|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#21
|
||||
|
||||
![]() الوصايا النبوية (21) (كُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا) (موعظة الأسبوع) كتبه/ سعيد محمود الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَا هُنَا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ) (رواه مسلم). وقد جاء في سبب الوصية: عن سويد بن حنظلة قال: خرجنا نريد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومعنا وائل بن حُجر، فأخذه عدوٌّ له، فتحرَّج القوم أن يحلفوا، وحلفتُ أنه أخي فخُلِّيَ سبيلُه، فأتينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأخبرته أن القوم تحرَّجوا أن يحلفوا، وحلفتُ أنه أخي، قال: (صَدَقْتَ، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ) (أخرجه أبو داود، وصححه الألباني). مجمل الوصية: الأخوة الإسلامية ليست مجرد علاقة شخصية، ولكنها رابطة متينة، قائمة على أساس من التَّقوى وحُسن الخُلق، والتعامل بأرقى صوره، وهي في الوقت ذاته معلم بارز، ودليل واضح على تلاحم لبنات المجتمع ووحدة صفوفه، وحسبك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد ربط الأخوة بالإيمان، وجعل رعايتها من دلائل قوته وكماله، ولا عجب حينئذٍ أن يأتي الإسلام بالتدابير الكافية التي تحول دون تزعزع أركان هذه الأخوَّة. وفي ضوء ذلك جاءت هذه الوصية العظيمة تنهى المؤمنين عن جملة من الأخلاق الذميمة، والتي من شأنها أن تُعكِّر صفو الأخوة الإسلاميَّة، وتزرع الشحناء والبغضاء في نفوس أهلها، وتُثير الحسد والتدابر، والغش والخداع، وأخلاقًا سيئة أخرى جاء ذكرها في الحديث. قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَحَاسَدُوا): - الحسد هو تمنِّي زوال نعمة المحسود، وإن لم يحصل للحاسد مثلها، وقد يُقال: تمنِّي عدم حصول النعمة لغيره. رويَ في بعض الآثار الإلهية: "الحاسد عدوُّ نعمتي، متسخِّط لفعلي، غير راضٍ بقسمتي التي قسمتُ لعبادي". - الحسد أول ذنب وقع في السماء وفي الأرض: قال -تعالى-: (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدوا لِآدَمَ فَسَجَدوا إِلَّا إِبْليسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طينًا . قالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَومِ القِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَه إِلَّا قَليلًا) (الإسراء: 61-62)، وقال -تعالى-: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْبانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقينَ) (المائدة: 27). - من كلام العلماء والصالحين في التحذير من الحسد: قال عمر -رضي الله عنه-: "يكفيك من الحاسد أنه يَغتَمُّ وقتَ سرورك". وقيل: "ثلاثة لا يَهنأ لصاحبها عيش: الحقد، والحسد، وسوء الخُلق"، وقال أعرابي: "قاتل الله الحسد، ما أعدله! بدأ بصاحبه فقتله". قوله -صلى الله عليه وسلم-: (ولا تَناجَشوا): - النجش: اشتقاقه من نَجَشتُ الصيدَ إذا أثرته، كأن الناجش يُثير كثرة الثمن بنجشه، والمناجشة: أن يزيد في السلعة -أي: في ثمنها- في المناداة، وهو لا يريد شراءها، وإنما يريد نفع البائع، أو الإضرار بالمشتري. - حكم النجش: قال العلماء: "النجش في البيع ممنوع حرام، ويأثم فاعله، وإن كان معروفًا بذلك أُدِّب، وهو أن يعطي الرجل ثمنًا في سلعة ليس له قصد في شرائها، بل ليقتدي به ويُغرِّيَ غيره". وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَن غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا) (رواه مسلم)؛ كما أنه تعاون على الإثم، قال -تعالى-: (وَلا تَعاوَنوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوانِ) (المائدة: 2). قوله -صلى الله عليه وسلم-: (ولا تَباغَضوا ولا تَدابَروا): - البُغض ضِدُّ الحُبِّ، فلا تتعاطوا أسباب البغضاء؛ فالبغض حرام إلا في الله -تعالى-؛ فإنه واجب، ومن كمال الإيمان: كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، وَأَعْطَى لِلَّهِ، وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ) (أخرجه أبو داود، وصححه الألباني). - التدابر هو التهاجر والجفاء، فلا يَهجُر أحدكم أخاه، وإن رآه أعطاه دَبْرَه أو ظهره: قال -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَحِلُّ لِمسلم أن يَهجُرَ أخاه فوق ثلاث ليالٍ، يَلتقيان فيُعرِضُ هذا ويُعرِضُ هذا، وخَيرُهما الذي يَبدأ بالسلام) (رواه البخاري). - والواجب على المسلمين أن يَسعَوا ويُسارِعوا في الإصلاح بين المتهاجرين منهم: قال -تعالى-: (إِنَّمَا المُؤْمِنونَ إِخْوَةٌ فَأَصلِحوا بَينَ أَخَوَيكُمْ ? وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرحَمونَ) (الحجرات: 10). قوله -صلى الله عليه وسلم-: (ولا يَبِعْ بَعْضُكمْ على بَيعِ بَعْضٍ): - وهو أن يقول الرجل لمن اشترى سلعة في زمن خيار المجلس أو خيار الشرط: افسخ لأبيعك خيرًا منها بمثل ثمنها، أو مثلها بأنقص، ومثل ذلك الشراء على الشراء، كأن يقول للبائع: افسخ البيع لأشتري منك بأكثر، وقد أجمع العلماء على أن البيعَ على البيع والشراءَ على الشراء حرامٌ. - وفي بعض الروايات: (ولا يَسُمْ على سَومِ أخيه)، وهو: أن يتفق صاحب السلعة والراغب فيها على البيع ولم يعقداه، فيقول آخر لصاحبها: أنا أشتريها بأكثر، أو للراغب: أنا أبيعك خيرًا منها بأرخص، وهذا حرام بعد استقرار الثمن، بخلاف ما يُباع فيمن يزيد فإنه قبل الاستقرار. - وفي بعض الروايات: (ولا يَخطُبَ الرَّجلُ على خِطبَةِ أخيه، حتَّى يَترُكَ الخاطِبُ قَبلَه أو يَأذَنَ له الخاطِبُ). قال النووي -رحمه الله- في شرح مسلم: "هذه الأحاديث ظاهرة في تحريم الخِطبة على خِطبة أخيه، وأجمعوا على تحريمها إذا كان قد صُرِّح للخاطب بالإجابة، ولم يَأذَن، ولم يَترُك... واتَّفقوا على أنه إذا تَرَكَ الخِطبة رغبة عنها، وأذِنَ فيها، جازت الخِطبة على خِطبتِه، وقد صُرِّح بذلك في هذه الأحاديث" (انتهى باختصار). الزموا ميزان التفاضل في الإسلام: - لما حذَّرهم من الأخلاق والمعاملات الرذيلة، جاء التحذير أيضًا من تحقير المسلم بناءً على المظاهر الدنيوية: فقال -صلى الله عليه وسلم-: (التَّقْوَى هَاهُنَا -ويُشيرُ إلى صَدرِه ثَلاثَ مَرَّاتٍ-. بِحَسبِ امرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أن يَحقِرَ أخاه المُسلِمَ). وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ، وَأَعْمَالِكُمْ) (رواه مسلم). وقال -تعالى-: (إِنَّ أَكرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَليمٌ خَبيرٌ) (الحجرات: 13). وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنَّ اللهَ قد أذهبَ عنكم عُبِّيَّةَ الجاهليةِ وفَخرَها بالآباءِ، مؤمنٌ تَقِيٌّ، وفاجرٌ شَقِيٌّ، أنتم بَنو آدَمَ، وآدَمُ مِن تُرابٍ، لَيَدَعَنَّ رجالٌ فَخرَهم بأقوامٍ، إنَّما هم فَحمٌ مِن فَحمِ جَهنَّمَ، أو لَيَكونُنَّ أهونَ على اللهِ مِنَ الجِعلانِ التي تَدفَعُ بأنفِها النَّتِنَ) (رواه أبو داود، وحسنه الألباني). قوله -صلى الله عليه وسلم-: (وكونوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا): - تعاملوا وتعاشروا بمعاملة الأخوة والمودة، والرفق والشفقة والملاطفة، والتعاون في الخير، مع صفاء القلوب والنصيحة بكل حال: قال -تعالى-: (إِنَّمَا المُؤْمِنونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات: 10). وقال -تعالى-: (وَاذْكُروا نِعمَتَ اللَّهِ عَلَيكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعداءً فَأَلَّفَ بَينَ قُلوبِكُمْ فَأَصبَحتُمْ بِنِعمَتِه إِخْوانًا) (آل عمران: 103). وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (والذي نَفسُ مُحَمَّدٍ بيدِه، لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنفسِه مِنَ الخَيرِ) (متفق عليه). - الإسلام علَّم البشرية كيف تكون الأخوة: عن عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- قال: لَمَّا قَدِمنا المَدينَةَ، آخى رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَيني وبَينَ سَعدِ بنِ الرَّبيعِ، فقالَ سَعدُ بنُ الرَّبيعِ: إنِّي أكثَرُ الأنصارِ مالًا، فأقسِمُ لكَ نِصفَ مالي، وانظُرْ أيَّ زَوجَتَيَّ هَويتَ نَزَلتُ لكَ عَنها، فإذا حَلَّتْ تَزَوَّجتَها. قالَ: فقالَ له عبدُ الرَّحمنِ: لا حاجَةَ لي في ذلكَ، هل مِن سوقٍ فيه تِجارَةٌ؟ قالَ: سوقُ قَينُقاعٍ. قالَ: فَغَدا إلَيهِ عبدُ الرَّحمنِ، فأتى بأَقِطٍ وسَمنٍ، قالَ: ثُمَّ تابَعَ الغُدوَّ، فَما لَبِثَ أن جاءَ عبدُ الرَّحمنِ عليه أثَرُ صُفرَةٍ، فقالَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (تَزَوَّجتَ؟) قالَ: نَعَمْ، قالَ: (ومَن؟) قالَ: امرَأَةً مِنَ الأنصارِ، قالَ: (كَم سُقتَ؟) قالَ: زِنَةَ نَواةٍ مِن ذَهَبٍ -ثَلاثَةَ دَراهِمَ وثُلثٍ-، فقالَ له النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (أولِمْ ولو بشاةٍ) (رواه البخاري). فاللهم ألِّف بين قلوب المسلمين، واجمع كلمتَهم، وأصلح ذاتَ بينهم، وانصرهم على عدوِّك وعدوِّهم.
__________________
|
#22
|
||||
|
||||
![]() الوصايا النبوية (22) الوصية بالإكثار من الحج والعمرة (موعظة الأسبوع) كتبه/ سعيد محمود الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجِّ الْمَبْرُورِ ثَوَابٌ دُونَ الْجَنَّةِ) (رواه الترمذي والنسائي، وصححه الألباني). مجمل الوصية: وَصَّى النبي -صلى الله عليه وسلم- المسلمين بقوله: (تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ)، أي: أتبعوا أحدَهما الآخرَ، ولو تَخَلَّلَ بينهما زمانٌ، بحيث يَظْهَرُ مع ذلك الاهتمامُ بهما، ويُطْلَقُ عليه عُرفًا أنَّه رَدِفَه، وتَبِعَه؛ إذ القَصْدُ الإكثار منهما، والاهتمامُ بهما، وعدمُ الإهمالِ، فيَكُونُ الأمرُ بالمُتابعةِ بينهما للإرشادِ؛ فإنَّ ذلك -المُتابعةَ بين الحجِّ والعمرةِ- سَبَبٌ في زوالِ الفَقْرِ، وسببٌ لغُفرانِ الذُّنُوبِ. ما المقصود بكون الحج والعمرة ينفيان الفقر والذنوب؟ -الإكثار من الحج والعمرة يُبْعِدُ عن فاعل ذلك ذنوبَه ويُزيلها: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ) (متفق عليه). وفي حديث عمرو بن العاص -رضي الله عنه- قال: فَلَمَّا جَعَلَ اللهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ، قَالَ: فَقَبَضْتُ يَدِي، قَالَ: (مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟) قَالَ: قُلْتُ: أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ، قَالَ: (تَشْتَرِطُ بِمَاذَا؟) قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي، قَالَ: (أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا؟ وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟) (رواه مسلم). -الإكثار من الحج والعمرة يبعدان عن صاحبهما الفقر، خلافًا لما يتصوره بعض الناس: قال -تعالى-: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (سبأ: 39). قال ابن كثير -رحمه الله-: "أي: مهما أنفقتم من شيء فيما أمركم به، وأباحه لكم؛ فهو يخلفه عليكم في الدنيا بالبدل، وفي الآخرة بالجزاء والثواب، كما ثبت في الحديث: (قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ)" (تفسير ابن كثير). وقال -تعالى-: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة: 261). وجاء صريحًا من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (النَّفَقَةُ فِي الْحَجِّ كَالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِسَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ) (رواه أحمد والبيهقي بسندٍ حسن). -تنبيه مهم: أعمالُ الحجِّ والعمرةِ من الطاعاتِ إنَّما تُكفِّرُ الصغائرَ؛ فأما الكبائرُ فإنَّما تُكفَّرُ بالتوبةِ أو رحمةِ اللهِ وفضلهِ. فضل التكرير والمتابعة للحج والعمرة(1): -تعالوا نطالع فضل التكرير والمتابعة للحج والعمرة من خلال معنيين عظيمين؛ وهما: فضل البقعة -البلد الحرام-، وفضل رحلة الحج والعمرة. أولًا: من فضائل البلد الحرام: فيها أول مسجد وُجِدَ على ظهر الأرض: قال -تعالى-: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ) (آل عمران: 96). -اختار الله مكانه بخلاف جميع المساجد: قال -تعالى-: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (الحج: 26). -رفع قواعده وبناه الملائكة والأنبياء: روى البيهقي في دلائل النبوة عن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- قال: "بَعَثَ اللَّهُ جِبْرِيلَ إِلَى آدَمَ فَأَمَرَهُ بِبِنَاءِ الْبَيْتِ، فَبَنَاهُ آدَمُ ثُمَّ أَمَرَهُ بِالطَّوَافِ بِهِ، وَقِيلَ لَهُ: أَنْتَ أَوَّلُ النَّاسِ، وَهَذَا أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ". وقال -تعالى-: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (البقرة: 127). -فيه آيات بينات عظيمة تتعلق بها عبادات (الحجر الأسود - زمزم - مقام إبراهيم - الملتزم): قال الله -سبحانه وتعالى-: (فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ) (آل عمران: 97). -العبادة فيه لا مثيل لها (صلاة واحدة بالعمر كله): قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ) (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني). ثانيًا: فضل رحلة الحج والعمرة: إنها الرحلة إلى الله تلبية لأمره، مع هجر الأوطان وبذل الأموال، وتحمل المشاق؛ طلبًا للمغفرة: قال -تعالى-: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ . لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) (الحج: 27-28). وفي الحديث القدسي: (انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي، جَاءُونِي شُعْثًا غُبْرًا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ يَرْجُونَ رَحْمَتِي وَمَغْفِرَتِي، فَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُكُمْ عَدَدَ الرَّمْلِ، أَوْ كَزَبَدِ الْبَحْرِ لَغَفَرْتُهَا، أَفِيضُوا عِبَادِي مَغْفُورًا لَكُمْ وَلِمَنْ شَفَعْتُمْ لَهُ) (رواه الطبراني، وحسنه الألباني). رحلة من أعظم سبل التكفير عن الذنوب، والبركة في الأموال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ، كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) (رواه الترمذي والنسائي، وصححه الألباني). رحلة النزول في ضيافة أكرم الأكرمين -سبحانه وتعالى-: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَفْدُ اللَّهِ ثَلَاثَةٌ: الْغَازِي، وَالْحَاجُّ، وَالْمُعْتَمِرُ) (رواه النسائي، وصححه الألباني). وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللَّهِ دَعَاهُمْ فَأَجَابُوهُ وَسَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ) (رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني)(2). رسالة إلى الذين يخافون الفقر أو ضعف الاقتصاد من تكرير الحج والعمرة: - تمهيد: بعض الدول كانت منها قرارات خاطئة بفرض رسومٍ وضرائب على مَن أراد تكرير الحج والعمرة لتوفير ما يُسمَّى بالعملة الصعبة، مما يُؤَدِّي إلى الصدِّ عن هذه الفضيلة العظيمة! - اعلموا أن الله تكفَّل لأهل البلاد والقرى بالرزق الوفير إن هم أطاعوه وأعانوا على طاعته: قال -تعالى-: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) (الأعراف: 96). -إذا كانت المتابعة بين الحج والعمرة سببًا في زيادة مال القاصدين؛ فكيف بمَن أعانهم على ذلك؟!: قال -تعالى-: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) (الرحمن: 60)، وقال -تعالى-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (إبراهيم: 7). وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ) (رواه مسلم). - المتابعة بين الحج والعمرة طاعة لله، والطاعة سبب زيادة أرزاق العباد وصلاح اقتصاد البلاد: قال الله -تعالى-: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (الأعراف: 96). - البيت الحرام مهوى أفئدة المسلمين، وليس لأحدٍ حق في التضييق عليهم في ذلك: قال -تعالى-: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) (البقرة: 125). وقال: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ) (آل عمران: 96). وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا يَطُوفُ بِهَذَا الْبَيْتِ وَيُصَلِّي أَيَّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني). - تدابير إصلاح الاقتصاد وتوفير العملة الصعبة كثيرة بعد طاعة الله: (ترشيد الإنفاق الحكومي - ترشيد التمثيل الدبلوماسي والبعثات - تقليل الفعاليات الرياضية)، وغير ذلك كثير عند أهل التخصص الصالحين. - والرجوع عن الخطأ واجب، والتزام الحق فضيلة وشيمة النبلاء: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ) (رواه الترمذي وابن ماجه، وحسنه الألباني). خاتمة: ولا يحيق المكر السيِّئ إلا بأهله: - سبحان الله! فبرغم القرارات، وارتفاع الأسعار، لا يزال الناس يُقْبِلُون على الحج والعمرة أكثر من ذي قبل: قال -تعالى-: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) (البقرة: 125)، وقال -عز وجل-: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ) (آل عمران: 96). فاللهم ارزقنا زيارة بيتك الحرام حاجِّين ومعتمرين، مداومين غير منقطعين. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) قال الشوكاني -رحمه الله-: "وفي الحديث دلالة على استحباب الإكثار من الاعتمار خلافًا لقول من قال يكره أن يعتمر في السنة أكثر من مرة -كالمالكية-، ولمن قال: يكره أكثر من مرة في الشهر من غيرهم". (2) شبهة: هل الإكثار من الحج والعمرة أفضل أم إنفاق المال على الفقراء والمساكين أفضل؟ قد نص العلماء على أن الحج (ومثله العمرة) أفضلُ من الصدقة بثمنه إلا إذا كان له أقارب محاويج، أو كان هناك قوم مضطرون إلى نفقته؛ فالتصدق هنا أفضل. قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في "الاختيارات الفقهية": "وأما إن كان له أقارب محاويج، فالصدقة عليهم أفضل، وكذلك إن كان هناك قوم مضطرون إلى نفقته، فأما إذا كان كلاهما تطوعًا، فالحج أفضل؛ لأنه عبادة بدنية مالية، وكذلك الأضحية والعقيقة أفضل من الصدقة بقيمة ذلك، لكن هذا بشرط أن يقيم الواجب في الطريق، ويترك المحرمات، ويصلي الصلوات الخمس، ويصدق الحديث، ويؤدي الأمانة، ولا يتعدَّى على أحد". ولا ينبغي للمستطيع أن يتأخر عن الحج أكثر من أربعة أعوام، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: إِنَّ عَبْدًا أَصَحَّحْتُ لَهُ جِسْمَهُ وَوَسَّعْتُ لَهُ فِي مَعِيشَتِهِ تَمْضِي عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَعْوَامٍ لَا يَفِدُ إِلَيَّ لَمَحْرُومٌ) (رواه أبو يعلى وابن حبان، وصححه الألباني في صحيح الجامع).
__________________
|
#23
|
||||
|
||||
![]() الوصايا النبوية (23) التسوية بين الأولاد في الهدية (موعظة الأسبوع) كتبه/ سعيد محمود فعن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: تَصَدَّقَ عَلَيَّ أَبِي بِبَعْضِ مَالِهِ، فَقَالَتْ أُمِّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَانْطَلَقَ أَبِي إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- لِيُشْهِدَهُ عَلَى صَدَقَتِي، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (أَفَعَلْتَ هَذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِمْ؟) قَالَ: لَا، قَالَ: (اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ)، فَرَجَعَ أَبِي فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ. (متفق عليه). وفي لفظ مسلم: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يَا بَشِيرُ، أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا؟) قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: (أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا؟) قَالَ: لَا، قَالَ: (فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا، فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ). مجمل الوصية: في هذه الوصية يُخْبِرُ النُّعمانُ بنُ بَشيرٍ الأنصاريُّ -رضيَ اللهُ عنهما- أنَّ أباه بَشيرًا قدْ أعطاهُ عَطيَّةً، أي: هِبةً، وكانت العَطيةُ غُلامًا خادمًا، سَأَلَتْه أمُّ النُّعمانِ من أبيهِ لابْنِها، ثم قالتْ -رضيَ اللهُ عنها- لِزَوجِها بَشيرٍ: لا أرْضَى بهذه العطيَّةِ حتَّى تُشهِدَ عليها رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أنَّكَ أعْطَيتَه ذلك على سَبيلِ الهِبةِ، وغَرَضُها بذلك تَثبيتُ العَطيَّةِ؛ فذَهَبَ بَشيرٌ إلى النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فذكَرَ له ما صَنَعَ، وأنَّ زَوجتَه أمَرَتْه أنْ يُشهِدَه، فسَأَلَه النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: هلْ أَعْطيتَ باقيَ أولادك مِثلَ ما أَعطيتَ وَلَدَك النُّعمانَ؟ فقال: لا، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ)؛ وذلِكَ للتَّأليفِ بيْن الإخوةِ، وقَطْعِ مُسَبِّباتِ الشَّحْناءِ والبَغْضاءِ بيْنَهم، ولإعانَتِهم على حُسنِ بِرِّ أبيهم. فاستجابَ بَشيرٌ لأمْرِ رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ونَهيِهِ، فرَجعَ ورَدَّ العطيَّةَ الَّتي أعْطاها لابنِه؛ حتَّى يكونَ عادلًا بيْن أولادِه. أشهر أسباب التفضيل بالباطل بين الأبناء في المعاملة والعطية: البعض من الآباء قد يفضِّل بعض الأبناء على بعضهم لأسباب غير مشروعة، ومن ذلك: 1- أن يكون الابن من الجنس غير المرغوب فيه جهلًا؛ لكونه أنثى: فهو ممَّن قال الله فيهم: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) (النحل: 58)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ) وَضَمَّ أَصَابِعَهُ. (رواه مسلم). 2- أن يكون الابن قليل الحظ من الجمال: قال -تعالى-: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) (الزخرف: 32). 3- أن يكون محبوبًا دون الآخرين؛ لذكائه، أو لكثرة حركته أو قِلَّتها: فهذه كسابقتها؛ فالأمر كله من الله لحكمٍ يريدها. 4- أن يكون الابن مصابًا بعاهات جسدية ظاهرة (شلل - عرج - تخلُّف عقلي - ...)، وهذا يحتاج إلى الكثير من الحنان والمحبة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ابْغُونِي الضُّعَفَاءَ، فَإِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني). (وماذا لو كنتَ حُرِمتَ من الأولاد؟). 5- بعضهم يبغض ولده لشبهه بمن يكرهه من القرابات: قال -تعالى-: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (فاطر: 18). ويقال في الجميع: قال الله -تعالى-: (آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا) (النساء: 11)(1). فائدة مهمة: لا يأثم الإنسان على المحبة القلبية (صِغَر سنٍّ - نَباهة - جمال - معاونة - ...)، لا سيما إذا كان سببها البِر والطاعة، مع الحذر من التفريق في المعاملة: (إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا) (يوسف: 8). وجوب العدل بين الأولاد: - لقد أوصى الإسلام ببر الوالدين، ولو كانا كافرين: قال -تعالى-: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ . وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ? ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (لقمان: 14، 15). - ولما كان عقوق الوالدين محرَّمًا، كان كل ما يؤدي إليه محرَّمًا كذلك، ومن الأمور المؤدية إلى العقوق: عدم العدل بين الأبناء في الهبة والعطية: قال النبي لبشير -صلى الله عليه وسلم-: (فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا، فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ). وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلٌ، فَجَاءَ ابْنٌ لَهُ، فَقَبَّلَهُ وَأَجْلَسَهُ عَلَى فَخِذِهِ، ثُمَّ جَاءَتْ بِنْتٌ لَهُ، فَأَجْلَسَهَا إِلَى جَنْبِهِ، فَقَالَ: (فَهَلَّا عَدَلْتَ بَيْنَهُمَا؟) (رواه البيهقي، وحسنه الألباني). وقال ابن قدامة -رحمه الله-: "كانوا يستحبون أن يسووا بينهم حتى في القُبَل". - التفضيل بين الأبناء في العطية ظلمٌ يسبب الأحقاد، ويزرع الضغائن، ويزيد الأبناء العاقّين عقوقًا وتمردًا: ففي رواية مسلم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً). قَالَ: بَلَى. قَالَ: (فَلَا إِذًا). وقال يزيد بن معاوية: "أرسل أبي إلى الأحنف بن قيس، فلما وصل إليه قال له: يا أبا بحر، ما تقول في الولد؟ قال: يا أمير المؤمنين، ثمارُ قلوبنا، وعمادُ ظهورنا، ونحن لهم أرضٌ ذليلة، وسماءٌ ظليلة، وبهم نصول على كل جليلة، فإن طلبوا فأعطِهم، وإن غضبوا فأرضِهم، يمنحوك ودهم، ويحبونك جهدهم، ولا تكن عليهم ثقلًا ثقيلًا، فيملوا حياتك، ويودوا وفاتك، ويكرهوا قربك" (إحياء علوم الدين). تنبيه مهم جدًّا: الظلم من الوالد لا يُسوِّغ مقابلته بالإساءة، أو الظلم من الولد؛ لأن حق الوالدين أعظم من حق الولد، وعقوق الوالدين من أكبر الكبائر، حيث قرن الله بينه وبين الشرك؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ -ثَلَاثًا-: الْإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (ثَلاثَةٌ لا يَقْبَلُ اللَّهُ لَهُمْ صَرْفًا وَلا عَدْلًا: عَاقٌّ، وَمَنَّانٌ، وَمُكَذِّبٌ بِالْقَدَرِ) (رواه الطبراني، وحسنه الألباني). أهمية معرفة الفرق بين النفقة والعطية: - الجهل بالفرق بين العطية والنفقة يتسبب في المشاكل والنزاعات الكثيرة. - النفقة تكون على قدر حاجة كل واحد من الأولاد وكفايته، وأما العطية فهي القدر الزائد على النفقة. (توضيح: نفقة الولد الكبير من الطعام والشراب والملبس والدراسة، والمواصلات، ونحوه، تكون أكثر من الصغير عادة؛ فلا يلزم التسوية). قال العلماء -رحمهم الله-: "فإن خص بعضهم لمعنى يقتضي تخصيصه؛ مثل: اختصاصه بحاجة أو زمانة، أو عمى، أو كثرة عائلة أو اشتغاله بالعلم، أو نحوه من الفضائل؛ فلا بأس به إذا كان لحاجة، ويحرم إذا كان على سبيل الأثرة". - ويدخل في النفقة: تزويج المؤهَّل للزواج، وإعانة الطالب، والمريض، ونحوه. قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "إذا احتاج أحدهم إلى تزويجه، والآخر لا يحتاج، فما العدل؟ الجواب: أن يُعطى من يحتاج إلى التزويج ولا يُعطى الآخر..." (الشرح الممتع)(2). مسألة مهمة: هل يجوز منع العطية عن الولد العاق أو من يستعين بها على المعصية؟ قال العلماء: "لو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه أو بدعته، أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله أو ينفقه فيها؛ جاز"(3). كيفية تقسيم العطية بين الأولاد: - ذهب جمهور العلماء إلى التسوية بين الذكر والأنثى في العطية: لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لبشير بن سعد: (سَوِّ بَيْنَهُمْ) (رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني)، وعلل ذلك بقوله: (أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً؟) قال: بَلَى. - والأنثى كالذكر في استحقاق برها، فكذلك في عطيتها؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (سَوُّوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ فِي الْعَطِيَّةِ كَمَا تُحِبُّونَ أَنْ يُسَوُّوا بَيْنَكُمْ فِي الْبِرِّ) (أخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار)؛ ولأنها عطية في الحياة، فاستوى فيها الذكر والأنثى: كالنفقة، والكسوة. نصيحة: احذر من توزيع مالك كله على عيالك في حياتك، فالموت في عِلْم الله، والقلوب تتقلب؛ قال الله -تعالى-: (آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا) (النساء: 11). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ (1) الإشارة إلى بعض الحكايات عن أبناء ظلموا من الآباء، ثم كانوا هم العون لهم في الكبر. (2) قال -رحمه الله-: "فإذا فرضنا أن أحدهم في المدارس ويحتاج إلى نفقة للمدرسة من كتب ودفاتر، وأقلام وحبر، وما أشبه ذلك، والآخر لا يقرأ، وهو أكبر منه، لكنه لا يحتاج، فهل إذا أعطى الأول يجب أن يعطي الثاني مثله؟ الجواب: لا يجب؛ لأن التعديل في الإنفاق يعني أن يعطي كل واحد منهم ما يحتاج إليه. مثاله: لو احتاج الولد الذكر إلى غترة وطاقية قيمتهما مائة ريال، واحتاجت الأنثى إلى قُروط في الآذان قيمتها ألف ريال -يعني: تتجمل بها ليتقدم لخطبتها الخطَّاب-، فما هو العدل؟ الجواب: العدل أن يشتري لهذا الغترة والطاقية بمائة ريال، ويشتري للأنثى القُروط بألف ريال، أضعاف الذكر عشر مرات، هذا هو التعديل). (3) استثنى العلماء الولد العاق من العدل بين الأبناء في الأعطيات، قال الشربيني رحمه الله: "يُستثنى العاق والفاسق إذا عُلِم أنه يصرفه في المعاصي؛ فلا يُكره حرمانه" (مغني المحتاج). كما عدوا زيادة الفضل سببًا في التفضيل؛ لما روى الإمام مالك عن عائشةَ زَوجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "أن أبا بَكرٍ الصِّدِّيقَ كانَ نَحَلَها جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا مِن مَالِهِ بِالغَابَةِ" (الموطأ). قال ابن حجر -رحمه الله-: "لو حرم فاسقًا لئلا يصرفه في معصية، أو عاقًا، أو زاد أو آثر الأحوج، أو المتميز بنحو فضل كما فعله الصديق مع عائشة -رضي الله تعالى عنهما- لم يُكرَه" (تحفة المحتاج). وأجاز العلماء للأب أيضًا أن يعود في هبته لابنه العاق بعد إنذاره، قال الرملي -رحمه الله-: "فإنْ وجد (سببًا للرجوع في الهبة) ككون الولد عاقًّا، أو يصرفه في معصية، أنذره به (أي: باسترداد الهبة)، فإن أصر (الولد العاق أو العاصي) لم يُكره -أي: استرداد الهبة منه-" (نهاية المحتاج). فإذا كان استرداد العطية جائزًا، فمن باب أولى حرمانه منها ابتداءً. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "فلو كان أحد الأولاد فاسقًا، فقال والده: لا أعطيك نظير إخوتك حتى تتوب؛ فهذا حسن، يتعين استثناؤه، وإذا امتنع من التوبة؛ فهو الظالم. فإن تاب: وجب عليه أن يعطيه" (المستدرك على مجموع الفتاوى).
__________________
|
#24
|
||||
|
||||
![]() الوصايا النبوية (23) التسوية بين الأولاد في الهدية (موعظة الأسبوع) كتبه/ سعيد محمود فعن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: تَصَدَّقَ عَلَيَّ أَبِي بِبَعْضِ مَالِهِ، فَقَالَتْ أُمِّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَانْطَلَقَ أَبِي إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- لِيُشْهِدَهُ عَلَى صَدَقَتِي، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (أَفَعَلْتَ هَذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِمْ؟) قَالَ: لَا، قَالَ: (اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ)، فَرَجَعَ أَبِي فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ. (متفق عليه). وفي لفظ مسلم: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يَا بَشِيرُ، أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا؟) قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: (أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا؟) قَالَ: لَا، قَالَ: (فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا، فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ). مجمل الوصية: في هذه الوصية يُخْبِرُ النُّعمانُ بنُ بَشيرٍ الأنصاريُّ -رضيَ اللهُ عنهما- أنَّ أباه بَشيرًا قدْ أعطاهُ عَطيَّةً، أي: هِبةً، وكانت العَطيةُ غُلامًا خادمًا، سَأَلَتْه أمُّ النُّعمانِ من أبيهِ لابْنِها، ثم قالتْ -رضيَ اللهُ عنها- لِزَوجِها بَشيرٍ: لا أرْضَى بهذه العطيَّةِ حتَّى تُشهِدَ عليها رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أنَّكَ أعْطَيتَه ذلك على سَبيلِ الهِبةِ، وغَرَضُها بذلك تَثبيتُ العَطيَّةِ؛ فذَهَبَ بَشيرٌ إلى النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فذكَرَ له ما صَنَعَ، وأنَّ زَوجتَه أمَرَتْه أنْ يُشهِدَه، فسَأَلَه النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: هلْ أَعْطيتَ باقيَ أولادك مِثلَ ما أَعطيتَ وَلَدَك النُّعمانَ؟ فقال: لا، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ)؛ وذلِكَ للتَّأليفِ بيْن الإخوةِ، وقَطْعِ مُسَبِّباتِ الشَّحْناءِ والبَغْضاءِ بيْنَهم، ولإعانَتِهم على حُسنِ بِرِّ أبيهم. فاستجابَ بَشيرٌ لأمْرِ رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ونَهيِهِ، فرَجعَ ورَدَّ العطيَّةَ الَّتي أعْطاها لابنِه؛ حتَّى يكونَ عادلًا بيْن أولادِه. أشهر أسباب التفضيل بالباطل بين الأبناء في المعاملة والعطية: البعض من الآباء قد يفضِّل بعض الأبناء على بعضهم لأسباب غير مشروعة، ومن ذلك: 1- أن يكون الابن من الجنس غير المرغوب فيه جهلًا؛ لكونه أنثى: فهو ممَّن قال الله فيهم: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) (النحل: 58)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ) وَضَمَّ أَصَابِعَهُ. (رواه مسلم). 2- أن يكون الابن قليل الحظ من الجمال: قال -تعالى-: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) (الزخرف: 32). 3- أن يكون محبوبًا دون الآخرين؛ لذكائه، أو لكثرة حركته أو قِلَّتها: فهذه كسابقتها؛ فالأمر كله من الله لحكمٍ يريدها. 4- أن يكون الابن مصابًا بعاهات جسدية ظاهرة (شلل - عرج - تخلُّف عقلي - ...)، وهذا يحتاج إلى الكثير من الحنان والمحبة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ابْغُونِي الضُّعَفَاءَ، فَإِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني). (وماذا لو كنتَ حُرِمتَ من الأولاد؟). 5- بعضهم يبغض ولده لشبهه بمن يكرهه من القرابات: قال -تعالى-: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (فاطر: 18). ويقال في الجميع: قال الله -تعالى-: (آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا) (النساء: 11)(1). فائدة مهمة: لا يأثم الإنسان على المحبة القلبية (صِغَر سنٍّ - نَباهة - جمال - معاونة - ...)، لا سيما إذا كان سببها البِر والطاعة، مع الحذر من التفريق في المعاملة: (إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا) (يوسف: 8). وجوب العدل بين الأولاد: - لقد أوصى الإسلام ببر الوالدين، ولو كانا كافرين: قال -تعالى-: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ . وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ? ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (لقمان: 14، 15). - ولما كان عقوق الوالدين محرَّمًا، كان كل ما يؤدي إليه محرَّمًا كذلك، ومن الأمور المؤدية إلى العقوق: عدم العدل بين الأبناء في الهبة والعطية: قال النبي لبشير -صلى الله عليه وسلم-: (فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا، فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ). وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلٌ، فَجَاءَ ابْنٌ لَهُ، فَقَبَّلَهُ وَأَجْلَسَهُ عَلَى فَخِذِهِ، ثُمَّ جَاءَتْ بِنْتٌ لَهُ، فَأَجْلَسَهَا إِلَى جَنْبِهِ، فَقَالَ: (فَهَلَّا عَدَلْتَ بَيْنَهُمَا؟) (رواه البيهقي، وحسنه الألباني). وقال ابن قدامة -رحمه الله-: "كانوا يستحبون أن يسووا بينهم حتى في القُبَل". - التفضيل بين الأبناء في العطية ظلمٌ يسبب الأحقاد، ويزرع الضغائن، ويزيد الأبناء العاقّين عقوقًا وتمردًا: ففي رواية مسلم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً). قَالَ: بَلَى. قَالَ: (فَلَا إِذًا). وقال يزيد بن معاوية: "أرسل أبي إلى الأحنف بن قيس، فلما وصل إليه قال له: يا أبا بحر، ما تقول في الولد؟ قال: يا أمير المؤمنين، ثمارُ قلوبنا، وعمادُ ظهورنا، ونحن لهم أرضٌ ذليلة، وسماءٌ ظليلة، وبهم نصول على كل جليلة، فإن طلبوا فأعطِهم، وإن غضبوا فأرضِهم، يمنحوك ودهم، ويحبونك جهدهم، ولا تكن عليهم ثقلًا ثقيلًا، فيملوا حياتك، ويودوا وفاتك، ويكرهوا قربك" (إحياء علوم الدين). تنبيه مهم جدًّا: الظلم من الوالد لا يُسوِّغ مقابلته بالإساءة، أو الظلم من الولد؛ لأن حق الوالدين أعظم من حق الولد، وعقوق الوالدين من أكبر الكبائر، حيث قرن الله بينه وبين الشرك؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ -ثَلَاثًا-: الْإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (ثَلاثَةٌ لا يَقْبَلُ اللَّهُ لَهُمْ صَرْفًا وَلا عَدْلًا: عَاقٌّ، وَمَنَّانٌ، وَمُكَذِّبٌ بِالْقَدَرِ) (رواه الطبراني، وحسنه الألباني). أهمية معرفة الفرق بين النفقة والعطية: - الجهل بالفرق بين العطية والنفقة يتسبب في المشاكل والنزاعات الكثيرة. - النفقة تكون على قدر حاجة كل واحد من الأولاد وكفايته، وأما العطية فهي القدر الزائد على النفقة. (توضيح: نفقة الولد الكبير من الطعام والشراب والملبس والدراسة، والمواصلات، ونحوه، تكون أكثر من الصغير عادة؛ فلا يلزم التسوية). قال العلماء -رحمهم الله-: "فإن خص بعضهم لمعنى يقتضي تخصيصه؛ مثل: اختصاصه بحاجة أو زمانة، أو عمى، أو كثرة عائلة أو اشتغاله بالعلم، أو نحوه من الفضائل؛ فلا بأس به إذا كان لحاجة، ويحرم إذا كان على سبيل الأثرة". - ويدخل في النفقة: تزويج المؤهَّل للزواج، وإعانة الطالب، والمريض، ونحوه. قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "إذا احتاج أحدهم إلى تزويجه، والآخر لا يحتاج، فما العدل؟ الجواب: أن يُعطى من يحتاج إلى التزويج ولا يُعطى الآخر..." (الشرح الممتع)(2). مسألة مهمة: هل يجوز منع العطية عن الولد العاق أو من يستعين بها على المعصية؟ قال العلماء: "لو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه أو بدعته، أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله أو ينفقه فيها؛ جاز"(3). كيفية تقسيم العطية بين الأولاد: - ذهب جمهور العلماء إلى التسوية بين الذكر والأنثى في العطية: لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لبشير بن سعد: (سَوِّ بَيْنَهُمْ) (رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني)، وعلل ذلك بقوله: (أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً؟) قال: بَلَى. - والأنثى كالذكر في استحقاق برها، فكذلك في عطيتها؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (سَوُّوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ فِي الْعَطِيَّةِ كَمَا تُحِبُّونَ أَنْ يُسَوُّوا بَيْنَكُمْ فِي الْبِرِّ) (أخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار)؛ ولأنها عطية في الحياة، فاستوى فيها الذكر والأنثى: كالنفقة، والكسوة. نصيحة: احذر من توزيع مالك كله على عيالك في حياتك، فالموت في عِلْم الله، والقلوب تتقلب؛ قال الله -تعالى-: (آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا) (النساء: 11). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ (1) الإشارة إلى بعض الحكايات عن أبناء ظلموا من الآباء، ثم كانوا هم العون لهم في الكبر. (2) قال -رحمه الله-: "فإذا فرضنا أن أحدهم في المدارس ويحتاج إلى نفقة للمدرسة من كتب ودفاتر، وأقلام وحبر، وما أشبه ذلك، والآخر لا يقرأ، وهو أكبر منه، لكنه لا يحتاج، فهل إذا أعطى الأول يجب أن يعطي الثاني مثله؟ الجواب: لا يجب؛ لأن التعديل في الإنفاق يعني أن يعطي كل واحد منهم ما يحتاج إليه. مثاله: لو احتاج الولد الذكر إلى غترة وطاقية قيمتهما مائة ريال، واحتاجت الأنثى إلى قُروط في الآذان قيمتها ألف ريال -يعني: تتجمل بها ليتقدم لخطبتها الخطَّاب-، فما هو العدل؟ الجواب: العدل أن يشتري لهذا الغترة والطاقية بمائة ريال، ويشتري للأنثى القُروط بألف ريال، أضعاف الذكر عشر مرات، هذا هو التعديل). (3) استثنى العلماء الولد العاق من العدل بين الأبناء في الأعطيات، قال الشربيني رحمه الله: "يُستثنى العاق والفاسق إذا عُلِم أنه يصرفه في المعاصي؛ فلا يُكره حرمانه" (مغني المحتاج). كما عدوا زيادة الفضل سببًا في التفضيل؛ لما روى الإمام مالك عن عائشةَ زَوجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "أن أبا بَكرٍ الصِّدِّيقَ كانَ نَحَلَها جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا مِن مَالِهِ بِالغَابَةِ" (الموطأ). قال ابن حجر -رحمه الله-: "لو حرم فاسقًا لئلا يصرفه في معصية، أو عاقًا، أو زاد أو آثر الأحوج، أو المتميز بنحو فضل كما فعله الصديق مع عائشة -رضي الله تعالى عنهما- لم يُكرَه" (تحفة المحتاج). وأجاز العلماء للأب أيضًا أن يعود في هبته لابنه العاق بعد إنذاره، قال الرملي -رحمه الله-: "فإنْ وجد (سببًا للرجوع في الهبة) ككون الولد عاقًّا، أو يصرفه في معصية، أنذره به (أي: باسترداد الهبة)، فإن أصر (الولد العاق أو العاصي) لم يُكره -أي: استرداد الهبة منه-" (نهاية المحتاج). فإذا كان استرداد العطية جائزًا، فمن باب أولى حرمانه منها ابتداءً. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "فلو كان أحد الأولاد فاسقًا، فقال والده: لا أعطيك نظير إخوتك حتى تتوب؛ فهذا حسن، يتعين استثناؤه، وإذا امتنع من التوبة؛ فهو الظالم. فإن تاب: وجب عليه أن يعطيه" (المستدرك على مجموع الفتاوى).
__________________
|
#25
|
||||
|
||||
![]() الوصايا النبوية (24) اذكروا محاسن موتاكم (موعظة الأسبوع) كتبه/ سعيد محمود فعن عائشةَ أمِّ المؤمنينَ -رضي اللهُ عنها-، قالت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلم-: (لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ، فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا) (رواه البخاري)(1)، وعنها قالت: ذُكِرَ عندَ النَّبيِّ -صلى اللهُ عليه وسلم- هَالِكٌ بسوءٍ، فقال: (لَا تَذْكُرُوا هَلْكَاكُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ) (أخرجه النسائي، وصححه الألباني). وعندَ ابنِ حِبَّانَ: (فَإِنَّ مَا قَدَّمُوهُ مِنْ أَعْمَالٍ سَيُحَاسِبُهُمُ اللَّهُ عَلَيْهَا)(2). مجمل الوصية: مَن ماتَ مِنَ النَّاسِ فقدْ أَفْضَى إِلَى رَبِّهِ سبحانه، وهو الذي يُحَاسِبُهُ على أَعْمَالِهِ، وقد أَوْصَى النَّبيُّ -صلى اللهُ عليه وسلم- أُمَّتَهُ بِحُسْنِ المعاملةِ معَ الأَحْيَاءِ والأَمْوَاتِ كذلك. وفي هذا الحديثِ تَحْكِي أُمُّ المُؤْمِنِينَ عائشةُ -رضي اللهُ عنها- أَنَّهُ: ذُكِرَ عِنْدَ النَّبيِّ -صلى اللهُ عليه وسلم- شَخْصٌ مَيِّتٌ بِشَرٍّ، فقال -صلى اللهُ عليه وسلم-: (لَا تَذْكُرُوا هَلْكَاكُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ)، أي: لا تَذْكُرُوا أَمْوَاتَكُمْ إِلَّا بِالْخَيْرِ؛ وذلك لأَنَّهُمْ قَدْ صَارُوا إِلَى الجزاءِ والحسابِ. كلُّنا سيكونُ من الأمواتِ يومًا: فقد قَضَى اللَّهُ -جلَّ وعلا- على خَلْقِهِ بالموتِ، وجعلَ الموتَ حَقًّا على كلِّ حَيٍّ، لا مَحِيدَ عنه: قال اللهُ تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ? وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (آل عمران: 185). وعندَ الاحتضارِ تبدأُ حقوقٌ جديدةٌ للمسلمِ على إخوانِهِ، كَرَفِيقٍ صَالِحٍ يُؤْنِسُهُ ويُثَبِّتُهُ، ويُلَقِّنُهُ: "لا إلهَ إلا اللهُ"؛ طَلَبًا لِحُسْنِ الخاتمةِ، ثم إذا خَرَجَتِ الروحُ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يُغَمِّضُوا عَيْنَيْهِ، ويُغَطُّوهُ صِيَانَةً له، ثم تُنَفَّذُ وصيتُهُ، ويُغَسَّلُ ويُكَفَّنُ ويُصَلَّى عليه ويُدْفَنُ، وتُحِدُّ عليه زوجتُهُ، ويُسَدَّدُ دَيْنُهُ، وتُقْسَمُ تَرِكَتُهُ. وهكذا تنتهي الدنيا في حقِّ الإنسانِ، وقد أَقْبَلَ على الحسابِ والجزاءِ على ما قَدَّمَ في هذه الحياةِ الدنيا: قال -تعالى-: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) (يس: 12). ولا تَنْقَطِعُ حقوقُ المسلمِ بالموتِ، بل تَبْقَى بعضُ حقوقه على الأحياءِ من أهلِهِ وغيرِهم إلى يومِ القيامةِ، ومنها هذا الحقُّ الكبيرُ (ذِكْرُهُ بِالْخَيْرِ): قال النَّبيُّ -صلى اللهُ عليه وسلم-: (لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ، فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا)، وقال -صلى اللهُ عليه وسلم-: (لَا تَذْكُرُوا هَلْكَاكُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ) (سبق). لماذا النَّهْيُ عن سبِّ الأمواتِ؟ الأمواتُ قد انقطعتْ علاقتُكَ المباشرةُ بهم، وسَبُّهُمْ إيذاءٌ لهم بغيرِ سببٍ: قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) (الأحزاب: 58)، وقال رسول الله -صلى اللهُ عليه وسلم-: (كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ) (رواه مسلم). (هذا في حقِّ المسلمِ الحَيِّ؛ فكيف بالميتِ الذي لا يَمْلِكُ الدفاعَ عن نفسِهِ؟!). ذِكْرُ مساوئِ الموتى ليس من شِيَمِ الكرامِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلم-: (الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ) (متفقٌ عليه). إنْ لم تَدْعُ للميتِ فلا تُؤْذِهِ بالسبِّ: ففي حديثِ عائشةَ -رضي الله عنها-: (إِذَا مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَدَعُوهُ، لَا تَقَعُوا فِيهِ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني). بل سَبُّ الأمواتِ يَحْدُثُ حُزْنًا في قلوبِ أقاربِهم ويَتَسَبَّبُ في التَّشَاحُنِ والتَّبَاغُضِ: قال النَّبيُّ -صلى اللهُ عليه وسلم-: (لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ فَتُؤْذُوا الْأَحْيَاءَ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني). ثم هل تَرْضَى أنْ يَسُبَّكَ الناسُ بعدَ موتِكَ؟ قال رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلم-: (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ) (رواه مسلم). اتركْ أثرًا صالحًا قبلَ الرحيلِ: سؤالٌ وجِّهَهُ لنفسِكَ الآنَ: ما آثارُكَ الطيبةُ بعدَ الموتِ لِيَذْكُرَكَ الناسُ بالخيرِ؟ فكم غَرْسًا للخيرِ غَرَسْتَ؟ وكم ضَالًّا عن الحقِّ هَدَيْتَ؟ وكم سَبِيلًا من سُبُلِ الخيرِ سَبَلْتَ؟: قال -تعالى-: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ). سَلْ نفسَكَ: أين أنا من أصحابِ النَّبيِّ -صلى اللهُ عليه وسلم- الذين فَتَحُوا البلادَ ونَشَرُوا الإسلامَ والدينَ والسُّنةَ؟ وأين أنا من الأئمةِ الذين ملأوا الأرضَ عِلْمًا ودعوةً وتَصَانِيفًا وعُلُومًا، الذين ما زالتِ الدنيا تَتَرَضَّى وتَتَرَحَّمُ عليهم؟ (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ) (الحشر: 10). وقال الشاعرُ: قـد مـاتَ قـومٌ وما ماتَتْ مَكَارِمُهُـمْ وعاشَ قومٌ وهُمْ في الناسِ أَمْوَاتُ احذرْ أنْ تَتْرُكَ أَثَرًا فاسدًا بعدَ موتِكَ، فليس السِّبابُ واللعناتُ من الناسِ وحدها سَتُلاحِقُكَ، بل الآثارُ السيئةُ في الدنيا والآخرةِ: قال النَّبيُّ -صلى اللهُ عليه وسلم-: (وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ) (رواه مسلم).مشروعية الكلامِ بالسوءِ في أعداءِ الدينِ والفاجرينَ: النَّهْيُ عن سَبِّ الأمواتِ متعلقٌ بالمسلمينَ المستورينَ، وأما الفاسقونَ منهم، والكافرونَ والمنافقونَ، فيجوزُ من بابِ التحذيرِ من حالِهم وفضحِ مَسْلَكِهِمْ وطَرِيقِهِمْ: وعن أَنَسٍ -رضي اللهُ عنه-، قال: مَرُّوا بِجِنَازَةٍ، فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا، فقال النَّبيُّ -صلى اللهُ عليه وسلم-: (وَجَبَتْ)، ثم مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا، فقال: (وَجَبَتْ)، فقال عُمَرُ بنُ الْخَطَّابِ -رضي اللهُ عنه-: ما وَجَبَتْ؟ قال: (هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا، فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا، فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ؛ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ) (متفقٌ عليه). الفرحُ بِمَهْلَكِ أعداءِ الإسلامِ وأهلِ البدعِ المغلظةِ وأهلِ المجاهرةِ بالفجورِ أمرٌ مشروعٌ، وهو من نِعَمِ اللهِ على عبادِهِ وعلى الشجرِ والدوابِّ، بل يُشَرَّعُ الفرحُ بما يَحِلُّ بهم من مصائبَ: عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلم- مُرَّ عَلَيْهِ بِجَنَازَةٍ، فَقَالَ: (مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ)، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ فَقَالَ: (الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ، وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ) (متفق عليه). خاتمة: عودٌ على بدءٍ: وصيةٌ غاليةٌ من أعظمِ ناصحٍ، بأنَّ حقوقَ المسلمِ لا تَنْقَطِعُ بالموتِ، بل تَبْقَى بعضُ حقوقه على الأحياءِ إلى يومِ القيامةِ، ومنها: قال النَّبيُّ -صلى اللهُ عليه وسلم-: (لَا تَذْكُرُوا هَلْكَاكُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ). اللهمَّ ارْحَمْ مَوْتَانَا وموتى المسلمينَ. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ (1) ما ذُكِرَ في العنوانِ قد رَوَاهُ أبو داودَ والترمذيُّ والحاكمُ والبيهقيُّ عن ابنِ عمرَ -رضي اللهُ عنهما- عن النبيِّ -صلى اللهُ عليه وسلم- أنه قال: (اذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ، وَكُفُّوا عَنْ مَسَاوِيهِمْ) (لكنه غيرُ صحيحٍ؛ لأنَّ في سنده عِمْرَانَ بنَ أَنَسٍ المكيَّ؛ قال فيه البخاريُّ: منكرُ الحديثِ. وقال العقيليُّ: لا يُتَابَعُ على حديثِهِ)، والرواية الصحيحة: (لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ). (2) قال العلماءُ: "فلم يَنْهَهُمُ النَّبيُّ -صلى اللهُ عليه وسلم- عن ذِكْرِ المَيِّتِ بالشَّرِّ، والنَّهْيَ عن سَبِّ الأمواتِ هو في غَيْرِ المنافقِ وسائرِ الكفَّارِ، وفي غَيْرِ المتظاهرِ بِفِسْقٍ أو بِدْعَةٍ؛ فأَمَّا المنافقُ والكافرُ والفاسقُ وصاحبُ البدعةِ فلا يَحْرُمُ ذِكْرُهُمْ بالشَّرِّ؛ لِلتَّحْذِيرِ مِنْ طَرِيقَتِهِمْ، ومن الاقتداءِ بِآثَارِهِمْ، والتَّخَلُّقِ بِأَخْلاقِهِمْ، ومنه ذلك الحديثُ الذي أَثْنَوْا على المَيِّتِ فيه شَرًّا؛ لأنَّه كان مَشْهُورًا بِنِفَاقٍ، أو نَحْوِهِ؛ إذَنْ فالدَّاعِي لذِكْرِ الأمواتِ بالشَّرِّ هو حاجةٌ شَرْعِيَّةٌ إلى جَرْحِهِ".
__________________
|
#26
|
||||
|
||||
![]() الوصايا النبوية (25) (تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْآنَ) (موعظة الأسبوع) كتبه/ سعيد محمود الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛فعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْآنَ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الْإِبِلِ فِي عُقُلِهَا) (متفق عليه). مجمل الوصية: أمر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في هذه الوصية بمُعَاهَدَةِ القرآنِ والمواظبةِ على تِلَاوَتِهِ كي لا يَنْسَاهُ المسلمُ بعد أن كان حَافِظًا له في صَدْرِهِ، وأكَّد ذلك بحَلِفِهِ -صلى الله عليه وسلم- على أنَّ القرآنَ أشدُّ تَخَلُّصًا وذَهَابًا من الصُّدُورِ من الإبلِ المَعْقُولَةِ وهي المَشْدُودَةُ بحَبْلٍ في وَسَطِ الذِّرَاعِ، إن تَعَاهَدَهَا الإنسانُ أمْسَكَهَا وإن أطْلَقَهَا ذَهَبَتْ وضَاعَتْ(1). فضل القرآن: - القرآنُ هو كلامُ اللهِ، أنْزَلَهُ على نَبِيِّهِ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-: وهو كتابُ الإسلامِ الخَالِدِ، ومُعْجِزَتُهُ الكُبْرَى، فيه تَقْوِيمٌ للسُّلُوكِ، وتَنْظِيمٌ للحَيَاةِ، من اسْتَمْسَكَ به فقد اسْتَمْسَكَ بالعُرْوَةِ الوُثْقَى لا انْفِصَامَ لها، ومن أعْرَضَ عنه وطَلَبَ الهُدَى في غَيْرِهِ فقد ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا: قال -تعالى-: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) (إبراهيم: 1)(2). - ولقد تَعَبَّدَنَا اللهُ بتِلَاوَتِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وأطْرَافَ النَّهَارِ، ووَعَدَنَا على ذلك الأجْرَ العَظِيمَ: قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ) (فاطر: 29)، وقال -تعالى-: (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا) (الإسراء: 106). وقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ آلم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلَامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني). - ويَكْتَمِلُ الفَضْلُ والأجْرُ لمن جَمَعَ بين القِرَاءَةِ والعَمَلِ: قال ابنُ عباسٍ -رضي الله عنهما- تَكَفَّلَ اللهُ لمن قَرَأَ القرآنَ وعَمِلَ بما فيه ألَّا يَضِلَّ في الدُّنْيَا ولا يَشْقَى في الآخِرَةِ، ثم قرأ قوله -تعالى-: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى . وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى . قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا . قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) (طه: 123-126). فضل حُفَّاظِ القرآن: - هَنِيئًا لكم حُفَّاظَ كتابِ اللهِ الكَرِيمِ، هَنِيئًا لكم هذا الأجْرَ العَظِيمَ، والثَّوَابَ الجَزِيلَ: قال رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ) (أخرجه مسلم). - فأنتم أهلُ اللهِ وخَاصَّتُهُ، أنتم خَيْرُ الناسِ للناسِ، أنتم أحَقُّ الناسِ بالإجْلَالِ والإكْرَامِ: فعن أنسٍ -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ)، قالوا: يا رسولَ اللهِ من هم؟ قال: (هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ، أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ) (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني). وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ -تعالى- إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ) (رواه أبو داود، وحسنه الألباني). وقال -صلى الله عليه وسلم-: (خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ) (رواه البخاري). - أنتم يا أهلَ القرآنِ أعْلَى الناسِ مَنْزِلَةً في الدُّنْيَا والآخِرَةِ: قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ) (أخرجه مسلم). وقال -صلى الله عليه وسلم-: (الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ مَاهِرٌ بِهِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ) (متفق عليه). وقال -صلى الله عليه وسلم-: (يَجِيءُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ يَا رَبِّ حَلِّهِ، فَيُلْبَسُ تَاجَ الْكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ زِدْهُ، فَيُلْبَسُ حُلَّةَ الْكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ ارْضَ عَنْهُ، فَيَرْضَى عَنْهُ، فَيُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ وَارْقَ وَتُزَادُ بِكُلِّ آيَةٍ حَسَنَةً) (أخرجه الترمذي، وحسنه الألباني). - بل من عَظِيمِ بَرَكَةِ القرآنِ، أن فَضْلَ الحُفَّاظِ يَتَعَدَّى إلى كل من أعَانَهُمْ على حِفْظِهِ: كما روي عن رسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ، وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ، أُلْبِسَ وَالِدَاهُ تَاجًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ضَوْءُهُ أَحْسَنُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ فِي بُيُوتِ الدُّنْيَا لَوْ كَانَتْ فِيكُمْ، فَمَا ظَنُّكُمْ بِالَّذِي عَمِلَ بِهَذَا" (رواه أبو داود). الوصية النبوية بتعاهد القرآن: - وصيةُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- بتَعَاهُدِ القرآنِ بشكلٍ دَائِمٍ ومُسْتَمِرٍّ لأمَّتِهِ عَامَّةً، ولحَفَظَةِ كتابِ اللهِ خَاصَّةً: قال -صلى الله عليه وسلم-: (تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْآنَ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الْإِبِلِ فِي عُقُلِهَا) (أخرجه مسلم). - يُسْتَحَبُّ للمسلمِ خَتْمُ القرآنِ في كل شَهْرٍ، إلا أن يَجِدَ المسلمُ من نَفْسِهِ نَشَاطًا فلْيَخْتِمْ كل أُسْبُوعٍ: عن عبدِ الله بن عمرو -رضي الله عنه- قال: قال لي رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (اقْرَأِ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ)، قال: قلتُ: إنِّي أجِدُ قُوَّةً، قال: (فَاقْرَأْهُ فِي عِشْرِينَ لَيْلَةٍ)، قال: قلتُ: إنِّي أجِدُ قُوَّةً، قال: (فَاقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ وَلَا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ) (رواه البخاري). وقال عبدُ الله بن أحمد بن حنبل: "كان أبي يَخْتِمُ القرآنَ في النَّهَارِ في كل أُسْبُوعٍ، يَقْرَأُ كل يَوْمٍ سَبْعًا لا يَكَادُ يَتْرُكُهُ نَظَرًا". - وأوْصَى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- جميعَ المسلمينَ رِجَالًا ونِسَاءً، بحِفْظِ كتابِ اللهِ -تعالى- ما اسْتَطَاعُوا لذلك سَبِيلًا، وحَذَّرَ من هَجْرَانِهِ: قال -تعالى-: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) (الفرقان: 30). وروى الإمامُ أحمدُ -رضي الله عنه- من حديث سَمُرَةَ أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- رأى رَجُلًا مُسْتَلْقِيًا على قَفَاهُ، ورَجُلًا قَائِمًا بيَدِهِ فَهْرٌ أو صَخْرَةٌ، فيَشْدَخُ بها رَأْسَهُ، فيَتَدَهْدَهُ، فإذا ذَهَبَ ليَأْخُذَهُ عَادَ رَأْسُهُ كما كان، فيَصْنَعُ به مِثْلَ ذلك، فسَأَلَ عنه، فقيل له: رَجُلٌ أتَاهُ اللهُ القرآنَ فنَامَ عنه باللَّيْلِ ولم يَعْمَلْ به بالنَّهَارِ، فهو يُفْعَلُ به ذلك إلى يَوْمِ القِيَامَةِ. - ومن أشَدِّ أنْوَاعِ الهَجْرِ للقرآنِ نِسْيَانُهُ بسَبَبِ الانْشِغَالِ بالدُّنْيَا: قال رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي حَتَّى الْقَذَاةُ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَعُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي، فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيَهَا الرَّجُلُ ثُمَّ نَسِيَهَا) (رواه أبو داود، وحسنه الألباني). خاتمة: - كثيرٌ هم الذين هَجَرُوا القرآنَ، وانْشَغَلُوا عنه بالأمْوَالِ والوَظَائِفِ والأهْلِ والخِلَّانِ، فأيْنَ هم من وَصِيَّةِ سَيِّدِ الأنَامِ؟: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْآنَ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الْإِبِلِ فِي عُقُلِهَا). - وكثيرٌ هم الذين هَجَرُوا القرآنَ، وانْشَغَلُوا عنه بالدُّونِ من الأمُورِ والأحْوَالِ: (الجَرَائِدِ والمَجَلَّاتِ وصَفَحَاتِ ومَوَاقِعِ شَبَكَةِ العَنْكَبُوتِ)؛ فأيْنَ هم يَوْمَ القِيَامَةِ من سُؤَالِ الجَلِيلِ المُتَعَالِ؟! قال عثمانُ -رضي الله عنه-: "لو طَهُرَتْ قُلُوبُكم ما شَبِعْتُمْ من كَلامِ رَبِّكم" (رواه أحمد في زوائد الزهد). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ (1) عَقْلُ الإبلِ: هو أن يُوضَعَ فيها رِبَاطٌ في وَسَطِ الذِّرَاعِ من يَدِهَا، فيُضَمُّ ذلك إلى العَضُدِ إذا بَرَكَ البَعِيرُ، ورُبِطَ ذلك المَحَلُّ منه، ثم تُرِكَ، فعند ذلك لا يَسْتَطِيعُ أن يَنْهَضَ، ولا يَسْتَطِيعُ أن يَقُومَ، ولا أن يَنْطَلِقَ ويَنْفَلِتَ من صَاحِبِهِ، ولكنها تُحَاوِلُ الانْفِلَاتَ؛ ولذلك تَحْتَاجُ إلى تَعَاهُدٍ، فلا يُتْرَكُ هذا البَعِيرُ مُدَّةً طَوِيلَةً، في غَفْلَةٍ عنه، فإنه قد يَنْفَلِتُ، ثم بعد ذلك يَنْطَلِقُ، فلا يُوقَفُ له على أثَرٍ، فيَتَخَلَّصُ. (2) روى عن رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ، هُوَ الَّذِي مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ، فَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، وَهُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ، وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، وَلَا يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ أَنْ قَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا، هُوَ الَّذِي مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" (أخرجه الدارمي).
__________________
|
#27
|
||||
|
||||
![]() الوصايا النبوية (26) (لا تغضب) (موعظة الأسبوع) كتبه/ سعيد محمود فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رجلًا قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أوصني، قال: (لا تَغْضَبْ)، فردَّد مرارًا، قال: (لا تَغْضَبْ) (رواه البخاري). وعن جارية بن قدامة السعدي -رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله! قل لي قولًا ينفعني، وأقلل علي، لعلي أعيه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تَغْضَبْ)، فأعدت عليه مرارًا، كل ذلك يقول لي: (لا تَغْضَبْ)، قال: ففكرت حين قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما قال، فإذا الغضب يجمع الشر كله. (رواه أحمد، وصححه الألباني). مجمل الوصية: هذا رجل يطلب من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يوصيه وصيةً وجيزةً جامعةً لخصال الخير؛ ليحفظها عنه خشية ألا يحفظها لكثرتها، فوصاه النبي -صلى الله عليه وسلم- ألا يغضب، ثم ردد هذه المسألة عليه مرارًا، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يردد عليه هذا الجواب، أي: لا تعمل بمقتضى الغضب إذا حصل لك، بل جاهد نفسك على ترك تنفيذه والعمل بما يأمر به؛ لأن الغضب جماع الشر، والتحرز منه جماع الخير. أقسام الغضب: ينقسم الغضب إلى قسمين: - الغضب المحمود: وهو أن يكون لله -عز وجل- عندما تنتهك حرماته، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مُنْتَصِرًا مِنْ مَظْلِمَةٍ ظُلِمَهَا قَطُّ مَا لَمْ تُنْتَهَكْ مَحَارِمُ اللَّهِ، فَإِذَا انْتُهِكَ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ شَيْءٌ كَانَ أَشَدَّهُمْ فِي ذَلِكَ غَضَبًا، وَمَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ مَأْثَمًا" (أخرجه الحميدي، والبخاري بمعناه مختصرًا)(1). وقال -تعالى-: (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ) (الأعراف: 150). قال العلماء: فكانت تلك الحدة منه والغضب فيه صفة مدح له؛ لأنها كانت لله وفي الله. - الغضب المذموم: وهو الذي جاء النهي عنه في الوصية، وهو خلق سيئ؛ ومنه: الغضب للنفس أو عصَبيةً وحميةً -وهو موضوع حديثنا إن شاء الله-. آثار الغضب: للغضب آثار سيئة على عموم حال الإنسان(2): عن سليمان بن صرد -رضي الله عنه- قال: اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ، وَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ مُغْضَبًا قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) فَقَالُوا لِلرَّجُلِ: أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-؟ قَالَ: "إِنِّي لَسْتُ بِمَجْنُونٍ!" (متفق عليه). وجوانب آثار الغضب تتعدد: - في الظاهر: تغير اللون، وشدة رعْدة الأطراف، وخروج الأفعال عن الترتيب والانتظام، واضطراب الحركة والكلام، حتى يظهر الزبد على الأشداق، وتشتد حمرة الأحداق، وتستحيل الخلقة، ولو يرى الغضبان في حال غضبه صورة نفسه لسكن غضبه حياءً من قبح صورته؛ لاستحالة خلقته. - على اللسان: الأقوال المحرمة والقبائح، كالقذف والسب والفحش، والأيمان التي لا يجوز التزامها شرعًا، وطلاق الزوجة الذي يعقب الندم، وربما ارتقى الأمر إلى درجة الكفر، كما أن الغضبان لا ينتظم كلامه، بل يتخبط نظمه، ويضطرب لفظه، وقد يصيح صياحًا شديدًا أو يدعو على نفسه وأحب الناس إليه. - على الأفعال: كالضرب فما فوقه إلى القتل عند التمكن، وأنواع الظلم والعدوان، فإن عجز عن التَشفي رجع غضبه عليه، فمزق ثوبه، وضرب نفسه وغيره ممن ليس له ذنب، وربما سقط وعجز عن الحركة، واعتراه مثل الغشية؛ لشدة استيلاء الغضب عليه. - على صحة الإنسان: فهو سبب لأمراض صعبة مؤدية إلى التلف، (كالسكري، والذبحة الصدرية، والسكتة القلبية، وغيرها). على الدين والإيمان: وهذا أشد الآثار ضررًا(3). ولذا جاء النهي عن مزاولة الأمور المهمة إن كان الإنسان تحت تأثير الغضب: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَقْضِيَنَّ حَكَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ) (متفق عليه)، وكان من دعائه -صلى الله عليه وسلم-: (وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الحَقِّ فِي الرِّضَا وَالغَضَبِ) (رواه النسائي، وصححه الألباني). قال ابن القيم -رحمه الله-: "إنما كان ذلك؛ لأن الغضب يشوش عليه قلبه وذهنه، ويمنعه من كمال الفهم، ويحول بينه وبين استيفاء النظر، ويعمي عليه طريق العلم والقصد". أسباب معينة على ترك الغضب عند حصوله: - تغيير الحال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ، فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الغَضَبُ؛ وَإِلَّا فَلْيَضْطَجِعْ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني). - الوضوء: خطب معاوية يومًا، فقال له رجل: كذبت! فنزل مغضبًا فدخل منزله، ثم خرج عليهم تقطر لحيته ماءً، فصعد المنبر، فقال: "أيها الناس، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إِنَّ الغَضَبَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ مِنَ النَّارِ، فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُطْفِئْهُ بِالمَاءِ، ثم أخذ في الموضع الذي بلغه من خطبته" (عيون الأخبار لابن قتيبة). - ضبط النفس عن الاندفاع بعوامل الغضب: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الذي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ) (متفق عليه). وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال: "قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ، فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسٍ، وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ، وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجَالِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ كُهُولًا كَانُوا أَوْ شُبَّانًا، فَقَالَ عُيَيْنَةُ لِابْنِ أَخِيهِ: يَا ابْنَ أَخِي، لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الْأَمِيرِ، فَاسْتَأْذِنْ لِي عَلَيْهِ، قَالَ: سَأَسْتَأْذِنُ لَكَ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَاسْتَأْذَنَ الْحُرُّ لِعُيَيْنَةَ، فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ: هِيْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، فَوَاللهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ، وَلَا تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ. فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ بِهِ، فَقَالَ لَهُ الْحُرُّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ اللهَ -تَعَالَى- قَالَ لِنَبِيِّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ) (الأعراف: 199)، وَإِنَّ هَذَا مِنَ الْجَاهِلِينَ، وَاللهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلَاهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللهِ" (رواه البخاري). - الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في شأن الرجل الغضبان: (إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قالَها ذَهَبَ عَنْهُ ما يَجِدُ، لَوْ قال: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ذَهَبَ عَنْهُ ما يَجِدُ)، وقال -تعالى-: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) (الأعراف: 200). - السكوت: عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (عَلِّمُوا، وَيَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا وَلا تُنَفِّرُوا، وَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْكُتْ) (رواه أحمد، وصححه الألباني). - أن يذكر الله -عز وجل-: قال -تعالى-: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ) (الكهف: 24). قال عكرمة: "يعني: إذا غضبت". وقال -عز وجل-: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) (الأعراف: 201). قال سعيد بن جبير: "هو الرجل يغضب الغضبة، فيذكر الله -تعالى-، فيكظم الغيظ". قلتُ: وما أحسن قول العامة للغضبان: (وحِّد الله - صلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم). - أن يذكر ثواب من كظم غيظه: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ خَزَنَ لِسَانَهُ سَتَرَ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ؛ كَفَّ اللهُ عَنْهُ عَذَابَهُ) (أخرجه أبو يعلى، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة للألباني). وعن عبد الرزاق قال: "جعلت جارية لعلي بن الحسين تسكب عليه الماء يتهيأ للصلاة، فسقط الإبريق من يد الجارية على وجهه فشجه، فرفع علي رأسه إليها، فقالت الجارية: إن الله -عز وجل- يقول: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ) (آل عمران: 134)، فقال لها: قد كظمت غيظي. قالت: (وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) (آل عمران: 134)، قال: قد عفا الله عنك. قالت: (وَاللهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ) (آل عمران: 134)، قال: فاذهبي فأنت حرة". ودخل عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- المسجد ليلةً في الظلمة، فمر برجل نائم، فعثر به، فرفع رأسه وقال: "أمجنون أنت؟ فقال عمر: لا. فهَمَّ به الحرس، فقال عمر: مه! إنما سألني أمجنون؟ فقلت: لا!" (رواه البيهقي في شعب الإيمان، وابن عساكر في تاريخ دمشق). خاتمة: - وصية عظيمة تنفع الإنسان في الدنيا والآخرة: قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله! قل لي قولًا ينفعني، وأقلل علي، لعلي أعيه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تَغْضَبْ)، فأعدت عليه مرارًا، كل ذلك يقول لي: (لا تَغْضَبْ). قال: ففكرت حين قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما قال، فإذا الغضب يجمع الشر كله. فاللهم اهدنا لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ (1) المقصود: أنه كان يسامح في حق نفسه... فأين نحن من ذلك؟ فكثير هم الذين يغضبون على الزوجات إذا تأخرت في إعداد الطعام، ولا يغضبون إذا أخرت الصلاة! وكثير هم الذين يغضبون إذا فرط الأولاد في الدراسة والمذاكرة، ولا يغضبون إذا فرطوا في الصلاة! وكثير هم الذين يغضبون إذا سبَّ أحدُهم أباه، ولا يغضبون إذا سَمِعوا من يسب الله أو دينه! وهلم جرًّا... (2) الناس في قوة الغضب على درجات ثلاث: إفراط، وتفريط، واعتدال؛ فلا يحمد الإفراط فيها؛ لأنه يخرج العقل والدين عن سياستهما، فلا يبقى للإنسان مع ذلك نظر ولا فكر ولا اختيار. والتفريط في هذه القوة أيضًا مذموم؛ لأنه يبقى لا حمية له ولا غيرة، ومن فقد الغضب بالكلية عجز عن رياضة نفسه؛ إذ الرياضة إنما تتم بتسليط الغضب على الشهوة، فيغضب على نفسه عند الميل إلى الشهوات الخسيسة، ففقد الغضب مذموم؛ فينبغي أن يطلب الوسط بين الطريقين. (3) من أشد البواعث على الغضب عند أكثر الجهال: تسميتهم الغضب شجاعةً، ورجوليةً، وعزة نفس، وكبر همة! وتلقيبه بالألقاب المحمودة -غباوةً وجهلًا!- حتى تميل النَّفس إليه وتستحسنه، وقد يتأكد ذلك بحكاية شدة الغضب عن الأكابر في معرض المدح بالشجاعة، والنفوس مائلة إلى التشبه بالأكابر، فيهيج الغضب إلى القلب بسببه.
__________________
|
#28
|
||||
|
||||
![]() الوصايا النبوية (27) (تهادوا تحابوا) (موعظة الأسبوع) كتبه/ سعيد محمود عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (تَهَادَوْا تَحَابُّوا) (أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وحسنه الألباني). مجمل الوصية: يوصي النبي -صلى الله عليه وسلم- المسلمين بالتهادي بينهم؛ لأن التبادل بالهدايا بين الناس يورث المحبة والمودة بينهم، فالهدية لها أثر كبير في استجلاب المحبة وتأليف القلوب، والرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يقبل الهدية ويثيب عليها، مما يدل على أهمية هذا الفعل في تقوية الروابط الاجتماعية. معنى الهدية: هي عبارة عما يعطيه الإنسان لغيره بقصد إظهار المودة، وحصول الألفة والثواب، وليست هي في مقابل ثمن، أو سلعة، أو نحو ذلك، بل هي ما يقدم بلا عوض بقصد إظهار المودة وحصول الألفة؛ ومن ثمّ كانت الهدية مفتاحًا للقلوب. مشروعية التهادي: - هي وصية من وصايا النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومحل ترغيبه: (وصية اليوم)، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ مَنَحَ مَنِيحَةً: وَرِقًا أَوْ ذَهَبًا، أَوْ سَقَى لَبَنًا، أَوْ هَدَى زُقَاقًا، فَهُوَ كَعَدْلِ رَقَبَةٍ) (رواه أحمد بسند صحيح). - كان -صلى الله عليه وسلم- يقبل الهدية من كلِّ مَن أهدى إليه، مهما كانت يسيرةً(1): قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَجِيبُوا الدَّاعِيَ وَلَا تَرُدُّوا الهَدِيَّةَ) (رواه أحمد، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ أَوْ كُرَاعٌ، لَقَبِلْتُ) (رواه البخاري)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (يَا نِسَاءَ المُسْلِمَاتِ، لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا، وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ) (متفق عليه). - وكان -صلى الله عليه وسلم- يكافئ من أعطاه بهدية مثلها أو خيرًا منها؛ من باب رد الحسنى بأحسن منها أو مثلها، ولئلا يكون لأحد عليه مِنَّة: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْبَلُ الهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا" (رواه البخاري). - وكان -صلى الله عليه وسلم- يقبل الهدية من المسلم والكافر بضوابطها(2): قد وردت أدلة على ذلك؛ منها: قبوله -صلى الله عليه وسلم- الهدية من كسرى، وقيصر، والمقوقس، وغيرهم. من فوائد التهادي: - الهدية تعبّر عن المودة والتقدير والاحترام: قال الله -تعالى-: (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ المُرْسَلُونَ) (النمل: 35). - الهدية تزيد من قوة الترابط والمحبة بين الناس: (الوالدين - الأزواج - الأشقاء - الأصدقاء - أصحاب الفضل) ويظل أثرها كبيرًا بين المتهادين؛ لا سيما في المناسبات التي يصعب نسيانها (كالشدائد، والمرض، والأعياد، والزواج، والنجاح، إلخ)، قال -صلى الله عليه وسلم-: (تَهَادَوْا تَحَابُّوا). - الهدية تذهب الضغائن وتجعل القلوب تتآلف: روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "تَهَادَوْا، فَإِنَّ الهَدِيَّةَ تُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ" (رواه الترمذي، وضعفه الألباني). وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعطي للمؤلفة قلوبهم من الزكاة ليزداد حبهم للإسلام. قال صفوان بن أمية -رضي الله عنه-: "وَاللهِ لَقَدْ أَعْطَانِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَعْطَانِي وَإِنَّهُ لَأَبْغَضُ النَّاسِ إِلَيَّ، فَمَا بَرِحَ يُعْطِينِي حَتَّى إِنَّهُ لَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ" (رواه مسلم). وقال الهيثم بن عدي: "كان يقال: ما ارتضي الغضبان، ولا استعطف السلطان، ولا سلبت الشحناء، ولا دفعت البغضاء، ولا توقي المحذور، ولا استعمل المهجور بمثل الهدية والبر!"، وقال آخر: "تهادوا، فإن الهدية تثبّت المروءة، وتستل السخيمة". من آداب وأحكام التهادي: 1- ألا تكون من الهدايا المحرمة (كآلات الطرب، والألبسة المحرمة، وغيرها): فعن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: رأى عمر بن الخطاب حلة سيراء عند باب المسجد، فقال: يا رسول الله، لو اشتريتها فلبستها يوم الجمعة وللوفد، قال: (إِنَّمَا يَلْبَسُهَا مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ) (رواه البخاري). 2- أن تتناسب الهدية مع الشخص المُهدى إليه؛ فهدية الصغير تختلف عن هدية الكبير، وهدية الفاضل تختلف عن هدية المفضول: عن ميمون بن أبي شبيب أن عائشة -رضي الله عنها- مر بها سائل فأعطته كسرة، ومر بها رجل عليه ثياب وهيئة فأقعدته فأكل، فقيل لها في ذلك، فقالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أَنْزِلُوا النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ" (رواه أبو داود، وقد اختلف في تصحيحه وتضعيفه؛ إلا أن معناه صحيح). وذكر الإمام ابن حجر -رحمه الله- في الإصابة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما دخل مكة فاتحًا، ودخل المسجد الحرام، أتى أبو بكر -رضي الله عنه- بأبيه أبي قحافة يقوده، فلما رآه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال له: "هَلَّا تَرَكْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ حَتَّى آتِيَهُ؟". 3- ألا يكون معها مَنٌّ أو أذى؛ فإن هذا من اللؤم وقلة المروءة: قال -تعالى-: (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى) (البقرة:263-264). (أهدى رجل إلى الأعمش بطيخة، فلما أصبح قال: يا أبا محمد، كيف كانت البطيخة؟ قال: طيبة! ثم أعاد عليه ثانيًا: كيف كانت البطيخة؟ قال: طيبة! فأعادها ثالثًا، فقال: إن خففت من قولك وإلا قئتها!) (محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء)(3). 4- ألا يقصد بها التوصل إلى معنى فاسد (كإذلال المُهدى إليه والارتفاع عليه - أو أخذ حق للغير، كهدايا الموظفين والقضاة والرؤساء): قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) (رواه البخاري ومسلم). وعن أبي حميد الساعدي -رضي الله عنه- قال: استعمل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلًا على صدقات بني سليم يدعى: ابن اللتبية، فلما جاء حاسبه، قال: هذا مالكم، وهذا هدية، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (فَهَلَّا جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا)، ثم خطبنا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: (أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى العَمَلِ مِمَّا وَلَّانِي اللهُ فَيَأْتِي فَيَقُولُ هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي! أَفَلَا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ؟ وَاللهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ إِلَّا لَقِيَ اللهَ يَحْمِلُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ) (متفق عليه). 5- إبداء السرور بها، وشكر المُهدي، والدعاء له: قال -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَنْ أَهْدَى لَكُمْ فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُوهُ فَادْعُوا لَهُ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني). 6- ألا يرجع الإنسان في هديته: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ، ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ) (رواه البخاري). وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ الْعَطِيَّةَ فَيَرْجِعَ فِيهَا إِلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني). خاتمة: وصية عظيمة في كلمات يسيرة، تحمل الفوائد الاجتماعية والإيمانية الجميلة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (تَهَادَوْا تَحَابُّوا). فاللهم انفعنا بوصايا نبي العالمين، واجمعنا به في الجنة مع المتحابين. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) (كفاية أنك تذكرتني): هذه العبارة القصيرة التي تحمل في داخلها معاني الحب والألفة الكبيرة، وانظر ماذا فعلت الهدية اليسيرة في القلوب؟ فكم فعلت قارورة ماء صغيرة من ماء زمزم في القلوب؟ وكم فعلت زجاجة عطر صغيرة في القلوب؟ وكم... وكم... (2) يجوز قبول هدية الكفار في أعيادهم بشروط: 1- ألا تكون هذه الهدية من ذبيحة ذبحت لأجل عيدهم. 2- ألا تكون مما يستعان به على التشبه بهم في يوم عيدهم: كالشمع، والبَيض، والجريد، ونحو ذلك. 3- أن يكون قبول الهدية بقصد التأليف للإسلام، لا عن محبة أو مودة. (3) حصل بين شاب وأمه نقاش، فرفع صوته عليها، وأراد أن يهدي لها هدية لتصفح عنه، ويذهب ما في صدرها عليه، وفعلًا أتى بهديته، لكنه أتى بها ولم يسلّمها بيده، ولم يكن مبتسمًا، فوضعها أمامها، وقال بصوت أجش: "هذه هدية!"، فلم تتقبلها بقبول حسن، بل وقالت: "أنا لا أريد هديتك".
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |