كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله - الصفحة 24 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4948 - عددالزوار : 2051539 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4524 - عددالزوار : 1319449 )           »          شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 591 - عددالزوار : 334107 )           »          اكتشف الأسباب الخفية وراء انتفاخ البطن! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          الكافيين: فوائده، أضراره، والكمية الآمنة للاستهلاك يوميًا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          التعايش مع اضطراب ثنائي القطب: دليلك لحياة متوازنة! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          7 أطعمة تقوي العظام! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          نصائح بعد خرم الأذن: دليلك الشامل للتعافي بسرعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          ما هي فوائد التبرع بالدم؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          متى يكون فقدان الوزن خطير؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-03-2023, 04:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (231)
صــــــــــ 296 الى صـــــــــــ 302



وكذلك إن قال إن قدم فلان أو نكحت فلانة ولو قال لامرأة لم ينكحها إذا نكحتك فأنت علي كظهر أمي فنكحها لم يكن متظاهرا لأنه لو قال في تلك الحال أنت علي كظهر أمي لم يكن متظاهرا لأنه إنما يقع التحريم من

النساء على من حل ثم حرم فأما من لم يحل فلا يقع عليه تحريم ولا حكم تحريم لأنه محرم فلا معنى للتحريم في التحريم لأنه في الحالين قبل التحريم وبعده محرم بتحريم (قال الشافعي): ويروى مثل معنى ما قلت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم عن علي وابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - وغيرهم وهو القياس.

وإذا قال أنت علي كظهر أمي يريد طلاقا واحدا أو ثلاثا أو طلاقا بلا نية عدد لم يكن طلاقا لما وصفت من حكم الله عز وجل في الظهار وأن بينا في حكم الله تعالى أن ليس الظهار اسم الطلاق ولا ما يشبه الطلاق مما ليس لله تبارك وتعالى فيه نص حكم ولا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما كان خارجا من هذا مما يشبه الطلاق فإنما يكون قياسا على الطلاق إذا قال الرجل لامرأته أنت طالق كظهر أمي يريد الظهار فهي طالق ولا ظهار عليه لأنه صرح بالطلاق ولم يكن لكظهر أمي معنى إلا أنك حرام بالطلاق وكظهر أمي محال لا معنى له فلزمه الطلاق وسقط الظهار وهكذا إن قال أنت علي حرام كظهر أمي يريد الطلاق فهو طلاق وإن لم يرد الطلاق فهو متظاهر.
وإن قال لامرأته أنت علي حرام كظهر أمي ثم قال لأخرى من نسائه قد أشركتك معها أو أنت كهي أو أنت شريكتها أو ما أشبه هذا لا يريد به ظهارا لم يلزمه ظهار لأنها تكون شريكتها ومعها ومثلها في أنها زوجة له كهي وعاصية له كهي ومطيعة له كهي وما أشبه هذا مما ليس بظهار (قال): وإذا تظاهر الرجل من أربع نسوة له بكلمة واحدة أو بكلام متفرق فسواء وعليه في كل واحدة منهن كفارة لأن التظاهر تحريم لكل واحدة منهن لا تحل له بعد حتى يكفر كما يطلقهن معا في كلمة واحدة أو بكلام متفرق فسواء وعليه في كل واحدة منهن كفارة لأن التظاهر تحريم لكل واحدة منهن لا تحل له بعد حتى يكفر كما يطلقهن معا في كلمة واحدة أو كلام متفرق فتكون كل واحدة منهن طالقا.
وإذا تظاهر الرجل من امرأته مرتين أو ثلاثا أو أكثر يريد بكل واحدة منهن ظهارا غير صاحبه قبل أن يكفر فعليه في كل تظاهر كفارة كما يكون عليه في كل تطليقة تطليقة لأن التظاهر طلاق جعل المخرج منه كفارة.
ولو قالها متتابعة فقال أردت ظهارا واحدا كان واحدا كما يكون لو أراد طلاقا واحدا وإبانة بكلمة واحدة.
وإذا تظاهر من امرأته ثم كفر ثم تظاهر منها مرة أخرى كفر مرة أخرى ولو قال لامرأته إذا تظاهرت من فلانة امرأة له أخرى فأنت علي كظهر أمي فتظاهر منها كان من امرأته التي قال لها ذلك متظاهرا ولو قال لامرأته إذا تظاهرت من فلانة امرأة أجنبية فأنت علي كظهر أمي فتظاهر من الأجنبية لم يكن عليه ظهار لأن ذلك ليس بظهار.
وكذلك لو قال لها إذا طلقتها فأنت طالق فطلقها لم تكن امرأته طالقا لأنه طلق غير زوجته (قال): وإذا قال الرجل لامرأته أنت علي أو عندي كأمي أو أنت مثل أمي أو أنت عدل أمي وأراد في الكرامة فلا ظهار وإن أراد ظهارا فهو ظهار وإن قال لا نية لي فليس بظهار.

متى نوجب على المظاهر الكفارة
(قال الشافعي): - رحمه الله -.
قال الله تبارك وتعالى {والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا} {فتحرير رقبة} الآية (قال الشافعي): الذي علقت مما سمعت في {يعودون لما قالوا} أن المتظاهر حرم عليه مس امرأته بالظهار فإذا أتت عليه مدة بعد القول بالظهار لم يحرمها بالطلاق الذي يحرم به ولا شيء يكون له مخرج من أن تحرم عليه به فقد وجب عليه كفارة الظهار كأنهم يذهبون إلى أنه إذا أمسك ما حرم على نفسه أنه حلال فقد عاد لما قال فخالفه فأحل ما حرم.
ولا أعلم له معنى أولى به من هذا ولم أعلم مخالفا في أن عليه كفارة الظهار وإن لم يعد بتظاهر آخر فلم يجز أن يقال لما لم أعلم مخالفا في أنه ليس بمعنى الآية.
وإذا حبس المتظاهر امرأته بعد الظهار قدر ما يمكنه أن يطلقها ولم
يطلقها فكفارة الظهار له لازمة.
ولو طلقها بعد ذلك أو لاعنها فحرمت عليه على الأبد لزمته كفارة الظهار.
وكذلك لو ماتت أو ارتدت فقتلت على الردة.
ومعنى قول الله تعالى {من قبل أن يتماسا} وقت لأن يؤدي ما أوجب عليه من الكفارة فيها قبل المماسة فإذا كانت المماسة قبل الكفارة فذهب الوقت لم تبطل الكفارة ولم يزد عليه فيها كما يقال له أد الصلاة في وقت كذا وقبل وقت كذا فيذهب الوقت فيؤديها لأنها فرض عليه فإذا لم يؤدها في الوقت أداها قضاء بعده ولا يقال له زد فيها لذهاب الوقت قبل أن تؤديها (قال): وهكذا لو كانت امرأته معه فأصابها قبل أن يكفر واحدة من الكفارات أو كفر بالصوم فأصاب في ليل الصوم لم ينتقض صومه ومضى على الكفارة.
ولو تظاهر منها ثم مات مكانه أو ماتت مكانها قبل أن يمكنه أن يطلق لم يكن عليه ظهار، ولو تظاهر منها فأتبع التظاهر طلاقا تحل له بعده قبل زوج له عليها فيه الرجعة أو لا رجعة له لم يكن عليه بعد الطلاق كفارة لأنه أتبعها الطلاق مكانه فإن راجعها في العدة فعليه الكفارة في التي يملك رجعتها ولو طلقها ساعة نكحها لأن مراجعتها بعد الطلاق أكثر من حبسها بعد الظهار وهو يمكنه أن يطلقها.
ولو تظاهر منها ثم أتبعها طلاقا لا يملك فيه الرجعة ثم نكحها لم تكن عليه كفارة لأن هذا ملك غير الملك الأول الذي كان فيه الظهار.
ألا ترى أنه لو تظاهر منها بعد طلاق لا يملك فيه الرجعة لم يكن فيه متظاهرا.
ولو طلقها ثلاثا أو طلاقا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره سقط عنه الظهار، ولو نكحها بعد زوج لم يكن متظاهرا لما وصفت وبأن طلاق ذلك الملك قد مضى وحرمت ثم نكحها فكانت مستأنفة حكمها حكم من لم تنكح قط إذا سقط الطلاق سقط ما كان في حكمه وأقل من ظهار وإيلاء، ولو تظاهر منها ثم لاعنها مكانه بلا فصل كانت فرقة لها يفرق بينهما وسقط الظهار، ولو حبسها بعد الظهار قدر ما يمكنه اللعان فلم يلاعن كانت عليه كفارة الظهار لاعن أو لم لا يلاعن، وإذا تظاهر المسلم من امرأته، ثم ارتد أو ارتدت مع الظهار فإن عاد المرتد منهما إلى الإسلام في العدة فحبسها قدر ما يمكنه الطلاق لزمه الظهار وإن طلقها مع عودة المرتد منهما إلى الإسلام أو لم يعد المرتد منهما إلى الإسلام فلا ظهار عليه إلا أن يتناكحا قبل أن تبين منه بثلاث فيعود عليه الظهار، وإذا تظاهر الرجل من امرأته وهي أمة ثم عتقت فاختارت فراقه فالظهار لازم له لأنه حبسها بعد الظهار مدة يمكنه فيها الطلاق، ولو تظاهر منها وهي أمة فلم يكفر حتى اشتراها لم يكن له لأنه حبسها بعد الظهار مدة يمكنه فيها الطلاق، ولو تظاهر منها وهي أمة فلم يكفر حتى اشتراها لم يكن له أن يقربها حتى يكفر لأن كفارة الظهار لزمته وهي أمة زوجة، وإذا قال الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي إن شاء الله لم يكن ظهارا وإن قال إن شاء فلان لم يكن ظهارا حتى يشاء فلان وكذلك إن شئت فلم تشأ فليس بظهار وإن شاءت فظهار، وإذا قال الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي والله لا أقربك أو قال والله لا أقربك وأنت علي كظهر أمي فهو مول متظاهر يؤمر بأن يكفر للظهار من ساعته ويقال له: إن قدمت الفيئة قبل الأربعة الأشهر فهو خير لك، وإن فئت كنت خارجا بها من حكم الإيلاء وعاصيا إن قدمتها قبل كفارة الظهار فإن أخرتها إلى أن تمضي أربعة أشهر فسألت امرأتك أن توقف للإيلاء وقفت فإن فئت خرجت من الإيلاء وإن لم تفئ قيل لك طلق وإلا طلقنا عليك ثم هكذا كلما راجعت في العدة فمضت أربعة أشهر توقف كما يوقف من لا ظهار عليه من قبل أن الحبس عن الجماع جاء من قبلك بأمر أدخلته على نفسك قدمت الإيلاء قبل الظهار أو الظهار أكثر مما يمكنك ذلك فإن كنت مريضا ففيأتك باللسان وإن قلت أصوم قلنا ذلك شهران وإنما أمرت بعد الأشهر بأن تفيء أو تطلق ولا يجوز أن نجعل لك سنة فإن قال أمهلني بالعتق والإطعام، قيل ما

أمهلك به إلا ما أمهلك إذا لم يكن عليك ظهار والفيئة في اليوم وما أشبهه.
باب عتق المؤمنة في الظهار
قال الله تعالى {والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا} (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فإذا وجبت كفارة الظهار على الرجل وهو واجد لرقبة أو ثمنها لم يجزه فيها إلا تحرير رقبة ولا تجزئه رقبة على غير دين الإسلام لأن الله عز وجل يقول في القتل {فتحرير رقبة مؤمنة}.
وكان شرط الله تعالى في رقبة القتل إذا كانت كفارة كالدليل والله تعالى أعلم على أن لا يجزئ رقبة في الكفارة إلا مؤمنة كما شرط الله عز وجل العدل في الشهادة في موضعين وأطلق الشهود في ثلاثة مواضع فلما كانت شهادة كلها اكتفينا بشرط الله عز وجل فيما شرط فيه واستدللنا على أن ما أطلق من الشهادات إن شاء الله تعالى على مثل معنى ما شرط وإنما رد الله عز ذكره أموال المسلمين على المسلمين لا على المشركين فمن أعتق في ظهار غير مؤمنة فلا يجزئه وعليه أن يعود فيعتق مؤمنة قال وأحب إلي أن لا يعتق إلا بالغة مؤمنة فإن كانت أعجمية فوصفت الإسلام أجزأته، أخبرنا مالك عن هلال بن أسامة عن عطاء بن يسار عن عمر بن الحكم أنه قال «أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت يا رسول الله إن جارية لي كانت ترعى غنما لي فجئتها وفقدت شاة من الغنم فسألتها عنها فقالت أكلها الذئب فأسفت عليها وكنت من بني آدم فلطمت وجهها وعلي رقبة أفأعتقها؟ فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أين الله؟ فقالت في السماء فقال من أنا؟ فقالت أنت رسول الله قال فأعتقها فقال عمر بن الحكم أشياء يا رسول الله كنا نصنعها في الجاهلية كنا نأتي الكهان فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تأتوا الكهان فقال عمر، وكنا نتطير فقال إنما ذلك شيء يجده أحدكم في نفسه فلا يصدنكم» (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): اسم الرجل معاوية بن الحكم كذلك روى الزهري ويحيى بن أبي كثير.

(قال الشافعي): وإذا أعتق صبية أحد أبويها مؤمن أجزأت عنه إن شاء الله تعالى لأنا نصلي عليها ونورثها ونحكم لها حكم الإيمان، وإن أعتق مرتدة عن الإسلام لم تجزئ ولو رجعت بعد عتقه إياها إلى الإسلام لأنه أعتقها وهي غير مؤمنة وإن ولدت خرساء على الإيمان وكانت تشير به وتصلي أجزأت عنه إن شاء الله تعالى وإن جاءتنا من بلاد الشرك مملوكة خرساء فأشارت بالإيمان وصلت وكانت إشارتها تعقل فأعتقها أجزأت إن شاء الله تعالى وأحب إلي أن لا يعتقها إلا أن لا تتكلم بالإيمان وإن سبيت صبية مع أبويها كافرين فعقلت ووصفت الإسلام إلا أنها لم تبلغ فأعتقها عن ظهاره لم تجزئ حتى تصف الإسلام بعد البلوغ فإذا فعلت فأعتقها أجزأت عنه وإذا وصفت الإسلام بعد البلوغ فأعتقها مكانه أجزأت عنه ووصفها الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتبرأ مما خالف الإسلام من دين فإذا فعلت فهذا كمال وصف الإسلام وأحب إلي لو امتحنها بالإقرار بالبعث بعد الموت وما أشبهه.
من يجزئ من الرقاب إذا أعتق ومن لا يجزئ
(قال الشافعي): - رحمه الله -: لا يجزئ في ظهار ولا رقبة واجبة رقبة تشترى بشرط أن تعتق لأن
ذلك يضع من ثمنها ولا يجزئ فيها مكاتب أدى من نجومه شيئا أو لم يؤد لأنه ممنوع من بيعه فإذا عجز المكاتب أو اختار العجز فأعتق بعد عجزه أو اختياره العجز أجزأه ولا تجزئ أم الولد في قول من لا يبيعها وتجزئ في قول من يرى للسيد بيعها ويجزئ المدبر لأنه يباع وكذلك يجزئ المعتق إلى أجل وإن أعتق عبدا له مرهونا أو جانيا جناية فأدى الرهن أو الجناية أجزأ عنه وإن أعتق ما في بطن أمته عن ظهاره أو رقبة لزمته ثم ولدته تاما لم يجزه لأنه أعتقه ولا يدري أيكون أو لا يكون ولا يجزئ من العتق إلا عتق من صار إلى الدنيا وإن أعتق عبدا له غائبا فأثبت أنه كان حيا يوم وقع العتق أجزأ عنه وإن لم يثبت ذلك لم يجزئ عنه لأنه على غير يقين من أنه أعتق لأن العتق لا يكون إلا لحي، وإن وجبت عليه رقبة فاشترى من يعتق عليه عتق عليه إذا ملكه وكان عتقه وصمته سواء ساعة يملكه يعتق عليه ولا يجزئه عتقه وبأي وجه ملك عبدا له يثبت له عليه الرق فأعتقه بعد الملك أجزأ عنه ولو كان عبد بين رجلين فأعتقه أحدهما وهو موسر ينوي أن يكون حرا عن ظهاره أجزأه من قبل أنه لم يكن لشريكه أن يعتق رقبة تامة عن ظهاره ولو كان قال لعبيد له أولكم يدخل هذه الدار فهو حر ثم أمر أحدهم أن يدخل الدار ونوى أن يعتق بالحنث عن ظهاره لم يجزه إذا دخل الدار فعتق عليه لأنه يعتق بالحنث بكل حال ويمنع من بقي من رقيقه أن يعتق بحنث ولو قال له رجل لك علي عشرة دنانير على أن تعتق عبدك فأعتقه عن ظهاره وأخذ العشرة لم يجزه لأنه أخذ عليه جعلا ولو أخذ الجعل وأعتقه ثم رده لم يجزه ولو أبى الجعل أولا ثم أعتقه عن ظهاره أجزأه.
(قال الشافعي): ولا يجزئه أن يعتق رقبة عن ظهاره ولا واجب عليه إلا بنية يقدمها قبل العتق أو معه عن الواجب عليه، وجماع ذلك أن يقصد بالعتق قصد واجب لا أن يرسل بلا نية إرادة واجب ولا تطوع ولو كان على رجل ظهار فأعتق عند رجل عبدا للمعتق بغير أمره لم يجزئه وكان ولاؤه لسيده الذي أعتقه ولو كان الذي عليه الظهار أعطاه شيئا على أن يعتق عنه عبدا له بعينه أو لم يعطه فسأله أن يعتق عنه عبدا له بعينه فأعتقه أجزأه والولاء للذي عليه الظهار الذي أعتق عنه وهذا منه كشراء مقبوض أو هبة مقبوضة وكما لو اشترى رجل من رجل عبدا فلم يقبضه المشتري حتى يعتقه جاز عتقه وكان ضمانة منه والعتق غيره عن الآخر لأنه قصد به قصد واجب ولو أعتق آخر عنهما أجزأ بهذا المعنى لأنه قد استكمل عتق عبدين ظهارين نصفا بعد نصف قال وإذا أعتق عبدين عن ظهارين أو ظهار وقتل كل واحد منهما عن الكفارتين معا جعل كل واحد منهما عن أيهما شاء وإن لم يجعله أجزأتا معا لأنه قصد بهما قصد كفارتين وأجزناه بما وصفت أن كل واحد من الكفارتين قد أعتق فيها عبدا تاما نصفا عن واحدة ونصفا عن واحدة ثم أخرى نصفا عن واحدة ونصفا عن واحدة فكمل فيها العتق وعتقه عن نفسه للظهار لزمه لا عن امرأته فإذا قصد قصد الكفارة عن الظهار أجزأته ولو أعتق عبدين عن ظهار واحد فأراد أن يجعل أحدهما عن ظهاره الذي أعتق عنه والآخر عن ظهار عليه غيره لم يكن له ذلك لأن عتقهما قد مضى لا ينوي به إلا أحد الظهارين فيجزئه ما نوى ولا يجزئه ما لم ينو قال ولو وجبت عليه رقبة فشك أن تكون عن ظهار أو قتل أو نذر فأعتق رقبة عن أيها كان عليه أجزأه لأنه قصد بها قصد الواجب ولم يخرج ما وجب عليه من نيته بالعتق وإن أعتقها لا ينوي واحدا من الذي عليه لم يجزئه، وإن أعتقها عن قتل ثم علم أن لم يكن عليه قتل أو ظهار ثم علم أن لم يكن عليه ظهار فأراد أن يجعلها عن الذي عليه لم تجزئ عنه لأنه أعتقها على نية شيء بعينه لم يجب عليه وأخرج الواجب عليه فأعتق عنه ولا يجزئ عنه أن يصرف النية إلى غيره مما قد أخرجه من نيته في العتق ولو أعتق جارية عن ظهاره واستثنى ما في بطنها أجزأت عنه وما في بطنها حر ولو أعتقها عن ظهار على
أن تعطيه شيئا لم يجزه ولو أبطل الشيء عنها بعد العتق لم يجزه لأنه أعتقها على جعل وإن تركه ولو كان قال لها أعتقك على كذا فقالت نعم ثم أبطل ذلك فأعتقها على غير جعل ينوي بها أن تعتق عن ظهاره أجزأته.
ما يجزئ من الرقاب الواجبة وما لا يجزئ
(قال الشافعي): قال الله تبارك وتعالى {فتحرير رقبة مؤمنة} (قال الشافعي): فكان ظاهر الآية أن كل رقبة مجزئة عمياء وقطعاء ومعيبة ما كان العيب إذا كانت فيه الحياة لأنها رقبة وكانت الآية محتملة أن يكون أريد بها بعض الرقاب دون بعض قال ولم أر أحدا ممن مضى من أهل العلم ولا حكي لي عنه ولا بقي خالف في أن من ذوات النقص من الرقاب ما لا يجزئ فدل ذلك على أن المراد من الرقاب بعضها دون بعض قال ولم أعلم مخالفا ممن مضى في أن من ذوات النقص ما يجزئ فدل ذلك على أن المراد من الرقاب بعضها دون بعض قال ولم أعلم مخالفا ممن مضى في أن من ذوات النقص ما يجزئ فدل ذلك على أن من ذوات العيب ما يجزئ، قال ولم أر شيئا أعدل في معنى ما ذهبوا إليه إلا ما أقول والله تعالى أعلم وجماعة أن الأغلب فيما يتخذ له الرقيق العمل ولا يكون العمل تاما حتى تكون يدا المملوك باطشتين ورجلاه ماشيتين ويكون له بصر وإن كان عينا واحدة ويكون يعقل فإذا كان هكذا أجزأه وإن كان أبكم أو أصم أو أحمق أو يجن ويفيق أو ضعيف البطش أو المشي أو أعور أو معيبا عيبا لا يضر بالعمل ضررا بينا وأنظر كل نقص كان في اليدين والرجلين فإن كان يضر بالعمل ضررا بينا لم يجز عنه وإن كان لا يضر به ضررا بينا أجزأه والذي يضر به ضررا بينا قطع أو شلل اليد كلها أو شلل الإبهام أو قطعها وذلك في المسبحة والوسطى معا، وكل واحدة منهما على الانفراد بينة الضرر بالعمل والذي لا يضر ضررا بينا شلل الخنصر أو قطعها فإن قطعت التي إلى جنبها من يدها أضر ذلك بالعمل فلم يجز وإن قطعت إحداهما من يد والأخرى من يد أخرى لم يضر بالعمل ضررا بينا ثم اعتبر هذا في الرجلين على هذا المعنى واعتبره في البصر فإن كان ذاهب إحدى العينين ضعيف الأخرى ضعفا يضر بالعمل ضررا بينا لم يجز وإن لم يكن يضر بالعمل ضررا بينا أجزأه، وسواء هذا في الذكر والأنثى والصغير والكبير وتجزئ الأنثى الرتقاء والذكر المجبوب والخصي وليس هذا من العمل بسبيل وتجزئ الرقاب مع كل عيب لا يضر بالعمل ضررا بينا والذي يفيق ويجن يجزئ وإذا كان الجنون مطبقا لم يجز ويجزئ المريض لأنه قد يرجى أن يصح والصغير لأنه قد يكبر وإن لم يكبر ولم يصح وسواء أي مريض ما كان ما لم يكن معضوبا عضبا لا يعمل معه عملا تاما أو قريبا من التمام كما وصفت.
من له الكفارة بالصيام في الظهار
قال الله عز وجل {فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير - فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا} (قال الشافعي): فإذا لم يجد المتظاهر رقبة يعتقها وكان يطيق الصوم فعليه الصوم.
ومن كان له مسكن وخادم وليس له مملوك غيره ولا ما يشتري به مملوكا غيره كان له الصوم ومن كان له مملوك غير خادمه ومسكن كان عليه أن يعتق.
وكذلك لو كان له ثمن مملوك كان عليه أن يشتري مملوكا فيعتقه (قال): فإن ترك أن يشتري به وهو واجد فأعسر كان له أن يصوم.
ولو وجبت عليه كفارة الظهار وهو
معسر أو أعسر بعدها قبل أن يكفر ثم أيسر قبل أن يدخل في الصوم كان عليه أن يعتق ولم يكن له أن يصوم في حال هو فيها موسر (قال الشافعي): وحكمه وقت مرضه في الكفارة حين يكفر كما حكمه في الصلاة حين يصلي بوضوء أو تيمم أو مريض أو صحيح (قال الربيع) وقد قال مرة حكمه يوم يحنث في الكفارة (قال الشافعي): ولو كان عند الكفارة غير واجد فعرض عليه رجل أن يهب له عبدا أو أوصى له أو تصدق عليه به أو ملكه بأي وجه ما كان الملك لم يكن عليه قبوله وكان له رده والاختيار له قبوله وعتقه غير الميراث، فإذا ورثه لزمه وكان عليه عتقه أو عتق غيره (قال الشافعي): ولو اشتراه على نية أن يعتقه كان له أن يسترقه ويعتق غيره.
ولا يجب عليه عتق عبد اشتراه أبدا حتى يعتقه أو يوجب عتقه تبررا (قال الشافعي): فإذا كان له الصيام فلم يدخل في الصيام حتى أيسر فعليه العتق.
وإن دخل فيه قبل أن يوسر ثم أيسر كان له أن يمضي في الصيام.
والاختيار له أن يدع الصوم ويعتق كما يتيمم فتحل له الصلاة فإن لم يدخل فيها حتى يجد الماء لم يكن له أن يصلي حتى يتوضأ وإن دخل فيها ثم وجد الماء كان له أن يمضي في صلاته.
وإن قال لعبد له أنت حر الساعة عن الظهار إن تظهر به كان حرا الساعة ولم يجزه عن ظهار أن يتظهره لأنه أعتقه ولم يجب عليه الظهار ولم يكن لسبب منه.
وكذلك لو أطعم مساكين فقال هذا عن يمين إن حنثت بها ولم يحلف ولم يجب عليه الظهار ولم يكن لسبب منه.
وكذلك لو أطعم مساكين فقال هذا عن يمين إن حنثت بها ولم يحلف لم يجزه لأنه لم يكن بسبب من اليمين، والسبب أن يحلف ثم يكفر قبل أن يحنث فيجزئه ذلك كما يكون له المال فيؤدي زكاته قبل أن يحول الحول فيجزئه لأن بيده سبب ما تكون به الزكاة ولو لم يكن بيده مال فيه زكاة فتصدق بدراهم لم يجزه لأنه لم يكن بسبب من زكاة.
أو قال عن مال إن أفدته فوجبت علي فيه الزكاة ثم أفاد مالا فيه زكاة لم يجزه لأنه لم يكن بسبب من زكاة.
الكفارة بالصيام
(قال الشافعي): - رحمه الله -: ومن وجب عليه أن يصوم شهرين في الظهار لم يجزه إلا أن يكونا متتابعين كما قال الله عز ذكره ومتى أفطر من عذر أو غير عذر فعليه أن يستأنف ولا يعتد بما مضى من صومه.
وكذلك إن صام في الشهرين يوما من الأيام التي نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عنها وهي خمس يوم الفطر ويوم الأضحى وأيام منى الثلاث بعد النحر استأنف الصوم بعد مضيهن ولم يعتد بهن ولا بما كان قبلهن واعتد بما بعدهن ومتى دخل عليه شيء يفطره في يوم من صومه استأنف الصوم حتى يأتي بالشهرين متتابعين ليس فيهما فطر.
وإذا صام بالأهلة صام هلالين وإن كانا تسعة أو ثمانية وخمسين أو ستين يوما.
وإذا صام بعد مضي يوم من الهلال أو أكثر صام بالعدد الشهر الأول وبالهلال الشهر الثاني ثم أكمل على العدد الأول بتمام ثلاثين يوما (قال): ولو صام شهرين متتابعين بلا نية للظهار لم يجزه حتى يقدم النية قبل الدخول في الصوم ولو نوى أن يصوم شهرين متتابعين فصام أياما ثم نوى أن يحيل الصوم بعد الأيام تطوعا فصام أياما أو يوما ينوي به التطوع، ثم وصل صومه ينوي به صوم الشهرين بالشهرين الواجبين عليه لم يعتد بما مضى من صومه قبل الأيام التي تطوع بها ولا بصوم الأيام التي تطوع فيها واعتد بصومه من يوم نوى فلم يفصل بينه بتطوع ولا فطر، ولو نوى صوم يوم فأغمي عليه فيه ثم أفاق قبل الليل أو بعده ولم يطعم أجزأه إذا دخل فيه قبل الفجر وهو يعقله، ولو أغمي عليه

قبل الفجر لم يجزه لأنه لم يدخل في الصوم وهو يعقله ولو أغمي عليه فيه وفي يوم بعده أو في أكثر ولم يطعم استأنف الصوم لأن حكمه في اليوم الذي أغمي عليه قبل أن يفيق أنه غير صائم عن ظهار لأنه لا يعقله.
(قال): ولو صام مسافرا أو مقيما أو مريضا عن ظهار شهرين أحدهما شهر رمضان لم يجزه واستأنف الصوم لا يجزئ رمضان من غيره لأنه إذا رخص له في فطره بالمرض والسفر فإنما يخفف عنه فإذا لم يخففه عن نفسه فلا يكون تطوعا ولا صوما عن غيره وعليه أن يستأنف شهرين ويقضي شهر رمضان لأنه صامه بغير نية شهر رمضان (قال): ولا يجزئه في صوم واجب عليه إلا أن يتقدم بنيته قبل الفجر فإن لم يتقدم بنيته قبل الفجر لم يجزه ذلك اليوم ولا يجزئه إلا أن ينوي كل يوم منه على حدته قبل الفجر لأن كل يوم منه غير صاحبه، وإن دخل في يوم منه بنية تجزئه ثم عزبت عنه النية في آخر يومه أجزأه لأن النية بالدخول لا في كل طرفة عين منه، فإذا أحال النية فيه إلى أن يجعله تطوعا أو واجبا غير الذي دخل به فيه لم يجزه واستأنف الصوم بعده ولو كان عليه ظهاران فصام شهرين عن أحدهما ولا ينوي عن أيهما هو كان له أن يجعله عن أيهما شاء ويجزئه، وكذلك لو صام أربعة أشهر عنهما وهكذا لو كانت عليه ثلاث كفارات فأعتق مملوكا له ليس له غيره وصام شهرين ثم مرض فأطعم ستين مسكينا ينوي بجميع هذه الكفارات الظهار أجزأه وإن لم ينو واحدة منهن بعينها كان مجزئا عنه لأن نيته على كل واحدة منهن أداؤها عن كفارة يمين لزمته وسواء كفر أي كفارات الظهار شاء مما يجوز كانت امرأته عنده أو ميتة أو عند زوج غيره أو مرتدة أو بأي حال كانت.
(قال الشافعي): - رحمه الله -: ولو ارتد الزوج بعد ما وجب عليه الظهار فأعتق عبدا عن ظهاره في ردته وقف فإن رجع إلى الإسلام أجزأ عنه لأنه قد أدى ما عليه كما لو كان عليه دين فأداه برئ منه وهكذا لو كان ممن عليه إطعام مساكين فأطعمهم في ردته ثم أسلم لم يكن عليه أن يعود وهكذا لو كان قصاصا أو حدا فأخذ منه في ردته لم يعد عليه لأن هذا إخراج شيء من ماله أو عقوبة على بدنه لمن وجبت له.
فإن قيل فهذا لا يكتب له أجره ولا يكفر به عنه.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10-03-2023, 10:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس

الحلقة (235)
صــــــــــ 7 الى صـــــــــــ 13



(قال الشافعي): فإذا سعر النار على وجه الأرض فألقاه فيها وهو زمن أو صغير فكذلك وإن ألقاه فيها صحيحا فكان يحيط العلم أنه يستطيع أن يتخلص منها فترك التخلص فمات فلا قود وإن عالج التخلص فغلبه كثرتها أو التهابها، ففيه القود، وكذلك إن ألقي فيها فلم يزل يتحرك يعالج الخروج فلم يخرج حتى مات أو أخرج وبه منها حرق، الأغلب أنه لا يعاش منه فمات منه ففيه القود وإن كان بعض هذا وهو يقدر على التخلص بأن يكون إلى جنب أرض لا نار عليها فإنما يكفيه أن ينقلب فيصير عليها أو يقول أقمت وأنا على التخلص قادر أو ما أشبه هذا مما عليه الدلالة بأنه يقدر على التخلص لم يكن فيه عقل ولا قود وقد قيل: يكون فيه العقل.

وإن ألقاه في ماء قريب من ساحل وهو يحسن العوم ولم تغلبه جرية الماء فمات فلا قود وإن كان لا يحسن العوم وألقاه قريبا من نجوة أرض أو جبل أو سفينة مقيمة وهو يحسن العوم فترك التخلص فلا قود وإن ألقاه في ماء لا يتخلص في الأغلب منه فمات فعليه القود، ولو كان الأغلب أنه يتخلص منه فأخذه حوت فلا قود وعليه العقل (قال أبو محمد) وقد قيل: يتخلص أو لا يتخلص سواء أن لا قود عليه وعليه العقل.

(قال الربيع) وأصح القولين أن لا عقل في النفس ولا قود؛ لأنه هو الذي قتل نفسه إذا كان يقدر أن يتخلص فيسلم من الموت فترك التخلص وعلى الطارح أرش ما أحرقت النار منه أول ما طرح قبل أن يمكنه التخلص.
(قال الشافعي): وإن خنقه فتابع عليه الخنق حتى يقتله ففيه القود.
، وكذلك إن غمه بثوب أو غيره فتابع عليه الغم حتى يموت ففيه القود، وإن تركه حيا، ثم مات بعد فلا قود إلا أن يكون الخنق أو الغم قد أورثه ما لا يجري معه نفسه فيموت من ذلك ففيه القود (قال الربيع) وقد قيل يتخلص أو لا يتخلص أن لا قود عليه وعليه العقل؛ لأنه لم يمت من اليد.
(قال الشافعي): وجماع هذا أن ينظر إلى من قتل بشيء مما وصفت غير السلاح المحدد فإن كان الأغلب أن من نيل منه يقتله ويقتل مثله في مثل سنه وصحته وقوته أو حاله إن كانت مخالفة لذلك قتلا وحيا كقتل السلاح أو أوحى ففيه القود. وإن كان الأغلب أن من نيل منه بمثل ما نيل منه يسلم ولا يأتي ذلك على نفسه فلا قود فيه.
(قال الشافعي): وضرب القليل على الخاصرة يقتل في الأغلب ولا يقتل مثله لو كان في ظهر أو أليتين أو فخذين أو رجلين والضرب القليل يقتل النضو الخلق الضعيفة في الأغلب والأغلب أن لا يقتل قويه، ويقتل في الأغلب في البرد الشديد والحر الشديد ولا يقتل في الأغلب في غيرهما.
(قال الشافعي): فمن نال من امرئ شيئا فأنظر إليه في الوقت الذي ناله فيه فإن كان الأغلب أن ما ناله به يقتله ففيه القود، وإن كان الأغلب أن ما ناله به لا يقتله فلا قود فيه.
(قال الشافعي): وإن طين رجل على رجل بيتا ولم يدعه يصل إليه طعام ولا شراب أياما حتى مات أو حبسه في موضع وإن لم يطين عليه ومنعه الطعام أو الشراب مدة الأغلب من مثلها أنه يقتله فمات قتل به وإن مات في مدة الأغلب أنه يعيش من مثلها ففيها العقل ولا قود فيه.
(قال الشافعي): فإن حبسه فجاءه بطعام أو شراب ومنعه الطعام فلم يشربه حتى مات ولم تأت عليه مدة يموت أحد منع الطعام في مثلها

فلا عقل ولا قود؛ لأنه ترك أن يشرب فأعان على نفسه ولم يمنعه الطعام مدة الأغلب أنه يموت أحد منعها الطعام، ولو كانت المدة التي منعه فيها الطعام مدة الأغلب أنه يموت أحد من مثلها قتل به وإن كان الأغلب أنه لا يمات من مثلها ضمن العقل.
(قال الشافعي): وإذا أقدته بما صنع به حبس ومنع كما حبسه ومنعه فإن مات في تلك المدة وإلا قتل بالسيف.

باب العمد فيما دون النفس
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وما دون النفس مخالف للنفس في بعض أمره في العمد فلو عمد رجل عين رجل بأصبعه ففقأها كان فيها القصاص؛ لأن الأصبع تأتي فيها على ما يأتي عليه السلاح في النفس، وربما جاءت على أكثر وهكذا لو أدخل الرجل أصبعه في عينه فاعتلت فلم تبرأ حتى ذهب بصرها أو انتجفت كان فيها القصاص.
(قال الشافعي): ولو لطمه لطمة في رأسه فورمت، ثم اتسعت حتى أوضحت لم يكن فيها قصاص؛ لأن الأغلب من اللطمة أنها قلما يكون منها هكذا فتكون في حكم الخطأ.
(قال الشافعي): ولو ضرب رأسه بحجر محدد أو حجر له ثقل غير محدد فأوضحه أو أدماه، ثم صارت موضحة كان فيها القود؛ لأن الأغلب مما وصفت من الحجارة أنها تصنع هذا، ولو كانت حصاة فرماه بها فورمت ثم أوضحت لم يكن فيها قصاص وكان فيها عقلها تاما؛ لأن الأغلب أنها لا تصنع هذا فعلى هذا ما دون النفس مما فيه القصاص كله ينظر إذا أصابه بالشيء فإن كان الأغلب أنه يصنع به مثل ما يصنع بشيء من الحديد في النفس فأصابه فيه ففيه القود، وإن كان الأغلب أنه لا يصنع ذلك إلا قليلا إن كان فلا قود فيه وفيه العقل وهذا على مثال ما يصنع في النفس في إثبات القصاص وتركه وأخذ العقل فيه
(قال الشافعي): وجماع معرفة قتل العمد من الخطأ أن يعمد الرجل إلى الرجل بالعصا الخفيفة، أو قال عصا في أليتيه أو بالسياط في ظهره - الضرب الذي الأغلب أنه لا يمات من مثله أو ما دون ذلك من اللطم والوجء والصك والضربة بالشراك وما أشبهها وكل هذا من العمد الخطأ الذي لا قود فيه وفيه العقل.
(قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان عن القاسم بن ربيعة عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «ألا إن في قتيل العمد الخطأ بالسوط أو العصا مائة من الإبل مغلظة منها أربعون خلفة في بطونها أولادها» أخبرنا عبد الوهاب عن خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة بن عقبة بن أوس عن رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
(قال الشافعي): فالدية في هذا على العاقلة من قبل أنه خطأ في القتل، وإن كان عمدا في الفعل يستطاع فيه القصاص ولا يكون فيه القصاص والدية في مضي ثلاث سنين.

(قال الشافعي): وهذا معنى ما وصفت من الضرب الذي الأغلب فيه أنه يعاش من مثله، ولم ألق أحدا من أهل الفقه والنظر يخالف في أن هذا معناه، فأما أن يشدخ الرجل رأس الرجل بالحجر أو يتابع عليه ضرب العصا أو السياط متابعة الأغلب أن مثله لا يعيش من مثلها فهذا أكبر من القتل بالضربة بالسكين والحديدة الخفيفة في الرأس واليد والرجل وأعجل قتلا وأحرى أن لا يعيش أحد منه في الظاهر. .

الحكم في قتل العمد
(قال الشافعي): - رحمه الله -: من العلم العام الذي لا اختلاف فيه بين أحد لقيته فحدثنيه وبلغني عنه من علماء العرب أنها كانت قبل نزول الوحي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تباين في الفضل ويكون بينها ما يكون بين الجيران من قتل العمد والخطأ فكان بعضها يعرف لبعض الفضل في الديات حتى تكون دية الرجل الشريف أضعاف دية الرجل دونه، فأخذ بذلك بعض من بين أظهرها بأقصد مما كانت تأخذ به فكانت دية النضيري ضعف دية القرظي، وكان الشريف من العرب إذا قتل يجاوز قاتله إلى من لم يقتله من أشراف القبيلة التي قتله أحدها وربما لم يرضوا إلا بعدد يقتلونهم فقتل بعض غني شأس بن زهير فجمع عليهم أبوه زهير بن جذيمة فقالوا له أو بعض من ندب عنهم: سل في قتل شأس فقال: إحدى ثلاث لا يغنيني غيرها، قالوا: وما هي؟ قال: تحيون لي شأسا أو تملئون ردائي من نجوم السماء أو تدفعون إلي غنيا بأسرها فأقتلها، ثم لا أرى أني أخذت منه عوضا.
وقتل كليب وائل فاقتتلوا دهرا طويلا واعتزلهم بعضهم فأصابوا ابنا له يقال له بجير فأتاهم فقال: قد عرفتم عزلتي فبجير بكليب وكفوا عن الحرب فقالوا: بجير بشسع نعل كليب فقاتلهم وكان معتزلا.
(قال الشافعي): وقال: إنه نزل في ذلك وغيره مما كانوا يحكمون به في الجاهلية هذا الحكم الذي أحكيه كله بعد هذا وحكم الله تبارك وتعالى بالعدل فسوى في الحكم بين عباده الشريف منهم والوضيع {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} فقال: إن الإسلام نزل وبعض العرب يطلب بعضا بدماء وجراح فنزل فيهم {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى} إلى قوله {ذلك تخفيف من ربكم ورحمة} الآية والآية التي بعدها: أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا معاذ بن موسى عن بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان قال معاذ قال مقاتل أخذت هذا التفسير عن نفر حفظ معاذ منهم مجاهدا والحسن والضحاك بن مزاحم قال في قوله {فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان} الآية.
(قال): كان كتب على أهل التوراة أنه من قتل نفسا بغير نفس حق له أن يقاد بها ولا يعفى عنه ولا تقبل منه الدية وفرض على أهل الإنجيل أن يعفى عنه ولا يقتل ورخص لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - إن شاء قتل وإن شاء أخذ الدية وإن شاء عفا فذلك قوله عز وجل {ذلك تخفيف من ربكم ورحمة} يقول: الدية تخفيف من الله إذ جعل الدية ولا يقتل، ثم قال {فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم} يقول: من قتل بعد أخذه الدية فله عذاب أليم. وقال في قوله {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون} يقول: لكم في القصاص حياة ينتهي بعضكم عن بعض أن يصيب مخافة أن يقتل أخبرنا سفيان بن عيينة قال حدثنا عمرو بن دينار قال سمعت مجاهدا يقول سمعت ابن عباس يقول: كان في بني إسرائيل القصاص ولم تكن فيهم الدية فقال الله عز وجل لهذه الأمة {كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء} قال العفو أن تقبل الدية في العمد {فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة} مما كتب على من كان قبلكم {فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم}.
(قال الشافعي): وما قال ابن عباس في هذا كما قال والله سبحانه أعلم، وكذلك ما قال مقاتل؛ لأن الله عز وجل إذ ذكر القصاص، ثم

قال {فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان} لم يجز - والله أعلم - أن يقال: إن عفي بأن صولح على أخذ الدية؛ لأن العفو ترك حق بلا عوض. فلم يجز إلا أن يكون إن عفي عن القتل فإذا عفا لم يكن إليه سبيل وصار للعافي القتل مال في مال القاتل وهو دية قتيله فيتبعه بمعروف ويؤدي إليه القاتل بإحسان، فلو كان إذا عفا عن القاتل لم يكن له شيء لم يكن للعافي يتبعه ولا على القاتل شيء يؤديه بإحسان.
(وقال) وقد جاءت السنة مع بيان القرآن في مثل معنى القرآن أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح الكعبي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «إن الله عز وجل حرم مكة ولم يحرمها الناس فلا يحل لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرا فإن ارتخص أحد فقال: أحلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن الله أحلها لي ولم يحلها للناس، وإنما أحلت لي ساعة من النهار، ثم هي حرام كحرمتها بالأمس، ثم إنكم يا خزاعة قد قتلتم هذا القتيل. من هذيل وأنا والله عاقله فمن قتل بعده قتيلا فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا العقل» (قال الشافعي): وأنزل الله جل ثناؤه {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل} فيقال - والله أعلم - في قوله {فلا يسرف في القتل} لا يقتل غير قاتله.
(قال الشافعي): في قوله تبارك وتعالى {كتب عليكم القصاص في القتلى} إنها خاصة في الحيين اللذين وصف مقاتل بن حيان وغيره ممن حكيت قوله في غير هذا الموضع، ثم أدبها أن يقتل الحر بالحر إذا قتله والأنثى بالأنثى إذا قتلها ولا يقتل غير قاتلها إبطالا لأن يجاوز القاتل إلى غيره إذا كان المقتول أفضل من القاتل كما وصفت ليس أنه لا يقتل ذكر بالأنثى إذا كانا حرين مسلمين ولا أنه لا يقتل حر بعبد من هذه الجهة إنما يترك قتله من جهة غيرها، وإذا كانت هكذا أشبه أن تكون لا تدل على أن لا يكون يقتل اثنان بواحد إذا كانا قاتلين.

(قال الشافعي): وهي عامة في أن الله عز ذكره أوجب بها القصاص إذا تكافأ دمان وإنما يتكافآن بالحرية والإسلام وعلى كل ما وصفت من عموم الآية وخصوصها دلالة من كتاب أو سنة أو إجماع.

(قال الشافعي): فأيما رجل قتل قتيلا فولي المقتول بالخيار إن شاء قتل القاتل وإن شاء أخذ منه الدية وإن شاء عفا عنه بلا دية.
(قال الشافعي): وإذا كان لولي المقتول أخذ المال وترك القصاص كره ذلك القاتل أو أحبه؛ لأن الله عز وجل إنما جعل السلطان للولي والسلطان على القاتل فكل وارث من زوجة أو غيرها سواء وليس لأحد من الأولياء أن يقتل حتى يجتمع جميع الورثة على القتل وينتظر غائبهم حتى يحضر أو يوكل وصغيرهم حتى يبلغ ويحبس القاتل إلى اجتماع غائبهم وبلوغ صغيرهم: فإن مات غائبهم أو صغيرهم أو بالغهم قبل اجتماعهم على القتل فلوارث الميت منهم في الدم والمال مثل ما كان للميت من أن يعفو أو يقتل.
(قال الشافعي): فإذا أخذ حقه من الدية فذلك له ولا سبيل له إلى الدم إذا أخذ الدية أو عفا بلا دية.
(قال الشافعي): ولو كان على المقتول دين وكانت له وصايا لم يكن لأهل الدين ولا الوصايا العوض في القتل إن أراد الورثة، فإن عفا الورثة وأخذوا الدية أو عفا أحدهم كانت الدية حينئذ مالا من ماله يكون أهل الدين أحق بها ولأهل الوصايا حقهم منها.
(قال الشافعي): ولو لم تختر الورثة القتل ولا المال حتى مات القاتل كانت لهم الدية في ماله يحاصون بها غرماءه كدين من دينه.
(قال الشافعي): ولو اختاروا القتل فمات القاتل قبل أن يقتل كانت لهم الدية في ماله؛ لأن المال إنما يبطل عنهم بأن يختاروا القتل ويقتلون فيكونون مستوفين لحقهم من أحد الوجهين، وكذلك لو قضى لهم بالقصاص بعد اختياره فمات المقضي عليه بالقصاص قبل أن يقتل كانت لهم الدية في ماله.
(قال الشافعي): ولو لم يمت القاتل ولكن رجل قتله خطأ فأخذت له

دية كانت الدية مالا من ماله لا يكون أهل القتيل الأول أحق بها من غرمائه كما لا يكونون أحق بما سواها من ماله ولهم الدية في ماله يكونون بها أسوة الغرماء (قال الشافعي): ولو جرحه رجل عمدا، ثم عفا المجروح عن الجرح وما حدث منه، ثم مات من ذلك الجرح لم يكن إلى قتل الجارح سبيل بأن المجروح قد عفا القتل فإن كان عفا عنه ليأخذ عقل الجرح أخذت منه الدية تامة؛ لأن الجرح قد صار نفسا وإن كان عفا عن العقل والقصاص في الجرح، ثم مات من الجرح فمن لم يجز الوصية للقاتل أبطل العفو وجعل الدية تامة للورثة؛ لأن هذه وصية للقاتل ومن أجاز الوصية للقاتل جعل عفوه عن الجرح وصية يضرب بها القاتل في الثلث مع أهل الوصايا وقال فيما زاد من الدية على عقل الجرح قولين أحدهما له مثل عقل الجرح؛ لأنه مال من ماله ملك عنه والآخر لا يجوز؛ لأنه لا يملك إلا بعد موته عنه.
(قال الشافعي): ولو قتل نفر رجلا عمدا كان لولي القتل أن يقتل في قول من قتل أكثر من واحد بواحد - أيهم أراد ويأخذ ممن أراد منهم الدية بقدر ما يلزمه منها كأنهم كانوا ثلاثة فعفا عن واحد فيأخذ من الاثنين ثلثي الدية أو يقتلهما إن شاء.
(قال الشافعي): وإذا كانوا نفرا فضربوه معا فمات من ضربهم، وأحدهم ضارب بحديدة والآخر بعصا خفيفة والآخر بحجر أو سوط فمات من ذلك كله وكلهم عامد للضرب فلا قصاص فيه من قبل أني لا أعلم بأي الضرب كان الموت وفي بعض الضرب ما لا قود فيه بحال وعلى العامد بالحديد حصته من الدية في ماله وعلى الآخرين حصتهما على عاقلتهما (قال الشافعي): وكذلك لو كان فيهم واحد رمى شيئا فأخطأ به فأصابه معهم كانت على جميع العامدين بالحديد - الدية في حصصهم في أموالهم حالة وعلى عاقلة المخطئ بالحديدة حصته من الدية كما تكون دية الخطأ (قال الشافعي): ولو عفا المقتول عن هؤلاء.
كلهم كان القول فيمن لا يجيز للقاتل وصية أو من يجيزها كما وصفت، وقال في الذي يشركهم بخطأ قولين: أحدهما أن الوصية للعاقلة لا للقاتل فجميع ما أصاب العاقلة من حصة صاحبهم من الدية وصية لهم جائزة من الثلث والآخر أن لا تجوز له وصية؛ لأنها لا تسقط عن العاقلة إلا بسقوطها عنه فهي وصية للقاتل.
(قال الربيع) القول الثاني أصح عندي.
(قال الشافعي): والقول في الرجل يجرح الرجل جرحا يكون في مثله قصاص فيبرأ المجروح منه أن للمجروح في جرحه مثل ما كان لأوليائه في قتله من الخيار فإن شاء استقاد من جرحه، وإن شاء أخذ عقل الجرح من مال الجارح حالا يكون غريما من الغرماء يحاص أهل الدين.
(قال الشافعي): وما أصابه من جرح عمدا لا قصاص فيه فعقله في مال الجارح حال.
(قال الشافعي): ولو جنى رجل على رجل جنايات كان له أن يستقيد مما أراد ويأخذ العقل مما أراد منها، وكذلك لو جنى عليه نفر كان له أن يستقيد من بعضهم ويأخذ من بعض العقل.
(قال الشافعي): ولو كان القاتل أو الجارح عبدا أو ذميا أو حرا مسلما كان لولي المقتول وللمجروح في نفسه على الجاني القصاص أو اختيار العقل من العبد والذمي فإن اختاروه أو اختاره فاقتصوا أو اقتص فلا شيء لهم غير القصاص فإن اختاروا أو اختار العقل فذلك في مال الذمي حال يكونون في ماله غرماء له وفي عتق العبد كاملا يباع فيه فإن بلغ العقل كاملا فذلك لولي الدم أو المجروح وإن لم يبلغ لم يلزم سيده منه شيء وإن زاد ثمن العبد على العقل رد إلى سيد العبد وإن شاء سيد العبد قبل هذا كله أن يؤدي عقل النفس أو الجرح متطوعا غير مجبور عليه لم يبع عليه عبده وقد أدى جميع ما في عنقه.
(قال الشافعي): ولو كان.

الجاني عبدا على عبد كان لسيد العبد الخيار في القصاص أو العقل وليس للعبد في ذلك خيار إن كانت الجناية جرحا برئ منه، وسواء كان العبد مرهونا أو غير مرهون إلا أنه إذا أخذ له عقلا وهو مرهون خير بين أن يدفع ما أخذ له من العقل رهنا إلى المرتهن أو يجعله قصاصا من دينه ولا يمنع القصاص قول المرتهن إنما جعلت عليه إذا أخذ العقل أن يجعله رهنا أو قصاصا؛ لأنه يقوم مقام بدن العبد إن مات أو نقص بدنه لنقص الجراح له وإن لم يمت وسواء هذا في المدبر وأم الولد لمالك المملوك في هذا كله فأما المكاتب فذلك إليه دون سيده يقتص إن شاء أو يأخذ الدية فإن أخذ الدية خلى بينه وبينها كما يخلى بينه وبين ماله.
(قال أبو محمد الربيع) وفي المكاتب يجنى عليه جناية فيها قصاص أنه ليس له أن يقتص من قبل أنه قد يعجز فيصير رقيقا فيكون قد أتلف على سيده المال الذي هو بدل من القصاص وله أن يأخذ العقل ويكون أولى به من السيد يستعين به في كتابته.
(قال الشافعي): وإذا اختار العقل في قتل العمد الذي فيه القصاص فهو حال في النفس وما دونها وكل عمد وإن كان ديات في مال الجاني موسرا كان أو معسرا لا تحمل العاقلة من قتل العمد شيئا.

(قال الشافعي): وإن أحب الولاة أو المجروح العفو في القتل بلا مال ولا قود فذلك لهم فإن قال قائل: فمن أين أخذت العفو في القتل بلا مال ولا قود؟ قيل من قول الله جل ثناؤه {فمن تصدق به فهو كفارة له} ومن الرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أن في العفو عن القصاص كفارة أو قال شيئا يرغب به في العفو عنه، فإن قال قائل فإنما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين إن أحبوا فالقود وإن أحبوا فالعقل» قيل له: نعم هو فيما يأخذون من القاتل من القتل، والعفو بالدية والعفو بلا واحد منهما ليس بأخذ من القاتل إنما هو ترك له كما قال «ومن وجد عين ماله عند معدم فهو أحق به» ليس أن ليس له تركه ولا ترك شيء يوجب له إنما يقال هو له، وكل ما قيل له أخذه فله تركه.
(قال الشافعي): وإذا قتل الرجل الرجل عمدا، ثم مات القاتل فالدية في مال القاتل؛ لأنه يكون لأولياء المقتول أن يأخذوا أيهما شاءوا إلا أن حقهم في واحد دون واحد فإذا فات واحد فحقهم ثابت في الذي كان حقهم فيه إن شاءوا وهو حي.
(قال الشافعي): وكذلك للرجل إذا جرحه الرجل الخيار في القصاص في الجرح فإن مات الجارح فله عقل الجرح إن شاء حالا كما وصفت في مال الجارح. (قال الشافعي): وسواء أي ميتة مات القاتل والجارح بقتل أو غيره فدية المقتول الأول، وجرحه في ماله.
فإن جرح رجل جراحات في كلها قصاص فللمجروح الخيار في كل جرح منها كما يكون في جرح واحد لو جرحه إياه وإن شاء اقتص من بعضها وأخذ الدية من بعضها وإن شاء ذلك في كلها فهو له (قال الشافعي): كأنه قطع يديه ورجليه وأوضحه فإن شاء قطع له يدا ورجلا وأخذ عقل يد ورجل وإن شاء أوضحه وإن شاء أخذ أرش الموضحة إذا كان له الخيار في كل كان له الخيار في بعض.
(قال الشافعي): وكذلك ورثة المقتول والمجروح بعد موته إن أحبوا اقتصوا للميت من النفس أو الجرح إن لم يكن نفسه وإن أحبوا أخذوا العقل وإن أحبوا إذا كانت جراح ولم يكن نفس أن يأخذوا أرش بعض الجراح ويقتصوا من بعض كان لهم.
(قال الشافعي): ومن قتل اثنين بواحد أو أكثر بواحد فقتل عشرة رجلا عمدا فلأولياء المقتول أن يقتلوا من شاءوا منهم وأن يأخذوا الدية ممن شاءوا فإذا أخذوا الدية لم يكن لهم أن يأخذوا من واحد إلا عشر الدية وإذا كانت الدية فإنما يغرمها الرجل على قدر من شركه فيها وهي خلاف القصاص.

(قال الشافعي): وإن قطع رجل يدي رجل ورجليه، ثم مات المقطوعة يداه ورجلاه من تلك الجراح فأراد ورثته القصاص كان لهم أن يصنعوا ما صنع بصاحبه وإن أرادوا أن يقتلوه ويأخذوا أرشا فيما صنع به لم يكن لهم وإذا كانت.

النفس فلا أرش للجراح لدخول الجراح في النفس ولهم أن يأخذوا دية النفس كلها ويدعوا القصاص.
(قال الشافعي): ولو أرادوا أن يقطعوا يديه ورجليه أو يديه دون رجليه أو بعض أطرافه التي قطع منه ويدعوا قتله كان ذلك لهم إذا قضيت لهم بأن يفعلوا ذلك ويقتلوه قضيت لهم بأن يفعلوا ذلك به ويدعوا قتله فإن قالوا نقطع يديه، ثم نأخذ منه دية أو بعضها لم يكن ذلك لهم وقيل إذا قطعتم يديه فقد أخذتم منه ما فيه الدية فلا يكون لكم عليه زيادة إلا القطع أو القتل فأما مال فلا ولو قطعوا له يدا أو رجلا ثم قالوا نأخذ نصف الدية كان لهم ذلك؛ لأنه لو قطع يديه فأرادوا أخذ القود من يد والأرش من أخرى كان لهم ذلك ولا يكون لهم ذلك حتى يبرأ.

(قال الشافعي): ولو كانت المسألة بحالها فجرحه جائفة مع قطع يديه ورجليه فمات فقال ورثته: نجرحه جائفة ونقتله لم يمنعوا ذلك، وإن أرادوا تركه بعدها تركوه ولو قالوا على الابتداء: نجرحه جائفة ولا نقتله لم يتركوا، وذلك أنهم إنما يتركون إذا قالوا نقتله بما يقاد منه في الجناية وأما ما لا يقاد منه فلا يتركون وإياه.
ولاة القصاص
(قال الشافعي): - رحمه الله - قال الله تعالى {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل} (قال الشافعي): فكان معلوما عند أهل العلم ممن خوطب بهذه الآية أن ولي المقتول من جعل الله تعالى له ميراثا منه وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين إن أحبوا فالقود وإن أحبوا فالعقل» ولم يختلف المسلمون فيما علمته في أن العقل موروث كما يورث المال، وإذا كان هكذا فكل وارث ولي الدم كما كان لكل وارث ما جعل الله له من ميراث الميت زوجة كانت له أو ابنة أو أما أو ولدا أو والدا لا يخرج أحد منهم من ولاية الدم إذا كان لهم أن يكونوا بالدم مالا كما لا يخرجون من سواه من ماله.
(قال الشافعي): فإذا قتل رجل رجلا فلا سبيل إلى القصاص إلا بأن يجمع جميع ورثة الميت من كانوا وحيث كانوا على القصاص فإذا فعلوا فلهم القصاص وإذا كان على الميت دين ولا مال له أو كانت له وصايا كان للورثة القتل وإن كره أهل الدين والوصايا؛ لأنهم ليسوا من أوليائه وأن الورثة إن شاءوا ملكوا المال بسببه وإن شاءوا ملكوا القود، وكذلك إن شاءوا عفوا على غير مال ولا قود؛ لأن المال لا يملك بالعمد إلا بمشيئة الورثة أو بمشيئة المجني عليه إن كان حيا وإذا كان في ورثة المقتول صغار أو غيب لم يكن إلى القصاص سبيل حتى يحضر الغيب ويبلغ الصغار فإذا اجتمعوا على القصاص فذلك لهم وإذا كان في الورثة معتوه فلا سبيل إلى القصاص حتى يفيق أو يموت فتقوم ورثته مقامه وأي الورثة كان بالغا فعفا بمال أو بلا مال سقط القصاص وكان لمن بقي من الورثة حصته من الدية، وإذا سقط القصاص صارت لهم الدية.
(قال الشافعي): وإذا كان للدم وليان فحكم لهما بالقصاص أو لم يحكم حتى قال أحدهما: قد عفوت القتل لله أو قد عفوت عنه أو قد تركت الاقتصاص منه أو قال القاتل: اعف عني فقال قد عفوت عنك فقد بطل القصاص عنه وهو على حقه من الدية وإن أحب أن يأخذه به أخذه؛ لأن عفوه عن القصاص غير عفوه عن المال إنما هو عفو أحد الأمرين دون الآخر قال الله تعالى {فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان} يعني من عفي له

عن القصاص.

(قال الشافعي): ولو قال قد عفوت عنك القصاص والدية لم يكن له قصاص ولم يكن له نصيب من الدية ولو قال قد عفوت ما لزمك لي لم يكن هذا عفوا للدية وكان عفوا للقصاص وإنما كان عفوا للقصاص دون المال ولم يكن عفوا للمال دون القصاص ولا لهما؛ لأن الله عز وجل حكم بالقصاص، ثم قال {فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف} فاعلم أن العفو مطلقا إنما هو ترك القصاص؛ لأنه أعظم الأمرين وحكم بأن يتبع بالمعروف يؤدي إليه المعفو له بإحسان وقوله ما يلزمك لي على القصاص اللازم كان له وهو محكوم عليه إذا عفي له عن القصاص بأن يؤدي إليه الدية حتى يعفوها صاحبها ولو قال قد عفوت عنك الدية لم يكن هذا عفوا له عن القصاص؛ لأنه ما كان مقيما على القصاص فالقصاص له دون الدية وهو لا يأخذ القصاص والدية، وكذلك لو قال قد عفوت عن الدية، ثم مات القاتل فإن له أخذ الدية؛ لأنه عفا عنها وليست له إنما تكون له بعد عفوه عن القصاص، وإن عفا الولي عن الدية والقصاص وعليه دين جاز عفوه، ولو عفاهما في مرضه الذي مات فيه كان عفوه جائزا وكان عفوه حصته من الدية وصية.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 01-05-2023, 06:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس

الحلقة (241)
صــــــــــ 47 الى صـــــــــــ 51





وإذا قتلت المرأة من عليها في قتله
القود فذكرت حملا أو ريبة من حمل حبست حتى تضع حملها، ثم أقيد منها حين تضعه وإن لم يكن لولدها مرضع فأحب إلي أن لو تركت بطيب نفس ولي الدم يوما أو أياما حتى يوجد له مرضع فإن لم يفعل قتلت له وإن ولدت وجدت تحركا انتظرت حتى تضع التحرك أو يعلم أن ليس بها حمل، وكذلك إذا لم يعلم أن بها حملا فادعته انتظر بالقود منها حتى تستبرأ ويعلم أن لا حبل بها ولو عجل الإمام فأقص منها حاملا فقد أثم ولا عقل عليه حتى تلقي جنينها فإن ألقته ضمنه الإمام دون المقتص وكان على عاقلته لا بيت المال، وكذلك لو قضى بأن يقتص منها، ثم رجع فلم يبلغ المأمور حتى اقتص منها ضمن الإمام جنينها وأحب إلي للإمام أن يكفر.
تحول حال المشرك يجرح حتى إذا جني عليه وحال الجاني
(قال الشافعي)
: - رحمه الله - ولو أن نصرانيا جرح نصرانيا، ثم أسلم الجارح ومات المجروح من جراحه بعد إسلام الجارح كان لورثة النصراني عليه القود وليس هذا قتل مؤمن بكافر منهيا عنه إنما هذا قتل كافر بكافر إلا أن الموت استأخر حتى تحولت حال القاتل وإنما يحكم للمجني عليه على الجاني وإن تحولت حال المجني عليه ولا ينظر إلى تحول حال الجاني بحال وهكذا لو أسلم المجروح دون الجارح أو المجروح والجارح معا كان عليه القود في الأحوال كلها.
ولو أن نصرانيا جرح حربيا مستأمنا، ثم تحول الحربي إلى دار الحرب وترك الأمان فمات فجاء ورثته يطلبون الحكم خيروا بين القصاص من الجارح أو أرشه إذا كان الجرح أقل من الدية ولم يكن لهم القتل؛ لأنه مات من جرح في حال لو ابتدئ فيها قتله لم يكن على عاقلته فيها قود فأبطلنا زيادة الموت لتحول حال المجني عليه إلى أن يكون مباح الدم وهو خلاف للمسألة قبلها؛ لأن المجني عليه تحولت حاله دون الجاني ولو كانت المسألة بحالها والجراح أكثر من النفس كأن فقأ عينه وقطع يديه ورجليه، ثم لحق بدار الحرب فسألوا القصاص من الجاني فذلك لهم؛ لأن ذلك كان للمجني عليه يوم الجناية أو ذلك وزيادة الموت فلا أبطل القصاص بسقوط زيادة الموت على الجاني، وإن سألوا الأرش جعلت لهم على الجاني في كل حال من هذه الأحوال الأقل من دية جراحه أو دية النفس؛ لأن دية جراحه قد نقصت بذهاب النفس لو مات منها في دار الإسلام على أمانه فإذا أرادوا الدية لم أزدهم على دية النفس فلا يكون تركه عهده زائدا له في أرشه، ولو لحق بدار الحرب في أمانه كما هو حتى يقدم وتأتي له مدة فمات بها كان كموته في دار الإسلام؛ لأن جراحه عمد ولم يكن كمن مات تاركا للعهد؛ لأن رجلا لو قتله عامدا ببلاد الحرب وله أمان يعرفه ضمنه.
(قال الشافعي): ولو جرحه ذمي في بلاد الإسلام، ثم لحق بدار الحرب، ثم رجع إلينا بأمان فمات من الجراح ففيها قولان: أحدهما أن على الذمي القود إن شاء ورثته أو الدية تامة من قبل أن الجناية والموت كانا معا وله القود ولا ينظر إلى ما بين الحالين من تركه الأمان، والقول الثاني أن له الدية في النفس ولا قود؛ لأنه قد صار في حال لو مات فيها أو قتل لم تكن له دية ولا قود.
(قال الشافعي): وله الدية تامة في الحالين لا ينقص منها شيئا.
ولو جرح ذمي حربيا مستأمنا فترك الأمان ولحق بدار الحرب فأغار المسلمون عليه.
فسبوه ثم مات بعد ما صار في أيدي المسلمين سبيا فلا قود فيه؛ لأنه مات مملوكا فلا يقتل حر بمملوك وعلى الذمي الأقل من قيمته عبدا أو قيمة الجراح حرا كأنه قطع يده فكانت فيه إن كان نصرانيا ستة عشر من الإبل وثلثا بعير وهي نصف ديته أو كان مجوسيا أو وثنيا ففي يده نصف ديته، ثم مات وقيمته مثل نصف ديته فسقط الموت؛ لأنه لم يحدث به زيادة، وجميع الأرش لورثة المستأمن؛ لأنه استوجبه بالجرح وهو حر فكان مالا له أمان أو كأنه قطعت يده وديته ثلاث وثلاثون وثلث، ثم مات مملوكا وقيمته خمس من الإبل فعلى جارحه خمس من الإبل؛ لأن اليد صارت تبعا للنفس كما يجرح المسلم فيكون فيه ديات لو عاش ولو مات كانت ديته واحدة ويجرح موضحة فيموت فيكون فيها دية كما تكون الزيادة على الجارح بزيادة النفس، فكذلك يكون النقص بذهابها.
(قال الشافعي)
: وإذا لم تكن بالنفس زيادة فجميع الأرش لورثة المستأمن؛ لما وصفت أنه استوجبه وهو حر لما له أمان يعطاه ورثته في دار الحرب وهكذا لو قطعت يداه ورجلاه وفقئت عيناه، ثم لحق بدار الحرب، ثم مات وقيمته أقل مما وجب له بالجراح لو عاش كان على جارحه الأقل من الجراح والنفس وكان ذلك لورثته ببلاد الحرب.
(قال الشافعي): ولو جرح ذمي مستأمنا فأوضحه، ثم لحق المجروح بدار الحرب، ثم سبي فصار رقيقا، ثم مات وقيمته عشرون من الإبل وإنما وجب له بالموضحة التي أوضح منها ثلث موضحة مسلم كان أرش موضحته لورثته، وأما الزيادة من قيمته ففيه قولان: أحدهما أنه يسقط عن الجاني بلحوق المجني عليه ببلاد الحرب، والآخر أن الزيادة لمالكه؛ لأن الجناية والموت كانا وهو ممنوع؛ ولأنه ملكه بالموت، وذلك ملك للسيد.
(قال الشافعي): ولو كانت المسألة بحالها فأسلم في يدي سيده ثم مات كانت هكذا؛ لأن الإسلام يزيد في قيمته فتحسب الزيادة في قول من ألزمه إياها وتسقط في قول من أسقطها بلحوقه ببلاد الحرب.
(قال الشافعي): ولو أعتقه سيده، ثم مات حرا كان على جارحه الأقل من أرش الجناية وديته؛ لأنه جني عليه حرا ومات حرا في قول من يسقط الزيادة عن الجاني بلحوق المجني عليه ببلاد الحرب ويلزمه الزيادة إن كان في الموت في قول من يبطل الزيادة بلحوقه بدار الحرب.
(قال الشافعي): ولو كانت المسألة بحالها فأسلم وأعتقه سيده فمات مسلما حرا ضمن قاتله الأقل من أرش الجناية ودية حر؛ لأن أصل الجناية كان ممنوعا في قول من يسقط الزيادة بلحوقه بدار الحرب، وضمنه زيادة الموت في قول من لا يسقطها عنه بلحوقه بدار الحرب. ومن قال هذا قال في نصراني جرح، ثم أسلم فمات ففيه دية مسلم
(قال الشافعي): ولو كانت المسألة بحالها وكان القاتل مسلما كان مثل هذا في الجواب إلا أنه لا يقاد مشرك من مسلم.
(قال الشافعي): وإذا ضرب الرجل رجلا فقطع يده، ثم برأ، ثم ارتد فمات فلوليه القصاص في اليد؛ لأن الجراحة قد وجبت للضرب والبرء وهو مسلم.
الحكم بين أهل الذمة في القتل
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وإذا قتل الذمي الذمية أو الذمي أو المستأمن أو المستأمنة أو جرح بعضهم بعضا فذلك كله سواء فإذا طلب المجروح أو ورثة المقتول حكمنا عليهم بحكمنا على أهل الإسلام فيما بينهم لا يختلف فنجعل القود بينهم كما نجعله بين المسلمين في النفس وما دونها ونجعل ما كان عمدا لا قود فيه في مال الجاني وما كان خطأ على عاقلة الجاني إذا كانت له عاقلة فإن لم تكن له عاقلة كان ذلك في ماله ولم يعقل عنه أهل دينه؛ لأنهم لا يرثونه ولا المسلمون؛ لأنه ليس بمسلم وإنما يأخذون ماله إذا لم يكن له وارث فيئا.
(قال الشافعي): ويقتص الوثني والمجوسي والصابئي والسامري من اليهود
والنصارى، وكذلك يقتص نساؤهم منهم ونجعل الكفر كله ملة وكذلك نورث بعضهم من بعض للقرابة ويقتص المستأمن من هؤلاء من المعاهدين؛ لأن لكل ذمة ولا تفاوت بين المشركين فنمنع به بعضهم من بعض بالقصاص كفوت المسلمين لهم.
(قال الشافعي): وهكذا يحكم على الحربي المستأمن إذا جنى يقتص منه ويحكم في ماله بأرش العمد الذي لا يقتص منه وإن لم يكن له عاقلة إلا عاقلة حربية لا ينفذ حكمنا عليهم جعلنا الخطأ في ماله كما نجعله في مال من لا عاقلة له من أهل الذمة، وهكذا نحكم عليهم إذا أصابوا مسلما بقتل أو جرح لا يختلف ذلك.
(قال الشافعي): وإن أصاب أهل الذمة حربيا لا أمان له لم يحكم عليهم فيه بشيء ولو طلبت ورثته؛ لأن دمه مباح
(قال الشافعي): وهكذا لو كان القاتل حربيا مستأمنا إلا أنا إذا لم تود عاقلة الحربي عنه أرش الخطأ كما حكمنا به في ماله.
(قال الشافعي): ولو لحق الحربي الجاني بعد الجناية بدار الحرب، ثم رجع مستأمنا حكمنا عليه؛ لأن الحكم لزمه أولا ولا يسقط عنه بلحوقه بدار الحرب
(قال الشافعي): ولو مات ببلاد الحرب بعد الجناية وعندنا له مال كان له أمان أو ورد علينا وهو حي مال له أمان أخذنا من ماله أرش الجناية لوليها؛ لأنه وجب في ماله فمتى أمكننا أعطينا ما وجب عليه في ماله من ماله ولو أمنا له ماله على أن لا نأخذ منه ما لزمه لم يكن ذلك له إذا كان عليه أن يأخذ منه ما لزمه.
(قال الشافعي): وكذلك لو جنى وهو عندنا جنايات، ثم لحق بدار الحرب، ثم أمناه على أن لا نحكم عليه حكمنا عليه وكان ما أعطيناه من الأمان على ما وصفنا باطلا لا يحل وهكذا لو سبي وأخذ ماله وقد كان له عندنا في الأمان دين؛ لأن ماله لم يغنم إلا وللمجني عليه فيه حق كالدين وسواء إن أخذ ماله قبل أن يسبى أو مع السبي أو بعده، ألا ترى أنه لو كان عليه دين، ثم لحق بدار الحرب فغنم ماله وسبي أو لم يسب أخذنا الدين من ماله ولم يكن هذا بأكثر من الرجل يدان الدين، ثم يموت فنأخذ الدين من ماله بوجوبه فليس الغنيمة لماله بأكثر من الميراث لو ورثه المسلم أو ذمي عليه دين؛ لأن الله عز وجل جعل للورثة ملك الموتى بعد الدين، وكذلك الغنائم؛ لأنهم خولوها بأن أهلها أهل دار حرب، وكذلك لو جنى وهو مستأمن، ثم لحق ببلاد الحرب ناقضا للأمان، ثم أسلم بدار الحرب فأحرز ماله ونفسه حكم عليه بالجناية والدين الذي لزمه في دار الإسلام.
(قال الشافعي): وكل هذا لا يخالف الأمان يملك وهو رقيق؛ لأن الرقيق لا يملك إلا لسيده، وهو في هذه الأحوال كلها مالك لنفسه ويخالف لأن يجنى عليه وهو محارب غير مستأمن ببلاد الحرب وجنايته كلها في هذه الأحوال هدر.
(قال الشافعي): ولو جنى مسلم جناية فلزمته في ماله ثم ارتد ولحق بدار الحرب فكان حيا أو ميتا أو قتل على الردة كانت الجناية في ماله ولم يغنم من ماله شيء حتى تؤدى جنايته وما لزمه في ماله.
(قال الشافعي): وإذا جنى الذمي على نصراني فتمجس النصراني بعد ما يجنى عليه ثم مات مجوسيا فقد قيل: فعلى الجاني الأقل من أرش جراح النصراني ومن دية المجوسي وقيل: عليه دية مجوسي أو القود من الذمي الذي جنى عليه؛ لأنه كافر، وإن تمجس فهو ممنوع الدم بالعقد المتقدم وليس كالمسلم يرتد؛ لأن رجلا لو قتل المسلم مرتدا لم يكن عليه شيء وهذا لو قتل مرتدا عن كفر إلى كفر كان على قاتله الدية إن كان مسلما والقود إن كان كافرا.
(قال الشافعي): وهكذا إن جنى نصراني فتزندق أو دان دينا لا تؤكل ذبيحة أهله وقد قيل على الجاني عليه إذا غرم
الدية: الأقل من أرش ما أصابه نصرانيا ودية مجوسي وقيل عليه دية مجوسي.
(قال الشافعي): ولو جني عليه نصرانيا فتهود أو يهوديا فتمجس فقد قيل: عليه الأقل من قيمة جرحه نصرانيا أو ديته مجوسيا وقيل: عليه دية مجوسي وكان كرجوعه إلى المجوسية؛ لأنه يرتد عن دينه الذي كان يقر عليه إلى دين لا يقر عليه.
(قال الشافعي): وإذا جنى النصراني على النصراني أو المشرك الممنوع الدم خطأ فعلى عاقلته أرش جنايته، وإن ارتد النصراني الجاني عن النصرانية إلى مجوسية أو غيرها فمات المجني عليه غرمت عاقلة الجاني الأقل من أرش الجناية وهو نصراني أو دية مجوسي؛ لأنهم كانوا ضمنوا أرش الجرح وهو على دينهم فإن كان الجرح موضحة فمات منها المجني عليه بعد أن يرتد الجاني إلى غير النصرانية ضمنت عاقلته أرش موضحة وضمن في ماله زيادة النفس على أرش الموضحة فإن لم تزد النفس على الموضحة بشيء حتى تحول حال المجني عليه إلى غير دينه ضمنت العاقلة كما هي أرش الموضحة للزومها لها يوم جنى صاحبها.
(قال الشافعي): ولو جنى نصراني على مسلم أو ذمي موضحة، ثم أسلم الجاني ومات المجني عليه ضمنت عاقلته من النصارى أرش الموضحة وضمن الجاني في ماله الزيادة على أرش الموضحة لا يعقل عاقلة النصراني ما زادت جنايته وهو مسلم لقطع الولاية بين المسلمين والمشركين وتغرم ما لزمها من جراحه وهو على دينها ولا يعقل المسلمون عنه زيادة جنايته؛ لأن الجناية كانت وهو مشرك والموت بالجناية كان وهو مسلم، وهكذا لو أسلم هو وعاقلته لم يعقلوا إلا ما لزمهم وهو على دينهم.(قال الشافعي): ولو جنى نصراني على رجل خطأ، ثم أسلم النصراني الجاني فلم يطلب الرجل جنايته إلا والجاني مسلم فإن قالت له عاقلته من النصارى جنى عليك مسلما وقال المسلمون: جنى عليك مشركا كان القول قولهم معا في أن لا يضمنوا عنه مع إيمانهم وكانت الدية في مال الجاني إلا أن تقوم بينة بحاله يوم جنى فتعقل عنه عاقلته من النصارى إن كان نصرانيا ما لزمه في النصرانية ويكون ما بقي في ماله أو بينة بأنه جنى مسلما فيعقل عنه المسلمون إن كان له فيهم عاقلة.وإذا رمى النصراني إنسانا فلم تقع رميته حتى أسلم فمات المرمي لم تعقل عنه عاقلته من النصارى؛ لأنه لم يجن جناية لها أرش حتى أسلم ولا المسلمون؛ لأن الرمية كانت وهو غير مسلم وكانت الجناية في ماله.
(قال الشافعي): ولو أن نصرانيا تهود أو تمجس، ثم جنى لم تعقل عنه عاقلته من النصارى؛ لأنه على دين لا يقر عليه ولا اليهود ولا المجوس؛ لأنه لا يقر على اليهودية ولا المجوسية معهم وكان العقل في ماله، وهكذا لو رجع إلى دين غير دين النصرانية من مجوسية أو غيرها ولا تعقل عنه إذا بدل دينه عاقلة واحد من النصفين إلا أن يسلم ثانية، ثم يجني فيعقل عنه المسلمون بالولاية بينه وبينهم
(قال الشافعي): وإذا جنى الرجل مجوسيا فقتل، ثم أسلم الجاني بعد القتل ومات المجني عليه ضمن عنه المجوس الجناية؛ لأنها عاقلته من المجوس كانت وهو مجوسي إذا كانت الجناية خطأ فإن كانت الجناية عمدا فهي في مال الجاني ولا تضمن عاقلة مجوسي ولا مسلم إلا ما جنى خطأ تقوم به بينة.
(قال الربيع) وفيها قول آخر: أنه إذا قتل وهو نصراني فقتل نصرانيا ثم أسلم أن عليه القود؛ لأن النفس المقتولة كانت مكافئة بنفس القاتل حين قتل وليس إسلامه الذي يزيل عنه ما قد وجب عليه قبل أن يسلم.
(قال الشافعي): والقود بين كل كافرين لهما عهد سواء كانا ممن يؤدي الجزية أو أحدهما مستأمن أو كلاهما؛ لأن كلا له عهد ويقاد المجوسي من النصراني واليهودي، وكذلك كل واحد من المشركين ممنوع الدم يقاد من غيره وإن كان أكثر دية منه كما يقاد الرجل من المرأة والمرأة من الرجل والرجل أكثر دية منها والعبد من العبد وهو أكثر ثمنا منه.
ردة المسلم قبل يجني وبعد ما يجني وردة المجني عليه بعد ما يجنى عليه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -)
: وإذا جنى المسلم على رجل مسلم عمدا فقطع يده، ثم ارتد الجاني ومات المجني عليه أو قتله، ثم ارتد القاتل بعد قتله لم تسقط الردة عنه شيئا ويقال لأولياء القتيل: أنتم مخيرون بين القصاص أو الدية فإن اختاروا الدية أخذت من ماله حالة وإن اختاروا القصاص استتيب المرتد فإن تاب قتل بالقصاص وإن لم يتب قيل لورثة المقتول: إن اخترتم الدية فهي لكم وهو يقتل بالردة وإن أبوا إلا القتل قتل بالقصاص وغنم ماله؛ لأنه لم يتب قبل موته.
(قال الشافعي): ولو كان قتله الرجل قبل يرتد الجاني خطأ كان على عاقلته من المسلمين فإن جرحه مسلما، ثم ارتد الجاني فمات المجني عليه بعد ردة الجاني ضمنت العاقلة نصف الدية ولم تضمن الزيادة التي كانت بالموت بعد ردة الجاني فكان ما بقي من الدية في ماله، وكذلك لو كانت جنايته موضحة ضمنت العاقلة نصف عشر الدية وضمن المرتد ما بقي من الدية في ماله، وكذلك لو كانت جنايته الدية فأكثر، ثم ارتد فمات المجني عليه ضمنت العاقلة الدية كلها؛ لأنها كانت ضمنتها والجاني مسلم ولم يزد الموت بعد ردة صاحبها عليها شيئا إنما يغرم بالموت ما كان يغرم بالحياة أو أقل.
(قال الشافعي): ولو جنى وهو مسلم فقطع يدا، ثم ارتد ثم أسلم، ثم مات ومات المجني عليه ضمنت العاقلة نصف الدية ولم يضمنوا الموت؛ لأن الجاني ارتد فسقط عنهم أن يعقلوا عنه كما لو كان مرتدا فجنى لم يعقلوا عنه ما جنى. فأما ما تولد من جنايته وهو مرتد ففي ماله.
(قال الشافعي): وفيها قول آخر: أن يعقلوا عنه؛ لأن الجناية والموت كان وهو مسلم.
(قال الربيع) والقول الثاني أصحهما عندي.
(قال الشافعي): وإذا جنى الرجل الذي قد عرف إسلامه جناية فادعت عاقلته أنه جنى مرتدا فعليهم البينة فإن أقاموها سقط عنهم العقل وكان في ماله وإن لم يقيموها لزمهم العقل (قال الشافعي): ولو كان حين رفع الجناية إلى الحاكم مرتدا فمات فقالت العاقلة: جنى وهو مرتد كان القول قولهم مع أيمانهم حتى تقوم البينة بأن الجناية كانت وهو مسلم، ولو جنى جناية، ثم قام بينة أنه ارتد، ثم عاد إلى الإسلام ولم يوقت وقتا كان القول قول العاقلة إلا أن تقوم بينة أنه جنى وهو مسلم.
وإذا ارتد الرجل عن الإسلام، ثم رمى بسهم فأصاب به رجلا خطأ ولم يقع به السهم حتى رجع المرتد إلى الإسلام لم تعقل العاقلة عنه شيئا وكانت الجناية عليه في ماله؛ لأن مخرج الرمية كان وهو ممن لا يعقل عنه وإنما يقضى بالجناية على العاقلة إذا كان مخرجها وموقعها والرجل يعقل.
ردة المجني عليه وتحول حاله
(قال الشافعي): وإذا ارتد الرجل عن الإسلام فرماه رجل ولم تقع الرمية به حتى أسلم فمات منها أو جرحه بالرمية فلا قصاص على الرامي؛ لأن الرمية كانت وهو ممن لا عقل ولا قود وعليه الدية في ماله حالة إن مات وأرش الجرح إن لم يمت حالا؛ لأنه عمد ولا تسقط الدية؛ لأن مخرج الرمية كانت وهو مرتد كما لو أن رجلا رمى رجلا، ثم أحرم فأصابت الرمية بعد الإحرام صيدا ضمنه ولم يكن في أقل من
معنى أن يرمي غرضا فيصيب رجلا وهكذا لو رمى نصرانيا أو مجوسيا فأسلم المرمي قبل أن تقع الرمية لم يقد لخروج الرمية وهو غير مسلم وكانت عليه دية مسلم إن مات من الرمية أو أرش مسلم إن جرحت ولم يمت منها.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 02-05-2024, 06:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس

الحلقة (251)
صــــــــــ 101 الى صـــــــــــ 106



عدد الأيمان على كل حالف

(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا يجب على أحد حق في القسامة حتى تكمل أيمان الورثة

خمسين يمينا وسواء كثر الورثة أو قلوا وإذا مات الميت وترك وارثا واحدا أقسم خمسين يمينا واستحق الدية وإن ترك وارثين أو أكثر فكان أحدهما صغيرا أو غائبا أو مغلوبا على عقله أو حاضرا بالغا فلم يحلف فأراد أحدهما اليمين لم يحبس على غائب ولا صغير ولم يبطل حقه من ميراثه من دمه بامتناع غيره من اليمين ولا إكذابه دعوى أخيه ولا صغره وقيل للذي يريد اليمين: أنت لا تستوجب شيئا من الدية على المدعى عليهم ولا على عواقلهم إلا بخمسين يمينا فإن شئت أن تعجل فتحلف خمسين يمينا وتأخذ نصيبك من الميراث لا يزاد عليه قبلت منك وإن امتنعت فدع هذا حتى يحضر معك وارث تقبل يمينه فتحلفان خمسين يمينا أو ورثته فتكمل أيمانكم خمسين يمينا كل رجل منكم بقدر ما يجب عليه من الأيمان أو أكثر ولا يجوز أن يزاد على وارث في الأيمان على قدر حصته من الميراث إلا في موضعين: أحدهما ما وصفت من أن يغيب وارث أو يصغر أو ينكل فيريد أحد الورثة اليمين فلا يأخذ حقه إلا بكمال خمسين يمينا فيزاد عليه في الأيمان في هذا الموضع ولا يجبر على الأيمان أو يدع الميت ثلاث بنين فتكون حصة كل واحد منهم سبعة عشر يمينا إلا ثلث يمين فلا يجوز في اليمين كسر ولا يجوز أن يحلف واحد ستة عشر يمينا وعليه ثلثا يمين ويحلف آخر سبعة عشر ولا سبعة عشر وزيادة ويحلف كل واحد منهم سبعة عشر يمينا فيكون عليهم زيادة يمين بينهم، وهكذا من وقع عليه أو له كسر يمين جبرها وإن لم يدع القتيل وارثا إلا ابنه أو أباه أو أخاه أجزأه أن يحلف خمسين يمينا؛ لأنه مالك المال كله وكل من ملك شيئا حلف عليه وهكذا لو لم يدع إلا ابنته وهي مولاته حلفت خمسين يمينا وأخذت الكل: النصف بالنسب والنصف بالولاء، وهكذا لو لم يدع إلا زوجة وهي مولاته وإذا ترك أكثر من خمسين وارثا سواء في ميراثه كأنهم بنون معا أو إخوة معا أو عصبة في القعدد إليه سواء حلف كل واحد منهم يمينا وإن جازوا خمسين أضعافا؛ لأنه لا يأخذ أحد مالا بغير بينة ولا إقرار من المدعى عليه بلا يمين منه ولا يملك أحد بيمين غيره شيئا ولو كانت فيهم زوجة فورثت الربع أو الثمن حلفت ربع الأيمان ثلاثة عشر يمينا يزاد عليها كسر يمين أو ثمن الأيمان سبعة أيمان يزاد عليها كسر يمين؛ لما وصفت من أنه لا يجوز إذا كان على وارث كسر يمين إلا أن يأتي بيمين تامة. .
نكول الورثة واختلافهم في القسامة
ومن يدعى عليهم

(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فإذا كان للقتيل وارثان فامتنع أحدهما من القسامة لم يمنع ذلك الآخر من أن يقسم خمسين يمينا ويستحق نصيبه من الميراث، وكذلك إن كان الورثة عددا كثيرا فنكلوا إلا واحدا، وكذلك إن كان المقسم عليه عدلا والمقسم غير عدل قبلت قسامته؛ لأنه حق يأخذه بيمينه فالعدل وغير العدل سواء كما يكون للرجلين شاهد وللرجال شاهد فيمتنع أحدهم أو أكثرهم من اليمين ويحلف غيره منهم فيكون للحالف أخذ حقه، كما يدعى على الرجال حق فيقر به بعضهم وينكر بعض فيحلف المنكر ويبرأ ويؤخذ من المقر ما أقر به فإذا كانت على الرجل في القسامة أيمان فلم يكملها حتى مات كان على الورثة أن يبتدئوا الأيمان التي كانت على أبيهم ولا يحاسبون بأيمانه؛ لأن أيمانه غير أيمانهم

وهو لم يكن يأخذ بأيمانه شيئا حتى يكمل ما عليه فيه ولو كان لم يمت، ولكنه لم يكمل أيمانه حتى غلب على عقله فإذا أفاق احتسب بما بقي من أيمانه ولم يسقط من أيمانه الماضية شيء من قبل أن عليه عدد شيء فإذا أتى به مجموعا أو مفرقا عند حاكم فقد أدى ما عليه ولو جاء به عند حاكمين ويجب على الحاكم أن يثبت له عدد ما حلف عنده قبل يغلب على عقله وما حلف عند غيره ولو حلف على بعض الأيمان، ثم سأل الحاكم أن ينظر أنظره فإذا جاء ليستكمل الأيمان حسبت له ما مضى منها عنده وإذا كان للقتيل تجب فيه القسامة وارثان فادعى أحدهما على رجل من أهل المحلة أنه قتله وحده وأبرأه صاحبه بأن قال ما قتله كان فيها قولان: أحدهما أن لولي الدم المدعي الذي لم يبرئ أن يحلف خمسين يمينا ويستحق على المدعى عليه نصف الدية إن كان عمدا في ماله وعلى العاقلة إن كان خطأ ومن قال هذا القول قال لو كان عدلا فشهد له أنه كان في الوقت الذي قتل فيه وهم يتصادقون على الوقت غائبا ببلد لا يمكن أن يصل منه في ذلك الوقت ولا في يوم إلى موضع القتيل لم يبرأ؛ لأنه واحد لا تجوز شهادته ولوكان الوارثان اثنين عدلين فشهدا له بهذا أو شهدا على آخر أنه قتله أجزنا شهادتهما ولم نجعل فيه قسامة والقول الثاني أنه ليس للورثة أن يقسموا على رجل يبرئه أحدهم إذا كان الذي يبرئه يعقل فإن أبرأه منهم مغلوب على عقله أو صبي لم يبلغ كان للباقين منهم أن يحلفوا. .
ما يسقط حقوق أهل القسامة
من الاختلاف وما لا يسقطها

(قال الشافعي): وإذا اختلف الوارثان فيمن تجب عليه القسامة فكانت دعواهما معا مما يمكن أن يصدقا فيه بحال لم يسقط حقهما في القسامة وذلك مثل أن يقول: هذا قتل أبي عبد الله بن خالد ورجل لا أعرفه ويقول الآخر: قتل أبي زيد بن عامر ورجل لا أعرفه؛ لأنه قد يجوز أن يكون زيد بن عامر هو الرجل الذي عرفه الذي جهل عبد الله بن خالد وأن يكون عبد الله بن خالد هو الرجل الذي جهله الذي عرف زيد بن عامر ولو قال الذي ادعى على عبد الله قد عرفت زيدا وليس بالذي قتل مع عبد الله وقال الذي عرف زيدا قد عرفت عبد الله وليس بالذي قتل مع زيد ففيها قولان: أحدهما أن يكون لكل واحد منهما أن يقسم على الذي ادعى عليه ويأخذ منه ربع الدية ومن قال هذا قال حق كل واحد منهما غير حق صاحبه كرجلين لهما حق على رجل فأبرأه أحدهما بإكذاب البينة؛ لأنه قد يمكن في كل المدعى عليهما القتل وفي كل واحد من الوارثين وعلى كل واحد منهما الوهم أو يثبت كل واحد منهما أن مع الذي ادعى عليه قاتلا غيره وإن ادعى كل واحد منهما على غير الذي أبرأه أنه قاتل مع الذي ثبت عليه كان لكل واحد منهما أن يقسم ويأخذ منه حصته من الدية، والقول الثاني أن ليس لواحد منهما أن يقسم حتى تجتمع دعواهما على واحد فيقسمان عليه ومن قال هذا قال هذان ليسا كرجلين لهما حق على رجل فأكذب أحدهما بينته فبطل حقه وصدق الآخر بينته فأخذ حقه؛ لأن هذا الحق أخذ بغير قول المدعي وحده وأخذه بشهادة أمر المسلمين مقبول مثلها والقسامة حق أخذ بدلالة، وأيمانهما بها؛ لأنهما وارثان له ولا يأخذانه وكل واحد منهما يكذب صاحبه ومن قال هذا قال: لو أن وارثين وجبت لهما القسامة ادعى كل واحد منهما على رجل أنه قتل أباه وحده لم يكن لواحد منهما أن يقسم على واحد من الذي ادعيا عليه ولا على غيره؛ لأنه قد أبرأ غيره بدعواه عليه وحده وأنه لا يمكن فيهما أن يكونا صادقين بحال ولا يكون أحدهما قتله وحده والآخر قتله وحده وكذلك لو كان له معهما وارث ثالث فادعى على

الذي ادعيا عليه وحده أو معه غيره لم يكن ذلك له ولو وجبت لهما فادعى أحدهما على واحد بعينه وقال الآخر: لا أعرفه وامتنع من القسامة كان للذي أثبت القسامة عليه أن يقسم خمسين يمينا ويأخذ حصته من الدية؛ لأن امتناع أخيه من اليمين ليس بإكذاب له فإذا لم يكن إكذابا له فله أن يحلف بكل حال، وكذلك لو ادعى وارثان أنه قتل أباهما فقال أحدهما: قتله وحده وقال الآخر: قتله وآخر معه كان للذي أفرد الدعوى عليه وحده أن يحلف ويأخذ منه ربع الدية والآخر يحلف ويأخذ ربع الدية؛ لأنهما اجتمعا على أن عليه نصف الدية وأقر أحدهما بأنها عليه كلها ولا يؤخذ في هذا القول إلا بما اجتمعا عليه ولا يكون للذي ادعى على الباقي أن يحلف؛ لأن أخاه يكذبه أن يكون قاتلا فعلى هذا، هذا الباب كله. .
الخطأ والعمد في القسامة
أخبرنا الربيع قال قال الشافعي: إذا وجبت القسامة لم أحلف الورثة حتى أسألهم أعمدا قتل صاحبهم أو خطأ؟ فإن قالوا عمدا أحلفتهم على العمد وجعلت لهم الدية في مال القاتل حالة مغلظة كدية العمد وإن قالوا خطأ أحلفتهم لقتله خطأ، ثم جعلت الدية على عاقلة القاتل في مضي ثلاث سنين كدية الخطأ وهكذا إذا كانت لمسلمين على مشركين أو لمشركين على مسلمين أو لمشركين على مشركين أحرار لا تختلف فإذا كانت القسامة على عبد أو قوم فيهم عبد كانت الدية في الخطأ والعمد في عنق العبد دون مال سيده وعاقلته ولا تكون القسامة إلا عند حاكم وإذا أقسموا أبغير أمر الحاكم؟ أعاد عليهم الحاكم الأيمان ولم يحسب لهم من أيمانهم قبل استحلافه لهم شيئا. .
القسامة بالبينة وغيرها
(قال الشافعي): وإذا حلف ولاة الدم على رجل أنه قتل لهم قتيلا وحده وأخذوا منه الدية أو من عاقلته، ثم جاء شاهدان بما فيه البراءة للذي أقسموا عليه من قتل قتيلهم رد ولاة القتيل ما أخذوا من الدية على من أخذوها منه وذلك أن يشهد شاهدان أن هذا الذي أقسموا عليه كان يوم كذا من شهر كذا وذلك القاتل بمكة والقتيل بالمدينة أو كان ببلد لا يمكن أن يبلغ موضع القتيل في يوم ولا أكثر أو يشهدون على أن فلانا الذي أقسموا عليه كان معهم قبل طلوع الشمس إلى زوال الشمس وإنما قتل القتيل في هذا الوقت أو ما في معنى هذا مما يثبت الشاهدان أن هذا المقسم عليه بريء من قتل صاحبهم فإن شهدوا أن فلانا رجلا آخر قتل صاحبهم لم تخرج الدية حتى ينظر فإن جازت شهادتهم على فلان أخرجت الدية التي أخذت بالقسامة فردت إلى من أخذت منه وإن ردت عن فلان لم تخرج التي أخذت بالقسامة بشهادة من لم تجز شهادته على رجل بعداوة ولا بأن يعدلهم من يجر إلى نفسه أو يدفع عنها ولا يقبل شاهدان من عاقلة المدعى عليه إذا ادعى القتل خطأ أن يبتدئوها بما يبرئ المدعى عليه في الخطأ؛ لأن في ذلك براءة لهم مما يلزمهم من الدية.
وقد قيل: إن كان القتل عمدا لم يقبل ذلك للمدعى عليه؛ لأن ذلك إبراء له من اسم القتل ولا إن كان الشاهدان يكونان إذا شهدا أبرآ أنفسهما من شيء من الدية أو جرا إلى أنفسهما (قال الشافعي): وإن لم يقطعوا الشهادة بما يبين براءته لم يكن بريئا، وذلك مثل أن يكون القتيل ببلد فيقتل يوم الجمعة لا يدرى أي وقت قتل فيه فيشهد هؤلاء الشهود أن

هذا كان معهم يوم الجمعة طول النهار أو في بعض النهار دون بعض أو في حبس وحديد أو مريضا؛ لأنه قد يمكن أن يقتله في وقت لم يكن معهم فيه وينفلت من السجن والحديد ويقتله في الحديد ويقتله وهو مريض.
(قال الشافعي): ولو شهدوا على الورثة أنهم أقروا أن هذا المقسم عليه لم يقتل أباهم أو أنه كان غير حاضر قتل أبيهم أو أنه في اليوم الذي قتل فيه أبوهم كان لا يمكن أن يبلغ حيث قتل أبوهم أو أنهم أقسموا عليه عارفين بأنه لم يقتله أحد أخذت الدية منهم وللإمام تعزيرهم بإقرارهم وأخذ المال بالباطل، ولو كانوا شهدوا على أنهم قالوا إن كنا لغيبا عن قتله قبل القسامة وبعدها لم يردوا شيئا؛ لأني أحلفتهم وأنا أعلمهم غيبا، وكذلك لو شهدوا قبل القسامة وبعدها أنهم قالوا ما نحن على يقين من قتله كان لهم أن يقسموا؛ لأنهم قد يصدقون الشهود بما لا يستيقنون وإنما اليقين العيان لا الشهادة ولو شهدوا عليهم أنهم قالوا قد أخذنا منه الدية أو من عاقلته الدية بظلم سئلوا فإن قالوا: قلناه؛ لأن القسامة لا توجب لنا دية حلفوا بالله ما أرادوا غير هذا وقيل لهم: ليس هذا بظلم وإن سميتموه ظلما وإن لم يحلفوا على هذا حلف المدعى عليه ما قتل صاحبهم وردوا الدية فإن قالوا: أردنا بقولنا أخذنا الدية بظلم بأنا كذبنا عليه ردوا الدية وعزروا ولو أقسم الورثة على رجل أنه قتل أباهم وحده وشهد شاهدان على رجل غيره أنه قتل أباهم فادعى الورثة على القاتل المشهود عليه دم أبيهم وسألوا القود به أو الدية لم يكن ذلك لهم؛ لأنهم قد زعموا أن قاتل أبيهم رجل واحد فأبرءوا منه غيره وردوا ما أخذوا من الدية بالقسامة؛ لأنه قد شهد لمن أخذوا منه الدية بالبراءة وأبرءوه بدعواهم على غيره ولو ثبتوا أيضا على دعواهم على الأول وكذبوا البينة لم يأخذوا من الآخر عقلا ولا قودا؛ لأنهم أبرءوه وردوا ما أخذوا من الأول؛ لأن الشاهدين قد شهدا له بالبراءة ولو أن شاهدين شهدا لرجل بما يبرئه من دم رجل كما وصفت، ثم أقر المشهود له أنه قتله عمدا أو خطأ لزمه الدم كما أقر به.
وإذا أقر به خطأ لزمه في ماله في ثلاث سنين دون عاقلته ولو أن ولاة الدم أقروا أن رجلا لم يقتل أباهم وادعوه على غيره وأقر الذي أبرءوه أنه قتل أباهم منفردا فقد قيل: يؤخذ بإقراره ويكون أصدق عليه من إبرائهم له كشهادة من شهد له بالبراءة وقيل: لا يؤخذ بإقراره من قبل أن ولاة الدم قد أبرءوه من دمه وسواء ادعوا الوهم في إبرائه، ثم قالوا أثبتنا أنك قتلته أو لم يدعوه. .
اختلاف المدعي والمدعى عليه في الدم
(قال الشافعي): ولو أن رجلا ادعى أن رجلا قتل أباه عمدا بما فيه القود وأقر المدعى عليه أنه قتله خطأ فالقتل خطأ والدية عليه في ثلاث سنين بعد أن يحلف ما قتله إلا خطأ فإن نكل حلف المدعي لقتله عمدا وكان له القود وهكذا إن أقر أنه قتله عمدا بالشيء الذي إذا قتله به لم يقد منه ولو ادعى رجل على رجل أنه قتل أباه وحده خطأ فأقر المدعى عليه أنه قتله هو وغيره معه كان القول قول المقر مع يمينه ولم يغرم إلا نصف الدية ولا يصدق على الذي زعم أنه قتله معه.
ولو قال قتلته وحدي عمدا وأنا مغلوب على عقلي بمرض فإن علم أنه كان مريضا مغلوبا على عقله قبل قوله مع يمينه وإن لم يعلم ذلك فعليه القود بعد أن يحلف ولي الدم لقتله غير مغلوب على عقله وهكذا لو قامت عليه بينة بأنه قتله فقال: قتلته وأنا مغلوب على عقلي (قال الشافعي): وإذا وجد القتيل في محلة قوم يختلط بهم غيرهم أو صحراء أو مسجد أو سوق أو موضع مسير إلى دار مشتركة أو غيرها فلا قسامة فيه فإن ادعى أولياؤه على أهل المحلة لم يحلف لهم منهم إلا من أثبتوا بعينه فقالوا نحن ندعي أنه قتله فإن أثبتوهم كلهم وادعوا

عليهم وهم مائة أو أكثر وفيهم نساء ورجال وعبيد مسلمون كلهم أو مشركون كلهم أو فيهم مسلم ومشرك أحلفوا كلهم يمينا يمينا؛ لأنهم يزيدون على خمسين وإن كانوا أقل من خمسين ردت الأيمان عليهم فإن كانوا خمسة وعشرين حلفوا يمينين يمينين وإن كانوا ثلاثين حلفوا يمينين يمينين؛ لأن على كل واحد منهم يمينا وكسر يمين ومن كانت عليه كسر يمين حلف يمينا تامة وليس الأحرار المسلمون بأحق بالأيمان من العبيد ولا العبيد من الأحرار ولا الرجال من النساء ولا النساء من الرجال كل بالغ فيها سواء.
وإن كان فيهم صبي ادعوا عليه لم يحلف وإذا بلغ حلف فإن مات قبل البلوغ فلا شيء عليه ولا يحلف واحد منهم إلا واحدا ادعوا عليه بنفسه فإذا حلفوا برئوا وإذا نكلوا عن الأيمان حلف ولاة الدم خمسين يمينا واستحقوا الدية إن كانت عمدا ففي أموالهم ورقاب العبيد منهم بقدر حصصهم فيها وإن كانت خطأ فعلى عواقلهم وإن كان ولي القتيل ادعى على اثنين منهم فحلف أحدهما وامتنع الآخر من اليمين بريء الذي حلف وحلف ولاة الدم على الذي نكل، ثم لزمه نصف الدية في ماله إن كان عمدا وعلى عاقلته إن كان خطأ؛ لأنهم إنما ادعوا أنه قاتل مع غيره وسواء في النكول عن اليمين المحجور عليه وغير المحجور عليه إذا نكل منهم واحد حلف المدعى عليه.
وكذلك سواء في الإقرار إذا أقر المحجور عليه وغير المحجور عليه بالجناية لزمه منها ما يلزم غير المحجور عليه والجناية خلاف البيع والشراء وقد قيل: لا يلزمه إلا بجناية العمد في الإقرار والنكول.
باب الإقرار والنكول والدعوى في الدم

(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وكذلك العبد سواء في الإقرار بالجناية والنكول عن اليمين فيها إلا في خصلة بأن العبد إذا أقر بجناية لا قصاص فيها لم يتبع فيها وأشهد الحاكم بإقراره بها فمتى عتق ألزمه إياها؛ لأنه حين أقر أقر بمال لغيره فلا يجوز إقراره في مال غيره وإذا صار له مال كان إقراره فيه وإذا ادعوا على عشرة فيهم صبي رفعت حصة الصبي عنهم من الدية إن استحقت وإن نكلوا حلف ولاة الدم وأخذوا منهم تسعة أعشار الدية فإذا بلغ الصبي حلف فبريء أو نكل فحلف الولي وأخذ منه العشر إذا كان القتل عمدا.
(قال الشافعي): وإذا ادعوا على جماعة فيهم معتوه فهو كالصبي لا يحلف وذلك أنه لا يؤخذ بإقراره على نفسه فإن أفاق من العته أحلف، وتسعه اليمين بعد مسألته عما ادعوا عليه وإن نكل حلف ولاة الدم واستحقوا عليه حصته من الدية وإن ادعوا على قوم فيهم سكران لم يحلف السكران حتى يفيق، ثم يحلف فإن نكل حلف أولياء الدم واستحقوا عليه حصته من الدية (قال الشافعي): وإذا وجد القتيل في دار رجل وحده فقد قيل: لا يبرأ إلا بخمسين يمينا إذا ادعي عليه القتل.
قتل الرجل في الجماعة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت الجماعة في مسجد أو مجمع غير المسجد فازدحموا فمات رجل منهم في الزحام قيل لوليه: ادع على من شئت منهم فإن ادعى على أحد بعينه أو جماعة كانت في المجمع الذي قتل فيه أو جماعة يمكن أن تكون قاتلته بزحام قبلت دعواه وحلف واستحق على عواقلهم الدية في ثلاث سنين. وإن ادعاه على من لا يمكن أن يكون زحمه بالكثرة كأن يكون في

المسجد ألف فيدعيه عليهم فلا تقبل دعواه؛ لأنه لا يمكن أن يكون كلهم زحمه فإن لم يدع على أحد بعينه يمكن أن يكون زحمه لم يعرض لهم فيه ولم نجعل فيه عقلا ولا قودا (قال الشافعي): وهكذا إن قتل بين صفين لا يدرى من قتله، وهكذا قتل الجماعات في هذا كله (قال الشافعي): وإذا ادعي على رجل بعينه فأنكر المدعى عليه أن يكون كان في الموضع الذي قتل فيه القتيل لم يقسم ولي الدم عليه حتى تقوم بينة بأنه كان في ذلك الموضع فإذا أقر أو قامت عليه بينة بذلك فلولي القتيل أن يقسم عليه (قال الشافعي): وسواء فيما تجب فيه القسامة كان بالميت أثر سلاح أو خنق أو غير ذلك أو لم يكن؛ لأنه قد يقتل بما لا أثر له. فإن قال المدعى عليه القتل: إنما مات ميتك من مرض كان به أو مات فجأة أو بصاعقة أو ميتة ما كانت كان لولي القتيل القسامة بما وصفت من أنه قد يقتل بما لا أثر له ولو دفعت القسامة بهذا دفعتها بأن يقول: جاءنا جريحا فمات من جراحه عندنا. .
نكول المدعى عليهم بالدم عن الأيمان
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا لم أجعل لولاة الدم الأيمان فادعى رجل على رجل أنه قتل أباه عمدا أحلف المدعى عليه خمسين يمينا ما قتله فإذا حلف بريء من دمه ولا عقل ولا قود عليه، وإن كان أقر بقتله قتل به إلا أن يشاء الوارث العقل ويأخذه من ماله أو العفو عن العقل والقود وإن لم يقر ونكل عن اليمين قيل للوارث احلف خمسين يمينا لقتله ولك القود كهو بإقراره، وإن كان المدعى عليه القتل معتوها أو صبيا لم يحلف واحد منهما؛ لأنه لو أقر في حاله تلك لم ألزمه إقراره فإن أفاق المعتوه وبلغ الصبي أحلفته على دعوى ولي الدم فإن حلف برئ وإن أقر لم يكن عليه القود وكانت الدية عليه في ماله حالة إن كان القتل عمدا وإن كان القتل خطأ في ثلاث سنين ولا تضمن عاقلته بإقراره وإن نكل المدعى عليه الدم عن اليمين وامتنع الوارث من اليمين فلا شيء على المدعى عليه وهكذا الدعوى فيما دون النفس من جراح العمد والخطأ لا تختلف، ولو كانت الدعوى على رجلين أنهما قتلاه خطأ حلف كل واحد منهما خمسا وعشرين يمينا فإن حلف أحدهما ونكل الآخر عن اليمين حلف الولي خمسين يمينا على الناكل واستحق نصف الدية عليه ولا يستحق إلا بخمسين يمينا ويردد الأيمان على الذي حلف خمسا وعشرين يمينا حتى يتم عليه خمسون يمينا؛ لأنه لم يحلف معه تمام خمسين يمينا، وقد قيل: لا يبرأ واحد منهما لو حلفا معا إلا بخمسين يمينا ولا يحسب له يمين غيره (قال الشافعي): وإذا ادعى على رجل أنه قتله فلم ينكل ولم يحلف أو حلف فلم يتم الأيمان التي يبرأ بها حتى يموت لم يكن لولي الدم أن يحلف ويستحق عليه الدم ولو نكل في حياته عن اليمين كان لولي الدم أن يحلف ويستحق عليه الدم. .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 26-05-2024, 08:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس

الحلقة (261)
صــــــــــ 161 الى صـــــــــــ 166



والبيوت المغلقة حرز لما فيها فإن سرق سارق من بيت مغلق فتح الغلق أو نقب البيت أو قلع الباب فأخرج المتاع من حرزه قطع وإن كان البيت مفتوحا فدخل فسرق منه لم يقع فإن كان على الباب المفتوح حجرة مغلقة أو دار مغلقة فسرق منها قطع وقد قيل إن كانت دونه حجرة أو دار فهذا حرز وإن لم يكن مغلقا، وكذلك بيوت السوق ما كانت مفتوحة فدخلها داخل فسرق منها لم يقطع وإن كان فيها صاحبها وهذه خيانة؛ لأن ما في البيوت لا يحرزها قعود عنها (قال الربيع) إلا أن يكون بصره يحيط بها كلها أو يكون يحرسها فأغفله فأخذ منها ما يسوى ربع دينار قطع (قال الشافعي): ولو كان بيت عليه حجرة ثم دار فأخرج السرقة من البيت والحجرة إلى الدار والدار للمسروق وحده لم يقطع حتى يخرجه من جميع الدار وذلك أن الدار حرز لما فيها فلا يقطع حتى يخرج السرقة من جميع الحرز ولكن لو كانت الدار مشتركة وأخرج السرقة من البيت والحجرة إلى الدار قطع؛ لأن المشتركة ليست بحرز لواحد من السكان دون الآخر ولو نقب رجل البيت فأخرج المتاع من النقب كله قطع ولو وضعه في بعض النقب ثم أخذه رجل من خارج لم يقطع؛ لأن الداخل لم يخرجه من جميع حرزه ولا الخارج (قال): وإخراج الداخل إياه من النقب وغيره إذا صيره في غير حرز مثله ورميه به إلى الفج يوجب عليه القطع.


(قال الشافعي): ولو أن نفرا حملوا متاعا من بيت والمتاع الذي حملوه معا فإن كانوا ثلاثة فبلغ ثلاثة أرباع دينار قطعوا وإن لم يبلغ ذلك لم يقطعوا ولو حملوه متفرقا فمن أخرج منه شيئا يسوى ربع دينار قطع، ومن أخرج ما لا يسوى ربع دينار لم يقطع، وكذلك لو سرق سارق ثوبا فشقه أو حليا فكسره أو شاة فذبحها في حرزها، ثم أخرج ما سرق من ذلك قوم ما أخرج ما أخرجه الثوب مشقوق والحلي مكسور والشاة مذبوحة فإذا بلغ ذلك ربع دينار قطع ولا ينظر إلى قيمته في البيت إنما ينظر إلى قيمته في الحال التي أخرجه به فيها من الحرز فإن كان يسوى ربع دينار قطع وإن لم يسو ربع دينار في الحال التي أخرجه بها لم يقطع وعليه قيمته صحيحا قبل أن يشقه إن كان أتلفه وإلا فعليه رده ورد ما نقصه الخرق ولو دخل جماعة البيت ونقبوه معا ثم أخرج بعضهم السرقة ولم يخرجها دون الذي لم يخرجها، وكذلك لو كانوا جماعة فوقف بعضهم على الباب أو في موضع يحميهم فمن أخذ المتاع منهم قطع الذي أخرج المتاع من جوف البيت ولم يقطع من لم يخرجه من جوف البيت فعلى هذا الباب كله.

ومن سرق عبدا صغيرا أو أعجميا من حرز قطع، ومن سرق من يعقل أو يمتنع لم يقطع وهذه خديعة وإن سرق الصغير من غير حرز لم يقطع ويقطع النباش إذا أخرج الكفن من جميع القبر؛ لأن هذا حرز مثله. وإن أخذ قبل أن يخرجه من جميع القبر لم يقطع ما دام لم يفارق جميع حرزه. .

قطع المملوك بإقراره وقطعه وهو آبق

(قال الشافعي) - رحمه الله - أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها قالت خرجت عائشة إلى مكة ومعها مولاتان لها وغلام لبني عبد الله بن أبي بكر الصديق فبعثت مع المولاتين ببرد مراجل قد خيط عليه خرقة خضراء قالت فأخذ الغلام البرد ففتق عنه فاستخرجه وجعل مكانه لبدا أو فروة وخاط عليه فلما قدمت المولاتان المدينة دفعتا ذلك إلى أهله فلما فتقوا عنه وجدوا فيه اللبد ولم يجدوا فيه البرد فكلموا المولاتين فكلمتا عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أو كتبتا إليها واتهمتا العبد فسئل العبد عن ذلك فاعترف فأمرت به عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقطعت يده وقالت عائشة - رضي الله عنها - القطع في ربع دينار فصاعدا (قال الشافعي): وهذا عندنا كان محرزا مع المولاتين فسرق من حرزه وبهذا فأخذ بإقرار العبد على نفسه فيما يضره في بدنه وإن نقص بذلك ثمنه ونقطع العبد؛ لأنه سرق وقد أمر الله عز وجل بقطع السارق ونقطعه وإن كان آبقا ولا تزيده معصية الله بالإباق خيرا (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع أن عبدا سرق لابن عمر وهو آبق، فأرسل به عبد الله إلى سعيد بن العاص وهو أمير المدينة ليقطع يده فأبى سعيد أن يقطع يده وقال لا تقطع يد الآبق إذا سرق فقال له ابن عمر في أي كتاب الله وجدت هذا؟ فأمر به ابن عمر فقطعت يده.

(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن رزيق بن حكيم أنه أخذ عبدا آبقا قد سرق فكتب فيه إلى عمر بن عبد العزيز إني كنت أسمع أن العبد الآبق إذا سرق لم يقطع فكتب عمر إن الله عز وجل يقول {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم} فإن بلغت سرقته ربع دينار أو أكثر فاقطعه.

قطع الأطراف كلها

(قال الشافعي) - رحمه الله - أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن رجلا من أهل اليمن أقطع اليد والرجل قدم على أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - فشكا إليه أن عامل اليمن ظلمه فكان يصلي من الليل فيقول أبو بكر وأبيك ما ليلك بليل سارق ثم إنهم افتقدوا حليا لأسماء بنت عميس امرأة أبي بكر فجعل الرجل يطوف معهم ويقول: اللهم عليك بمن بيت أهل هذا البيت الصالح فوجدوا الحلي عند صائغ زعم أن الأقطع جاء به فاعترف به الأقطع أو شهد عليه فأمر به أبو بكر فقطعت يده اليسرى وقال أبو بكر والله لدعاؤه على نفسه أشد عندي من سرقته.

(قال الشافعي): - رحمه الله -: فبهذا نأخذ فإذا سرق السارق أولا قطعت يده اليمنى من مفصل الكف ثم حسمت بالنار فإذا سرق الثانية قطعت رجله اليسرى من المفصل ثم حسمت بالنار ثم إذا سرق الثالثة قطعت يده اليسرى من مفصل الكف ثم حسمت بالنار فإذا سرق الرابعة قطعت رجله اليمنى من المفصل ثم حسمت بالنار فإذا سرق الخامسة حبس وعزر ويعزر كل من سرق إذا كان سارقا، من جنى يدرأ فيه القطع فإذا درئ

عنه القطع عزر (قال الشافعي): ويقطع ما يقطع به من خفة المؤنة عليه وأقر به من السلامة وكان الذي أعرف من ذلك أن يجلس ويضبط ثم تمد يده بخيط حتى يبين مفصلها ثم يقطع بحديدة حديدة ثم يحسم وإن وجد أرفق وأمكن من هذا قطع به؛ لأنه إنما يراد به إقامة الحد لا التلف. .

من يجب عليه القطع

(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا يقطع السارق ولا يقام حد دون القتل على امرأة حبلى ولا مريض دنف ولا بين المرض ولا في يوم مفرط البرد ولا الحر ولا في أسباب التلف ومن أسباب التلف التي يترك إقامة الحدود فيها إلى البرء أن تقطع يد السارق فلا يبرأ حتى يسرق فيؤخر حتى تبرأ يده ومن ذلك أن يجلد الرجل فلا يبرأ جلده حتى يصيب حدا فيترك حتى يبرأ جلده، وكذلك كل قرح أو مرض أصابه. .

ما لا يقطع فيه من جهة الخيانة

(قال الشافعي) - رحمه الله -: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أن عبد الله بن عمرو الحضرمي جاء بغلام له إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال اقطع يد هذا فإنه سرق فقال له عمر " ماذا سرق قال " سرق مرآة لامرأتي ثمنها ستون درهما فقال عمر أرسله فليس عليه قطع، خادمكم سرق متاعكم.

(قال الشافعي): فبهذا كله نقول والعبد إذا سرق من متاع سيده مما اؤتمن عليه أو لم يؤتمن أحق أن لا يقطع من قبل أن ماله أخذ بعضه بعضا (قال الشافعي) وقد قال صاحبنا إذا سرق الرجل من امرأته أو المرأة من زوجها من البيت الذي هما فيه لم يقطع واحد منهما وإن سرق غلامه من امرأته أو غلامها منه وهو يخدمهما لم يقطع؛ لأن هذه خيانة فإذا سرق من امرأته أو هي منه من بيت محرز فيه لا يسكنانه معا أو سرق عبدها منه أو عبده منها وليس بالذي يلي خدمتهما قطع أي هؤلاء سرق (قال الشافعي): وهذا مذهب وأراه يقول إن قول عمر خادمكم ومتاعكم أي الذي يلي خدمتكم ولكن قول عمر خادمكم يحتمل عبدكم فأرى - والله تعالى أعلم - على الاحتياط أن لا يقطع الرجل لامرأته ولا المرأة لزوجها ولا عبد واحد منهما سرق من متاع الآخر شيئا للأثر والشبهة فيه (قال): وكذلك الرجل يسرق متاع أبيه وأمه وأجداده من قبلهما أو متاع ولده أو ولد ولده لا يقطع واحد منهم وإذا كان في بيت واحد ذوو رحم أو غير ذوي رحم فسرق بعضهم من بعض لم يقطع؛ لأنها خيانة وكذلك أجراؤهم معهم في منازلهم ومن يخدمهم بلا أجر؛ لأن هذا كله من جهة الخيانة، وكذلك من استعار متاعا فجحده أو كانت عنده وديعة فجحدها لم يكن عليه فيها قطع وإنما القطع على من أخرج متاعا من حرز بغير شبهة وهذا وجه قطع السرقة (قال الشافعي): والخلسة ليست كالسرقة فلا قطع فيها؛ لأنها لم تؤخذ من حرز وليست بقطع للطريق (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن مروان بن الحكم أتي بإنسان قد اختلس متاعا فأراد قطع يده فأرسل إلى زيد بن ثابت يسأله عن ذلك فقال زيد ليس في الخلسة قطع.

(قال الشافعي): ولو أسكن رجل رجلا في بيت أو أكراه إياه فكان يغلقه دونه ثم سرق رب البيت منه قطع وهو مثل الغريب يسرق منه. .

غرم السارق

(قال الشافعي): - رحمه الله - وإذا وجدت السرقة في يد السارق قبل يقطع ردت إلى صاحبها وقطع وإن كان أحدث في السرقة شيئا ينقصها ردت إليه وما نقصها ضامن عليه يتبع به وإن أتلف السلعة قطع أيضا وكانت عليه قيمتها يوم سرقها ويضمن قيمتها إذا فاتت. وكذلك قاطع الطريق وكل من أتلف لإنسان شيئا مما يقطع فيه أو لا يقطع فلا فرق بين ذلك ويضمنه من أتلفه والقطع لله لا يسقط غرمه ما أتلف للناس.

حد قاطع الطريق

(قال الشافعي): - رحمه الله -: قال الله تبارك وتعالى {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا} الآية (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم عن صالح مولى التوأمة عن ابن عباس في قطاع الطريق إذا قتلوا وأخذوا المال، قتلوا وصلبوا وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال، قتلوا ولم يصلبوا وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا، قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وإذا هربوا طلبوا حتى يوجدوا فتقام عليهم الحدود وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالا نفوا من الأرض.

(قال الشافعي): وبهذا نقول وهو موافق معنى كتاب الله تبارك وتعالى وذلك أن الحدود إنما نزلت فيمن أسلم فأما أهل الشرك فلا حدود فيهم إلا القتل أو السباء والجزية واختلاف حدودهم باختلاف أفعالهم على ما قال ابن عباس - رضي الله عنهما - إن شاء الله تعالى {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم} فمن تاب قبل أن يقدر عليه سقط حق الله عنه وأخذ بحقوق بني آدم. ولا يقطع من قطاع الطريق إلا من أخذ قيمة ربع دينار فصاعدا قياسا على السنة في السارق (قال الشافعي): - رحمه الله - والمحاربون الذين هذه حدودهم القوم يعرضون بالسلاح للقوم حتى يغصبوهم مجاهرة في الصحاري والطرق (قال): وأرى ذلك في ديار أهل البادية وفي القرى سواء إن لم يكن من كان في المصر أعظم ذنبا فحدودهم واحدة فإذا عرض اللصوص لجماعة أو واحد مكابرة بسلاح فاختلف أفعال العارضين فكان منهم من قتل وأخذ المال ومنهم من قتل ولم يأخذ مالا ومنهم من أخذ مالا ولم يقتل ومنهم من كثر الجماعة وهيب ومنهم من كان ردءا للصوص يتقوون بمكانه أقيمت عليهم الحدود باختلاف أفعالهم على ما وصفت. وينظر إلى من قتل منهم وأخذ مالا فيقتله ويصلبه وأحب إلي أن يبدأ بقتله قبل صلبه؛ لأن في صلبه وقتله على الخشبة تعذيبا له يشبه المثلة وقد قال غيري: يصلب ثم يطعن فيقتل. وإذا قتل ولم يأخذ مالا قتل ودفع إلى أوليائه فيدفنوه أو يدفنه غيرهم، ومن أخذ مالا ولم يقتل قطعت يده اليمنى ثم حسمت ثم رجله اليسرى ثم حسمت في مكان واحد وخلي، ومن حضر وكثر وهيب أو كان ردءا يدفع عنهم عزر وحبس وسواء افترقت أفعالهم كما وصفت في مقام واحد أو كانت جماعة كابرت ففعلت فعلا واحدا مثلا: قتل وحده أو قتل وأخذ مال أو أخذ مال بلا قتل حد كل واحد منهم حد مثله بقدر فعله ولو هيبوا ولم يبلغوا قتلا ولا أخذ مال عزروا ولو هيبوا وجرحوا أقص منهم بما فيه القصاص وعزروا وحبسوا ولو كان القاتل قتل منهم رجلا وجرح آخر أقص صاحب الجرح منه ثم قتل وكذلك لو كان أخذ المال وجرح أقص صاحب الجرح ثم قطع لا تمنع حقوق الله حقوق الآدميين في الجراح وغيرها ولو كانت الجراح مما لا قصاص فيه

وهي عمد فأرشها كلها في مال الجارح يؤخذ دينا من ماله. وإن قتل أو قطع فأراد أهل الجراح عفو الجراح فذلك لهم. وإن أراد أولياء المقتولين عفو دماء من قتلوا لم يكن ذلك يحقن دماء من عفوا عنه وكان على الإمام أن يقتلهم إذا بلغت جنايتهم القتل

(قال الشافعي): - رحمه الله - وأحفظ عن بعض أهل العلم قبلنا أنه قال: يقتلون وإن قتلوا عبدا أو ذميا على مال يأخذونه وهذا مخالف للقتل على غير الغيلة (قال): ولقوله هذا وجه؛ لأن الله عز وجل ذكر القتل والصلب فيمن حارب وسعى في الأرض فسادا فيحتمل أن يكون إذا نيل هذا من عبد أو ذمي من المحاربة أو الفساد ويحتمل أن يكونوا إذا فعلوا ما في مثله القصاص. وإن كنت أراه قد خالف سبيل القصاص في غيره؛ لأن دم القاتل فيه لا يحقن بعفو الولي عنه ولا يصلحه. لو صالح فيه كان الصلح مردودا وفعل المصالح؛ لأنه حد من حدود الله عز وجل ليس فيه خبر يلزم فيتبع ولا إجماع أتبعه ولا قياس بتفرق فيصح وإنما أستخير الله فيه. .

الشهادات والإقرار في السرقة وقطع الطريق وغير ذلك

(قال الشافعي): - رحمه الله -: ولا يقام على سارق ولا محارب حد إلا بواحد من وجهين: إما شاهدان عدلان يشهدان عليه بما في مثله الحد، وإما باعتراف يثبت عليه حتى يقام عليه الحد، وعلى الإمام أن يقف الشاهدين في السرقة حتى يقولا سرق فلان " ويثبتاه بعينه، وإن لم يثبتاه باسمه ونسبه " متاعا لهذا يسوى ربع دينار وحضر المسروق منه يدعي ما قال الشاهدان فإن كذب الشاهدين لم يقطع السارق وإن لم يحضر حبس السارق حتى يحضر فيدعي أو يكذب الشاهدين. وإذا ادعى مرة كفاه ما لم يرجع بعدها. فإذا لم يعرفا القيمة شهدا على المتاع بعينه أو صفة يثبتانها أنها أكثر ثمنا من ربع دينار ويقولان سرق من حرز ويصفان الحرز لا يقبل منهما غير صفته؛ لأنه قد يكون عندهما حرزا. وليس عند العلماء بحرز فإذا اجتمع هذا أقيم عليه الحد، وكذلك يشهد الشاهدان على قطاع الطريق بأعيانهم وإن لم يسموا أسماءهم وأنسابهم أنهم عرضوا بالسلاح لهؤلاء أو لهذا بعينه وأخافوه بالسلاح ونالوه به ثم فعلوا ما فيه حد. فإن شهدوا على أخذ المتاع شهدوا كما يشهد شهود السارق على متاع بعينه أو بقيمته أو بصفته كما وصفت في شهادة السارق، ويحضر أهل المتاع وأولياء المقتول وإن شهد شاهدان من أهل رفقته أن هؤلاء عرضوا لنا فنالونا وأخذوا منا أو من بعضنا لم تجز شهادتهما؛ لأنهما خصمان ويسعهما أن يشهدا أن هؤلاء عرضوا لهؤلاء ففعلوا وفعلوا ونحن ننظر وليس على الإمام عندي أن يقفهم فيسألهم هل كنتم فيهم؛ لأن أكثر الشهادة عليهم هكذا، فإن شهدوا أن هؤلاء عرضوا ففعل بعضهم لا يثبت أيهم فعل من أيهم لم يفعل لم يحدوا بهذه الشهادة حتى يثبت الفعل على فاعل بعينه، وكذلك السرقة (قال الشافعي): - رحمه الله -: ولا يجوز في الحدود شهادة النساء ولا يقبل في السرقة ولا قطع الطريق أقل من شاهدين ولا يقبل فيه شاهد ويمين، وكذلك حتى يبينوا الجارح والقاتل وآخذ المتاع بأعيانهم. فإن لم يوجد شاهدان فجاء رب السرقة بشاهد حلف مع شاهده وأخذ سرقته بعينها أو قيمتها يوم سرقت إن فاتت؛ لأن هذا مال يستحقه ولم يقطع السارق، وإن جاء بشاهد وامرأتين أخذ سرقته بعينها أو قيمتها يوم سرقها فإن هذا مال وتجوز شهادة النساء فيه ولا يختلف، وهكذا يفعل من طلب قطاع الطريق بكل مال أخذوه وإن طلب جرحا يقتص منه وجاء بشاهد لم يقسم في الجراح وأحلف

المدعى عليه وبرئ وإن طلب جرحا لا قصاص فيه وجاء بشاهد أحلف مع شاهده وأخذ الأرش، وإن جاء بشاهد على سرقته من حرز أو غير حرز أحلف مع شاهده وأخذ السرقة أو قيمتها إن لم توجد.

ولا يقطع أحد بشاهد ويمين ولا يقتص منه من جرح ولا بشاهد وامرأتين وإن أقر السارق بالسرقة ووصفها وقيمتها وكانت مما يقطع به قطع " قال الربيع " يقطع إلا أن يرجع فلا يقطع، وتؤخذ منه قيمة السلعة التي أتلف على ما أقر به أولا (قال الشافعي): - رحمه الله -: وقاطع الطريق كذلك ولو أقرا بقتل فلان وجرح فلان وأخذ مال فلان أو بعض ذلك فيكفي كل واحد منهما الإقرار مرة ويلزم كل واحد منهما ما أقر به على ما أقر به فيحدان معا حدهما ويقتص ممن عليه القصاص منهما ويغرم كل واحد منهما ما يلزمه كما يفعل به لو قامت به عليه بينة عادلة. فإن أقرا بما وصفت ثم رجعا قبل أن يقام عليهما الحد لم يقم عليهما حد القطع ولا القتل ولا الصلب بقطع الطريق ولزمهما حقوق الناس، وأغرم السارق قيمة ما سرق وأغرم قاطع الطريق قيمة ما أقر أنه أخذ لأصحابه، وإن كان في إقراره أنه قتل فلانا دفع إلى وليه فإن شاء قتله وإن شاء أخذ منه الدية وإن شاء عفا عنه؛ لأنه ليس بالحد يقتل إنما يقتل باعتراف قد رجع عنه ولو ثبت على الاعتراف قتل ولم يحقن دمه عفو الولي عنه وإن كان أقر بجرح وكان يقتص منه اقتص منه وإن كان لا يقتص منه أخذ أرشه من ماله، ولو قال أصبته بذلك الجرح خطأ أخذ من ماله لا تعقل منه عاقلته عنه اعترافا، ولو قطعت بعض يد السارق بالإقرار ثم رجع كف عن قطع ما بقي من يده إلا أن يأمر هو بها على أنه لا يصلحه إلا ذلك فإن شاء من أمره قطعه وإن شاء فلا، هو حينئذ يقطع على العيب. ولو قطعت يد المعترف بقطع الطريق ثم رجع لم تقطع رجله إذا كان لا يقام عليه إلا باعترافه إلا أن تثبت بينة عليه فسواء تقدم رجوعه أو تأخر أو وجد ألما للحد خوفا منه أو لم يجده وتؤخذ منهما حقوق الناس كما وصفت قبل هذه المسألة.

(قال الشافعي): ذكر الله تبارك وتعالى حد استتابة المحارب فقال عز وجل {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم} فمن أخاف في المحاربة الطريق وفعل فيها ما وصفت من قتل أو جرح وأخذ مال أو بعضه فاختلف أصحابنا فيه فقال: بعضهم كل ما كان لله عز وجل من حد يسقط فلا يقطع وكل ما كان للآدميين لم يبطل يجرح بالجرح ويؤخذ منه أرشه إن لم يكن فيه قصاص ويؤخذ منه قيمة ما أخذ وإن قتل دفع إلى أولياء القتيل فإن شاءوا قتلوا وإن شاءوا عفوا ولا يصلب. وإن عفا جاز العفو؛ لأنه إنما يصير قصاصا لا حدا. وبهذا أقول. وقال بعضهم: يسقط عنه ما لله عز وجل وللناس كله إلا أن يوجد عنده متاع رجل بعينه فيدفعه إليه (قال الشافعي): - والله أعلم - السارق مثله قياسا عليه فيسقط عنه القطع ويؤخذ بغرم ما سرق، وإن فات ما سرق. .

حد الثيب الزاني

(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني أنهما أخبراه «أن رجلين اختصما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال أحدهما يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله عز وجل. وقال الآخر - وهو أفقههما - أجل يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله عز وجل وأذن لي في أن أتكلم، قال: تكلم قال إن ابني كان عسيفا

على هذا فزنى بامرأته فأخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة وجارية ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني إنما على ابني جلد مائة وتغريب عام وإنما الرجم على امرأته فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله. أما غنمك وجاريتك فرد عليك وجلد ابنه مائة وغربه عاما، وأمر أنيسا الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر فإن اعترفت رجمها فاعترفت فرجمها» قال مالك والعسيف الأخير.

(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس أنه قال سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: الرجم في كتاب الله حق على من زنى من الرجال والنساء إذا أحصن إذا قامت عليه البينة أو كان الحبل أو الاعتراف.

(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجم يهوديا ويهودية زنيا».



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 27-05-2024, 05:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس

الحلقة (266)
صــــــــــ 191 الى صـــــــــــ 196



(قال الشافعي): وبلغنا أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بعث إلى امرأة في شيء بلغه عنها فذعرها ففزعت فأسقطت فاستشار عمر في سقطها فقال له علي - رضي الله عنهما - كلمة لا أحفظها أعرف أن معناها أن عليه الدية فأمر عمر عليا - رضي الله عنهما - أن يضربها على قومه وقد كان لعمر أن يبعث وللإمام أن يحد في الخمر عند العامة فلما كان في البعثة تلف على المبعوث إليها أو على ذي بطنها فقال علي وقال عمر إن عليه مع ذلك الدية كان الذي نراهم ذهبوا إليه مثل الذي وصفنا من أن لي أن أرمي على أن لا يتلف أحد برميتي فذهبوا - والله أعلم - إلى أنه وإن كانت له الرسالة فعليه أن لا يتلف بها أحدا فإن تلف ضمن وكان المأثم مرفوعا.


الجمل الصئول

أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال حكى محمد بن الحسن قال قال أهل المدينة إذا صال الجمل على الرجل أقام بينة بصياله عليه وأنه ضربه عند صياله فقتله أو عقره فلا ضمان عليه وإن لم يكن بينة إلا قوله ضمن وقال أبو حنيفة يضمن في الحالين لأنه لا جناية لبهيمة تحل دمها ولا جرحها. وقال محمد بن الحسن وغيره ممن يقول قوله فيه قولا قد جمعته وحكيت ما حضرني فيه وكله قالاه لي أو أحدهما وقلته لهما فقال ما تقول فيما اختلف فيه؟ قلت أقول بما حكيت عن أصحابنا أنهم قالوه قال فما حجتك فيه؟ قلت إن الله عز وجل منع دماء المسلمين إلا بحقها وإن المسلمين لم يختلفوا فيما علمت أو من علمت قوله منهم في أن مسلما لو أرادني في الموضع الذي لا يمنعني منه باب أغلقه ولا قوة لي بمنعه ولا مهرب أمتنع به منه وكانت منعتي منه التي أدفع عني إرادته لي إنما بضربه بسلاح فحضرني سيف أو غيره كان لي ضربه بالسيف لأمنع حرمتي التي حرم الله تعالى عليه انتهاكها فإن أتى الضرب على نفسه فلا عقل علي ولا قود ولا كفارة لأني فعلت فعلا مباحا لي فلما كان هذا في المسلم هكذا كان البعير أقل حرمة وأصغر قدرا وأولى أن يجوز هذا فيه قال إن البعير لا يقتل إن قتل والمسلم إن قتل قتل قلت ما خالفتك في هذا فأين زعمت أنهما يجتمعان فيه؟.

وإنما جمعت بينهما حيث اجتمعا وفرقت بينهما حيث افترقا وإنما قلت المسلم في الحال التي وصفت أراد فيها الجناية فقال ما قتلته إلا بجناية ولولا الجناية ما حل لك دمه قلت فهل تكون الإرادة جناية؟ قال نعم قلت فما تقول فيما لو أرادني فحال بيني وبينه نهر أو خندق أو انكسرت رجله أو يده أو حبسه حابس وهو يريدني إلا أنه لم ينلني حيث هو بيد ولا بسلاح أكان يحل لي قتله؟ قال لا قلت ولو كان بحيث ينالني فظفرت بسلاحه حتى صار غير قادر علي أيحل لي قتله؟ قال لا قلت ولو جرحته جرحا يمنعه من قتلي وهو يريدني أكان يحل لي قتله قال لا، قلت ولو أرادني ولم يكن في يده ما يقتلني به كان يحل لي قتله؟ قال لا قلت وأسمعك مزيدا إلى

حالات تزعم أن دمه فيها كلها محرم فلو كنت إنما أبحت دمه بالإرادة فقط انبغى أن تبيح دمه في هذه الحالات كلها. قال فبأي شيء أبحت دمه؟ قلت يمنع الله تعالى ما حرم الله تعالى أن ينتهك مني فلما لم أجد مانعا لدمي إلا ضربه ضربته فإذا صار إلى الحال التي لا يقدر فيها على قتلي فدمه محرم لأنه لم يفعل فعلا يحل دمه إنما فعل فعلا يحل منعه لا دمه فإن كان في منعه حتفه فهو أحله بنفسه وإن لم يكن فيه حتفه لم يحل لي قتله بعد أماني من أن يقتلني.

وكذلك في الحالات التي وصفت لك قبل أن أضربه فلو صار إلى حال امتنع فيها منه بغير ضربه لم يحل لي ضربه. وكذلك الجمل إذا لم أقدر على دفعه إلا بما دفعت به المسلم من الضرب ضربته وإن أتت الضربة على نفسه وإن صار إلى الحال التي آمنه فيها على نفسي لم يحل لي ضربه ولو ضربته فقتلته غرمت ثمنه فلم أبحها بجناية إنما الجناية الفعل لا الإرادة ولكن أبحتها لمنع حرمتي، وكذلك المجنون، وكذلك الصبي والله أعلم.

الاستحقاق

(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا اعترف الرجل دابة في يدي رجل والمعترفة في يديه ينكر أو لا ينكر ولا يعترف كلف المعترف البينة فإن جاء بالبينة أنها دابته لا يعلمون أنه باع ولا وهب أو قالوا لم يبع ولم يهب فليس ذلك مما ترد به شهادتهم وإنما ذلك على العلم أحلف صاحب الدابة بالله إن هذه الدابة ما خرجت من ملكه بوجه من الوجوه ثم دفعت إليه وإذا أسلف الرجل عبدا في طعام أو ثوبا أو عرضا أو دنانير أو دراهم أو ما كان فاستحق ما سلف من ذلك بطل البيع لأن الثمن العين الذي أسلفه ولا تختلف في ذلك الدنانير والدراهم باعها وهو لا يملكها وهذا في بيوع الأعيان فمن باع عينا أو اشترى بعين وشراؤه بالعين بيع للعين فاستحقت تلك العين انتقض البيع، وإذا باع صفة من الصفات مضمونة فقبضها المشتري فاستحقت لم ينتقض البيع. وذلك أن البيع لم يقع على تلك العين وإنما وقع على شيء مضمون بصفة في ذمة البائع كالدين عليه ولا يبرأ منه هو أبدا إلا بأن يسلم لصاحبه فكلما استحق شيء بصفة رجع عليه حتى يستوفي تلك الصفة، وإذا صرف دنانير بأعيانها بدراهم بأعيانها فاستحقت الدراهم أو الدنانير لا فرق بين الدنانير والدراهم وغيرها بطل البيع فيها.

(قال الربيع) من اشترى شيئا بعينه بشيء بعينه فاستحق أحد الشيئين بطل البيع كله لأن الصفقة جمعت حلالا وحراما فبطلت كلها وهو قول الشافعي

(قال الشافعي): وإذا اشترى الرجل جارية فأولدها من سوق من أسواق المسلمين أو غير أسواق المسلمين أو نكحته على أنها حرة فولدت له ثم استحقها سيدها فعليه مهر مثلها لسيدها وعليه قيمة أولادها منه يوم سقطوا لأن ذلك أول ما كان لهم حكم الدنيا ويأخذها سيدها مملوكة وإنما أعتق الولد بالغرور، ولو كانت أقرت بالرق فنكح على ذلك فإن ولده مماليك، ولو كان أمتان بين رجلين فاقتسماهما وصارت إحداهما لأحدهما فولدت منه ثم استحقها رجل آخر أخذها ومهر مثلها وقيمة ولدها وولدها أحرار وانتقض القسم بينهما وصارت الجارية باقية بينهما، وإذا ابتاع الرجل جارية فماتت في يديه فالموت فوت ثم استحقها رجل كان له أن يرجع بالقيمة على الذي ماتت في

يديه وللذي ماتت في يديه أن يرجع على البائع بالثمن الذي أخذ منه وإن كانت ولدت له أولادا فهم أحرار وعليه قيمتهم يوم سقطوا، ولو كانت المسألة بحالها ولم تمت غير أنها زادت في يديه أو نقصت بجناية أصابتها منه أو من غيره أو بشيء من السماء ردها بعينها ولا يقال لهذا فوت إنما يقال لهذا زيادة أو نقص فيردها زائدة ولا شيء له في الزيادة وناقصة وعليه ما نقصها إلا أن يكون أخذ لها أرشا أكثر مما نقصها فعليه رده ويرد النقص الذي من غيره جنايته لأنه كان ضامنا لها لأنها ملك لغيره فأما زيادة الأسواق ونقصانها فليست من الأبدان بسبيل لأنه قد يغصبها ثمن مائة بالغلاء ثم تزيد في بدنها وتنقص أسواقها فتكون ثمة خمسين أفيقال لهذا الذي زادت في يده الذي يشهد رب الجارية وأهل العلم أنها اليوم خير منها يوم أخذها بالضعف في بدنها أغرم نصف قيمتها من قبل أنها رخصت ليس هذا بشيء إنما يغرم نقص بدنها لأنه نقص عين سلعة المغصوب فأما نقص الأسواق فليس من جنايته ولا بسببها.

وإذا باع الرجل الرجل الأرض فبنى فيها أو غرس ثم استحق رجل نصفها واختار المشتري أن يكون له النصف بنصف الثمن قسمت الأرض فما وقع للمستحق فعلى المشتري قلع البناء والغراس منه، وكذا حمله ويرجع بما نقص الغراس والبناء على البائع وبنصف الثمن، وكذلك الأرض بين الرجلين فيقسمانها.

(قال الربيع) آخر قول الشافعي أنه إذا استحق بعض ما اشترى فإن البيع كل باطل من قبل أن الصفقة جمعت حلالا وحراما فبطلت كلها.

(قال الربيع) ويأخذ رب الأرض أرضه ويقلع بناءه منها وغراسه ويرجع رب البناء والغراس على البائع بما غرم لأنه غره فيأخذ منه ما أخذ منه.

الأشربة

(أخبرنا الربيع بن سليمان) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة - رضي الله عنها - قالت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «كل شراب أسكر فهو حرام» وأخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت «سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البتع فقال كل شراب أسكر فهو حرام» وأخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الغبيراء فقال لا خير فيها» ونهى عنها. قال مالك عن زيد بن أسلم هي السكركة، أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة».

أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس - رضي الله عنه - قال كنت أسقي أبا طلحة الأنصاري وأبي بن كعب وأبا عبيدة بن الجراح شرابا من فضيخ وتمر فجاءهم آت فقال إن الخمر قد حرمت فقال أبو طلحة يا أنس قم إلى هذه الجرار فاكسرها فقال أنس فقمت إلى مهراس لنا فضربتها بأسفله حتى تكسرت أخبرنا سفيان بن عيينة عن محمد بن إسحاق عن معبد بن كعب بن مالك عن أمه وقد كانت صلت القبلتين «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الخليطين وقال انتبذوا كل واحد منهما على حدته» أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي إسحاق عن ابن أبي أوفى قال «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نبيذ الجر الأخضر والأبيض والأحمر».

أخبرنا سفيان بن عيينة عن سليمان الأحول عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال «لما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الأوعية قيل

له ليس كل الناس يجد سقاء فأذن لهم في الجر غير المزفت». أخبرنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «لا تنبذوا في الدباء والمزفت» قال ثم يقول أبو هريرة واجتنبوا الحناتم والنقير، أخبرنا سفيان قال: سمعت الزهري يقول: سمعت أنسا يقول: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الدباء والمزفت أن ينتبذ فيه. أخبرنا سفيان عن ابن طاوس عن أبيه «أن أبا تميم الجيشاني سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البتع فقال: كل مسكر حرام أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي الزبير عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينبذ له في سقاء فإن لم يكن فتور من حجارة» أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس في بعض مغازيه قال عبد الله بن عمر فأقبلت نحوه فانصرف قبل أن أبلغه فسألت ماذا قال؟ قالوا نهى أن ننتبذ في الدباء والمزفت» أخبرنا مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن ينتبذ في الدباء والمزفت» أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن ينبذ التمر والبسر جميعا والتمر والزهو جميعا» أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن ابن وعلة المصري أنه سأل ابن عباس عما يعصر من العنب فقال ابن عباس - رضي الله عنهما - «أهدى رجل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - راوية من خمر فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - أما علمت أن الله تعالى ذكره حرمها؟» قال: لا، فسار إنسانا إلى جنبه، فقال: بم ساررته؟ فقال أمرته أن يبيعها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إن الذي حرم شربها حرم بيعها» ففتح فم المزادتين حتى ذهب ما فيهما أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس قال بلغ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن رجلا باع خمرا فقال قاتل الله فلانا باع الخمر أو ما علم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها وباعوها؟» أخبرنا سفيان عن أبي الجويرية الجرمي قال ألا إني لأول العرب سأل ابن عباس وهو مسند ظهره إلى الكعبة فسألته عن الباذق فقال سبق محمد - صلى الله عليه وسلم - الباذق وما أسكر فهو حرام أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رجالا من أهل العراق قالوا له: إنا نبتاع من ثمر النخيل والعنب فنعصره خمرا فنبيعها فقال عبد الله إني أشهد الله عليكم وملائكته ومن سمع من الجن والإنس إني لا آمركم أن تبيعوها ولا تبتاعوها ولا تعصروها ولا تسقوها فإنها رجس من عمل الشيطان.

أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال كل مسكر خمر وكل مسكر حرام، أخبرنا مالك عن داود بن الحصين عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ وعن سلمة بن عوف بن سلامة أخبراه عن محمود بن لبيد الأنصاري أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حين قدم الشام شكا إليه أهل الشام وباء الأرض وثقلها وقالوا لا يصلحنا إلا هذا الشراب فقال عمر اشربوا العسل فقالوا لا يصلحنا العسل فقال رجال من أهل الأرض هل لك أن نجعل لك من هذا الشراب شيئا لا يسكر فقال نعم فطبخوه حتى ذهب منه الثلثان وبقي الثلث فأتوا به عمر فأدخل فيه عمر أصبعه ثم رفع يده فتبعها يتمطط فقال هذا الطلاء هذا مثل طلاء الإبل فأمرهم عمر أن يشربوه فقال له عبادة بن الصامت أحللتها والله فقال عمر كلا والله اللهم إني لا أحل لهم شيئا حرمته عليهم ولا أحرم عليهم شيئا أحللته لهم، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أنه أخبره أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - خرج عليهم فقال إني وجدت من فلان ريح شراب فزعم أنه شرب الطلاء وإني سائل عما شرب فإن كان يسكر جلدته فجلده عمر الحد تاما. أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال قلت لعطاء أتجلد في ريح الشراب؟ فقال عطاء إن الريح لتكون من الشراب الذي ليس به بأس، فإذا اجتمعوا جميعا على شراب واحد فسكر أحدهم جلدوا جميعا الحد تاما.

(قال الشافعي): وقول عطاء مثل قول عمر لا يخالفه لا يعرف الإسكار في الشراب حتى يسكر منه واحد فيعلم منه أنه مسكر ثم

يجلد الحد على شربه وإن لم يسكر صاحبه قياسا على الخمر أخبرنا سفيان عن الزهري عن السائب بن يزيد أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - خرج يصلي على جنازة فسمعه السائب يقول إني وجدت من عبيد الله وأصحابه ريح شراب وأنا سائل عما شربوا فإن كان مسكرا حددتهم قال سفيان فأخبرني معمر عن الزهري عن السائب بن يزيد أنه حضره يحدهم، أخبرنا سفيان عن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاقتلوه» لا يدري الزهري أبعد الثالثة أو الرابعة فأتي برجل قد شرب فجلده ثم أتي به قد شرب فجلده ثم أتي به قد شرب فجلده ووضع القتل فصارت رخصة قال سفيان قال الزهري لمنصور بن المعتمر ومخول كونا وافدي أهل العراق بهذا الحديث أخبرنا سفيان عن معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن أزهر قال «رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - عام حنين سأل عن رحل خالد بن الوليد فجريت من بين يديه أسأل عن رحل خالد حتى أتاه جريحا وأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - وسلم بشارب فقال اضربوه فضربوه بالأيدي والنعال وأطراف الثياب وحثوا عليه التراب ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - بكتوه فبكتوه ثم أرسله» فلما كان أبو بكر - رضي الله تعالى عنه - سأل من حضر ذلك الضرب فقومه أربعين فضرب أبو بكر في الخمر أربعين حياته ثم عمر - رضي الله تعالى عنه - حتى تتابع الناس في الخمر فاستشار عمر عليا - رضي الله تعالى عنه - فضربه ثمانين. أخبرنا مالك عن ثور بن زيد الديلي أن عمر بن الخطاب استشار في الخمر يشربها الرجل فقال علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - نرى أن تجلده ثمانين فإنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى أو كما قال قال فجلد عمر ثمانين في الخمر.

(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وبلغنا عن الحسين بن أبي الحسن أن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - قال ليس أحد نقيم عليه حدا فيموت فأجد في نفسي منه شيئا فإن الحق قتله إلا حد الخمر فإنه شيء رأيناه بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - فمن مات فيه ففيه دية إما قال في بيت المال وإما قال على الإمام أخبرنا ابن أبي يحيى عن جعفر بن محمد عن أبيه أن علي بن أبي طالب قال لا أوتى بأحد شرب خمرا ولا نبيذا مسكرا إلا جلدته الحد أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر محمد بن علي أن علي بن أبي طالب جلد الوليد بسوط له طرفان أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر أن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - قال إن يجلد قدامة اليوم فلن يترك أحد بعده وكان قدامة بدريا. سمعت الشافعي وهو يحتج في ذكر المسكر فقال كلاما قد تقدم لا أحفظه فقال أرأيت إن شرب عشرة ولم يسكر؟ فإن قال حلال قيل أفرأيت إن خرج فأصابته الريح فسكر؟ فإن قال حرام قيل له أفرأيت شيئا قط شربه رجل وصار في جوفه حلالا ثم صيرته الريح حراما؟ وقول الشافعي إن ما أسكر كثيره فقليله حرام؟ أخبرنا مالك عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن ينبذ في الدباء والمزفت».

الوليمة

أخبرنا الربيع بن سليمان قال حدثنا الشافعي إملاء قال إتيان دعوة الوليمة حق والوليمة التي تعرف وليمة العرس وكل دعوة كانت على إملاك أو نفاس أو ختان أو حادث سرور دعي إليها رجل فاسم الوليمة يقع عليها ولا أرخص لأحد في تركها ولو تركها لم يبن لي أنه عاص في تركها كما يبين في وليمة العرس. فإن قال قائل وهل يفترقان وكلاهما يكلف عند حادث سرور ومن حق المسلم على المسلم أن يسره؟ قيل قد

يجتمعان في هذا ويجتمع في هذا أن يعمل الرجل عند غير حادث الطعام فيدعو عليه فلا أحب أن يتخلف عنه ويفترقان في أني لم أعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك الوليمة على عرس ولم أعلمه أولم على غيره. وأن «النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر عبد الرحمن بن عوف أن يولم ولو بشاة» ولم أعلمه أمر بذلك أظنه قال أحدا غيره حتى «أولم النبي - صلى الله عليه وسلم - على صفية لأنه كان في سفر بسويق وتمر».

(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإن كان المدعو صائما أجاب الدعوة وبارك وانصرف ولم نحتم عليه أن يأكل وأحب إلي أن لو فعل وأفطر إن كان صومه غير واجب إلا أن يأذن قبل وبعد له رب الوليمة.

(قال الشافعي): أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن ابن سيرين أن أباه دعا نفرا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتاه فيهم أبي بن كعب وأحسبه قال فبارك وانصرف.

(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -: أخبرنا سفيان بن عيينة سمع عبد الله بن أبي يزيد يقول دعا أبي عبد الله بن عمر فأتاه فجلس ووضع الطعام فمد عبد الله بن عمر يده وقال خذوا بسم الله وقبض عبد الله يده وقال إني صائم.

(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى - أخبرنا مسلم عن جريج (قال الشافعي) لا أدري عن عطاء أو غيره قال جاء رسول ابن صفوان إلى ابن عباس وهو يعالج زمزم يدعوه وأصحابه فأمرهم فقاموا واستعفاه وقال إن لم يعفني جئته.

(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا قدر الرجل على إتيان الوليمة بحال لم يكن له عذر في تركها اشتد الزحام أو قل لا أعلم الزحام يمنع من الواجب والذي يجب ذلك عليه من قصد صاحب الوليمة قصده بالدعوة فأما من قال له رسول صاحب الوليمة قد أمرني أن أوذن من رأيت فكنت ممن رأيت أن أوذنك فليس عليه أن يأتي الوليمة لأن صاحب الوليمة لم يقصد قصده وأحب إلي أن لا يأتي. ومن لم يدع. ثم جاء فأكل لم يحل له ما أكل إلا بأن يحل له صاحب الوليمة

وإذا دعي الرجل إلى الوليمة وفيها المعصية من المسكر أو الخمر أو ما أشبه ذلك من المعاصي الظاهرة نهاهم فإن نحوا ذلك عنه وإلا لم أحب له أن يجلس فإن علم قبل أن ذلك عندهم فلا أحب له أن يجيب ولا يدخل مع المعصية وإن رأى صورا في الموضع الذي يدعى فيه ذوات أرواح لم يدخل المنزل الذي تلك الصور فيه إن كانت تلك منصوبة لا توطأ فإن كانت توطأ فلا بأس أن يدخله، وإن كانت صورا غير ذوات أرواح مثل صور الشجر فلا بأس إنما المنهي عنه أن يصور ذوات الأرواح التي هي خلق الله، وإن كانت المنازل مستترة فلا بأس أن يدخلها وليس في الستر شيء أكرهه أكثر من السرف وأحب للرجل إذا دعاه الرجل إلى الطعام أن يجيبه.

(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): بلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «لو أهدي إلي ذراع لقبلتها ولو دعيت إلى كراع لأجبت».

(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى أبا طلحة وجماعة معه فأكلوا عنده وكان ذلك في غير وليمة».

(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): «ودعت امرأة سعد بن الربيع النبي - صلى الله عليه وسلم - ونفرا من أصحابه فأتاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن دعت فأكلوا عندها».

(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإني لأحفظ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أجاب إلى غير دعوة في غير وليمة.

صدقة الشافعي - رضي الله عنه

- هذا كتاب كتبه محمد بن إدريس بن العباس الشافعي في صحة منه وجواز من أمره وذلك في صفر سنة ثلاث ومائتين أن الله عز وجل رزق أبا الحسن بن محمد بن إدريس مالا فأخذ محمد بن إدريس من مال ابنه أبي الحسن بن محمد أربعمائة دينار جيادا صحاحا مثاقيل وضمنها محمد بن إدريس لابنه أبي الحسن بن محمد بن إدريس وأشهد محمد بن إدريس شهود هذا الكتاب أنه تصدق على ابنه أبي الحسن بن محمد بن إدريس بثلاثة أعبد منهم وصيف أشقر خصي يقال له صالح ووصيف نوبي خباز يقال له بلال وعبد فراني قصار يدعى سالما وبأمة شقراء تدعى فلانة وقبضهم محمد بن إدريس لابنه أبي الحسن من نفسه وصاروا من مال ابنه أبي الحسن وخرجوا من ملك محمد بن إدريس وأشهد محمد بن إدريس شهود هذا الكتاب أنه تصدق على ابنه أبي الحسن بن محمد بن إدريس بجميع حليه وهو مسكنان ودملجان وخلخالان وقلادة كل ذلك من الذهب وبمثل هذا حلي من الورق وقبضه له من نفسه ودفعه إلى أمه تقبضه له وتحفظه عليه وصار كل ما تصدق به محمد بن إدريس على أبي الحسن بن محمد مالا من مال أبي الحسن بن محمد وأشهد محمد بن إدريس شهود هذا الكتاب أنه تصدق بمسكنه الذي بمهبط ثنية كدى من مكة قبالة دار منيرة على يسار الخارج من مكة في شعب محمد بن إدريس وهما المسكنان اللذان أحدهما المسكن الذي بفناء دار محمد بن إدريس العظمى أحد هذين المسكنين المسكن الذي بناه محمد بن إدريس إلى جنب المنزل الذي يعرف بجابر بن محمد.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 24-06-2024, 05:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (271)
صــــــــــ 221 الى صـــــــــــ 226








مسائل القاضي وكيف العمل عند شهادة الشهود.


(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا شهد الشهود عند القاضي فإن كانوا مجهولين كتب حلية كل واحد منهم ورفع في نسبه إن كان له نسب أو ولائه إن كان يعرف له ولاء. وسأله عن صناعته إن

كان له صناعة وعن كنيته إن كان يعرف بكنية وعن مسكنه وموضع بياعاته ومصلاه. وأحب له إن كان الشهود ليسوا ممن يعرف بالحال الحسنة المبرزة والعقل معها أن يفرقهم ثم يسأل كل واحد منهم على حدته عن شهادته واليوم الذي شهد فيه والموضع الذي شهد فيه ومن حضره وهل جرى ثم كلام. ثم يثبت ذلك كله وهكذا أحب إن كان ثم حال حسنة ولم يكن سديد العقل أن يفعل به هذا ويسأل من كان معه في الشهادة على مثل حاله عن مثل ما يسأل ليستدل على عورة إن كانت في شهادته أو اختلاف إن كان في شهادته وشهادة غيره فيطرح من ذلك ما لزمه طرحه ويلزم ما لزمه إثباته وإن جمع الحال الحسنة والعقل لم يقفه ولم يفرقهم، وأحب للقاضي أن يكون أصحاب مسائله جامعين للعفاف في الطعمة والأنفس وافري العقول برآء من الشحناء بينهم وبين الناس أو الحيف على أحد بأن يكونوا من أهل الأهواء والعصبية والمماطلة للناس وأن يكونوا جامعين للأمانة في أديانهم وأن يكونوا أهل عقول لا يتغفلون بأن يسألوا الرجل عن عدوه ليخفي حسنا ويقول قبيحا فيكون ذلك جرحا عندهم أو يسألوه عن صديقه فيخفي قبيحا ويقول حسنا فيكون ذلك تعديلا عندهم.

(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ويحرص الحاكم على أن لا يعرف له صاحب مسألة فيحتال له. (قال): وأرى أن يكتب لأهل المسائل صفات الشهود على ما وصفت وأسماء من شهدوا له ومن شهدوا عليه وقدر ما شهدوا فيه ثم لا يسألون أحدا عنهم حتى يخبره بمن شهدوا له، وشهدوا عليه وقدر ما شهدوا فيه فإن المسئول عن الرجل قد يعرف ما لا يعرف الحاكم من أن يكون الشاهد عدوا للمشهود عليه أو حنقا عليه أو شريكا فيما شهد فيه وتطيب نفسه على تعديله في اليسير ويقف في الكثير، ولا يقبل تعديله إلا من اثنين ولا المسألة عنه إلا من اثنين ويخفي على كل واحد منهما أسماء من دفع إلى الآخر لتتفق مسألتهما أو تختلف فإن اتفقت بالتعديل قبلها وإن اختلفت أعادها مع غيرهما فإن عدل رجل وجرح لم يقبل الجرح إلا من شاهدين وكان الجرح أولى من التعديل لأن التعديل يكون على الظاهر والجرح يكون على الباطن.

(قال): ولا يقبل الجرح من أحد من خلق الله فقيه عاقل دين ولا غيره إلا بأن يقفه على ما يجرحه به فإذا كان ذلك مما يكون جرحا عند الحاكم قبله منه وإذا لم يكن جرحا عنده لم يقبله فإن الناس يختلفون ويتباينون في الأهواء فيشهد بعضهم على بعض بالكفر فلا يجوز لحاكم أن يقبل من رجل وإن كان صالحا أن يقول لرجل ليس بعدل ولا رضا ولعمري إن من كان عنده كافرا لغير عدل، وكذلك يسمى بعضهم بعضا على الاختلاف بالفسق والضلال فيجرحونهم فيذهب من يذهب إلى أن أهل الأهواء لا تجوز شهادتهم فيجرحونهم من هذا المعنى وليس هذا بموضع جرح لأحد، وكذلك من يجرح من يستحل بعض ما يحرم هو من نكاح المتعة ومن إتيان النساء في أدبارهن وأشباه ذلك مما لا يكون جرحا عند أهل العلم فلا يقبل الجرح إلا بالشهادة من الجارح على المجروح وبالسماع أو بالعيان كما لا يقبلها عليه فيما لزمه من الحق وأكثر من نسب إلى أن تجوز شهادته بغيا حتى يعتد اليسير الذي لا يكون جرحا لقد حضرت رجلا صالحا يجرح رجلا مستهلا بجرحه فألح عليه بأي شيء تجرحه؟ فقال ما يخفى على ما تكون الشهادة به مجروحة فلما قال له الذي يسأله عن الشهادة لست أقبل هذا منك إلا أن تبين قال رأيته يبول قائما قال وما بأس بأن يبول قائما؟ قال ينضح على ساقيه ورجليه وثيابه ثم يصلي قبل أن ينقيه قال أفرأيته فعل فصلى قبل أن ينقيه وقد نضح عليه؟ قال لا ولكني أراه سيفعل. وهذا الضرب كثير في العالمين والجرح خفي فلا يقبل لخفائه ولما وصفت من الاختلاف إلا بتصريح الجارح ولا يقبل التعديل إلا بأن يوقفه المعدل عليه فيقول عدل علي ولي ثم لا يقبل ذلك هكذا

حتى يسأله عن معرفته به فإن كانت معرفته به باطنة متقادمة قبل ذلك منه وإن كانت معرفته به ظاهرة حادثة لم يقبل ذلك منه.

ما تجوز به شهادة أهل الأهواء

(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ذهب الناس من تأويل القرآن والأحاديث أو من ذهب منهم إلى أمور اختلفوا فيها فتباينوا فيها تباينا شديدا واستحل فيها بعضهم من بعض ما تطول حكايته وكان ذلك منهم متقادما منه ما كان في عهد السلف وبعدهم إلى اليوم فلم نعلم أحدا من سلف هذه الأمة يقتدى به ولا من التابعين بعدهم رد شهادة أحد بتأويل وإن خطأه وضلله ورآه استحل فيه ما حرم عليه ولا رد شهادة أحد بشيء من التأويل كان له وجه يحتمله وإن بلغ فيه استحلال الدم والمال أو المفرط من القول وذلك أنا وجدنا الدماء أعظم ما يعصى الله تعالى بها بعد الشرك ووجدنا متأولين يستحلونها بوجوه وقد رغب لهم نظراؤهم عنها وخالفوهم فيها ولم يردوا شهادتهم بما رأوا من خلافهم فكل مستحل بتأويل من قول أو غيره فشهادته ماضية لا ترد من خطأ في تأويله وذلك أنه قد يستحل من خالفه الخطأ إلا أن يكون منهم من يعرف باستحلال شهادة الزور على الرجل لأنه يراه حلال الدم أو حلال المال فترد شهادته بالزور أو يكون منهم من يستحل أو يرى الشهادة للرجل إذا وثق به فيحلف له على حقه ويشهد له بالبت ولم يحضره ولم يسمعه فترد شهادته من قبل استحلاله الشهادة بالزور أو يكون منهم من يباين الرجل المخالف له مباينة العداوة له فترد شهادته من جهة العداوة فأي هذا كان فيهم أو في غيرهم ممن لا ينسب إلى هوى رددت شهادته وأيهم سلم من هذا أجزت شهادته وشهادة من يرى الكذب شركا بالله أو معصية له يوجب عليها النار أولى أن تطيب النفس عليها من شهادة من يخفف المأثم عليها.

وكذلك إذا كانوا مما يشتم قوما على وجه تأويل في شتمهم لا على وجه العداوة وذلك أنا إذا أجزنا شهادتهم على استحلال الدماء كانت شهادتهم بشتم الرجال أولى أن لا ترد لأنه متأول في الوجهين والشتم أخف من القتل فأما من يشتم على العصبية أو العداوة لنفسه أو على ادعائه أن يكون مشتوما مكافئا بالشتم فهذه العداوة لنفسه وكل هؤلاء ترد شهادته عمن شتمه على العداوة. وأما الرجل من أهل الفقه يسأل عن الرجل من أهل الحديث فيقول كفوا عن حديثه ولا تقبلوا حديثه لأنه يغلط أو يحدث بما لم يسمع، وليست بينه وبين الرجل عداوة فليس هذا من الأذى الذي يكون به القائل لهذا فيه مجروحا عنه لو شهد بهذا عليه إلا أن يعرف بعداوة له فترد بالعداوة لا بهذا القول، وكذلك إن قال إنه لا يبصر الفتيا ولا يعرفها فليس هذا بعداوة ولا غيبة إذا كان يقوله لمن يخاف أن يتبعه فيخطئ باتباعه وهذا من معاني الشهادات وهو لو شهد عليه بأعظم من هذا لم يكن هذا غيبة إنما الغيبة أن يؤذيه بالأمر لا بشهادته لأحد يأخذ به منه حقا في حد ولا قصاص ولا عقوبة ولا مال ولا حد لله ولا مثل ما وصفت من أن يكون جاهلا بعيوبه فينصحه في أن لا يغتر به في دينه إذا أخذ عنه من دينه من لا يبصره فهذا كله معاني الشهادات التي لا تعد غيبة

(قال): والمستحل لنكاح المتعة والمفتي بها والعامل بها ممن لا ترد شهادته، وكذلك لو كان موسرا فنكح أمة مستحلا لنكاحها مسلمة أو مشركة

لأنا نجد من مفتي الناس وأعلامهم من يستحل هذا وهكذا المستحل الدينار بالدينارين والدرهم بالدرهمين يدا بيد والعامل به لأنا نجد من أعلام الناس من يفتي به ويعمل به ويرويه، وكذلك المستحل لإتيان النساء في أدبارهن فهذا كله عندنا مكروه محرم وإن خالفنا الناس فيه فرغبنا عن قولهم ولم يدعنا هذا إلى أن نجرحهم ونقول لهم إنكم حللتم ما حرم الله وأخطأتم لأنهم يدعون علينا الخطأ كما ندعيه عليهم وينسبون من قال قولنا إلى أنه حرم ما أحل الله عز وجل.

شهادة أهل الأشربة

(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): من شرب من الخمر شيئا وهو يعرفها خمرا، والخمر: العنب الذي لا يخالطه ماء ولا يطبخ بنار ويعتق حتى يسكر هذا مردود الشهادة لأن تحريمها نص في كتاب الله عز وجل سكر أو لم يسكر ومن شرب ما سواها من الأشربة من المنصف والخليطين أو مما سوى ذلك مما زال أن يكون خمرا وإن كان يسكر كثيره فهو عندنا مخطئ بشربه آثم به ولا أرد به شهادته وليس بأكثر مما أجزنا عليه شهادته من استحلال الدم المحرم عندنا والمال المحرم عندنا والفرج المحرم عندنا ما لم يكن يسكر منه فإذا سكر منه فشهادته مردودة من قبل أن السكر محرم عند جميع أهل الإسلام إلا أنه قد حكي لي عن فرقة أنها لا تحرمه وليست من أهل العلم فإذا كان الرجل المستحل للأنبذة يحضرها مع أهل السفه الظاهر ويترك لها الحضور للصلوات وغيرها وينادم عليها ردت شهادته بطرحه المروءة وإظهاره السفه، وأما إذا لم يكن ذلك معها لم ترد شهادته من قبل الاستحلال.

شهادة أهل العصبية

(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): من أظهر العصبية بالكلام فدعا إليها وتألف عليها وإن لم يكن يشهر نفسه بقتال فيها فهو مردود الشهادة لأنه أتى محرما لا اختلاف بين علماء المسلمين علمته فيه الناس كلهم عباد الله تعالى لا يخرج أحد منهم من عبوديته وأحقهم بالمحبة أطوعهم له وأحقهم من أهل طاعته بالفضيلة أنفعهم لجماعة المسلمين من إمام عدل أو عالم مجتهد أو معين لعامتهم وخاصتهم وذلك أن طاعة هؤلاء طاعة عامة كثيرة فكثير الطاعة خير من قليلها وقد جمع الله تعالى الناس بالإسلام ونسبهم إليه فهو أشرف أنسابهم.

(قال): فإن أحب امرؤ فليحب عليه وإن خص امرؤ قومه بالمحبة ما لم يحمل على غيرهم ما ليس يحل له فهذا صلة ليست بعصبية وقل امرؤ إلا وفيه محبوب ومكروه فالمكروه في محبة الرجل من هو منه أن يحمل على غيره ما حرم الله تعالى عليه من البغي والطعن في النسب والعصبية والبغضة على النسب لا على معصية الله ولا على جناية من المبغض على المبغض ولكن بقوله أبغضه لأنه من بني فلان فهذه العصبية المحضة التي ترد بها الشهادة فإن قال قائل ما الحجة في هذا؟ قيل له: قال الله تبارك وتعالى: {إنما المؤمنون إخوة} وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «وكونوا عباد الله إخوانا»، فإذا صار رجل إلى خلاف أمر الله تبارك وتعالى اسمه وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلا سبب يعذر به يخرج به من العصبية كان مقيما على معصية لا تأويل فيها ولا اختلاف بين المسلمين فيها ومن أقام على مثل هذا كان حقيقا أن يكون مردود الشهادة.

شهادة الشعراء

(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): الشعر كلام حسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام غير أنه كلام باق سائر فذلك فضله على الكلام فمن كان من الشعراء لا يعرف بنقص المسلمين وأذاهم والإكثار من ذلك، ولا بأن يمدح فيكثر الكذب لم ترد شهادته. ومن أكثر الوقيعة في الناس على الغضب أو الحرمان حتى يكون ذلك ظاهرا كثيرا مستعلنا، وإذا رضي مدح الناس بما ليس فيهم حتى يكون ذلك كثيرا ظاهرا مستعلنا كذبا محضا ردت شهادته بالوجهين، وبأحدهما لو انفرد به، وإن كان إنما يمدح فيصدق، ويحسن الصدق أو يفرط فيه بالأمر الذي لا يمحض أن يكون كذبا لم ترد شهادته، ومن شبب بامرأة بعينها ليست ممن يحل له وطؤها حين شبب فأكثر فيها وشهرها وشهر مثلها بما يشبب، وإن لم يكن زنى ردت شهادته، ومن شبب فلم يسم أحدا لم ترد شهادته لأنه يمكن أن يشبب بامرأته، وجاريته، وإن كان يسأل بالشعر أو لا يسأل به فسواء. وفي مثل معنى الشعر في رد الشهادة من مزق أعراض الناس، وسألهم أموالهم فإذا لم يعطوه إياها شتمهم.

فأما أهل الرواية للأحاديث التي فيها مكروه على الناس فيكره ذلك لهم، ولا ترد شهادتهم لأن أحدا قلما يسلم من هذا إذا كان من أهل الرواية فإن كانت تلك الأحاديث عضة بحر أو نفي نسب ردت بذلك شهادتهم إذا أكثروا روايتها أو عمدوا أن يرووها فيحدثوا بها، وإن لم يكثروا.

وأما من روى الأحاديث التي ليست بمحض الصدق ولا بيان الكذب، وإن كان الأغلب منها أنها كذب فلا ترد الشهادة بها، وكذلك رواية أهل زمانك من الإرجاف، وما أشبهه

وكذلك المزاح لا ترد به الشهادة ما لم يخرج في المزاح إلى عضة النسب أو عضة بحر أو فاحشة فإذا خرج إلى هذا، وأظهره كان مردود الشهادة.

شهادة أهل اللعب

(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): يكره من، وجه الخير اللعب بالنرد أكثر مما يكره اللعب بشيء من الملاهي، ولا نحب اللعب بالشطرنج، وهو أخف من النرد، ويكره اللعب بالحزة، والقرق، وكل ما لعب الناس به لأن اللعب ليس من صنعة أهل الدين ولا المروءة. ومن لعب بشيء من هذا على الاستحلال له لم ترد شهادته والحزة تكون قطعة خشب فيها حفر يلعبون بها إن غفل به عن الصلوات فأكثر حتى تفوته ثم يعود له حتى تفوته رددنا شهادته على الاستخفاف بمواقيت الصلاة كما نردها لو كان جالسا فلم يواظب على الصلاة من غير نسيان ولا غلبة على عقل. فإن قيل فهو لا يترك الصلاة حتى يخرج وقتها للعب إلا وهو ناس؟ قيل فلا يعود للعب الذي يورث النسيان، وإن عاد له، وقد جربه يورثه ذلك فذلك استخفاف. فأما الجلوس والنسيان فمما لم يجلب على نفسه فيه شيئا إلا حديث النفس الذي لا يمتنع منه أحد، ولا يأثم به، وإن قبح ما يحدث به نفسه، والناس يمتنعون من اللعب. فأما ملاعبة الرجل أهله وإجراؤه الخيل، وتأديبه فرسه، وتعلمه الرمي، ورميه فليس ذلك من اللعب، ولا ينهى عنه. وينبغي للمرء أن لا يبلغ منه، ولا من غيره من تلاوة القرآن، ولا نظر في علم ما يشغله عن الصلاة حتى يخرج

وقتها، وكذلك لا يتنفل حتى يخرج من المكتوبة لأن المكتوبة أوجب عليه من جميع النوافل.

شهادة من يأخذ الجعل على الخير

(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو أن القاضي والقاسم والكاتب للقاضي وصاحب الديوان وصاحب بيت المال والمؤذنين لم يأخذوا جعلا، وعملوا محتسبين كان أحب إلي، وإن أخذوا جعلا لم يحرم عليهم عندي، وبعضهم أعذر بالجعل من بعض، وما منهم أحد كان أحب إلي أن يترك الجعل من المؤذنين (قال): ولا بأس أن يأخذ الرجل الجعل عن الرجل في الحج إذا كان قد حج عن نفسه، ولا بأس أن يأخذ الجعل على أن يكيل للناس ويزن لهم، ويعلمهم القرآن والنحو، وما يتأدبون به من الشعر مما ليس فيه مكروه (قال الربيع) سمعت الشافعي يقول لا تأخذ في الأذان أجرة، ولكن خذه على أنه من الفيء.

شهادة السؤال

(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): لا تحرم المسألة في الجائحة تصيب الرجل تأتي على ماله، ولا في حمالة الرجل بالديات والجراحات، ولا في الغرم لأن هذه مواضع ضرورات، وليس فيها كبير سقاطة مروءة. وهكذا لو قطع برجل ببلد فسأل لم أر أن هذا يحرم عليه إذا كان لا يجد المضي منها إلا بمسألة، ولا ترد شهادة أحد بهذا أبدا فأما من يسأل عمره كله أو أكثر عمره أو بعض عمره، وهو غني بغير ضرورة، ولا معنى من هذه المعاني، ويشكو الحاجة فهذا يأخذ ما لا يحل له، ويكذب بذكر الحاجة فترد بذلك شهادته (قال): ومن سأل، وهو فقير لا يشهد على غناه لم تحرم عليه المسألة، وإن كان ممن يعرف بأنه صادق ثقة لم ترد شهادته، وإن كان تغلبه الحاجة، وكانت عليه دلالات أن يشهد بالباطل على الشيء لم تقبل شهادته، وهكذا إن كان غنيا يقبل الصدقة المفروضة من غير مسألة كان قابلا ما لا يحل له فإن كان ذلك يخفى عليه أنه محرم عليه لم ترد شهادته، وإن كان لا يخفى عليه أنه محرم عليه ردت شهادته. فأما غير الصدقة المفروضة يتصدق بها على رجل غني فقبلها فلا يحرم عليه، ولا ترد بها شهادته.

شهادة القاذف

(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): من قذف مسلما حددناه أو لم نحدده لم نقبل شهادته حتى يتوب فإذا تاب قبلنا شهادته فإن كان القذف إنما هو بشهادة لم تتم في الزنا حددناه ثم نظرنا إلى حال المحدود فإن كان من أهل العدل عند قذفه بشهادته قلنا له تب، ولا توبة إلا إكذابه نفسه فإذا أكذب نفسه فقد تاب حد أو لم يحد، وإن أبى أن يتوب، وقد قذف، وسقط الحد عنه بعفو أو غيره مما لا يلزم المقذوف اسم القذف لم تقبل شهادته أبدا حتى يكذب نفسه. وهكذا قال عمر للذين شهدوا على من شهدوا عليه حين حدهم فتاب اثنان فقبل شهادتهما، وأقام الآخر على القذف فلم يقبل شهادته، ومن كانت حاله

عند القذف بشهادة أو غير شهادة حال من لا تجوز شهادته بأنه غير عدل حد أو لم يحد فسواء، ولا تقبل شهادته حتى تحدث له حال يصير بها عدلا، ويتوب من القيل بما وصفت من إكذابه نفسه، وتجوز شهادة المحدود في القذف إذا تاب على رجل في قذف

وتجوز شهادة ولد الزنا على رجل في الزنا، وشهادة المحدود في الزنا إذا تاب على الحد في الزنا، وهكذا المقطوع في السرقة، والمقتص منه في الجراح إذا تابوا ليس ههنا إلا أن يكونوا عدولا في كل شيء أو مجروحين في كل شيء إلا ما يشركهم فيه من لا عيب فيه من هذه العيوب فشهدوا فيكونون خصماء أو أظناء أو جارين إلى أنفسهم أو دافعين عنها أو ما ترد به شهادة العدول

وهكذا تجوز شهادة البدوي على القروي، والقروي على البدوي، والغريب على الآهل، والآهل على الغريب ليس من هذا شيء ترد به الشهادة إذا كانوا كلهم عدولا، وإذا كان معروفا أن الرجلين قد يتبايعان فلا يحضرهما أحد، ويتشاتمان، ولا يحضرهما أحد، ويقتل أحدهما الآخر، ولا يحضرهما أحد فحضور البدوي القروي، والقروي البدوي حتى يشهد على ما رأى، واستشهد عليه جائز، وقد لا يشهد لأنه حاضر يشهد غيره ثم ينتقل المشهد أو يموت أو يطمئن إلى صاحبه فلا يكون له شاهد غير بدوي أو بدويين. وكذلك قد يكون له شهود غيره يغيبون أو يموتون فلا يمنع ذلك البدوي أن تجوز شهادته إذا كان عدلا

(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): في الرجل يغني فيتخذ الغناء صناعته يؤتى عليه ويأتي له، ويكون منسوبا إليه مشهورا به معروفا، والمرأة، لا تجوز شهادة واحد منهما؛ وذلك أنه من اللهو المكروه الذي يشبه الباطل، وأن من صنع هذا كان منسوبا إلى السفه وسقاطة المروءة، ومن رضي بهذا لنفسه كان مستخفا، وإن لم يكن محرما بين التحريم، ولو كان لا ينسب نفسه إليه، وكان إنما يعرف بأنه يطرب في الحال فيترنم فيها، ولا يأتي لذلك، ولا يؤتى عليه، ولا يرضى به لم يسقط هذا شهادته، وكذلك المرأة

(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): في الرجل يتخذ الغلام والجارية المغنيين وكان يجمع عليهما، ويغشى لذلك فهذا سفه ترد به شهادته، وهو في الجارية أكثر من قبل أن فيه سفها ودياثة، وإن كان لا يجمع عليهما ولا يغشى لهما كرهت ذلك له، ولم يكن فيه ما ترد به شهادته

(قال): وهكذا الرجل يغشى بيوت الغناء، ويغشاه المغنون إن كان لذلك مدمنا، وكان لذلك مستعلنا عليه مشهودا عليه فهي بمنزلة سفه ترد بها شهادته. وإن كان ذلك يقل منه لم ترد به شهادته لما وصفت من أن ذلك ليس بحرام بين.

فأما استماع الحداء ونشيد الأعراب فلا بأس به قل أو كثر، وكذلك استماع الشعر أخبرنا ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة «عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال أردفني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء؟ قلت: نعم قال: هيه فأنشدته بيتا. فقال: هيه فأنشدته حتى بلغت مائة بيت».

(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحداء، والرجز، وأمر ابن رواحة في سفره فقال حرك القوم فاندفع يرتجز «، وأدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركبا من بني تميم معهم حاد فأمرهم أن يحدوا، وقال إن حادينا وني من آخر الليل قالوا يا رسول الله نحن أول العرب حداء بالإبل قال وكيف ذلك؟ قالوا كانت العرب يغير بعضها على بعض فأغار رجل منا فاستاق إبلا فتبددت فغضب على غلامه فضربه بالعصا فأصاب يده فقال الغلام: وايداه، وايداه قال فجعلت الإبل تجتمع قال فقال هكذا فافعل قال والنبي - صلى الله عليه وسلم - يضحك فقال ممن أنتم؟ قالوا نحن من مضر فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -، ونحن من مضر» فانتسب تلك الليلة حتى بلغ في النسبة إلى مضر



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 09-03-2023, 04:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (232)
صــــــــــ 303 الى صـــــــــــ 308




قيل: والحدود نزلت كفارات للذنوب «وحد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهوديين بالرجم» ونحن نعلم أنها ليست كفارة لهما بخلافهما في دين الإسلام ولكنها كانت عقوبة عليهما فأخذت وإن لم تكتب لهما، ولو كان عليه صوم فصامه في ردته لم يجزه لأن الصوم عمل على البدن والعمل على البدن لا يجزئ عنه ولا يجزئ إلا لمن يكتب له.
الكفارة بالإطعام

قال الله تعالى {فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير - فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا} (قال الشافعي): - رحمه الله - فمن تظاهر ولم يجد رقبة ولم يستطع حين يريد الكفارة عن الظهار صوم شهرين متتابعين بمرض أو علة ما كانت أجزأه أن يطعم قال ولا يجزئه أن يطعم أقل من ستين مسكينا كل مسكين مدا من طعام بلده الذي يقتاته حنطة أو شعيرا أو أرزا أو تمرا أو سلتا أو زبيبا أو أقطا ولو أطعم ثلاثين مسكينا مدين مدين في يوم واحد أو أيام متفرقة لم يجزه إلا عن ثلاثين وكان متطوعا بما زاد كل مسكين على مد لأن معقولا عن الله عز وجل إذا أوجب طعام ستين مسكينا أن كل واحد منهم غير الآخر كما كان ذلك معقولا عنه في عدد الشهود وغيرهما مما أوجب ولا يجزئه أن يعطيهم ثمن الطعام أضعافا ولا يعطيهم إلا مكيلة طعام لكل واحد ولا يجزئه أن يغديهم وإن

أطعمهم ستين مدا أو أكثر لأن أخذهم الطعام يختلف فلا أدري لعل أحدهم يأخذ أقل من مد والآخر أكثر لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما سن مكيلة الطعام في كل ما أمر به من كفارة ولا يجزئه أن يعطيهم دقيقا ولا سويقا ولا خبزا حتى يعطيهم حبا، ولا يجوز أن يكسوهم مكان الطعام، وكل مسكين أعطاه مدا أجزأ عنه ما خلا أن يكون مسكينا يجبر على نفقته فإنه لا يجزئه أن يعطي مسكينا يجبر على نفقته، ولا يجزئه إلا مسكين مسلم وسواء الصغير منهم والكبير ولا يجزئه أن يطعم عبدا ولا مكاتبا ولا أحدا على غير دين الإسلام وإن أعطى رجلا وهو يراه مسكينا فعلم بعد أنه أعطاه وهو غني أعاد الكفارة لمسكين غيره، ولو شك في غناه بعد أن يعطيه على أنه مسكين فليست عليه إعادة ومن قال له إني مسكين ولا يعلم غناه أعطاه، وسواء السائل من المساكين والمتعفف في أنه يجزئ (قال): ويكفر في الطعام قبل المسيس لأنها في معنى الكفارة قبلها.
تبعيض الكفارة
(قال الشافعي): ولا يكون له أن يبعض الكفارة ولا يكفر إلا كفارة كاملة من أي الكفارات كفر لا يكون له أن يعتق نصف رقبة ثم لا يجد غيرها فيصوم شهرا ولا يصوم شهرا ثم يمرض فيطعم ثلاثين مسكينا ولا يطعم مع نصف رقبة حتى يكفر أي الكفارات وجبت عليه بكمالها (قال): وإن فرق الطعام في أيام مختلفة أجزأه إذا أتى على ستين مسكينا (قال الشافعي): وكفارة الظهار وكل كفارة وجبت على أحد بمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تختلف الكفارات وكيف تختلف وفرض الله عز وجل تنزل على رسوله وسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على أنه يمده وكيف يجوز أن يكون بمد من لم يولد في عهده أو بمد أحدث بعد مده بيوم واحد؟.
كتاب اللعان
(أخبرنا الربيع بن سليمان) قال (أخبرنا الشافعي) قال: قال الله تعالى {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة} الآية (قال الشافعي): ثم لم أعلم مخالفا في أن ذلك إذا طلبت ذلك المقذوفة الحرة ولم يأت القاذف بأربعة شهداء يخرجونه من الحد، وهكذا كل ما أوجبه الله تعالى لأحد وجب على الإمام أخذه له إن طلبه أخذه له بكل حال.
فإن قال قائل فما الحجة في ذلك؟ قيل قول الله تعالى اسمه {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل} فبين أن السلطان للولي ثم بين فقال في القصاص {فمن عفي له من أخيه شيء} فجعل العفو إلى الولي وقال: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح} فأبان في هذه الآيات أن الحقوق لأهلها وقال في القتل {النفس بالنفس} إلى قوله {والجروح قصاص} (قال): فأبان الله عز وجل أن ليس حتما أن يأخذ هذا من وجب له ولا أن حتما أن يأخذه الحاكم لمن وجب له ولكن حتما أن يأخذه الحاكم لمن وجب له إذا طلبه.
(قال): وإذا قذف الرجل زوجته فلم تطلب الحد حتى فارقها أو لم يفارقها ولم تعفه ثم طلبته التعن أو حد إن أبى أن يلتعن، وكذلك لو ماتت كان لوليها أن يقوم به فيلتعن الزوج أو يحد وقال الله تعالى
{والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين} إلى قوله {أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين} (قال الشافعي): فكان بينا في كتاب الله عز وجل أن الله أخرج الزوج من قذف المرأة بشهادته {أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين - والخامسة أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين} كما أخرج قاذف المحصنة غير الزوجة بأربعة شهود يشهدون عليها بما قذفها به من الزنا، وكانت في ذلك دلالة أن ليس على الزوج أن يلعن حتى تطلب المرأة المقذوفة حدها وكما ليس على قاذف الأجنبية حد حتى تطلب حدها (قال): وكانت في اللعان أحكام بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها الفرقة بين الزوجين ونفي الولد قد ذكرناها في مواضعها.
من يلاعن من الأزواج ومن لا يلاعن
(قال الشافعي): - رحمه الله -: ولما ذكر الله عز وجل اللعان على الأزواج مطلقا كان اللعان على كل زوج جاز طلاقه ولزمه الفرض، وكذلك على كل زوجة لزمها الفرض وسواء كان الزوجان حرين مسلمين أو كان أحدهما حرا والآخر مملوكا أو كانا مملوكين معا أو كان الزوج مسلما والزوجة ذمية أو كانا ذميين تحاكما إلينا لأن كلا زوج وزوجة، يجب عليه الفرض في نفسه دون صاحبه وفي نفسه لصاحبه ولعانهم كلهم سواء لا يختلف القول فيه والقول في نفي الولد وتختلف الحدود لمن وقعت له وعليه وسواء في ذلك الزوجان المحدودان في قذف والأعميان وكل زوج يجب عليه فرض وسواء قال الزوج رأيتها تزني أو قال زنت أو قال يا زانية كما يكون ذلك سواء إذا قذف أجنبية، وإذا قذف الزوج الذي لا حد عليه امرأته وهي ممن عليه الحد أو ممن لا حد عليه فسواء ولا حد عليه ولا لعان ولا فرقة بينه وبينها ولا ينفي الولد إن نفاه عنه ولا طلاق له لو طلقها، وكذلك المعتوه وكل مغلوب على عقله بأي وجه كانت الغلبة على العقل غير السكر لأن القول والفعل يلزم السكران ولا يلزم الفعل ولا القول من غلب على عقله بغير سكر، وكذلك الصبي لم يستكمل خمس عشرة أو يحتلم قبلها وإن كان عاقلا فلا يلزمه حد ولا لعان (قال): ومن عزب عقله من مرض في حال فأفاق في أخرى فما صنع في حال عزوب عقله سقط عنه وما صنع في الحال التي يثوب فيها عقله لزمه طلاق ولعان وقذف وغيره.
وإن اختلف الزوجان فقالت المرأة قذفتني في حال إفاقتك وقال ما قذفتك في حال إفاقتي ولئن كنت قذفتك ما قذفتك إلا وأنا مغلوب على عقلي فالقول قوله وعليها البينة إذا كانت المرأة تقر، أو كان يعلم أنه يذهب عقله، ولو قذفها فقال قذفتك وعقلي ذاهب من مرض وقالت ما كنت ذاهب العقل فإن لم يعلم أنه كان في الوقت الذي قذفها فيه وقبله ومعه في مرض قد يذهب عقله فيه فلا يصدق وهو قاذف يلتعن أو يحد وإن علم ذلك صدق وحلف (قال): وإذا كان الزوج أخرس يعقل الإشارة والجواب أو يكتب فيعقل فقذف لاعن بالإشارة أو حد فإن لم يعقل فلا حد ولا لعان وإن استطلق لسانه فقال قد قذفت ولم يلتعن حد إلا أن يلتعن، وإن قال لم أقذف ولم ألتعن لم يحد ولا ترد إليه امرأته بقوله لم ألتعن وقد ألزمناه الفرقة بحال ويسعه فيما بينه وبين الله تعالى أن يمسكها، وكذلك لو طلق فألزمناه الطلاق ثم أفاق فقال ما طلقت لم نردها إليه ووسعه فيما بينه وبين الله تعالى المقام عليها، ولو أصابه هذا من مرض تربصوا به حتى يفيق أو يطول ذلك به ويشير إشارة تعقل أو يكتب كتابا يعقل فيصير كالأخرس الذي ولد أخرس (قال): وإذا كانت هي الخرساء لم نكلفها لعانه إلا أن تكون تعقل لأنه لا معنى لها في

الفرقة ولا نفي الولد ولأنها غير قاذفة لأحد يسأل أن نأخذ له حقه.
فإن قيل فعليها حق الله تعالى؟ قيل: لا يجب إلا ببينة أو اعتراف وهي لا تعقل الاعتراف.
وإن كانت تعقل كما تعقل الإشارة أو الكتابة التعنت وإن لم تلتعن حدت إن كانت لا يشك في عقلها، فإن شك في عقلها لم تحد إن أبت الالتعان.
ولو قالت له قذفتني فأنكر وأتت بشاهدين أنه قذفها لاعن وإن لم يلاعن حد.
وليس إنكاره إكذابا لنفسه بقذفها إنما هو جحد أن يكون قذفها.
(قال): ولو قذفها قبل بلوغه بساعة ثم بلغ فطلبت الالتعان أو الحد لم يكن لها إلا أن يحدث لها قذفا بعد البلوغ.
وكذلك لو قذفها مغلوبا على عقله ثم أفاق بعد ذلك بساعة (قال): ولا يكون على الزوج لعان حتى تطلب ذلك الزوجة فإن قذف الزوج زوجته البالغة فتركت طلب ذلك لم يكن عليه لعان وإن ماتت فترك ذلك ورثتها لم يكن عليه لعان وإن اعترفت بالزنا الذي قذفها به لم يكن عليه لعان وإن شاء هو أن يلتعن ليوجب عليها الحد وتقع الفرقة وينفي ولدا إن كان، كان ذلك له، ولو كانت محدودة في زنا، ثم قذفها بذلك الزنا أو زنا كان في غير ملكه عزر إن طلبت ذلك إن لم يلتعن، وإن أردنا حده لامرأته أو تعزيره لها قبل اللعان أو بعد اللعان فأكذب نفسه وألحق به ولدها فأرادت امرأته العفو عنه أو تركته فلم تطلبه لم نحده ولا نحده إلا بأن تكون طالبة بحدها غير عافية عنه، ولو كانت زوجته ذمية فقذفها أو مملوكة أو جارية يجامع مثلها ولم تبلغ فقذفها بالزنا وطلبت أن يعزر قيل له إن التعنت خرجت من أن تعزر ووقعت الفرقة بينك وبين زوجتك وإن لم تلتعن عزرت وهي زوجتك بحالها وإن التعنت وأبت أن تلتعن فكانت كتابية أو صبية لم تبلغ لم تلتعن ولم تحد الكتابية البالغ إلا أن تأتينا طالبة لحكمنا وإن كانت مملوكة بالغة فعليها خمسون جلدة ونفي نصف سنة وإن قلن نحن نلتعن التعنت المملوكة ليسقط الحد ولا التعان على صبية لأنه لا حد عليها ولا أجبر النصرانية على الالتعان إلا أن ترغب في أن نحكم عليها فتلتعن فإن لم تفعل حددناها إن ثبتت على الرضا بحكمنا وإن رجعت عنه تركناها.
فإن كانت زوجته خرساء أو مغلوبة على عقلها فقذفها قيل له إن التعنت فرقنا بينك وبينها وإن انتفيت من حمل أو ولدها فلاعنت نفيناه عنك مع الفرقة وإن لم تلتعن فهي امرأتك ولا نجبرك على الالتعان لأنه لا حد عليك ولا تعزير إذا لم تطلبه وهي لا يطلب مثلها ونحن لا ندري لعلها لو عقلت اعترفت فسقط ذلك كله عنك (قال): وإن التعن فلا حد على الخرساء ولا المغلوبة على العقل، ولو طلب أولياؤها أن يلتعن الزوج أو يحد لم يكن ذلك لهم، وكذلك لو قذف امرأته وهي أمة بالغة فلم تطلبه فطلب سيدها أن يلتعن أو يعزر أو قذف صغيرة فطلب ذلك وليها لم يكن ذلك لواحد منهم وإنما الحق في ذلك لها فإن لم تطلبه لم يكن لأحد يطلبه لها ما كانت حية، ولو لم تطلبه واحدة من هؤلاء ولا كبيرة قذفها زوجها ولم تعفه الكبيرة ولم تعترف حتى ماتت أو فورقت فطلبه وليها بعد موتها أو هي بعد فراقها كان على الزوج أن يلتعن أو يحد للكبيرة الحرة المسلمة ويعزر لغيرها.
(قال): ولو أن رجلا طلق امرأته طلاقا يملك فيه الرجعة ثم قذفها في العدة فطلبت القذف لاعن فإن لم يفعل حد وإن التعن فعليها الالتعان فإن لم تلتعن حدت لأنها في معاني الأزواج، وهكذا لو مضت العدة وقد قذفها في العدة (قال): وإذا كان الطلاق لا يملك فيه الرجعة فقذفها في العدة أو كان يملك فيه الرجعة فقذفها بعد مضي العدة بزنا نسبه إلى أنه كان وهي زوجته أو لم ينسبه إلى ذلك فطلبت حدها، حد ولا لعان إن لم يكن ينفي به ولدا ولدته أو حملا يلزمه (قال): وإنما حددته إذا قذفها وهي بائن منه أنها غير زوجة ولا بينها وبينه بسبب النكاح ولد يلزم نسبه

ولا حكم من حكم الأزواج فكانت محصنة مقذوفة.

فإن قال قائل: أفرأيت إن ظهر بها حمل أو حدث لها ولد يلحق نسبه به فانتفى منه بأن قذفها والقذف كان وهي غير زوجة كيف لاعنت بينهما؟ قيل له إن شاء الله تعالى كما ألحقت الولد به وإن كانت بائنا منه بأنها كانت زوجته فجعلت حكم ولدها منه غير حكمها منفردة دون الولد بأنها كانت زوجة فكذلك لاعنت بينهما بالولد لأنها كانت زوجة ألا ترى أنها في لحوق الولد بعد بينونتها منه كهي لو كانت معه وكذلك يلتعن وينفيه وإذا نفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الولد وهي زوجة فأزال الفراش كان الولد بعدما تبين أولى أن ينفى أو في مثل حاله قبل أن تبين ولو قال رجل لامرأته قد ولدت هذا الولد وليس بابني قيل له ما أردت؟ فإن قال زنت به لاعن أو حد إذا طلبت ذلك وإذا لاعن نفي عنه وإن سكت لم ينف عنه ولم يلاعن فإن طلبت الحد حلف ما أراد قذفها فإن حلف برئ وإن نكل حد أو لاعن وذلك أنه يقال قد تستدخل المرأة ماء الرجل فتحبل فلذلك لم أجعله قذفا ولا ألاعن بينهما حتى يقذفها بالزنا فيحد أو يلتعن لأنه الموضع الذي جعل الله عز وجل فيه اللعان لا غير ولو قال قد حبسك رجل أو فتشك أو نال منك ما دون الجماع لم يلاعنها لأن هذا ليس بقذف في زنا وعزر لها إن طلبت ذلك قال ولو قال لها أصابك رجل في دبرك فطلبت ذلك حد أو لاعن لأن هذا جماع يجب عليها به الحد ولا يحد لها إلا في القذف بجماع يجب عليها فيه حد لو فعلته وحد على مجامعتها إذا كان حراما ولو قال لها عبثت بك امرأة فأفحش لم يحد ولم يلاعن ويعزر إن طلبت ذلك ولو قال لها ركبت أنت رجلا حتى غاب ذلك منه في ذلك منك كان قذفا يلاعن به أو يحد لأن عليهما معا الحد ولو قال لها وهي زوجة زنيت قبل أن أنكحك فلا لعان ويحد إن طلبت ذلك ولو قال لها بعدما تبين منه زنيت وأنت امرأتي ولا ولد ولا حبل ينفيه حد ولم يلاعن لأنه قاذف غير زوجته ولو قال لامرأته يا زانية بنت الزانية وأمها حرة مسلمة غير حاضرة فطلبت امرأته حد أمها لم يكن لها وإذا طلبته أمها أو وكيلها حد لها إن لم يأت بأربعة شهداء على ما قال: قال ومتى طلبت امرأته حدها كان عليه أن يلتعن أو يحد ولو طلبناه جميعا حد للأم مكانه وقيل له التعن لامرأتك فإن لم يلتعن حبس حتى يبرأ جلده فإذا برأ حد إلا أن يلتعن ومتى أبى اللعان فجلدته ثم رجع فقال أنا ألتعن قبلت رجوعه وإن لم يبق إلا سوط واحد ولا شيء له فيما مضى من الضرب.
أين يكون اللعان
(قال الشافعي): - رحمه الله - روي «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لاعن بين الزوجين على المنبر» فإذا لاعن الحاكم بين الزوجين بمكة لاعن بينهما بين المقام والبيت فإذا لاعن بينهما بالمدينة لاعن بينهما على المنبر وإذا لاعن بينهما ببيت المقدس لاعن بينهما في مسجده وكذلك يلاعن بين كل زوجين في مسجد كل بلد قال ويبدأ فيقيم الرجل قائما والمرأة جالسة فيلتعن ثم يقيم المرأة قائمة فتلتعن إلا أن يكون بأحدهما علة لا يقدر على القيام معها فيلتعن جالسا أو مضطجعا إذا لم يقدر على الجلوس وإن كانت المرأة حائضا التعن الزوج في المسجد والمرأة على باب المسجد وإن كان الزوج مسلما والزوجة مشركة التعن الزوج في المسجد والزوجة في الكنيسة وحيث تعظم وإن شاءت الزوجة المشركة أن تحضر الزوج في المساجد كلها حضرته إلا أنها لا تدخل المسجد الحرام لقول الله تعالى {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} (قال الشافعي): - رحمه الله - وإن أخطأ الإمام بمكة أو المدينة أو غيرهما فلاعن بين

الزوجين في غير المسجد لم يعد اللعان عليهما لأنه قد قضي اللعان عليهما ولأنه حكم قد مضى.
بينهما وكذلك إن لاعن ولم يحضر أحدهما الآخر.
قال: وإذا كان الزوجان مشركين لاعن بينهما معا في الكنيسة وحيث يعظمان وإذا كانا مشركين لا دين لهما تحاكما إلينا لاعن بينهما في مجلس الحكم.
أي الزوجين يبدأ باللعان؟

(قال الشافعي): - رحمه الله -: ويبدأ الرجل باللعان حتى يكمله فإذا أكمله خمسا التعنت المرأة وإن أخطأ الحاكم فبدأ بالمرأة قبل الزوج فالتعنت أو بدأ بالرجل فلم يكمل اللعان حتى أمر المرأة أن تلتعن فالتعنت فإذا أكمل الرجل اللعان عادت المرأة فالتعنت ولو لم يبق من لعان الرجل إلا حرف واحد من قبل أن الله عز وجل بدأ بالرجل في اللعان فلا يجب على المرأة لعان حتى يكمل الرجل اللعان لأنه لا معنى لها في اللعان إلا رفع الحد عن نفسها والحد لا يجب حتى يلتعن الرجل ثم يجب لأنها تدفع الحد عن نفسها بالالتعان وإلا حدت وإذا بدأ الرجل فالتعن قبل أن يأتي الحاكم أو بعدما أتاه قبل أن يأمره بالالتعان أو المرأة أو هما أعاد أيهما بدأ قبل أمر الحاكم إياه بالالتعان لأن ركانة أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بطلاق امرأته ألبتة وحلف له فأعاد النبي - صلى الله عليه وسلم - اليمين على ركانة ثم رد إليه امرأته بعد حلفه بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يرد امرأته إليه قبل حلفه بأمره (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك قال حدثني ابن شهاب أن سهل بن سعد الساعدي أخبره «أن عويمرا العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي فقال له أرأيت يا عاصم لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ سل لي يا عاصم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فلما رجع عاصم إلى أهله جاءه عويمر فقال يا عاصم ماذا قال لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال عاصم لعويمر لم تأتني بخير قد كره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسألة التي سألته عنها فقال عويمر والله لا أنتهي حتى أسأله فأقبل عويمر حتى أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسط الناس فقال يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أنزل فيك وفي صاحبتك فاذهب فأت بها فقال سهل بن سعد فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما فرغا قال عويمر لقد كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» قال ابن شهاب فكانت تلك سنة في المتلاعنين أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن سهل عن رجل وجد مع امرأته رجلا فقتله أيقتل به أم كيف يصنع؟ فسأل عاصم النبي - صلى الله عليه وسلم - فعاب النبي - صلى الله عليه وسلم - المسائل فلقيه عويمر فقال ما صنعت؟ فقال إنك لم تأتني بخير سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعاب المسائل فقال عويمر والله لآتين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلأسألنه فأتاه فوجده قد أنزل عليه فيهما فدعا بهما فلاعن بينهما فقال عويمر لئن انطلقت بها لقد كذبت عليها ففارقها قبل أن يأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «انظروها فإن جاءت به أسحم أدعج عظيم الأليتين فلا أراه إلا قد صدق وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة فلا أراه إلا كاذبا» فجاءت به على النعت المكروه قال ابن شهاب فصارت سنة المتلاعنين أخبرنا عبد الله بن نافع عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن سهل بن سعد الساعدي أن عويمرا جاء إلى عاصم فقال أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتله

أتقتلونه؟ سل لي يا عاصم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فكره المسائل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعابها فرجع عاصم إلى عويمر فأخبره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كره المسائل وعابها فقال عويمر والله لآتين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءه وقد نزل القرآن خلاف عاصم فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال «قد أنزل الله عز وجل فيكما القرآن فتقدما فتلاعنا» ثم قال كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها ففارقها وما أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - فمضت سنة المتلاعنين وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «انظروها فإن جاءت به أحمر قصيرا كأنه وحرة فلا أحسبه إلا قد كذب عليها وإن جاءت له أسحم أعين ذا أليتين فلا أحسبه إلا قد صدق عليها» فجاءت به على النعت المكروه (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن سعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «إن جاءت به أشيقر سبطا فهو لزوجها وإن جاءت به أديعج فهو للذي يتهمه» قال فجاءت به أديعج أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن ابن شهاب عن سهل بن سعد أخي بني ساعدة أن رجلا من الأنصار جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ فأنزل الله عز وجل في شأنه ما ذكر في القرآن من أمر المتلاعنين فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - «قد قضي فيك وفي امرأتك» قال فتلاعنا وأنا شاهد ثم فارقها عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فكانت السنة بعدهما أن يفرق بين المتلاعنين قال وكانت حاملا فأنكره فكان ابنها يدعى إلى أمه أخبرنا سفيان عن أبي الزناد عن القاسم بن محمد قال شهدت ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - يحدث بحديث المتلاعنين فقال له ابن شداد أهي التي قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «لو كنت راجما أحدا بغير بينة رجمتها؟» فقال ابن عباس لا تلك امرأة كانت قد أعلنت أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد بن الهادي عن عبد الله بن يونس أنه سمع المقبري يحدث القرظي قال المقبري حدثني أبو هريرة أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول لما نزلت آية الملاعنة قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ولن يدخلها الله تعالى جنته وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله تعالى منه وفضحه به على رءوس الخلائق من الأولين والآخرين» سمعت سفيان بن عيينة يقول أخبرنا عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عمر «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للمتلاعنين حسابكما على الله عز وجل أحدكما كاذب لا سبيل لك عليها» فقال يا رسول الله ما لي. فقال «لا مال لك إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها وإن كنت كذبت عليها فذلك أبعد لك منها أو منه» أخبرنا سفيان بن عيينة عن أيوب بن أبي تميمة عن سعيد بن جبير قال سمعت ابن عمر يقول فرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أخوي بني العجلان وقال هكذا بإصبعيه المسبحة والوسطى فقرنها والتي تليها يعني المسبحة وقال «الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب» أخبرنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر «أن رجلا لاعن امرأته في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - وانتفى من ولدها ففرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهما وألحق الولد بالمرأة».




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 09-03-2023, 05:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (233)
صــــــــــ 309 الى صـــــــــــ 315



رميت به زوجتي فلانة بنت فلان ويشير إليها إن كانت حاضرة من الزنا ثم يعود فيقولها حتى يكمل ذلك أربع مرات فإذا أكمل أربعا وقفه الإمام وذكره الله وقال " إني أخاف إن لم تكن صدقت أن تبوء بلعنة الله " فإن رآه يريد أن يمضي أمر من يضع يده على فيه ويقول إن قولك " وعلي لعنة الله إن كنت من الكاذبين " موجبة إن كنت كاذبا فإن أبى تركه وقال قل " علي لعنة الله إن كنت من الكاذبين فيما رميت به فلانة من الزنا " (قال الشافعي): فإن قذفها بأحد يسميه بعينه واحد أو اثنين أو أكثر قال مع كل شهادة " أشهد بالله أني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا بفلان وفلان وفلان " وقال عند الالتعان " وعلي لعنة الله إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا بفلان أو فلان وفلان " وإن كان معها ولد فنفاه أو بها حبل فانتفى منه قال مع كل شهادة " أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا وأن هذا الولد ولد زنا ما هو مني " وإن كان حملا قال " وأن هذا الحمل إن كان بها حمل لحمل من الزنا ما هو مني " وقال في الالتعان " وعلي لعنة الله إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا وأن هذا الولد ولد زنا ما هو مني " فإذا قال هذا فقد فرغ من الالتعان.
(قال الشافعي): وإذا أخطأ الإمام ولم يذكر نفي الولد أو الحمل في الالتعان قال للزوج إن أردت نفيه أعدت عليك اللعان ولا تعيد المرأة بعد إعادة الزوج اللعان إن كانت فرغت منه بعد التعان الزوج الذي أغفل الإمام فيه نفي الولد والحمل وإن أخطأ وقد قذفها برجل ولم يلتعن بقذفه فأراد الرجل حده أعاد عليه اللعان وإلا حد له إن لم يلتعن وأي الزوجين كان أعجميا التعن له بلسانه بشهادة عدلين وأحب إلي لو كانوا أربعة ويجزئ عدلان يعرفان بلسانه فإن كان أخرس تفهم إشارته التعن بالإشارة فإن انطلق لسانه بعد الخرس لم يعد قال ثم تقام المرأة فتقول " أشهد بالله أن زوجي فلانا وتشير إليه إن كان حاضرا لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا " ثم تعود حتى تقول ذلك أربع مرات فإذا فرغت من الرابعة وقفها الإمام وذكرها الله تبارك وتعالى وقال لها " احذري أن تبوئي بغضب من الله عز وجل إن لم تكوني صادقة في أيمانك " فإن رآها تمضي وحضرتها امرأة أمرها أن تضع يدها على فيها وإن لم تحضرها فرآها تمضي قال لها قولي " وعلي غضب الله إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا " فإذا قالت ذلك فقد فرغت من اللعان وإنما أمرت بوقفهما وتذكيرهما أن سفيان أخبرنا عن عاصم بن كليب عن أبيه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر رجلا حين لاعن بين المتلاعنين أن يضع يده على فيه عند الخامسة وقال إنها موجبة» (قال الشافعي): وسواء في أيمانها والتعانها لاعنها بنفي ولد أو حمل أو بلا واحد منهما لأنه لا معنى لها في الولد والولد ولدها بكل حال وإنما ينفى عنه هو أو يثبت قال وسواء كل زوج وزوجة بالغين ليسا بمغلوبين على عقولهما في الموضع الذي يلتعنان فيه والقول الذي يلتعنان به حرين أو مملوكين أو حر ومملوك وسواء الكافران أو أحدهما كافر في القول الذي يلتعنان به ويختلفان في الموضع الذي يلتعنان فيه قال وإن لم يلاعن بينهما الإمام قائمين ولا على المنبر أو لم يحضرهما أربع أو لم يحضر أحدهما وحضر الآخر لم يرد عليهما اللعان.
ما يكون بعد التعان الزوج من الفرقة ونفي الولد وحد المرأة
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي): فإذا أكمل الزوج الشهادة والالتعان فقد زال فراش امرأته ولا تحل له أبدا بحال وإن أكذب نفسه لم تعد إليه التعنت أو لم تلتعن حدت أو لم تحد قال وإنما قلت هذا لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «الولد للفراش» وكانت فراشا فلم يجز أن ينفى الولد عن الفراش إلا بأن يزول الفراش فلا يكون فراش أبدا وقد أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرق بين المتلاعنين وألحق الولد بالمرأة»(قال الشافعي) - رحمه الله - عن نافع عن ابن عمر «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرق بين المتلاعنين وألحق الولد بالمرأة»
(قال الشافعي)
: - رحمه الله - وكان معقولا في حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ألحق الولد بأمه أنه نفاه عن أبيه وأن نفيه عن أبيه بيمينه والتعانه لا بيمين أمه على كذبه بنفيه ومعقول في إجماع الناس أن الزوج إذا أكذب نفسه ألحق به الولد وجلد الحد لأن لا معنى للمرأة في نفيه وأن المعنى للزوج بما وصفت من نفيه وكيف يكون لها معنى في يمين الزوج ونفي الولد وإلحاقه والولد بكل حال ولدها لا ينفى عنها إنما عنه ينفى وإليها ينسب إذا نسب (قال الشافعي): فإذا أكمل الزوج اللعان فقد بانت منه امرأته لأنه لا يزول النسب إلا بزوال الفراش ولو مات أو ماتت امرأته بعد كمال التعانه لم يتوارثا لأن الفرقة وقعت بالذي وقع به نفي الولد قال ولو قالت لا ألتعن أو أقذف بالزنا أو خرست أو ماتت فسواء الولد منفي والفرقة واقعة قال ولو حلف الأيمان كلها وبقي الالتعان أو حلف ثلاثة أيمان والتعن أو نقص من الأيمان أو الالتعان شيئا كانا بحالهما أيهما مات ورثه صاحبه والولد غير منفي حتى يكمل الالتعان، قال وسواء إذا لم يتم اللعان كله في أن لا فرقة ولا نفي ولد لو جن أو عته أو غاب أو أكذب نفسه، قال وإن حلف اثنتين أو ثلاثا ثم هرب فالنكاح بحاله حتى يقدر عليه فيلتعن وكذلك لو عته أو خرس أو برسم أو أصابه ما لا يقدر معه على الكلام أو ما يذهب عقله فالنكاح بحاله فمتى قدر عليه أو ثاب إليه عقله التعن فإن قال هو لا ألتعن وطلبت أن يحد لها حد وهو زوجها والولد ولده وإن لم تطلب أن يحد لها فطلب ذلك رجل قذفها بزناه بها كان ذلك له وحد له وإن ماتت وطلب ذلك ورثتها ولم تكن عفت حدها كان ذلك لهم، وكذلك لو مات المقذوف بها وطلب ذلك ورثته كان ذلك لهم فإن طلبته أو ورثتها فحد لها ثم طلبه الذي قذفها به لم يحد له لأنه قذف واحد ولو قالت المرأة قبل أن يتم الزوج اللعان أنا ألتعن لم يكن ذلك عليها ولو أخطأ الإمام فأمرها فالتعنت لم يكن ذلك شيء يدرأ به عن نفسها حد ولا يجب به حكم ومتى التعن الزوج فعليها أن تلتعن فإن أبت حدت وإن كانت حين التعن الزوج حائضا فسأل الزوج أن تؤخر حتى تدخل المسجد لم يكن ذلك عليها وأحلفت بباب المسجد فإن كانت مريضة لا تقدر على الخروج أحلفت في بيتها، قال وإن امتنعت من اليمين وهي مريضة فكانت ثيبا رجمت وكذلك إن كان في يوم بارد أو ساعة صائفة لأن القتل يأتي عليها وإن كانت بكرا لم تحد حتى تصح وينقص البرد والحر ثم تحد وإنما قلت تحد إذا التعن الزوج لقول الله تعالى {ويدرأ عنها العذاب} الآية
(قال الشافعي)
: والعذاب الحد فكان عليها أن تحد إذا التعن الزوج ولم تدرأ عن نفسها بالالتعان، قال ولو غابت أو عتهت أو غلبت على عقلها فإذا حضرت وثاب إليها عقلها التعنت فإن لم تفعل حدت وإن لم يثب إليها عقلها فلا حد ولا التعان لأنها ليست ممن عليها الحدود، ولو قال الزوج لا ألتعن وأمر بأن يقام عليه الحد فضرب بالسياط فلم يتمه حتى قال أنا ألتعن قبلنا ذلك منه ولا شيء له فيما ناله من الحد ولو أتى على نفسه كما يقذف المرأة فيقال ائت ببينة فيقول لا آتي بها فيضرب بعض الحد ثم يقول أنا آتي بهم فيكون ذلك له ولو قيل للمرأة التعني فأبت فأمر بها يقام عليها الحد فأصابها بعضه ثم قالت أنا ألتعن تركت حتى تلتعن بهذا المعنى ولو قذف الرجل امرأته ونفى ولدها ثم خرس أو ذهب عقله فمات الولد قبل أن يفيق فأخذ
له ميراثه منه ثم أفاق الزوج فالتعن ونفى الولد عنه رد الميراث ولو قذف امرأته بولد فصدقته لم يكن عليه حد ولا لعان لها ولا ينفى الولد وإن صدقته حتى يلتعن الزوج فينفى عنه بالتعانه.
(قال الشافعي): الولد للفراش والأصل أن ولد الزوجة للزوج بغير اعتراف مات الزوج أو عاش ما لم ينفه أو يلاعن ولازم للمعتوه ولا احتياج إلى دعوة ولد الزوجة، قال ولا ينفى الولد عن الزوج إلا في مثل الحال التي نفى فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك «أن العجلاني قذف امرأته وأنكر حملها فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلاعن بينهما ونفى الولد عنه» قال وأظهر العجلاني قذفها عند استبانة حملها وإذا علم الزوج بالولد وأمكنه الحاكم فأتى الحاكم فنفاه لاعن بينهما وإن علم وأمكنه الحاكم فترك ذلك وقد أمكنه إمكانا بينا ثم نفاه لم يكن ذلك له كما يكون أصل بيع الشقص صحيحا فيكون للشفيع أخذه إذا أمكنه فإن ترك ذلك في تلك المدة لم تكن له شفعة وهكذا كل من له شيء في مدة دون غيرها فمضت لم يكن له ولو جحد بأن يكون يعلم بالولد فيكون له نفيه حتى يقر به جاز بعد أن يكون الولد شيخا وهو يختلف معه اختلاف ولده.

قال وإمكان الانتقاء من الولد أن يعلم به ويمكنه أن يلقى الحاكم ويكون قادرا على لقائه أو له من يلقاه له فإذا كان هذا هكذا فلم ينفه لم يكن له نفيه ولا وقت في هذا إلا ما وصفت ولو قال قائل فإذا كان حاضرا فكان هذا فالمدة التي ينقطع فيها أن يكون له نفيه فيها ثلاثة أيام كان مذهبا محتملا فإن لم يصل إلى الحاكم أو مرض أو شغل أو حبس فأشهد فيها على نفيه ثم طلب بعدها كان مذهبا لما وصفنا في غير هذا الموضع من أن الله تعالى منع من قضى بعذابه ثلاثا «وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذن للمهاجر بعد قضاء نسكه بمقامه ثلاثا بمكة»، قال وأي مدة قلت له نفيه فأشهد على نفيه وهو مشغول بأمر يخاف فوته أو بمرض لم ينقطع نفيه وإن كان غائبا فبلغه فأقام وهو يمكنه المسير لم يكن له نفيه إلا بأن يشهد أنه على نفيه ثم يقدم، قال وإن قال قد سمعت بأنها ولدت ولم أصدق فأقمت فالقول قوله أو قال لم أعلم فالقول قوله ولو كان حاضرا ببلدها فقال لم أعلم أنها ولدت فالقول قوله وعليها البينة، قال وإن كان مريضا لا يقدر على الخروج أو محبوسا أو خائفا فكل هذا عذر فأي هذه الحال كان فله أن ينفيه حتى تأتي المدة التي لا يكون له بعدها نفيه.
وهكذا إن كان غائبا ولو نفى رجل ولد امرأته قبل موتها ثم مات قبل أن يلاعنها أو ماتت قبل أن ينتفي من ولدها ثم انتفى منه التعن ونفاه وسواء كانت ميتة أو حية وإذا قذفها ثم ماتت أو قذفها بعد الموت وانتفى من ولدها فلم يلتعن فلورثتها أن يحدوه.
الوقت في نفي الولد
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وإذا أقر الرجل بحبل امرأته، فولدت ولدا في ذلك الحبل أو أكثر ثم نفى الولد أو الولدين من الحمل لم يكن منفيا عنه بلعان ولا غيره وإن قذفها مع نفيه فطلبت الحد حد لها وإن لم تطلبه لم يحد لها، وإن لم يقذفها وقال لم تلدي هذا الولد الذي أقررت به ولا من الحمل الذي أقررت به فالولد لاحق ولا حد لها ولا لعان، فإن قال أقررت أن الحمل مني وأنا كاذب ولا أقذفك أحلف ما أراد قذفها إذا طلبت ذلك فإن حلف لم يحد وإن لم يحلف فحلفت لقد أراد قذفها

حد، قال والإقرار باللسان دون الصمت فلو أن رجلا رأى امرأته حبلى فلم يقل في حبلها شيئا ثم ولدت فنفاه فيسأل هل أقررت بحبلها؟ فإن قال لا أو قال كنت لا أدري لعله ليس بحمل لاعن ونفاه إن شاء وإن قال بلى أقررت بحملها وقلت لعله يموت فأستر عليها وعلى نفسي لزمه ولم يكن له نفيه ولو ولدت ولدا وهو غائب فقدم فنفاه حين علم به وقال لم أعلم به في غيبتي كان له نفيه بلعان ولو قالت قد علم به وأقر، فقال: قيل لي ولم أصدق وما أقررت به حلف ما أقر به وكان له نفيه ولو كان حاضرا أو غائبا فهنئ به فرد على الذي هنأه به خيرا ولم يقرر به لم يكن هذا إقرارا لأنه يكافئ الدعاء بالدعاء ولا يكون إقرارا كما لو قال له رجل بارك الله تعالى لك في تزويجك أو في مولودك فدعا له ولم يتزوج ولم يولد له لم يكن هذا إقرارا بتزويج ولا ولد.
ما يكون قذفا وما لا يكون
(قال الشافعي): - رحمه الله -: ولا لعان حتى يقذف الرجل امرأته بالزنا صريحا لقول الله عز وجل {والذين يرمون أزواجهم} قال فإذا فعل فعليه اللعان إن طلبته وله نفي ولده وحمله إذا قال هو من الزنا الذي رميتها به ولو ولدت ولدا فقال ليس بابني أو رأى حملا فقال ليس مني ثم طلبت الحد فلا حد ولا لعان حتى يقفه في الولد فيقول لم قلت هذا؟ فإن قال لم أقذفها ولكنها لم تلده أو ولدته من زوج غيري قبلي وقد عرف نكاحها فلا يلحقه نسبه إلا أن تأتي بأربع نسوة يشهدن أنها ولدته وهي زوجته في وقت يعلم أنها كانت فيه زوجته يمكن أن تلد منه عند نكاحها في أقل ما يكون من الحمل أو أكثره فإن لم يكن لها أربع نسوة يشهدن فسألت يمينه ما ولدته وهي زوجته أو ما ولدته في الوقت الذي إذا ولدته فيه لحقه نسبه أحلفناه فإن حلف برئ وإن نكل أحلفناها فإن حلفت لزمه وإن لم تحلف لم يلزمه
(قال الربيع) - رحمه الله - وفيه قول آخر أنها وإن لم تحلف لزمه الولد لأن للولد حقا في نفسه وتركها اليمين لا يبطل حقه في نفسه فلما لم تحلف فتبرأ لزمه الولد
(قال الشافعي): ولو جاءت بأربع نسوة يشهدن أنها ولدته وهي زوجته أو في وقت من الأوقات يدل على أنها ولدته بعد تزويجه إياها بما يمكن أن يكون منه ويحددن حدا علمنا أن ذلك بعدما تزوجها بستة أشهر فأكثر ألحقت الولد به، قال وإنما قلت إذا نفى الرجل حمل امرأته ولم يقذفها بزنا لم ألاعن بينهما لأنه قد يكون صادقا فلا يكون هذا حملا وإن نفى ولدا ولدته ولم يقذفها وقال لا ألاعنها ولا أقذفها لم يلاعنها ولزمه الولد وإن قذفها لاعنها لأنه إذا لاعنها بغير قذف فإنما يدعي أنها لم تلده وقد حكمت أنها قد ولدته وإنما أوجب الله عز وجل اللعان بالقذف ولا يجب بغيره.

(قال الشافعي): - رحمه الله - وإذا لاعن الرجل امرأته بولد فنفاه عنه ثم جاءت بولد لستة أشهر أو أكثر وما يلزم به نسب ولد المبتوتة فهو ولده إلا أن ينفيه بلعان فإن نفاه بلعان فذلك له، وإذا ولدت امرأة الرجل ولدين في بطن فأقر بالأول ونفى الآخر أو أقر بالآخر ونفى الأول فهو سواء وهما ابناه ولا يكون حمل واحد بولدين إلا من واحد، فإذا أقر بأحدهما لم يكن له نفي الآخر الذي ولد معه في بطن كما لا يكون له نفي الولد الذي أقر به وإن كان نفي أيهما نفي بقذف لأمه فطلبت حدها فعليه الحد، وإذا ولدت ولدا فنفاه فمات الولد قبل يلتعن الأب فإن التعن الأب نفي عنه المولود، ولو كان رجل جنى على المولود فقتله فأخذ الأب ديته أو جنى عليه جنينا فأخذ الأب ديته ردها الأب إذا نفى عنه فهو غير أبيه، وهكذا لو ولد له ولدان فمات أحدهما ثم نفاهما فالتعن نفي عنه الميت والحي ولو

ولدت له ولدا فنفاه بلعان ثم ولدت آخر بعده بيوم فأقر به لزماه جميعا لأنه حبل واحد وحد لها إن كان قذفها وطلبت ذلك (قال): ولو لم ينفه ولم يقر به وقف فإن نفاه وقال اللعان الأول يكفيني لأنه حبل واحد لم يكن ذلك له حتى يلتعن من الآخر ولو ولدا معا لم يلتعن إلا بنفيهما معا وكذلك لو التعن من الأول ثم الثاني ثم نفى الثالث التعن به أيضا لا ينفى ولد حادث إلا بلعان به بعينه ولو قذف رجل امرأته وبها حمل أو معها ولد وأقر بالحمل والولد أو لم ينفه كان لازما له لأنها قد تزني وهي حبلى منه والولد منه ويلتعن للقذف أو يحد إن طلبت ذلك ولو قال رجل لامرأته زنيت وأنت صغيرة أو قال لامرأته وقد كانت نصرانية أو أمة زنيت وأنت نصرانية أو أمة أو قال لامرأته زنيت مستكرهة أو أصابك رجل نائمة أو زنى بك صبي لا يجامع مثله لم يكن عليه حد في شيء من هذا، وإن كان أوقع هذا عليها قبل نكاحها لم يكن عليه لعان وعزر للأذى وإن كان أوقع هذا عليها وهي امرأته ولم ينسبه إلى حين لم تكن له فيه امرأة فلا حد عليه وإن التعن فلا يعزر وتقع الفرقة وإن لم يلتعن عزر للأذى ولو قال لامرأة إن تزوجتك فأنت زانية أو إذا تزوجتك فأنت زانية أو قال لامرأته إذا قدم فلان فأنت زانية أو خيرها فقال إن اخترت نفسك فأنت زانية فلا حد ولا لعان ويؤدب إن طلبت ذلك على إظهار الفاحشة قبل أن ينكحها وقبل أن تختار وبعد النكاح والاختيار ولو قال رجل لامرأته يا زانية فقالت زنيت بك وطلبا معا مالهما سألناها فإن قالت عنيت أنه أصابني وهو زوجي حلفت ولا شيء عليها لأن إصابته إياها ليست بزنا وعليه أن يلتعن أو يحد، وإن قالت زنيت به قبل أن ينكحني فهي قاذفة له وعليها الحد ولا حد عليه لأنها مقرة بالزنا ولا لعان ولو قال لها يا زانية فقالت أنت أزنى مني فعليه الحد أو اللعان ولا شيء عليها في قولها أنت أزنى مني لأنه ليس بقذف بالزنا إذا لم ترد به القذف ولو قال لها أنت أزنى من فلانة لم يكن هذا قذفا ولا لعان ولا حد ويؤدب في الأذى فإن أراد به القذف فعليه الحد أو اللعان ولو قال لها أنت أزنى الناس لم يكن قاذفا إلا بأن يريد القذف ويعزر وهذا لأن هذا أكبر من قوله أنت أزنى من فلانة ولو قال لامرأته يا زان كان عليه الحد أو اللعان وهذا ترخيم كما يقول الرجل لمالك يا مال ولحارث يا حار ولو قال لها زنأت في الجبل أحلفناه بالله ما أراد قذفها بالزنا ولا لعان ولا حد لأن زنأت في الجبل رقيت في الجبل ولو قالت له هي يا زانية فعليها الحد لأنها قد أكملت القذف وزادته حرفا أو اثنين وإذا قال الرجل لامرأته زنيت قبل أن أتزوجك حد ولا لعان لأنه أوقع القذف وهي غير زوجة ولو جعلته يلاعن لأنه إنما تكلم بالقذف الآن جعلته يلاعن أو يحد إذا قال الرجل لامرأة له بالغ زنيت وأنت صغيرة ولكني أنظر إلى يوم تكلم به لأن القذف يوم يوقعه ولو قذف رجل امرأة بالزنا قبل أن ينكحها فطلبته بالحد حد ولا لعان لأن القذف كان وهي غير زوجة ولو قذفها بالزنا ولم تطلبه بالحد حتى نكحها ثم قذفها ولاعنها وطلبته بحد القذف قبل النكاح حد لها ولو لم يلاعنها حتى حده لها الإمام في القذف الأول ثم طلبته بالقذف بعد النكاح لاعن أو حد ولو طلبته بهما معا حده بالقذف الأول وعرض عليه اللعان بالقذف الآخر فإن أبى حده أيضا لأن حكمه قاذفا غير زوجة الحد، وحكمه قاذفا زوجة حد أو لعان فإذا التعن فالفرقة واقعة بينهما وإن لم أحده وألاعن بينهما لم يكن حده في القذف بأوجب علي من حمله على اللعان أو الحد في القذف الآخر وكان لغيري أن لا يحده ولا يلاعن وإذا جاز طرح اللعان بقذف زوجة وحد أو طرح الحد باللعان جاز طرحهما معا وكذلك لو قذفها وامرأة معها أجنبية في كلمة واحدة حد للأجنبية ولاعن امرأته أو حد لها.
ولو قذف أربع نسوة له بكلمة واحدة أو كلمات فقمن معا أو متفرقات لاعن كل واحدة منهن أو حد لها وأيتهن لاعن سقط حدها وأيتهن نكل عن أن يلتعن حد لها إذا طلبت حدها ويلتعن لهن واحدة واحدة وإذا تشاححن أيتهن تبدأ؟ أقرع بينهن فأيتهن بدأ الإمام بها بغير قرعة رجوت للإمام أن لا يأثم لأنه لا يمكنه أن يأخذ ذلك إلا واحدا واحدا إذا طلبته واحدة واحدة ولو قذف رجل امرأته بزنين في ملكه التعن مرة أو حد مرة لأن حكمهما واحد وكذلك لو قذف امرأة أجنبية مرتين كان حدا واحدا ولو قذف رجل نفرا بكلمة واحدة أو كلمات كان لكل واحد منهم حده ولو قال رجل لامرأته أنت طالق ثلاثا أو طالق واحدة لم يبق له عليها من الطلاق إلا هي أو طالق ولم يدخل بها أو أي طلاق ما كان لا رجعة له عليها بعده وأتبع الطلاق مكانه يا زانية حد ولا لعان إلا أن يكون ينفي به ولدا أو حملا فيلاعن للولد ويوقف الحمل فإذا ولدت التعن فإن لم تلد حد ولو بدأ فقال يا زانية أنت طالق ثلاثا التعن لأن القذف وقع وهي امرأته ولو قال أنت طالق ثلاثا يا زانية حد ولا لعان إلا أن ينفي ولدا فيلاعن به ويسقط الحد ولو قذف رجل امرأته فصدقته ثم رجعت فلا حد ولا لعان إلا أن ينفي ولدا فلا ينفي إلا بلعان ولو قذف رجل امرأته ثم زنت بعد القذف أو وطئت وطئا حراما فلا حد ولا لعان إلا أن ينفي ولدا أو يريد أن يلتعن فيثبت عليها الحد إن لم تلتعن.

وإذا قذف رجل امرأته فارتدت عن الإسلام وطلبت حدها لاعن أو حد لأن القذف كان وهي زوجة مسلمة ولو كان هو المرتد كان هكذا ولا يشبه هذا أن يقذفها ثم تزني لأن زناها دليل على صدقه بزنيتها وردتها لا تدل على أنها زانية وإذا كانت تحت المسلم ذمية فقذفها ثم أسلمت فطلبت حدها لاعن أو عزر ولا حد لأن القذف كان وهي كافرة وكذلك لو كانت مملوكة فعتقت أو صبية فبلغت وإذا ملك الرجل امرأته أمرها فاختارت نفسها ثم قذفها فإن كان الطلاق يملك فيه الرجعة لاعن أو حد وإن كان لا يملك الرجعة حد ولا يلاعن فإن قذفها ثم طلقها لاعن لأن القذف كان وهي زوجة وإذا طلق الملاعن امرأته لم يقع عليها الطلاق وللملاعنة السكنى ولا نفقة لها وإذا لاعن الرجل امرأته ونفى عنه ولدها ثم أقر به وأكذب نفسه حد إن طلبت الحد وألحق به الولد وهكذا لو أقر به الأب وهو مريض فطلبت حدها فلم يحد حتى مات فهو ابنه يرثه ويثبت نسبه منه وإن لم يحد لأمه ولو كانت المسألة بحالها وكان الابن هو الميت والأب هو الحي فادعاه بعد الموت وللابن مال أو لا مال له أو له ولد أو لا ولد له ثبت نسبه منه وورثه الأب ولو كان قتل فانتسب إليه أخذ حصته من ديته ولو كان الولد المنفي عن أبيه منع ميراثه من قبل أبيه في حياته لأنه كان منفيا عن ميراثه الذي منعه لأن أصل أمره أن نسبه ثابت فإنه إنما هو منفي ما كان أبوه ملاعنا مقيما على نفيه باللعان وإذا التعن الزوجان بولد أو غير ولد ثم قذف الزوج امرأته التي لاعن فلا حد عليه كما لو حد لها بقذف فقذفها لم يحد ثانية ونهي عن قذفها فإن انتهى وإلا عزر وإذا قذفها غير الزوج الذي لاعنها فعليه الحد وإذا قال رجل لابن ملاعنة لست ابن فلان أحلف ما أراد قذف أمه ولا حد عليه لأنا قد حكمنا أنه ليس ابنه ولو أراد قذف أمه حددناه ولو قال بعدما يقر الذي نفاه أنه ابنه أو يكذب نفسه لست ابن فلان كان قاذفا لأمه فإن طلبت الحد حد لها إن كانت حرة مسلمة وإن كانت كافرة أو أمة عزر وإذا قذف الرجل المرأة فقال أنت أمة أو كافرة فعليها البينة أنها حرة مسلمة والقول قوله مع يمينه إن لم تكن بينة لأنه يؤخذ منه الحد ولو ادعى الأب الولد فطلبت المرأة حدها حد لها ولزمه وإن لم تطلبه لزمه الولد ولا يحد ومتى طلبته حد لها ولو قذفها قبل الحد ثم طلبت منه الحد حد لها حدا واحدا لأن اللعان بطل وصار مفتريا عليها مرتين فأما الأجنبي فيحد لها قبل اعتراف الأب بالولد وبعده ولو قامت بينة على الأب أنه أكذب نفسه في اللعان أو أقر بالولد لزمه وإن جحد وحد إن طلبت الحد ولو أقامت بينة أنه قذفها وأكذب نفسه حد ولم يلتعن إذا طلبت وإن جحد ذلك كله ولو قال رجل لامرأته يا
زانية ثم قال عنيت زنأت في الجبل حد أو لاعن لأن هذا ظاهر التزنية ولو وصل الكلام فقال يا زانية في الجبل أحلف ما أراد إلا الرقي في الجبل ولا حد فإن لم يحلف حد لها إذا حلفت لقد أراد القذف ولو قال لها يا فاجرة أو يا خبيثة أو يا جرية أو يا غلمة أو يا ردية أو يا فاسقة وقال لم أرد الزنا أحلفه ما أراد تزنيتها وعزر في أذاها ولو قال لها يا غلمة أو يا شبقة أو ما أشبه هذا لم يكن في شيء من هذا قذف وكذلك لو قال لها أنت تحبين الجماع أو تحبين الظلمة أو تحبين الخلوات فعليه في هذا كله إن طلبت اليمين يمينه.
الشهادة في اللعان
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): إذا جاء الزوج وثلاثة يشهدون على امرأته معا بالزنا لاعن الرجل فإن لم يلتعن حد لأن حكم الزوج غير حكم الشهود والشهود لا يلاعنون بحال ويكونون عند أكثر المفتين قذفة يحدون إذا لم يتموا أربعة، والزوج منفردا يلاعن ولا يحد قال وإذا زعم الزوج أنه رآها تزني فبين أنها قد وترته في نفسه بأعظم من أن تأخذ أكثر ماله أو تشتم عرضه أو تناله بشديد ضرب من أجل ما يبقى عليه من العار في نفسه بزناها عنده على ولده فلا عداوة تصير إليهما فيما بينها وبينه أكثر من هذا تكاد تبلغ هذا ونحن لا نجيز شهادة عدو على عدوه والأجنبي يشهد عليها ليس مما وصفت بسبيل وسواء قذف الزوج امرأته أو جاء شاهدا عليها بالزنا هو بكل حال قاذف فإن جاء بأربعة يشهدون على المرأة بالزنا حدت ولم يلاعن إلا أن ينفي ولدا لها بذلك الزنا فيحد أو يلتعن فينفي الولد، وإن قذفها وانتفى من حملها وجاء بأربعة يشهدون عليها بالزنا لم يلاعن حتى تلد فيلتعن إن أراد نفي الولد فإن لم يلتعن لم تنفه عنه، ولم تحد حتى تلد وتحد بعد الولادة، ولو جاء بشاهدين يشهدان على إقرارها بالزنا وهي تجحد فلا حد عليها ولا عليه ولا لعان، ولو كان الشاهدان ابنيه منها أو من غيرها لم تجز شهادتهما، ولا تجوز شهادة الولد لوالده، ولو كان الشاهدان ابنيها من غيره جازت شهادتهما عليها لأنهما يبطلان عنه حدها.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 09-03-2023, 05:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس

الحلقة (234)
صــــــــــ 1 الى صـــــــــــ 6




ولا يثبت عليها بالاعتراف شيء من الحد إلا أن تشاء هي أن يثبت عليها فتحد،
وإذا قذف الرجل امرأته ثم جاء بأربعة شهداء متفرقين يشهدون عليها بالزنا سقط عنه الحد وحدت، وإن كان نفى مع ذلك ولدا لم ينف عنه حتى يلتعن هو ولو شهد ابنا المرأة على أبيهما أنه قذف أمهما والأب يجحد والأم تدعي فالشهادة باطلة لأنهما يشهدان لأمهما وكذلك لو شهد أبوها وابنها أو شهد رجل وامرأتان لا تجوز شهادة النساء في غير الأموال وما لا يراه الرجال ولو شهد لامرأة ابنان لها على زوج لها غير أبيهما أنه قذفها أو على أجنبي أنه قذفها لم تجز شهادتهما لأمهما، ولو شهد شاهد على رجل أنه قذف امرأته بالزنا يوم الخميس وشهد آخر أن الزوج أقر أنه قذفها بالزنا يوم الخميس وهو يجحد لم يكن عليه حد ولا لعان لأن الإقرار بالقذف غير قول القذف، ولو شهد رجل أنه قذفها بالزنا يوم الخميس وشهد آخر أنه قذفها بالزنا يوم الجمعة لم تجز شهادتهما، ولو شهد شاهد أنه قذف امرأته بالزنا والآخر أنه قال لابنها منه يا ولد الزنا لم تجز الشهادة فإذا لم تجز فلا حد ولا لعان، وإن طلبت أن يحلف لها أحلف بالله ما قذفها فإن حلف برئ وإن نكل حلفت لقد قذفها ثم قيل له إن التعنت وإلا حددت، وكذلك لو ادعت عليه القذف ولم تقم عليه شاهدا حلف، ولو شهد شاهد أنه قذفها بالفارسية وآخر أنه قذفها بالعربية في مقام واحد أو مقامين فسواء لا تجوز الشهادة لأن كل واحد من هذا كلام غير الكلام الآخر.
ولو شهد عليه شاهد أنه قال لها زنى بك فلان وآخر أنه قال لها زنى بك فلان رجل آخر لم تجز الشهادة لأن
هذين قذفان مفترقان بتسمية رجلين مفترقين، ولو قذفها برجل بعينه فجاءت تطلب الحد وجاء الرجل يطلب الحد قيل له إن التعنت فلا حد للرجل وإن لم تلتعن حددت لهما حدا واحدا لأنه قذف واحد، وإن جاء الرجل يطلب الحد قبل المرأة والمرأة ميتة أو حية التعن وبطل عنه الحد فإن لم يلتعن حد، وكذلك إن كانت المرأة حية ولم تطلب الحد أو ميتة ولم يطلب ذلك ورثتها قيل له إن شئت التعنت فدرأت حد المرأة والرجل، وإن شئت لم تلتعن فحددت لأيهما طلب فإن جاء الآخر فطلب حده لم يكن له لأن حكمه حكم الواحد إذا كان لعان واحد، وإذا شهد عليه شاهدان أنه قذف أمهما وامرأته في كلمتين متفرقتين جازت شهادتهما لغير أمهما وبطلت لأمهما وسواء كانت المقذوفة مع أمهما امرأة القاذف وأمهما امرأته أو لم يكونا أو كانت إحداهما ولم تكن الأخرى، وإذا شهد شاهدان على زوج بقذف حبس حتى يعدلا فيحد أو يلتعن وإن شهد شاهد فشاءت أن يحلف أحلف وإن لم تشأ لم يحبس بشاهد واحد، ولا يقبل في رجل في حد ولا لعان، وإذا شهد ابنا الرجل على أبيهما وأمهما امرأة أبيهما أنه قذف امرأة له غير أمهما جازت شهادتهما لأنهما شاهدان عليه بحد وللأب أن يلتعن وليس ذلك عليه فالتعانه إحداث طلاق ولم يشهدا عليه بطلاق، ولو شهدا أنه طلق امرأة له غير أمهما فقد قيل ترد شهادتهما لأن أمهما تنفرد بأبيهما وما هذا عندي ببين لأن لأبيهما أن ينكح غيرها ولا أعلم في هذا جر منفعة إلى أمهما بشهادتهما، وكل من قلت تجوز شهادته فلا تجوز حتى يكون عدلا، ولو أن شاهدين شهدا على رجل بقذف امرأته أو غيرها ثم ماتا مضى عليه الحد أو اللعان، وكذلك لو عميا ولو تغيرت حالاهما حتى يصيرا ممن لا تجوز شهادتهما بفسق فلا حد ولا لعان حتى يكونا يوم يكون الحكم بالحد واللعان غير مجروحين في أنفسهما.
(قال): وتقبل الوكالة في تثبيت البينة على الحدود فإذا أراد القاضي يقيم الحد أو يأخذ اللعان أحضر المأخوذ لها الحد واللعان إن كانت حية حاضرة، وإذا شهد شاهدان على قذف وهما صغيران أو عبدان أو كافران فأبطلنا شهادتهما ثم بلغ الصغيران وعتق العبدان وأسلم الكافران فأقامت المرأة البينة بالقذف أجزنا شهادتهم لأنا ليس إنما رددناها بأن لم يكونوا شهودا عدولا في تلك الحال وسواء كانوا عدولا أو لم يكونوا عدولا، ولو كان شهد على ذلك حران مسلمان مجروحان في أنفسهما فأبطلت شهادتهما ثم عدلا وطلبت المرأة حدها لم يكن لها من قبل أنا حكمنا على هذين بأن شهادتهما باطلة ومثلهما في تلك الحال قد يكون شاهدا لو كان عدلا غير عدو.
ولو شهد هؤلاء على رؤية أو سماع يثبت حقا لأحد أو عليه في تلك الحال التي لا يجوز فيها شهادتهم وأقاموا الشهادة عليه في الحال التي يجوز فيها شهادتهم أجزتها، وكذلك أن يكون عدوان لرجل أو فاسقان سمعا رجلا يقذف امرأة فلم تطلب ذلك المرأة أو طلبته فلم يشهدا حتى ذهبت عداوتهما للرجل أو عدلا جازت شهادتهما لأنه لم يحكم برد شهادتهما حتى يشهدا، وكذلك العبيد يسمعون والصبيان والكفار ثم لا يقيمون الشهادة إلا بعد أن يبلغ الصبيان أو يعتق العبيد ويسلم الكفار فإذا قذف الرجل امرأته فأقر أو أقامت عليه بينة فجاء بشاهدين يشهدان على إقرارها بالزنا فلا حد عليه ولا لعان ولا عليها ولا يقام عليها حد بأحد يشهد عليها بإقرار وإن كانوا أربعة حتى تقر هي وتثبت على الإقرار حتى يقام عليها الحد، ولو جاء بشاهد وامرأتين يشهدون على إقرارها بالزنا فلا حد عليها ولا يدرأ عنه الحد لأن شهادة النساء لا تجوز في هذا ويحد أو يلاعن، وكذلك لو شهد عليها ابناها منه بالإقرار بالزنا كانت شهادتهما لأبيهما باطلا وحد أو لاعن، ولو عفت امرأته عن القذف أو أجنبية ثم أرادت القيام به عليه بعد العفو لم يكن لها، ولو أقرت بالزنا فلا حد ولا لعان على الزوج، ولو شهد شاهدان على رجل قد ادعيا عليه أنه قذفهما ثم
شهدا أنه قذف امرأته أو قذف امرأته ثم قذفهما لم أجز شهادتهما للمرأة لأن دعواهما عليه القذف عداوة وخصومة ولو عفوا القذف لم أجز شهادتهما عليه لامرأته إلا أن لا يشهدا عليه إلا بعد عفوهما عنه وبعد أن يرى ما بينه وبينهما حسن لا يشبه العداوة فأجيز شهادتهما لامرأته لأني قد اختبرت صلحه وصلحهما بعد الكلام الذي كان عداوة وليسا له بخصمين ولا يجرحان بعداوة ولا خصومة، وإذا أقرت المرأة بالزنا مرة فلا حد على قذفها.
وإذا شهد شاهدان على رجل أنه قذف امرأته فأقام الزوج شاهدين أنها كانت أمة أو ذمية يوم وقع القذف فلا حد ولا لعان ويعزر إلا أن يلتعن ولو كان شاهدا المرأة شهدا أنها كانت يوم قذفها حرة مسلمة لأن كل واحدة من من البينتين تكذب الأخرى في أن لها الحد فلا يحد ويعزر إلا أن يلتعن، ولو لم يقم بينة وشهد شاهداها على القذف ولم يقولا كانت حرة يوم قذفت ولا مسلمة وهي حين طلبت حرة مسلمة فقال الزوج كانت يوم قذفتها أمة أو كافرة كان القول قوله ودرأت الحد عنه حتى تقيم البينة أنها كانت حرة مسلمة فإن كانت حرة الأصل أو مسلمة الأصل فالقول قولها وعليه الحد أو اللعان إلا أن يقيم البينة على أنها كانت مرتدة يوم قذفها
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وإذا قذف الرجل امرأته فادعى بينة على أنها زانية أو مقرة بالزنا وسأل الأجل لم يؤجل في ذلك أكثر من يوم أو يومين فإن لم يأت ببينة حد أو لاعن، وإذا قذف الرجل امرأته فرافعته وهي بالغة فقال قذفتك وأنت صغيرة فالقول قوله وعليها البينة أنه قذفها كبيرة، ولو أقام البينة أنه قذفها وهي صغيرة وأقامت هي البينة أنه قذفها كبيرة لم يكن هذا اختلافا من البينة وكان هذان قذفين قذفا من الصغر وقذفا في الكبر وعليه الحد إلا أن يلاعن ولو اتفق الشهود على يوم واحد فقال شهود المرأة كانت حرة مسلمة بالغة وشهود الرجل كانت صبية أو غير مسلمة فلا حد ولا لعان لأن كل واحدة من البينتين تكذب الأخرى، ولو أقامت المرأة بينة أن الزوج أقر بولدها لم يكن له أن ينفيه فإن فعل وقذفها فمتى أقامت المرأة البينة أن زوجها قذفها بعد أو أقر أخذ لها بحدها إلا أن يلاعن فارقها أو لم يفارقها، ولو فارقها وكانت عند زوج غيره فطلبت حدها حد لها إلا أن يلتعن، أخبرنا الربيع قال الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء الرجل يقول لامرأته يا زانية وهو يقول لم أر ذلك عليها أو عن غير حمل قال يلاعنها.

(قال الشافعي): من حلف بالله أو باسم من أسماء الله تعالى فعليه الكفارة إذا حنث ومن حلف بشيء غير الله فليس بحالف ولا كفارة عليه إذا حنث، والمولي من حلف بالذي يلزمه به كفارة.
ومن أوجب على نفسه شيئا يجب عليه إذا أوجبه فأوجبه على نفسه إن جامع امرأته فهو في معنى المولي لأنه لم يعد إن كان ممنوعا من الجماع إلا بشيء يلزمه ما ألزم نفسه مما لم يكن يلزمه قبل إيجابه أو كفارة يمين ومن أوجب على نفسه شيئا لا يجب عليه ما أوجب ولا بدل منه فليس بمول وهو خارج من الإيلاء.

كتاب جراح العمد
أصل تحريم القتل من القرآن

أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي): قال الله تبارك وتعالى {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به} الآية وقال الله عز وجل {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما} الآية وقال الله تبارك وتعالى {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق} وقال {أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض} الآية، وقال الله عز وجل {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر} إلى {فأصبح من النادمين} وقال عز وجل {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها} الآية.
قتل الولدان

(قال الشافعي): - رحمه الله - قال الله عز وجل لنبيه - صلى الله عليه وسلم - {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن} الآية وقال جل ثناؤه {وإذا الموءودة سئلت - بأي ذنب قتلت} وقال {وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم} (قال الشافعي): كان بعض العرب تقتل الإناث من ولدها صغارا خوف العيلة عليهم، والعار بهم فلما نهى الله عز ذكره عن ذلك من أولاد المشركين دل على تثبيت النهي عن قتل أطفال المشركين في دار الحرب وكذلك دلت عليه السنة مع ما دل عليه الكتاب من تحريم القتل بغير حق قال الله عز وجل {قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم} الآية (قال الشافعي) وأخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي معاوية عمرو النخعي قال سمعت أبا عمرو الشيباني يقول سمعت «ابن مسعود يقول سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - أي الكبائر أكبر؟ فقال أن تجعل لله ندا وهو خلقك قلت ثم أي؟ قال أن تقتل ولدك من أجل أن يأكل معك».
تحريم القتل من السنة
أخبرنا الثقة عن حماد عن يحيى بن سعيد عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عثمان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «لا يحل قتل امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس» (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): والذي يحل أن يعمد مسلم بالقتل

ثلاث: كفر ثبت عليه بعد إيمانه أو زنا بعد إحصانه أو قتل نفس عمدا بغير حق وهذا موضوع في مواضعه (قال الشافعي) أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن عبد الله بن عدي بن الخيار «عن المقداد أنه أخبره أنه قال يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال أسلمت لله أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تقتله فقلت يا رسول الله إنه قطع يدي ثم قال ذلك بعد أن قطعها أفأقتله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال» (قال الربيع) معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - " فإنك إن قتلته فإنه بمنزلتك " يريد أنه حرام الدم قبل أن تقتله وإنك بمنزلته مباح الدم يريد بقتله قبل أن يقول كلمته التي قال إذ كان مباح الدم قبل أن يقولها لا أن يكون كافرا مثله أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن أيوب عن أبي قلابة عن ثابت بن الضحاك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «من قتل نفسه بشيء من الدنيا عذب به يوم القيامة» أخبرنا مسلم بن خالد بإسناد لا يحضرني ذكره «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بقتيل فقال من به فلم يذكر له أحد فغضب ثم قال والذي نفسي بيده لو اشترك فيه أهل السماء وأهل الأرض لأكبهم الله في النار» وأخبرنا مسلم أيضا بإسناد لا أحفظه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «قتل المؤمن يعدل عند الله زوال الدنيا» أخبرنا الثقة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «من أعان على قتل امرئ مسلم بشطر كلمة لقي الله مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله» مع التشديد في القتل.

جماع إيجاب القصاص في العمد

(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): قال الله جل وعز {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل} (قال الشافعي): في قول الله عز وجل {فلا يسرف في القتل} لا يقتل غير قاتله وهذا يشبه ما قيل والله أعلم قال الله عز وجل {كتب عليكم القصاص في القتلى} فالقصاص إنما يكون ممن فعل ما فيه القصاص لا ممن لم يفعله فأحكم الله - عز ذكره - فرض القصاص في كتابه وأبانت السنة لمن هو وعلى من هو (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال «وجد في قائم سيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتاب إن أعدى الناس على الله القاتل غير قاتله والضارب غير ضاربه ومن تولى غير مواليه فقد كفر بما أنزل الله على محمد - صلى الله عليه وسلم -» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن محمد بن إسحاق قال قلت لأبي جعفر محمد بن علي - رضي الله عنه - ما كان في الصحيفة التي كانت في قراب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: كان فيها
«لعن الله القاتل غير قاتله والضارب غير ضاربه ومن تولى غير ولي نعمته فقد كفر بما أنزل الله - جل ذكره - على محمد - صلى الله عليه وسلم -» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن ابن أبي ليلى عن الحكم أو عن عيسى بن أبي ليلى قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من اعتبط مؤمنا بقتل فهو قود به إلا أن يرضى ولي المقتول فمن حال دونه فعليه لعنة الله وغضبه لا يقبل منه صرف ولا عدل» أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن سعيد بن أبجر عن إياد بن لقيط «عن أبي رمثة قال دخلت مع أبي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأى أبي الذي بظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: دعني أعالج هذا الذي بظهرك فإني طبيب فقال: أنت رفيق وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذا معك فقال: ابني أشهد به فقال أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه». .
من عليه القصاص في القتل وما دونه

(قال الشافعي): لا قصاص على من لم تجب عليه الحدود، وذلك من لم يحتلم من الرجال أو تحض من النساء أو يستكمل خمس عشرة سنة، وكل مغلوب على عقله بأي وجه ما كانت الغلبة إلا بالسكر فإن القصاص والحدود على السكران كهي على الصحيح وكل من قلنا عليه القصاص فهو بالغ غير مغلوب على عقله والمغلوب على عقله من السكر دون غيره (قال الشافعي): وإذا أقر الرجل البالغ وهو غير محجور عليه بالغ يجوز إقراره أنه جنى جناية عمدا ووصف الجناية فأثبتها، ثم جن أو غلب على عقله فعليه القصاص في العمد منها وأرش الخطأ في ماله ولا يحول ذهاب عقله دون أخذ الحق منه (قال الشافعي): ولو أقر بحق لله من زنا أو ارتد، ثم ذهب عقله لم أقم عليه حد الزنا ولم أقتله بالردة؛ لأني أحتاج إلى ثبوته على الإقرار بالزنا وهو يعقل.

وكذلك أحتاج إلى أن أقول له وهو يعقل: إن لم ترجع إلى الإسلام قتلتك.
(قال الشافعي): ولو أقر وهو بالغ أنه جنى على رجل جناية عمدا وقال كنت يوم جنيت عليه صغيرا كان القول قوله في أن لا قود عليه وعليه أرشها في ماله خطأ فإن أقر بها خطأ لم يضمن العاقلة ما أقر به وضمنه هو في ماله ولو قال: كنت يوم جنيتها عليه ذاهب العقل بالغا فإن كان يعلم أنه ذهب عقله قبل منه وإن لم يعلم أقيد المجني عليه منه (قال الشافعي): وحيث قبلت منه فعليه اليمين إن طلبها المدعي (قال الشافعي): ولو شهد الشهود على رجل أنه جنى على رجل جناية عمدا سألتهم أكان بالغا أو صغيرا؟. فإن لم يثبتوه بالغا والمشهود عليه ينكر الجناية أو يقول: كانت وأنا صغير جعلتها جناية صغير وجعلت أرشها في ماله ولم أقد منه.
(قال): ولو أن رجلا يجن ويفيق جنى على رجل فقال جنيت عليه في حال جنونه كان القول قوله، ولو شهد الشهود عليه بالجناية ولم يثبتوا كان ذلك في حال جنونه أو إفاقته كان هكذا وإن أثبتوا أنه كان في حال إفاقته فعليه القصاص وهكذا من غلب على عقله بمرض أي مرض كان أو وجه من الوجوه ما كان غير السكر ولو أثبتوا أن مجنونا جنى وهو سكران وقالوا: لا ندري ذهاب عقله من السكر أو من العارض الذي به؟ جعلت القول قوله، ولو أثبتوا أنه كان مفيقا من الجنون وأن السكر كان أذهب عقله جعلت عليه القود ولو شهد شهود على أنه جنى مغلوبا على عقله، وآخرون أنه جنى هذه الجناية غير مغلوب على عقله ألغيت البينتين لتكافئهما وجعلت القول قوله مع يمينه ولو كان يجن ويفيق فشهد له شهود بأنه جنى مغلوبا على عقله وقال هو بل جنيت وأنا أعقل قبلت قوله وجعلت عليه القود.
باب العمد الذي يكون فيه القصاص.

أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال: جماع القتل ثلاثة وجوه: عمد فيه قصاص فلولي المجني عليه عمد القصاص إن شاء وعمد بما ليس فيه قصاص وخطأ فليس في واحد من هذين الوجهين قصاص (قال): فالعمد في النفس بما فيه القصاص أن يعمد الرجل الرجل فيصيبه بالسلاح الذي يتخذ لينهر الدم ويذهب في اللحم، وذلك الذي يعقل كل أحد أنه السلاح المتخذ للقتل والجراح وهو الحديد المحدد كالسيف والسكين والخنجر وسنان الرمح والمخيط وما أشبهه مما يشق بحده إذا ضرب أو رمي به الجلد واللحم دون ثقله فيجرح.

(قال الشافعي): وهو السلاح - والله أعلم - الذي أمر الله عز ذكره أن يؤخذ في صلاة الخوف وكذلك كل ما كان في معناه من شيء له صلابة فحدد حتى صار إذا وجئ به أو رمي به يخرق حده قبل ثقله مثل العود يحدد والنحاس والفضة والذهب وغيره فكل من أصاب أحدا بشيء من هذا جرحه فمات من الجرح ففيه القصاص (قال الشافعي): وإن ضربه بعرض سيف أو عرض خنجر أو مخيط فلم يجرحه فمات فلا قود فيه حتى يكون الحديد جارحا أو شادخا مثل الحجر الثقيل يفضخ به رأسه وعمود الحديد وما أشبهه (قال الشافعي): وكذلك لو ضربه بعمود حديد خفيف لا يشدخ مثله أو بشيء من الحديد لا يشدخ وما كان لا يجرح أو كان خفيفا لا يشدخ، وكذلك لو ضربه بحد السيف أو غيره فلم يجرحه ومات ففيه العقل

(قال الشافعي): وما كان من شيء من الحديد أو غيره على عصا خفيفة شبيهة بالنصيب فضرب به الضربة الواحدة فميت منه فلا قود عليه؛ لأن هذا لا يتخذ لينهر دما ولا يتخذ يمات به وإن قتل قتل بالثقل لا بالحد (قال): وكذلك المعراض يرمي به فلا يجرح ويصيب بعرضه فيموت أو يصيب بنصله فلا يجرح فيموت (قال): وهكذا لو ضربه بحجر لا حد له خفيف فرضخه فمات فلا قود ولو شجه، وكذلك لو ضربه بسوط فبضع فيه أو ضربه أسواطا يرى أن مثله لا يموت من مثلها فلا قود ولو كان نضوا فضربه عشرة أسواط ومثله يموت فيما يرى من مثلها فمات ففيه القود ولو كان محتملا فضربه مائة والأغلب أن مثله لا يموت من مثلها فمات فلا قود وكل حديد له حد يجرح فجرح به جرحا صغيرا أو كبيرا فمات منه ففيه القود؛ لأنه يجرح بحده والحجر يجرح بثقله ولو كان من المرو أو من الحجارة شيء يحدد حتى يمور مور الحديد فجرح به ففيه القود إن مات المجروح وإن ما جاوز هذا فكان الأغلب منه أن من ضرب به أو ألقي فيه أو ألقي عليه لم يعش، فضرب به رجل رجلا أو ألقاه فيه وكان لا يستطيع الخروج منه أو ألقاه عليه فمات الرجل ففيه القصاص، وذلك مثل أن يضرب الرجل بالخشبة العظيمة التي تشدخ رأسه أو صدره فيشدخه أو خاصرته فيقتله مكانه أو ما أشبه هذا مما الأغلب أنه لا يعاش من مثله أو بالعصا الخفيفة فيتابع عليه الضرب حتى يبلغ من عدد الضرب ما يكون الأغلب أنه لا يعاش من مثله، وكذلك السياط وما في هذا المعنى، وذلك أن يضربه على خاصرته أو في بطنه أو على ثدييه ضربا متتابعا أو على ظهره المائتين أو الثلثمائة أو على أليتيه فإذا فعل هذا فلم يقلع عنه إلا ميتا أو مغمى عليه، ثم مات ففيه القود وفي أن يسعر الحفرة حتى إذا انجحمت ألقاه فيها أو يسعر النار على وجه الأرض ثم يلقيه فيها مربوطا أو يربطه ليغرقه في الماء فإن فعل هذا فمات في مكانه أو مات بعد من ألم ما أصابه ففيه القود.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 450.12 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 444.27 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (1.30%)]