|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#91
|
||||
|
||||
![]() شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 94 ) باب: كراهية أن ينام الرجل الليل كله لا يصلي فيه الفرقان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء. 388-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَال: ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ، نَامَ لَيْلَةً حتَّى أَصْبَحَ ، قَال : «ذَاكَ رَجُلٌ، بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنَيْه»، أَو قال «فِي أُذُنِهِ». الشرح: قال المنذري: باب: كراهية أن ينام الرجل الليل كله لا يصلي فيه . والحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1/537) وبوب عليه النووي: باب ما روي فيمن نام الليل أجمع حتى أصبح . والحديث رواه البخاري في كتاب التهجد (1144)، وبوب عليه: باب إذا نام ولم يصل، بال الشيطان في أذنه. ورواه في بدء الخلق، باب: صفة إبليس وجنوده. قوله: «ذُكِرَ عند رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ»، لم يذكر اسمه، وجاء في سنن سعيد بن منصور: عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي عن ابن مسعود بلفظ: «وأيمُ الله، لقد بالَ في أُذنِ صاحبكم ليلة». يعني نفسه. قوله: «نَامَ لَيْلَةً حتَّى أَصْبَحَ»، وفي رواية البخاري «ما زالَ نائماً حتى أصبح، ما قام إلى الصلاة». المراد به جنس الصلاة، أو العهد وهي صلاة الفجر أو صلاة الليل. وفي رواية ابن حبان: «نام عن الفريضة». قال الحافظ ابن حجر: وبهذا يتبين مناسبة الحديث لما قبله. انتهى. يعني الحديث الذي في الباب السابق، وهو حديث: «يعقدُ الشيطانُ على قَافية رأسِ أحدكم..». قوله: «ذَاكَ رجُلٌ، بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنَيْهِ»، وفي الرواية الأخرى: «أُذنه» اختلفوا في معناه، فقيل: هو على حقيقته، قال القاضي عياض: ولا يبعد أنْ يكون على ظاهره، قال: وخص الأذن؛ لأنها حاسة الانتباه. وقال القرطبي وغيره: ولا مانع من ذلك؛ إذْ لا إحالة فيه؛ لأنه ثبت أن الشيطان يأكل ويشرب وينكح، فلا مانع من أن يبول. (الفتح 3/28) . وقيل: معناه أن الشيطان ملأ سمعه بالأباطيل، فحجب سمعه عن الذكر. وقال ابن قتيبة: معناه: أفسده، يقال: بال في كذا، إذا أفسده. وقال المهلب والطحاوي وآخرون: هو استعارة وإشارة إلى انقياده للشيطان، وتحكمه فيه، وعقده على قافية رأسه: عليك ليلٌ طويل، وإذلاله . وقيل: معناه استخف به واحتقره واستعلى عليه، يقال لمن استخف بإنسان وخدعه: بال في أذنه، وأصل ذلك في دابة تفعل ذلك بالأسد إذلالاً له، وقال الحربي: معناه ظَهَرَ عليه ، وسخر منه. وخص الأذن، وإنْ كانت العين أنسب بالنوم، إشارة إلى ثقل النوم، فإن المسامعَ هي مواردُ الانتباه. وخصّ البول؛ لأنه أسهلُ مدخلاً في التجاويف، وأسرع نفوذاً في العُروق، فيُورث الكسل في جميع الأعضاء ، قاله الطيبي . 184- باب : إذا نعسَ في الصلاة فلْيَرقُد 389.عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ النَّبِيَ صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ، فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ، لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ، فَيَسُبُّ نَفْسَهُ». الشرح: قال المنذري : باب : إذا نعس في الصلاة فليرقد . والحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1/542 ) وبوب عليه النووي: باب أمر من نعس في صلاته، أو استعجم عليه القرآن أو الذكر بأن يرقد أو يقعد، حتى يذهب عنه ذلك. والحديث رواه البخاري في الوضوء (212) باب: الوضوء من النوم، ومنْ لم ير من النَّعسة والنعستين أو الخَفقةِ وُضوءاً. قوله: «إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُم في الصَّلَاةِ» النعاس: أول النوم ومقدمته. وفي رواية الترمذي: «إذا نعس أحدكم وهو يصلي»، والواو للحال، والجملة حالية. قوله: «فليرقد» وللبخاري (213) عن أنس «فليَنمْ حتى يَعلم ما يقرأ»، وفي رواية النسائي «فلينصرف»، والمراد به التسليم من الصلاة، وفي حديث أنس: عند محمد بن نصر في قيام الليل: «فلينصرف فليرقد». وفي حديث أبي هريرة مرفوعا: «إذا قام أحدُكم من الليل، فاسْتَعجم القرآنُ على لسانه، فلم يَدرِ ما يقول، فليضطجع» مسلم (1/543). واستعجم أي: استغلق ولم ينطلق به لسانه، لغلبة النعاس. وفي حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ليصلِّ أحدُكم نشاطه ، وإذا فتَر فليقعد». أخرجه البخاري ومسلم. وقد حمله طائفة على صلاة الليل . قال المهلب: إنما هذا في صلاة الليل; لأنّ الفريضة ليست في أوقات النوم، ولا فيها من التطويل ما يوجب ذلك. انتهى. وقال النووي: مذهبنا ومذهب الجمهور: أنه عامٌ في صلاة النَّفل والفرض، في الليل والنهار انتهى . وقال الحافظ: لكن العبرة بعموم اللفظ، فيعمل به في الفرائض إنْ وقع، ما أمن بقاء الوقت. وقد جاء أن الحديث كان على سبب؛ كما في حديث أَنس رضي الله عنه الذي سبق، قال : دَخَلَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم الْمسجدَ، وحَبلٌ مَمْدُودٌ بين سارِيَتَيْنِ، فقال: «ما هذا ؟»، قالوا: لِزَيْنَبَ تُصَلِّي، فإِذا كَسِلَتْ أو فَتَرَتْ، أَمْسَكَتْ به، فقال: «حُلُّوهُ، لِيُصَلِّ أَحدُكُمْ نَشَاطَهُ، فإِذا كَسِلَ أَو فَتَرَ، قَعَدَ». قوله: «فلعله يذهب يستغفر، فيسبُ نفسه»، مرفوعٌ على الاستئناف، وفي البخاري «فيسبَ» منصوب عطفا على يستغفر، وهو منصوب بلام كي، ويستغفر أي: يدعو، «فيسب»: يدعو على نفسه، وصرح به النسائي في روايته. (الفتح 1/315) . أي: يريد أنْ يستغفر ، فيسب نفسه من حيث لا يدري، فمثلا يريد أن يقول: اللهم اغفر لي، فيقول: اللهم اعفر لي، والعفر: هو التراب، فيكون دعاءً عليه بالذل والهوان. وفي الحديث: أن النعاس والشيء اليسير من النوم كخفق الرأس، لا يبطل الوضوء. فائدة: مِنَ الناس مَنْ يمكث في المسجد فيأتيه النعاس، فعليه أنْ ينتقل من مكانه إلى مكان آخر في المسجد. لقوله صلى الله عليه وسلم : «إذا نَعسَ أحدُكم وهو في المسجد - وفي رواية: في مجلسه يوم الجمعة - فليتحوّل عن مجلسه ذلك إلى غيره». رواه أبو داود والترمذي . شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 94 )
__________________
|
#92
|
||||
|
||||
![]() شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 95 ) باب: ما يــحــــلّ عُـــقَـــد الشيــطـــــان الفرقان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء. 390.عَنْ أَبِي هُريرة رضي الله عنه: يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم : «يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ، ثَلَاثَ عُقَدٍ إِذَا نَامَ، بِكُلِّ عُقْدَةٍ يَضْرِبُ: عَلَيْكَ لَيْلًا طَوِيلًا، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ، انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، وَإِذَا تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عَنْهُ عُقْدَتَانِ، فَإِذَا صَلَّى انْحَلَّتْ الْعُقَدُ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ». الشرح: قال المنذري: باب: ما يَحلّ عُقَد الشيطان. والحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1/538) وبوّب عليه النووي (6/65): باب ما روي فيمن نام الليل أجمع حتى أصبح. ورواه البخاري في التهجد (1142) باب: عقد الشيطان على قافية الرأس إذا لم يصلِّ بالليل. قوله: «يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم » أي: هو مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن قوله. قوله: «يَعْقِدُ الشَّيطانُ على قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ، ثلاثَ عُقَدٍ إِذا نامَ» وقال البخاري في تبويبه «إذا لم يُصل» مع أنها لم ترد في الحديث! قال ابن التين وغيره: قوله: «إذا لم يصلِّ»؛ مخالف لظاهر حديث الباب، لأنه دالٌ على أنه يعقد على رأس مَنْ صلى، ومَنْ لم يصلِّ، لكن من صلى بعد ذلك تنحل عقده، بخلاف من لم يصلِّ. وأجاب ابن رشيد بأن مراد البخاري: باب بقاء عقد الشيطان.. إلخ. قال الحافظ ابن حجر: ويحتمل أن تكون الصلاة المنفية في الترجمة صلاة العشاء، فيكون التقدير: إذا لم يُصلِّ العشاء، فكأنه يرى أنّ الشيطان إنما يفعل ذلك بمن نام قبل صلاة العشاء، بخلاف من صلاها، ولا سيما في الجماعة، وكأنّ هذا هو السّر في إيراده لحديث سمرة عقب هذا الحديث؛ لأنه قال فيه: «وينام عن الصلاة المكتوبة». قال: ويقويه ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنّ «من صلى العشاء في جماعة، كان كمن قام نصف ليلة»؛ لأن مسمى قيام الليل يحصل للمؤمن بقيام بعضه، فحينئذ يصدق على من صلى العشاء في جماعة أنه قام الليل، والعقد المذكورة تنحل بقيام الليل، فصار من صلى العشاء في جماعة، كمن قام الليل في حلّ عقد الشيطان انتهى. قوله: «الشيطان» كأن المراد به الجنس، وفاعل ذلك هو القرين أو غيره، ويحتمل أن يراد به رأس الشياطين وهو إبليس، وتجوز نسبة ذلك إليه لكونه الآمر به الداعي إليه، ولذلك أورده المصنف في «باب صفة إبليس» من بدء الخلق، قاله الحافظ. قوله: «قافية رأس أحدكم» أي: مُؤخر عنقه. وقافية كل شيء مؤخره، ومنه قافية القصيدة، وفي النهاية: القافية القَفَا، وقيل: مُؤخر الرأس، وقيل: وسطه. وظاهر قوله: «أحدكم» التعميم في المخاطبين، ومن في معناهم، ويمكن أنْ يُخص منه، من ورد في حقّه أنه يُحفظ من الشيطان كالأنبياء، ومن تناوله قوله: {ِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} (الإسراء:65)، ومن قرأ آية الكرسي عند نومه، فقد ثبت أنه يُحفظ من الشيطان حتى يُصبح. قوله: «بِكُلِّ عُقْدَةٍ يَضْرِبُ» وفي، البخاري «يضرب على مكان كلّ عقدة»، ومعنى «يضرب» أي: بيده على العقدة، تأكيداً وإحكاماً لها، قائلا ذلك، وقيل: معنى يضرب: يحجب الحِس عن النائم حتى لا يستيقظ، ومنه قوله تعالى: {فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ } (الكهف: 11)، أي: حجبنا الحس أنْ يلج في آذانهم فينتبهوا، وعند سعيد بن منصور بسند جيد: عن ابن عمر: ما أصبح رجلٌ على غير وِتر، إلا أصبح على رأسه جَرير، قدر سبعين ذراعا. والجرير هو الحبل. قوله: «عليك ليلاً طويلا» هكذا بالنصب، وفي البخاري «عليك ليلٌ طويل» بالرفع، قال عياض: رواية الأكثر عن مسلم بالنصب على الإغراء، ومن رفع فعلى الابتداء، أي: باقٍ عليك، أو بإضمار فعل؛ أي: بقي. وقال القرطبي: الرفع أولى من جهة المعنى؛ لأنه الأمكن في الغرور، من حيث إنه يخبره عن طُول الليل، ثم يأمره بالرقاد بقوله: «فارقد»، وإذا نُصب على الإغراء، لم يكن فيه إلا الأمر بملازمة طول الرقاد، وحينئذ يكون قوله: «فارقد» ضائعا، ومقصود الشيطان بذلك تسويفه بالقيام والإلباس عليه. وقد اختلف في هذا العَقد؟ فقيل: هو على الحقيقة، وأنه كما يَعقد الساحر من يسحره، وأكثر من يفعله النساء؛ تأخذ إحداهن الخيط، فتعقد منه عقدة وتتكلم عليه بالسحر، فيتأثر المسحور عند ذلك، ومنه قوله تعالى: {وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ } (الفلق: 4)، وعلى هذا، فالمعقود شيءٌ عند قافية الرأس، لا قافية الرأس نفسها، وهل العقد في شعر الرأس أو في غيره؟ الأقرب الثاني؛ إذْ ليس لكل أحدٍ شَعر، ويؤيده ما ورد في بعض طرق الحديث، ففي رواية ابن ماجة ومحمد بن نصر: عن أبي هريرة مرفوعا: «على قافية رأس أحدكم حبلٌ فيه ثلاث عقد». ولأحمد: عن أبي هريرة بلفظ: «إذا نام أحدكم، عقد على رأسه بجرير» وغيرها. والجرير بفتح الجيم هو الحبل، وهذه العقد ليست لازمةً باقية، بل ورد التصريح بأنها تنحلّ بالصلاة، فيلزم إعادة عقدها. وقيل: هذه العُقد هي على المجاز، كأنه شبّه فعل الشيطان بالنائم، بفعل الساحر بالمسحور، فلما كان الساحر يمنع بعقده ذلك تصرف من يحاول عقده، كان هذا مثله من الشيطان للنائم. وقيل: المراد به عقد القلب وتصميمه على الشيء، كأنه يوسوس له بأنه بقي من الليلة قطعة طويلة، فيتأخر عن القيام. وانحلال العقد كناية عن علمه بكذبه فيما وسوس به. وقيل: العقد كناية عن تثبيط الشيطان للنائم بالقول المذكور، ومنه: عقدت فلانا عن امرأته؛ أي: منعته عنها، أو عن تثقيله عليه النوم، كأنه قد شد عليه شداداً. وقال بعضهم: المراد بالعقد الثلاث: الأكل والشرب والنوم؛ لأنّ من أكثر الأكل والشرب كثر نومه. واستبعده المحب الطبري؛ لأنّ الحديث يقتضي أنّ العقد تقع عند النوم، فهي غيره. قال القرطبي: الحكمة في الاقتصار على الثلاث أن أغلب ما يكون انتباه الإنسان في السحر، فإنْ اتفق له أنْ يرجع إلى النوم ثلاث مرات، لم تنقض النومة الثالثة إلا وقد ذهب الليل. وقال البيضاوي: التقييد بالثلاث إما للتأكيد، أو لأنه يريد أن يقطعه عن ثلاثة أشياء: الذكر والوضوء والصلاة، فكأنه منع من كل واحدة منها بعقدة عقدها على رأسه، وكأن تخصيص القفا بذلك لكونه محل الوهم ومجال تصرفه، وهو أطوع القوى للشيطان، وأسرعها إجابة لدعوته. (الفتح). قوله «انحلت عقده» وفي لفظ «انحلت العقد» بلفظ الجمع هنا، وفي البخاري أيضا. فالنائم إنْ قام من نومه فذكر الله انحلت عقدة واحدة، وإنْ قام فتوضأ أطلقت الثانية، فإن صلى أطلقت الثالثة، كما في لفظ البخاري: «عقده كلها». قال الحافظ: وكأنه محمولٌ على الغالب، وهو من ينام مضطجعاً، فيحتاج إلى الوضوء إذا انتبه، فيكون لكل فعل عقدة يحلها. وظاهره أنّ العقد تنحل كلها بالصلاة خاصة، لأنها تستلزم الطهارة وتتضمن الذكر، وهذا معنى قوله: «فإذا صلى، انحلّت عقده كلها». إنْ كان المراد به من لا يحتاج إلى الوضوء، فظاهر على ما قررناه، وإن كان من يحتاج إليه، فالمعنى انحلت بكل عقدة، أو انحلت عقده كلها بانحلال الأخيرة التي بها يتم انحلال العقد. وفي رواية أحمد المذكورة قبل: «فإنْ قام فذكرَ الله، انحلّت واحدة، فإن قام فتوضأ أطلقت الثانية، فإن صلى أطلقت الثالثة». قوله «طيب النفس» أي: لسروره بما وفّقه الله الكريم له من الطاعة، ووعده به من ثوابه، مع ما يبارك له في نفسه، وتصرفه في كل أموره، مع ما زال عنه من عقد الشيطان وتثبيطه، قاله النووي. قال الحافظ: كذا قيل، والذي يظهر أن في صلاة الليل سراً في طيب النفس، وإن لم يستحضر المصلي شيئا مما ذكر، وكذا عكسه، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} (المزمل: 6). وقد استنبط بعضهم منه أنّ من فعل ذلك مرة، ثم عاد إلى النوم لا يعود إليه الشيطان بالعقد المذكور ثانيا، واستثنى بعضهم - ممن يقوم ويذكر ويتوضأ ويصلي - من لم ينهه ذلك عن الفحشاء، بل يفعل ذلك من غير أنْ يقلع، والذي يظهر فيه التفصيل بين من يفعل ذلك، مع الندم والتوبة والعزم على الإقلاع، وبين المصر. انتهى. قال النووي: فيه فوائد: منها: الحث على ذكر الله تعالى عند الاستيقاظ، وجاءت فيه أذكار مخصوصة مشهورة في الصحيح، وقد جمعتها وما يتعلق بها في باب من كتاب الأذكار، ولا يتعين لهذه الفضيلة ذكر، لكن الأذكار المأثورة فيه أفضل. قال: ومنها - أي من فوائده - التحريض على الوضوء حينئذٍ، وعلى الصلاة وإنْ قلّت. انتهى. قوله «وإلا أصبح خبيث النفس» أي: بتركه ما كان اعتاده، أو أراده من فعل الخير، كذا قيل، وقد تقدم ما فيه. وقوله «كسلان» غير مصروف، للوصف ولزيادة الألف والنون، وسبب كسله: ما عليه من عقد الشيطان وآثار تثبيطه واستيلائه، مع أنه لم يزل ذلك عنه. ومقتضى قوله: «وإلا أصبح»؛ أنه إنْ لم يجمع الأمور الثلاثة، دخل تحت من يصبح خبيثاً كسلان، وإنْ أتى ببعضها، وهو كذلك، لكن يختلف ذلك بالقوة والخفة، فمن ذكر الله - مثلا - كان في ذلك أخفّ ممن لم يذكر أصلا. قال الحافظ: وروينا في الجزء الثالث من الأول من «حديث المخلّص» في حديث أبي سعيد، الذي تقدمت الإشارة إليه: «فإنْ قام فصلى، انحلّت العقد كلهن، وإنْ استيقظ، ولم يتوضأ، ولم يصل، أصبحت العقد كلها كهيئتها». وقال ابن عبد البر: هذا الذم يختص بمن لم يقم إلى صلاته وضيّعها، أما من كانت عادته القيام إلى الصلاة المكتوبة، أو إلى النافلة بالليل، فغلبته عينه فنام، فقد ثبت أنّ الله يكتب له أجر صلاته، ونومه عليه صدقة. وقال أيضا: زعم قومٌ أنّ هذا الحديث، يعارض قوله صلى الله عليه وسلم : «لا يقولنّ أحدُكم: خبثتْ نفسي». وليس كذلك، لأن النهي إنما ورد عن إضافة المرء ذلك إلى نفسه كراهة لتلك الكلمة، وهذا الحديث وقع ذماً لفعله، ولكل من الحديثين وجه، وقال الباجي: ليس بين الحديثين اختلاف، لأنه نهى عن إضافة ذلك إلى النفس - لكون الخبث بمعنى فساد الدين - ووصف بعض الأفعال بذلك تحذيراً منها وتنفيرا. قال الحافظ: تقرير الإشكال: أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن إضافة ذلك إلى النفس، فكل ما نهي المؤمن أنْ يضيفه إلى نفسه، نهي أنْ يضيفه إلى أخيه المؤمن، وقد وصف [ هذا المرء بهذه الصفة، فيلزم جواز وصفنا له بذلك، لمحل التأسي، ويحصل الانفصال فيما يظهر بأن النهي محمول على ما إذا لم يكن هناك حامل على الوصف بذلك، كالتنفير والتحذير انتهى. ثم قال الحافظ ابن حجر: تنبيهات: - الأول: ذكر الليل في قوله: «عليك ليلٌ»، ظاهره اختصاص ذلك بنوم الليل، وهو كذلك، لكن لا يبعد أن يجيء مثله في نوم النهار، كالنوم حالة الإبراد مثلا، ولا سيما على تفسير البخاري من أن المراد بالحديث الصلاة المفروضة. - ثانيها: ادعى ابن العربي: أن البخاري أومأ هنا إلى وجوب صلاة الليل، لقوله: «يعقد الشيطان». وفيه نظر! فقد صرّح البخاري في خامس ترجمة من أبواب التهجد بخلافه، حيث قال: «من غير إيجاب». وأيضا فما تقدم تقريره، من أنه حمل الصلاة هنا على المكتوبة، يدفع ما قاله ابن العربي أيضا، ولم أر النقل في القول بإيجابه، إلا عن بعض التابعين. قال ابن عبد البر: شذّ بعض التابعين، فأوجب قيام الليل، ولو قدر حلب شاة، والذي عليه جماعة العلماء أنه مندوب إليه. - ثالثها: قد يُظن أن بين هذا الحديث، والحديث الآتي في الوكالة من حديث أبي هريرة الذي فيه: «أن قارئ آية الكرسي عند نومه لا يقربه الشيطان» معارضة، وليس كذلك؛ لأن العقد إنما حمل على الأمر المعنوي، والقرب على الأمر الحسي، وكذا العكس، فلا إشكال، إذْ لا يلزم من سحره إياه مثلا أنْ يماسه، كما لا يلزم من مماسته، أن يقربه بسرقة أو أذى في جسده ونحو ذلك. وإنْ حُملا على المعنويين، أو العكس، فيجاب بادعاء الخصوص في عموم أحدهما. والأقرب أن المخصوص حديث الباب، كما تقدم تخصيصه عن ابن عبد البر بمن لم ينو القيام، فكذا يمكن أن يقال: يختص بمن لم يقرأ آية الكرسي لطرد الشيطان، والله أعلم. - رابعها: ذكر شيخنا الحافظ أبو الفضل بن الحسين في «شرح الترمذي » أن السر في استفتاح صلاة الليل بركعتين خفيفتين، المبادرة إلى حلّ عقد الشيطان، وبناه على أنّ الحل لا يتم إلا بتمام الصلاة، وهو واضح، لأنه لو شَرَع في صلاة، ثم أفسدها، لم يساو من أتمها، وكذا الوضوء. وكأن الشروع في حلّ العقد، يحصل بالشروع في العبادة، وينتهي بانتهائها. وقد ورد الأمر بصلاة الركعتين الخفيفتين عند مسلم من حديث أبي هريرة، فاندفع إيراد من أورد أن الركعتين الخفيفتين، إنما وردتا من فعله صلى الله عليه وسلم كما تقدم من حديث عائشة، وهو منزهٌ عن عقد الشيطان، حتى ولو لم يرد الأمر بذلك، لأمكن أنْ يقال: يحمل فعله ذلك على تعليم أمته، وإرشادهم إلى ما يحفظهم من الشيطان. وقد وقع عند ابن خزيمة من وجه آخر، عن أبي هريرة في آخر الحديث: «فحلُّوا عُقد الشيطان ولو بركعتين». - خامسها: إنما خصّ الوضوء بالذكر، لأنه الغالب، وإلا فالجنب لا يَحل عقدته إلا الاغتسال، وهل يقوم التيممُ مقام الوضوء، أو الغسل لمن ساغ له ذلك؟ محل بحث. والذي يظهر إجزاؤه، ولا شك أنّ في معاناة الوضوء، عوناً كبيرا على طرد النوم، لا يظهر مثله في التيمم. - سادسها: لا يتعين للذكر شيء مخصوص لا يجزئ غيره، بل كل ما صدق عليه ذكر الله أجزأ، ويدخل فيه تلاوة القرآن، وقراءة الحديث النبوي، والاشتغال بالعلم الشرعي، وأولى ما يذكر به، ما سيأتي بعد ثمانية أبواب في «باب فضل من تعار من الليل». ويؤيده ما عند ابن خزيمة من الطريق المذكورة: «فإن تعار من الليل فذكر الله».
__________________
|
#93
|
||||
|
||||
![]() شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 96 ) باب: في اللــيلـة ســاعــــة يستـــجــــاب فيـــهــا الفرقان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء. 391.عن جَابِرٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةً ، لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ ، يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا ، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ». الشرح: قال المنذري: باب: في الليلة ساعة يستجاب فيها . والحديث رواه مسلم في صلاة المسافرين (1/521) وبوب عليه النووي: باب في الليل ساعة مستجاب فيها الدعاء . قوْله « إِنَّ في اللَّيْل لَساعَة «فيه: إِثْبات ساعة الإِجابة في كُلّ ليلة , ويَتضَمَّن الْحثّ عَلَى الدُّعَاء في جميع ساعات اللَّيْل، رجاء مُصادفتها، قاله النووي (6/36) . وقال بعض العلماء: وهذه الساعة قد أخفاها الله تعالى ، ليجتهد العباد في تحريها ، وطلبها في جميع الليل ، كما أخفى ساعة الجمعة ليتحرّاها العباد، ويطلبوها في جميع اليوم. كذا قال ، والراجح في ساعة الجمعة، أنها الساعة الأخيرة. قوله «لا يُوافِقها رَجُل مُسلم يَسأَل اللَّه تعالَى منْ أَمْر الدُّنْيا والْآخرة، إِلَّا أَعْطَاهُ إيَّاه وذلك كُلّ لَيْلَة» وهذا خبرٌعن نبينا صلى الله عليه وسلم بأنّ لنا في كل ليلة دعوة مستجابة، فما سألت الله تعالى من خير فيها، أعطاك إياه، ففيه ترغيب بالدعاء والصلاة وقيام الليل، فكم من الليالي دعوت أيها المسلم وأيتها المسلمة ؟! وكم منها ضيعت؟! قال الحافظ ابن رجب في معرض كلامه عن قيام الليل: يا قوام الليل اشفعوا في النُوّام، يا أحياء القلوب ترحّموا على الأموات، قيل لابن مسعود رضي الله عنه: ما نستطيع قيام الليل؟ قال: أقعدتكم ذنوبكم . وقيل للحسن: قد أعجزنا قيام الليل؟ قال: قيدتكم خطاياكم . وقال الفضيل بن عياض: إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار، فاعلم أنك محروم ، كبّلتك خطيئتك. قال الحسن: إنّ العبد ليذنب الذنب، فيُحرم به قيام الليل . قال بعض السلف: أذنبتُ ذنباً ، فحُرمت به قيام الليل ستة أشهر . ما يؤهّل الملوك للخلوة بهم، إلا من أخلص في وُدّهم ومعاملتهم، فأما من كان من أهل المخالفة، فلا يؤهلونه، وهذا حال البشر مع البشر، فكيف بحال العبد مع الرب. إنّ الغنيمة تُقسم على كل منْ حضر الوقعة ، فيعطى منها الرجالة والأجراء والغلمان ، مع الأمراء والأبطال والشجعان والفرسان ، فما يطلع فجر الأجر، إلا وقد حاز القوم الغنيمة، وفازوا بالفخر، وحمدوا عند الصباح السُرى، وما عند أهل الغفلة والنوم خبرٌ مما جرى!». (لطائف المعارف بتصرف). باب: الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه 392.عَنْ أَبِي هُريرة رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ، حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ، فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الْمَلِكُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ، مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ، مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ، فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ». الشرح: قال المنذري: باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه . والحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1/521) وبوب عليه النووي ما بوب به المنذري. ورواه البخاري في التهجد (1145) باب الدعاء والصلاة من آخر الليل، وفي الدعوات (6321) باب الدعاء نصف الليل، وفي التوحيد (7494). قوله «يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ «تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما أن الله -جل وعلا- ينزل إلى السماء الدنيا ، ينزل كما يشاء تعالى وكما يليق بجلاله، لا يعلم كيف نزوله إلا هو ، وهو كبقية الصفات ، كما نقول في الاستواء: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة ، كذلك نقول: النزول معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة . والدليل قوله تعالى ( ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير) الشورى: 11. أي: لا يشابهه شيء ولا يماثله أحد من مخلوقاته ، لا في ذاته ولا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، لأن أسماءه كلها حسنى ، وصفاته كلها كمال، وأفعاله انفرد بها من غير مشارك. وعلى هذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين . وهكذا قال أئمة السلف، وأهل السنة والجماعة كمالك، وربيعة، وسفيان الثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد بن حنبل ، وغيرهم من أئمة الإسلام . فنقول هنا: «ينزل ربنا» ولا نكيف، ولا نمثل، ولا نؤول ولا نعطل، ولا نزيد ولا ننقص، بل نقول «ينزل ربنا إِلَى السَّماء الدُّنيا كُلَّ لَيْلةٍ «كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم ، وهو أعلم الخلق بربه تعالى . ويجب على كل مسلم، أن يؤمن بهذا النزول إيماناً يقينياً ، على الوجه اللائق بالله تعالى . فكما قلنا: إنه تعالى يسمع ويبصر، لا كسمع المخلوقين ، ولا كبصر المخلوقين، بل سمعاً يليق بجلاله ، وبصراً يليق بجلاله ، لا يشبه صفات المخلوقين، فهكذا بقية الصفات، فبابها واحد، نثبتها لله -تعالى- على الوجه اللائق بجلال الله وكماله ، وهو -سبحانه- لا يشابه خلقه في شيءٍ من صفاته . ولا يصح تحريف معنى الحديث، بأن يفسر بأن المراد هو نزول أمره، أو نزول رحمته ، أو نزول ملَك من مﻼئكته، فإن هذا باطل؛ لوجوه ذكرها العلماء: - الوجه الأول: أن هذا التأويل، يخالف ظاهر الحديث؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- أضاف النزول إلى الله تعالى، والأصل أن الشيء إنما يضاف إلى من وقع منه، أو قام به، فإذا صُرف إلى غيره، كان ذلك تحريفًا يخالف الأصل، ونحن نعلم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أعلم الناس بالله ، وأنه -صلى الله عليه وسلم- أفصح الخلق وأحسنهم بياناً، وأنه أصدق الخلق فيما يخبر به عن الله تعالى ، فليس في كﻼمه شيء من الكذب، ولا يمكن أن يتقوّل على الله تعالى شيئًا، لا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، ولا في أحكامه، ثم هو عليه الصﻼة والسﻼم لا يريد إلا الهداية للخلق ، فإذا قال: «ينزل ربنا» فإنّ أي قائل يقول بخﻼف ظاهر هذا اللفظ، كأن يقول: المراد: ينزل أمره، أو تنزل ملائكته، فهو مخالف لكلامه صلى الله عليه وسلم، فنقول له: أأنت أعلم بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فالرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: «ينزل ربنا»، وأنت تقول: ينزل أمره، أم أنك أنصح للأمة منه؛ حيث خاطبهم بما يريد خﻼفه؟! ومن خاطب الناس بما يريد خﻼفه غير ناصح لهم. - الوجه الثاني: أن نزول أمره أو رحمته، لا يختص بهذا الجزء من الليل ، بل أمره ورحمته ينزلان كل وقت. فإن قيل: المراد به نزول أمر خاص، ورحمة خاصة، وهذا لا يلزم أن يكون كل وقت . فالجواب: أنه لو فرض صحة هذا التقدير والتأويل، فإن الحديث يدل على أن منتهى نزول هذا الشيء ،هو السماء الدنيا، وأي فائدة لنا في نزول رحمة إلى السماء الدنيا، من غير أن تصل لنا حتى يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عنها؟! - الثالث: أن الحديث دل على أن الذي ينزل يقول: «أنا الملك من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له»، وهذا لا يمكن أن يقوله أحدٌ سوى الله تبارك تعالى، والله أعلم. قوله: «حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ» وفي رواية «حين يبقى ثلث الليل» قال عياض: وهو الذي تظاهرت عليه الأخبار بلفظه ومعناه ، كذا قاله شيوخ الحديث، ويحتمل أن يكون النزول بالمعنى المراد بعد الثلث الأول، وقوله «من يدعوني بعد الثلث الأخير» . قال النووي: ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أعلم بأحد الأمرين في وقت فأخبر به ، ثم أعلم بالآخر في وقت آخر فأعلم به ، وسمع أبوهريرة الخبرين فنقلهما جميعا ، وسمع أبو سعيد خبر الثلث الأول فقط فأخبر به مع أبي هريرة ( 6/37). قوله: «أنا الملك، أنا الملك» التكرار للتأكيد والتعظيم . قوله: «مَنْ ذا الَّذي يَدْعُوني فأَسْتَجيبَ له ، مَنْ ذا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ ذَا الَّذي يَسْتَغْفِرُني فأَغْفِرَ لَهُ، فلَا يَزالُ كذلك حتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ «فيه: الترغيب بالأعمال المذكورة، من الدعاء والاستغفار، وسؤال الله -عز وجل -الحاجات على اختلافها في هذا الوقت. وفيه: دليل على امتداد وقت الرحمة واللطف، واستجابة الدعاء، إلى إضاءة الفجر . وفيه: الحث على الدعاء والاستغفار في جميع الوقت المذكور، إلى إضاءة الفجر. وفيه: أنّ آخر الليل، أفضل للصلاة والدعاء والاستغفار من أوله.
__________________
|
#94
|
||||
|
||||
![]() شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 97 ) باب: جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض الفرقان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء. 393-عن قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ: أَنَّ سعدَ بنَ هشامِ بْنِ عامِرٍ أَرادَ أَنْ يَغْزُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ فَأَرَادَ أَنْ يَبِيعَ عَقَارًا لَهُ بِهَا، فَيَجْعَلَهُ في السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ، ويُجَاهِدَ الرُّومَ حَتَّى يَمُوتَ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ لَقِيَ أُناسًا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَنَهَوْهُ عن ذلك، وأَخْبَرُوهُ أَنَّ رَهْطًا سِتَّةً أَرَادُوا ذلك في حَيَاةِ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَنَهَاهُمْ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وقال: «أَلَيْسَ لَكُمْ فِيَّ أُسْوَةٌ»؛ فَلَمَّا حَدَّثُوهُ بِذلك رَاجَعَ امرأَتَهُ، وقد كانَ طَلَّقَهَا ، وأَشْهَدَ علَى رَجْعَتِهَا، فَأَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ عن وِتْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلَا أَدُلُّكَ علَى أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ بِوِتْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال مَنْ؟ قَال: عَائِشَةُ فَأْتِها فَاسْأَلْها، ثُمَّ ائْتِنِي فَأَخْبِرْنِي بِرَدِّهَا عَلَيْكَ فَانْطَلَقْتُ إِلَيْهَا، فَأَتَيْتُ علَى حكِيمِ بْنِ أَفْلَحَ فَاسْتَلْحَقْتُهُ إِلَيْهَا ، فقَال: ما أَنا بِقَارِبِهَا؛ لِأَنِّي نَهَيْتُهَا أَنْ تَقُولَ فِي هَاتَيْنِ الشِّيعَتَيْنِ شَيْئًا، فَأَبَتْ فِيهِمَا إِلَّا مُضِيًّا، قَالَ: فَأَقْسَمْتُ عَلَيْهِ فَجَاءَ، فَانْطَلَقْنَا إِلَى عَائِشَةَ فَاسْتَأْذَنَّا عَلَيْهَا ، فَأَذِنَتْ لَنَا فَدَخَلْنَا عَلَيْهَا ، فقالَتْ: أَحَكِيمٌ؟ فعَرَفَتْهُ، فَقَال: نعم، فَقالَتْ: مَنْ معك؟ قال: سعدُ بْنُ هشامٍ، قَالَتْ: مَنْ هشَامٌ؟ قَال: ابْنُ عامرٍ، فَتَرَحَّمَتْ علَيه وقَالَت خَيْرًا، قَال قَتَادَةُ: وَكَان أُصِيبَ يومَ أُحُدٍ، فَقُلْتُ: يا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْبِئِينِي عن خُلُقِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؟ قَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَتْ: فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّه صلى الله عليه وسلم كَانَ الْقُرْآنَ، قال: فهمَمْتُ أَنْ أَقُومَ ولَا أَسْأَلَ أَحَدًا عَنْ شَيْءٍ، حَتَّى أَمُوتَ، ثُمَّ بَدَا لِي، فَقُلْتُ أَنْبِئِينِي: عن قيامِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؟ فَقَالَتْ: أَلَستَ تَقْرَأُ {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّل}؟ قلْتُ: بلَى، قالَتْ: فَإِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- افْتَرَضَ قيامَ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ هَذه السُّورَةِ، فَقَامَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأَصحابُهُ حَوْلًا، وأَمْسَكَ اللَّهُ خَاتِمَتَهَا اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فِي السَّمَاءِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ في آخرِ هذه السُّورَةِ التَّخْفِيفَ، فَصارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرِيضَةٍ، قال قلْتُ: يا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْبِئِينِي عن وِتْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؟ فَقَالَتْ: كُنَّا نُعِدُّ لَهُ سِوَاكَهُ وطَهُورَهُ، فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ ما شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ مِنْ اللَّيْلِ، فَيَتَسَوَّكُ ويَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ، لَا يَجْلِسُ فِيها إِلَّا فِي الثَّامِنَةِ، فَيَذْكُرُ اللَّهَ ويَحْمَدُهُ ويَدْعُوهُ، ثُمَّ يَنْهَضُ ولا يُسَلِّمُ ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّ التَّاسِعَةَ، ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ اللَّهَ ويَحْمَدُهُ ويَدْعُوهُ، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا، ثُمَّ يُصَلِّي ركْعَتَيْنِ بعد ما يُسَلِّمُ وهو قَاعِدٌ، وتلْكَ إِحْدَى عَشْرَةَ ركْعَةً يا بُنَيَّ، فَلَمَّا سَنَّ نَبِيُّ اللَّه صلى الله عليه وسلم ، وأَخَذَهُ اللَّحْمُ، أَوْتَرَ بِسَبْعٍ، وصَنَعَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِثْلَ صَنِيعِهِ الْأَوَّلِ، فَتِلْكَ تِسْعٌ يا بُنَيَّ، وكَان نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذا صَلَّى صلَاةً، أَحَبَّ أَنْ يُدَاوِمَ علَيها، وكَانَ إِذا غَلَبَهُ نَوْمٌ أَوْ وَجَعٌ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، صلَّى مِنْ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ولَا أَعْلَمُ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي لَيْلَةٍ، ولَا صَلَّى لَيْلَةً إِلَى الصُّبْحِ، ولَا صَامَ شَهْرًا كَاملًا غَيْرَ رمَضَانَ. قَال: فَانْطَلَقْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَحَدَّثْتُهُ بِحَدِيثِهَا، فقَال: صَدَقَتْ، لَوْ كُنْتُ أَقْرَبُهَا أَوْ أَدْخُلُ عَلَيْهَا، لَأَتَيْتُهَا حَتَّى تُشَافِهَنِي بِهِ، قَال قُلْتُ: لَو عَلِمْتُ أَنَّكَ لَا تَدْخُلُ عليها ما حَدَّثْتُكَ حَدِيثَهَا. الشرح: قال المنذري: باب: جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض. والحديث رواه مسلم في صلاة المسافرين (1/512) وبوب عليه النووي: باب جامع صلاة الليل ، ومن نام عنه أو مرض. قوله: «عن سعدَ بنَ هشام بْن عامر» هو الأنصاري المدني، تابعي ثقة، استشهد بأرض الهند . وأبوه هشام بْن عامر الأنصاري النّجاري، صحابي، كان اسمه شهاباً فغيره النبي صلى الله عليه وسلم . قوله: «أَرادَ أَنْ يَغْزُوَ في سبِيل اللَّه، فَقَدِمَ الْمدِينةَ فَأَرادَ أَنْ يَبِيعَ عقارًا لَه بِها، فَيَجْعَلَهُ في السِّلَاحِ والْكُرَاعِ، ويُجاهدَ الرُّومَ حتَّى يَمُوتَ» الْكُرَاعِ: اسم للخيل. قوله: «فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ لَقِيَ أُناسًا مِنْ أَهْلِ الْمَدينَةِ فَنَهَوْهُ عن ذلك، وأَخْبَرُوهُ أَنَّ رَهْطًا ستَّةً أَرادُوا ذلك في حياةِ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَنَهَاهُمْ نبيُّ اللَّه صلى الله عليه وسلم ، وقال: «أَلَيسَ لَكُمْ فيَّ أُسْوَةٌ؟» أي : أرادوا التبتل، والانقطاع للعبادة والجهاد، وترك زينة الحياة الدنيا بالكلية، فنهاهم النبيصلى الله عليه وسلم عن تحريم ما أحل الله تعالى لهم، ونزل قوله تعالى: {تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا}(المائدة: 87). (انظر تفسير ابن كثير 2/80 ) . فنهى تعالى عن ترك الطيبات ، ونسب فاعله إلى الاعتداء . ومثله حديث النفر الثلاثة، الذين سألوا عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فكأنهم تقالّوها، ثم قال أَحدُهُمْ: أَمَّا أَنا فإِنِّي أُصلي اللَّيل أَبدًا، وقال آخَرُ: أَنا أَصومُ الدَّهرَ ولا أُفْطرُ، وقال آخرُ: أَنا أَعتزلُ النِّساءَ فلا أَتزوجُ أَبدًا، فَجاءَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم إِليهم فقال: «أَنْتُمْ الَّذين قُلْتُمْ كذا وكذَا؟! أَما واللَّهِ إِنِّي لأخشاكُمْ للَّهِ، وأَتْقَاكُم لهُ، لَكنِّي أَصومُ وأُفْطرُ، وأُصلِّي وأَرْقدُ، وأَتَزوَّجُ النِّساء، فمنْ رَغِبَ عن سُنَّتي، فليس مِنِّي». متفق عليه . وقوله: «أَلَيسَ لَكُمْ فيَّ أُسْوَةٌ»، وقال ابن منظور: الأسوة والإسوة: القدوة. ويقال: إئتس به، أي اقتد به، وكنْ مثله. قال اللّيث: فلان يأتسي بفلان، أي يرضى لنفسه ما رضيه ويقتدي به، وكان في مثل حاله، والقوم أسوة في هذا الأمر أي حالهم فيه واحدة، والتّأسّي في الأمور: الأسوة، وكذا المؤاساة. لسان العرب (14/ 35) . وقال البغويّ: هي فعلة من الائتساء، كالقدوة من الاقتداء، اسم وضع موضع المصدر، أي به اقتداء حسن. تفسير البغوي (3/ 519) . قال القرطبيّ : واختلف في هذه الأسوة بالرّسول صلى الله عليه وسلم ، هل هي على الإيجاب أو على الاستحباب على قولين: أحدهما على الإيجاب حتّى يقوم دليل على الاستحباب، الثّاني على الاستحباب حتّى يقوم دليل على الإيجاب، ويحتمل أن يحمل على الإيجاب في أمور الدّين وعلى الاستحباب في أمور الدّنيا. الجامع لأحكام القرآن (155- 156). قوله: «فَلَمَّا حَدَّثُوهُ بِذلك رَاجَعَ امرأَتَه، وقد كانَ طَلَّقَها، وأَشْهَدَ علَى رَجْعَتِهَا» أي: رجع عن رأيه، وترك ما عزم عليه. قوله: «فَأَتَى ابنَ عَبَّاس فَسَأَلَهُ عن وِتْرِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فقال ابنُ عَبَّاسٍ: أَلا أَدُلُّكَ على أَعلَمِ أَهلِ الْأَرضِ بِوِتْرِ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم ؟ قال: مَنْ؟ قال: عائشةُ، فَأْتِها فَاسْأَلْها، ثُمَّ ائْتِني فأَخبرنِي بِرَدِّهَا عليك» فيه: أنه يُستحب للعالم إذا سئل عن شيء، ويَعرف أن غيره أعلم منه به، أنْ يُرشد السائل إليه، فإن الدين النصيحة. قوله: «فانطَلَقتُ إِليها، فَأَتَيْتُ على حكيمِ بنِ أَفْلَحَ فاسْتَلْحَقْتُهُ إِلَيها، فقال: ما أَنا بقاربِها؛ لِأَنِّي نَهَيْتُهَا أَنْ تَقُولَ فِي هَاتَيْنِ الشِّيعَتَيْنِ شَيْئًا، فَأَبَتْ فِيهِما إِلَّا مُضِيًّا، قَالَ: فَأَقْسَمْتُ عليه فجاءَ، فَانْطَلَقْنَا إِلَى عائشةَ فَاسْتَأْذَنَّا عليها، فَأَذِنَتْ لَنَا فَدَخَلْنَا عَلَيْهَا، فقالَتْ: أَحَكِيمٌ؟ «حكيم بن أفلح هو المدني، تابعي لم يوثقه إلا ابن حبان، وقال الحافظ : مقبول . فَاسْتَلْحقْتُهُ إِلَيها: طلبت منه الذهاب معي إليها. «هَاتَيْنِ الشِّيعَتَيْنِ» أي: الطائفتين، وهما فئة علي ومعاوية رضي الله عنهما، ومضيا: أي: أبتْ إلا أنْ تمضي فيه ، قال تعالى: {فما استطاعوا إلا مضيا}. قوله: «فَقُلْتُ : يا أُمَّ الْمُؤمنين، أَنْبِئِينِي عن خُلُقِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم ؟ قالت: أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرآنَ؟ قُلْتُ: بلَى، قالتْ: فَإِنَّ خُلُقَ نَبيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ الْقُرْآنَ». وفي رواية قالت: «كان خُلُقُه القرآن، أما تقرأ: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(القلم: 4). أخرجه أحمد والطبري في التفسير . وقد روي عن الحسن البصري أنه سألها نفس السؤال، فأجابت بنفس الجواب. أخرجه أحمد وابن سعد, وسألها كذلك مسروق بن الأجدع الهمداني . وسألها يزيد بن بَابَنُوس: ما كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت: كان خلقه القرآن، تقرؤون سورة المؤمنين. قالت: اقرأ {قد أفلحَ المؤمنون} قال يزيد: فقرأت قد أفلح المؤمنون إلى {لفُروجهم حَافظون}، قالت: هكذا كان خُلق رسول الله. أخرجه البخاري في الأدب المفرد (308) والبيهقي في الشعب، لكن سنده ضعيف، يزيد مجهول. وسألها أبو الدرداء السؤال فقالت: «كان خُلقه القرآن، يغضب لغضبه، ويرضى لرضاه». أخرجه الطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب . قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: يعني أنه كان يتأدب بآدابه، ويتخلق بأخلاقه، فما مدحه القرآن كان فيه رضاه ، وما ذمه القرآن كان فيه سخطه. وقال السيوطي: معناه العملُ به، والوقوفُ عند حدوده، والتأدُّبُ بآدابه، والاعتبارُ بأمثاله وقصصه، وتدبُّره وحسنُ تلاوته. (الديباج). وقال السندي في حاشيته على النسائي: وكون خُلقه القرآن: هو أنه كان متمسكاً بآدابه، وأوامره ونواهيه ومحاسنه، ويُوضحه أنّ جميع ما قصَّ الله تعالى في كتابه من مكارم الأخلاق؛ مما قصّه من نبيٍّ أو وليٍّ، أو حثَّ عليه أو ندَبَ إليه، كان صلى الله عليه وسلم مُتخلِّقاً به، وكل ما نهى الله تعالى عنه فيه ونزَّه كان صلى الله عليه وسلم لا يحوم حوله. قوله « فهمَمْتُ أَنْ أَقُومَ، ولا أَسْأَلَ أَحَدًا عن شَيءٍ، حَتَّى أَمُوتَ» رضا بما سمع من الجواب الشافي الكافي، عن حال النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه. (يتبع).
__________________
|
#95
|
||||
|
||||
![]() شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 98 ) باب: جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض الفرقان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء. تتمة الكلام على حديث الباب: قوله «فقُلْتُ أَنْبِئِينِي: عن قيامِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَتْ: أَلَستَ تَقْرَأُ {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ}(المزمل: 1) قلْتُ: بلَى، قالتْ: فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ افْتَرَضَ قيامَ اللَّيْلِ في أَوَّلِ هَذه السُّورَةِ، فَقَامَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأَصحابُهُ حَوْلًا، وأَمْسَكَ اللَّهُ خَاتِمَتَهَا اثْنَيْ عشرَ شَهْرًا في السَّمَاءِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ في آخرِ هذه السُّورَةِ التَّخْفِيفَ، فَصار قيامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرِيضَةٍ «قوله {يا أَيُّها الْمُزَّمِّلُ} قال ابن عباس والضحاك والسدي (يا أيها المزمل) يعني: يا أيها النائم. فيأمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية أنْ يترك التزمّل، وهو التّغطي في الليل، وأنْ ينهض إلى القيام لربه عز وجل، وهو من صفات عباده الصالحين، وأوليائه المتقين، كما قال تعالى عنهم: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} (السجدة: 16). وكان صلى الله عليه وسلم ممتثلاً ما أمره الله تعالى به من قيام الليل، وقد كان واجباً عليه وحده، كما قال تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} (الإسراء: 79). فقوله (نافلة لك) أي: لتكون صلاة الليل زيادة لك في علو قدرك، ورفعة درجاتك. وقيل: (نافلة لك) فرضاً عليك بالخصوص، لكرامتك على الله تعالى، جعل وظيفتك أكثر من غيرك، ليكثر ثوابك، وتنال بذلك المقام المحمود، وهي الشفاعة العظمى في عرصات القيامة، التي يحمدك عليها الأولون والآخرون. وههنا بيّن له مقدار ما يقوم، فقال تعالى: {قم الليل إلا قليلاً * نصفه أو انقص منه قليلاً} (المزمل: 2 - 3)، أي: انقص من النصف، (أو زد عليه) أي: يكون نحو الثلثين. وقوله تعالى (نصفه) بدل من الليل {أو انقص منه قليلاً أو زد عليه} (المزمل: 4)، أي: أمرناك أنْ تقوم نصف الليل، بزيادة قليلة أو نقصان قليل، لا حرج عليك في ذلك. وقد روى ابن أبي حاتم - كما في تفسير ابن كثير -: عن سعيد بن هشام قال قلت: لعائشة أخبرينا عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت: ألست تقرأ (يا أيها المزمل) قلت: بلى، قالت: فإنها كانت قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى انتفخت أقدامهم، وحبس آخرها في السماء ستة عشر شهراً، قال: فأنزل الله تخفيفها بعد في آخر السورة. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى (قُم الليلَ إلا قليلاً * نصفه أو انقص منه قليلاً) فشقّ ذلك على المؤمنين، ثم خفف الله -تعالى- عنهم ورحمهم فأنزل بعد هذا {عَلِم أنْ سيكونُ منكم مرضى وآخرون يَضربُون في الأرض يَبتغونَ من فضل الله} إلى قوله تعالى: {فاقرءوا ما تيسّر منه} (المزمل: 20)، فوسّع الله تعالى وله الحمد، ولم يضيق. قوله «قلْتُ: يا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْبِئِينِي عن وِتْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، «أي: كيف كان يصلي الوتر، وكم كان؟ قوله «فقالتْ: كُنَّا نُعِدُّ لَهُ سِوَاكَهُ وطَهُورَهُ، فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ ما شاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ مِنْ اللَّيْلِ، فَيَتَسَوَّكُ ويَتَوَضَّأُ «السِّواك: مأخوذ من «ساك» إذا دَلَك. وقيل: من جاءت الإبل تتساوك، أي: تتمايل هزلاً. ويُقال: استاك وتسوّك، واستنّ وشاص فاه. وهو استعمال عود أو نحوه في الأسنان ليذهب بالصفرة وغيرها. ويُطلق السِّواك على الفعل، وعلى العود الذي يُستاك به. قال الإمام النووي: ويستحب أن يستاك بعود من أراك، وبأى شئ استاك مما يزيل التغير حصل السواك، كالخرقة الخشنة والسعد والأشنان... والمستحب أنْ يستاك بعودٍ متوسط، لا شديد اليبس يجرح، ولا رطب لا يزيل. انتهى. وأصلح ما اتخذ منه السواك، هو من شجر الأراك. والسواك مُستحب، ويتأكد في مواضع، ومنها: 1 – عند قراءة القرآن؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : «إن العبد إذا تسوّك ثم قام يصلي، قام الملك خلفه، فتسمّع لقراءته فيدنو منه - أو كلمة نحوها - حتى يضع فاه على فيه، فما يخرج من فيه شيء من القرآن، إلا صار في جوف المَلَك، فطهروا أفواهكم للقرآن». رواه البزار، وأورده الألباني في الصحيحة برقم 1213. وقال علي رضي الله عنه : «إنّ أفواهكم طُرق للقرآن، فطيّبوها بالسِّواك» رواه ابن ماجة. 2 – عند دخول الإنسان منزله؛ فقد سُئلت عائشة رضي الله عنها: بأي شيء كان يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك. رواه مسلم. وهذا أدب نبوي يتمثّل فيه حسن معاشرة الأهل، فيبدأ بالسِّواك أول ما يدخل بيته. 3 – عند النوم؛ لأن الإنسان إذا نام وفي أسنانه شيء من بقايا الطعام أو الشراب، أثّر ذلك على أسنانه ولثته، وربما أضرّه. فضلا عن أنه صلى الله عليه وسلم كان ينام مع أزواجه في فراش واحد، فيكره أن توجد منه رائحة. 4 – عند الاستيقاظ من النّوم، كما في حديث الباب هنا، قالت عائشة رضي الله عنها: كُـنّـا نُعِدّ له سواكه وطهوره، فيبعثه الله ما شاء أنْ يبعثه من الليل، فيتسوّك ويتوضأ. رواه مسلم. قال الإمام النووي رحمه الله: قولها: «كنا نعدّ له سواكه وطهوره» فيه استحباب ذلك، والتأهب بأسباب العبادة قبل وقتها، والاعتناء بها. قولها: «فيتسوّك ويتوضأ» فيه استحباب السواك عند القيام من النوم. انتهى. 5 – بعد الأكل؛ لعدم بقاء شيء من بقايا الطعام على الأسنان، فيُسبب الروائح الكريهة. 6 – بعد الوتر من الليل؛ فقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يُصلي بالليل ركعتين ركعتين، ثم يَنصرف فيَستاك» . رواه أحمد والنسائي وابن ماجة عن ابن عباس. قال ابن حجر: إسناده صحيح، وقال المنذري: رواه ابن ماجة ورجاله ثقات. قال أبو شامة: يعني وكان يتسوّك لكل ركعتين، وفي هذا موافقة لما يفعله كثيرٌ في صلاة التروايح وغيرها. قال العراقي: مقتضاه أنه لو صلى صلاة ذات تسليمات، كالضحى والتروايح، يستحب أنْ يستاك لكل ركعتين، وبه صرح النووي. (فيض القدير5/224). 7 – عند تغيّر رائحة الفم، لئلا يتقذّر الناس من الإنسان، ثم ينفروا منه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكره أن توجد منه الرائحة الكريهة من بدنه أو من فمه أو من ثوبه. 8 – 9- عند الوضوء، عند الصلاة، كما سبق في كتاب الوضوء. ومن أجْـلِ ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يُوكل ابن مسعود رضي الله عنه بالسِّواك، حتى عُرِف رضي الله عنه بصاحب السِّواك، كما في صحيح البخاري. قوله: «وَيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ، لَا يَجْلِسُ فِيها إِلَّا فِي الثَّامِنَةِ، فَيَذْكُرُ اللَّهَ ويَحْمَدُهُ ويَدْعُوهُ، ثُمَّ يَنْهَضُ ولا يُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّ التَّاسِعَةَ ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ اللَّهَ ويَحْمَدُهُ ويَدْعُوهُ، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا، ثُمَّ يُصَلِّي ركْعَتَيْنِ بعد ما يُسَلِّمُ وهو قَاعِدٌ، وتلْكَ إِحْدَى عَشْرَةَ ركْعَةً يا بُنَيَّ» سبق الكلام عليه، وأنه كان يفعله أحيانا، والأكثر من فعله أنه كان يصلي ركعتين ركعتين. قولها: «فَلَمَّا سَنَّ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وأَخَذَهُ اللَّحْمُ» فلما سن، وفي بعض النسخ: لما أسن، وهو المشهور في اللغة، وأَخَذَهُ اللَّحْمُ: أي سمن لكبره. قولها: «أَوْتَرَ بِسَبْعٍ، وصَنَعَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِثْلَ صَنِيعِهِ الْأَوَّلِ، فَتِلْكَ تِسْعٌ يا بُنَيَّ وكَان نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذا صَلَّى صلَاةً، أَحبَّ أَنْ يُداومَ عليها، وكَان إِذا غَلَبَهُ نَوْمٌ أَو وَجَعٌ عن قيامِ اللَّيْل، صلَّى مِنْ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عشرة ركْعَةً» وقد مضى الكلام على أنّ أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها، وإنْ قل. قولها: «ولَا أَعْلَمُ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ في لَيْلَةٍ», بل قد نهى عنه، فعن عبد اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي اللهُ عنهما، قَال: كُنْتُ أَصُومُ الدَّهْرَ، وأَقْرَأُ الْقُرْآنَ كُلَّ لَيْلَةٍ، قَال: فَإِمَّا ذُكِرْتُ لِلنَّبِيّp، وإِمَّا أَرْسَلَ إِلَيَّ فَأَتَيْتُهُ، فقَال لي: «أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ الدَّهْرَ، وتَقْرَأُ الْقُرْآنَ كُلَّ لَيْلَةٍ؟!» فقلْتُ: بلى، يا نبيَّ اللهِ، ولم أُرِدْ بذلك إِلَّا الْخيرَ، قال: «فإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ من كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» قُلْتُ: يَا نَبِيَّ الله، إنِّي أُطيقُ أَفْضلَ مِنْ ذلك، قال: «فإِنَّ لِزَوْجِكَ علَيك حَقًّا، ولِزَوْرِكَ علَيك حَقًّا، ولِجسدك عَلَيك حَقًّا» قال: «فصُمْ صومَ دَاوُدَ نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَإِنَّهُ كان أَعْبَدَ النَّاس» قال قُلْتُ: يا نَبِيَّ الله، وما صَوْمُ دَاوُدَ؟ قال: «كان يصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا» قال: «واقْرأ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ» قال قلْتُ: يا نبِيَّ الله، إِنِّي أُطيقُ أَفْضلَ مِنْ ذلك، قَال: «فَاقْرَأْهُ في كُلِّ عِشْرِينَ» قال قُلْتُ: يا نبيَّ الله، إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذلك، قَال: «فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ عَشْرٍ» قَالَ قلتُ: يا نَبِيَّ اللهِ، إِنِّي أُطيقُ أَفضل مِنْ ذلك، قَال: «فَاقْرأْهُ في كُلِّ سَبْعٍ، ولَا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا» قَال: فَشَدَّدْتُ، فَشُدِّدَ عَلَيَّ. قَال: وقَال لي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «إِنَّك لا تَدري لعلَّك يَطولُ بك عُمْرٌ» قال: فصرتُ إِلَى الَّذي قال لي النَّبيُّ صلَّى الله علَيه وسلَّم، فَلَمَّا كَبِرْتُ، وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ قَبِلْتُ رُخْصَةَ نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم . صحيح مسلم (2/ 813). وروى عبد الله بن عمرو أيضا: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لم يَفقه مَنْ قرأ القرآن في أقلَّ من ثلاث». رواه أحمد وأبو داود والترمذي والدارمي، وصححه الألباني. وما نُقل عن بعض السلف أنه كان يقرأ القرآن في ليلة، محمولٌ على عدم علمهم بذلك، والله أعلم. قولها: «ولا صلَّى ليلَةً إلَى الصُّبْحِ» أي: ما كان من عادته ولا هديه صلى الله عليه وسلم أنه كان يُصلي الليل كله فلا ينام، ولا يأكل، ولا يتحدث مع أهله، لم يعرف عنه ذلك. قولها: «ولا صام شهرا كَاملًا غيرَ رمضانَ» أي: إنْ صام من الشهر ما صام، لا بد أنْ يُفطر بعضه، إلا رمضان. وفي ذلك: إثبات الاقتصاد في العبادات، وترك الغلو والمبالغة والانهماك فيها، فهذه هي السنة النبوية. قال: «فانْطلَقْتُ إِلَى ابن عباس فحدَّثْتُه بحدِيثها، فقال: صدقَتْ، لَو كُنْتُ أَقْرَبُها أَو أَدْخُلُ عليها، لأَتَيْتُهَا حتَّى تُشَافِهَني بِهِ» فيه: استحباب الحصول على السند العالي للحديث، وحرص الصحابة رضوان الله عليهم على ذلك، وفضيلة السماع. قوله: «قال قلْتُ: لو علمتُ أَنَّك لَا تَدْخُلُ عليها، ما حَدَّثْتُكَ حديثَها» رعاية لها رضي الله عنها، وطيب خاطرها، فإنها أم المؤمنين، وزوجة رسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم ، فقد كان بينها وبين ابن عباس رضي الله عنهما شيء بسبب واقعة الجمل.
__________________
|
#96
|
||||
|
||||
![]() شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 99 ) بـاب: فـــــي صــــــــلاة الـــوتـــــر الفرقان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء. 394.عن عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ. الشرح: قال المنذري: باب: في صلاة الوتر. والحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1/512) وبوب عليه النووي: باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل، وأن الوتر ركعة، وأن الركعة صلاة صحيحة. وأخرجه البخاري في الوتر (996) باب ساعات الوتر. قوله «مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم » أي: كل ساعات الليل هو وقتٌ للوتر، بعد دخول وقته، وهو يبدأ بالفراغ من صلاة العشاء، ويمتد إلى صلاة الفجر، كما جاء في مسند الإمام أحمد: أن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: خطب الناسَ يوم جمعة فقال: إن أبا بصرة حدثني: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ الله زادَكم صلاةً، وهي الوتر، فصلُوها فيما بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر.....» إسناده صحيح. وقال عنه ابن رجب في فتح الباري (9/ 146) إسناده جيد. وفي قوله «إنّ الله زادَكم صلاةً» دليلٌ على اختصاص هذه الأُمة بصلاة الوتر، وهو من فضائلها على الأمم السابقة. وفيه: جواز الإيتار في جميع أوقات الليل. قولها «فَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ أي كان آخر أمره صلى الله عليه وسلم أنه يوتر في السَحر، وهو آخر الليل قبيل الصبح. وقيل: أوله: الفجر الأول. وفي رواية لمسلم: عنها قالت: «منْ كلّ الليل قد أوترَ رسولُ الله، من أول الليل، وأوسطه وآخره، فانتهى وتره إلى السحر». واعلم أنّ الأفضل في الوتر وصلاة الليل: الثلث الأخير منه؛ لأنه وقت نزول الرب -جل وعلا- للسماء الدنيا، كما في الحديث الذي في الصحيحين، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وقد تقدم. ولا معارضة بين وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة ولأبي ذر بالوتر قبل النوم، وبين قول عائشة هاهنا «فانتهى وتره إلى السحر»؛ لأن وصيته لأبي هريرة لإرادة الاحتياط، والثاني لمن علم من نفسه قوة. كما في حديث جابر رضي الله عنه الآتي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ خافَ ألا يقومَ آخرَ الليل فليُوترْ أوله، ومنْ طَمع أنْ يقوم آخره، فليوترْ آخرَ الليل، فإنّ صلاةَ آخرِ الليل مشهودةٌ، وذلك أفضل» وقال أبو معاوية: محضورة. وقال الحافظ: ويحتمل أنْ يكون اختلاف وقت الوتر، باختلاف الأحوال، فحيثُ أوترَ في أوله، لعله كان وجعاً، وحيث أوتر وسطه، لعله كان مسافراً، وأما وُتره في آخره، فكأنه كان غالب أحواله، لما عرف من مواظبته على الصلاة في أكثر الليل، والله أعلم. ومن أوتر أوْ قام أول الليل، أو أوسطه، فلا مانع من ذلك، وفي كل خيرٍ، غيرَ أن آخر الليل أفضل؛ لأنه الأمر الذي استقرّ عليه فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، كما في هذا الحديث:» فانتهى وتره إلى السَحر». وإذا صلى الوتر أول الليل، ثم قام من آخره، فله أنْ يُصلي من الليل ما شاء، من غير إعادة للوتر، فقد ورد النهي عن الجمع بين وترين في ليلة واحدة، فعن قيس بن طلق قال: زارنا أبو طلق بن عليّ رضي الله عنه في يومٍ من رمضان، فأمسى بنا وقام بنا تلك الليلة، وأوتر بنا، ثم انحدر إلى مسجد فصلى بأصحابه حتى بقي الوتر، ثم قدَّم رجلاً فقال له: أوترْ بهم، فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا وِتران في ليلة». رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي. وإذا قلنا بهذا، فكيف الجواب عن قوله صلى الله عليه وسلم : «اجْعَلُوا آخِرَ صلاتِكُمْ بِاللَّيلِ وِتْراً»؟ فنقول: إن هذا هو الأفضل لمن طمع في القيام آخر الليل، كما تقدّم. ثم هو أمرُ إرشادٍ، لا أمر وجوب؛ لأن الوتر ليس بواجب أصلاً. وقد ذهب أكثر أهل العلم: إلى أن الوتر لا يكون إلا بعد صلاة العشاء، سواء جُمعت جمع تقديم مع المغرب، أو أخّرت إلى منتصف الليل، وأما قبل صلاة العشاء، فلا يصح على الراجح. ومن نام عن وتره أو نسيه، فله صلاته بعد الشروق إلى قبل صلاة الظهر، ركعتين ركعتين، كما في حديث عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا فاتته الصلاة من الليل، من وَجَعٍ أو غيره، صلى من النهار ثِنْتي عشرةَ ركعة. باب: في الوتر وركعتي الفجر 395.عن أَنسِ بنِ سِيرِينَ قال: سأَلْتُ ابنَ عُمَرَ رضي الله عنه قلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّكْعَتَيْنِ قبل صَلَاةِ الْغَدَاةِ، أَُُطِيلُ فيهما الْقراءةَ؟ قَال: كان رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، ويُوتِرُ بِرَكْعَةٍ، قال قُلْتُ: إِنِّي لَسْتُ عن هذا أَسْأَلُكَ! قَال: إِنَّكَ لَضَخْمٌ، أَلَا تَدَعُنِي أَسْتَقْرِئُ لَكَ الْحَدِيثَ، كَان رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، وَيُوتِرُ بِرَكْعَةٍ، وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ، كَأَنَّ الْأَذَانَ بِأُذُنَيْهِ. الشرح: قال المنذري: باب: في الوتر وركعتي الفجر. والحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1/519) وبوب عليه النووي: باب صلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ركعة من آخر الليل. وأخرجه البخاري في الوتر (995) باب ساعات الوتر. أنس بن سيرين هو الأنصاري، أخو محمد، تابعي ثقة، مات سنة 18 وقيل: 20 هـ، روى له الستة. قوله «كان رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، ويُوتِرُ بِرَكْعَةٍ» أي: هذا هو هديه وعادته في صلاة الليل، أنه كان يصلي ركعتين ركعتين، ثم يوتر بركعة واحدة، يختم بها صلاته. وهذا الحديث: من الأحاديث الكثيرة التي تدل على جواز الإيتار بركعةٍ واحدة، خلافاً لمن منعه، كأبي حنيفة رحمه الله وأصحابه. قوله: «إنك لضَخمٌ» إشارة إلى الغباوة والبلادة، وقلة الأدب. قالوا: لأن هذا الوصف يكون للضخم السمين غالباً، ويكون قليل الفهم، وإنما قال له ذلك ؛ لأنه قَطع عليه الكلام، وأعْجله قبل تمام حديثه. ويستفاد من هذا أيضا: جواب السائل، بأكثر مما سأل عنه، إذا كان مما يَحتاج إليه، قاله الحافظ (2/487). قوله «ويُصَلِّي ركْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ» أي: يصلي قبل صلاة الفجر ركعتين، وهي سنة الفجر. قوله: «أَلَا تَدَعُنِي أستقرئ لك الحديث» أستقرئ هو بالهمزة من القراءة، ومعناه: ألا تتركني أذكر لك الحديث، وآتي به على وجهه بكماله. قوله: «ويُصلي ركعتين قبل الغداة، كأن الأذان بأذنيه» قال عياض: المراد بالأذان هنا: الإقامة، هو إشارة إلى شدة تخفيفها بالنسبة إلى باقي صلاته صلى الله عليه وسلم . وقال الحافظ: فالمعنى أنه كان يُسرع بركعتي الفجر، إسراع من يسمع إقامة الصلاة، خشية فوات أول الوقت، ومقتضى ذلك: تخفيف القراءة فيهما انتهى. باب: منْ خافَ ألا يقومَ من آخر الليل فليُوتر أوّله 396.عن جابِرٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ، ومَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ، فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ، فإِنَّ صلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ، وذلِكَ أَفْضَلُ». الشرح: قال المنذري: باب: منْ خافَ ألا يقومَ من آخر الليل فليُوتر أوّله. والحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1/520) وبوب عليه النووي بما بوب به المنذري. قوله «مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ» وفي الرواية الأخرى له «فليُوتر ثم ليَرقد»، وقوله «ومَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ، فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ» فيه كما سبق: أن الليل كله محلٌ للوتر، وأن آخر الليل أفضل. وفيه: دليل صحيح صريح على أن تأخير الوتر إلى آخر الليل أفضل، لمن وثق بالاستيقاظ آخر الليل، وأنّ من لا يثق بذلك، فالتقديم له أفضل. وعليه يحمل الأحاديث المطلقة، كحديث «أوصاني خليلي ألا أنامَ إلا على وتر» فهو محمول على من لا يثق بالاستيقاظ. قوله «فإن صلاة آخر الليل مشهودة» وفي الرواية الأخرى «فإنّ قراءةَ آخرَ الليل محضورةٌ» أي: أنها تشهدها ملائكة الرحمة وتحضرها. وقوله «وذلك أفضل» وفيه دليل آخر على تفضيل صلاة الوتر وغيرها آخر الليل. 192- باب: أوتروا قبل أن تصبحوا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه : أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: «أَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا». الشرح: قال المنذري: باب: أوتروا قبل أنْ تصبحوا. والحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1/520) وبوب عليه النووي: باب صلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ركعة من آخر الليل. قوله «أوتروا قبل أنْ تصبحوا» فيه دليل: على أن وقت الوتر ينتهي بطلوع الفجر؛ لأنه من صلاة الليل، وبه قال جمهور العلماء، وللأدلة الكثيرة في الباب.
__________________
|
#97
|
||||
|
||||
![]() شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 100 ) باب: فضل قراءة القرآن في الصلاة الفرقان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء. 398.عَنْ أَبِي هريرةَ رضي الله عنه قال: قَال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، أَنْ يَجِدَ فِيهِ ثَلَاثَ خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ؟» قُلْنا: نَعَمْ، قال: «فَثَلَاثُ آيَاتٍ يَقْرَأُ بِهِنَّ أَحَدُكُمْ في صَلَاتِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثِ خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ». الشرح: قال المنذري: باب: فضل قراءة القرآن في الصلاة. والحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1/552) وبوب عليه النووي: باب فضل قراءة القرآن في الصلاة وتعلمه. قوله «أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ إِذا رَجَعَ إلى أَهْلِهِ» أي: في رجوعه إليهم، وقيل: أي في طريقه، وقال ابن حجر: أي في أهله يعني في محلهم. قوله «ثلاث خلفات» أي: جمع خلفة بفتح فكسر، من خلفت الناقة، وهي الْحامِل مِنْ النُّوق، وهي مِنْ أَعَزّ أَموال الْعرب. قال النووي: الخلفات الحوامل من الإبل، إلى أنْ يمضي عليها نصف أمدها، ثم هي عشار، والواحدة خلفة وعشراء. قوله «عظام» في الكمية، «سِمان» في الكيفية والحال، والتنكير للتعظيم والتفخيم. قوله «قلنا: نعم» وهذا بمقتضى الطبيعة البشرية، وحبها للأموال. قوله «فثلاث آيات» أي: فإذا كنتم تُحبون ذلك، فاعلموا أنّ قراءة ثلاث آيات من القرآن، خيرٌ من ثلاث خلفات، وقال الطيبي: الفاء في «فثلاث آيات» جزاءُ شرطٍ محذوف، فالمعنى: إذا تقرر ما زعمتم أنكم تحبون ما ذكرتُ لكم، فقد صح أنْ يفضل عليها ما أذكره لكم، من قراءة ثلاث آيات، لأن هذا من الباقيات الصالحات، وتلك من الزائلات الفانيات. قوله «يقرأ بهن أحدكم» الباء زائدة أو للإلصاق. قوله «في صلاته» بيان للأكمل، وتقييد للأفضل، ولو قرأ بها خارج الصلاة، فله الأجر المذكور كذلك، كما في الرواية الأخرى له عن عقبة بن عامر: «أَفلا يَغْدُو أَحدُكُم إلَى الْمسجِدِ، فَيَعْلَمُ أَو يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كتَابِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ، خيرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ، وثَلَاثٌ خيرٌ لَه مِنْ ثَلَاثٍ، وأَرْبَعٌ خيرٌ لَه مِنْ أَرْبَعٍ، ومِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنْ الْإِبِلِ». - باب: في النّظائر التي يقرأ سورتين في ركعة 399.عن أَبِي وائِلٍ قال: غَدَوْنَا على عبدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه يَوْمًا بعدَ ما صَلَّيْنَا الْغَدَاةَ، فَسَلَّمْنَا بِالْبَابِ فَأَذِنَ لَنَا، قال:َ فَمَكَثْنَا بالْبابِ هُنَيَّةً، قال: فخرجَتْ الْجَارِيَةُ فَقَالَتْ: أَلَا تَدْخُلُونَ، فدخلْنَا فإِذا هو جالِسٌ يُسَبِّحُ فَقَال: ما منَعَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا، وقد أُذِنَ لَكُمْ؟ فَقُلْنَا: لَا، إِلَّا أَنَّا ظَنَنَّا أَنَّ بعضَ أَهْلِ الْبَيْتِ نَائِمٌ، قال: ظَنَنْتُمْ بِآلِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ غَفْلَةً؟! قال: ثُمَّ أَقْبَلَ يُسَبِّحُ، حتَّى ظَنَّ أَنَّ الشَّمْسَ قد طَلَعَتْ، فقال: يا جارِيَةُ، انْظُرِي هل طَلَعَتْ؟ قَال: فَنَظَرتْ فإِذا هي لم تَطْلُعْ، فَأَقْبَلَ يُسَبِّحُ، حتى إذا ظَنَّ أَنَّ الشَّمسَ قد طَلَعَتْ، قال: يا جارِيَةُ، انْظُرِي هل طَلَعَتْ فَنَظَرَتْ، فإِذا هي قد طَلَعَتْ، فَقَال: الحمدُ لِلَّهِ الَّذي أَقَالَنَا يومنا هذا، فقال مَهْدِيٌّ: وأَحسِبُهُ قال: ولَمْ يُهْلِكْنَا بِذُنُوبِنَا، قال: فَقَال رجُلٌ مِنْ الْقَومِ: قَرأْتُ الْمُفَصَّلَ الْبارِحَةَ كُلَّهُ، قال فقال عبدُ اللَّهِ: هَذًا كَهَذِّ الشِّعْرِ، إِنَّا لقد سَمِعْنَا الْقَرَائِنَ، وإنِّي لَأَحْفَظُ الْقَرَائِنَ الَّتِي كَانَ يَقْرَؤُهُنَّ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، ثَمانِيَةَ عَشَرَ مِنْ الْمُفَصَّلِ، وسُورَتَيْنِ مِنْ آلِ حم. الشرح: قال المنذري: باب: في النظائر التي يقرأ سورتين في ركعة. الحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1/564) وبوب عليه النووي (6/106): باب ترتيل القراءة واجتناب الهذّ، وهو الإفراط في السُرعة، وإباحة سورتين فأكثر في ركعة. والحديث أخرجه البخاري في الأذان (775) باب: الجمع بين السورتين في الركعة. قوله «فمكَثْنَا بالْباب هُنَيَّةً» هُنَيَّةً: أي قليلاً من الزمان، وهو تصغير هنّة، ويقال: هُنيهة. النهاية. قوله «ما منَعَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا، وقد أُذِنَ لَكُمْ؟ فَقُلْنَا: لَا، إِلَّا أَنَّا ظَنَنَّا أَنَّ بعضَ أَهْلِ الْبَيْتِ نَائِمٌ» أي: لا مانع لنا، إلا أنّا توهّمنا أنّ بعض أهل البيت نائم فنزعجه. قوله «فدخلْنَا فإِذا هو جالِسٌ يُسَبِّحُ» أي: يسبّح الله ويذكره، لا بمعنى أنه يتنفّل، لأن ذلك في وقتٍ يُمنع التنفّل فيه. قوله «ظَنَنْتُمْ بِآلِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ غَفْلَةً؟!» فيه: مراقبة ابن مسعود رضي الله عنه لأهل بيته، واهتمامه بأمور دينهم. قوله «ثُمَّ أَقْبَلَ يُسَبِّحُ، حتَّى ظَنَّ أَنَّ الشَّمْسَ قد طَلَعَتْ، فقال يا جارِيَةُ، انْظُرِي هل طَلَعَتْ؟» فيه: قَبول خبر الواحد، وخبر المرأة، والعمل بغلبة الظن مع إمكان اليقين، لأنّ ابن مسعود عمل بقول الجارية وهو مفيد للظن الغالب، مع إمكان اليقين، وهو رؤية الشمس بنفسه. قوله «الحمدُ لِلَّهِ الَّذي أَقَالَنَا يومنا هذا» أي: صفح عنا، ولم يُؤاخذنا بذنوبنا، وأمهلنا يوماً آخر. قوله «فَقَال رجُلٌ مِنْ الْقَومِ: قَرأْتُ الْمُفَصَّلَ الْبارِحَةَ كُلَّهُ» ومعنى هذا: أن الرجل يخبر بكثرة حفظه وإتقانه. والمفصل اختلف في مبدئه، فقيل: من سورة محمد صلى الله عليه وسلم ، وقيل: من سورة الحجرات، وقيل: من سورة ق، وهو الأصح. وسُمي بذلك: لكثرة الفصل بين سوره بسطر: بسم الله الرحمن الرحيم. قوله «فقال عبدُ اللَّهِ: هَذًا كَهَذِّ الشِّعْرِ» هذّ الشعر: هو الاسترسال في إنشاده والإسراع فيه، من غير تدّبرٍ في معانيه، وهذا إنكارٌ من ابن مسعود على الرجل، لإسراعه في قراءة القرآن، من غير ترتيلٍ ولا تدّبر له. وفي رواية أبي داود «أهَذًا كَهَذِّ الشِّعْرِ، ونثراً كنثر الدّقْل» والدقل: هو التمر الرديء، يتناثر متتابعاً من غير ترتيب، فشبّه المُسرع في قراءته بذلك. أو: أنه ينثر استهانة به. وفيه: النهي عن الهذّ، والحثُ على الترتيل والتدّبر، وبه قال جمهور العلماء، قاله النووي. وفي الرواية الأخرى لمسلم «إنّ أقواماً يقرؤون القرآن لا يُجاوز تَراقيهم، ولكن إذا وَقَعَ في القلب فرسخ فيه نفع» والتراقي: هي عظام أعالي الصدر، وهو كناية عن عدم الفهم ! كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم به الخوارج، إذْ قال: «لا يُجاوز حناجرهم» (المفهم 2/454). فمعناه: إنّ قوماً ليس حظّهم من القرآن، إلا مُروره على اللسان، فلا يُجاوز تراقيهم ليصل قلوبهم، وليس ذلك هو المطلوب! بل المطلوب تعقّله وتدبره بوقوعه في القلب، قاله النووي. قوله «إِنَّا لقد سَمِعْنَا الْقَرَائِنَ، وإنِّي لَأَحْفَظُ الْقَرَائِنَ الَّتِي كَانَ يَقْرَؤُهُنَّ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم » وفي الرواية الأخرى «لقد علمتُ النظائر التي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بهن» القرائن والنظائر، قيل: هي السور المتقاربة في المقدار. وقال الحافظ ابن حجر: السور المتماثلة في المعاني، كالموعظة أو الحكم أو القصص، لا المتماثلة في عدد الآي، لما سيظهر عند تعينها. قال المحب الطبري: كنت أظن أن المراد أنها متساوية في العد، حتى اعتبرتها فلم أجد فيها شيئا متساوياً. (الفتح 2/259). قوله «ثَمانِيَةَ عَشَرَ مِنْ الْمُفَصَّلِ» هذا تفسيرٌ من ابن مسعود للنظائر، وقد بينها في رواية أبي داود فقال: «الرحمن والنجم في ركعة، واقتربت والحاقة في ركعة، والطور والذاريات في ركعة، والواقعة ونون في ركعة، وسأل سائل والنازعات في ركعة، وويل للمطففين وعبس في ركعة، وهل أتى ولا أقسم في ركعة، وعم يتساءلون والمرسلات في ركعة، والدخان وإذا الشمس كورت في ركعة «قال أبوداود: هذا تأليف ابن مسعود. أي: هكذا ترتيب السور في مصحفه. وهذا مفسر لرواية «ثماني عشرة» وزاد في رواية ابن الأعرابي: والمدثر والمزمل في ركعة، فكملت عشرين. قوله «وسُورَتَيْنِ مِنْ آلِ حم» يعني السور التي أولها (حم)، كقولك: فلان من آل فلان. ويجوز أن يكون المراد (حم) نفسها، كما قال في الحديث «من مزامير آل داود» أي: داود نفسه. وقوله «وسُورَتَيْنِ مِنْ آلِ حم» دليل على أن المفصل ما بعد آل حم. فائدة: قال العلماء: أول القرآن: السبع الطوال، ثم ذوات المئين، وهو ما كان في السورة منها مائة آية ونحوها، ثم المثاني، ثم المفصل.
__________________
|
#98
|
||||
|
||||
![]() شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 101 ) باب: ما جـــــاء في صــــلاة رمضـــــان الفرقان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء. 400. عن عُروةُ بنُ الزُّبيرِ : أَنَّ عائشَةَ رضي الله عنها أَخبرتهُ : أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ ، فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ فَصَلَّى رِجَالٌ بصَلَاتِهِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ يَتَحَدَّثُون بذلك، فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ فَصَلَّوْا بِصَلَاتِهِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ يَذْكُرُون ذلك، فَكَثُرَ أَهْلُ الْمسجِدِ مِنْ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، فَخَرَجَ فَصَلَّوْا بِصلَاتِهِ، فَلَمَّا كانت اللَّيلةُ الرَّابعةُ ، عَجَزَ الْمَسْجِدُ عن أَهْلِهِ ، فَلَم يَخْرُجْ إِلَيهم رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَطَفِقَ رجالٌ منهم يَقُولون: الصَّلَاةَ فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيهم رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، حتَّى خرَجَ لصلاةِ الْفجرِ ، فَلَمَّا قَضى الْفجرَ أَقْبَلَ على النَّاسِ ، ثُمَّ تَشَهَّدَ فَقال : « أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ لم يَخْفَ علَيَّ شَأْنُكُم اللَيلَةَ، ولكنِّي خشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عليكم صلاةُ اللَّيْلِ، فَتَعْجِزُوا عنها» وفي رواية : وذلك في رمضان . الشرح : قال المنذري : باب: ما جاء في صلاة رمضان . والحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1/524 ) وبوب عليه النووي ( 6/41 ) : باب الترغيب في قيام رمضان، وهو التراويح . وقد رواه البخاري في كتاب التهجد (1129) باب: تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الليل والنوافل من غير إيجاب . وفي كتاب صلاة التراويح (2012 ) فضل من قام رمضان . قولها: «أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، فَصَلَّى في الْمسجِدِ فصلَّى رِجَالٌ بصَلَاتِهِ»؛ قال النووي: فيه: جواز النافلة جماعة، ولكن الاختيار فيها الانفراد، إلا في نوافل مخصوصة، وهي العيد والكسوف والاستسقاء، وكذا التراويح عند الجمهور . وفيه: جواز النافلة في المسجد، وإنْ كان البيتُ أفضل، ولعل النبي صلى الله عليه وسلم إنما فعلها في المسجد ، لبيان الجواز، وأنه كان معتكفاً . وفيه : جواز الاقتداء بمن لم ينو إمامته، قال النووي: وهذا صحيح على المشهور من مذهبنا ومذهب العلماء، ولكن إنْ نوى الإمام إمامتهم بعد اقتدائهم، حصلت فضيلة الجماعة له ولهم، وإنْ لم ينوها، حصلت لهم فضيلة الجماعة ، ولا يحصل للإمام - على الأصح - لأنه لم ينوها، والأعمال بالنيات، وأما المأمومون فقد نووها . قولها: «فَأَصْبَحَ النَّاسُ يَتَحَدَّثُون بذلك»؛ أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم البارحة، فرغبوا في ذلك، ولذلك كثروا في الليلة القابلة وازداد عددهم في مسجده صلى الله عليه وسلم، قالت عائشة رضي الله عنها: «فَكَثُرَ أَهلُ الْمسجِدِ مِنْ اللَّيْلَةِ الثَالثَةِ، فَخَرَجَ فصلَّوا بِصلَاتِهِ ، فَلَمَّا كانت اللَّيلةُ الرَّابعةُ، عَجَزَ الْمَسْجِدُ عن أَهْلِه»؛ أي: امتلأ المسجد حتى عجز عن استيعابهم لكثرتهم، رضي الله عنهم، وهذا من حرصهم على الخير ، وحبهم للقربات . قولها: «فَلَم يَخْرُجْ إِلَيهم رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَطَفِقَ رجالٌ منهم يَقُولون: الصَّلَاةَ ، فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيهم رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، حتَّى خرَجَ لصلاةِ الْفجر»؛ أي: ترك النبي صلى الله عليه وسلم الخروج إليهم، والصلاة بهم، وظنوه نائماً، فكان بعضهم يناديه ويقول: الصلاة! الصلاة! فلم يخرج إليهم ، حتى حانت صلاة الفجر . قولها: «فَلَمَّا قَضى الْفجرَ أَقْبَلَ على النَّاسِ، ثُمَّ تَشَهَّدَ فَقال: «أَمَّا بَعْد»؛ فيه: استحباب التشهد في صدر الخطبة والموعظة، وفي حديث سنن أبي داود: من حديث أبي هريرة مرفوعا: «كل خُطبةٍ ليس فيها تشهدٌ، فهي كاليد الجَذْماء» . وفيه : استحباب قول : «أما بعد» في الخُطب ، قال النووي : وقد جاءت به أحاديث كثيرة في الصحيح مشهورة ، وقد ذكر البخاري في صحيحه باباً في البداءة في الخُطبة بـ «أما بعد»، وذكر جملةً من الأحاديث . وفيه : أنّ السُّنة في الخُطبة والموعظة ، استقبالُ الجماعة. قولها: « فَإِنَّهُ لم يَخْفَ علَيَّ شَأْنُكُم اللَيلَةَ، ولكنِّي خشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عليكم صلاةُ اللَّيْلِ، فَتَعْجِزُوا عنها». وفي رواية: وذلك في رمضان . أي : تشق عليكم، فتتركوها ، وربما مع قدرتكم عليها . وهذا من شفقته ورحمته صلى الله عليه وسلم بأمته، كما قال الله عز وجل: {لقد جَاءكم رسُولٌ منْ أنفسكم عزيزٌ عليه ما عَنتمْ حَريصٌ عليكم بالمؤمنين رءوفٌ رحيم } التوبة . وكما جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما سبّح رسول الله صلى الله عليه وسلم سُبحة الضحى قط، وإني لأُسبّحها، وإنْ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدعُ العملَ، وهو يُحبُ أنْ يعملَ به خشيةَ أنْ يعملَ به الناس، فيُفرض عليهم» رواه البخاري (1128). وفيه: إذا تعارضت مصلحة وخوف مفسدة، أو تعارضت مصلحتان ، اعتبر أهمهما؛ لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم رأى أنْ الصلاة في المسجد مصلحة ، لكن لما عارضه خوف الافتراض عليهم، تركه لعظم المفسدة ، التي تخاف من عجزهم وتركهم للفرض . وفيه: اعتذار الإمام وكبير القوم، إذا فعل شيئاً خلاف ما يتوقعه منه أتباعه، وكان له فيه عذر، أنْ يذكره لهم، تطييباً لقلوبهم، وإصلاحاً لذات البين، لئلا يَظنوا به ظنَّ السوء . والحديث فيه: مشروعية صلاة القيام في رمضان جماعة، وكذا صلاة التراويح لأنها من قيام الليل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعله وشرعه لأصحابه، وإنما تركه خشية أنْ يفرض عليهم كما سيأتي ذكره، وعلى ذلك اتفق العلماء سلفاً وخلفاً. ومما يدل على مشروعيتها أيضا: ما رواه الترمذي (799 ): عن أَبي ذَرَ قال: (صُمْنَا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُصَلّ بنا حتّى بَقِيَ سَبْعٌ مِنَ الشّهْرِ، فقام بنا حتى ذَهَبَ ثُلُثُ اللّيْلِ، ثُمّ لَمْ يَقُمْ بِنَا في السّادِسَةِ وقَامَ بِنَا في الخَامِسَةِ ، حتّى ذَهَبَ شَطْرُ اللّيلِ ، فَقُلْنَا له : يا رسول الله ، لو نفّلْتَنَا بَقِيّةَ لَيْلَتِنَا هَذِهِ ؟ فَقَالَ : « إنّهُ مَنْ قَامَ مع الإمامِ حَتّى يَنْصَرِفَ ، كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ. ثُمّ لَمْ يُصَلّ بِنَا حَتى بَقِيَ ثَلاَثٌ مِنَ الشهْرِ، وصَلّى بِنَا في الثّالِثَة ، وَدَعَا أَهْلَهُ ونِسَاءَهُ، فَقَامَ بِنَا حَتّى تَخَوّفْنَا الفَلاَحَ ، قُلْتُ لَهُ : ومَا الفَلاَحُ ؟ قالَ: السّحورُ» . - باب: في قيام رمضان والترغيب فيه 401.عن أَبي هُريرة رضي الله عنه قال : كَان رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُرَغِّبُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرهُمْ فِيهِ بِعَزِيمَةٍ ، فَيَقُولُ : « مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم والْأَمْرُ عَلَى ذلك ، ثُمَّ كان الْأَمْرُ عَلَى ذلك في خِلَافةِ أَبي بَكْرٍ، وصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ عَلَى ذَلِكَ. الشرح : قال المنذري : باب : في قيام رمضان والترغيب فيه . والحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين ( 1/523 ) وبوب عليه النووي ( 6/41) : باب الترغيب في قيام رمضان، وهو التراويح. وقد رواه البخاري في كتاب صلاة التراويح (2009 ) فضل من قام رمضان . قوله: «كَان رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُرَغِّبُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ؛ أي: يحثهم عليه. «مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرهُمْ فِيهِ بِعَزِيمَةٍ»؛ أي: بوجوب، قال الإمام النووي رحمه الله: قوله: «من قام رمضان» هذه الصيغة تقتضي الترغيب والندب دون الإيجاب ، واجتمعت الأمة على أن قيام رمضان ليس بواجب ، بل هو مندوب . قوله: «من قام رمضان إيمانا؛ أي: تصديقاً بأنه حقٌ، معتقداً فضيلته، واحتساباً: أي يريد به وجه الله وحده، لا رؤية الناس ولا غير ذلك، مما يخالف الإخلاص . قوله: «غفر له ما تقدم من ذنبه» ظاهره يتناول الصغائر والكبائ، وبه جزم ابن المنذر! وقال النووي: المعروف أنه يختص بالصغائر . قلت: وهو المشهور عند العلماء، أنه مختص بغفران الصغائر دون الكبائر، لقوله تعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم}(النساء: 31) . فوعدهم الله سبحانه إذا اجتنبوا كبائر الذنوب، أنْ يغفر لهم جميع السيئات . وفي الحديث عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الصلواتُ الخمسُ ، والجُمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان، كفارةٌ لما بينهن ما لم تغش الكبائر» رواه مسلم . وقال بعضهم: ويجوز أنْ يخفف من الكبائر إذا لم يصادف صغيرة . قوله: «فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم والْأَمْرُ عَلَى ذلك، ثُمَّ كان الْأَمْرُ عَلَى ذلك في خِلَافةِ أَبي بَكْرٍ، وصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ عَلَى ذَلِكَ؛ أي: استمر المسلمون على ذلك، وهو أن كل واحد يقوم رمضان في بيته منفردا في عهد أبي بكر رضي الله عنه ، وصدرا من خلافة عمر ، أي : أولها ، حتى جمعهم عمر رضي الله عنه على أُبي بن كعب . زاد البخاري ومالك في الموطأ : عن ابنِ شِهابٍ عن عُروةَ بْن الزُّبيرِ عن عبدِ الرَّحْمَن بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ أَنَّهُ قال : خرجتُ مع عُمَرَ بْنِ الْخطَّابِ رضي اللَّه عنه لَيْلَةً في رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُون ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ ، ويُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلاَتِهِ الرَّهْطُ ، فَقَال عُمَرُ : إِنِّي أَرى لو جَمَعْتُ هَؤُلاَء علَى قَارِئٍ وَاحِدٍ ، لَكَان أَمْثَل ، ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، ثُمَّ خَرَجْتُ معه لَيْلَةً أُخْرَى ، والنَّاسُ يُصَلُّون بِصَلاَةِ قَارِئِهِمْ ، قَالَ عُمَرُ : نِعْمَ الْبِدْعَةُ هذه ، والَّتي يَنَامُون عنها أَفْضَلُ مِنْ الَّتِي يَقُومُونَ . يُرِيدُ : آخرَ اللَّيْل ، وكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ». قال الإمام ابن بطال رحمه الله: وفي جمع عمر الناس على قارئٍ واحد، دليلٌ على نظر الإمام لرعيته، في جمع كلمتهم، وصلاح دينهم. وقال المهلب: وفيه أنّ اجتهاد الإمام ورأيه في السنن، مسموعٌ منه مؤتمر له فيه، كما ائتمر الصحابة لعمر فى جمعهم على قارئ واحد؛ لأن طاعتهم لاجتهاده واستنباطه طاعة لله تعالى، لقوله: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِى الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ } (النساء : 83) . وفيه: جواز الاجتماع لصلاة النوافل، وفيه أن الجماعة المتفقة في عمل الطاعة مرجو بركتها، إذْ دعاء كل واحد منهم يشمل جماعتهم، فلذلك صارت صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة، فيجب أن تكون النافلة كذلك . وفيه : أن قيام رمضان سُنة؛ لأن عمر لم يسن منه إلا ما كان رسول الله يحبه، وقد أخبر عليه السلام بالعلة التي منعته من الخروج إليهم، وهى: خشية أنْ يفترض عليهم، وكان بالمؤمنين رحيمًا ، فلما أمن عمر أن تفترض عليهم فى زمانه، لانقطاع الوحي؛ أقام هذه السُنة وأحياها، وذلك سنَةَ أربع عشرة من الهجرة في صدر خلافته . قال المهلب: وفيه أن الأعمال إذا تركت لعلة، وزالت العلة، أنه لا بأس بإعادة العمل، كما أمر عمر صلاة الليل في رمضان بالجماعة، وفيه أنه يجب أن يؤم القوم أقرؤهم، فلذلك قال عمر: أُبَى أقرؤنا، فلذلك قدّمه عمر، وهذا على الاختيار إذا أمكن؛ لأنّ عمر قدّم أيضًا تميمًا الدارى ، ومعلوم أن كثيرًا من الصحابة أقرأ منه، فدل هذا أن قوله عليه السلام: «يؤم القوم أقرؤهم» إنما هو على الاختيار . وقول عمر: نعم البدعة. فالبدعة اختراع ما لم يكن قبل، فما خالف السنة فهو بدعة ضلالة، وما وافقها فهو بدعة هُدى، وقد سُئل ابن عمر عن صلاة الضحى فقال: بدعة، ونعم البدعة .
__________________
|
#99
|
||||
|
||||
![]() شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 102 ) باب: هداية هذه الأمة ليوم الجمعة الفرقان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء. 402.عَنْ أَبِي هريرةَ قال: قال رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «نَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ونَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، وأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ، فَاخْتَلَفُوا، فَهَدَانَا اللَّهُ لِمَا اخْتَلَفُوا فيه مِنْ الْحَقِّ، فهذَا يَوْمُهُمْ الَّذي اخْتَلَفُوا فيه، هَدَانَا اللَّهُ لَهُ «قال: «يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَالْيَومَ لَنَا، وغدًا للْيَهُودِ، وبعدَ غدٍ لِلنَّصَارَى». الشرح: قال المنذري: باب: هداية هذه الأمة ليوم الجمعة. والحديث أخرجه مسلم في كتاب الجمعة (2/585) وبوب عليه النووي: باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة. ورواه البخاري في أول كتاب الجمعة (876) باب فرض الجمعة. وهو الحديث الأول هنا في أبواب الجمعة. والجُمُعة: بضم الجيم والميم، هي اللغة الفصحى، ويصح أن تخفف الميم بالإسكان، أي: اليوم المجموع فيه؛ لأنّ فُعلة بالسكون للمفعول كهمزة، وبفتحها بمعنى فاعل، أي: اليوم الجامع، فتاؤها للمبالغة، كضُحَكة للمكثر من ذلك، لا للتأنيث، وإلا لما وصف بها اليوم. وقيل: سُميت بذلك: لأن خلق آدم جُمع فيها، قال الحافظ ابن حجر (2/353): وهذا أصح الأقوال. وقيل: لاجتماعه بحواء في الأرض في يومها، وقيل: لما جُمع فيه من الخير . والضم والفتح قراءتان شاذتان أيضا في يوم الجمعة. وقال النووي: بفتح الميم وضمها وإسكانها حكاه الفراء، وجه الفتح أنها مجمع الناس ويكثرون فيها، كما يقال: (هُمُزة لُمزة) وكانت تُسمى في الجاهلية بالعروبة. قوله «نَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ يومَ الْقِيَامَةِ» نحن: أي: أنا وأمتي «الآخِرون» في الدنيا وجودا وزماناً «السابقون» منزلة ومقاما وشهودا «يوم القيامة»، وفي رواية البخاري «نحن الآخرونَ السابقون». وفي حديث حذيفة عند مسلم: «نحنُ الآخرون منْ أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة، المَقْضيّ لهم قبل الخلائق» قال الحافظ: والمراد أنّ هذه الأمة وإنْ تأخّر وجودها في الدنيا عن الأمم الماضية، فهي سابقة لهم في الآخرة، بأنهم أول مَن يُحشر، وأولُ من يحاسب، وأولُ من يقضي بينهم، وأول من يدخل الجنة. وقيل: المراد بالسبق هنا، إحراز فضيلة اليوم السابق بالفضل، وهو يوم الجمعة. وقيل: المراد بالسبق، أي: إلى القَبول والطاعة التي حُرِمها أهلُ الكتاب، فقالوا: سمعنا وعصينا، والأول أقوى. قوله «بَيْد» بفتح الباء وسكون الياء، أي: غير، وزنا ومعنى، وهو الأشهر، أو بمعنى: على أنهم، أو: مع أنهم، أو: من أجل أنهم. قوله «أنهم» أي: غيرنا من اليهود والنصارى وغيرهم، «أوتوا» أي: أُعطوا «الكتاب» المراد به جنس الكتاب، والمراد التوراة والإنجيل. «من قبلنا» أي: في الدنيا. «وأوتيناه من بعدهم» أي: الكتاب وهو القرآن، فإنا متقدمون عليهم في الفضل والمنزلة، ولو أعطوه قبلنا، والتقدّم الزماني، لا يُوجب فضلاً ولا شرفاً على هذه الأمة، فهذا ردٌ ومنع لفضل الأمم السالفة، ثم إننا وإياهم متساوية أقدامنا في إنزال الكتاب. قال ابن حجر: ثم إنه من باب: «ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم»، أي: نحن السابقون بما منحنا من الكمالات، غير أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم، وتأخر كتابنا من صفات المدح والكمال؛ لأنه ناسخٌ لكتابهم، ومعلم لفضائحهم، فهو السابق فضلاً، وإن سُبق وجوداً. قال بعض العارفين: ومنْ بديع صنع الله: أنْ جعلهم عبرةً لنا، وفضائحهم نصائحنا، وتعذيبهم تأديبنا، ولم يجعلْ الأمرَ منعكسا، والحال ملتبسا، وأيضا فنحن بالتأخير، تخلصنا عن الانتظار الكثير، ففضله تعالى علينا كبيرٌ، وهو على كل شيء قدير، ونعم المَولى ونعم النصير. (المشكاة). قوله «ثم» أتى بها إشعاراً بأنّ ما قبلها كالتوطئة، والتأسيس لما بعدها «هذا» أي: هذا اليوم، وهو يوم الجمعة «يومهم الذي فُرض عليهم» والمراد بفرضه: فرض تعظيمه، وقد أشير إليه بهذا كما عند مسلم: عن أبي هريرة ومن حديث حذيفة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أضلّ الله عن الجمعة مَنْ كان قبلنا» الحديث. قال ابن بطال: ليس المراد أن يوم الجمعة فُرضَ عليهم بعينه فتركوه؛ لأنه لا يجوز لأحدٍ أنْ يترك ما فرض الله عليه وهو مؤمن، وإنما يدل - والله أعلم - أنه فُرض عليهم يومٌ من الجمعة وُكِل إلى اختيارهم، ليُقيموا فيه شريعتهم، فاختلفوا في أيّ الأيام هو؟ ولم يهتدوا ليوم الجمعة؟ ومال عياض إلى هذا ورشّحه، بأنه لو كان فُرض عليهم بعينه، لقيل: فخالفوا، بدل: فاختلفوا. وقال النووي: يمكن أنْ يكونوا أُمروا به صريحاً، فاختلفوا هل يلزم تعينه؟ أم يَسوغ إبداله بيومٍ آخر؟ فاجتهدوا في ذلك فأخطوا انتهى. قال الحافظ: ويشهد له ما رواه الطبري بإسناد صحيح: عن مجاهد في قوله تعالى {إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ } (النحل: 124)، قال: أرادوا الجمعة فأخطؤوا، وأخذوا السبت مكانه. ويحتمل أنْ يُراد بالاختلاف: اختلاف اليهود والنصارى في ذلك. ونقل في المشكاة عن بعض المحققين قوله: فَرَض الله على عباده أنْ يجتمعوا يوماً، ويعظموا فيه خالقهم بالطاعة، لكن لم يُبيّن لهم، بل أمرهم أنْ يستخرجوه بأفكارهم، ويُعينوه باجتهادهم، وأوجبَ على كل قبيل أن يتبع ما أدى إليه اجتهاده، صواباً كان أو خطأ، كما في المسائل الخلافية، فقالت اليهود: يوم السبت؛ لأنه يوم فراغ وقطع عمل؛ لأن الله تعالى فرغ عن خلق السموات والأرض فيه، فينبغي أنْ ينقطع الناس فيه عن أعمالهم، ويتفرغوا لعبادة مولاهم، وزعمت النصارى: أنّ المراد يوم الأحد؛ لأنه يوم بدء الخلق، الموجب للشكر والعبادة، فهدى الله المسلمين، ووفقهم للإصابة حتى عينوا الجمعة، وقالوا: إنّ الله تعالى خلق الإنسان للعبادة، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات: 56). وكان خلق الإنسان يوم الجمعة، فكانت العبادة فيه لفضله أولى؛ لأنه تعالى في سائر الأيام أوجد ما يعود نفعه إلى الإنسان، وفي الجمعة أوجد نفسَ الإنسان، وال شكر على نعمة الوجود، أهم وأحرى انتهى. وانظر الفتح (2/355). فقوله «فاختلفوا فيه» أي: أهل الكتاب، أي: في تعيينه للطاعة، وقبوله للعبادة، وضلوا عنه، وأما نحن بحمده «فهدانا الله له»، أي: لهذا اليوم وقبوله والقيام بحقوقه، وفيه إشارة إلى سبق الأمة المعنوي، كما أن في قوله السابق: «بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا» إشعاراً إلى سبقهم الحسي. قوله «فَهَدَانَا اللَّهُ لِمَا اخْتَلَفُوا فيه مِنْ الْحَقِّ» يحتمل أن الله -تعالى- نص لهم عليه. ويحتمل أن يراد بالهداية إليه، توفيقهم بالاجتهاد له. قال الحافظ ابن حجر: ويشهد للثانى: ما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح: عن محمد بن سيرين قال: جَمع أهل المدينة قبل أنْ يقدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقبل أنْ تنزل الجمعة، فقالت الأنصار: إنّ لليهود يوماً يجتمعون فيه، كل سبعةِ أيام، وللنصارى كذلك، فهلم فلنجعل يوماً نجتمع فيه، فنذكر الله تعالى، ونُصلى ونشكره، فجعلوه يوم «العروبة» واجتمعوا إلى أسعد بن زُرارة، فصلّى بهم يومئذ، وأنزل الله تعالى بعد ذلك: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} (الجمعة:9). قال: وهذا وإنْ كان مرسلا، فله شاهد بإسناد حسن، أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة، وصححه ابن خزيمة وغير واحد من حديث كعب بن مالك قال: كان أول من صلى بنا الجمعة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة: أسعد بن زرارة. الحديث. فمرسل ابن سيرين، يدل على أنّ أولئك الصحابة اختاروا يوم الجمعة بالاجتهاد. قال: ولا يمنع ذلك أنْ يكون النبي صلى الله عليه وسلم عَلِمه بالوحي، وهو بمكة، فلم يتمكن من إقامتها، فقد ورد فيه حديث عن ابن عباس عند الدارقطني، ولذلك جمع بهم أول ما قدم المدينة، كما حكاه ابن إسحاق وغيره، وعلى هذا فقد حصلت الهداية للجمعة، بجهتى البيان والتوفيق. انتهى. قلت: وقد قال تعالى: {فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } البقرة: 213. قوله «فهذَا يَوْمُهُمْ الَّذي اخْتَلَفُوا فيه، هَدَانَا اللَّهُ لَهُ، يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فالْيَومَ لَنَا، وغدًا للْيَهُودِ، وبعدَ غدٍ لِلنَّصَارَى» وفي رواية ابن خزيمة «فهو لنا، ولليهود يوم السبت، وللنصارى يوم الأحد». وقوله «فهو لنا» أي: بهداية الله تعالى لنا. وفي الحديث: دليل على فَرَضية الجُمعة، كما قال النووي وغيره، لقوله «فهذا يومهم الذي فُرض عليهم، فهدانا الله له» فإنّ التقدير: فُرض عليهم وعلينا، فضلوا وهُدينا. وقد وقع في رواية مسلم بلفظ: «كتب علينا». والحديث فيه: أنّ الهداية والإضلال من الله تعالى، كما هو قول أهل السنة والجماعة، يدل عليه آيات الكتاب، كقوله تعالى مراراً {يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء} (النحل:93). وفيه: أنّ سلامة الإجماع من الخطأ، مخصوصٌ بهذه الأمة، لقوله صلى الله عليه وسلم : «إنّ اللهَ تعالى، لا يَجمعُ أمتي على ضَلالة» رواه الترمذي وغيره. وفيه: أنّ استنباط معنى من الأصل، يعود عليه بالإبطال، باطل. وفيه: أنّ القياس مع وجود النص، فاسد. وفيه: أن الاجتهاد في زمن نزول الوحي، جائز. وفيه: أن الجمعة أول الأسبوع شرعا، ويدل على ذلك تسمية الأسبوع كله جمعة، وكانوا يُسمون الأسبوع سبتا، كما في حديث الاستسقاء في حديث أنس، وذلك أنهم كانوا مجاورين لليهود فتبعوهم في ذلك. وفيه: بيانٌ واضح، لمزيد فضل هذه الأمة على الأمم السابقة، زادها الله -تعالى- شرفا. (انظر الفتح).
__________________
|
#100
|
||||
|
||||
![]() شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 103 ) بــــاب: فـضــــــــــل يَـــــــــــوْمِ الْــــجُــــمُـــــعَــــــــةِ الفرقان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء. 403.عن أَبي هريرةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وفيه أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، ولَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ». الشرح: قال المنذري: باب: فضل يوم الجُمُعة. والحديث أخرجه مسلم في كتاب الجمعة (2/585)، وبوب عليه النووي (6/ 141) باب: فضل يوم الجمعة. قوله «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْه الشَّمْسُ، يَوْمُ الْجُمُعَةِ» فيه فضل يوم الجمعة، ومزيته على سائر الأيام، وأنه أفضل الأيام. واختلف في التفضيل بينه وبين يوم عرفة، والراجح أنه أفضل منه، لصريح الأحاديث فيه، كما سيأتي بعضها. كما تضمن بعض الأسباب التي فُضِّل بسببها يوم الجمعة. قوله «فيهِ خُلِقَ آدَمُ، وفِيه أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وفيه أُخْرِجَ مِنْها، ولَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا في يَوْمِ الْجُمُعَة» قال الْقاضي عِياض: الظَّاهِر أَنَّ هذه الْفَضَائِل الْمَعدُودة، ليستْ لِذكْرِ فضِيلَته؛ لأَنَّ إخراج آدَم، وقيام السَّاعة، لا يُعَدّ فَضيلَة، وإنما هو بيان لِما وقعَ فيه مِنْ الأُمُور الْعِظَام، وما سَيَقَعُ، لِيَتَأَهَّب الْعبد فيه بالأعمال الصَّالحة لنيلِ رحمة اللَّه، ودَفْع نِقْمَته. وقال أَبُو بكر بن الْعَربيّ فِي كتابه (الأَحْوَذِيّ فِي شَرح التِّرْمذيّ): «الجَميع مِنْ الْفَضَائِل، وخُرُوج آدَم مِنْ الْجَنَّة، هو سَبَب وُجُود الذُّرِّيَّة، وهَذَا النَّسْل الْعَظيم، ووُجُود الرُّسُل والْأَنْبياء، والصَّالحِينَ والأَوْلِيَاء، ولم يَخرُج منها طَرْدًا، بل لِقَضاءِ أَوْطَار ثُمَّ يَعود إِليها، وأَمَّا قيام السَّاعة، فَسَبَبٌ لِتَعْجِيلِ جزاء الأَنْبياء، والصِّدِّيقينَ والأَولياء وغيرهم، وإظْهَار كَرامَتهم وشَرفهم». ومن الأحاديث في فضل يوم الجمعة: ما رواه أوس بن أوس رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَومَ الْجُمُعَةِ، فيه خُلِقَ آدَمُ علَيه السَّلَام، وفيه قُبِضَ، وفيه النَّفْخَةُ، وفيه الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ علَيَّ»، قَالُوا: يا رسول اللَّه، وكَيْفَ تُعْرَضُ صلاتُنَا عليكَ، وقد أَرَمْتَ؟- أَيْ يقُولُون قد بَلِيتَ - قال: «إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلّ-َ قَدْ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلام». رواه أبو داود (1047) وصححه ابن القيم في تعليقه على سنن أبي داود (4/273). والألباني في صحيح أبي داود (925). وعن أَبِي لُبَابَةَ بنِ عبدِ الْمُنْذِرِ قال: قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ يومَ الْجُمُعَةِ سَيِّدُ الأَيَّامِ، وأَعْظَمُهَا عند اللَّهِ، وهو أَعْظَمُ عند اللَّهِ مِنْ يَوْمِ الأَضْحَى، ويومِ الْفِطْرِ، فيه خمسُ خِلالٍ: خَلَقَ اللَّهُ فِيهِ آدَمَ، وأَهْبَطَ اللَّهُ فِيهِ آدَمَ إِلَى الأَرْضِ، وفِيهِ تَوَفَّى اللَّهُ آدَمَ، وفيه ساعةٌ لا يَسْأَلُ اللَّهَ فيها الْعَبْدُ شَيْئًا إِلا أَعْطَاهُ، ما لَم يَسْأَلْ حَرَامًا، وفيه تَقُومُ السَّاعةُ، ما مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ، ولا سمَاءٍ ولا أَرْضٍ، ولا رِياحٍ ولا جبالٍ ولا بَحْرٍ، إِلا وهُنَّ يُشْفِقْنَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ». رواه ابن ماجه (1084). وحسَّنه الشيخ الألباني. قال السندي: «يُشْفِقْنَ مِنْ يوْم الْجُمُعَة» مِنْ قِيَام السَّاعَة، وفِيه أَنَّ سَائِر الْمَخْلُوقَات تَعْلَم الأَيَّام بِعيْنها، وأَنَّهَا تَعْلَم أَنَّ الْقِيَامَة تَقُوم يَوْم الْجُمُعَة اهـ 199- باب: في الساعة التي في يَوْمِ الْجُمُعَةِ 404.عن أَبي هريرةَ قال: قال أَبُو الْقَاسمِ صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً، لَا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ» وقال بِيدهِ: يُقَلِّلُها يُزَهِّدُها. الشرح: قال المنذري: باب: في الساعة التي في يومِ الْجُمُعةِ. وفيه حديثان: الحديث الأول: أخرجه مسلم في كتاب الجمعة (2/583 - 584)، وبوب عليه النووي باب: في الساعة التي في يوم الجمعة. والحديث رواه البخاري في الطلاق (5295) باب: الإشارة في الطلاق والأمور. قوله «إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً» يدل على أنّ في الجمعة ساعة إجابة، أي: يستجاب فيها الدعاء. «لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيراً، إلا أعطاه إياه». وقد اختلف في تحديد وقت هذه الساعة، على أقوال كثيرة، أصحّها قولان، كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله: «وأرجح هذه الأقوال: قولان تضمنتهما الأحاديث الثابتة، وأحدهما أرجح من الآخر: - الأول: أنها من جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة، وحُجة هذا القول ما روى مسلم في صحيحه (853): عن أَبي بُرْدَةَ بنِ أَبي موسى الْأَشْعَرِيِّ قال: قال لي عبدُ اللَّهِ بنُ عُمر: أَسمعتَ أَباكَ يُحَدِّثُ عن رسول اللَّه -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم- في شأْنِ ساعةِ الْجُمُعةِ؟ قال: قلتُ: نعم ؛ سمعتُهُ يقولُ: سمعتُ رسول اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم- يقُولُ: «هيَ ما بينَ أَنْ يَجلسَ الْإِمَامُ، إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ». وهو الحديث الثاني في الباب. قال: والقول الثاني: أنها بعد العصر، وهذا أرجحُ القولين، وهو قول عبد الله بن سلام، وأبي هريرة، والإمام أحمد، وخلقٌ. وحجة هذا القول: ما رواه أحمد في مسنده (7631) عن أَبي سعيدٍ الْخُدْرِيِّ وأَبي هُريرة أَنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ في الْجُمُعَةِ ساعةً، لَا يُوافِقُهَا عبدٌ مُسلمٌ، يَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ فيها خَيرًا، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وهي بعدَ الْعَصْرِ» (وهو حديثٌ صحيح بشواهده). وروى أبو داود (1048) والنسائي (1389): عن جابر بنِ عبدِ اللَّه عن رسولِ اللَّهِ -صلّى اللَّهُ عليه وسلَّم- قال: «يومُ الْجُمُعَةِ اثْنَتَا عشْرةَ ساعةً، لَا يُوجَدُ فيها عَبْدٌ مُسلمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ شَيئًا، إِلَّا آتَاهُ إِيَّاهُ، فَالْتَمِسُوها آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ» (صححه الألباني). وروى سعيد بن منصور في سننه: عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن: أنّ ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمعوا، فتذاكروا الساعة التي في يوم الجمعة، فتفرّقوا ولم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة. (وصحح الحافظ إسناده في الفتح 2/489). وفي سنن ابن ماجه (1139): عن عبد اللَّه بنِ سَلَامٍ قال قُلْتُ ورسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جالسٌ: «إِنَّا لَنَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ: في يَوْمِ الْجُمُعَةِ ساعَةً، لَا يُوافقها عبدٌ مُؤمنٌ يُصلِّي، يَسْأَلُ اللَّهَ فيها شَيْئًا، إِلَّا قَضَى لَه حَاجَتَهُ، قال عبدُاللَّه: فَأَشَارَ إِلَيَّ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : أَوْ بَعْضُ سَاعَةٍ، فَقُلْتُ: صدَقْتَ، أَو بَعْضُ سَاعَةٍ. قُلْتُ: أَيُّ سَاعَةٍ هِيَ؟ قَال: هي آخِرُ ساعاتِ النَّهَارِ. قلْتُ: إِنَّها ليستْ سَاعَةَ صَلَاةٍ؟! قَال: بَلَى، إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا صَلَّى ثُمَّ جَلَسَ، لَا يَحْبِسُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ، فَهُوَ فِي الصَّلَاةِ». وصححه الألباني. وفي سنن أبي داود (1046) والترمذي (491) والنسائي (1430): من حديث أَبي سَلَمةَ بنِ عبدِ الرَّحمنِ عن أَبِي هُريرةَ قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : «خَيرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يومُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وفِيه أُهْبِطَ، وفِيه تِيبَ عَلَيْهِ، وفيه مَاتَ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ مُسِيخَةٌ يومَ الْجُمُعَةِ، مِنْ حِينَ تُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، شَفَقًا مِنْ السَّاعَةِ، إِلَّا الْجِنَّ والْإِنْسَ، وفيه ساعةٌ لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسلمٌ وهو يُصلِّي، يَسأَلُ اللَّهَ حاجةً إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاها» قال كعبٌ: ذلك في كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ؟ فقلتُ: بَلْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ، قال فقرأَ كعبٌ التَّوراةَ فقال: صَدَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم . قال أَبوهُريرةَ: ثُمَّ لقيتُ عبدَ اللَّه بنَ سلَامٍ فَحَدَّثْتُهُ بمجلسي مع كَعْبٍ، فقال عبدُ اللَّهِ بنُ سَلَامٍ: قَد علمتُ أَيَّةَ سَاعَةٍ هيَ. قَال أَبُوهُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ له: فأَخبرني بِهَا، فَقَال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: هِي آخِرُ ساعةٍ من يومِ الْجُمُعَةِ، فَقُلْتُ: كيف هي آخِرُ ساعةٍ مِنْ يومِ الْجُمُعَةِ، وقد قَال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : «لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وهُوَ يُصَلِّي» وتلْك السَّاعَةُ لَا يُصَلِّي فِيها؟! فَقَال عبدُ اللَّهِ بنُ سلَامٍ: أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ جلسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ، فَهُوَ فِي صَلَاةٍ حَتَّى يُصليَ»؟ قال فَقُلْتُ: بَلَى، قال: هو ذَاكَ. قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وفي الصحيحين بعضه. (وصححه الألباني)» انتهى من «زاد المعاد» مختصرا (1/388-393). قوله: «وقال بِيدهِ: يُقَلِّلُها يُزَهِّدُها» وقال بيده: أي أشار بها، وهو من إطلاق القول على الفعل. وفي البخاري: «ووضع أنملته على بطن الوسطى والخنصر. قلنا: يُزَهِّدُها» أي يقللها، أي: هي ساعة وتنقضي. الحديث الثاني في الباب: 405. عن أَبي بُرْدَةَ بنِ أَبي مُوسى الْأَشْعَريِّ قال قال: لي عبدُ اللَّهِ بنُ عُمرَ: أَسمعتَ أَباكَ يُحدِّثُ عنْ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في شَأْنِ ساعةِ الْجُمُعَةِ، قال قلتُ: نعم، سمعتُهُ يقولُ: سمعتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «هيَ مَا بينَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ، إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ». الشرح: الحديث الثاني في الباب، وهو في ساعة الإجابة أيضا. قوله «هيَ مَا بينَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ، إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ» أي: ساعة الإجابة يوم الجمعة تكون حينئذ، وهو قولٌ قوي فيها، قال الإمام ابن القيم: لأن اجتماع المسلمين، وصلاتهم وتضرّعهم وابتهالهم إلى الله تعالى، تأثيراً في الإجابة، فساعة اجتماعهم، ساعةٌ تُرجى فيها الإجابة، وعلى هذا تتفق الأحاديث كلها، ويكون النبي صلى الله عليه وسلم قد حضّ أمته على الدعاء والابتهال إلى الله تعالى في هاتين الساعتين. انتهى (زاد المعاد 1/394). وعلى القول بأنها من جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة، لا يعني ذلك أن المأموم ينشغل بالدعاء أثناء الخطبة، ويُعرض عن سماع الخطبة، بل يستمع للخطبة، ثم يُؤمّن على دعاء إمامه فيها، وكذا يدعو في صلاته، في سجوده، وقبل سلامه. ويكون بذلك قد أتى بالدعاء في هذه الساعة العظيمة، وإنْ أضاف إلى ذلك الدعاء في آخر ساعة بعد العصر، فهو أولى وأفضل وأحسن.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 25 ( الأعضاء 0 والزوار 25) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |