شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج --- متجدد - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         وكفى بالله وكيلاً، كفى بالله شهيداً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          جحيم الأنا ونعيم اهدنا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          ما رأيك في هؤلاء ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          الإسلام دين الإنصاف لكبار السن وأهل الفضل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          الضوابط الشرعية لضرب الولد للتأديب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          ذوبان الحدود الشعورية! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          الثناء نافذة العطاء! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          عمل الشيطان: إثارة الهموم والمخاوف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          ﴿خافضة رافعة﴾ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          هل أنكر المنكر وأنا أفعل المعصية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > ملتقى الحج والعمرة
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #11  
قديم 25-06-2022, 09:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,551
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج --- متجدد


شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج (1)
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 229الى صــ 242
(12)






وَقَدْ ذَكَرُوا أَيْضًا مِنْ جُمْلَةِ أَعْذَارِهِ اخْتِلَاطَ الْمُسْلِمِينَ بِالْمُشْرِكِينَ، وَطَوَافَهُمْ بِالْبَيْتِ عُرَاةً، وَاسْتِلَامَهُمُ الْأَوْثَانَ فِي حَجِّهِمْ، وَإِهْلَالَهُمْ بِالشِّرْكِ حَيْثُ يَقُولُونَ: لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ، تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ، وَإِفَاضَتَهُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَمِنْ جَمْعٍ بَعْدَ طُلُ
وعِهَا، وَوُقُوفَ الْحُمْسِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِمُزْدَلِفَةَ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ الْحَجُّ مَعَهَا، وَلَمْ يُمْكِنْ تَغْيِيرُهَا بَعْدَ الْفَتْحِ إِلَّا فِي سَنَةِ أَبِي بَكْرٍ - حَجَّ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ لَمَّا زَالَتْ. وَمِنَ الْأَعْذَارِ أَيْضًا اشْتِغَالُهُ بِأَمْرِ الْجِهَادِ، وَغَلَبَةُ الْكُفَّارِ عَلَى أَكْثَرِ الْأَرْضِ،وَالْحَاجَةُ، وَالْخَوْفُ عَلَى نَفْسِهِ، وَعَلَى الْمَدِينَةِ مِنَ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ، وَأَنَّ اللَّهَ أَعْلَمَهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَحُجَّ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَفِي بَعْضِ هَذِهِ الْأُمُورِ نَظَرٌ، وَإِنْ صَحَّتْ فَهِيَ عُذْرٌ فِي خُصُوصِهِ، لَيْسَتْ عُذْرًا لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ.



وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: وُجُوبُ الْحَجِّ مُطْلَقًا، قُلْنَا: الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ عِنْدَنَا يُوجِبُ فِعْلَ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الْفَوْرِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ يَقْتَضِي ذَلِكَ فَقَدْ بَيَّنَّا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ وَغَيْرِهَا مَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الْمُبَادَرَةِ إِلَى فِعْلِ الْحَجِّ، فَيَكُونُ الْأَمْرُ بِهِ مُقَيَّدًا، وَأَيْضًا فَإِنَّ تَأْخِيرَ الْحَجِّ تَفْوِيتٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فِعْلِهِ إِلَّا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَيَصِيرُ كَالْعِبَادَةِ الْمُؤَقَّتَةِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قَضَاءً؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ هُوَ فِعْلُ الْعِبَادَةِ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا الْمَحْدُودِ شَرْعًا حَدًّا يَعُمُّ الْمُكَلَّفِينَ، وَالْحَجُّ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَكَوْنُهُ قَضَاءً أَوْ أَدَاءً لَا يُغَيِّرُ وُجُوبَ التَّقْدِيمِ، وَلَا جَوَازَ التَّأْخِيرِ؛ بِدَلِيلِ أَنَّ النَّائِمَ، وَالنَّاسِيَ، وَالْحَائِضَ، وَالْمُسَافِرَ يَأْتُونَ بِالْعِبَادَةِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ الْعَامِّ الْمَحْدُودِ، فَيَكُونُ قَضَاءً مَعَ جَوَازِ التَّأْخِيرِ أَوْ وُجُوبِهِ، وَالْمُزَكِّي يَجِبُ عَلَيْهِ أَدَاءُ الزَّكَاةِ عَقِيبَ الْحَوْلِ، وَلَوْ أَخَّرَهَا لَمْ يَكُنْ قَضَاءً، وَكَذَلِكَ الْقَاضِي شَهْرَ رَمَضَانَ لَوْ أَخَّرَهُ إِلَى عَامٍ ثَانٍ أَوْ أَخَّرَ قَضَاءَ الْحَجِّ إِلَى عَامٍ ثَانٍ لَمْ يُقَلْ لَهُ: قَضَاءَ الْقَضَاءِ، وَكَذَلِكَ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ تَضَايُقُ الصَّلَاةِ أَوِ الْحَجِّ فِي وَقْتِهِ فَأَخَّرَهُ وَأَخْلَفَ ظَنَّهُ - أَثِمَ بِذَلِكَ، وَلَا يَكُونُ مَا يَفْعَلُهُ قَضَاءً، وَكَذَلِكَ لَوْ صَرَّحَ بِوُجُوبِ الْفِعْلِ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ أَقَامَ عَلَيْهِ دَلِيلًا وَأَخَّرَهُ إِلَى الْوَقْتِ الثَّانِي - لَمْ يَكُنْ قَضَاءً، فَالْحَجِّ مِنْ هَذَا الْبَابِ.
فَصْلٌ
الْمَيِّتُ يَحُجُّ عَنْهُ وَلِيُّهُ، وَكَذَلِكَ الْمَعْضُوبُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ، فَإِنْ حَجَّ غَيْرُ الْوَلِيِّ. . . .
فَإِنْ حَجَّ عَنِ الْمَيِّتِ أَجْنَبِيٌّ بِدُونِ إِذْنِ الْوَارِثِ فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ، قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ.
فَأَمَّا الْحَيُّ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ الْفَرْضَ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَكَذَلِكَ لَا يَحُجُّ عَنْهُ النَّفْلَ بِدُونِ إِذْنِهِ، لَكِنْ إِنْ حَجَّ وَأَهْدَى لَهُ ثَوَابَهُ. . .
فَأَمَّا الْمَيِّتُ فَيَفْعَلُ عَنْهُ الْفَرْضَ بِدُونِ إِذْنِهِ، وَأَمَّا النَّفْلُ إِذَا فَعَلَهُ عَنْهُ وَارِثٌ أَوْ أَجْنَبِيٌّ فَهَلْ يَقَعُ الْحَجُّ عَنِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ بِحَيْثُ يَكُونُ الْإِحْرَامُ عَنْهُ أَوْ يَكُونُ الْحَجُّ عَنِ الْحَاجِّ، وَيَكُونُ الثَّوَابُ لِلْمَيِّتِ؟ فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا يَنْعَقِدُ عَنِ الْمَيِّتِ حَجٌّ غَيْرُ وَاجِبٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ، قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي مَوْضِعٍ.
وَالثَّانِي: يَقَعُ عَنِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ، قَالَهُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَابْنُ عَقِيلٍ، فَعَلَى هَذَا إِذَا خَالَفَ النَّائِبُ مَا أُمِرَ بِهِ، وَكَانَ عَنْ حَيٍّ لَمْ يَقَعْ عَنْهُ، بَلْ يَقَعُ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ عَنْ مَيِّتٍ. . .
فَصْلٌ
وَإِذَا مَاتَ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِآدَمِيٍّ وَدَيْنٌ لِلَّهِ تَعَالَى، مِثْلَ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ - تَحَاصَّا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ: إِذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَزَكَاةٌ تَحَاصَّ الْغُرَمَاءُ مِنَ الزَّكَاةِ نِصْفَيْنِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، وَالثَّانِيَةُ: يُقَدَّمُ دَيْنُ الْآدَمِيِّ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فِي الْمَنَاسِكِ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ رَجُلٍ مَاتَ، وَتَرَكَ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَلَمْ يَحُجَّ، وَعَلَيْهِ زَكَاةٌ فَرَّطَ فِيهَا، قَالَ: يُبْدَأُ بِالدَّيْنِ فَيُقْضَى، وَالْحَجُّ وَالزَّكَاةُ فِيهِمَ
ا اخْتِلَافٌ، مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: إِنْ لَمْ يُوصِ فَهُوَ مِيرَاثٌ، وَإِنْ أَوْصَى فَهُوَ مِنْ ثُلُثِهِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: يُحَجُّ عَنْهُ، وَيُزَكَّى مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَمَا بَقِيَ فَهُوَ مِيرَاثٌ.
وَالْحَجُّ وَالزَّكَاةُ سَوَاءٌ فِيمَا ذَكَرَهُ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْجَرْجَرَائِيُّ فَقَالَ:سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يُحَجُّ عَنْهُ، قَالَ: إِذَا لَمْ يَكُنْ حَجَّ فَمِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا يَلْزَمُهُ مِنَ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهِ، وَالزَّكَاةُ أَشَدُّ، قَالَ الْقَاضِي: لَمْ يُرِدْ أَنْ تُقَدَّمَ عَلَى الْحَجِّ أَوْ تُقْضَى دُونَهُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهَا أَوْكَدُ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا وَحَقِّ الْفَقِيرِ، وَالْحَجُّ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ اللَّهِ فَقَطْ.
فَصْلٌ




وَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ مُتَبَرِّعًا أَوْ يَحُجَّ بِمَالٍ، فَإِنْ كَانَ مُتَبَرِّعًا يَحُجُّ بِمَالِ نَفْسِهِ جَازَ أَنْ يَحُجَّ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ، وَفِي مِثْلِ ذَلِكَ جَاءَ حَدِيثُ الْخَثْعَمِيَّةِ وَالْخَثْعَمِيِّ، وَأَبِي رَزِينٍ، وَحَدِيثُ الْجُهَنِيَّةِ، وَالْمَرْأَةِ الْأُخْرَى، وَغَيْرِهِمْ، لَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَبْدَأَ بِالْحَجِّ عَنْ أَقَارِبِهِ، وَيَبْدَأَ مِنْهُمْ بِأَبَوَيْهِ، وَيَبْدَأَ بِالْأُمِّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَجُّ قَدْ وَجَبَ عَلَى الْأَبِ فَيَبْدَأُ بِهِ، قَالَ: فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، وَيُوسُفَ بْنِ مُوسَى: إِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ الْحَجَّ عَنْ أَبَوَيْهِ يَبْدَأُ بِالْأُمِّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَبُ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا إِنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ بِمَالِ ذَلِكَ الرَّجُلِ فَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَأْخُذَ دَرَاهِمَ فَيَحُجَّ بِهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَبَرِّعًا بِحَجٍّ عَنْ أَبِيهِ أَوِ ابْنِهِ أَوْ أَخِيهِ.
وَسُئِلَ فِي رِوَايَةِ الْجَرْجَرَائِيِّ عَنِ الرَّجُلِ يُعْطَى لِلْحَجِّ عَنْ مَيِّتٍ قَالَ: لَا لَا يَأْخُذُ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: سَأَلْتُ أَبِي: رَجُلٌ حَجَّ وَيَأْخُذُ كُلَّ سَنَةٍ حَجَّةً، قَالَ: لَا يُعْجِبُنِي هَذَا.
وَقَالَ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ رَجُ
لٍ يُحِبُّ الْحَجَّ تَرَى لَهُ أَنْ يَحُجَّ عَنِ النَّاسِ؟
فَقَالَ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَحُجَّ عَنِ النَّاسِ إِلَّا أَنْ يَبْتَدِيَ، فَقِيلَ لَهُ: حُجَّ فَلَا بَأْسَ بِهِ.
فَقَدْ رَخَّصَ فِيهِ لِمَنِ ابْتَدَأَ إِذَا كَانَ مَقْصُودُهُ الْحَجَّ.
وَإِنْ حَجَّ عَنْ مَيِّتٍ وَارِثٌ، فَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ، وَقَدْ سُئِلَ: يَحُجُّ الرَّجُلُ عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ أُمِّهِ؟ فَقَالَ: إِنْ حَجَّ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ مُتَبَرِّعًا، وَإِنْ كَانَ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ فَلَا يَحُجُّ وَارِثٌ عَنْ +وَارِثٍ كَأَنَّهُ يَرَى أَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ.



فَصْلٌ
وَتَجُوزُ الِاسْتِنَابَةُ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ فِي الْحَيَاةِ، وَبَعْدَ الْمَوْتِ مِنَ الْمَعْضُوبِ وَالْقَادِرِ+ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، نَصَّ عَلَيْهَا فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الصَّحِيحِ: هَلْ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ يَتَطَوَّعُ بِذَلِكَ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا جَاءَ الْحَدِيثُ فِي الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ، وَلَكِنْ إِنْ أَحَجَّ الصَّحِيحَ عَنْهُ فَأَرْجُو أَنْ لَا يَضُرَّهُ.
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: يُتَصَدَّقُ عَنِ الْمَيِّتِ، وَيُحَجُّ عَنْهُ، وَيُسْقَى عَنْهُ، وَيُعْتَقُ عَنْهُ، وَيُصَامُ النَّذْرُ إِلَّا الصَّلَاةَ.
وَالْأُخْرَى: لَا تَجُوزُ الِاسْتِنَابَةُ إِلَّا فِي الْفَرْضِ، قَالَ فِي رِوَايَةِ الْجُرْجَانِيِّ، وَقَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ مَنْ قَدْ حَجَّ الْفَرِيضَةَ يُعْطِي دَرَاهِمَ يُحَجُّ عَنْهُ؟ فَقَالَ: لَيْسَ يَكُونُ لَهُ، لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، رَأَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بَعْدَ الْفَ
رِيضَةِ.
قَالَ الْقَاضِي: وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِي فِعْلِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحُجَّ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ، وَجَعَلَ الْعِلَّةَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ قَادِرًا أَوْ عَاجِزًا، وَسَوَاءٌ فِيهِ الِاسْتِنَابَةُ فِي الْحَيَاةِ، وَبَعْدَ الْمَوْتِ.
وَجَعَلَ أَبُو الْخَطَّابِ وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا هَذَا فِيمَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ، فَأَمَّا الْعَاجِزُ فَتَجُوزُ اسْتِنَابَتُهُ بِلَا تَرَدُّدٍ. وَلَوْ كَانَ عَجْزُهُ مَرْجُوَّ الزَّوَالِ كَالْمَرِيضِ وَالْمَحْبُوسِ فَهُوَ كَالْمَعْضُوبِ فِي النَّفْلِ؛ لِأَنَّ النَّفْلَ مَشْرُوعٌ فِي كُلِّ عَامٍ، وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْهُ فِي هَذَا الْعَامِ فَهُوَ كَالْمَعْضُوبِ الَّذِي عَجَزَ عَنِ الْفَرْضِ فِي جَمِيعِ الْعُمُرِ، وَهَذَا فِيمَنْ أَحْرَمَ عَنْ ذَلِكَ، وَلَبَّى عَنْهُ.
فَأَمَّا إِنْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ، ثُمَّ أَهْدَى ثَوَابَهَا لِلْمَيِّتِ فَهَذَا يَجُوزُ عِنْدَنَا قَوْلًا وَاحِدًا لِمَا تَقَدَّمَ.
فَصْلٌ
وَإِذَا اسْتَنَابَ رَجُلًا فِي الْحَجِّ أَوْ نَابَ عَنْهُ فِي فَرْضِهِ فَإِنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ كَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْمَنُوبِ مَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَّهَ الْحَجَّ بِالدَّيْنِ، وَجَعَلَ فِعْلَهُ عَنِ الْعَاجِزِ وَالْمَيِّتِ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ عَنْهُ، وَقَالَ لِأَبِي رَزِينٍ: " «حُجَّ عَنْ أَبِيكَ، وَاعْتَمِرْ» " وَقَالَ لِلْخَثْعَمِيَّةِ: " «حُجِّي عَنْهُ» " وَكَذَلِكَ قَالَ لِغَيْرِ وَاحِدٍ: " «حُجَّ عَنْهُ» ".
وَالشَّيْءُ إِذَا فُعِلَ عَنِ الْغَيْرِ كَانَ الْفَاعِلُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ وَالنَّائِبِ، وَ
يَكُونُ الْعَمَلُ مُسْتَحَقًّا لِلْمَعْمُولِ عَنْهُ، وَلِهَذَا لَوْ وَجَبَ عَلَى الْإِنْسَانِ عَمَلٌ فِي عَقْدِ إِجَارَةٍ فَعَمِلَهُ عَنْهُ عَامِلٌ كَانَ الْعَمَلُ لِلْأَجِيرِ لَا لِلْعَامِلِ؛ وَلِأَنَّهُ يَنْوِي الْإِحْرَامَ عَنْهُ، وَيُلَبِّي عَنْهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ إِلَّا ثَوَابُ النَّفَقَةِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَعْطَى غَيْرَهُ مَالًا يَحُجُّ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ يُجَاهِدُ الْكُفَّارَ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُلَبِّيَ عَنْهُ.
فَصْلٌ



وَيَجُوزُ حَجُّ الرَّجُلِ عَنِ الْمَرْأَةِ، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ حَجُّ الْمَرْأَةِ عَنِ الرَّجُلِ، قَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: " يَحُجُّ الرَّجُلُ عَنِ الرَّجُلِ، وَالْمَرْأَةُ عَنِ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةُ عَنِ الرَّجُلِ " وَعَلَيْهِ أَصْحَابُنَا لِحَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ.
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ، وَقَدْ سُئِلَ: يَحُجُّ عَنْ أُمِّهِ؟ قَالَ: " نَعَمْ، يَقْضِي عَنْهَا دَيْنًا عَلَيْهَا، قِيلَ لَهُ: فَيُنْفِقُ مِنْ مَالِهِ، وَيَنْوِي عَنْهَا، قَالَ: جَائِزٌ، قِيلَ لَهُ: فَالْمَرْأَةُ تَحُجُّ عَنِ الرَّجُلِ؟ قَالَ: نَعَمْ إِذَا كَانَتْ مُحْتَاجَةً ".
فَصْلٌ

وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِيجَارُ عَلَى الْحَجِّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي لَا يَجُوزُ أَنْ تُفْعَلَ إِلَّا عَلَى وَجْهِ التَّقَرُّبِ، مِثْلَ: الْأَذَانِ، وَالْإِمَامَةِ، وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، وَالْحَدِيثِ، وَالْفِقْهِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.
فَأَمَّا أَنْ يَأْخُذَ نَفَقَةً يَحُجُّ بِهَا فَيَجُوزُ، هَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: فِي الْإِجَارَةِ عَلَى الْحَجِّ رِوَايَتَانِ، كَرِهُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي إِحْدَاهُمَا أَنْ يَأْخُذَ دَرَاهِمَ فَيَحُجَّ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ، قَالَ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَبَرِّعًا بِالْحَجِّ عَنْ أَبِيهِ أَوْ عَنْ أَخِيهِ أَوْ عَنْ أُمِّهِ، وَأَجَازَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.
وَعَلَى هَذَا يُكْرَهُ الْأَخْذُ نَفَقَةً وَأُجْرَةً مَعَ الْجَوَازِ، وَتَجِبُ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الرِّوَايَتَانِ فِي الْكَرَاهَةِ فَقَطْ.
وَأَجَازَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقْلَا الِاسْتِئْجَارَ عَلَى الْحَجِّ، وَمَا يَخْتَصُّ نَفْعُهُ مِمَّا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْكِفَايَةِ دُونَ مَا يَعُمُّ، فَقَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ عَلَى الْخَيْرِ أَجْرٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ عَلَى الْحَجِّ عَنِ الْغَيْرِ أَجْرٌ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَ الْخَيْرِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مَا كَانَ فَرْضًا عَلَى الْعَامَّةِ وَغَيْرِهِمْ مِثْلَ الْأَذَانِ، وَالصَّلَاةِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ - لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ عَلَيْهِ أَجْرٌ، وَمَا انْفَرَدَ بِهِ مَنْ حُجَّ عَنْهُ فَهُوَ جَائِزٌ، مِثْلَ فِعْلِ الْبَنَّاءِ لِبِنَاءِ مَسْجِدٍ يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِ الْأُجْرَةَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الَّذِي يَبْنِي بِنَاءَ الْمَسْجِدِ.
فَأَمَّا الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: وَالَّذِي يَحُجُّ عَنِ النَّاسِ بِالْأَجْرِ لَيْسَ عِنْدَنَا فِيهِ شَيْءٌ، وَمَا سَمِعْنَا أَنَّ أَحَدًا اسْتَأْجَرَ مَنْ حَجَّ عَنْ مَيِّتٍ.
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَذَكَرَ لَهُ قَوْلَ سُفْيَانَ: أَكْرَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الرَّجُلُ عَنْ وَالِدَيْهِ يَحُجُّ عَنْهُمَا، فَقَالَ أَحْمَدُ: نَحْنُ نَكْرَهُ هَذَا إِلَّا أَنْ يُعَيِّنَهُ فَقَدْ نَصَّ عَلَى كَرَاهَةِ الْأُجْرَةِ، وَلَمْ يَكْرَهِ النَّفَقَةَ، وَقَدْ نَصَّ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ عَلَى مَنْ يَأْخُذُ مَالًا يَحُجُّ بِهِ عَنْ مَيِّتٍ، وَهَلْ يَكُونُ لَهُ الْفَاضِلُ أَوْ لَا يَكُونُ.
وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الَّتِي أَخَذَ الْقَاضِي مِنْهَا جَوَازَ الِاسْتِئْجَارِ، فَقَالَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ، وَقَدْ سَأَلَهُ عَمَّنْ يُكْرِي نَفْسَهُ لِلْحَجِّ، وَيَحُجُّ، قَالَ: لَا بَأْسَ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْكَوْسَجِ: يُكْرِي نَفْسَهُ، وَيَحُجُّ إِلَّا أَنَّ هَذَا إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ أَنْ يُكْرِيَ نَفْسَهُ لِلْخِدْمَةِ وَالْعَمَلِ، وَلِهَذَا قَالَ: يُكْرِي نَفْسَهُ، وَيَحُجُّ، وَفِي مِثْلِ هَذَا جَاءَتِ السُّنَّةُ.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 1,088.94 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 1,087.26 كيلو بايت... تم توفير 1.68 كيلو بايت...بمعدل (0.15%)]