|
|||||||
| ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#2
|
||||
|
||||
|
فقال الرجل لنفسه بعد أن فكر قليلاً فيما رآه وفيما سمعه: "رب إنك خلقت النعم للمحبين، ولعَمْرى ما تلك ألا جنة الحب" [15]. ويحرص محمد تيمور في النهايه على ألا يترك الأمور معلّقه، و ينهي قصته بنزول الأب على رغبة ابنته، وتقام حفلة زواج ابنته الغنية بالشاب الفقير . 3-الشخصيات: تقام القصة في بنائها على شخصية رئيسة هي شخصية القس مارينيان عند موباسان وشخصية محمد بك عبد القادر عند محمد تيمور، ثم يأتي بعد ذلك دور الخصيات الثانويه. فالقس مارينيان له أخت وابنة أخت يقطنان في منزل بالقرب من مسكنه الديني الخاص به في الريف الفرنسي، وهو القائم على رعاية شؤونهما . أما عند محمد تيمور، فتلك العَلاقة الأسرية بين الشخصيات تأتي في إطار أسرة واحدة، مكونة من: محمد بك عبد القادر الأب، وزوجته، وابنته الوحيدة. القس مارينيان: رجل دين مسيحي، عُرِف على مستوى قريته بالتزامه الشديد بالتقاليد المسيحية، وها هو موباسان يصفه في بداية قصته قائلاً: "إنه لاسم على مُسمّى، ذلك الذي يدعى به القس مارينيان، فقد كان كاهناً طويل القامة نحيفها، متعصباً، جياش العواطف، لكنه مستقيم السلوك، ذو معتقَدات راسخة لا يشوبها أيّ اهتزاز؛ لذلك كان يعتقد - بإخلاص - أنه أحد العارفين بالله، وعلى دراية بمراده وإرادته وحكمته"[16]. وعندما أراد محمد تيمور أن يمصر تلك الشخصية المسيحية، رسمها بملامح إسلامية خالصة في المظهر والسلوك، وبصورة واقعية تتفق مع البيئة المصرية والإسلامية في عصره. فمقابل شخصية القس مارينيان عند موباسان رسم لنا محمد تيمور في مطلع قصته ملامح شخصية محمد بك عبد القادر على النحو التالي: "محمد بك عبد القادر رجل في الخامسة والخمسين من عمره، أقنى الأنف، أسود العينين، مقرون الحاجبين يقص شاربه ويُعفي لحيته، إن مشي يسير الهوينى، وإن جلس يتربع على كرسيّه بعد أن يخلع خفيه، يرتدي (الردبخوت) ولا يحب سواها من الملابس الإفرنجية؛ لأنها أقربها صورةً بمظاهر الصلاح والتقوى. مسلم في كل أقواله وأفعاله، يذب عن الدين كلما تعرض له ملحد لا يتقي الله في دينه ولا دنياه، ويدافع عن حجاب المرأة في كل مجلس يناقش فيه أصحاب مذهب السفور مع المحافظين، وإن رأى شاباً جالساً في حانٍ يتعاطى كأساً من الخمر وقف في مكانه كالمصعوق، ثم بصق على الأرض ومشى في سبيله وهو يرتل آيات القرآن. له في بنك (الكريدي ليونيه) عشرون ألفاً من الأصفر الرنان، لا يتعاطى عنها فائدة مُتَّبعاً قوله – تعالى -: {وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}[17]. من هذا الوصف يتضح حرص محمد تيمور على إبراز كل الملامح الإسلامية التي من شأنها أن تجعل من بطل قصته المقابل الواقعي والمثال الوافي لمعطيات شخصية القس مارينيان عند موباسان. بل نلاحظ أيضاً أنه في الوقت الذي يجعل فيه موباسان من القس مارينيان عدواً للمرأة، مؤكداً على كراهيته الحانقة لها، واحتقاره لها بلا وعي، ومحاولاته الدائمة للاستشهاد بأقوال المسيح والشعراء؛ للتدليل على عدم طهارتها، وخبث طويتها، وغوايتها الدائمة للرجل[18]، نجد أن محمد بك عبد القادر يحترم المرأة، ويقدرها، إذ تنبع رؤيته لها، وانطباعاته عنها من خلال عقيدته الإسلامية التي تجل المرأة وتكرمها؛ لذلك يصور محمد تيمور بطل قصته وهو يدافع عن حجاب المرأة في كل مجلس يتناقش فيه أصحاب مذهب السفور مع المحافظين، ويتبع ذلك حرصه واهتمامه الشديد بإحصان بنته والسعي لزواجها زواجاً يليق بها، وفي النهاية لم يرد أن يجبر ابنته على زواج لا ترضاه، ووافق على زواجها من شاب فقير أقل منها حسباً ونسباً ومالاً. تمصير المكان: أشار موباسان في بداية قصته إلى أن القس مارينيان يسكن مسكناً دينياً صغيراً بالريف الفرنسي، ويشتمل هذا المنزل على حديقة صغيرة متواضعة، وكذلك عندما وصف لنا موباسان جمال البيئة الطبيعية الخلابة التي تأثر فيها القس مارينيان بضوء القمر كان ذلك خارج إطار منزله، وسَط البراري الفسيحة بالريف. أما عنصر المكان في قصة محمد تيمور: فقد وظفه توظيفاً يتلاءم تماماً مع ما أحدثه من تعريب لموضوعها، وشخصياتها، والظروف الاجتماعية والحياتية لأسرة محمد بك عبد القادر المسلمة؛ لذلك نلاحظ أن مجمل الأحداث لم تتعد إطار قصر محمد بك عبد القادر وحديقته اللذين يطلان على ضفاف النيل: "يسكن محمد بك في قصر جميل على ضفاف النيل، تحوطه حديقة غناء، تتمايل أشجارها كلما داعبها النسيم، وتسمع فيها موسيقى الطيور ممزوجة بألحان أمواج النيل، تلك موسيقى جميلة هادئة، كأنها صوت الحب في آذان العاشق اليائس، وإذا ظهر الشفق خلف النخيل، وارتدت السماء ثوبها الأحمر قبيل الغروب خيل للناظر أن هذا الاحمرار هو دموع الليل يودع النهار. وإذا بزغ القمر في القبة الزرقاء في ليلة من ليالي الصيف، ود صاحب البيت ألا يفارق الحديقة حتى مطلع الفجر، هذا هناء كبير جادَ به اللهُ على هذا الشيخ الصالح؛ مكافأة له على عبادته وصلاحه. فهو به قرير العين، مثلوج الفؤاد، تلوح عليه أرْيحِيّة السرور كلما ذكر الله، ويلمع في غرته نور البِشر كلما صلى على نبيه"[19]. هذا الوصف البديع لمكان الأحداث، الذي تُمزح فيه الرومانسية الفياضة بروحانية إسلامية شفافة، إنما يدل على إدراك محمد تيمور الفني الرفيع لعنصر المكان، وما يمكن أن يلعبه من دور في صياغة أحداث قصته. كما أن وصف الطبيعة بهذا المستوى الرصين قد أسهم إسهاماً أساساً في إتقان حبكة القصة. حيث إن الإحساس بهذا الجمال والانفعال به كان هو الدافع الأول لأن يغير محمد بك عبد القادر موقفه من زواج ابنته، ويرضى بمن اختارته زوجاً لها حتى ولو كان فقيراً. كما أنه من غير المنطقي أن يتمكن الأب من اكتشاف سبب إعراض ابنته عن الزواج وملاحظته إياها مع حبيها بعيدا عن الحيز الجغرافي لقصره وحديقته لما أفهَمَنا إيّاه مُعرِّب القصة من أنها نشأت نشأة إسلامية محافِظة، من خلال وصفه لشخصية أبيها في بداية القصة. هذا على عكس ما حدث في قصة موباسان حيث إن معرفة القس مارينيان بسلوك ابنة أخته كان قائماً على عنصر الإخبار من قبل زوجة خادم الكنيسة، لذلك كان من الضروري أن يسعى هو إلى حيث يلتقيان بعيداً عن أعين الناس. لذلك كان عنصر وصف الطبيعة عند موباسان خارجياً أي وسط الريف وعلى أطراف البراري، في حين أدرك محمد تيمور أن وصف الطبيعة في قصته لابد وأن يكون داخلياً؛ لذلك لم يجعله يتجاوز حدود قصر بطل قصته. بهذا يظهر لنا أن الترجمة والنقل - نقل الآداب العالمية - تستطيع أن تساهم في حركة الأدب الإسلامي، ويستطيع الكاتب - ما دام هو نفسه أديباً وكاتب قصة - أن يحول المكان والشخصيات ويضعها في إطار يناسب البيئة الإسلامية، ويكون هذا الأمر صورة أخرى غير الترجمة الناقلة للعمل الغربي نفسه، ومحتفظة له بإطاره المكاني وبنمط تصرفات شخصياته المخالفة للسلوك الإسلامي، أو المختلفة عنه. وتستطيع هذه الصورة من نقل الآداب العالمية التي يؤسفنا توقفها في بلادنا العربية. تستطيع أن تساهم في حركة التأليف والإبداع، يتعبير آخر يمكن أن تكون الترجمة عموماً والأسلمة بهذه الصورة مدرسة ينشأ منها ومن كل المكونات الأخرى جيل يكتب ويبدع. ـــــــــــــــــــــــــــــ [1] انظر في هذا الصدد د. محمد حافظ النقيب: "فن كتابة الخرافة بين أصالة لاقونيتن وصياغة محمد عثمان جلال" بحث تحت النشر (1997) وقد تم نشره بالفرنسية. [2] انظر سيد حامد النساج: "تطور فن القصة القصيرة في مصر من 1910م إلى 1933م" القاهرة، دار الكاتب العربي، 1968 ص55-64. [3] انظر: د. محمد حافظ النقيب: "أثر جي دي موباسان في القصة القصيرة عند محمود تيمور" رسالة دكتوراه بالفرنسية - جامعة جان مولان بفرنسا - ليون 1991، ص39 – 49. [4] انظر: "مؤلفات محمد تيمور" الجزء الأول: "وميض الروح" القاهرة، الطبعة الأولى، مطبعة الاعتماد 1340هـ/ 1922م ص 215-261. [5] لم ينشر محمد تيمور أي كتاب في حياته، وكان إنتاجه الأدبي عند وفاته إما قصصاً ومقالات وقصائد نشرت في الصحف، وإما مسرحيات مخطوطة لم تطبع، وبعد وفاته جمع شقيقه الأصغر الأديب محمود تيمور هذا الإنتاج ونشره عام 1922م في ثلاثة أجزاء، كل منها في مجلد كبير، وأطلق عليها "مؤلفات محمد تيمور"، وسمى الجزء الأول "وميض الروح" ويضم في قسمه الرابع "ما تراه العيون" وسمى الجزء الثاني "حياتنا التمثيلية" والجزء الثالث "المسرح المصري". [6] انظر أحمد تيمور: "تاريخ الأسرة التيمورية" القاهرة، لجنة نشر المؤلفات التيمورية" مطبعة دار التأليف بدون تاريخ. [7] انظر أعمال "موباسان" الكاملة: Guy de Maupassant: "contes et Nouvelles", tome I. Bihliothejue de la leiade, Gallimard, Faris. 1982, PP. 594-599. [8] من الجدير بالذكر أن الكاتب الفرنسي "موباسان" كان قد نشر قصة أخرى بنفس العنوان "Clair de lune " ضوء القمر بجريدة "le Faulois " "الجولواس" في الأول من يوليو 1882م وليست هناك ثمة علاقة أو تشابه بين موضوع القصتين، وكل ما يجمع بينهما هو ضوء القمر وما له من تأثير وإيحاءات شاعرية ووجدانية على النفس البشرية. [9] انظر: محمد تيمور: "رب لمن خلقت هذا النعيم؟" ضمن "وميض الروح" مرجع سابق ص250. [10] أنظر قصة "موباسان" ضوء القمر - مرجع سابق ص 594 [11] أنظر "وميض الروح" مرجع سابق ص 254 [12] انظر قصة "موباسان" مرجع سابق ص 596 [13] المرجع نفسه ص 597 – 599. [14] أنظر "وميض الروح" مرجع سابق ص255. [15] المرجع نفسه ص 256. [16] انظر "وميض الروح" ص250. [17] انظر قصة "موباسان" ص 594 – 595. [18] انظر "وميض الروح" ص250 – 251.
__________________
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
| أدوات الموضوع | |
| انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |