إنا لله وإنا إليه راجعون - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         فواصل للمواضيع . (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 36 - عددالزوار : 170 )           »          فضل العلم في القرآن الكريم والسنة النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الأحاديث الصحيحة فى فضل العلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          لانعاش ذاكرة الطفل قبل الدراسة,طرق انعاش ذاكرة الطفل قبل بدء العام الدراسي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          اذاعة مدرسية عن العلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          كيفية التحفيز علي المذاكرة,كيف تحفزين ابنك علي المذاكرة,عبارات تحفيز للابناء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          عدد ساعات النوم الكافية لطفلك أثناء الدراسة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          التعامل مع المراهقين أثناء الدراسة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          طول الطفل ، كيفية زيادة طول طفلك ، اغذية تزيد طول الطفل 2025 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          الأساليب النبوية في التعليم والتوجيه التربوي ,سنة النبي في التربية والتعليم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 01-04-2021, 09:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,727
الدولة : Egypt
افتراضي إنا لله وإنا إليه راجعون

إنا لله وإنا إليه راجعون (2)


الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل



الْحَمْدُ لِلَّهِ الْخَلَّاقِ الْعَلِيمِ؛ خَلَقَ عِبَادَهُ مِنَ الْعَدَمِ، وَرَبَّاهُمْ بِالنِّعَمِ، وَابْتَلَاهُمْ بِالسَّرَّاءِ لِيَشْكُرُوا، وَبِالضَّرَّاءِ لِيَصْبِرُوا، فَهَنِيئًا لِمَنْ كَانَ شَكُورًا صَبُورًا، وَوَيْلٌ لِمَنْ كَانَ كَفُورًا جَزُوعًا، نَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ، وَنُثْنِي عَلَيْهِ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَنَشْكُرُهُ وَلَا نَكْفُرُهُ، وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ لَا يَقْضِي عَلَى مُؤْمِنٍ قَضَاءً إِلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُ؛ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَعَلَيْهِ السَّخَطُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أُصِيبَ بِأَذَى الْمُشْرِكِينَ فَاحْتَمَلَ أَذَاهُمْ، وَأُصِيبَ بِشَظَفِ الْعَيْشِ وَقِلَّةِ ذَاتِ الْيَدِ فَرَضِيَ بِعَيْشِهِ، وَأُصِيبَ فِي وَلَدِهِ كُلِّهِمْ فَمَاتُوا فِي حَيَاتِهِ، وَدَفَنَهُمْ بِيَدَيْهِ الشَّرِيفَتَيْنِ إِلَّا فَاطِمَةَ نُعِيَتْ إِلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ فَصَبَرَ وَاحْتَسَبَ وَاسْتَرْجَعَ، فَكَانَ قُدْوَةً فِي الصَّبْرِ لِلْمَفْجُوعِينَ الْمَوْجُوعِينَ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَأَسْلِمُوا لَهُ وُجُوهَكُمْ، وَأَقِيمُوا لَهُ دِينَكُمْ، وَاسْتَسْلِمُوا لِشَرْعِهِ، وَارْضَوْا بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ؛ فَإِنَّهُ «لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ»، ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [التَّغَابُنِ: 11].

أَيُّهَا النَّاسُ:
فِي الِاسْتِرْجَاعِ فِي الْمُصِيبَةِ رَبْطٌ عَلَى الْقُلُوبِ؛ لِئَلَّا تَمِيدَ إِلَى الِاعْتِرَاضِ وَالْجُحُودِ، وَتَذْكِيرٌ لِلنُّفُوسِ بِأَنَّ الْمَرْجِعَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَتَهُونُ الْمُصِيبَةُ وَلَوْ كَانَتْ عَظِيمَةً؛ لِعِلْمِ الْمُؤْمِنِ الْمُسْتَرْجِعِ أَنَّ الْجَزَاءَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى عَظِيمٌ، وَأَنَّ مَا يَنْتَظِرُهُ مِنْ ثَوَابٍ أَعْظَمُ مِمَّا فَقَدَ فِي مُصِيبَتِهِ.

وَكُلُّ مُصِيبَةٍ كَبُرَتْ أَمْ صَغُرَتْ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ فِي الدِّينِ أَمْ كَانَتْ فِي الدُّنْيَا؛ فَإِنَّهُ يُشْرَعُ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَسْتَرْجِعَ فِيهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّمَنَا ذَلِكَ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [الْبَقَرَةِ: 155- 156].

وَالْمُصِيبَةُ فِي الدِّينِ هِيَ أَعْظَمُ الْمَصَائِبِ وَأَشَدُّهَا ضَرَرًا عَلَى الْعَبْدِ، وَجَاءَ فِي الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا»، وَتَكُونُ الْمُصِيبَةُ فِي الدِّينِ عَامَّةً وَخَاصَّةً، وَمِنَ الْعَامَّةِ: شُيُوعُ الْكُفْرِ وَالْبِدْعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَتَكْذِيبُ الْمُكَذِّبِينَ، وَعُلُوُّ الْكَافِرِينَ، وَاعْتِزَازُ الْمُنَافِقِينَ؛ وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ مَصَائِبِ الدِّينِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ فِي إِضْلَالِ النَّاسِ، كَمَا أَنَّ فِيهِ اسْتِجْلَابًا لِلْعَذَابِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَدْفَعُ الْعَذَابَ عَنِ النَّاسِ بِإِيمَانِ الْمُؤْمِنِينَ وَعِبَادَتِهِمْ وَصَلَاحِهِمْ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «لَمَّا أُخْرِجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجُوا نَبِيَّهُمْ، إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، لَيُهْلَكُنَّ...» رَوَاهُ أَحْمَدُ.

وَمِنْ مَصَائِبِ الدِّينِ:
مَوْتُ الْعُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُمْ نَقْصٌ فِي النَّاسِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا [الرَّعْدِ: 41]، قَالَ: «مَوْتُ عُلَمَائِهَا وَفُقَهَائِهَا، وَذَهَابُ خِيَارِ أَهْلِهَا». وَلَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «جَاءَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَلَمَّا مَاتَ الْإِمَامُ عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: «إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، إِنْ كَانَ لَقَدِيمَ السِّنِّ، كَثِيرَ الْعِلْمِ، وَإِنَّهُ لَمِنَ الْإِسْلَامِ بِمَكَانٍ».

وَمِنْ هَذَا الْبَابِ: اسْتِرْجَاعُ الْعَالِمِ بِسَبَبِ حَاجَةِ النَّاسِ إِلَيْهِ فِي الْعِلْمِ وَالْفَتْوَى؛ تَوَاضُعًا مِنْهُ، وَاسْتِدْلَالًا بِهِ عَلَى مَوْتِ مَنْ هُمْ أَكْبَرُ مِنْهُ فِي الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ، كَمَا فَعَلَ الْإِمَامُ الثَّوْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَقَدْ رَوَى خَلَفُ بْنُ تَمِيمٍ قَالَ: «رَأَيْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ بِمَكَّةَ وَقَدْ أَكْثَرَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ فَقَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أَخَافُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ ضَيَّعَ هَذِهِ الْأُمَّةَ حَيْثُ احْتِيجَ إِلَى مِثْلِي».

وَكَذَلِكَ الِاسْتِرْجَاعُ عِنْدَ مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّ مُخَالَفَتَهَا سَبَبٌ فِي إِمَاتَتِهَا، وَبِمَوْتِ السُّنَنِ تَظْهَرُ الْبِدَعُ، وَيَفْشُو الْجَهْلُ، وَيُعْبَدُ اللَّهُ تَعَالَى بِغَيْرِ مَا شَرَعَ سُبْحَانَهُ، وَمِنْ ذَلِكَ اسْتِرْجَاعُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا رَآهُمْ تَأَوَّلُوا فَأَتَمُّوا الصَّلَاةَ فِي مِنًى مُخَالِفِينَ بِذَلِكَ سُنَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَكَذَلِكَ الِاسْتِرْجَاعُ عِنْدَ رُؤْيَةِ مَنْ يَسْأَلُ النَّاسَ بِالْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ تُطْلَبُ بِهِ الْآخِرَةُ، وَلَا تُطْلَبُ الدُّنْيَا بِهِ، وَجَاءَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ: «مَرَّ بِرَجُلٍ وَهُوَ يَقْرَأُ عَلَى قَوْمٍ، فَلَمَّا فَرَغَ سَأَلَ، فَقَالَ عِمْرَانُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَلْيَسْأَلِ اللَّهَ بِهِ، فَإِنَّهُ سَيَجِيءُ قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ بِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.

وَمِنْهُ أَيْضًا: الِاسْتِرْجَاعُ فِي الْمَوْعِظَةِ حِينَ يَذْكُرُ الْوَاعِظُ جُمْلَةً مِمَّا وَقَعَ فِيهِ النَّاسُ مِنَ الْمُخَالَفَاتِ فَيَخْتِمُهَا بِالِاسْتِرْجَاعِ لِبَيَانِ أَنَّهُمْ فِي مُصِيبَةٍ عَظِيمَةٍ، وَقَدْ وَعَظَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى النَّاسَ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً خَتَمَهَا بِقَوْلِهِ: «فَبِاللَّهِ تَغْتَرُّونَ، وَعَلَيْهِ تَجْتَرِئُونَ، وَلِأَنْفُسِكُمْ تَخْدَعُونَ، وَلِلَّهِ لَا تُرَاقِبُونَ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ».

وَمِنْ مَصَائِبِ الدِّينِ مَا يَكُونُ خَاصًّا بِالْعَبْدِ، فَمَنْ أُصِيبَ فِي شَيْءٍ مِنْ دِينِهِ بِتَفْرِيطِهِ فِي طَاعَةٍ، أَوْ وُقُوعِهِ فِي مَعْصِيَةٍ، أَوْ فَوَاتِ خَيْرٍ يَطْلُبُهُ؛ اسْتَرْجَعَ لِمُصِيبَتِهِ فِيهِ، قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «إِذَا فَاتَتْكَ صَلَاةٌ فِي جَمَاعَةٍ فَاسْتَرْجِعْ؛ فَإِنَّهَا مُصِيبَةٌ»، وَعَنْ سَوَادِ بْنِ دَاوُدَ: «أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ جَاءَ وَقَدْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ فِي الْجَمَاعَةِ فَاسْتَرْجَعَ حَتَّى سُمِعَ صَوْتُهُ خَارِجًا مِنَ الْمَسْجِدِ».

وَكَذَلِكَ مَصَائِبُ الدُّنْيَا يُسْتَرْجَعُ فِيهَا سَوَاءٌ كَانَتْ عَامَّةً؛ كَغَرَقٍ أَوْ هَدْمٍ أَوْ وَبَاءٍ أَوْ غَلَاءٍ أَوَ غَيْرِ ذَلِكَ، أَوْ كَانَتْ خَاصَّةً كَفَقْدِ حَبِيبٍ، أَوْ تَلَفِ مَالٍ، أَوْ خَسَارَةِ تِجَارَةٍ، أَوَ غَيْرِ ذَلِكَ، فَحَرِيٌّ بِمَنْ صَبَرَ وَاسْتَسْلَمَ لِقَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى وَبَادَرَ بِالِاسْتِرْجَاعِ أَنْ يُعَوِّضَهُ اللَّهُ تَعَالَى خَيْرًا مِمَّا فَقَدَ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ: ﴿ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [الْبَقَرَةِ: 156]، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا، قَالَتْ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ، قُلْتُ: أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؟ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا، فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ...» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَفِي الِاسْتِرْجَاعِ فِي فَقْدِ الْوَلَدِ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي، فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ، فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: مَاذَا قَالَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ، فَيَقُولُ اللَّهُ: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ، وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.

وَمَهْمَا اسْتَصْغَرَ الْعَبْدُ مُصِيبَتَهُ فَإِنَّ اسْتِرْجَاعَهُ فِيهَا خَيْرٌ لَهُ؛ إِذْ يَمْتَثِلُ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَذْكُرُهُ بِالِاسْتِرْجَاعِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلِيفَةَ قَالَ: «كُنْتُ مَعَ عُمَرَ فِي جِنَازَةٍ فَانْقَطَعَ شِسْعُهُ فَاسْتَرْجَعَ ثُمَّ قَالَ: كُلُّ مَا سَاءَكَ مُصِيبَةٌ»، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: «انْقَطَعَ قُبَالُ نَعْلِ عُمَرَ فَقَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَفِي قُبَالِ نَعْلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، كُلُّ شَيْءٍ أَصَابَ الْمُؤْمِنَ يَكْرَهُهُ، فَهُوَ مُصِيبَةٌ».

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُعَلِّمَنَا مَا يَنْفَعُنَا، وَأَنْ يَرْزُقَنَا الْعَمَلَ بِمَا عَلَّمَنَا، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، عَلِيمٌ بِمَا يُصْلِحُهُمْ، وَهُوَ سُبْحَانُهُ أَرْحَمُ بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَلَا يُصِيبُهُمْ إِلَّا بِمَا فِيهِ نَفْعٌ لَهُمْ، فَكَانَ الِاسْتِرْجَاعُ تَخْفِيفًا لِأَلَمِ الْمُصَابِ، وَتَرْسِيخًا لِلْإِيمَانِ، وَتَذْكِيرًا بِالْمَصِيرِ وَالْمَعَادِ ﴿ إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى ﴾ [الْعَلَقِ: 8].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
تَعْوِيدُ اللِّسَانِ عَلَى الِاسْتِرْجَاعِ فِي كُلِّ مَا يُصِيبُ الْإِنْسَانَ مِمَّا يُضَايِقُهُ وَيُزْعِجُهُ وَلَوْ كَانَ صَغِيرًا خَيْرٌ مِنَ التَّأَفُّفِ وَاللَّوْمِ وَالْعِتَابِ، فَضْلًا عَنِ الْغَضَبِ وَالْخِصَامِ وَالشِّجَارِ؛ فَإِنَّ الْغَضَبَ يَفْتِكُ بِالْأَعْصَابِ، وَيُنْهِكُ الْأَجْسَادَ، وَيُفَرِّقُ الْأَزْوَاجَ، وَيَقْلِبُ الْبَيْتَ إِلَى جَحِيمٍ لَا يُطَاقُ. وَكَثِيرًا مَا يَرَى الرَّجُلُ مِنْ زَوْجِهِ وَوَلَدِهِ مَا يُزْعِجُهُ فَلَوْ أَنَّهُ رَكَنَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَأَكْثَرَ مِنَ الِاسْتِرْجَاعِ فِي كُلِّ مَوْقِفٍ لَا يُحِبُّهُ؛ لَوَجَدَ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ خَيْرًا كَثِيرًا فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ؛ وَلَعَادَ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ بِالصَّلَاحِ وَالرَّشَادِ.


وَقَدْ فَسَّرَ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الِاسْتِرْجَاعَ تَفْسِيرًا بَدِيعًا يَحْسُنُ بِالْمُؤْمِنِ أَنْ يَقِفَ عَلَيْهِ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِرَجُلٍ: «كَمْ أَتَتْ عَلَيْكَ، قَالَ: سِتُّونَ سَنَةً، قَالَ: فَأَنْتَ مُنْذُ سِتِّينَ سَنَةً تَسِيرُ إِلَى رَبِّكَ تُوشِكُ أَنْ تَبْلُغَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا أَبَا عَلِيٍّ، إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، قَالَ لَهُ الْفُضَيْلُ: تَعْلَمُ مَا تَقُولُ، قَالَ الرَّجُلُ: قُلْتُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. قَالَ الْفُضَيْلُ: تَعْلَمُ مَا تَفْسِيرُهُ؟ قَالَ الرَّجُلُ: فَسِّرْهُ لَنَا يَا أَبَا عَلِيٍّ، قَالَ: قَوْلُكَ: إِنَّا لِلَّهُ، تَقُولُ: أَنَا لِلَّهِ عَبْدٌ، وَأَنَا إِلَى اللَّهِ رَاجِعٌ، فَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ رَاجِعٌ، فَلْيَعْلَمْ بِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ، وَمَنْ عَلِمَ بِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ، فَلْيَعْلَمْ بِأَنَّهُ مَسْؤولٌ، وَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَسْؤولٌ، فَلْيُعِدَّ لِلسُّؤَالِ جَوَابًا، فَقَالَ الرَّجُلُ: فَمَا الْحِيلَةُ؟ قَالَ: يَسِيرَةٌ، قَالَ: مَا هِيَ؟ قَالَ: تُحْسِنُ فِيمَا بَقِيَ يُغْفَرُ لَكَ مَا مَضَى وَمَا بَقِيَ، فَإِنَّكَ إِنْ أَسَأْتَ فِيمَا بَقِيَ أُخِذْتَ بِمَا مَضَى وَمَا بَقِيَ».
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 82.89 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 81.21 كيلو بايت... تم توفير 1.68 كيلو بايت...بمعدل (2.03%)]