الكبائر - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         فواصل للمواضيع . (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 35 - عددالزوار : 168 )           »          فضل العلم في القرآن الكريم والسنة النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الأحاديث الصحيحة فى فضل العلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          لانعاش ذاكرة الطفل قبل الدراسة,طرق انعاش ذاكرة الطفل قبل بدء العام الدراسي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          اذاعة مدرسية عن العلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          كيفية التحفيز علي المذاكرة,كيف تحفزين ابنك علي المذاكرة,عبارات تحفيز للابناء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          عدد ساعات النوم الكافية لطفلك أثناء الدراسة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          التعامل مع المراهقين أثناء الدراسة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          طول الطفل ، كيفية زيادة طول طفلك ، اغذية تزيد طول الطفل 2025 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          الأساليب النبوية في التعليم والتوجيه التربوي ,سنة النبي في التربية والتعليم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #13  
قديم 14-06-2023, 02:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,726
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الكبائر

الكبائر (18)


المَنُّ بالمعروف


(موعظة الأسبوع)



كتبه/ سعيد محمود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
المقدمة:
- الكبائر هي تلك الذنوب المهلكة، التي ضمن الله لمَن اجتنبها في الدنيا، الجنة في الآخرة: قال -تعالى-: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) (النساء: 31).
- المَنُّ بالمعروف من الكبائر الجسام، ومنكرات الأعمال، وقبيح الخصال، وقد وَرَد في حقِّه شديد العقاب والوبال: قَالَ النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْمَنَّانُ الَّذِي لَا يُعْطِي شَيْئًا إِلَّا مَنَّهُ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْفَاجِرِ، وَالْمُسْبِلُ إِزَارَهُ) (رواه مسلم).
- المقصود بالمن بالمعروف: قال العلماء: "هُوَ: أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِ بِعَطَائِهِ، فَيَقُولَ: أَعْطَيْتُكَ كَذَا، وَيَعُدُّ نِعَمَهُ عَلَيْهِ فَيُكَدِّرُهَا. وَالْأَذَى: أَنْ يُعَيِّرَهُ فَيَقُولَ: إِلَى كَمْ تَسْأَلُ وَكَمْ تُؤْذِينِي؟ وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَذْكُرَ إِنْفَاقَهُ عَلَيْهِ عِنْدَ مَنْ لَا يُحِبُّ وُقُوفَهُ عَلَيْهِ. أَوْ أَنْ يَقُولَ: قَدْ أَعْطَيْتُكَ، وَأَعْطَيْتُ فَمَا شَكَرْتَ"(1).
(1) حاجة الناس بعضهم إلى بعض في الدنيا:
- رَفَعَ الله مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ، فَجَعَلَ حَاجَاتِ النَّاسِ إِلَيْهِمْ، فحَثّهمَ عَلَى بَذْلِ الْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْخَلْقِ: قال -تعالى-: (وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ) (الأنعام: 165)، وقال: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا) (الزخرف: 32). وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَحَبَّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ -تعالى- أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تقْضِي عَنْهُ دَيْنًا) (رواه الطبراني، وحسنه الألباني)، وقال -تعالى-: (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) (البقرة: 215)، وقال -تعالى-: (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا) (المزمل: 20)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ) (متفق عليه).
- إلا أن هناك مُبْطِلَاتٍ لِلْمَعْرُوفِ بَعْدَ بَذْلِهِ يَقَعُ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، وَلَا يَشْعُرُونَ أَنَّهَا تَذْهَبُ بِمَعْرُوفِهِمْ أَدْرَاجَ الرِّيَاحِ، وَتُحِيلُ حَلَاوَتَهُ إِلَى مَرَارَةٍ، وَتَقْلِبُهُ مِنْ مَعْرُوفٍ إِلَى مُنْكَرٍ، وَذَلِكُمْ هُوَ الْمَنُّ وَالْأَذَى فِيِ مَا يَبْذُلُهُ الْعَبْدُ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ.
(2) حرمة المن بالمعروف وعاقبته في الدنيا والآخرة:
- المن بالمعروف سبب في بطلانه، وضياع ثوابه: قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى) (البقرة: 264). وَسَمِعَ ابْنُ سِيرِينَ رَجُلًا يَقُولُ لِرَجُلٍ: "فَعَلْتُ إِلَيْكَ وَفَعَلْتُ. فَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: اسْكُتْ فَلَا خَيْرَ فِي الْمَعْرُوفِ إِذَا أُحْصِيَ" (الكبائر للذهبي). وَقَالَوا: "الْمَنُّ مَفْسَدَةُ الصَّنِيعَةِ".
- الكلام الطيب والاعتذار للسائل، أفضل من معروف يعقبه مَنٌّ وأذى: قال -تعالى-: (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ) (البقرة: 263).
- ومِن عواقب المن والأذى السيئة في الدنيا: أن فِعْلَ الْخَيْرِ لِلْغَيْرِ يَبْقَى أَثَرُهُ بِذِكْرِ صَاحِبِ الْمَعْرُوفِ بِالْخَيْرِ وَشُكْرِهِ، فَإِذَا أَتْبَعَ مَعْرُوفَهُ بِالْمَنِّ أَوْ بِالْأَذَى قَطَعَ ذِكْرَهُ بِالْخَيْرِ: قَالَ بَعْضُهُمْ: "مَنْ مَنَّ بِمَعْرُوفِهِ أَسْقَطَ شُكْرَهُ" (الكبائر للذهبي).
- وَشَبَّهَ اللَّهُ -تعالى- مَا يَفْعَلُهُ مِنْ مَنٍّ وَأَذًى بِفِعْلِ الْمُنَافِقِ: قال الله -سبحانه-: (كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) (البقرة: 264)، قال العلماء: "أَيْ: أَنْتُمْ وَإِنْ قَصَدْتُمْ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ -تعالى- فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ؛ فَإِنَّ الْمِنَّةَ وَالْأَذَى مُبْطِلَانِ لِأَعْمَالِكُمْ ، فَتَصِيرُ أَعْمَالُكُمْ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يَعْمَلُ لِمُرَاءَةِ النَّاسِ وَلَا يُرِيدُ بِهِ اللَّهَ -تعالى- وَالدَّارَ الْآخِرَةَ".
- وبعد كل هذا... فالْمَنَّانَ متوعد بالإبعاد والغضب يوم القيامة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْمَنَّانُ الَّذِي لَا يُعْطِي شَيْئًا إِلَّا مَنَّهُ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْفَاجِرِ، وَالْمُسْبِلُ إِزَارَهُ) (رواه مسلم).
(3) فضل الاحتساب للأجر عند الله:
- أهل الإخلاص والاحتساب يرجون الأجر من الخالق، ولا ينتظرون شيئا من المخلوقين: قال -تعالى-: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا . إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) (الإنسان: 8- 9). وقال -سبحانه وتعالى- عن موسى -عليه السلام-: (فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) (القصص: 24). قال العلماء: "مَعَ أَنَّهُ كَانَ مُحْتَاجًا لِطَعَامٍ يُخَفِّفُ جُوعَهُ، وَمَأْوًى يُكِنُّهُ فِي لَيْلِهِ، فلم يسأل مَن أدَّى إليهما المعروف، وَإِنَّمَا سأل رَبَّهُ".
- أهل الإخلاص والاحتساب يسترون معروفهم، ويحقِّرون أعمالهم، ولا يؤذون مَن شمله معروفهم: قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: "إِذَا اصْطَنَعْتَ الْمَعْرُوفَ فَاسْتُرْهُ، وَإِذَا صُنِعَ إِلَيْكَ فَانْشُرْهُ"، وقال العباس -رضي الله عنه-: "لَا يَتِمُّ الْمَعْرُوفُ إِلَّا بِثَلَاثِ خِصَالٍ: تَعْجِيلُهُ وَتَصْغِيرُهُ وَسَتْرُهُ، فَإِذَا عَجَّلْتَهُ هَنَّأْتَهُ، وَإِذَا صَغَّرْتَهُ عَظَّمْتَهُ، وَإِذَا سَتَرْتَهُ أَتْمَمْتَهُ". وقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: "كَانَ أَبِي يَقُولُ: إِذَا أَعْطَيْتَ رَجُلًا شَيْئًا وَرَأَيْتَ أَنَّ سَلَامَكَ يَثْقُلُ عَلَيْهِ، فَكُفَّ سَلَامَكَ عَنْهُ".
(4) متى يُرَخَّصُ فِي ذِكْرِ َالْمَعْرُوفِ؟
- بَعْضُ النَّاسِ تُحْسِنُ إِلَيْهِ، ثم إذا اختلفت معه يَنَالُ مِنْ عِرْضِكَ، وَيُنْكِرُ مَعْرُوفَكَ، وَيُشَهِّرُ بِكَ عِنْدَ النَّاسِ، فعند ذلك يجوز لك أن َتَذُبّ عَنْ نَفْسِكَ بِذِكْرِ مَعْرُوفِكَ عَلَيْهِ كَيْ تُخْرِسَهُ وَتُلْزِمَهُ: قالِ -تعالى- لنبيه لما آذاه الأعراب: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (الحجرات: 17)، (وفَعَلَ ذَلِكَ عُثْمَانُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- حِينَ رَمَاهُ الْخَوَارِجُ بِالتُّهَمِ الْبَاطِلَةِ، فَرَدَّ تُهَمَهُمْ بِصَنَائِعِ مَعْرُوفِهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-)؛ ولذلك قِيلَ: "إِذَا كُفِرَتِ النِّعْمَةُ حَسُنَتِ الْمِنَّةُ".
- خاتمة: نماذج في فعل المعروف واحتساب الأجر من الله -تعالى-:
تنبيه: قلَّ ذكر نماذج المحتسبين سرًّا في كتب أهل العلم؛ لأن هذا مقتضى حالهم، ولكن بعضهم عرف من آثاره.
- زين العابدين بن الحسين: قال محمد بن إسحاق: "كان ناس من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين كان معاشهم، فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كانوا يؤتون به في الليل".
- عبد الله بن المبارك يقضي دين شاب من تلامذته من غير علمه: قال يعقوب بن إسحاق: حدثني محمد بن عيسى قال: كان ابن المبارك كثير الاختلاف إلى طرطوس، وكان ينزل الرقة في الخان - وهو بمثابة الفندق حديثًا-، فكان شاب يختلف إليه، ويقوم بحوائجه، ويسمع منه الحديث، فقدم عبد الله مرة فلم يجده، فخرج إلى النظر متعجلًا، فلما رجع سأل عن الشاب، فقالوا: محبوس على عشرة آلاف درهم دين عليه، فاستدل على الغريم فوزن له عشرة آلاف درهم، وحلَّفه ألا يخبر أحدًا، ما عاش فأُخرج الرجلُ بعد سداد الدين الذي على الشاب للغريم.
وسري ابن المبارك من ليلته، فلحق الفتى على مرحلتين في الرّقة، فقال له: يا فتى أين كنت؟ لم أرك، قال: يا أبا عبد الرحمن كنت محبوساً بدين، قال: كيف خلصت؟ قال: جاء رجل فقضى ديني، ولم أدرِ، قال: فاحمد الله... ولم يعلم الرجل إلا بعد موت ابن المبارك، أنه هو الذي قضى دينه".
- عكرمة الفياض "جابر عثرات الكرام": "ذكر له في مجلسه أمر رجل صالح يقال له: خزيمة بن بشر"، وما آل إليه حاله من الفقر والشدة حتى أغلق عليه بابه ينتظر الموت. فقام فحمل أربعة آلاف دينار في كيس واحد، ثم أمر بإسراج دابته، وخرج سرًّا من أهله، حتى نزل بيت خزيمة فأعطاه، فلما ألح عليه خزيمة أن يعرفه قال: "جابر عثرات الكرام". قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "صاحب المعروف لا يقع، فإن وقع وجد متّكأ" (عيون الأخبار)(2).
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــــــ
(1) من صور المَنِّ والأذية بالمعروف: إذا شفع لطالبٍ في دراسةٍ صار في كلِّ مرَّةٍ يسأل عن مستواه الدراسي، وهو لا يهمه إلّا أنه يريد تذكيره أو تذكير أبيه أنه هو الذي شفع له. وإذا شفع له في وظيفةٍ صار يسأله في كلِّ مناسبةٍ عن ترقيته وعن مديره، ولا يريد بذلك إلا تذكيره، وهكذا على هذا المنوال في كل معروف يعمله.
(2) ومن جميل وعجيب ما ذكر حول هذه القصة لمَن أراد الزيادة، ما ذكره ابن حجة الحموي في كتابه: "ثمرات الأوراق" (ص 151-153)، وذكره أيضًا التنوخي في "المستجاد من فعلات الأجواد" (ص6-8)، وقد ذكره أيضًا أبو الحسن بن هذيل في كتاب: "عين الأدب والسياسة وزين الحسب والسياسة" (ص 199)، مع اختلاف في الشخصيات.
فذكروا جميعًا ما خلاصته:
أنه كان في أيام سليمان بن عبد الملك رجل من بني أسد يُقَال له: "خزيمة بن بشر"، وكان مشهورًا بالمروءة والكرم والمواساة، وكانت نعمته وافرة، فلم يزل على تلك الحالة حتى احتاج إلى إخوانه الذين كان يواسيهم ويتفضَّل عليهم، فواسوه حينًا ثم ملوه، فلما لاح له تغيرهم أتى امرأته -وكانت ابنة عمه- فقال لها: يا بنت العم! قد رأيت من إخواني تغيُّرا، وقد عزمت على لزوم بيتي إلى أن يأتيني الموت، ثم أغلق بابه عليه، وأقام يتقوت بما عنده حتى نفد، وبقي حائرًا في حاله.
وكان عكرمة الفياض (سُمِّي بذلك لفرط كرمه) واليًا على الجزيرة، فبينما هو في مجلسه، إذ جرى ذكر خزيمة بن بشر، فقال عكرمة: ما حاله؟ فقالوا: صار في أسوأ الأحوال، وقد أغلق بابه، ولزم بيته. فقال عكرمة الفياض: فما وجد خزيمة بن بشر مواسيًا ولا مكافئًا؟ فلما كان الليل عمد إلى أربعة آلاف دينار فجعلها في كيس واحد، ثم أمر بإسراج دابته، وخرج سرًّا من أهله، فركب ومعه غلام واحد يحمل المال، ثم سار حتى وقف بباب خزيمة، فأخذ الكيس من الغلام، ثم أبعده عنه، وتقدم إلى الباب فطرقه بنفسه، فخرج خزيمة فقال له: أصلح بهذا شأنك، فتناوله فرآه ثقيلًا، فوضعه وقبض على لجام الدابة وقال له: مَن أنت جُعلت فداك؟ قال له: ما جئت في هذا الوقت وأنا أريد أن تعرفني، قال خزيمة: فما أقبله أو تخبرني من أنت؟ قال: أنا جابر عثرات الكرام، قال: زدني، قال: لا، ثم مضى.
ودخل خزيمة بالكيس إلى امرأته فقال لها: أبشري فقد أتى الله بالفرج، قومي فاسرجي، قالت: لا سبيل إلى السراج، فبات يلمس الكيس فيجد تحت يده خشونة الدنانير. ورجع عكرمة إلى منزله فوجد امرأته قد افتقدته، وسألت عنه، فأُخبرت بركوبه منفردًا، فارتابت، فلما رآها تلك الحالة قال لها: ما دهاك يا ابنة العم؟ قالت: سوء فعلك بابنة عمك، أمير الجزيرة لا يخرج بعد هدأة من الليل منفردًا عن غلمانه في سرٍّ من أهله إلا إلى زوجة أو سرية؟
فقال: لقد علم الله ما خرجتُ لواحدة منهما، قالت: لا بد أن تُعلمني، قال: فاكتميه إذًا، قالت: أفعل، فأخبرها بالقصة على وجهها. ثم أصبح خزيمة فصالح غرماءه، وأصلح من حاله، ثم تجهز يريد سليمان بن عبد الملك بفلسطين، فلما وقف ببابه دخل الحاجب فأخبره بمكانه، وكان مشهورًا لمروءته، وكان الخليفة به عارفًا، فأذن له، فلما دخل عليه وسلم بالخلافة قال: يا خزيمة! ما أبطأك عنا؟ فقال: سوء الحال يا أمير المؤمنين، قال: فما منعك من النهضة إلينا؟ قال: ضعفي. قال: فمَن أنهضك؟ قال: لم أشعر يا أمير المؤمنين بعد هدأة من الليل إلا ورجل يطرق بابي، وكان منه كيت وكيت، وأخبره بقصته من أولها إلى آخرها، فقال: هل عرفته؟ قال: لا والله لأنه كان متنكرًا، وما سمعت منه إلا "جابر عثرات الكرام".
قال: فتلهف سليمان بن عبد الملك على معرفته، وقال: لو عرفناه لأعنَّاه على مروءته، ثم قال علّي بقناة، فأتي بها فعقد لخزيمة الولاية على الجزيرة، وعلى عمل عكرمة الفياض، وأجزل عطاياه، وأمره بالتوجه إلى الجزيرة؛ فخرج خزيمة متوجهًا إلى الجزيرة، فلما قرب منها خرج عكرمة وأهل البلد للقائه فسلَّم عليه، ثم سارا جميعًا إلى أن دخلا البلد، فنزل خزيمة في دار الإمارة، وأمر أن يؤخذ عكرمة، وأن يحاسَب وما يدري أنه صاحبه، فحوسب، ففضل عليه مال كثير، فطلبه خزيمة بالمال، فقال: ما لي إلى شيء منه سبيل، فأمر بحبسه، ثم بعث يطالبه، فأرسل إليه: إني لست ممَّن يصون ماله لغرضه (أي: لا يبقي منه شيئًا ولا يدخر).
فأمر به فكُبل بالحديد وضُيِّق عليه، وأقام على ذلك شهرًا، فأضناه ثقل الحديد، وأضر به، وبلغ ذلك ابنة عمه، فجزعت عليه واغتمت، ثم دعت مولاة لها ذات عقل وقالت: امضي الساعة إلى باب هذا الأمير، فقولي: عندي نصيحة، فإذا طُلبت منك قولي: ولا أقولها إلا للأمير خزيمة، فإذا دخلتِ عليه سليه الخلوة، فإذا فعل قولي له: ما كان هذا جزاء جابر عثرات الكرام منك في مكافأتك له بالضيق والحبس والحديد؟ قال: ففعلتْ ذلك، فلما سمع خزيمة قولها قال: واسوأتاه! جابر عثرات الكرام غريمي؟!، قالت: نعم.
فأمر من وقته بدابته فأُسرجت، وركب إلى وجوه أهل البلد فجمعهم، وسار بهم إلى باب الحبس ففُتح، ودخل فرأى عكرمة الفياض في قاع الحبس متغيرًا قد أضناه الضر، فلما نظر عكرمة إلى خزيمة وإلى الناس أحشمه ذلك، فنكس رأسه، فأقبل خزيمة حتى انكب على رأسه فقبله، فرفع رأسه إليه وقال: ما أعقب هذا منك؟! قال: كريم فعلك وسوء مكافأتي، قال يغفر الله لنا ولك، ثم أمر بفك قيوده، وأن توضع في رجليه، فقال عكرمة: تريد ماذا؟
قال: أريد أن ينالني من الضر مثل ما نالك، فقال: أقسم عليك بالله أن لا تفعل، فخرجا جميعًا إلى أن وصلا إلى دار خزيمة، فأكرمه وحسن هيئته، واعتذر من زوجته، ثم سأله أن يسير معه إلى أمير المؤمنين، وهو يومئذٍ مقيم بالرملة، فأنعم له بذلك، فسارا جميعًا حتى قدما على سليمان بن عبد الملك، فدخل الحاجب، فأخبره بقدوم خزيمة بن بشر، فراعه ذلك وقال: والي الجزيرة يقدم علينا بغير أمرنا مع قرب العهد به؟! ما هذا إلا لحادث عظيم! فلما دخل عليه قال قبل أن يسلِّم: ما وراءك يا خزيمة؟ قال: خير يا أمير المؤمنين، قال: فما أقدمك؟ قال: ظفرت بـ"جابر عثرات الكرام"، فأحببت أن أسرك لما رأيت من شوقك إلى رؤيته، قال: ومَن هو؟ قال: عكرمة الفياض. فأذن له في الدخول، فدخل فسلم عليه بالخلافة، فرحب به، وأدناه من مجلسه، وقال: يا عكرمة كان خيرك له وبالًا عليك، ثم قال له: اكتب حوائجك وما تختاره في رقعة، فكتبها، وقضيت على الفور، ثم أمر له بعشرة آلاف دينار، مع ما أضيف إليها من التحف والظرف، ثم دعا بقناة وعقد له على الجزيرة وأرمينية وأذربيجان، وقال له: أمرُ خزيمة إليك؛ إن شئت أبقيته، وإن شئت عزلته، قال: بل رده إلى عمله يا أمير المؤمنين، ثم انصرفا جميعًا، ولم يزالا عاملين لسليمان بن عبد الملك مدة خلافته (من مقالة على موقع: إسلام ويب، بعنوان: جابر عثرات الكرام).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 26-04-2024 الساعة 11:05 PM.
رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 801.66 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 799.95 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (0.21%)]