم بن كليب بإسناده ومعناه ]. أورد المصنف الحديث من طريق أخرى، وهو بمعنى ما تقدم. قوله: [ حدثنا هناد عن ابن المبارك عن أبي عوانة ]. هناد مر ذكره، و ابن المبارك مر ذكره. و أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عاصم بن كليب ]. عاصم بن كليب مر ذكره. الإمام يستأثر بشيء من الفيء لنفسه شرح حديث استئثار الإمام بشيء من الفيء قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الإمام يستأثر بشيء من الفيء لنفسه. حدثنا الوليد بن عتبة قال: حدثنا الوليد حدثنا عبد الله بن العلاء أنه سمع أبا سلام الأسود قال: سمعت عمرو بن عبسة قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بعير من المغنم، فلما سلم أخذ وبرة من جنب البعير، ثم قال: ولا يحل لي من غنائمكم مثل هذا، إلا الخمس، والخمس مردود فيكم) ]. أورد أبو داود [ باباً في الإمام يستأثر بشيء من الفيء لنفسه ] ومقتضى هذا الحديث الذي أورده أنه لا يختص بشيء، وإنما يكون له الخمس، والخمس لا يختص به كله، وإنما يأخذ منه قوته وما يلزمه، والباقي يصرف في مصالح المسلمين؛ ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وجعل رزقي تحت ظل رمحي) يعني: من الغنائم، فهو لا يختص بشيء يتميز به، ولكن يأخذ نصيبه من الخمس. أورد أبو داود حديث عمرو بن عبسة رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم إلى بعير من المغنم -أي: كانت سترته بعيراً من المغنم، وكان البعير باركاً- فلما سلم أخذ وبرة من سنامه وقال: ولا يحل لي من غنائمكم مثل هذا إلا الخمس، والخمس مردود فيكم). ومعناه: أنه يأخذ منه نفقته وحاجته، والباقي يصرف في مصالح المسلمين. تراجم رجال إسناد حديث استئثار الإمام بشيء من الفيء قوله: [ حدثنا الوليد بن عتبة ]. مر ذكره. [ حدثنا الوليد ]. هو الوليد بن مسلم مر ذكره. [ حدثنا عبد الله بن العلاء ]. وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ أنه سمع أبا سلام الأسود ]. هو ممطور الحبشي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن . [ قال: سمعت عمرو بن عبسة ]. عمرو بن عبسة رضي الله عنه، وحديثه أخرجه مسلم وأصحاب السنن."
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الجهاد شرح سنن أبي داود [326] الحلقة (358) شرح سنن أبي داود [326] الوفاء بالعهود من الأمور التي أكد عليها الإسلام، وأوجب الالتزام بها وعدم نقضها حتى مع الكفار، فإذا قامت معاهدة بين المسلمين فيجب الالتزام بأحكامها وما تقتضيه حسب ما يمليه الشرع، وقد بين الشرع من يعقد العهد مع الكفار، وبين أن للمسلم أن يجير كافراً، وأنه يجب الوفاء بذمة المعاهد، والإمساك عن قتل الرسل، وغير ذلك مما ذكر في سنة النبي صلى الله عليه وسلم. الوفاء بالعهد شرح حديث الوفاء بالعهد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الوفاء بالعهد. حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة، فيقال: هذه غدرة فلان بن فلان) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب في الوفاء بالعهد]، أي: في لزومه ووجوب الوفاء به، وعدم الغدر فيه. وأورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة يقال: هذه غدرة فلان بن فلان) والمقصود من ذلك: إعلان فضيحته، وأنه يكون هناك علامة تدل على أن الذي تحتها غادر، كما أن اللواء في الدنيا يكون عند الأمير أو عند الكبير في الجيش ليدل على مكانه، وهو شيء محمود، وأما الغادر فإنه ينصب له لواء يدل على أن الذي تحته رجل غادر، ويقال: (هذه غدرة فلان بن فلان)، ويذكر باسمه واسم أبيه، وهذا يدل على تحريم الغدر، ووجوب الوفاء بالعهود. تراجم رجال إسناد حديث الوفاء بالعهد قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ]. عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن دينار ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد من الأسانيد العالية عند أبي داود ؛ لأنه رباعي، إذ ليس بين أبي داود وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أربعة أشخاص هم: القعنبي و مالك و عبد الله بن دينار و عبد الله بن عمر . الإمام يستجن به في العهود شرح حديث الاستجنان بالإمام في العهود قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الإمام يستجن به في العهود. حدثنا محمد بن الصباح البزاز قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنما الإمام جنة يقاتل به) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: [باب في الإمام يستجن به في العهود] أي: أنه يتابع ويستتر به، ومعنى هذا: أنه في العقد والعهد بين المسلمين وبين الكفار الإمام هو الذي يتولى هذه المهمة وغيره يكون تبعاً له، وليس لأحد أن يعقد عقداً بين المسلمين والكفار إلا الإمام، فهو جنة، أي: وقاية، كما يقال للمغفر والترس: مجن؛ لأنه يستر، والجنة هو الساتر، ومنه الحديث: (الصوم جنة) أي: الوقاية من النار، أو الوقاية من المعاصي بإضعاف النفس بالصيام لله عز وجل. فالإمام جنة يقاتل به، والناس يقاتلون تبعاً له، ويأتمون به، ويكون هو إمامهم في القتال وفي إبرام العقود والعهود، فيكونون تبعاً له ولا يتقدمون عليه، وإنما يسيرون وفقاً لأوامره ووفقاً لتعليماته، فهو الذي يقود الجيوش وهو الذي يرسل من يرسل ويقدم من يقدم ويؤخر من يؤخر، ويتابع في ذلك. وأيضاً هو الذي يتولى إبرام العهود، وليس لأحد من أفراد الناس أن يقوم بهذه المهمة دونه، فهو جنة يستجن به -أي: يستتر به- ويكون هو الستر والوقاية بين الناس وبين من أبرم العهد معهم؛ ولهذا مر قريباً في الحديث الذي فيه قصة خالد بن الوليد والشخص الذي تكلم عليه، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (هل أنتم تاركون لي أمرائي، ثم قال: لكم صفوة أمرهم وعليهم كدره)، معناه: أنكم قد كفيتم، وإنما أنتم تبع للأمير، فعليكم السمع والطاعة فيما هو معروف، ولا تخرجوا عليه بأن تعملوا أعمالاً فيها خروج عليه، وفيها تقدم عليه، فالأصل أنه هو الذي يكون مرجعاً في الحرب، وهو الذي يكون مرجعاً في إبرام العهد. تراجم رجال إسناد حديث الاستجنان بالإمام في العهود قوله: [حدثنا محمد بن الصباح البزاز محمد بن الصباح البزاز ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ]. عبد الرحمن بن أبي الزناد صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن أبي الزناد ]. أبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان المدني ، يكنى بابنه عبد الرحمن هذا الذي يروي عنه، ولقبه أبو الزناد ، وهو لقب على صيغة الكنية، و عبد الله بن ذكوان المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعرج ]. هو عبد الرحمن بن هرمز المدني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق، رضي الله عنه وأرضاه. شرح حديث أبي رافع في الوفاء بالعهد قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو عن بكير بن الأشج عن الحسن بن علي بن أبي رافع أن أبا رافع أخبره قال: (بعثتني قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألقي في قلبي الإسلام، فقلت: يا رسول الله! إني والله لا أرجع إليهم أبدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله سلم: إني لا أخيس بالعهد، ولا أحبس البرد، ولكن ارجع، فإن كان في نفسك الذي في نفسك الآن فارجع، قال فذهبت ثم أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأسلمت) قال بكير : وأخبرني أن أبا رافع كان قبطياً. قال أبو داود : هذا كان في ذلك الزمان، فأما اليوم فلا يصلح ]. أورد أبو داود حديث أبي رافع رضي الله تعالى عنه أنه أرسله المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ورآه أدخل الله في قلبه الإسلام بمجرد أن رأى النبي عليه الصلاة و السلام. قوله: [ (إني لا أحبس البرد)] البرد هو: الرسول الذي يأتي بالرسالة. قوله: [ (ولكن ارجع، فإن كان في نفسك الذي في نفسك الآن فارجع)] يعني: تعال من هناك، أما أن تأتي وأنت رسول ثم تبقى، فهذا لا يصلح، بل عليك أن ترجع إلى من أرسلوك، وإذا وصلت إليهم وانتهت مهمة الرسالة، وصار الأمر إليك، فإذا أردت أن ترجع فارجع من هناك مسلماً، فلما وصل إليهم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم. قوله: [ (إني لا أخيس بالعهد)] أي: لا أفسد العهد، ولا أنقض العهد، وإنما أبقى عليه. قوله: [ (ولا أحبس البرد) ] أي الرسول الذي يأتي بالبريد، ويأتي بالرسائل. وقد ذكر الشارح في عون المعبود أن المجد بن تيمية قال: إن هذا كان في زمن الهدنة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفار قريش، وهذا في الحقيقة لا يستقيم؛ لأن مقتضى هذا أنه يرده كما رد أبا بصير ، ولكن يحتمل أن يكون هذا في غير زمن الهدنة، وأن يكون قبلها أو بعدها. وأيضاً فقد يكون المقصود بالعقد والاتفاق من كان منهم، أما إذا كان قبطياً ليس من قريش وليس من العرب فلا يدخل تحت عهد الحديبية، فيستقيم كلام أبي داود حيث جاء بالحديث يشير به إلى أن هذا كان وقت صلح الحديبية، ثم ذكر ذلك في آخر الحديث حيث قال: هذا كان في ذلك الزمان، فأما اليوم فلا يصلح. قوله: [ هذا كان في ذلك الزمان، فأما اليوم فلا يصلح ]. فسر بتفسيرين: الأول: أن يكون القول بأنه كان قبطياً لا يصلح الآن، وهذا ليس بشيء. والتفسير الثاني: أن المقصود به كونه في زمن الهدنة، وأن مقتضى الشرط أن من جاء يرد، ومن ذهب من المسلمين فإنه لا يرد، وهذا أيضاً كما أشرت غير واضح من جهة أن مقتضى الشرط يقتضي رده حتى ولو جاء من هناك من غير أن يكون رسولاً، لكن إذا قيل: إن المقصود بقوله: (من جاء منهم) كفار قريش والعرب فهو يرد، أما إذا كان ليس منهم وهو مثل هذا القبطي فلا؛ فيكون له وجه. تراجم رجال إسناد حديث أبي رافع في الوفاء بالعهد قوله: [حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا عبد الله بن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني عمرو ]. هو عمرو بن الحارث المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بكير بن الأشج ]. هو بكير بن عبد الله بن الأشج المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن بن علي بن أبي رافع ]. الحسن بن علي بن أبي رافع ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ أن أبا رافع أخبره ]. أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. الإمام يكون بينه وبين العدو عهد فيسير إليه شرح حديث سير الإمام إلى العدو في مدة العهد قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الإمام يكون بينه وبين العدو عهد فيسير إليه. حدثنا حفص بن عمر النمري حدثنا شعبة عن أبي الفيض عن سليم بن عامر رجل من حمير قال: كان بين معاوية وبين الروم عهد وكان يسير نحو بلادهم، حتى إذا انقضى العهد غزاهم، فجاء رجل على فرس أو برذون، وهو يقول: الله أكبر الله أكبر وفاء لا غدر، فنظروا فإذا عمرو بن عبسة، فأرسل إليه معاوية فسأله فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة ولا يحلها حتى ينقضي أمدها، أو ينبذ إليهم على سواء) فرجع معاوية ]. أورد أبو داود باباً في الإمام يكون بينه وبين العدو عهد فيسير إليه، أي: إلى العدو قبل انقضاء العهد. أورد أبو داود حديث عمرو بن عبسة رضي الله عنه الذي قال فيه إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة ولا يحلها، حتى ينقضي أمدها) ]. ومعنى ذلك: أنه لا يحرك ساكناً إلا إذا انتهت المدة، أما كونه ينتقل من بلده إلى حدود العدو أو إلى قرب مكان يوجد فيه العدو، فإن هذا خلاف العهد، بل العهد أن يبقى في مكانه ولا يحرك ساكناً إلا إذا انتهت المدة، وعندما تنتهي يرحل متوجهاً إليهم، أما أن يسافر إليهم قبل أن تنتهي المدة فمعنى ذلك أنه تصرف تصرفاً وعمل عملاً مخالفاً في مدة العهد. وذكر أبو داود رحمه الله القصة، وهو أنه لما سار معاوية رضي الله عنه وإذا رجل على فرس أو برذون، وإذا هو يقول: الله أكبر الله أكبر وفاء لا غدر، فنظروا فإذا هو عمرو بن عبسة ، فطلب منه معاوية أن يأتي، فأتى إليه وأخبره فلما سمع الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع، وهذا يدل على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من الاستسلام والانقياد لما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنهم إذا عملوا عملاً ثم تبين لهم أن الحق بخلافه فإنهم يرجعون عن الشيء الذي عملوه ما دام أن الدليل دل على أنه غير سائغ، وأنه لا يصلح. قوله: [ (من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة) ]. أي: لا يتصرف تصرفاً يخالف العقد. قوله: [ (ولا يحلها) ] أي تلك العقدة. قوله: [ (إلا بعد أن ينتهي الأمد) ]، وهذا إشارة إلى أنه لا يعمل أي شيء يخالف العقد. قوله: [ (أو ينبذ إليهم على سواء) ] بأن يخبرهم، وذلك إذا خاف منهم خيانة فيقول: العهد الذي بيني وبينكم انتهى، فيكونون على علم بأن العهد انتهى. قوله: [ (على سواء) ]. أي: هو وهم يستوون في العلم بانتهاء مقتضى العهد. تراجم إسناد حديث سير الإمام إلى العدو في مدة العهد قوله: [حدثنا حفص بن عمر النمري ]. حفص بن عمر النمري ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الفيض ]. هو موسى بن أيوب ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن سليم بن عامر ]. وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عمرو بن عبسة ]. عمرو بن عبسة رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن. الوفاء للمعاهد وحرمة ذمته شرح حديث الوفاء للمعاهد قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الوفاء للمعاهد وحرمة ذمته. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من قتل معاهداً في غير كنهه حرم الله عليه الجنة) ]. قوله: [باب في الوفاء للمعاهد وحرمة ذمته] يعني: أنه إذا كان للإنسان عهد عند المسلمين فإنهم يوفون له بعهده ويعاملونه المعاملة التي يستحقها، فلا يقتلونه ولا يؤذونه. قوله: [ (في غير كنهه) ] أي: من غير استحقاق للقتل، أما إذا كان مستحقاً للقتل فلا يستحق القاتل هذه العقوبة. قوله: [ (حرم الله عليه الجنة) ] هذا من أحاديث الوعيد التي فيها تحريم الجنة، ولكن لا يعني ذلك أنها تحرم عليه كما تحرم على الكفار، وإنما تحرم عليه وقتاً معيناً، وذلك إذا لم يشأ الله عز وجل أن يغفر له، فإنه لا يدخلها مع أول من يدخلها، ولكنه يدخل النار ويعذب فيها على جرمه وعلى كبيرته، ثم بعد ذلك يخرج منها ويدخل الجنة، وهكذا شأن جميع العصاة وجميع أصحاب الكبائر، فإنهم لا بد أن يصيروا إلى الجنة في آخر الأمر، ولا يبقى في النار إلا الكفار الذين هم أهلها ولا سبيل لهم إلى الخروج منها، وأما العصاة وأصحاب الكبائر فهؤلاء لا بد أن يأتي عليهم وقت من الأوقات يخرجون من النار ويدخلون الجنة، وعلى هذا فالتحريم تحريم مؤقت. تراجم رجال إسناد حديث الوفاء للمعاهد قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عيينة بن عبد الرحمن ]. هو عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن أبي بكرة ]. هو أبو بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. الرسل لا يقتلون شرح حديث نعيم في عدم قتل الرسل قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرسل. حدثنا محمد بن عمرو الرازي حدثنا سلمة -يعني ابن الفضل - عن محمد بن إسحاق قال: كان مسيلمة كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: وقد حدثني محمد بن إسحاق عن شيخ من أشجع يقال له سعد بن طارق عن سلمة بن نعيم بن مسعود الأشجعي عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهما حين قرأ كتاب مسيلمة: (ما تقولان أنتما؟ قالا: نقول كما قال، قال: أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما) ]. أورد أبو داود باباً في الرسل، أي: الرسل الذين يأتون من الكفار إلى المسلمين برسائل، ومعنى ذلك أنهم يؤمنون ثم يعودون من حيث أتوا، وقد سبق أن مر قريباً قوله في الحديث: (أني لا أحبس البرد) ومعنى هذا أن البريد أو الرسول لا يقتل، وإنما يؤمن حتى يرجع إلى الجهة التي جاء منها. أورد أبو داود حديث نعيم بن مسعود رضي الله عنه، أن رسولي مسيلمة لما جاءا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأ الكتاب الذي معهما، قال: (ماذا تقولان أنتما؟ قالا: نقول كما قال) أي أنهما يتابعانه فيما جاء به من الكفر ومن الردة، فقال عليه الصلاة و السلام: (لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكما). وهذا يدل على أن الرسل لا تقتل، ولو حصل من الرسول المجاهرة وإعلان الكفر كما حصل من رسولي مسيلمة بقولهما: (نقول كما قال) فدل هذا على أن الرسول يرجع إلى مأمنه وأنه لا يقتل. تراجم رجال إسناد حديث نعيم في عدم قتل الرسل قوله: [ حدثنا محمد الرازي ]. محمد بن عمرو الرازي ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و ابن ماجة . [ حدثنا سلمة -يعني: ابن الفضل- ] . صدوق كثير الخطأ، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة في التفسير. [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ كان مسيلمة كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وقد حدثني محمد بن إسحاق عن شيخ من أشجع يقال له سعد بن طارق ]. سعد بن طارق ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن سلمة بن نعيم بن مسعود الأشجعي ]. سلمة بن نعيم بن مسعود الأشجعي ، له صحبة، كما أن لأبيه صحبة، وحديثه أخرجه أبو داود . [ عن أبيه نعيم ] . وأبوه أخرج حديثه أبو داود . شرح حديث ابن مسعود في عدم قتل الرسل قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق : ( عن حارثة بن مضرب أنه أتى عبد الله فقال: ما بيني وبين أحد من العرب حنة، وإني مررت بمسجد لبني حنيفة، فإذا هم يؤمنون بمسيلمة ، فأرسل إليهم عبد الله ، فجيء بهم فاستتابهم غير ابن النواحة قال له: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لولا أنك رسول لضربت عنقك فأنت اليوم لست برسول، فأمر قرظة بن كعب فضرب عنقه في السوق، ثم قال: من أراد أن ينظر إلى ابن النواحة قتيلاً بالسوق) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، أنه جاءه حارثة بن مضرب ، وذكر الحديث. قوله: [ما بيني وبين أحد من العرب حنة]: يعني: ليس هناك ضغن ولا حقد وعداوة، وهو بهذا يريد أن يمهد للكلام الذي يقوله، وكأنه يريد أن يقول: إن هذا الكلام الذي أقوله ليس عن عداوة، وليس عن غيض، وإنما هو الحقيقة والواقع. قوله: [ مررت بمسجد لبني حنيفة فإذا هم يؤمنون بمسيلمة ]. مسجد بني حنيفة في الكوفة، أي: في المكان الذي هم فيه، وكان فيه ابن مسعود ، فاستدعاهم لأنهم يؤمنون بمسيلمة الكذاب . قوله: [ فأرسل إليهم عبد الله ، فجيء بهم فاستتابهم ]. يعني: استتابهم وتركهم إلا واحداً منهم يقال له: ابن النواحة؛ لأنه قد قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (لولا أنك رسول لقتلتك) فلم يستتبه بل قتله؛ لأنه لم يعد في ذلك الوقت رسولاً، فأمر قرظة بن كعب أن يقتله، فقتله في السوق وقال: من أراد أن ينظر إلى ابن النواحة فلينظره قتيلاً بالسوق. ومحل الشاهد منه قوله: (لولا أنك رسول لقتلتك) يعني: أن الرسل يعاملون معاملة خاصة فيردون إلى مأمنهم ولا يقتلون. تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود في عدم قتل الرسل قوله: [حدثنا محمد بن كثير ] . هو محمد بن كثير العبدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سفيان ] . هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي إسحاق ] . هو أبو إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله الهمداني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أنه أتى حارثة بن مضرب ]. وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن عبد الله ] . هو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]() ما جاء في أمان المرأة شرح حديث أم هانئ في أمان المرأة قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في أمان المرأة. حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب قال: أخبرني عياض بن عبد الله عن مخرمة بن سليمان عن كريب: (عن ابن عباس قال: حدثتني أم هانئ بنت أبي طالب أنها أجارت رجلاً من المشركين يوم الفتح، فأتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ذلك له، فقال: قد أجرنا من أجرت وأمنَّا من أمنت) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: [ باب في أمان المرأة]. يعني: إذا أمنت أحداً أو أجارت أحداً فإنه ينفذ أمانها وجوارها، وقد سبق أن مر حديث: (المسلمون تتكافؤ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم)، وهنا أورد أبو داود حديث أم هانئ رضي الله عنها، وهو أنها عام فتح مكة أمنت رجلاً، وكان أخوها علي رضي الله عنه أراد أن يقتله، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته، فقال لها عليه الصلاة والسلام: (قد أجرنا من أجرت، وأمنا من أمنت) معناه: أن جوارك وأمانك معتبر عندنا. تراجم رجال إسناد حديث أم هانئ في أمان المرأة قوله: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب قال: أخبرني عياض بن عبد الله ]. عياض بن عبد الله فيه لين، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن مخرمة بن سليمان ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن كريب ]. هو كريب مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس قال: حدثتني أم هانئ بنت أبي طالب ] . هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها حديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث عائشة في أمان المرأة قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت (إن كانت المرأة لتجير على المؤمنين فيجوز) ]. أورد أبو داود حديث عائشة : (إن كانت المرأة لتجير على المؤمنين فيجوز) أي: فيجوز جوارها وتأمينها وأمانها، ومعناه: أنهم كانوا يجيزونه ويثبتونه ولا يبطلونه، وهذا مثل الذي قبله، إلا أن هذا فيه إشارة إلى أن هذا يحصل، والحديث السابق إنما هو في قصة حصلت لأم هانئ رضي الله عنها في شخص معين، وهذا لفظ عام يدل على أن المرأة كانت تجير فيجوز أمانها ويعتبر. تراجم رجال إسناد حديث عائشة في أمان المرأة قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا سفيان بن عيينة ]. سفيان هو سفيان بن عيينة المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور ]. هو منصور بن المعتمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم ]. إبراهيم بن يزيد ين قيس النخعي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأسود ]. هو الأسود بن يزيد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. ما جاء في صلح العدو شرح حديث المسور بن مخرمة في صلح الحديبية قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في صلح العدو. حدثنا محمد بن عبيد أن محمد بن ثور حدثهم عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة أنه قال: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه، حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد الهدي وأشعره وأحرم بالعمرة.. وساق الحديث، قال: وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها، بركت به راحلته فقال الناس: حل حل خلأت القصواء، مرتين، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما خلأت وما ذلك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل. ثم قال: والذي نفسي بيده لا يسألوني اليوم خطة يعظمون بها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها، ثم زجرها فوثبت، فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء، فجاءه بديل بن ورقاء الخزاعي ثم أتاه -يعني عروة بن مسعود - فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكلما كلمه أخذ بلحيته، و المغيرة بن شعبة قائم على النبي صلى الله عليه وسلم ومعه السيف وعليه المغفر، فضرب يده بنعل السيف، وقال: أخر يدك عن لحيته! فرفع عروة رأسه فقال: من هذا؟ قالوا: المغيرة بن شعبة فقال: أي غدر! أولست أسعى في غدرتك؟ وكان المغيرة صحب قوماً في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أما الإسلام فقد قبلنا، وأما المال فإنه مال غدر لا حاجة لنا فيه.. فذكر الحديث. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله.. وقص الخبر، فقال سهيل : وعلى أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا. فلما فرغ من قضية الكتاب قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا، ثم جاء نسوة مؤمنات مهاجرات.. الآية، فنهاهم الله أن يردوهن، وأمرهم أن يردوا الصداق، ثم رجع إلى المدينة فجاءه أبو بصير رجل من قريش، يعني: فأرسلوا في طلبه، فدفعه إلى الرجلين، فخرجا به حتى إذ بلغا ذا الحليفة نزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيداً فاستله الآخر، فقال: أجل قد جربت به، فقال أبو بصير : أرني أنظر إليه، فأمكنه منه فضربه حتى برد، وفر الآخر حتى أتى المدينة، فدخل المسجد يعدو، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لقد رأى هذا ذعراً، فقال: قد قتل والله صاحبي وإني لمقتول. فجاء أبو بصير فقال: قد أوفى الله ذمتك، فقد رددتني إليهم ثم نجاني الله منهم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد، فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر، وينفلت أبو جندل فلحق بأبي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة) ]. أورد أبو داود باباً في صلح العدو. أي: الصلح مع الكفار، والصلح مع الكفار يجوز في حال ضعف المسلمين وعدم قوتهم، وأما مع قوتهم فإنه لا يصلح أن يصالح الكفار، وإنما يكون ذلك مع الضعف كما قال الله عز وجل: فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ [محمد:35] فالصلح يجوز عند وجود ما يقتضيه من عدم قوة بالمسلمين. أورد أبو داود حديث المسور بن مخرمة رضي الله تعالى عنه في قصة صلح الحديبية، وذهاب النبي صلى الله عليه وسلم معتمراً في السنة السادسة من الهجرة، ومعه ألف وأربعمائة من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. قوله: [ (خرج النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في بضعة عشرة مائة من أصحابة) ]. يعني: ألفاً وأربعمائة، هذا هو أصح ما قيل فيه، وقيل: ألف وخمسمائة، وقيل: ألف وثلاثمائة، والأصح أنهم ألف وأربعمائة. قوله: [ (حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد الهدي وأشعره، وأحرم بالعمرة) ]. وهذا يدل على أن الإحرام يكون من الميقات، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم عام الحديبية بعمرة من الميقات، وأن الهدي يقلد ويشعر، وإشعاره أن يغرز في صفحة سنامه حتى يسيل الدم، فيكون علامة على أنه هدي، بحيث لو ضاع عرف من رآه أن هذا هدي، وكذلك أيضاً التقليد هو علامة على أنه هدي، وهو يدل على أن الإشعار سنة وليس بمثلة، وهو للحاجة والمصلحة، مثل الوسم الذي يفعل للحاجة، ومثل الختان الذي يكون بالنسبة للمولود، فهو وإن كان فيه شيء من التعذيب وشيء من المضرة إلا أن المصلحة فيه كبيرة، وقد جاءت السنة بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ وساق الحديث ] معناه أن فيه اختصاراً وحذفاً. قوله: [ (حتى إذا جاء الثنية التي يهبط عليهم منها، بركت به ناقته، فقال الناس: حل حل)]، وهي كلمة زجر يراد منها أن تقوم الناقة. قوله: [ (فقال الناس: حل حل، خلأت القصواء، مرتين) ]. يعني: حرنت، ومعناه: أنه صار بها هذا الخلق. قال عليه الصلاة و السلام: (ما خلأت وما كان لها بخلق) -أي: ليس من عادتها- ولكن حبسها حابس الفيل)] أي: أن الذي حبسها هو الذي حبس الفيل عن أهل مكة. قوله: [ (والذي نفسي بيده لا يسألوني اليوم خطة يعظمون بها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها) ]. معناه: أنه لا يحصل بينه وبينهم قتال في الحرم. قوله: [ (ثم زجرها فوثبت، فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء) ]. أي: زجرها فثارت وقامت، وذهب إلى الحديبية على ثمد وهو: الماء القليل. قوله: [ (فجاءه بديل بن ورقاء ..) ]. والحديث فيه اختصار، وكان فيه أنه جيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: يا رسول الله! نفد الماء فأخرج سهماً من كنانته، وأمرهم بأن يضعوه، فصارت البئر تجيش بالماء وتفور حتى سقوا رواحلهم ورووا، وذلك من بركة وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم لسهم من كنانته فيها. قوله: [ (فجاءه بديل بن ورقاء الخزاعي ، ثم أتاه يعني: عروة بن مسعود ، فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكلما كلمه أخذ بلحيته) ]. وكانت العادة عندما كان الشخص يخاطب غيره يمسك بلحيته، وليس هذا من باب الإهانة، وإنما هو من باب الملاطفة. قوله: [ (والمغيرة بن شعبة قائم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومعه السيف، وعليه المغفر، فضرب يده بنعل السيف، وقال: أخر يدك عن لحيته) ]. فكان المغيرة بن شعبة واقفاً على رأس الرسول صلى الله عليه وسلم، ومعه السيف، فكان كلما مد يده على لحية الرسول ضربه بمؤخر السيف. وهذا يدل على أن القيام على رأس الأمير عند حضور الكفار لا بأس به، وأن هذا من احترام الأمير، ومن المحافظة عليه، وأما إذا كان لغير ذلك فإنه لا يجوز، والرسول صلى الله عليه وسلم لما اشتكى وصلى جالساً، وصلى وراءه أناس قياماً أشار إليهم أن اجلسوا، ولما سلم قال: (كدتم أن تفعلوا فعل فارس والروم، يقومون على رأس ملوكهم وهم جلوس) فالقيام محذور إذا كان في غير هذه الحالة، أما إذا كان في هذه الحالة فهو سائغ؛ لأن هذا حصل من المغيرة بن شعبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالقيام على الرجل له حالتان: حالة فيها احترام الإمام وتوقيره، والمحافظة عليه عند الكفار، وإظهار تقديره عند الكفار. والثانية: إذا كان لغير ذلك. فهذه الحالة التي جاءت في قصة المغيرة تدل على جوازه في مثل هذه الحالة، والحديث الذي فيه: (كدتم أن تفعلوا فعل فارس والروم، يقومون على رأس ملوكهم وهم جلوس) يدل على أن ذلك لا يجوز. قوله: [ (فرفع عروة رأسه فقال: من هذا؟! قالوا: المغيرة بن شعبة) ]. يسأل عن هذا الذي يضربه بنعل السيف، قال: من هذا؟! قالوا: المغيرة بن شعبة وهو ثقفي و عروة بن مسعود ثقفي، فقال: أي غدر، أولست أسعى في غدرتك؟! معناه: أنه من قومه ومن جماعته؛ لأن هذا ثقفي وهذا ثقفي، ولعل المقصود منه: أنه كان يجمع ديات من أجل أن يعطيها أولئك الذين قتلهم المغيرة . قوله: [ (وكان المغيرة صحب قوماً في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أما الإسلام فقد قبلنا، وأما المال فإنه مال غدر لا حاجة لنا فيه) ]. وهذه هي غدرة المغيرة التي ذكرها عروة بن مسعود . قوله: (فذكر الحديث، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله ..) وقص الخبر. ثم ذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بكتابة الصلح والعهد الذي بينه وبين الكفار وقال: [ (هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله) ] وقد جاء فيه أنهم قالوا: إننا لا نعتقد بأنك رسول الله، ولكن قل: محمد بن عبد الله، أي اذكر اسمك واسم أبيك، فأقرهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وأمر الكاتب بأن يكتب محمد بن عبد الله. قوله: [ (فقال سهيل : وعلى أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا)]. هو سهيل بن عمرو الذي تولى العقد عن جانب الكفار، وقد أسلم عام الفتح وحسن إسلامه رضي الله عنه وأرضاه. ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل ما ذكر لما رأى في ذلك من مصلحة، وبعض أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم تألموا تألماً كثيراً، وقالوا: كيف نعطي الدنية في ديننا يا رسول الله؟! أي: كيف نقبل بمثل هذا الشرط الذي يقضي بأن من جاء منهم ولو كان على تراجم رجال إسناد حديث المسور بن مخرمة في صلح الحديبية قوله: [حدثنا محمد بن عبيد ]. محمد بن عبيد هو ابن حساب أو المحاربي، وكل منهما روى عنه أبو داود ، وكل منهما روى عن محمد بن ثور ، و محمد بن عبيد بن حساب ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . و المحاربي صدوق، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . وفي تحفة الأشراف: محمد بن عبد الأعلى ؛ لكن هذا ليس بصحيح؛ لأن فيه محمد بن عبد الأعلى يروي عنه أبو داود في كتاب القدر فقط. [ أن محمد بن ثور حدثهم ]. محمد بن ثور ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة بن الزبير ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن المسور بن مخرمة ]. المسور بن مخرمة رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث صلح الحديبية من طريق المسور ومروان قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن العلاء حدثنا ابن إدريس سمعت ابن إسحاق عن الزهري عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة و مروان بن الحكم : (أنهم اصطلحوا على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيهن الناس، وعلى أن بيننا عيبة مكفوفة وأنه لا إسلال ولا إغلال) ]. أورد أبو داود الحديث عن المسور بن مخرمة و مروان بن الحكم ، وفيه: (أنهم اصطلحو) أي: الرسول صلى الله عليه وسلم وكفار قريش على وضع الحرب. قوله: (على وضع الحرب عشر سنين) أي: أن الهدنة والصلح الذي بينهم مدته عشر سنوات يأمن فيها الناس، فيستطيع أن يذهب هؤلاء وهؤلاء، ولا يعتدي أحد على أحد إنفاذاً لهذا العهد، والصلح الذي بينهم. قوله: [ (وعلى أن بيننا عيبة مكفوفة) ] يعني: أنهم يلتزمون بمقتضى العقد، ويصير ما بينهم من عداوات ومن إقدام بعضهم على قتال بعض ممتنعاً بمقتضى هذا العقد، فتكون صدورهم وقلوبهم بمثابة العيبة المكفوفة، أي المشدودة على ما فيها من المتاع الجيد والشيء المحفوظ، فكذلك ذلك الاتفاق الذي قد حصل يحفظ في القلوب وفي الصدور ، ولا يعتدي أحد على أحد في هذه المدة بمقتضى هذا العقد. قوله: [ (وأنه لا إسلال ولا إغلال) ] أي: ليس هناك سرقة ولا خيانة في ظاهر ولا باطن، بل يأمن الناس في الظاهر والباطن فليس هناك خيانة ولا اعتداء، وليس هناك سرقة، وأخذ للأموال خفيةً. هذا هو معنى هذه الجمل القصيرة التي أوردها أبو داود رحمه الله من طريق المسور بن مخرمة و مروان بن الحكم . ثم الصلح مع العدو اختلف العلماء في مقداره وتحديده، فمنهم من قال: إنه عشر سنوات لا يزيد عليها كما جاء في هذا الاتفاق الذي حصل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفار قريش. ومنهم من قال: إنه يكون سنتين أو ثلاثاً؛ لأن الذي حصل تنفيذه إنما هو هذه المدة، وبعد ذلك حصل نقض العهد من كفار قريش، وبعد ذلك فتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك في السنة الثامنة في شهر رمضان، أي: بعد مدة تقرب من السنتين؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج في عمرة الحديبية في شهر ذي القعدة سنة ست، وفتح مكة كان في رمضان سنة ثمان، أي: بعد مضي أقل من سنتين. ثم مما ينبغي أن يعلم أن الصلح الذي حصل بين الفلسطينيين واليهود في هذا الزمان ليس من هذا القبيل؛ لأنه ليس هناك قوة مسلمة وقوة كافرة حصل بينهما صلح، وإنما حصل الصلح بين ظالم ومظلوم، وبين أناس مغتصبين وهم اليهود وبين أناس اغتصبت أرضهم وهم الفلسطينيون، وقد اغتصبت ومضى على اغتصابها عشرون سنة، أي: من سنة ثمان وأربعين إلى سنة سبع وستين، ثم بعد ذلك حصل من بعض الزعماء العرب المتهورين شيء من الغرور، وترتب على ذلك أن اليهود توسعوا فأخذوا الضفة الغربية وأخذوا سيناء وأخذوا هضبة الجولان، فمضى على هذا الاحتلال الأخير ربع قرن من الزمان، والفلسطينيون مشردون بعيدون عن أوطانهم، فإذا أرادوا أن يتفقوا مع العدو الذي اغتصب أرضهم على أن يحصلوا على بعض أرضهم، فإنه لا بأس بذلك، وهو ليس صلحاً بين قوة مسلمة وقوة كافرة، وإنما هو صلح بين ظالم ومظلوم ومغتصب ومغتصب منه. وإذا جاء الوقت الذي يكون فيه للمسلمين قوة ويستطيعون أن يقاتلوا اليهود ويقضوا عليهم أو يتخلصوا منهم، فإن المجال واسع والباب مفتوح، ولكن بعد أن مضى على الفلسطينيين هذه المدة الطويلة وهم مشردون يحتاجون إلى أن يحصلوا على بعض أرضهم ليبقوا فيها بعد أن مضى على احتلال أرضهم عشرات السنين، ثم حصل هذا الصلح الذي مضى عليه عشر سنوات واليهود يماطلون، ولم يحصل المسلمون على ذلك الشيء الذي يريدونه، ولكن الصلح كما أشرت هو بين ظالم ومظلوم، ومغتصب ومغتصب منه، وإذا كان لا يستطيع أن يحصل حقه كله، فإذا ظفر ببعضه إلى أن يأتي الوقت الذي يتمكن فيه المسلمون من أن يقاتلوا اليهود ويرفعوا راية الإسلام؛ فعند ذلك يحصل ما يحصل من الخير، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه لا بد أن يقتتل المسلمون واليهود، وأن الحجر والشجر يقول: يا مسلم! هذا يهودي ورائي تعال فاقتله). وقد أفتى شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه بجواز هذا الصلح، واعترض عليه بعض المعترضين الذين ليس عندهم إلا حماس وعواطف، وليس عندهم فهم للشريعة وأحكامها! وكما قلت: هو صلح بين مغتَصِب ومغتَصَب، وهذا نظير ما لو أن لصوصاً اعتدوا على إنسان وسلبوا كل ما بحوزته من النقود وتركوه خالي الوفاض ليس له شيء، ثم صار بحاجة إلى أن يحصل على شيء مما أخذوا منه، فقالوا: نعطيك بعض حقك، فهل يقبل بعض حقه أم يقول: إما أن تعطوني مالي كله أو أتركه كله؟ كونه يأخذ بعض حقه ويستفيد منه أولى من كونه لا يحصل على شيء من حقه. تراجم رجال إسناد حديث صلح الحديبية من طريق المسور ومروان قوله: [حدثنا محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن إدريس ]. هو عبد الله بن إدريس الأودي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت ابن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة بن الزبير ] هو عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المسور بن مخرمة ]. المسور بن مخرمة رضي الله عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ و مروان بن الحكم ] . وهو الخليفة، وقد قال عروة بن الزبير : إنه لا يتهم في الحديث، وحديثه أخرجه البخاري وأصحاب السنن. شرح حديث ذي مخبر في الصلح مع العدو قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا عيسى بن يونس حدثنا الأوزاعي عن حسان بن عطية قال: مال مكحول و ابن أبي زكرياء إلى خالد بن معدان وملت معهما، فحدثنا عن جبير بن نفير قال: قال جبير : انطلق بنا إلى ذي مخبر رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأتيناه فسأله جبير عن الهدنة فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (ستصالحون الروم صلحاً آمناً، وتغزون أنتم وهم عدواً من ورائكم) ]. أورد أبو داود حديث ذي مخبر رضي الله تعالى عنه أنه جاءه جبير بن نفير ومعه غيره يسألونه عن الهدنة، أي: الهدنة التي تقع بين المسلمين والنصارى، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ستصالحون الروم) وهم النصارى. وقوله: [ (صلحاً آمناً) ] أي: يحصل الأمن بينكم وبينهم بمقتضى هذا الصلح، وهذا هو محل الشاهد للترجمة؛ لأن النصارى كفار، وهم أعداء المسلمين، ومع ذلك يحصل بينهم صلح، وهذا في آخر الزمان. قوله: [ (وتغزون أنتم وهم عدواً من روائكم) ]. يعني: عدواً مشتركاً للمسلمين والنصارى، وليس معنى ذلك أنهم يغزون للجهاد في سبيل الله، ولإعلاء كلمة الله، ولإدخال الناس في دين الله؛ لأن النصارى أنفسهم كفار، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ارجع فلن أستعين بمشرك) وإنما المقصود: أن هذا عدو مشترك للجانبين، وأن أولئك المتصالحين تعاونوا على ذلك العدو المشترك. قوله: [ (من ورائكم) ] هذا يحتمل أن يكون من خلفهم ويحتمل أن يكون من أمامهم؛ لأن (وراء) تأتي بمعنى الأمام. وقد أورد أبو داود الحديث في كتاب الملاحم في آخر الكتاب، وذكر في آخره أنهم عندما ينتصرون أو يغنمون أو يسلمون يأتون قافلين حتى إذا صاروا في مرج ذي فلول قام واحد من النصارى ونادى: انتصر الصليب! فيقوم رجل من المسلمين فيكسر الصليب الذي معه، فعند ذلك ينقض الروم العهد ويجمعون لقتال المسلمين، فيقتلون المسلمين قتلاً ذريعاً، وهذا لم يحصل إلى الآن، ولكنه لا بد أن يحصل كما أخبر بذلك الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. تراجم رجال إسناد حديث ذي مخبر في الصلح مع العدو قوله: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة ، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا عيسى بن يونس ]. هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الأوزاعي ]. هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي أبو عمرو ، فقيه الشام ومحدثها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن حسان بن عطية ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ خالد بن معدان ]. وهو ثقة عابد يرسل كثيراً، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جبير بن نفير ]. وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ انطلق بنا إلى ذي مخبر ]. ذو مخبر رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أبو داود و ابن ماجة ."
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الجهاد شرح سنن أبي داود [327] الحلقة (359) شرح سنن أبي داود [327] الخروج للجهاد في سبيل الله هو ضرب في الأرض وسفر من الأسفار، لذا فإن الشرع الحنيف بين الآداب التي ينبغي على المسافر التقيد بها في هذا السفر، ومن هذه الآداب أن يكبر المسافر إذا بلغ مكاناً مشرفاً، وألا يطرق أهله بليل إلا إذا كان ذلك في أوله. العدو يؤتى على غرة شرح حديث قتل كعب بن الأشرف قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في العدو يؤتى على غرة ويتشبه بهم. حدثنا أحمد بن صالح حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله سلم: (من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله؟ فقام محمد بن مسلمة فقال: أنا يا رسول الله! أتحب أن أقتله؟ قال: نعم، قال: فأذن لي أن أقول شيئاً، قال: نعم قل. فأتاه فقال: إن هذا الرجل قد سألنا الصدقة وقد عنانا، فقال: وأيضاً لتملنه، قال: اتبعناه، فنحن نكره أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير أمره، وقد أردنا أن تسلفنا وسقاً أو وسقين، قال كعب : أي شيء ترهنوني؟ قال: وما تريد منا؟ قال: نساؤكم، قالوا: سبحان الله، أنت أجمل العرب نرهنك نساءنا فيكون ذلك عاراً علينا! قال: فترهنوني أولادكم، قالوا: سبحان الله، يسب ابن أحدنا فيقال: رهنت بوسق أو وسقين! قالوا: نرهنك اللأمة -يريد السلاح- قال: نعم. فلما أتاه ناداه فخرج إليه وهو متطيب ينضخ رأسه، فلما أن جلس إليه وقد كان جاء معه بنفر ثلاثة أو أربعة فذكروا له، قال: عندي فلانة وهي أعطر نساء الناس، قال: تأذن لي فأشم؟ قال: نعم، فأدخل يده في رأسه فشمه، قال: أعود؟ قال: نعم، فأدخل يده في رأسه، فلما استمكن منه قال: دونكم! فضربوه حتى قتلوه) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [باب في العدو يؤتى على غرة ويتشبه بهم ]. أي: يؤتى على غفلة، ويتشبه بهم: أي يتظاهر بأنه معهم وهو ليس معهم، ولكن للوصول إلى ما يريد، وهذا من المكر والخدعة التي في الحرب؛ لأن الحرب خدعة. وقد أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لكعب بن الأشرف ؟) أي: من يقتله، ويخلص الناس من شره، فإنه آذى الله ورسوله؟ فقال محمد بن مسلمة رضي الله عنه: أتريد أن أقتله؟ قال: نعم. قوله: [ (قال: فأذن لي أن أقول شيئاً) ] أي: أن أقول فيك شيئاً يرضى به، ويقصد من وراء ذلك أن يقول شيئاً مورياً. قوله: [ (فجاء إليه وقال: إن هذا الرجل -يعني: النبي صلى الله عليه وسلم- سألنا الصدقة ) ] يعني: سألهم الصدقة وطلب منهم الزكاة. قوله: [ (وقد عنانا) ] أي: حصل لهم عناء ومشقة في التكاليف، ولا شك أن التكاليف شاقة وفيها تعب ونصب، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات) وقال: (إسباغ الوضوء على المكاره) فالتكاليف شاقة، والصبر ثلاثة أنوع: صبر على طاعة الله ولو شقت على النفوس. وصبر عن المعاصي ولو مالت إليها النفوس. وصبر على أقدار الله المؤلمة. قوله: [ (وأيضاً لتملنه) ] هذا يقوله كعب بن الأشرف ، يعني: سيحصل منكم ملل منه. قوله: [ (اتبعناه فنحن نكره أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير أمره) ]. وأمره لا شك أنه سيصير في النهاية إلى أن يظهر الله دينه ويعلي كلمته، وهذا الكلام هو مقتضى الترجمة في قوله: (يتشبه بهم) ومعناه: أنه كأنه منهم، أو كأنه موافق لهم، وقوله: (اتبعناه ونحن نكره أن ندعه) أي: نريد أن نبقى معه حتى يتبين لنا أمره. وأمره سينتهي إلى خير، وإلى نهاية طيبة، وإلى أن يظهر الله دينه ويعلي كلمته. قوله: [ (وقد أردنا أن تسلفنا وسقاً أو وسقين) ]. يعني: جاء يطلب هذا الشيء، وهو وسق أو وسقان من الطعام، ومقدار الوسق ستون صاعاً. قوله: [ قال كعب : أي شيء ترهنوني؟ قال: وما تريد منا؟ قال: نساءكم ]. أي: يريد أن يرهنوا نساءهم. قوله: [ قالوا: سبحان الله، أنت أجمل العرب، نرهنك نساءنا فيكون ذلك عاراً علينا! ]. إما أن يكون أصله عربياً ولكنه تهود، أو أنه من العجم فيكون الإشكال قائماً، لأنه أجمل العرب وهو ليس منهم. والحاصل أنهم امتنعوا من إعطائه نساءهم خشية العار كما قال. قوله: [ فترهنوني أولادكم؟ قالوا: سبحان الله! يسب ابن أحدنا فيقال: رهنت بوسق أو وسقين! ]. أي: أنت تساوي وسقاً أو وسقين. قوله: [ قالوا: نرهنك اللأمة، يريد السلاح ]. هذا يقوله محمد بن مسلمة ، واللأمة بالهمز وقد تخفف، قيل: هي السلاح مطلقاً، وقيل: إنها الترس أو الوقاية التي يتقى بها في الحرب. قوله: [ قال: نعم، فلما أتاه ناداه، فخرج إليه وهو متطيب ينضخ رأسه ]. كأنه ذهب على أن يعود ومعه السلاح، فقال: ائذن لي أن أشم. قوله: [ فلما أن جلس إليه وقد كان جاء معه بنفر ثلاثة أو أربعة ]. هؤلاء النفر جاءوا مع محمد بن مسلمة . قوله: [ فذكروا له ] يعني: الطيب الذي يفوح منه، وقالوا: ما هذا؟ فقال: عندي فلانة، وهي أعطر نساء الناس. قوله: [ قال: تأذن لي فأشم؟ قال: نعم، فأدخل يده في رأسه فشمه، قال: أعود؟ قال: نعم، فأدخل يده في رأسه، فلما استمكن منه قال: دونكم! فضربوه حتى قتلوه ]. وهذا لا يقال: إنه من قبيل الغدر، بل هو من قبيل الخدعة في الحرب وقتل من يستحق القتل، إذ ليس هناك عهد بينهم وبينه، وكان قد آذى الرسول صلى الله عليه وسلم وسبه وكان يحرض كفار قريش عليه، ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم أهدر دمه وقال: (من لكعب بن الأشرف) يعني: من يقوم بقتله؟ فانتدب لذلك محمد بن مسلمة رضي الله عنه. تراجم رجال إسناد حديث قتل كعب بن الأشرف قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ عن سفيان ]. هو سفيان بن عيينة المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن دينار ]. هو عمرو بن دينار المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث من الرباعيات، وهي أعلى الأسانيد عند أبي داود رحمه الله. شرح حديث: (الإيمان قيد الفتك لا يفتك مؤمن) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن حزابة حدثنا إسحاق -يعني ابن منصور - حدثنا أسباط الهمداني عن السدي عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (الإيمان قيد الفتك، لا يفتك مؤمن)]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الإيمان قيد الفتك، لا يفتك مؤمن) معناه: أنه لا يفتك بأحد له عهد، ولكن إذا كان ليس له عهد فإنه يمكن أن يفتك به حيث يكون مستحقاً لذلك. قوله: [ (الإيمان قيد الفتك) ] أي: قيده بحيث لا يكون إلا في محله، ومنعه من أن يكون في غير محله، كما أن الدابة المقيدة تكون ممنوعة من أن تذهب أو تصول أو تجول لحصول القيد الذي بها، وهذا من باب التشبيه. تراجم رجال إسناد حديث: (الإيمان قيد الفتك لا يفتك مؤمن) قوله: [حدثنا محمد بن حزابة ]. محمد بن حزابة صدوق، أخرج له أبو داود . [ حدثنا إسحاق -يعني ابن منصور- ]. هو إسحاق بن منصور السلولي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أسباط الهمداني ]. صدوق كثير الخطأ يغرب، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن السدي ]. هو إسماعيل بن عبد الرحمن السدي ، وهو صدوق يهم، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [عن أبيه]. هو عبد الرحمن بن أبي كريمة ، مجهول الحال، أخرج له أبو داود و الترمذي . [ عن أبي هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثرهم على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. والحديث فيه من هو مجهول الحال، ولكن الألباني صححه وحسنه، فلعل ذلك من أجل الشواهد. والظاهر أنه لما ذكر قصة كعب بن الأشرف ذكر بعده أنه لا يحصل الفتك بمن لا يستحقه، وأما من يستحقه فإنه يحصل به الفتك ككعب بن الأشرف . التكبير على كل شرف في المسير شرح حديث التكبير على كل شرف قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في التكبير على كل شرف في المسير. حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر : (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات، ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده)]. أورد أبو داود باباً في التكبير على كل شرف في المسير. أي: في السفر. وأورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون) وهذا إنما يكون عند القفول، أي: الرجوع، ولا يقال في الذهاب والمسير وإنما في الذهاب والمسير يكتفي بالتكبير. قوله: [ (صدق الله وعده) ]. أي: ما وعد به المسلمين من النصر ومن الخير. قوله: [ (ونصر عبده) ] أي: الرسول صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (وهزم الأحزاب وحده) ] قيل: إن المقصود بذلك الأحزاب التي تجمعت يوم الخندق، والله عز وجل هزمهم بالريح التي أثارها فأزعجتهم وجعلتهم يفرون، وقيل: إن المقصود بالأحزاب الأحزاب المختلفة قبل زمان نبينا؛ لأن الطوائف المختلفة كلها يقال لها أحزاب، قال تعالى: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ [غافر:5]. تراجم رجال إسناد حديث التكبير على كل شرف قوله: [حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة أحد الفقهاء الأربعة أصحاب المذاهب المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عبد الله بن عمر ]. الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الإسناد من الأسانيد الرباعية العالية عند أبي داود رحمه الله. الإذن في القفول بعد النهي شرح حديث الإذن في القفول بعد النهي قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الإذن في القفول بعد النهي. حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت المروزي حدثني علي بن حسين عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال: لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [التوبة:44] الآية نسختها التي في النور: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النور:62]إلى قوله: غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:62] ]. أورد أبو داود باباً في الإذن في القفول بعد النهي، والمقصود من ذلك أنه حصل النهي فيما يتعلق بالمنافقين، وأنه صلى الله عليه وسلم عوتب على ذلك حيث كان يأذن لهم، وقال الله عز وجل: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ [التوبة:43]، ثم نسخ ذلك بما في آخر سورة النور حيث قال الله عز وجل: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ [النور:62] أي: أنه جاء فيها أمره بالإذن لمن شاء منهم، وأن ذلك إليه صلى الله عليه وسلم، فكان ذلك مأذوناً فيه، والذي عوتب عليه قبل ذلك هو إذنه للمنافقين. قوله: [ عن ابن عباس قال: لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [التوبة:44] الآية نسختها التي في النور: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النور:62]إلى قوله: غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:62] ]. قيل: هو الآن على اعتبار النسخ، وقيل: إنه تقييد، وإن ذاك يحمل على شيء وهذا يحمل على شيء، فذاك في حق المنافقين وهذا في حق المؤمنين، وأعتبره أبو داود نسخاً. تراجم رجال إسناد حديث الإذن في القفول بعد النهي قوله: [حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت المروزي ]. هو صدوق أخرج له أبو داود . [ حدثني علي بن حسين ]. هو علي بن حسين بن واقد ، وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. أبوه هو حسين بن واقد ، وهو ثقة له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن يزيد النحوي ]. هو يزيد بن أبي سعيد النحوي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. وقد مر ذكره. ما جاء في بعثة البشراء شرح حديث بعثة البشراء قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في بعثة البشراء. حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع حدثنا عيسى عن إسماعيل عن قيس : (عن جرير قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ألا تريحني من ذي الخلصة؟ فأتاها فحرقها، ثم بعث رجلاً من أحمس إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبشره يكنى أبا أرطأة)]. أورد أبو داود رحمه الله باب بعثة البشراء . يعني: الذين يبشرون بالفتح والانتصار، أي: بالمهمة التي قاموا بها. وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لجرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: (ألا تريحني من ذي الخلصة؟) وهو صنم لدوس، فذهب جرير وأحرقها، ثم أرسل شخصاً من أحمس، وهم قبيلة جرير بن عبد الله البجلي ؛ لأن أحمس من بجيلة. قوله: [ (ثم بعث رجلاً من أحمس إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبشره يكنى أبا أرطأه)]، هذا محل الشاهد، حيث أرسله يبشر الرسول صلى الله عليه وسلم بتنفيذ المهمة التي طلبها منه، وهي راحته من ذي الخلصة. تراجم رجال إسناد حديث بعثة البشراء قوله: [حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع ]. هو أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا عيسى عن إسماعيل ]. عيسى مر ذكره، وإسماعيل هو ابن أبي خالد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن قيس ]. هو قيس بن أبي حازم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جرير ]. هو جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة. ما جاء في إعطاء البشير شرح حديث إعطاء البشير قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في إعطاء البشير. حدثنا ابن السرح أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب قال: سمعت كعب بن مالك قال: (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس.. وقص ابن السرح الحديث قال: ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة، حتى إذا طال علي تسورت جدار حائط أبي قتادة -وهو ابن عمي- فسلمت عليه، فوالله ما رد علي السلام، ثم صليت الصبح صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا فسمعت صارخاً: يا كعب بن مالك أبشر! فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فكسوتهما إياه، فانطلقت حتى إذا دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالس، فقام إلي طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يهرول حتى صافحني وهنأني)]. أورد أبو داود باباً في إعطاء البشير. أي: إعطاء البشير من أجل بشارته بالشيء الذي بشر به، والمقصود من الإعطاء: إعطاؤه شيئاً من أجل هذه البشارة. وأورد أبو داود شيئاً من قصة كعب بن مالك رضي الله عنه في توبته التي جاء القرآن بها، حيث تاب الله عليه وعلى صاحبيه، وذلك في قول الله عز وجل: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا .. [التوبة:118]الآية. والرسول صلى الله عليه وسلم هجرهم وأمر الناس بألا يكلموهم، وأمرهم أن يعتزلوا نساءهم حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، ثم بعد ذلك نزلت توبة الله عليهم. وبعدما حصلت التوبة وكان قد صلى الفجر في أعلى ظهر بيت من بيوتهم سمع صارخاً يقول: أبشر يا كعب بن مالك ! فلما جاءه الشخص الذي بشره نزع ثوبيه وأعطاه إياهما على بشارته، وهذا هو محل الشاهد للترجمة. ثم جاء إلى المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فقام طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يهرول -أي: يسرع- يريد أن يهنئه، فصافحه وهنأه بهذه التوبة التي حصلت له من الله عز وجل. وقوله: [ (تسورت جدار حائط أبي قتادة) ] معناه: أنه ما دخل من الباب وإنما صعد من فوق السور أو الجدار. تراجم رجال إسناد حديث إعطاء البشير قوله: [حدثنا ابن السرح ]. هو أحمد بن عمرو بن السرح ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. ابن شهاب مر ذكره. [ عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ]. عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [عن أبيه] هو عبد الله بن كعب ، له رؤية، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن كعب بن مالك ]. كعب بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. ما جاء في سجود الشكر شرح حديث أبي بكرة في سجود الشكر قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في سجود الشكر. حدثنا مخلد بن خالد حدثنا أبو عاصم عن أبي بكرة بكار بن عبد العزيز قال: أخبرني أبي عبد العزيز عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أنه كان إذا جاءه أمر سرور أو بشر به خر ساجداً شاكراً لله)]. أورد أبو داود رحمه الله باباً في سجود الشكر. وهذه الترجمة محلها الأليق بها في الصلاة، ولكنه أتى بها في الجهاد، وهو من وضع الشيء في غير مظنته، لأنه قد يبحث الإنسان عن سجود الشكر في كتاب الصلاة فلا يجده فيقول: إنه لا يوجد عند أبي داود وهو لا يعلم أنه ذكره في كتاب الجهاد، فهو من ذكر الشيء في غير مظنته. وهذا الصنيع يحصل به عدم العثور على الشيء المطلوب، وقد كان الحافظ ابن حجر رحمه الله يذكر في فتح الباري أن بعض الأحاديث ذكرت في غير مظنتها مثل حديث الزبير الطويل الذي فيه أنه كان عليه دين وأنه قال: عليك بمولى الزبير ، وهو مذكور في الجهاد، فقال الحافظ ابن حجر : ذكر في غير مظنته، وكذلك سجود الشكر ذكر هنا في غير مظنته؛ لأن مظنته كتاب الصلاة. ولكن لعل أبا داود رحمه الله ذكره بعد البشارة وإعطاء البشير من باب أن الشيء بالشيء يذكر، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا بشر بشيء خر ساجداً. وأورد حديث أبي بكرة قال: (كان صلى الله عليه وسلم إذا جاءه أمر سرور أو بشر به خر ساجداً شاكراً لله). وسجود الشكر إنما يكون لأمر سرور له أهمية، وليس في كل أمر ولو كان تافهاً. تراجم رجال إسناد حديث أبي بكرة في سجود الشكر قوله: [حدثنا مخلد بن خالد ]. ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود . [ حدثنا أبو عاصم ]. هو أبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بكرة بكار بن عبد العزيز ]. وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ أخبرني أبي عبد العزيز ]. وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن أبي بكرة ]. هو أبو بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
![]() شرح حديث سعد بن أبي وقاص في سجود الشكر قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن أبي فديك حدثني موسى بن يعقوب عن ابن عثمان -قال أبو داود : وهو يحيى بن الحسن بن عثمان - عن أشعث بن إسحاق بن سعد عن عامر بن سعد عن أبيه قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مكة نريد المدينة، فلما كنا قريباً من عزور نزل ثم رفع يديه فدعا الله ساعة، ثم خر ساجداً فمكث طويلاً، ثم قام فرفع يديه فدعا الله تعالى ساعة، ثم خر ساجداً فمكث طويلاً، ثم قام فرفع يديه ساعة ثم خر ساجداً، ذكره أحمد ثلاثاً قال: إني سألت ربي وشفعت لأمتي فأعطاني ثلث أمتي، فخررت ساجداً شكراً لربي، ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي فأعطاني ثلث أمتي، فخررت ساجداً لربي شكراً، ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي فأعطاني الثلث الآخر، فخررت ساجداً لربي). قال أبو داود : أشعث بن إسحاق أسقطه أحمد بن صالح حين حدثنا به، فحدثني به عنه موسى بن سهل الرملي ]. أورد أبو داود حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ومعه أصحابه قادمين من مكة إلى المدينة ولما جاءوا عند مكان يقال له: عزور -قيل: إنه ثنية تقع قريباً من الجحفة في الطريق من مكة إلى المدينة- فلما كان هناك نزل ورفع يديه، ثم خر ساجداً، ثم قام وفعل مثل ذلك، ثم قام وفعل مثل ذلك، ثم أخبر بأنه شفع لأمته فأعطاه الله الثلث، ثم شفع فأعطاه الثلث الثاني، ثم شفع فأعطاه الثلث الأخير، وأن أمته كلها تخرج من النار بشفاعته صلى الله عليه وسلم. ومعلوم أن النار لا يبقى بها أبد الآباد إلا الكفار، وأما من كان من المسلمين فإنه ولو فعل ما فعل من المعاصي والكبائر لا يخلد في النار أبد الآباد، بل لابد أن يخرج منها ويدخل الجنة بعد تطهيره وتمحيصه وعقوبته التي يعاقب بها من شاء الله تعالى أن يعاقب، وينجو منها من شاء الله عز وجل أن يتجاوز عنه، وذلك فضل الله عز وجل. وفيه: أنه دعا قائماً ورفع يديه ثم سجد، والحديث فيه رجل مجهول فهو ليس بصحيح. تراجم رجال إسناد حديث سعد بن أبي وقاص في سجود ا لشكر قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن أبي فديك ]. أحمد بن صالح مر ذكره، وابن أبي فديك هو محمد بن إسماعيل بن مسلم ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني موسى بن يعقوب ]. وهو صدوق سيئ الحفظ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن ابن عثمان -قال أبو داود : هو يحيى بن الحسن بن عثمان -]. وهو مجهول الحال، أخرج له أبو داود . [ عن أشعث بن إسحاق بن سعد ]. وهو مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن عامر بن سعد ]. هو عامر بن سعد بن أبي وقاص ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : أشعث بن إسحاق أسقطه أحمد بن صالح حين حدثنا به، فحدثني به عنه موسى بن سهل الرملي ]. موسى بن سهل الرملي ثقة أخرج له أبو داود و النسائي . ما جاء في الطروق شرح حديث الطروق من طريق حفص بن عمر ومسلم بن إبراهيم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الطروق. حدثنا حفص بن عمر ومسلم بن إبراهيم قالا: حدثنا شعبة عن محارب بن دثار عن جابر بن عبد الله قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكره أن يأتي الرجل أهله طروقاً)]. ذكر الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باباً في الطروق. والطروق هو: القدوم على الأهل ليلاً بحيث يأتي ويطرق عليهم الباب، فيكون مجيئه في ذلك على غرة وعلى غفلة وفيه إزعاج لهم، والزوجة في حال عدم استعداد وتهيؤ للزوج، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يكره ذلك. ومن المعلوم أنه إذا كان عندهم علم بقدومه فإنه لا بأس بالإتيان إليهم في أي وقت من ليل أو نهار، لا سيما في هذا الزمان الذي يمكن فيه الاتصال بالأهل وإخبارهم بأنه سيأتي في الوقت الفلاني بالطائرة الفلانية التي تقلع في الوقت الفلاني، أو في سيارة تمشي في الوقت الفلاني، فيكونون على استعداد، فمثل هذا لا يكره، وإنما يكره أن يأتيهم على غرة. وقد أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره أن يأتي الرجل أهله طروقاً) ] يعني: ليلاً بحيث يطرق عليهم الباب على غرة، والكراهة للتنزيه. تراجم رجال إسناد حديث الطروق من طريق حفص بن عمر ومسلم بن إبراهيم قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ]. حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي . [ ومسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محارب بن دثار ]. محارب بن دثار ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر بن عبد الله ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد من أعالي الأسانيد عند أبي داود لأنه رباعي، وأبو داود له فيه شيخان هما في طبقة واحدة وهما: حفص بن عمر و مسلم بن إبراهيم الفراهيدي . شرح حديث الطروق من طريق ابن أبي شيبة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن مغيرة عن الشعبي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن أحسن ما دخل الرجل على أهله إذا قدم من سفر أول الليل)]. أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن أحسن ما دخل الرجل على أهله إذا قدم من سفر أول الليل). أي: لا يكون في ذلك طروق؛ لأنه جاء وهم مستيقظون غير نائمين في أول الليل، فالمحذور ليس في ذات الطروق، إنما المحذور أن يكونوا نائمين وغافلين، ثم يأتيهم ويطرق عليهم الباب ويزعجهم. أما إذا كان في أول الليل لا سيما إذا كان بعد المغرب وقبل العشاء، والناس ما زالوا ينتظرون صلاة العشاء وليس هناك نوم؛ فإن ذلك هو أحسن الأحوال بالنسبة لمن يأتي في الليل. أما من جاء في النهار فإن جميع الأحوال في النهار مناسبة، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقدم إذا قدم ضحى؛ لكن إذا قدم في الليل يكون قدومه في أول الليل، وهذا للابتعاد عن كونه يطرق عليهم ويزعجهم. وتقدم أنه إذا حصل علم منهم بقدومه في أي وقت من ليل أو نهار فلا بأس به. تراجم رجال إسناد حديث الطروق من طريق ابن أبي شيبة قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ عن جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مغيرة ]. هو مغيرة بن مقسم الضبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الشعبي ]. هو عامر بن شراحيل الشعبي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما، وقد مر ذكره. شرح حديث الطروق من طريق أحمد بن حنبل قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا هشيم أخبرنا سيار عن الشعبي عن جابر بن عبد الله قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سفر، فلما ذهبنا لندخل قال: أمهلوا حتى ندخل ليلاً؛ لكي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة)]. أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه: (أنهم قدموا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فقال: أمهلوا حتى ندخل ليلاً -يعني: في أول الليل- حتى تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة). والشعثة هي: التي شعرها متفرق غير مرتب وغير منظم، فإنها تستعد بمشطه وتسريحه، وتستحد المغيبة، أي: التي غاب عنها زوجها، فتستحد باستعمال الحديدة في إزالة الشعر الذي حول القبل، ومعنى هذا أن العلم بقدومهم قد وصل المدينة؛ لأن هذا الاستعداد والتهيؤ إنما يكون عن علم بوقت القدوم. تراجم رجال إسناد حديث الطروق من طريق أحمد بن حنبل قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشيم ]. هو هشيم بن بشير الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سيار ]. هو سيار أبو الحكم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن الشعبي عن جابر بن عبد الله ]. وقد مر ذكرهما. تفسير الزهري للطروق [ قال أبو داود : قال الزهري : الطروق بعد العشاء. قال أبو داود : وبعد المغرب لا بأس به ]. يعني: الطروق يكون بعد صلاة العشاء بعد نوم الناس، وبعد المغرب لا بأس به؛ لأن الناس ينتظرون صلاة العشاء ويتهيئون لها، وهذا هو معنى ما تقدم من أن القدوم إنما يكون في أول الليل، أي قبل العشاء، وأما إذا كان بعد العشاء فيكون طروقاً. وهذه الأحاديث لا تخص المتزوجين؛ لأن قضية الإزعاج تحصل للمتزوجين وغير المتزوجين، وكونه يطرق أهله ويكدر عليهم نومهم لا يختص بالمتزوجين. تلقي المجاهد إذا رجع شرح حديث تلقي المجاهد إذا رجع قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في التلقي. حدثنا ابن السرح حدثنا سفيان عن الزهري عن السائب بن يزيد قال: (لما قدم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المدينة من غزوة تبوك تلقاه الناس، فلقيته مع الصبيان على ثنية الوداع)]. أورد أبو داود باباً في التلقي، يعني: تلقي القادمين من السفر، والخروج من البلد للقائهم وإظهار السرور بقدومهم، وقد جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد أورد أبو داود حديث السائب بن يزيد رضي الله عنه وكان من صغار الصحابة، وقد قال: (حج بي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن سبع سنين) أي: كان عمره في حجة الوداع سبع سنين. لما قدم الرسول صلى الله عليه وسلم من تبوك خرج الناس لاستقباله وفيهم الصبيان ومنهم السائب بن يزيد ، فدل هذا على أن مثل ذلك سائغ، وأنه لا بأس به، وفيه إظهار السرور والاستبشار بالقادم. ترجم رجال إسناد حديث تلقي المجاهد إذا رجع قوله: [حدثنا ابن السرح ]. هو أحمد بن عمرو بن السرح ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن عيينة المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن السائب بن يزيد ]. السائب بن يزيد رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهذا أيضاً إسناد رباعي. استحباب إنفاد الزاد في الغزو إذا قفل شرح حديث إنفاد الزاد في الغزو إذا قفل قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيما يستحب من إنفاد الزاد في الغزو إذا قفل. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا ثابت البناني عن أنس بن مالك : (أن فتى من أسلم قال: يا رسول الله! إني أريد الجهاد وليس لي مال أتجهز به. قال: اذهب إلى فلان الأنصاري فإنه كان قد تجهز فمرض، فقل له: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرئك السلام، وقل له: ادفع إلي ما تجهزت به. فأتاه فقال له ذلك فقال لامرأته: يا فلانة! ادفعي له ما جهزتني به ولا تحبسي منه شيئاً، فوالله لا تحبسين منه شيئاً فيبارك الله فيه)]. أورد أبو داود هذه الترجمة: باب فيما يستحب من إنفاد الزاد في الغزو إذا قفل، وهذه الترجمة ظاهرها أن المقصود أن الإنسان عندما يقفل يستنفد زاده ولا يقلل على نفسه؛ لأنه إذا كان ذاهباً يمكن أن يقلل على نفسه خشية أن ينقضي زاده، ولكنه إذا رجع ما بقي هناك ما يحتاج معه إلى التقليل فيستفيد منه، هذا هو ظاهر الترجمة. لكن الحديث الذي أورده فيها لا يدل على هذا المعنى الواضح من الترجمة، وإنما أورد فيه أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن فتى من أسلم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وليس معه شيء يتجهز به للغزو فقال: اذهب إلى فلان وأقرئه السلام وقل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك بأن تدفع إليَّ الذي جهزت به نفسك) لأن هذا الرجل كان مريضاً لا يستطيع أن يسافر، وكان قد تهيأ للسفر وأعد الزاد الذي يسافر به، فذهب إليه وأبلغه بالذي أرشده إليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فقال لامرأته: أعطيه كل شيء جهزتني به، أي: كل شيء أعددته لي لأسافر به ولا تمنعي منه شيئاً. قوله: [ (فوالله لا تحبسين منه شيئاً فيبارك الله فيه)]. أي: لن يكون فيه بركة، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعطائه إياه. هذا هو الحديث الذي أورده أبو داود تحت الترجمة، وليس بواضح مطابقته للترجمة، ولكن يمكن أن يقال: إنه إذا احتاج الإنسان إلى أن يسأل وهو في إنشاء السفر وفي ابتداء الغزو، فكذلك إذا قفل وكان بحاجة إلى زاد ونفد زاده وليس معه شيء فإنه من باب أولى أن يسأل؛ لأنه إذا ساغ له أن يسأل في البداية مع أنه معذور ويمكن أن يبقى، فكونه يسأل في النهاية وقد قفل ونفد الزاد منه لا بأس بذلك. وقوله في الترجمة: [قفل] أي: رجع، والقفول هو: الرجوع من السفر. تراجم رجال إسناد حديث استحباب إنفاد الزاد في الغزو إذا قفل قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ أخبرنا ثابت ]. هو ثابت بن أسلم البناني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ]. أنس رضي الله عنه مر ذكره. وهذا الإسناد أيضاً من الأسانيد العالية عند أبي داود التي هي الرباعيات. الصلاة عند القدوم من السفر شرح حديث كعب بن مالك في الصلاة عند القدوم من السفر قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الصلاة عند القدوم من السفر: حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني و الحسن بن علي قالا: حدثنا عبد الرزاق أخبرني ابن جريج قال: أخبرني ابن شهاب قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه عبد الله بن كعب وعمه عبيد الله بن كعب عن أبيهما كعب بن مالك : (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يقدم من سفر إلا نهاراً -قال الحسن : في الضحى- فإذا قدم من سفر أتى المسجد فركع فيه ركعتين، ثم جلس فيه)]. أورد أبو داود رحمه الله باباً في الصلاة عند القدوم من السفر. أي الصلاة في المسجد عند القدوم من السفر، وذلك أنه إذا قدم يذهب إلى المسجد ويصلي فيه ركعتين، هذه سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد أورد أبو داود حديث كعب بن مالك : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم من سفر أتى المسجد فصلى فيه ركعتين ثم جلس) أي: جلس للناس للسلام عليه وللقائه صلى الله عليه وسلم، فالحديث يدل على ما ترجمه المصنف من استحباب ذلك، وأن ذلك سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم كون الرسول صلى الله عليه وسلم يأتي للمسجد ويصلي ركعتين؛ هذا ليس خاصاً به؛ لأن الخصوصية لا يصار إليها إلا بوجود دليل يدل عليها، وحيث لا يكون كذلك فإن الحكم للجميع ولا يختص بالنبي صلى الله عليه وسلم. ثم أيضاً: كون الإنسان يأتي للمسجد ويصلي فيه ركعتين فيه تقوية الصلة بالله عز وجل، وكون الإنسان يحصل منه أول شيء في البلد دخول المسجد الذي هو خير البقاع وأفضل البقاع وأحب البقاع إلى الله عز وجل، أمر حسن! تراجم رجال إسناد حديث كعب بن مالك في الصلاة عند القدوم من السفر قوله: [حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني ]. محمد بن المتوكل العسقلاني صدوق له أوهام كثيرة، أخرج له أبو داود . [ والحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني ابن شهاب ]. مر ذكره. [ أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ]. عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن أبيه عبد الله بن كعب ]. أبوه عبد الله بن كعب له رؤية، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عبيد الله بن كعب ]. وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [عن أبيهما كعب بن مالك ]. كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث ابن عمر في الصلاة عند القدوم من السفر قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن منصور الطوسي حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن ابن إسحاق قال: حدثني نافع عن ابن عمر : (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين أقبل من حجته دخل المدينة، فأناخ على باب مسجده ثم دخله فركع فيه ركعتين ثم انصرف إلى بيته، قال نافع : فكان ابن عمر كذلك يصنع)]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم من حجة الوداع أناخ عند المسجد ودخل فصلى فيه ركعتين ثم ذهب إلى بيته)، وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنه كذلك يصنع اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في الصلاة عند القدوم من السفر قوله: [حدثنا محمد بن منصور الطوسي ]. محمد بن منصور الطوسي ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا يعقوب ]. يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبي ]. أبوه هو إبراهيم بن سعد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ حدثني نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم."
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الجهاد شرح سنن أبي داود [328] الحلقة (360) شرح سنن أبي داود [328] أباح الله للمسلم أن يتاجر في موسم الحج، وكذلك الجهاد، وليس للقاسم بين المجاهدين انتقاص حقوقهم إلا باتفاق سابق على أجرة معينة، وقد نهى الشرع عن مخالطة المشرك ومساكنته، كما بينت ذلك أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم. ما جاء في كراء المقاسم شرح حديث أبي سعيد في كراء المقاسم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في كراء المقاسم. حدثنا جعفر بن مسافر التنيسي حدثنا ابن أبي فديك حدثنا الزمعي عن الزبير بن عثمان بن عبد الله بن سراقة أن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان أخبره أن أبا سعيد الخدري أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إياكم والقسامة! قال: فقلنا: وما القسامة؟ قال: الشيء يكون بين الناس فيجيء فينتقص منه)]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [باب في كراء المقاسم]. والمقصود بكراء المقاسم: هو كون الذي يقسم الأشياء المشاعة -المشتركة- بين الناس يأخذ من هذا شيئاً يختص به مقابل قسمه، وهذا فيه تفصيل: فإذا اتفقوا معه على أن يقسم بينهم بمقابل فإنه يأخذ ما اتفقوا عليه، ولا يأخذ زيادة على ذلك، أو إنما يأخذ الشيء الذي يتفقون عليه. وأما إذا كان القسم من واجباته لكونه هو المسئول، أو كان مرجعاً في ذلك، أو كان موظفاً يتولى قسمة الأشياء على الناس؛ فإن أجره وكراءه إنما حصل بالذي خصص له في مقابل ذلك، فليس له أن يأخذ من الناس شيئاً. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والقسامة! قالوا: وما القسامة يا رسول الله؟! قال: الشيء يكون بين الناس فيجيء فينتقص منه). أي: أنه حق مشترك بين الناس، فيجيء القسام فيأخذ من هذا ويأخذ من هذا مقابل قسمه. تراجم رجال إسناد حديث أبي سعيد في كراء المقاسم قوله: [حدثنا جعفر بن مسافر التنيسي ]. جعفر بن مسافر التنيسي صدوق ربما أخطأ، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة . [ حدثنا ابن أبي فديك ]. هو محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الزمعي ]. هو موسى بن يعقوب ، وهو صدوق سيئ الحفظ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن الزبير بن عثمان بن عبد الله بن سراقة ]. مقبول، أخرج له أبو داود . [ محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ]. ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبره أن أبا سعيد ]. هو سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحديث فيه هذا الرجل المقبول، والمقبول لا يحتج به إلا عند المتابعة، لكن معناه فيه التفصيل الذي ذكرته. شرح حديث عطاء بن يسار في كراء المقاسم قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله القعنبي حدثنا عبد العزيز -يعني ابن محمد - عن شريك -يعني ابن أبي نمر - عن عطاء بن يسار عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحوه قال: (الرجل يكون على الفئام من الناس فيأخذ من حظ هذا وحظ هذا)]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهي مرسلة عن عطاء بن يسار ، وفيه ما في الذي قبله. قوله: [ (الرجل يكون على الفئام من الناس) ] أي: على الجماعة الكثيرة من الناس الذين لهم حقوق مشتركة. قوله: [ (فيأخذ من حق هذا ومن حق هذا) أي: يصطفيه لنفسه لقيامه بالقسمة لهذه الحقوق. تراجم رجال إسناد حديث عطاء بن يسار في كراء المقاسم قوله: [حدثنا عبد الله القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا عبد العزيز -يعني ابن محمد- ]. هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شريك -يعني ابن أبي نمر- ]. هو شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، وهو صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي أخرج له في الشمائل. [ عن عطاء بن يسار ]. وهو تابعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. والحديث مرسل لأن عطاء تابعي، ويمكن أن يكون قد رواه عن أبي سعيد الذي في الإسناد السابق ويمكن أن يكون غيره، ويمكن أن يكون هناك واسطة من التابعين. التجارة في الغزو شرح حديث التجارة في الغزو قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في التجارة في الغزو. حدثنا الربيع بن نافع حدثنا معاوية -يعني ابن سلام - عن زيد -يعني ابن سلام - أنه سمع أبا سلام يقول: حدثني عبيد الله بن سلمان أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم حدثه قال: (لما فتحنا خيبر أخرجوا غنائمهم من المتاع والسبي، فجعل الناس يتبايعون غنائمهم، فجاء رجل حين صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله! لقد ربحت ربحاً ما ربح مثله اليوم أحد من أهل هذا الوادي. قال: ويحك وما ربحت؟ قال: ما زلت أبيع وأبتاع حتى ربحت ثلاثمائة أوقية. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنا أنبئك بخير رجل ربح؟ قال: ما هو يا رسول الله؟ قال: ركعتين بعد الصلاة)]. أورد أبو داود رحمه الله باباً في التجارة في الغزو. أي: أنه لا بأس بأن يبيع الإنسان ويشتري وهو مسافر في الغزو، وقد جاء في الحج الرخصة في ذلك: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة:198]، والحج عبادة والغزو عبادة، وكل منها لا بأس بالتجارة فيه. وقد أورد أبو داود حديثاً فيه ضعف، وهو عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس لما فتح الله لهم خيبر وأخذوا الغنائم من المتاع والسبي صاروا يتبايعون، أي: بعد أن قسمت الغنائم وعرف كل ما يستحقه، أما قبل القسمة فليس لأحد أن يبيع ويشتري؛ لأن الحق غير معروف، وإنما يبيع الإنسان حقه حيث يكون معروفاً وحيث يكون معيناً مميزاً. قوله: [ (فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة وقال: إنني ربحت ربحاً ما ربحه أحد من أهل الوادي) ] يعني: من هؤلاء المنتشرين في الوادي والذين هم الجيش الذي كان مع النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (ألا أنبئك بخير رجل ربح؟ قال: ما هو رسول الله؟! قال: ركعتين بعد الصلاة)]. أي: أن يركع ركعتين بعد الصلاة، فهذا هو الربح الحقيقي، وهو ربح الآخرة، وأما ربح الدنيا فليس بشيء أمام ربح الآخرة. فالحديث يدل على جواز التجارة والبيع والشراء، ويدل على فضل العبادة وأن تجارة الآخرة أعظم وأهم، وأنها التي ينبغي أن يفرح بها وأن يحرص عليها؛ لأنها تجارة نتائجها مستمرة وباقية، بخلاف تجارة الدنيا فإنها إما أن تذهب من صاحبها أو يذهب هو عنها. تراجم رجال إسناد حديث التجارة في الغزو قوله: [حدثنا الربيع بن نافع ]. الربيع بن نافع هو أبو توبة الحلبي ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا معاوية -يعني ابن سلام- ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد -يعني ابن سلام- ]. هو أخو معاوية بن سلام وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن. [ أنه سمع أبا سلام ]. وهو ممطور الحبشي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن. [ حدثني عبيد الله بن سلمان ]. وهو مجهول، أخرج له أبو داود . [ أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حدثه ]. جهالة الصحابي لا تؤثر وإنما تؤثر جهالة غيره، والحديث فيه ذلك الرجل المجهول الذي هو عبيد الله بن سلمان ؛ لكن المعنى صحيح، لأن الأصل هو الجواز، ولا يقال بالمنع إلا بدليل، وقد جاء ما يدل على التجارة في الحج وهو شبيه به. حمل السلاح إلى أرض العدو شرح حديث حمل السلاح إلى أرض العدو قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في حمل السلاح إلى أرض العدو. حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس أخبرني أبي عن أبي إسحاق عن ذي الجوشن رجل من الضباب قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن فرغ من أهل بدر بابن فرس لي يقال له: القرحاء ، فقلت: يا محمد! إني قد جئتك بابن القرحاء لتتخذه، قال: لا حاجة لي فيه، وإن شئت أن أقيضك به المختارة من دروع بدر فعلت. قلت: ما كنت أقيضه اليوم بغرة، قال: فلا حاجة لي فيه)]. أورد أبو داود باباً في حمل السلاح إلى أرض العدو، وحمل السلاح إلى أرض العدو للجهاد في سبيل الله أمر لابد منه؛ لأن الجهاد بدون سلاح لا يترتب عليه فائدة، وإنما العبرة في كون الإنسان معه سلاح يجاهد به ويقاتل، فحمله للقتال أمر واضح ليس فيه إشكال، والذي فيه إشكال هو حمله إلى أرض العدو ليباع أو يهدى أو يعطى للأعداء يتقوون به، فهذا هو الذي لا يجوز. وأبو داود رحمه الله أورد حديثاً فيه ضعف وفيه قول ذي الجوشن : (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن فرغ من أهل بدر بابن فرس لي يقال له: القرحاء). ذو الجوشن هو رجل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم، ثم أسلم بعد ذلك، فأتاه بابن فرس له يقال له: ابن القرحاء. قوله: [ (قلت: يا محمد! إني قد جئتك بابن القرحاء لتتخذه)]. أي: لم يقل: يا رسول الله؛ لأنه لم يسلم. قوله: [ (أقيضك به المختارة من دروع بدر ..)]. يعني: أبادلك، فالمقايضة هي المبادلة، وهي أن يتنازل عن شيء مقابل شيء كدار عن دار، فهي مبادلة الأشياء بدون ثمن، فإذا كانت المبادلة بثمن فهو بيع. والمختارة من دروع بدر هي النفيسة من دروع بدر، أي بدل ابن الفرس. قوله: [ (ما كنت أقيضه اليوم بغرة)]. أي: ما كنت أدفعه بمقابل شيء من المتاع أو الحيوان، والغرة قيل: المراد بها الفرس، والمشهور أنها عبد أو أمة؛ لكن الرجل امتنع لأن فرسه أغلى عنده، وأنه أغنى عنده من غرة أي: من فرس، ومحل الشاهد منه كون النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (أقيضك به المختارة من دروع بدر) ومعنى ذلك حمل السلاح إلى أرض العدو عن طريق شخص منهم، أي أن يباع عليه السلاح فيذهب به، لكن الحديث كما هو واضح غير ثابت؛ لأن أبا إسحاق السبيعي لا يروي عن ذي الجوشن وإنما يرسل عنه. تراجم رجال إسناد حديث حمل السلاح إلى أرض العدو قوله: [حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي . [ حدثنا عيسى بن يونس ]. هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني أبي ]. أبوه يونس بن أبي إسحاق ، وهو صدوق يهم قليلاً، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي إسحاق ]. هو أبو إسحاق عمرو بن عبد الله الهمداني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ذي الجوشن ]. صحابي، أخرج له أبو داود . وهذا فيه تحمل الراوي في حال كفره وتأديته في حال إسلامه، وهذا مثل حديث أبي سفيان في قصة هرقل ، فإنه تحمل وأخبر عما في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قرئ على عظيم الروم، وكان ذلك في حال كفره، فكان يحدث بذلك في حال إسلامه، فلا بأس بتحمل الراوي في حال كفره وتأديته في حال الإسلام، كما أن الصغير يتحمل في حال صغره ويؤدي في حال كبره. الإقامة بأرض الشرك شرح حديث النهي عن مساكنة المشركين قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الإقامة بأرض الشرك: حدثنا محمد بن داود بن سفيان حدثنا يحيى بن حسان أخبرنا سليمان بن موسى أبو داود قال: حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب قال: حدثني خبيب بن سليمان عن أبيه سليمان بن سمرة عن سمرة بن جندب: أما بعد: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [ باب في الإقامة بأرض الشرك ]، أي: ليس للإنسان أن يقيم في أرض المشركين وأن يساكنهم وأن يكون معهم؛ لئلا يحصل منهم تأثير عليه. ولكن إذا كان بقاؤه بين المشركين لا يمنعه من أن يقيم فيهم شعائر دينه، وكان يستطيع أن يدعو الكفار إلى الدين الإسلامي، وكذلك يدعو المسلمين فيه إلى الله على بصيرة، ليتمسكوا بإسلامهم، وليحافظوا على شعائر دينهم، وليظهروا للكفار أحكام الإسلام حتى يعرفها الكفار، وحتى يكون ذلك سبباً في إسلام الكفار؛ فإنه لا بأس بذلك. وقد أورد أبو داود حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من جامع المشرك وسكن معه فهو مثله)؟ ومعناه: من اختلط به وامتزج به وسكن معه فإنه يكون مثله؛ لأن الاحتكاك قد يؤثر، والمشابهة في الظاهر قد يحصل منها تأثير على الباطن، فإذا كان الإنسان لا يستطيع إظهار شعائر دينه فعليه أن يرتحل وينتقل إلى بلد آخر يستطيع أن يظهر فيه شعائر دينه، وفيه التفصيل الذي أشرت إليه. تراجم رجال إسناد حديث النهي عن مساكنة المشركين قوله: [ حدثنا محمد بن داود بن سفيان ]. محمد بن داود بن سفيان مقبول، أخرج له أبو داود . [ حدثنا يحيى بن حسان ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ أخبرنا سليمان بن موسى أبو داود ]. سليمان بن موسى أبو داود فيه لين، أخرج حديثه أبو داود . [ حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب ]. جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب ليس بالقوي، أخرج له أبو داود . [ حدثني خبيب بن سليمان ]. خبيب بن سليمان مجهول، أخرج له أبو داود . [ عن أبيه سليمان بن سمرة ]. سليمان بن سمرة مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن سمرة بن جندب ]. سمرة بن جندب رضي الله عنه، صحابي أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وهذا الإسناد سبق أن مر بنا مرتين قبل هذه، وتلك الأحاديث التي مر بها ضعيفة؛ لأن فيها خمسة فيهم كلام وقد انفرد بالإخراج لهم أبو داود ، فمنهم من هو لين الحديث، ومنهم من هو مقبول، ومنهم من هو مجهول، ومنهم من ليس بالقوي، فهذا الحديث إسناده ضعيف ولكن متنه صحيح؛ لأنه جاء في روايات أخرى ما يشهد له، ولهذا صححه الألباني رحمه الله وأورده في السلسلة الصحيحة برقم (2330) وذكر شواهده. الأسئلة معنى: (وقع القدم) في حديث ابن أبي أوفى في باب ما جاء في القراءة في الظهر السؤال: جاء في حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم في الركعة الأولى من صلاة الظهر حتى لا يسمع وقع قدم) فما معنى: وقع قدم؟ الجواب: وقع القدم هو حركة القدم عند المشي، ومعناه: أن الناس تكاملوا ودخلوا في الصلاة. متى يكون للمسافر حكم المقيم؟ السؤال: من سافر إلى بلد ونوى أن يقيم فيه عدداً من السنين للدراسة، فهل يتم الصلاة أو يقصر؟ الجواب: يجب عليه أن يتم الصلاة؛ لأنه لا يعتبر مسافراً السفر الذي يكون فيه مشقة، بل هو مثل الحاضرين المقيمين ليس عليه تعب ولا مشقة، وإنما القصر والترخص يكون في حال الإقامة في البلد مدة لا تزيد على أربعة أيام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما عرف عنه أنه دخل بلداً وأقام فيه مدة معينة يقصر إلا أربعة أيام في حجة الوداع؛ حيث دخل مكة في ضحى يوم الرابع ثم خرج من مكة إلى منى في ضحى يوم الثامن، فمن دخل بلداً وهو يريد الإقامة أكثر من أربعة أيام فإن حكمه حكم المقيمين، ومن دخله وهو ينوي أربعة أيام فأقل فحكمه حكم المسافرين، ومن دخله وهو لا ينوي مدة معينة وإنما يريد أن يقضي حاجة ولكن لا يدري متى تنتهي؛ فهذا يترخص برخص السفر وإن طالت المدة. العدو الذي يقاتله المسلمون والروم السؤال: مر بنا قوله صلى الله عليه وسلم: (ستصالحون الروم صلحاً وتغزون أنتم وهم عدواً من ورائكم)فما معنى: (عدواً من ورائكم)؟ الجواب: قوله: (ومن ورائكم) يحتمل أن يكون أمامكم، ويحتمل أن يكون وراءكم؛ لأن الوراء يأتي بمعنى الأمام وبمعنى الخلف. حكم زوجة الابن من الرضاع السؤال: هل يجوز للرجل أن يتزوج زوجة ابنه من الرضاعة؟ الجواب: ليس له ذلك، وهذا قول جمهور العلماء، وقد ذكر ابن كثير في تفسيره عند قوله: وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ [النساء:23] أن قوله: (( الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ )) يخرج الابن بالتبني ولا يخرج الابن من الرضاعة. حكم أكل القنفذ للعلاج السؤال: ما حكم أكل القنفذ لغرض العلاج؟ الجواب: هو محرم، وليس للإنسان أن يتداوى بالحرام. حكم بيع الشعير بالأجل السؤال: ما حكم بيع الشعير بالأجل؟ الجواب: إذا كان يبيعه بفلوس فلا بأس، وكل شيء يباع بفلوس يمكن تأجيله، ولا مانع من ذلك؛ لأن تأجيل الثمن من النقود لا يقال: إنه من الربويات؛ لأن هذه أثمان من الذهب والفضة وما قام مقامهما، وإنما المحذور أن يبيعه بطعام آخر من جنسه أو من غير جنسه مؤجلاً. حكم استعمال اللولب للمرأة السؤال: ما حكم استعمال اللولب؟ الجواب: اللولب الذي تستعمله النساء إذا كان من أجل تأخير الولادة بسبب وجود المشقة من توالي الولادة، وتضعه لوقت معين ثم ترفعه، فلا بأس في ذلك، أما وضع شيء يقطع النسل ويمنع الحمل مطلقاً فلا يجوز. حكم مسح الوجه بعد الدعاء السؤال: سبق أن سئلتم عن مسح الوجه باليدين بعد الدعاء، فقلتم: إن الأحاديث التي وردت فيه ضعيفة، ولكن أشكل علينا ما قاله الحافظ ابن حجر في البلوغ بعد أن ذكر الحديث الذي رواه الإمام أحمد في المسند وأبو داود عن السائب بن يزيد عن أبيه رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا فرفع يديه مسح وجهه بيديه)قال الحافظ في البلوغ : وله شواهد عند أبي داود من حديث ابن عباس وغيره، ومجموعها يقضي بأنه حديث حسن؟ الجواب: نعم هذا ذكره الحافظ ابن حجر في البلوغ، ولكن الصحيح هو ما قاله ابن تيمية وكذلك الشيخ الألباني رحمه الله: لا يثبت منها شيء، ولا يقوي بعضها بعضاً، فلا يعمل بها ولا يحتج بها، وإنما يرفع الإنسان يديه عندما يدعو ثم ينزلها من غير مسح. شد الرحل إلى غير المساجد الثلاثة السؤال: هل يجوز شد الرحل من أجل الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة؟ الجواب: ليس للإنسان أن يشد الرحل للاعتكاف في غير المساجد الثلاثة. حكم اغتيال زعماء الكفر السؤال: ذكرتم في درس ماض جواز اغتيال زعماء الكفار إذا كان يشكى منهم ضرر على المسلمين، فهل هذا على إطلاقه أم هو خاص بحال الحرب؟ الجواب: زعماء الكفار الذين يحصل منهم ضرر على المسلمين وإيذاء للمسلمين إذا أمكن التخلص منهم بدون أن يحصل ضرر أكبر فلا بأس به ولا مانع منه. ومعلوم أن ذلك في حال الحرب أمر واضح، وأما في غير حال الحرب فإذا كان الضرر موجوداً، بحيث إن بعض الزعماء من الكفار يحصل منهم إيذاء شديد للمسلمين؛ فإذا تمكن من القضاء عليهم من غير حصول ضرر أكبر فلا بأس بذلك. ومعلوم أن قصة كعب بن الأشرف التي مرت ليس فيها حرب، ولكن كان الرجل يسب الرسول صلى الله عليه وسلم ويؤذي المسلمين، فالرسول أهدر دمه وقال: (من لكعب بن الأشرف ؟). موقع ثنية الوداع السؤال: مر أن السائب بن يزيد لقي النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم من غزوة تبوك على ثنية الوداع، أليس في هذا دليل على أن ثنية الوداع من جهة الشمال؟ الجواب: هذا دليل واضح على أن ثنية الوداع من جهة الشمال. مقاطعة المنتجات الإسرائيلية السؤال: انتشرت في هذه الأيام أوراق فيها ذكر منتجات إسرائيلية وأمريكية وغيرها، وأنه ينبغي مقاطعة هذه المنتجات؛ لأنهم يتقوون بها على إخواننا في فلسطين، فما حكم هذه المقاطعة لهذه المنتجات؟ الجواب: هذه الأوراق التي تنشر لا يعرف شيء عن صحتها، فقد تكون صحيحة وقد ينشرها أناس من التجار الذين يبيعون غير هذه الأشياء لصرف الأنظار عنها، من باب الكيد التجاري، فمثل هذا لا ينبغي أن يعول عليه.
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
![]() ما ينبغي على المسلم في رمضان السؤال: نرجو منكم كلمة عن شهر رمضان، وما ينبغي على المسلم فيه؟ الجواب: إن شهر رمضان موسم عظيم من مواسم الآخرة، فيه التجارة العظيمة، وقد مر بنا في الحديث أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (إنني ربحت ربحاً ما ربحه أحد من أهل الوادي، قال: ويحك ألا أنبئك بما هو خير من ذلك ركعتين بعد الصلاة)، والحديث ضعيف لكن فيه إشارة إلى أن تجارة الآخرة هي التجارة الرابحة، ولا شك أن قدوم شهر رمضان المبارك على المسلمين قدوم موسم عظيم من مواسم الآخرة، فهو شهر فرض الله صيامه، وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيامه، فعلى المسلم أن يستقبله بالارتياح والبشر والسرور، والعزم والتصميم على أن يصوم نهاره على الوجه الذي يرضي الله، وأن يقوم ليله، وأن يبتعد فيه وفي جميع الأيام عن المعاصي والفسوق. ولكن الزمان الفاضل الخطر فيه أكبر، والضرر فيه أعظم إذا وقع الإنسان في المحذور، فعلى الإنسان أن يستقبله بتوبة صادقة نصوح، وأن يقدم على العبادة وعلى الطاعة تائباً من جميع الذنوب والمعاصي، فيصلح ما بينه وبين الله عز وجل ويصوم هذا الشهر، ويقوم الليل مع الأئمة في المساجد، يصلي بصلاتهم وينصرف عند انصرافهم، سواء صلوا إحدى عشرة ركعة أو صلوا ثلاثاً وعشرين أو صلوا ثلاثاً وثلاثين، أو أقل أو أكثر؛ لأن هذا كله سائغ وجائز، وداخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح أتى بركعة توتر ما مضى)، ولا شك أن ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأولى والأفضل، ولكن الزيادة عليه لا مانع منها؛ لأن هذا الحديث يدل على ذلك. ثم كون الإنسان يصلي مع الإمام حتى ينصرف يدخل فيه تحت قوله صلى الله عليه وسلم: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة)، والمقصود بانصراف الإمام انصراف الناس من الصلاة وتفرقهم إلى بيوتهم، وليس كما يزعمه بعض الناس من أنه إذا كان الأئمة اثنين، والأول يصلي الخمس الأولى والثاني يصلي الخمس الثانية، فإنه إذا انصرف الإمام الأول انصرف، وقال: إنه قد صلى مع الإمام حتى انصرف؛ لأن الإمام الأول لم ينصرف وإنما تحول من كونه إماماً إلى كونه مأموماً وتقدم غيره للصلاة بدلاً منه في الركعات الباقية. فالمقصود بالانصراف هو: أن يبقى مع الناس حتى ينصرفوا إلى منازلهم إذا فرغوا من الصلاة، ومما يوضح هذا أنه لو صلى بنا كل إمام ركعتين لصاروا عشرة أئمة، ومقتضى هذا القول أنه سيصلي ركعتين ويمشي؛ لأن الإمام الأول انصرف، فهذا مما يوضح فساد هذا الفهم. وينبغي للإنسان ألا يحرم نفسه هذا الخير وهذا الفضل، ولا ينبغي له أن يترك الصلاة مع الناس بحجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى إحدى عشرة ركعة، فإن الرسول ما قال: لا يجوز سواها، بل قال: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح أتى بركعة توتر ما مضى)، فإذا صلى الإمام إحدى عشرة ركعة وانصرف فلينصرف معه، وإذا صلى ثلاثاً وعشرين ركعة وانصرف فلينصرف معه، وكذلك إذا صلى ثلاثاً وثلاثين ركعة، وهذا هو الذي ينبغي للإنسان. ثم ينبغي للإنسان في هذا الشهر أن يحافظ على صيامه، ويبتعد عن كل ما يفسده وينقصه، وذلك من ناحية تناول ما لا يجوز تناوله، أو الوقوع في الأمور التي لا ينبغي الوقوع فيها من الكلام الفاحش البذيء والغيبة والنميمة وما إلى ذلك، كل ذلك يبتعد عنه الإنسان. والرسول صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح وهو حديث قدسي: (يقول الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له، والحسنة بعشر أمثالها، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)، وإنما خص الصيام لأنه من الأمور الخفية الباطنة التي لا يطلع عليها إلا الله عز وجل بخلاف غيره؛ فإن الصدقة تعرف، وأقل من يعرفها الفقراء الذين تعطى إليهم، وقد يعرفها غير الفقراء، والحج مشاهد معاين، والصلاة يعرف الناس من يذهب ويجيء إليها، ولكن بالنسبة للصوم فإنه خفي لا يطلع عليه أحد، فقد يكون الإنسان صائماً والناس لا يعرفون أنه صائم، وقد يكون مفطراً في رمضان والعياذ بالله والناس لا يعرفون أنه مفطر؛ لأن الصيام من الأمور الخفية التي لا يطلع عليها إلا الله عز وجل، ولهذا قال: (إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به). ثم قال: (والصوم جنة) والجنة هي: الوقاية، فالصوم جنة من النار وجنة من المعاصي، فهو جنة من النار لأنه يقي من عذاب النار، وجنة من المعاصي لأن الصوم يضعف القوة البدنية، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أحصن للفرج، وأغض للبصر، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) فالشهوة التي تحصل للإنسان يضعفها الصوم، فيجعل الإنسان لا يحتاج إلى ما يحتاج إليه وهو يأكل ويشرب، فإذاً هو جنة من المعاصي وجنة من النار. (فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق) والرفث هو: الفاحش من القول، ويطلق كذلك على الجماع. (فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل: إني صائم) أي: ينبهه حتى لا يستمر، وأيضاً ينبه نفسه على أنه في عبادة، والله تعالى أعلم. معنى كلمة (منهج) السؤال: سمعنا كلامكم في كلمة المنهج، وأنها بحسب ما تضاف إليه، فما رأيكم في قول من قال: هي محدثة لا يجوز استعمالها؟ الجواب: كيف تكون محدثة؟! فهي من كلام العرب، ولها معنىً صحيح في اللغة العربية، ولكنها بحسب الإضافة، فمنهج كل قوم هو ما وضعوه وارتضوه لأنفسهم، وإذا كان ذلك المنهج حقاً فهو حق، وإذا كان باطلاً فهو باطل، ولهذا يقال: منهج أهل السنة والجماعة في العقيدة كذا وكذا، ومنهجهم في العمل كذا وكذا، فالمنهج هو الطريقة، فطريقتهم في العقيدة أنهم يعولون على النصوص والنقول، ولا يعولون على العقول، إذ العقول عندهم تابعة للنقول، والعقل لا يخالف النقل، فلا يقال: إنها محدثة وإنها لا تستعمل، بل معناها صحيح، لكنها بحسب ما تضاف إليه؛ فكل فرقة لها منهج، وكل جماعة لها منهج وطريقة، وهذا هو الواقع، ولا محذور فيه. الأحوال التي يخرج فيها المرء من منهج أهل السنة والجماعة في العلم والعمل السؤال: متى يخرج الشخص عن منهج أهل السنة والجماعة في العلم والعمل؟ الجواب: يخرج عن منهجهم في العلم إذا تعلم العلم من غير طريقه ومن غير وجهه، بأن يتعلمه على طريقة أهل الأهواء، وعلى طريقة أهل البدع، فإنه يكون بذلك قد خرج عن منهجهم؛ لأن منهجهم أخذ الحق من طريقه وهو الكتاب والسنة، فإذا أخذه من غير هذين الطريقين فقد خرج عن المنهج الحق. وكذلك العمل، فإن الإنسان يبني عمله على اتباع الكتاب والسنة، هذا هو المنهج الصحيح الذي عليه سلف الأمة، ولا يبنيه على محدثات الأمور والهوى وعلى البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، فيخرج عنهم في العلم بكونه يتعلم العلم الذي هو غير مستمد من الكتاب والسنة، بل على طريقة المتكلمين من أهل الضلال، وأيضاً يخرج عنهم في العمل لكونه لا يعمل طبقاً لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما طبقاً للبدع ومحدثات الأمور. الجهاد في كشمير السؤال: هل يمكن الذهاب للجهاد في كشمير؟ وهل الجهاد الآن في كشمير فرض عين خاصة على نفس أهل البلد من الطلاب الذين جاءوا من كشمير؟ الجواب: كشمير من سنين كثيرة استولت عليها الهند، وأولئك بين حين وآخر يظهر منهم شيء من المقاومة، ولا يترتب على ذلك إلا إلحاق الضرر بالمسلمين، فالنتيجة التي تحصل منذ سنين أنه كلما حصل من المسلمين شيء من الظهور بقتل كافر، فإنه يقتل منهم أضعاف ذلك الذي قد قتل، فكون الإنسان يذهب إلى هناك للقتال فإن ذلك قد يتسبب في قتل أحد من المسلمين الأبرياء. حكم استخدام الأجراس للتنبيه على انتهاء وقت المحاضرة السؤال: ما حكم الأجراس واستخدامها للتنبيه على انتهاء وقت المحاضرة أو الحصة؟ الجواب: لا بأس أن تستخدم بغير صوت الرنين الذي هو الجلجلة، بل يتخذ شيء له صوت لا يكون بهذا الوصف. حكم التحنيك السؤال: هل التحنيك للصغير بالتمر بغير قصد التبرك يعتبر مستحباً، حتى إن بعض الناس يذهب بطفله إلى شيخ ليحنكه؟ الجواب: هذا لا يصلح أبداً، الناس ما ذهبوا إلى أبي بكر و عمر وهم أفضل من كل من جاء بعدهم رضي الله عنهم وأرضاهم، كما ذكر ذلك الشاطبي في كتاب الاعتصام. أما أن الأب يحنك ولده أو القريب يحنك قريبه فلا بأس، وإنما المحذور أن يحنكه أحد من أجل البركة، فهذا ما حصل لأحد إلا للرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم كانوا يتبركون بعرقه، والصحابة رضي الله عنهم ما كانوا يفعلون ذلك بعرق أبي بكر أو عرق عمر أو عثمان أو غيرهم من الصحابة، وإنما اعتبروه خاصاً بالرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا حكى الشاطبي الإجماع على هذا. حكم تسمية الأنثى (ناصرة) السؤال: ما حكم تسمية الأنثى بناصرة ؟ الجواب: الأسماء كثيرة، وعلى الإنسان أن يختار للمولود اسماً لا يحتاج إلى أن يسأل عنه؛ لأن الشيء لا يسأل عنه إلا إذا كان محل اشتباه، وناصرة مثل ناصر، لكن الشيء الذي في النفس منه شيء يترك إلى شيء لا يكون في النفس منه شيء. حكم عقد درس في عصر يوم الجمعة السؤال: ما حكم عقد درس بعد عصر الجمعة، هل جاء فيه نهي؟ الجواب: التحلق قبل الجمعة هو الذي جاء فيه النهي، وأما بعد ذلك فلا نعلم شيئاً يدل على المنع منه. مراجعة الزوجة السؤال: طلقت زوجتي مرة واحدة ولي منها ولد، ومعي زوجة ثانية، وأريد أن أرد زوجتي إلي، فما هو الحل لرد زوجتي إلي؟ الجواب: إذا كانت خرجت من العدة فإنه يخطبها ويعقد عليها من جديد، ويدفع لها مهراً كأنه خاطب من الخطاب، وإن كانت في العدة فالمراجعة حق له. وقت قنوت النوازل ورفع اليدين فيه السؤال: هل قنوت النوازل مخصص بصلاة الفجر فقط؟ وما حكم رفع اليدين والتأمين في القنوت؟ الجواب: قنوت النوازل يكون في جميع الصلوات وليس خاصاً بالفجر، ويكون في السرية وفي الجهرية. وأما رفع اليدين فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت في النوازل أنه كان يرفع يديه، والمأمومون يؤمنون، وفي قنوت الوتر جاء عن عمر وعن أبي هريرة وعن بعض الصحابة أنهم كانوا يرفعون أيديهم. حكم مس التفسير للحائض السؤال: هل يجوز للمرأة الحائض أن تمس كتاب التفسير المكتوب على حواشي المصحف؟ الجواب: نعم يجوز، ولكن الذي ينبغي أنها تستعمل ذلك بواسطة؛ لأن يدها قد تقع على القرآن؛ لأن القرآن مكتوب في الوسط ثم تأتي الحواشي من فوق وتحت وعلى الجوانب، فإذا استعملت اليد فقد تقع على بعض الآيات فالأولى أن تكون يداها في شراب بحيث لا تباشر ذلك، ولكن لو أنها لم يحصل منها إلا ملامسة التفسير فلا بأس بذلك، وقد جاء في الحديث (من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه). حكم من سب الله ورسوله من الجهال السؤال: ابتلينا في بلادنا بأناس من المسلمين يسبون الله عز وجل ورسوله، فما واجبنا نحوهم؟ وهل يعذرون بالجهل؟ الجواب: الواجب عليكم أن تعلموهم وتبينوا لهم الخطورة، وإذا سبوا الله أو سبوا الرسول صلى الله عليه وسلم فما معنى إيمانهم بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم؟ وما معنى إسلامهم؟ وما معنى كونهم متعبدين وهم يسبون المعبود، ويسبون الذي دلهم وأرشدهم إلى عبادة المعبود صلى الله عليه وسلم، لا شك أن هذا والعياذ بالله عمل خطير، وهو كفر وردة عن الإسلام، وإذا كان عن سبق لسان فهو معذور، أما إذا كان السب عمداً فيجب التعليم ويجب التنبيه؛ لأن هذا من أخطر الأمور. اشتراط الإمام للجهاد السؤال: هل يشترط الإمام والراية في كل حال لقتال الأعداء؟ وما الدليل على ذلك؟ الجواب: الجهاد في سبيل الله عز وجل لابد أن يكون بوجود الإمام وتوجيهه إذا كان الناس يذهبون لقتال الكفار ويذهبون لغزوهم، أما إذا اعتدي على الناس فإنهم يقاتلون عن أنفسهم سواء كان عندهم إمام أم لم يكن عندهم إمام. الرد على من يقول السنة القولية والتقريرية ليست حجة السؤال: يوجد من يقول: أمر النبي صلى الله عليه وسلم وتقريره ليس بحجة، وإنما الحجة في فعله فقط، فهل قوله صحيح؟ الجواب: كيف يكون صحيحاً أن يقال: أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بحجة؟! وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36]، فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]، وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، وإذا كان قوله ليس حجة فماذا نفعل بالأحاديث القولية؟ هذا كلام عجيب!! حكم الفدائي السؤال: ما حكم الفدائي الذي يحمل المتفجرات ويذهب إلى أوساط الكفار ويفجرهم ونفسه؟ الجواب: هذا قاتل لنفسه، وهو عمل لا يجوز. حكم الاستعانة بالكفار السؤال: أليس في دخول النبي صلى الله عليه وسلم في جوار المطعم وهو كافر دليل على جواز الاستعانة بالكفار مع الضوابط؟ الجواب: نعم يجوز، وهذا دليل يدل على ذلك. الحكمة من الإقامة ثلاثة أيام بعد قتال الكفار السؤال: ما الحكمة من الإقامة ثلاثة أيام بعد الفوز على العدو؟ الجواب: ذكرنا أنه لاستراحة الجيش بعد انتهائهم من القتال والمعركة، فيبقون من أجل الارتياح والاستجمام، وقيل أيضاً: إن معناه عدم الاكتراث بالعدو وأنهم لا يبالون بالكفار. حكم السبي إذا أسلموا السؤال: إذا أسلم السبي فهل يطلق سراحهم؟ الجواب: لا يطلق سراحهم، والسبي رقيق سواءً بقي على كفره أو دخل في الإسلام. استخدام الأموال العامة في الأمور الشخصية السؤال: جاءت أسئلة في قضية الغلول وعقوبة الغال واستخدام أموال الدولة في المصالح الخاصة. الجواب: لا يجوز ذلك، وإنما تستعمل أموال الدولة في الأمور التي خصصت لها، ويكون الإنسان الموظف يأخذ من أوراق الدولة ومن أقلامها، أو يستعمل التلفونات في أموره الخاصة وليست في أمور الدولة، هذا لا يجوز، ويعتبر من الخيانة، لكن الغلول إنما هو من الغنيمة، وهذا أخذ للشيء بغير حقه. تفسير قوله تعالى (وما كان لنبي أن يغل) السؤال: ما تفسير الآية: وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:161]؟ الجواب: جاء في تفسيرها أنه جاء في بعض الأحاديث أنهم فقدوا قطيفة وقالوا: لعل الرسول صلى الله عليه وسلم أخذها، ولعل المقصود من ذلك أنه أخذها اصطفاءً؛ ولكن جاء في بعض الأحاديث: وقد حسنه الألباني : أنه ما كان لنبي أن يتهمه قومه بالغلول. وقوله: (( وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) أي: مثلما جاء في الحديث: (لا ألفين أحدكم يأتي يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء، أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر، يقول: يا رسول الله أغثني! فأقول: قد أبلغتك). حكم بيع المصحف السؤال: ما حكم بيع المصحف؟ الجواب: لا بأس بذلك. معنى أن المطر حديث عهد بربه السؤال: جاء في صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: (أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر، قال: فحشر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه حتى أصابه من المطر، فقلنا: يا رسول الله! لم صنعت هذا؟ قال: لأنه حديث عهد بربه) فما المراد؟ الجواب: يعني: أنه حديث عهد بإنزال ربه، وهو إنما نزل من بين السماء والأرض، كما قال الله عز وجل: وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [البقرة:164]، أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ [الواقعة:69] أي: السحاب، أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ [الواقعة:69]، وليس معنى ذلك أنه جاء من عند الله من فوق العرش. مقاطعة المنتجات الأمريكية واليهودية السؤال: هل تقاطع المنتجات الأمريكية واليهودية؟ الجواب: المسلمون في هذا الزمان عندهم ضعف شديد؛ وسبب ضعفهم عدم قيامهم بأمر الله عز وجل وبما يجب عليهم، ومن أجل ذلك هانوا على أنفسهم، وهانوا على أعدائهم، فصاروا يهابون أعداءهم وأعداؤهم لا يهابونهم. والمقاطعة وعدم المقاطعة وما إلى ذلك ترجع إلى المصلحة وما يترتب على ذلك من الفائدة، ومعلوم أن اليهود وهم من أرذل خلق الله ومن أحط خلق الله، ما تسلطوا على المسلمين إلا لضعف المسلمين وهوانهم وعدم قيامهم بأمر الله عز وجل، ولو أن المسلمين رجعوا إلى ربهم لصار لهم شأن، ولهابهم أعداؤهم بدل أن يكونوا هم الهائبين لأعدائهم، ومعلوم أن دول الكفر كلها ضد الإسلام، ولكن المسلمين هم الذين قصروا في إسلامهم، وقصروا بما يجب عليهم نحو إسلامهم، والمهم في المسلمين أن يرجعوا إلى الله عز وجل، وإذا رجعوا إلى الله عز وجل وأصلحوا ما بينهم وبين الله، وعملوا بما هو مطلوب منهم؛ فإن هذا من أسباب نصرهم، والله تعالى يقول: إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7]، وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ [الحج:40-41]. حكم الطهارة لسجود الشكر السؤال: سجود الشكر هل يشترط له الطهارة واستقبال القبلة والتكبير والسلام؟ الجواب: فيه خلاف بين أهل العلم، والصحيح أنه لا يشترط، مثل سجود التلاوة. ولا نعلم شيئاً يدل على تكبير ولا على سلام في سجود الشكر. وكذلك استقبال القبلة لا أعرف فيه شيئاً؛ لكن كون الإنسان يتجه إليها لا شك أن هذا هو الذي ينبغي. حكم مسح الوجه بعد الدعاء السؤال: ذكرتم حكم رفع اليدين في الدعاء، فما القول في مسح الوجه بهما؟ الجواب: لم يثبت، وقد ورد فيه أحاديث ضعيفة، والسنة أن ترفع الأيدي ثم تنزل بدون مسح. ما يجب على السائق إذا تسبب في الحادث فأصيب الراكب السؤال: أنا سائق جئت من الرياض ومعي امرأة من أقربائي، فوقع لي حادث في عفيف، فوقع خلع للمرأة في بطنها وكسر في فخذها، جلست في مستشفى عفيف عشرة أيام، ثم نقلت إلى مستشفى الطائف وجلست فيه عشرة أيام، ثم توفيت قبل العملية، فهل علي شيء؟ الجواب: إذا كان السائق متسبباً في الحادث بسرعة أو شيء يرجع إلى إهماله وتفريطه، فلا شك أن عليه الدية وعليه الكفارة، وهي عتق رقبة، وإذا لم يستطع يصوم شهرين متتابعين. حكم دفع العامل جزءاً من أجرته للكفيل السؤال: أحد العمال يعمل في ورشة ويدفع مبلغاً معيناً من المال لكفيله في كل شهر، سواء حصل على أجرة من عمله أو لم يحصل، أي أن الكفيل يقول لمكفوله: اشتغل وعند نهاية الشهر تسلم لي ألف ريال، سواء اشتغلت أم لم تشتغل، فهل هذا العمل جائز؟ الجواب: هذا غير صحيح؛ لأنه قد لا يحصل على شيء، فيفوز الكفيل بالمال دون العامل، فهو إما أن يكون أجيراً يعطيه كل شهر أجرة مقابل عمله، أو يكون على سبيل المشاركة بأن يكون له النصف مما يخرج، فعندما يخرج الشيء القليل يكون له نصفه، وعندما يخرج الشيء الكثير يكون له نصفه. أما أن يقول: تعطيني كذا والباقي لك، فقد لا يحصل شيئاً فيضيع عمله بدون مقابل، ثم هذه الطريقة هل تأذن بها الدولة وتوافق عليها؟ فالشيء الذي لا توافق عليه الدولة في مثل هذا لا يصلح أن يؤخذ به، وأن يتصرف العامل كيف شاء، فإنما هو أجير له أجرة، لأنه استقدم على أنه أجير له. حكم اغتيال رؤساء الكفار السؤال: هل يجوز اغتيال رؤساء الكفار الذين يمكرون بالإسلام والمسلمين في هذا الزمان بناءً على ما مر في قصة محمد بن مسلمة مع كعب بن الأشرف ؟ الجواب: الذين يحصل منهم ضرر على المسلمين وأمكن التخلص منهم لا بأس بذلك، لكن بشرط ألا يحصل على المسلمين ضرر أكثر، أما إذا كان سيحصل على المسلمين ضرر أكثر فليس هذا من المصلحة وليس هذا من الحكمة. عمل أبي بصير ليس خروجاً على صلح الإمام السؤال: هل عمل أبي بصير و أبي جندل في سيف البحر وتعرضهم لقوافل المشركين يعد خروجاً عن صلح الإمام أو يدل على جواز مثل ذلك العمل؟ الجواب: ليس خروجاً عن صلح الإمام؛ لأن الذي بين الإمام وبينهم أن يرد من يأتي إليه، وأما أولئك فالرسول ما قبلهم وهم لا يريدون أن يبقوا عند الكفار؛ لأنهم مسلمون، والكفار هم الذين اشترطوا على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يردهم. فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يقبلهم، وليسوا تحت سلطة الإمام، وليسوا عنده بحيث يتمكن من تسليمهم، وإنما هم فارون من هؤلاء ومن هؤلاء، ولهذا لما تضرر الكفار من هذه العصابة التي كانت على سيف البحر طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبلهم وأن يكونوا عنده حتى يسلموا منهم. حكم الصلاة على من مات وهو يطوف حول قبر السؤال: رجل مات وهو يطوف بقبر، هل تجوز الصلاة عليه؟ الجواب: الذي يعبد غير الله ويستغيث بالقبور، ويطوف بها، لا يعتبر مسلماً فلا يصلى عليه. الفرق بين صلاة الرجل وصلاة المرأة السؤال: هل هناك فرق بين صلاة الرجل وصلاة المرأة؟ الجواب: لا فرق بين صلاة الرجل وصلاة المرأة، وما جاء في حق الرجل فهو في حق المرأة، وليس هناك شيء يتميز به الرجل عن المرأة أو المرأة عن الرجل في هيئة الصلاة وكيفية الصلاة، ولا يقال: النساء صلاتهن تختلف عن صلاة الرجال لكذا أو كذا، والأصل هو التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام حتى يأتي دليل على التفريق بينهم. حكم إطلاق (فرقة اغتيالات) على محمد بن مسلمة وأصحابه السؤال: ما رأيك فيمن يقول: إن محمد بن مسلمة رضي الله عنه ومن كان معه هم فرقة اغتيالات النبي صلى الله عليه وسلم، هل يصح هذا؟ الجواب: هذا كلام ساقط، وكلام قبيح. حكم هدم مزارات التبرك السؤال: إذا وجدت شجرة أو بناية والناس يزورونها، فهل لي أن أريح الموحدين منها بهدمها أو قطعها؟ الجواب: الذي ينبغي أن يرفع هذا إلى المسئولين، وهم الذين يتولون هذا؛ لأنه قد يقدم على شيء غير صحيح. حكم قراءة الدعاء من ورقة في الصلاة السؤال: إمامنا في صلاة الفجر يخرج ورقة من جيبه يقرأ منها الدعاء على الكفار ونؤمن خلفه، ثم يعيدها إلى جيبه، فهل هذا العمل منه جائز؟ الجواب: نعم جائز، ولا بأس به؛ لكن كونه يدعو بدون ورقة هذا هو الأولى وهو الذي ينبغي، وما ذكر هو من جنس القراءة من المصحف في حق من لا يستطيع القراءة. تزيين الإبل بالحبال والسلاسل السؤال: وضع سلاسل أو حبال للزينة لتجميل الإبل في أعناقها عادة منتشرة عندنا في البلد، فهل هذا يدخل في النهي؟ الجواب: إذا كانت توضع في رقبتها فهي قلادة، سواءً كانت من حديد أو من صوف أو غيره، والرسول إنما كان يقلد الهدي كما مر بنا في الحج أن عائشة كانت تفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك الإشعار؛ فهذا ليعرف أنه هدي، وإذا كان ما يفعلونه لغرض صحيح وليس لغرض سيئ، ولا محذور فيه، فإنه لا بأس به. فضل العناية بالخيل السؤال: جاءت في فضل العناية بالخيل أحاديث ذكرها الإمام أبو داود في كتاب الجهاد، فهل هذا يدل على أن الأمور سترجع إلى تلك الحال؟ الجواب: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)، ثم أيضاً الأحاديث التي وردت في آخر الزمان ذكرت أنهم يغزون على الخيول، وهي في الصحيحين وفي غيرهما، فهذا يدل على بقاء الخيل وعلى الاستفادة منها في تلك الأزمان، ولا ندري هل هذه الوسائل الموجودة ستستمر وتبقى أو أنها تنتهي، والعلم عند الله عز وجل. ومعلوم أن هذه الوسائل التي تعمل على الوقود وعلى النفط قد جعل الله هذا النفط سبباً في تحريكها وفي الاستفادة منها، لكن لو أن هذه المادة انعدمت فإن هذا الحديد سيقف في أماكنه ولا يستفاد منه، فهذا الذي أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم لابد وأن يقع، أما هذا الموجود، هل سيبقى أو لا يبقى؟ فالله تعالى أعلم، لكن غالباً أنهم ما يصيرون إلى استعمال مثل هذه الوسائل مع وجود ما هو أمكن منها أو ما هو أشد منها، فيحتمل أن ذلك ينتهي، وأن الناس يعودون إلى تلك الوسائل التي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بها كما قال: (سيأتي عشرة من أمتي أعرف أسماءهم وأسماء آبائهم وألوان خيولهم، يقولون: الدجال خلفكم في أهليكم)، فذكر الخيول. من خالف أهل السنة في مسألة الخروج على الظلمة هل يعتبر منهم؟ السؤال: هل الخلاف في المسائل الحادثة من بعض الفرق التي تنتسب إلى السنة وتخالفهم في الأصول كالخروج على الحكام، ومسألة الديمقراطية وغيرها، هل هذه المخالفة لا توجب خروج هذه الطوائف عن منهج أهل السنة؟ الجواب: خروجهم عن منهج أهل السنة في هذه الناحية أمر مؤكد لا إشكال فيه، ولكن هل يصيرون خارجين عن أهل السنة بسبب هذا، أم نقول: عندهم هذا الأصل الذي أخطئوا فيه ولكن لا يزالون من أهل السنة، ولا شك أن تحريم الخروج على الولاة وإن جاروا من عقائد أهل السنة والجماعة، وقد ذكر حتى في المؤلفات الصغيرة المختصرة، يقول الطحاوي : ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة. أي: فمنهج أهل السنة والجماعة أنهم لا يخرجون على الحكام، بل يدعون لهم ولا يدعون عليهم، وأما أهل البدع فإنهم يدعون عليهم ولا يدعون لهم، وغالباً أن الذين يخرجون يريدون أن يحلوا محلهم، ويريدون أن يحصلوا هذا الذي حصل لغيرهم، فيكون الدافع لهم على ذلك إنما هو حب الرئاسة وحب الولاية وحب الدنيا. حكم إنشاء الجماعات الإسلامية السؤال: ما حكم إنشاء جماعة إسلامية ينصب لها رئيس وأمراء في كل منطقة؟ وما حكم الانتماء إلى هذه الجماعات؟ الجواب: إذا لم يكن بيدهم سلطة فهذا من العبث، اللهم إلا أن يكون المقصود أنهم يكونون مرجعاً للمسلمين في البلاد التي يحكمها الكفار والتي يوجد بها أقليات إسلامية تحتاج أفرادها إلى مرجع يرجعون إليه، ولكن كما هو معلوم أنه لا يقال له: إنه وال أو حاكم؛ لأن الحكم للذي يستطيع التنفيذ، ولكن هؤلاء يعتبرون مرجعاً يرجع إليهم في الأمور التي يحتاجون إليها كحل مشاكلهم، وإصلاح أحوالهم، وطلب الأشياء التي يحتاجون إلى طلبها، ودفع الأذى عنهم.. وما إلى ذلك. أما إنشاء ولاية تحت ولاية فهذا لا يكون، وإنما الولاية فيمن ولاه الله عز وجل، سواء كان كافراً أو مسلماً، وسواء كان جائراً أو عادلاً، هذا هو الذي بيده التصرف ويسمع ويطاع في المعروف كما هو معلوم."
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 8 ( الأعضاء 0 والزوار 8) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |