|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#491
|
||||
|
||||
![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الثامن الحلقة (491) صـ 375 إلى صـ 384 بِقَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ، وَلَا مَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ، بَلْ هُوَ فِي الْحُشُوشِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ كَمَا هُوَ فَوْقَ الْعَرْشِ] [1] . وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ الْمَعِيَّةِ تَارَةً وَعُمُومِهَا أُخْرَى؛ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِلَفْظِ "الْمَعِيَّةِ" اخْتِلَاطَهُ. وَفِي هَذَا أَيْضًا رَدٌّ عَلَى مَنْ يَدَّعِي أَنَّ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ هُوَ الْحُلُولُ؛ لَكِنْ يَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُهُ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهِ، وَيَجْعَلُ ذَلِكَ أَصْلًا يَقِيسُ عَلَيْهِ مَا يَتَأَوَّلُهُ مِنَ النُّصُوصِ. فَيُقَالُ لَهُ: قَوْلُكَ إِنَّ الْقُرْآنَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ خَطَأٌ كَمَا أَنَّ قَوْلَ قَرِينِكَ الَّذِي اعْتَقَدَ هَذَا الْمَدْلُولَ خَطَأٌ، وَذَلِكَ لِوُجُوهٍ. أَحَدُهَا: أَنَّ لَفْظَ (مَعَ) فِي لُغَةِ الْعَرَبِ إِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى الْمُصَاحَبَةِ وَالْمُوَافَقَةِ وَالِاقْتِرَانِ، وَلَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ مُخْتَلِطٌ بِالثَّانِي فِي عَامَّةِ مَوَارِدِ الِاسْتِعْمَالِ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 29] لَمْ يَرِدْ أَنَّ ذَوَاتَهُمْ مُخْتَلِطَةٌ بِذَاتِهِ. وَقَوْلُهُ: {اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 119] . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 75] . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَنْ نُوحٍ: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [سُورَةُ هُودٍ: 40] . (1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) . وَقَوْلُهُ عَنْ نُوحٍ أَيْضًا: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ} الْآيَةَ [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 64] . وَقَوْلُهُ عَنْ هُودٍ: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 72] [1] . وَقَوْلُ قَوْمِ شُعَيْبٍ: {لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 88] . وَقَوْلُهُ: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} الْآيَةَ [2] [سُورَةُ النِّسَاءِ: 146] . وَقَوْلُهُ: {وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 68] . وَقَوْلُهُ: {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 53] . وَقَوْلُهُ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 11] . وَقَوْلُهُ عَنْ نُوحٍ: {اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ} [سُورَةُ هُودٍ: 48] . وَقَوْلُهُ: {وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 47] . (1) ن، س، ب: وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ، وَهُوَ خَطَأٌ (2) كَلِمَةُ "الْآيَةَ" : سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) وَقَوْلُهُ: {فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 83] . وَقَوْلُهُ: {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 87] . وَقَالَ: {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 88] . وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَسَائِرِ الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ. وَإِذَا كَانَ لَفْظُ "مَعَ" إِذَا اسْتُعْمِلَتْ فِي كَوْنِ الْمَخْلُوقِ مَعَ الْمَخْلُوقِ لَمْ تَدُلَّ عَلَى اخْتِلَاطِ ذَاتِهِ بِذَاتِهِ؛ فَهِيَ أَنْ لَا تَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ فِي حَقِّ الْخَالِقِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. فَدَعْوَى ظُهُورِهَا فِي ذَلِكَ بَاطِلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا لَيْسَ مَعْنَاهَا [1] فِي اللُّغَةِ وَلَا اقْتَرَنَ بِهَا فِي الِاسْتِعْمَالِ مَا يَدُلُّ عَلَى الظُّهُورِ؛ فَكَانَ الظُّهُورُ مُنْتَفِيًا [2] مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. الثَّانِي: أَنَّهُ إِذَا انْتَفَى الظُّهُورُ فِيمَا هُوَ أَوْلَى بِهِ فَانْتِفَاؤُهُ فِيمَا هُوَ أَبْعَدُ عَنْهُ أَوْلَى. الثَّانِي [3] : أَنَّ الْقُرْآنَ قَدْ جَعَلَ الْمَعِيَّةَ خَاصَّةً أَكْثَرَ مِمَّا جَعَلَهَا عَامَّةً، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ اخْتِلَاطَ ذَاتِهِ بِالْمَخْلُوقَاتِ لَكَانَتْ عَامَّةً لَا تَقْبَلُ التَّخْصِيصَ. الثَّالِثُ [4] : أَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الْمَعِيَّةِ، كَمَا (1) ن، م، س: مَعْنَاهُ (2) ن، م، س: مَنْفِيًّا. (3) ن، س: الثَّالِثُ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي بَعْدَ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الَّذِي سَبَقَ قَبْلَ صَفَحَاتٍ (4) ن، م، س: الرَّابِعُ، وَهُوَ خَطَأٌ. قَالَ تَعَالَى فِي آيَةِ الْمُجَادَلَةِ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [سُورَةُ الْمُجَادِلَةِ: 7] فَافْتَتَحَهَا بِالْعِلْمِ، وَخَتَمَهَا بِالْعِلْمِ فَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ عَالِمٌ بِهِمْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ خَافِيَةٌ. وَهَكَذَا فَسَّرَهَا السَّلَفُ: الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَمَنْ قَبْلَهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ كَابْنِ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكِ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. وَفِي آيَةِ الْحَدِيدِ قَالَ: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [سُورَةُ الْحَدِيدِ: 4] فَخَتَمَهَا أَيْضًا بِالْعِلْمِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ مَعَ اسْتِوَائِهِ عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ هَذَا كُلَّهُ. كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ الْأَوْعَالِ: "«وَاللَّهُ فَوْقَ عَرْشِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ»" [1] فَهُنَاكَ أَخْبَرَ بِعُمُومِ الْعِلْمِ لِكُلِّ نَجْوَى. (1) الْحَدِيثُ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/319 - 320 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي الْجَهْمِيَّةِ) وَنَصُّهُ: "كُنْتُ فِي الْبَطْحَاءِ فِي عِصَابَةٍ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَمَرَّتْ بِهِمْ سَحَابَةٌ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: مَا تُسَمُّونَ هَذِهِ قَالُوا: السَّحَابَ. قَالَ:" وَالْمُزْنَ؟ "قَالُوا: وَالْمُزْنَ. قَالَ:" وَالْعَنَانَ؟ "قَالُوا: وَالْعَنَانَ - قَالَ: أَبُو دَاوُدَ لَمْ أُتْقِنِ الْعَنَانَ جَيِّدًا - قَالَ:" هَلْ تَدْرُونَ مَا بُعْدُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ؟ "قَالُوا: لَا نَدْرِي. قَالَ:" إِنَّ بُعْدَ مَا بَيْنَهُمَا إِمَّا وَاحِدَةٌ أَوِ اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً، ثُمَّ السَّمَاءُ فَوْقَهَا كَذَلِكَ، "حَتَّى عَدَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ" ثُمَّ فَوْقَ السَّحَابَةِ بَحْرٌ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ ثُمَّ فَوْقَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَوْعَالٍ بَيْنَ أَظْلَافِهِمْ وَرُكَبِهِمْ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ عَلَى ظُهُورِهِمُ الْعَرْشُ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَوْقَ ذَلِكَ ". قَالَ الْمُحَقِّقُ رَحِمَهُ اللَّهُ:" وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: "غَرِيبٌ. وَرَوَى شَرِيكٌ بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ سِمَاكٍ فَوَقَفَهُ" وَالْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقَيْنِ آخَرَيْنِ (انْظُرِ الْأَرْقَامَ 4723، 4724، 4725) وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/96 - 97 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ الْحَاقَّةِ) . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: "قَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ: أَلَا يُرِيدُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ أَنَّ يَحُجَّ حَتَّى يَسْمَعَ مِنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَرَوَى الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ عَنْ سِمَاكٍ نَحْوَهُ وَرَفَعَهُ. وَرَوَى شَرِيكٌ عَنْ سِمَاكٍ بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ وَوَقَفَهُ وَلَمْ يَرْفَعْهُ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ الرَّازِيُّ" . وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ، 1 69 الْمُقَدِّمَةُ: بَابٌ فِيمَا أَنْكَرَتِ الْجَهْمِيَّةُ) ، الْمُسْنَدِ (ط الْمَعَارِفِ 3/202 - 203، 204 - 205 (رَقْمُ 1770 - 1771) وَعَلَّقَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر تَعْلِيقًا مُسْهَبًا، وَقَالَ عَنِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ: إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَعَنِ الثَّانِي: إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ (ص 204) : "فَلَوْ كَانَ الْحَدِيثُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَالَّذِي قَبْلَهُ وَحْدَهُمَا لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا، لِضَعْفِهِمَا كَمَا تَرَى؛ وَلَكِنْ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ، فَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي سُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي قَيْسٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ. وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَفْصٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ سِمَاكٍ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي قَيْسٍ عَنْ سِمَاكٍ،. . . وَهَذِهِ أَسَانِيدُ صِحَاحٌ" . ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى رِجَالِ هَذِهِ الْأَسَانِيدِ مُوَثِّقًا لَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: "وَرَوَاهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ 286 - 287 مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ وَإِسْنَادِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ 2/500 - 501 مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرَةَ عَنِ الْأَحْنَفِ عَنِ الْعَبَّاسِ مُخْتَصَرًا مَوْقُوفًا، وَقَالَ:" صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ". ثُمَّ ذَكَرَ الْحَاكِمُ طَرِيقًا آخَرَ مَرْفُوعًا وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ عَلَى أَنَّ الْإِسْنَادَ الْأَوَّلَ الْمَوْقُوفَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَضَعَّفَ الطَّرِيقَ الْمَرْفُوعَ. وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي كِتَابِ" رَدِّ الْإِمَامِ الدَّارِمِيِّ. . . عَلَى بِشْرِ الْمَرِيسِ الْعَنِيدِ "، ص 73 (تَحْقِيقُ الْفِقِي) مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَفِي كِتَابِ" التَّوْحِيدِ. . "لِابْنِ خُزَيْمَةَ، ص 107 - 108 (تَحْقِيقُ الْهَرَّاسِ) مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا. وَحَدَّثَنِي أَخِي الدُّكْتُورُ مُحَمَّدُ بْنُ لُطْفِي الصَّبَّاغُ أَنَّ الشَّيْخَ مُحَمَّد نَاصِر الدَّيْنِ الْأَلْبَانِيَّ ضَعَّفَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي تَخْرِيجِهِ لِسُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ وَقَالَ:" ضَعِيفٌ "، وَأَحَالَ إِلَى كِتَابِهِ" الظِّلَالَ "577 وَهَذَا أَمْلَاهُ عَلَيَّ الدُّكْتُورُ الصَّبَّاغُ مِنَ النُّسْخَةِ الْمَخْطُوطَةِ لِتَخْرِيجِ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ لِلْأَلْبَانِيِّ الَّذِي يُطْبَعُ صَحِيحُهُ الْآنَ فِي مَكْتَبِ التَّرْبِيَةِ الْعَرَبِيِّ لِدُوَلِ الْخَلِيجِ. وَيُؤَكِّدُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ الْأَلْبَانِيُّ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِ" مُخْتَصَرِ الْعُلُوِّ لِلْعَلِيِّ الْغَفَّارِ "لِلذَّهَبِيِّ، ص 12 - 13" الطَّبْعَةُ الْأُولَى، الْمَكْتَبُ الْإِسْلَامِيُّ، بَيْرُوتَ، 1401 1981 حَيْثُ يَقُولُ: "وَقَدْ أَحْذِفُ مَا صَرَّحَ الْمُؤَلِّفُ بِثُبُوتِهِ أَوْ نَقْلِهِ عَنْ غَيْرِهِ، لِعِلَّةٍ قَادِحَةٍ ظَهَرَتْ لِي كَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. . . وَكَحَدِيثِ الْأَوْعَالِ الَّذِي يُرْوَى عَنِ الْعَبَّاسِ (ص 49 - 50) وَهُوَ مُخَرَّجٌ فِي الْمَصْدَرِ السَّابِقِ" سِلْسِلَةِ الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ "رَقْمُ 1247. . . وَالَّذِي أَعْلَمُهُ أَنَّ الْجُزْءَ الثَّالِثَ مِنْ كِتَابِ سِلْسِلَةِ الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ وَالْمَوْضُوعَةِ" الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيهِ الشَّيْخُ الْأَلْبَانِيُّ عَلَى الْأَحَادِيثِ الَّتِي بَعْدَ رَقْمِ الْأَلْفِ - حَسَبَ تَرْقِيمِهِ - لَمْ يُطْبَعْ أَوْ لَمْ يُوَزَّعْ بَعْدُ. وَهُنَا أَخْبَرَ أَنَّهُ مَعَ عُلُوِّهِ عَلَى عَرْشِهِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا [1] ، وَهُوَ مَعَ الْعِبَادِ أَيْنَمَا كَانُوا: يَعْلَمُ أَحْوَالَهُمْ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 128] فَقَدْ دَلَّ السِّيَاقُ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ لَيْسَ مُجَرَّدَ عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ، بَلْ هُوَ مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ بِتَأْيِيدِهِ وَنَصْرِهِ، وَأَنَّهُ يَجْعَلُ لِلْمُتَّقِينَ مَخْرَجًا وَيَرْزُقُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُونَ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ لِمُوسَى وَهَارُونَ: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [سُورَةُ طه: 46] فَإِنَّهُ مَعَهُمَا بِالتَّأْيِيدِ وَالنَّصْرِ وَالْإِعَانَةِ عَلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ كَمَا إِذَا رَأَى الْإِنْسَانُ مَنْ يَخَافُ فَقَالَ لَهُ مَنْ يَنْصُرُهُ: "نَحْنُ مَعَكَ" أَيْ مُعَاوِنُوكَ وَنَاصِرُوكَ عَلَى عَدُوِّكَ. (1) ن، م، س: وَمَا يَنْزِلُ فِيهَا. وَكَذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِصَدِيقِهِ: "إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا" يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُوَافِقٌ لَهُمَا بِالْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا فِيمَا فَعَلَاهُ وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لَهُمَا وَمُعِينٌ وَنَاصِرٌ. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي مُشَارَكَةِ الصِّدِّيقِ لِلنَّبِيِّ فِي هَذِهِ الْمَعِيَّةِ الَّتِي اخْتُصَّ بِهَا الصِّدِّيقُ لَمْ يُشْرَكْهُ فِيهَا أَحَدٌ مِنَ الْخَلْقِ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي بَكْرٍ: "إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا هِيَ مَعِيَّةُ الِاخْتِصَاصِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَعَهُمْ بِالنَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ وَالْإِعَانَةِ عَلَى عَدُوِّهِمْ، فَيَكُونُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ يَنْصُرُنِي وَيَنْصُرُكَ يَا أَبَا بَكْرٍ عَلَى عَدُوِّنَا وَيُعِينُنَا عَلَيْهِمْ." وَمَعْلُومٌ أَنَّ نَصْرَ اللَّهِ نَصْرُ إِكْرَامٍ وَمَحَبَّةٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [سُورَةُ غَافِرٍ: 51] وَهَذَا غَايَةُ الْمَدْحِ لِأَبِي بَكْرٍ؛ إِذْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِمَّنْ شَهِدَ لَهُ الرَّسُولُ بِالْإِيمَانِ الْمُقْتَضِي نَصْرَ اللَّهِ لَهُ مَعَ رَسُولِهِ [1] ، وَكَانَ مُتَضَمِّنًا شَهَادَةَ الرَّسُولِ لَهُ بِكَمَالِ الْإِيمَانِ الْمُقْتَضِي نَصْرَ اللَّهِ لَهُ مَعَ رَسُولِهِ [2] فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ الَّتِي بَيَّنَ اللَّهُ فِيهَا غِنَاهُ عَنِ الْخَلْقِ فَقَالَ: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40] . وَلِهَذَا قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُهُ إِنَّ اللَّهَ عَاتَبَ الْخَلْقَ جَمِيعَهُمْ فِي نَبِيِّهِ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ. وَقَالَ مَنْ أَنْكَرَ صُحْبَةَ أَبِي بَكْرٍ فَهُوَ كَافِرٌ لِأَنَّهُ كَذَّبَ الْقُرْآنَ. (1) (1 - 1) : سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) . (2) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) . وَقَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ كَأَبِي الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيِّ وَغَيْرِهِ: هَذِهِ الْمَعِيَّةُ الْخَاصَّةُ لَمْ تَثْبُتْ لِغَيْرِ أَبِي بَكْرٍ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: "«مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا»" ؛ بَلْ ظَهَرَ اخْتِصَاصُهُمَا فِي اللَّفْظِ كَمَا ظَهَرَ فِي الْمَعْنَى فَكَانَ يُقَالُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ؛" فَلَمَّا تَوَلَّى أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ صَارُوا يَقُولُونَ: "وَخَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ" فَيُضِيفُونَ الْخَلِيفَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ الْمُضَافِ إِلَى اللَّهِ، وَالْمُضَافُ إِلَى الْمُضَافِ مُضَافٌ تَحْقِيقًا [1] لِقَوْلِهِ: " {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} " ، «مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا» ، ثُمَّ لَمَّا تَوَلَّى عُمَرُ بَعْدَهُ صَارُوا يَقُولُونَ: "أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ" فَانْقَطَعَ الِاخْتِصَاصُ الَّذِي امْتَازَهُ بِهِ أَبُو بَكْرٍ عَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ هَذَا أَنَّ الصُّحْبَةَ فِيهَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ؛ فَيُقَالُ: صَحِبَهُ سَاعَةً وَيَوْمًا وَجُمُعَةً وَشَهْرًا وَسَنَةً وَصَحِبَهُ عُمُرَهُ كُلَّهُ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 36] قِيلَ: هُوَ الرَّفِيقُ فِي السَّفَرِ وَقِيلَ الزَّوْجَةُ وَكِلَاهُمَا تَقِلُّ صُحْبَتُهُ [وَتَكْثُرُ] [2] ، وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ الزَّوْجَةَ صَاحِبَةً فِي قَوْلِهِ: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 101] . وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي "الرِّسَالَةِ" الَّتِي رَوَاهَا عَبْدُوسُ بْنُ مَالِكٍ (1) س: فَيُضِيفُونَ الْخَلِيفَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْمُضَافِ إِلَى اللَّهِ، وَالْمُضَافُ إِلَى الْمُضَافِ تَحْقِيقًا، ب: فَيُضِيفُونَ الْخَلِيفَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُضَافِ إِلَى اللَّهِ، وَالْمُضَافُ إِلَى الْمُضَافِ إِلَى اللَّهِ مُضَافٌ إِلَى اللَّهِ تَحْقِيقًا. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ن) ، (م) (2) تَكْثُرُ: فِي (م) فَقَطْ. وَكَلِمَةُ "تَقِلُّ" غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ فِي (ن) ، (م) . وَفِي (س) : نُقِلَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. عَنْهُ [1] : "مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَنَةً، أَوْ شَهْرًا [2] ، أَوْ يَوْمًا، أَوْ سَاعَةً [3] ، أَوْ رَآهُ مُؤْمِنًا [4] بِهِ فَهُوَ مِنْ أَصْحَابِهِ لَهُ مِنَ الصُّحْبَةِ عَلَى قَدْرِ مَا صَحِبَهُ" . وَهَذَا قَوْلُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ الْكَلَامِ وَغَيْرِهِمْ: يَعُدُّونَ فِي أَصْحَابِهِ مِنْ قَلَّتْ صُحْبَتُهُ وَمِنْ كَثُرَتْ، وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ ضَعِيفٌ. وَالدَّلِيلُ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ مَا أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "«يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ، ثُمَّ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ فَيُقَالُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ فَيُفْتَحُ لَهُمْ، ثُمَّ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ فَيُقَالُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ صَحِبَ مَنْ صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيُفْتَحُ لَهُمْ» . وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ، وَلَهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى:" «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يُبْعَثُ مِنْهُمْ [5] الْبَعْثُ فَيَقُولُونَ: انْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ فِيكُمْ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَيُوجَدُ الرَّجُلُ فَيُفْتَحُ لَهُمْ بِهِ. (1) هَذِهِ "الرِّسَالَةُ" أَوْرَدَهَا ابْنُ أَبِي يَعْلَى فِي تَرْجَمَةِ عَبْدُوسَ بْنِ مَالِكٍ الْعَطَّارِ فِي "طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ" 1/241 - 246، وَالنَّصُّ التَّالِي فِي 1/243. (2) الرِّسَالَةُ: كُلُّ مَنْ صَحِبَهُ سَنَةً أَوْ شَهْرًا. (3) عِبَارَةُ "مُؤْمِنًا بِهِ" لَيْسَتْ فِي "الرِّسَالَةِ" . (4) م: سَنَةً وَشَهْرًا وَيَوْمًا وَسَاعَةً. (5) م: فِيهِمْ. ثُمَّ يُبْعَثُ الْبَعْثُ الثَّانِي، فَيَقُولُونَ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ رَأَى أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ بِهِ، ثُمَّ يُبْعَثُ الْبَعْثُ الثَّالِثُ فَيُقَالُ: انْظُرُوا هَلْ تَرَوْنَ فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ رَأَى أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، ثُمَّ يَكُونُ الْبَعْثُ الرَّابِعُ فَيُقَالُ: هَلْ تَرَوْنَ فِيكُمْ أَحَدًا رَأَى مَنْ رَأَى أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَيُوجَدُ الرَّجُلُ فَيُفْتَحُ لَهُمْ بِهِ» وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ [1] كَالرِّوَايَةِ الْأُولَى؛ لَكِنَّ لَفْظَهُ: يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ، وَقَالَ فِيهَا كُلِّهَا: (صَحِبَ) ، وَاتَّفَقَتِ الرِّوَايَاتُ عَلَى ذِكْرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ وَهُمْ [2] الْقُرُونُ الثَّلَاثَةُ وَأَمَّا الْقَرْنُ الرَّابِعُ فَهُوَ فِي بَعْضِهَا؛ وَذِكْرُ الْقَرْنِ الثَّالِثِ ثَابِتٌ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ [3] . كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "«خَيْرُ أُمَّتِي الْقَرْنُ الَّذِينَ يَلُونَنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِئُ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ»" [4] . (1) س، ب: مَرَاتِبَ (2) ن، م: وَهِيَ (3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى وَأَوَّلُهُ هُنَاكَ: لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَغْزُو فِيهِ فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ. (4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/35 وَتَكَلَّمْتُ هُنَاكَ عَلَى رِوَايَاتِهِ الْمُخْتَلِفَةِ. وَأَمَّا هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَهِيَ فِي: الْبُخَارِيِّ 5/3 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ. . . الْبَابُ الْأَوَّلُ) وَأَوَّلُهُ فِيهِ: "خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ. . . الْحَدِيثَ. وَهُوَ أَيْضًا فِي: الْبُخَارِيِّ 8/91 (كِتَابُ الرِّقَاقِ، بَابُ مَا يُحْذَرُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَالتَّنَافُسِ فِيهَا) 8/134 (كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ، بَابُ إِذَا قَالَ أَشْهَدُ بِاللَّهِ. .) "
__________________
|
#492
|
||||
|
||||
![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الثامن الحلقة (492) صـ 385 إلى صـ 394 وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عِمْرَانَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "«إِنَّ خَيْرَكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ؛ قَالَ عِمْرَانُ: فَلَا أَدْرِي أَقَالَ [1] رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَهُمْ قَوْمٌ [2] يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ وَيَنْذُرُونَ وَلَا يُوفُونَ»" [3] وَفِي رِوَايَةٍ: "وَيَحْلِفُونَ وَلَا يُسْتَحْلَفُونَ" [4] فَقَدْ شَكَّ عِمْرَانُ [5] فِي الْقَرْنِ الرَّابِعِ. وَقَوْلُهُ: "يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ" حَمَلَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى مُطْلَقِ الشَّهَادَةِ حَتَّى كَرِهُوا أَنْ يَشْهَدَ الرَّجُلُ بِحَقٍّ قَبْلَ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ الْمَشْهُودُ لَهُ إِذَا عَلِمَ الشَّهَادَةَ وَجَمَعُوا بِذَلِكَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ: "«أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ؟ الَّذِي يَأْتِي بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا»" [6] . وَقَالَ طَائِفَةٌ أُخْرَى: إِنَّمَا الْمُرَادُ ذَمُّهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، أَيْ يَشْهَدُونَ (1) م: قَالَ (2) ن، م، س: قَرْنٌ (3) الْحَدِيثُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - فِي: الْبُخَارِيِّ 5/3 - 4 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ. . .) الْبَابُ الْأَوَّلُ 8/19 (كِتَابُ الرِّقَاقِ، بَابُ مَا يُحْذَرُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا. . .) 8/141 - 142 (كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ، بَابُ إِثْمِ مَنْ لَا يَفِي بِالنَّذْرِ) ، مُسْلِمٍ 4/1964 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ فَضْلِ الصَّحَابَةِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ. . .) حَدِيثٌ رَقْمُ 214 (4) الْحَدِيثُ فِي مُسْلِمٍ فِي الْمَوْضِعِ السَّابِقِ 4/1965 (حَدِيثٌ رَقْمُ 215. (5) س، ب: عُمَرُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (6) الْحَدِيثُ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: مُسْلِمٍ 3/1344 (كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ، بَابُ بَيَانِ خَيْرِ الشُّهُودِ) سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/414 (كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ، بَابٌ فِي الشَّهَادَاتِ) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/373 (كِتَابُ الشَّهَادَاتِ، الْبَابُ الْأَوَّلُ) . بِالْكَذِبِ كَمَا ذَمَّهُمْ عَلَى الْخِيَانَةِ وَتَرْكِ الْوَفَاءِ؛ فَإِنَّ هَذِهِ [مِنْ] [1] آيَاتِ النِّفَاقِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي قَوْلِهِ: "«آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ»" أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ [2] . وَأَمَّا الشَّهَادَةُ بِالْحَقِّ إِذَا أَدَّاهَا الشَّاهِدُ لِمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَيْهَا، وَلَمْ يَسْأَلْهُ ذَلِكَ فَقَدْ قَامَ بِالْقِسْطِ وَأَدَّى الْوَاجِبَ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهُ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِمَّنْ لَا يُؤَدِّيهِ إِلَّا بِالسُّؤَالِ كَمَنْ لَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ أَمَانَةٌ، فَأَدَّاهَا قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُ أَدَاءَهَا حَيْثُ يَحْتَاجُ إِلَيْهَا صَاحِبُهَا وَهَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يُحْوِجَ صَاحِبَهَا إِلَى ذُلِّ السُّؤَالِ، وَهَذَا أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ. وَهَذَا يُشْبِهُ اخْتِلَافَ الْفُقَهَاءِ فِي الْخَصْمِ إِذَا ادَّعَى وَلَمْ يَسْأَلِ الْحَاكِمَ سُؤَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَلْ يَسْأَلُهُ الْجَوَابَ؟ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَسْأَلُهُ الْجَوَابَ [3] وَلَا يَحْتَاجُ ذَلِكَ إِلَى سُؤَالِ الْمُدَّعَى، لِأَنَّ دَلَالَةَ الْحَالِ تُغْنِي عَنِ السُّؤَالِ. فَفِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ: "«هَلْ فِيكُمْ مَنْ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟" ، ثُمَّ قَالَ: "هَلْ فِيكُمْ [مَنْ رَأَى] [4] مَنْ صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» -؟" ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرَّائِيَ هُوَ الصَّاحِبُ، وَهَكَذَا يَقُولُ فِي سَائِرِ الطَّبَقَاتِ فِي السُّؤَالِ [5] : "هَلْ فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ صَحِبَ [مَنْ صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ؟] [6]" ، ثُمَّ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالصَّاحِبِ الرَّائِيَ. (1) مِنْ: زِيَادَةٌ فِي (ب) (2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/82 (3) الْجَوَابُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (4) مَنْ رَأَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) . (5) عِبَارَةُ "فِي السُّؤَالِ" : سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَفِي (س) : مَنْ رَأَى مَنْ صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. . . وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: "«هَلْ تَجِدُونَ فِيكُمْ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ * ثُمَّ يُقَالُ فِي الثَّالِثَةِ:" هَلْ فِيكُمْ مَنْ رَأَى [مَنْ رَأَى] [1] أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» -. * [2] وَمَعْلُومٌ إِنْ كَانَ [3] الْحُكْمُ لِصَاحِبِ الصَّاحِبِ مُعَلَّقًا [4] بِالرُّؤْيَةِ [5] ؛ فَفِي الَّذِي صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى. وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ قَالَ فِيهَا كُلِّهَا: "صَحِبَ" وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ إِنْ [6] كَانَتْ كُلُّهَا مِنْ أَلْفَاظِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهِيَ نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ؛ وَإِنْ كَانَ قَدْ قَالَ بَعْضَهَا وَالرَّاوِي مِثْلُ أَبِي سَعِيدٍ يَرْوِي اللَّفْظَ بِالْمَعْنَى؛ فَقَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ عِنْدَهُمْ هُوَ مَعْنَى الْآخَرِ، وَهُمْ أَعْلَمُ بِمَعَانِي مَا سَمِعُوهُ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَيْضًا فَإِنْ كَانَ لَفْظُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (رَأَى) فَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ "صَحِبَ" فِي طَبَقَةٍ أَوْ طَبَقَاتٍ؛ فَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ الرُّؤْيَةَ لَمْ يَكُنْ قَدْ بَيَّنَ مُرَادَهُ؛ فَإِنَّ الصُّحْبَةَ اسْمُ جِنْسٍ لَيْسَ لَهَا حَدٌّ فِي الشَّرْعِ وَلَا فِي اللُّغَةِ، وَالْعُرْفُ فِيهَا مُخْتَلِفٌ. وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُقَيِّدِ الصُّحْبَةَ بِقَيْدٍ وَلَا قَدَّرَهَا بِقَدْرٍ؛ بَلْ عَلَّقَ [7] الْحُكْمَ بِمُطْلَقِهَا، وَلَا مُطْلَقَ لَهَا إِلَّا الرُّؤْيَةُ. (1) مَنْ رَأْى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) . (2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (3) ن، م، س: أَنَّهُ كَانَ (4) م: مُتَعَلِّقًا. (5) ن: بِالرِّوَايَةِ (6) ن: وَإِنْ (7) س: بِقَدْرٍ لَوْ عَلَّقَ:. .، ب: بِقَدْرٍ وَعَلَّقَ. . وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يُقَالُ: صَحِبَهُ سَاعَةً وَصَحِبَهُ سَنَةً وَشَهْرًا فَتَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَإِذَا أُطْلِقَتْ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ لَمْ يَجُزْ تَقْيِيدُهَا بِغَيْرِ دَلِيلٍ؛ بَلْ تُحْمَلُ عَلَى الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ سَائِرِ مَوَارِدِ الِاسْتِعْمَالِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ مُجَرَّدَ رُؤْيَةِ الْإِنْسَانِ لِغَيْرِهِ لَا تُوجِبُ أَنْ يُقَالَ: قَدْ صَحِبَهُ وَلَكِنْ إِذَا رَآهُ عَلَى وَجْهِ الِاتِّبَاعِ لَهُ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ وَالِاخْتِصَاصِ بِهِ [1] ، وَلِهَذَا لَمْ يُعْتَدَّ بِرُؤْيَةِ مَنْ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَرَوْهُ رُؤْيَةَ مَنْ قَصَدَهُ لِأَنْ يُؤْمِنَ بِهِ، وَيَكُونَ مِنْ أَتْبَاعِهِ وَأَعْوَانِهِ الْمُصَدِّقِينَ لَهُ، فِيمَا أَخْبَرَ [2] الْمُطِيعِينَ لَهُ فِيمَا أَمَرَ الْمُوَالِينَ لَهُ الْمُعَادِينَ لِمَنْ عَادَاهُ الَّذِي هُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَكُلِّ شَيْءٍ. وَامْتَازَ [3] [أَبُو بَكْرٍ] عَنْ سَائِرِ [4] الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ رَآهُ وَهَذِهِ حَالُهُ مَعَهُ فَكَانَ صَاحِبًا لَهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ. وَدَلِيلٌ ثَانٍ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: "«وَدِدْتُ أَنِّي رَأَيْتُ إِخْوَانِي" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ قَالَ: "بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانِي الَّذِينَ يَأْتُونَ بَعْدِي يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي»" [5] . (1) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (2) م: فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ. (3) ب: وَامْتَازَا، وَهُوَ خَطَأٌ (4) ن، م، س: وَامْتَازُوا عَنْ سَائِرِ. .، ب: وَامْتَازَا عَنْ سَائِرِ. . وَالْكَلَامُ نَاقِصٌ؛ وَلَعَلَّ مَا أُثْبِتُهُ تَسْتَقِيمُ بِهِ الْعِبَارَةُ. (5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 7 وَمَعْلُومٌ أَنَّ قَوْلَهُ: "إِخْوَانِي" أَرَادَ بِهِ: إِخْوَانِي الَّذِينَ لَيْسُوا بِأَصْحَابِي [1] ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَكُمْ مَزِيَّةُ الصُّحْبَةِ [2] ، ثُمَّ قَالَ: "«قَوْمٌ يَأْتُونَ بَعْدِي يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي»" ؛ فَجَعَلَ هَذَا حَدًّا فَاصِلًا بَيْنَ إِخْوَانِهِ الَّذِينَ وَدَّ أَنْ يَرَاهُمْ وَبَيْنَ أَصْحَابِهِ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَنْ آمَنَ بِهِ وَرَآهُ، فَهُوَ مِنْ أَصْحَابِهِ [3] لَا مِنْ هَؤُلَاءِ الْإِخْوَانِ الَّذِينَ لَمْ يَرَهُمْ وَلَمْ يَرَوْهُ. فَإِذَا عُرِفَ أَنَّ الصُّحْبَةَ اسْمُ جِنْسٍ تَعُمُّ قَلِيلَ الصُّحْبَةِ وَكَثِيرَهَا، وَأَدْنَاهَا أَنْ يَصْحَبَهُ زَمَنًا قَلِيلًا فَمَعْلُومٌ أَنَّ الصِّدِّيقَ فِي ذُرْوَةِ سَنَامِ الصُّحْبَةِ، وَأَعْلَى مَرَاتِبِهَا فَإِنَّهُ صَحِبَهُ مِنْ حِينِ بَعْثِهِ [4] اللَّهُ إِلَى أَنْ مَاتَ، وَقَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنَ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ، كَمَا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنَ النِّسَاءِ خَدِيجَةُ وَمِنَ الصِّبْيَانِ عَلِيٌّ وَمِنَ الْمَوَالِي زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَتَنَازَعُوا فِي أَوَّلِ مَنْ نَطَقَ بِالْإِسْلَامِ بَعْدَ خَدِيجَةَ، فَإِنْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ أَسْلَمَ قَبْلَ عَلِيٍّ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ أَسْبَقُ صُحْبَةً كَمَا كَانَ أَسْبَقَ إِيمَانًا، وَإِنْ كَانَ عَلِيٌّ أَسْلَمَ قَبْلَهُ فَلَا رَيْبَ أَنَّ صُحْبَةَ أَبِي بَكْرٍ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ أَكْمَلَ وَأَنْفَعَ لَهُ مِنْ صُحْبَةِ عَلِيٍّ وَنَحْوِهِ؛ فَإِنَّهُ شَارَكَهُ فِي الدَّعْوَةِ فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ أَكَابِرُ أَهْلِ الشُّورَى [5] ، كَعُثْمَانَ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ (1) ن، س، ب: أَصْحَابِيَ (2) م: مَزِيدُ الصُّحْبَةِ، س، ب: مَزِيَّةٌ فِي الصُّحْبَةِ. (3) م: مِنَ الصَّحَابَةِ (4) ن: فَإِنَّهُ بَعَثَهُ مِنْ حِينِ بَعْثِهِ. . .، وَهُوَ خَطَأٌ. (5) م: الشَّكَّةِ. وَسَعْدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَكَانَ يَدْفَعُ عَنْهُ مَنْ يُؤْذِيهِ، وَيَخْرُجُ مَعَهُ إِلَى الْقَبَائِلِ وَيُعِينُهُ فِي الدَّعْوَةِ، وَكَانَ يَشْتَرِي الْمُعَذَّبِينَ فِي اللَّهِ كَبِلَالٍ وَعَمَّارٍ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّهُ اشْتَرَى سَبْعَةً مِنَ الْمُعَذَّبِينَ فِي اللَّهِ، فَكَانَ أَنْفَعَ النَّاسِ لَهُ فِي صُحْبَتِهِ مُطْلَقًا. وَلَا نِزَاعَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِحَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ أَنَّ مُصَاحَبَةَ أَبِي بَكْرٍ لَهُ كَانَتْ أَكْمَلَ مِنْ مُصَاحَبَةِ سَائِرِ الصَّحَابَةِ [مِنْ وُجُوهٍ] [1] : أَحَدُهَا: أَنَّهُ كَانَ أَدْوَمَ اجْتِمَاعًا بِهِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَسَفَرًا وَحَضَرًا كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: "«لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمْضِ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْتِينَا فِيهِ طَرَفَيِ النَّهَارِ»" [2] . فَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ يَذْهَبُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ طَرَفَيِ النَّهَارِ، وَالْإِسْلَامُ إِذَا ذَاكَ ضَعِيفٌ وَالْأَعْدَاءُ كَثِيرَةٌ، وَهَذَا غَايَةُ الْفَضِيلَةِ وَالِاخْتِصَاصِ فِي الصُّحْبَةِ. وَأَيْضًا فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَسْمُرُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الْعِشَاءِ يَتَحَدَّثُ مَعَهُ فِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَأَيْضًا فَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا اسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ أَوَّلُ مَنْ يَتَكَلَّمُ أَبُو بَكْرٍ فِي الشُّورَى وَرُبَّمَا تَكَلَّمَ غَيْرُهُ، وَرُبَّمَا لَمْ يَتَكَلَّمْ غَيْرُهُ فَيَعْمَلُ بِرَأْيِهِ وَحْدَهُ فَإِذَا خَالَفَهُ غَيْرُهُ اتَّبَعَ رَأْيَهُ دُونَ رَأْيِ مَنْ يُخَالِفُهُ. (1) عِبَارَةُ "مِنْ وُجُوهٍ" سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (2) سَيَرِدُ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ حَدِيثٍ مُطَوَّلٍ فِيمَا يَلِي فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَالْأَوَّلُ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ شَاوَرَ أَصْحَابَهُ فِي أُسَارَى بَدْرٍ فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا أُسِرَ الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: "مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى؟" فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُمْ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةِ، فَأَرَى أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمُ الْفِدْيَةُ فَتَكُونُ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ فَقَالَ عُمَرُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَرَى مَا رَأَى أَبُو بَكْرٍ؛ وَلَكِنْ أَنْ تَمَكِّنَنَا فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ: تُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمْكِنَ حَمْزَةَ مِنَ الْعَبَّاسِ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنَنِي مِنْ فُلَانٍ - قَرِيبٍ لِعُمَرَ - فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ. وَأَشَارَ ابْنُ رَوَاحَةَ بِتَحْرِيفِهِمْ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الرَّأْيُ مَا رَأَى أَبُو بَكْرٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الرَّأْيُ مَا رَأَى عُمَرُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الرَّأْيُ مَا رَأَى ابْنُ رَوَاحَةَ، قَالَ: فَهَوِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ» . وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ [1] . وَأَمَّا الثَّانِي: فَفِي يَوْمِ الْحُدَيْبِيَةَ لَمَّا شَاوَرَهُمْ عَلَى أَنْ يُغِيرَ عَلَى ذُرِّيَّةِ الَّذِينَ أَعَانُوا قُرَيْشًا، أَوْ يَذْهَبَ إِلَى الْبَيْتِ؛ فَمَنْ صَدَّهُ قَاتَلَهُ، وَالْحَدِيثُ مَعْرُوفٌ [2] عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ وَالْمَغَازِي وَالسِّيَرِ وَالْفِقْهِ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ [3] . حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ (1) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ. (2) س، ب: مَعْلُومٌ (3) النَّصُّ التَّالِي فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/323 - 326، 4/328 - 331 الزُّبَيْرِ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ يُصَدِّقُ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ [1] ، قَالَا: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَمَنَ [2] الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعِ عَشْرَةِ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ، وَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ [3] وَبَعَثَ بَيْنَ يَدَيْهِ عَيْنًا لَهُ مِنْ خُزَاعَةَ يُخْبِرُهُ عَنْ قُرَيْشٍ، وَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى إِذَا كَانَ بِغَدِيرِ الْأَشْطَاطِ قَرِيبًا مِنْ عُسْفَانَ أَتَاهُ عَيْنُهُ الْخُزَاعِيُّ؛ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ قَدْ جَمَعُوا لَكَ الْأَحَابِيشَ» "، قَالَ أَحْمَدُ:" وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ "[4] :" «قَدْ جَمَعُوا لَكَ الْأَحَابِيشَ، وَجَمَعُوا لَكَ جُمُوعًا وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَشِيرُوا عَلَيَّ [5] : أَتَرَوْنَ أَنْ أَمِيلَ [6] إِلَى ذَرَارِيِّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَعَانُوهُمْ فَنُصِيبَهُمْ؛ فَإِنْ قَعَدُوا قَعَدُوا مَوْتُورِينَ مَحْرُوبِينَ [7] ، وَإِنْ نَجَوْا يَكُنْ عُنُقًا قَطَعَهَا اللَّهُ، أَوْ تَرَوْنَ أَنْ نَؤُمَّ الْبَيْتَ، فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؛ إِنَّمَا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ وَلَمْ نَجِئْ لِقِتَالِ أَحَدٍ [8] ، وَلَكِنْ مَنْ" (1) الْمُسْنَدُ: يُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدِيثَ صَاحِبِهِ (2) الْمُسْنَدُ: زَمَانَ (3) الْمُسْنَدُ: بِالْعُمْرَةِ (4) هَذِهِ الزِّيَادَةُ الْمُعْتَرِضَةُ جَاءَتْ فِي الْمُسْنَدِ بَعْدَ هَذَا الْمَوْضِعِ بِسَطْرَيْنِ. (5) ن. م. س: إِلَيَّ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) ، الْمُسْنَدِ. (6) الْمُسْنَدُ: نَمِيلَ. (7) ن: مَحْزُونِينَ. وَفِي الْمُسْنَدِ بَعْدَ عِبَارَةِ "وَإِنْ نَجَوْا" : وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ: مَحْزُونِينَ، وَإِنْ يَحْنُونَ تَكُنْ. . . (8) الْمُسْنَدُ:. . . نُقَاتِلُ أَحَدًا. . حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ قَاتَلْنَاهُ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَرَوِّحُوا إِذًا»" . قَالَ الزُّهْرِيُّ: «وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا قَطُّ كَانَ أَكْثَرَ مَشُورَةً لِأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» - [1] ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: حَدِيثُ [2] الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ: فَرَاحُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ "." وَمِنْ هُنَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقٍ وَرَوَاهُ فِي الْمُغَازِي وَالْحَجِّ [3] . وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِ الْمِسْوَرِ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ [4] «حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بِالْغَمِيمِ فِي خَيْلٍ لِقُرَيْشٍ طَلِيعَةً، فَخُذُوا ذَاتَ الْيَمِينِ، فَوَاللَّهِ مَا شَعَرَ بِهِمْ خَالِدٌ حَتَّى إِذَا هُمْ [5] بِقَتَرَةِ الْجَيْشِ؛ فَانْطَلَقَ يَرْكُضُ نَذِيرًا لِقُرَيْشٍ، وَسَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى إِذَا كَانَ بِالثَّنِيَّةِ الَّتِي يُهْبَطُ (1) هَذِهِ الزِّيَادَةُ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ هِيَ مِنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - 3/129 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمَشُورَةِ) وَهُوَ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ هُنَا. (2) الْمُسْنَدُ: فِي حَدِيثِ (3) الْحَدِيثُ - مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: الْبُخَارِيِّ 2/168 - 169 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ مَنْ أَشْعَرَ وَقَلَّدَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ أَحْرَمَ) 3/193 - 198 (كِتَابُ الشُّرُوطِ، بَابُ الشُّرُوطِ فِي الْجِهَادِ. . .) 5/126 - 127 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ 4/32 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابٌ فِي صُلْحِ الْعَدُوِّ) . وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى بَعْضِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ فِيمَا مَضَى (4) الْكَلَامُ التَّالِي فِي الْمُسْنَدِ، وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ 3/193 - 194 (كِتَابُ الشُّرُوطِ. . .) (5) ن، م، س، الْمُسْنَدُ: حَتَّى إِذَا هُوَ. وَالْمُثْبَتُ مِنَ (ب) ، الْبُخَارِيِّ. عَلَيْهِمْ مِنْهَا بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ فَقَالَ النَّاسُ [1] : حَلْ حَلْ فَأَلْحَتْ فَقَالُوا خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ [2] ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، "مَا خَلَأَتِ [الْقَصْوَاءُ] [3] وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ؛ ثُمَّ قَالَ:" وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا "، ثُمَّ زَجَرَهَا فَوَثَبَتْ، قَالَ: فَعَدَلَ عَنْهُمْ حَتَّى نَزَلَ بِأَقْصَى الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَمَدٍ قَلِيلِ الْمَاءِ يَتَبَرَّضُهُ النَّاسُ تَبَرُّضًا، فَلَمْ يَلْبَثِ النَّاسُ أَنْ نَزَحُوهُ وَشَكُوْا [4] إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَطَشَ، فَانْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ فِيهِ [5] فَوَاللَّهِ مَا زَالَ يَجِيشُ لَهُمْ بِالرِّيِّ [6] حَتَّى صَدَرُوا عَنْهُ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذَا جَاءَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ وَنَفَرٌ [7] مِنْ قَوْمِهِ مِنْ خُزَاعَةَ وَكَانُوا عَيْبَةَ نُصْحِ رَسُولِ [8] اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ»" وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ: "مُسْلِمِهِمْ وَمُشْرِكِهِمْ [9]" «فَقَالَ: إِنِّي تَرَكْتُ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ نَزَلُوا أَعْدَادَ مِيَاهِ الْحُدَيْبِيَةَ وَمَعَهُمُ الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ، وَهُمْ مُقَاتِلُوكُ وَصَادُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ. (1) الْمُسْنَدُ (فَقَطْ) : فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (2) تَكَرَّرَتْ عِبَارَةُ "خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ" فِي (ن) فَقَطْ مَرَّتَيْنِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي "الْبُخَارِيِّ" (3) الْقَصْوَاءُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (4) الْمُسْنَدُ: فَلَمْ يَلْبَثْهُ النَّاسُ أَنْ نَزَحُوهُ فَشُكِيَ، الْبُخَارِيُّ: فَلَمْ يَلْبَثْهُ النَّاسُ حَتَّى نَزَحُوهُ وَشُكِيَ. (5) ن، م، س: فِيهَا (6) بِالرِّيِّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (7) الْمُسْنَدُ. الْبُخَارِيُّ: فِي نَفَرٍ. (8) ن، م، س، الْمُسْنَدُ: لِرَسُولِ. . (9) فِي رِوَايَةِ الْمُسْنَدِ 4/323: مُسْلِمِهَا وَمُشْرِكِهَا.
__________________
|
#493
|
||||
|
||||
![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الثامن الحلقة (493) صـ 395 إلى صـ 404 فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّا لَمْ نَجِئْ لِقِتَالِ أَحَدٍ، وَلَكِنَّا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ؛ فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ نَهِكَتْهُمُ الْحَرْبُ، وَأَضَرَّتْ بِهِمْ؛ فَإِنْ شَاءُوا مَادَدْتُهُمْ مُدَّةً وَيُخَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ؛ فَإِنْ أَظْهَرُ فَإِنْ شَاءُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ فَعَلُوا وَإِلَّا فَقَدَ جَمُّوا [1] وَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي وَلَيُنْفِذَنَّ [2] اللَّهُ أَمْرَهُ" . قَالَ بُدَيْلٌ: "سَأُبْلِغُهُمْ مَا تَقُولُ فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى قُرَيْشًا؛ فَقَالَ: إِنَّا قَدْ جِئْنَاكُمْ مِنْ عِنْدِ هَذَا الرَّجُلِ وَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ قَوْلًا؛ فَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ نَعْرِضَهُ عَلَيْكُمْ فَعَلْنَا، فَقَالَ سُفَهَاؤُهُمْ: لَا حَاجَةَ لَنَا أَنْ تُخْبِرَنَا عَنْهُ بِشَيْءٍ، وَقَالَ ذَوُو الرَّأْيِ مِنْهُمْ: هَاتِ مَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ، قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: كَذَا وَكَذَا فَحَدَّثَهُمْ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَامَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ أَلَسْتُمْ بِالْوَالِدِ؟ [3] قَالُوا: بَلَى، قَالَ: أَوَلَسْتُ بِالْوَلَدِ [4] ؟ ، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَهَلْ تَتَّهِمُونِي؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي اسْتَنْفَرْتُ أَهْلَ عُكَاظٍ فَلَمَّا بَلَّحُوا [5] عَلَيَّ جِئْتُكُمْ بِأَهْلِي وَوَلَدِي وَمَنْ أَطَاعَنِي؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَإِنَّ هَذَا قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا مِنْهُ [6] وَدَعُونِي آتِهِ، قَالُوا: ائْتِهِ، فَأَتَاهُ" (1) فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: أَيِ اسْتَرَاحُوا مِنْ جُهْدِ الْحَرْبِ. (2) ن، م، س، الْمُسْنَدُ: أَوْ لَيُنْفِذَانَّ. (3) ن، م، س: بِالْوَلَدِ. (4) ن، م، س: بِالْوَالِدِ. (5) بَلَّحُوا: أَيْ عَجَزُوا. (6) مِنْهُ: لَيْسَتْ فِي "الْمُسْنَدِ" وَ "الْبُخَارِيِّ" . فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ نَحْوًا مِنْ قَوْلِهِ لِبُدَيْلٍ، فَقَالَ عُرْوَةُ عِنْدَ ذَلِكَ: أَيْ مُحَمَّدُ، أَرَأَيْتَ إِنِ اسْتَأْصَلْتَ قَوْمَكَ [1] ، هَلْ سَمِعْتُ أَحَدًا مِنَ الْعَرَبِ [2] اجْتَاحَ أَصْلَهُ [3] قَبْلَكَ؟ وَإِنْ تَكُنِ الْأُخْرَى، فَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَرَى [4] وُجُوهًا وَإِنِّي لَأَرَى أَوْبَاشًا [5] مِنَ النَّاسِ خَلِيقًا أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ، وَلَفْظُ أَحْمَدَ: "خُلَقَاءَ أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ [6]" فَقَالَ [لَهُ] [7] أَبُو بَكْرٍ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: امْصُصْ بَظْرَ اللَّاتِ [8] أَنَحْنُ نَفِرُّ عَنْهُ وَنَدَعُهُ؟ فَقَالَ: مَنْ ذَا؟ قَالُوا: أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا يَدٌ كَانَتْ لَكَ عِنْدِي لَمْ أَجْزِكَ بِهَا لَأَجَبْتُكَ، وَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكُلَّمَا كَلَّمَهُ أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ، وَالْمُغِيرَةُ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهُ السَّيْفُ وَعَلَيْهِ الْمِغْفَرُ؛ فَكُلَّمَا أَهْوَى عُرْوَةُ بِيَدِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَرَبَ يَدَهُ بِنَعْلِ [9] السَّيْفِ، وَيَقُولُ: أَخِّرْ يَدَكَ عَنْ لِحْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَرَفَعَ عُرْوَةُ رَأْسَهُ [10] فَقَالَ: مَنْ ذَا [11] ؟ قَالُوا: الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ. (1) الْبُخَارِيُّ: آمُرَ قَوْمَكَ. (2) الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: بِأَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ (3) ب، فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: أَهْلَهُ. (4) م، ب: لَا أَرَى. (5) ن، س: وَأَرَى أَوْبَاشًا، م: وَأَرَى أَوَشَاصًا. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ "أَشْوَابًا" . (6) الْعِبَارَاتُ الْمُعْتَرِضَةُ فِي رِوَايَةِ الْمُسْنَدِ. (7) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) (8) سَبَقَ شَرْحُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِيمَا مَضَى (9) فِي "الْمُسْنَدِ" فَقَطْ: بِنَصْلِ. (10) ن، م، س، الْمُسْنَدُ: يَدَهُ. (11) الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: مَنْ هَذَا. قَالَ: أَيْ غُدَرُ، أَوَلَسْتُ أَسْعَى فِي غَدْرَتِكَ؟ وَكَانَ الْمُغِيرَةُ صَحِبَ قَوْمًا [1] فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَتَلَهُمْ وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ، [ثُمَّ جَاءَ فَأَسْلَمَ] [2] ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَمَّا الْإِسْلَامُ فَأَقْبَلُ، وَأَمَّا الْمَالُ فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ. ثُمَّ إِنَّ عُرْوَةَ جَعَلَ يَرْمُقُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَيْنَيْهِ [3] ؛ قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا تَنَخَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وُضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ [عِنْدَهُ] [4] وَمَا يَحِدُّونَ النَّظَرَ إِلَيْهِ تَعْظِيمًا لَهُ، فَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ [وَاللَّهِ] [5] لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ وَكِسْرَى وَالنَّجَاشِيِّ؛ وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا عَظِيمًا [6] قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ [7] مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدًا، وَاللَّهِ إِنْ تَنَخَّمَ بِنُخَامَةٍ إِلَّا وَقَعَتْ فِي يَدِ [8] رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وُضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ [9] ." (1) ن، م، س: أَقْوَامًا. (2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) . (3) الْمُسْنَدُ: يَرْمُقُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَيْنِهِ (4) عِنْدَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) (5) وَاللَّهِ: لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) ، (س) . (6) عَظِيمًا: لَيْسَتْ فِي (م) ، الْبُخَارِيِّ، الْمُسْنَدِ. (7) س، ب: يُعَظِّمُهُ قَوْمُهُ وَأَصْحَابُهُ. (8) الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ. . (9) فِي (ن) ، (م) ، (س) : سَبَقَتْ عِبَارَةُ "وَإِذَا تَكَلَّمَ. ." عِبَارَةَ: وَإِذَا تَوَضَّأَ. . "" وَمَا يُحِدُّونَ النَّظَرَ إِلَيْهِ تَعْظِيمًا لَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا؛ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ كِنَانَةَ [1] : دَعُونِي آتِهِ، فَقَالُوا: ائْتِهِ، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - [وَأَصْحَابِهِ [2] ] قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَذَا فُلَانٌ، وَهُوَ مِنْ قَوْمٍ يُعَظِّمُونَ الْبُدْنَ، فَابْعَثُوهَا لَهُ" [فَبُعِثَتْ لَهُ] وَاسْتَقْبَلَهُ [3] النَّاسُ يُلَبُّونَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، مَا يَنْبَغِي لِهَذَا أَنْ يُصَدَّ [4] عَنِ الْبَيْتِ. فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ، قَالَ: رَأَيْتُ الْبُدْنَ قَدْ قُلِّدَتْ وَأُشْعِرَتْ [5] ، فَمَا أَرَى أَنْ يُصَدَّ [6] عَنِ الْبَيْتِ؛ فَقَامَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ فَقَالَ: دَعُونِي آتِهِ [7] ؛ فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَذَا مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ وَهُوَ رَجُلٌ فَاجِرٌ" فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَيْنَمَا هُوَ يُكَلِّمُهُ جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو. قَالَ مَعْمَرٌ: فَأَخْبَرَنِي أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ سُهَيْلٌ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَدْ سُهِّلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ" ، قَالَ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي حَدِيثِهِ: فَجَاءَ سُهَيْلٌ، فَقَالَ لَهُ: هَاتِ اكْتُبْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ [8] كِتَابًا، فَدَعَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكَاتِبَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (1) الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: مِنْ بَنِي كِنَانَةَ. (2) وَأَصْحَابِهِ: لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) ، (س) . (3) ن، س: فَبَعَثُوهَا لَهُ وَاسْتَقْبَلَهُ، م: فَابْعَثُوهَا لَهُ وَاسْتَقْبَلَهُ. (4) الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: لِهَؤُلَاءِ أَنْ يُصَدُّوا. (5) م: وَاسْتُشْعِرَتْ. (6) الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: أَنْ يُصَدُّوا. (7) الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: آتِهِ؛ فَقَالُوا ائْتِهِ. (8) الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: وَبَيْنَكُمْ اكْتُبْ [1] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ "فَقَالَ سُهَيْلٌ: أَمَّا الرَّحْمَنُ فَمَا أَدْرِي [2] مَا هُوَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ: بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ، كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: وَاللَّهِ لَا نَكْتُبُهَا إِلَّا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ "، ثُمَّ قَالَ:" هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ "؛ فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَاللَّهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا صَدَدْنَاكَ عَنِ الْبَيْتِ وَلَا قَاتَلْنَاكَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" وَاللَّهِ إِنِّي لَرَسُولُ اللَّهِ وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي؛ اكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ". قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ:" لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا ". قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" عَلَى أَنْ تُخَلُّوا [3] بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ نَطُوفَ بِهِ "[4] ؛ فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَاللَّهِ لَا تَتَحَدَّثُ الْعَرَبُ أَنَّا أُخِذْنَا ضَغْطَةً، وَلَكِنَّ ذَاكَ [5] مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ [6] فَكَتَبَ، وَقَالَ سُهَيْلٌ: وَعَلَى أَنْ [7] لَا يَأْتِيَكَ مِنَّا رَجُلٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا قَالَ الْمُسْلِمُونَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! كَيْفَ يُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جَاءَ مُسْلِمًا؟ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَ [8] أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ" (1) اكْتُبْ: لَيْسَتْ فِي "الْبُخَارِيِّ" . (2) الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي. (3) س، ب: يُخَلُّوا. (4) الْمُسْنَدُ، الْبُخَارِيُّ: وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَنَطُوفَ بِهِ (5) الْبُخَارِيُّ: ذَلِكَ، الْمُسْنَدُ: لَكَ (6) م: الْقَابِلِ. (7) الْبُخَارِيُّ: الْمُسْنَدُ: أَنَّهُ. (8) الْبُخَارِيُّ: إِذْ دَخَلَ. بْنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ فِي قُيُودِهِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ حَتَّى رَمَى بِنَفْسِهِ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَقَالَ سُهَيْلٌ: هَذَا يَا مُحَمَّدُ [1] أَوَّلُ مَا أُقَاضِيكَ عَلَيْهِ أَنْ تَرُدَّهُ إِلَيَّ؛ قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّا لَمْ نَقْضِ الْكِتَابَ بَعْدُ قَالَ: فَوَاللَّهِ إِذًا لَا أُصَالِحُكَ عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا؛ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" فَأَجِزْهُ لِي "قَالَ: مَا أَنَا مُجِيزُهُ [2] ، قَالَ:" بَلَى فَافْعَلْ "قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ؛ قَالَ مِكْرَزٌ: بَلَى قَدْ أَجَزْنَاهُ لَكَ، قَالَ أَبُو جَنْدَلٍ: أَيْ مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ أُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جِئْتُ مُسْلِمًا أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ لَقِيتُ، وَقَدْ كَانَ [3] عُذِّبَ عَذَابًا شَدِيدًا فِي اللَّهِ فَقَالَ عُمَرُ [4] : فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ أَلَسْتَ نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي [5] الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟ قَالَ:" إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَلَسْتُ أَعْصِيهِ، وَهُوَ نَاصِرِي "؛ قُلْتُ: أَوَلَسْتَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا: أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ [6] ؟ قَالَ:" فَأَخْبَرْتُكَ أَنَّكَ آتِيهِ [7] الْعَامَ؟ "قُلْتُ: لَا، قَالَ:" فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ "[8] قَالَ [9] : فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ: أَلَيْسَ" (1) س، ب: يَا مُحَمَّدُ هَذَا. . (2) الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: بِمُجِيزِهِ لَكَ. (3) الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: وَكَانَ قَدْ. . (4) س، ب: قَالَ عُمَرُ. (5) ن، م: فَلِمَ نُعْطَى. (6) س، ب: وَنَطُوفُ بِهِ. (7) الْبُخَارِيُّ: أَنَّا نَأْتِيهِ. الْمُسْنَدُ: أَنَّكَ تَأْتِيهِ. (8) م: تَطُوفُ بِهِ، الْمُسْنَدُ: وَمُتَطَوِّفٌ بِهِ (9) قَالَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ، (س) ، (ب) . هَذَا نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: بَلَى [1] ، قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟ قَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَلَيْسَ يَعْصِي رَبَّهُ، وَهُوَ نَاصِرُهُ فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ [2] فَوَاللَّهِ [إِنَّهُ] عَلَى الْحَقِّ [3] ، قُلْتُ: أَلَيْسَ كَانَ يُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: بَلَى، أَفَأَخْبَرَكَ أَنَّكَ [4] تَأْتِيهِ الْعَامَ [5] ؟ قُلْتُ: لَا قَالَ فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ؛ قَالَ عُمَرُ [6] : فَعَمِلْتُ لِذَلِكَ أَعْمَالًا، قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحَابِهِ: "قُومُوا فَانْحَرُوا، ثُمَّ احْلِقُوا" قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؛ فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ أَحَدٌ [7] دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَتُحِبُّ ذَلِكَ، اخْرُجْ وَلَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ [8] ، * حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ [فَيَحْلِقَكَ] [9] ، فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ فَنَحَرَ بُدْنَهُ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ * [10] ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى (1) (1 - 1) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) . (2) الْمُسْنَدُ: فَاسْتَمْسِكْ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: بِغَرْزِهِ، وَقَالَ: تَطُوفُ بِغَرْزِهِ حَتَّى تَمُوتَ، م: فَاسْتَمْسِكْ بِعُرْوَتِهِ. (3) ن: فَوَاللَّهِ عَلَى الْحَقِّ، س، ب فَهُوَ وَاللَّهِ عَلَى الْحَقِّ، الْمُسْنَدُ: فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لَعَلَى الْحَقِّ. (4) س، ب: أَفَأَخْبَرَ أَنَّكَ، الْمُسْنَدُ: أَفَأَخْبَرَكَ أَنَّهُ. (5) م: آتِيهِ الْعَامَ، الْمُسْنَدُ: يَأْتِيهِ الْعَامَ (6) الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ عُمَرُ (7) الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: مِنْهُمْ أَحَدٌ (8) ن، م: وَلَا تُكَلِّمْ مِنْهُمْ أَحَدًا، الْبُخَارِيُّ، وَالْمُسْنَدُ: ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً. (9) فَيَحْلِقَكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) (10) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . وَسَقَطَتْ بَعْضُ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ مِنْ (س) . كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا، ثُمَّ جَاءَ [1] نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [سُورَةُ الْمُمْتَحِنَةِ: 10] فَطَلَّقَ عُمَرُ يَوْمَئِذٍ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا لَهُ فِي الشِّرْكِ؛ فَتَزَوَّجَ إِحْدَاهُمَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَالْأُخْرَى صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ. ثُمَّ رَجَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْمَدِينَةِ؛ فَجَاءَ [2] أَبُو بَصِيرٍ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَهُوَ مُسْلِمٌ [3] فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِهِ رَجُلَيْنِ، فَقَالُوا: الْعَهْدَ الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا فَدَفَعَهُ إِلَى الرَّجُلَيْنِ فَخَرَجَا بِهِ حَتَّى بَلَغَا ذَا الْحُلَيْفَةِ؛ فَنَزَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ تَمْرٍ لَهُمْ، فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى سَيْفَكَ هَذَا يَا فُلَانُ جَيِّدًا، فَاسْتَلَّهُ الْآخَرُ فَقَالَ: أَجَلْ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَجَيِّدٌ، لَقَدْ جَرَّبْتُ بِهِ، ثُمَّ جَرَّبْتُ، فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ: أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْهِ فَأَمْكَنَهُ [مِنْهُ] [4] ، فَضَرَبَ بِهِ حَتَّى بَرَدَ، وَفَرَّ الْآخَرُ حَتَّى آتَى الْمَدِينَةَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ يَعْدُو فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ رَآهُ لَقَدْ رَأَى هَذَا ذُعْرًا فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: قُتِلَ وَاللَّهِ صَاحِبِي وَإِنِّي لَمَقْتُولٌ فَجَاءَ أَبُو بَصِيرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ وَفَى بِذِمَّتِكَ [5] ، فَلَقَدْ رَدَدْتَنِي إِلَيْهِمْ، ثُمَّ أَنْجَانِي (1) الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: ثُمَّ جَاءَهُ. (2) الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: فَجَاءَهُ (3) بَعْدَ كَلِمَةِ "مُسْلِمٌ" جَاءَتْ عِبَارَاتٌ فِي "الْمُسْنَدِ" زِيَادَةٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ. (4) مِنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) (5) س، ب: لَقَدْ وَفَى اللَّهُ بِذِمَّتِكَ، الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: قَدْ وَاللَّهِ أَوْفَى اللَّهُ ذِمَّتَكَ. اللَّهُ مِنْهُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ، لَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ" فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عَرَفَ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ؛ فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى سَيْفَ الْبَحْرِ، قَالَ: وَتَفَلَّتَ مِنْهُمْ أَبُو جَنْدَلِ [1] بْنُ سُهَيْلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ فَلَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ فَجَعَلَ لَا يَخْرُجُ مِنْ قُرَيْشٍ رَجُلٌ قَدْ [2] أَسْلَمَ إِلَّا لَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ حَتَّى اجْتَمَعَتْ مِنْهُمْ عِصَابَةٌ؛ قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا يَسْمَعُونَ بِعِيرٍ خَرَجَتْ لِقُرَيْشٍ إِلَى الشَّامِ إِلَّا اعْتَرَضُوهَا [3] ، فَقَتَلُوهُمْ وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُنَاشِدُهُ اللَّهَ وَالرَّحِمَ إِلَّا أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ: فَمَنْ أَتَاهُ مِنْهُمْ فَهُوَ آمِنٌ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَيْهِمْ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 24] حَتَّى بَلَغَ: {حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 26] وَكَانَتْ حَمِيَّتُهُمْ أَنَّهُمْ لَمْ يُقِرُّوا أَنَّهُ نَبِيُّ اللَّهِ وَلَمْ يُقِرُّوا بِـ "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" وَحَالُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْبَيْتِ» "رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُسْنَدِيِّ [4] عَنْ عَبْدِ الرَّازِقِ [5] وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الرَّازِقِ [6] ، وَهُوَ" (1) الْبُخَارِيُّ: وَيَنْفَلِتُ مِنْهُمْ أَبُو جَنْدَلِ، الْمُسْنَدُ: وَيَتَفَلَّتُ أَبُو جَنْدَلِ. . (2) قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (3) الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: إِلَّا اعْتَرَضُوا لَهَا. (4) م: السَّنَدِيِّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الْيَمَانِ الْجُعَفِيُّ الْبُخَارِيُّ الْحَافِظُ، أَبُو جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِالْمُسْنَدِيِّ (بِفَتْحِ النُّونِ) ؛ لُقِّبَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ يَطْلُبُ الْمُسْنَدَاتِ وَيَرْغَبُ عَنِ الْمُرْسَلَاتِ، وَلِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ "مُسْنَدَ الصَّحَابَةِ" بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَهُوَ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 229. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 6/9 - 10، تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 2/492 - 493 الْأَعْلَامِ 4/260 (5) وَهِيَ رِوَايَةُ كِتَابِ الشُّرُوطِ، بَابُ الْجِهَادِ وَالْمُصَالَحَةِ 3/193 - 197. (6) وَهِيَ الرِّوَايَةُ فِي 4/328 - 331 أَجَلُّ قَدْرًا مِنَ الْمُسْنَدِيِّ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ؛ فَمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةٍ هِيَ أَثْبَتُ مِمَّا فِي الْبُخَارِيِّ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: «كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ [1] الصُّلْحَ بَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ؛ فَكَتَبَ: هَذَا مَا كَاتَبَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالُوا: لَا تَكْتُبْ رَسُولَ اللَّهِ؛ لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ لَمْ نُقَاتِلْكَ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيٍّ: "امْحُهُ" ، فَقَالَ: "مَا أَنَا بِالَّذِي أَمْحُوهُ" قَالَ: فَمَحَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ [2] ، قَالَ: وَكَانَ فِيمَا اشْتَرَطُوا عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلُوا فَيُقِيمُوا بِهَا [3] ثَلَاثًا، وَلَا يَدْخُلُوا بِسِلَاحٍ إِلَّا جُلُبَّانَ السِّلَاحِ. قَالَ شُعْبَةُ: قُلْتُ لِأَبِي إِسْحَاقَ: وَمَا جُلُبَّانُ السِّلَاحِ؟ قَالَ: الْقِرَابُ وَمَا فِيهِ» "[4] ." (1) ن، س: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (2) بِيَدِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (3) بِهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (4) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي "الْبُخَارِيِّ 3/184 - 185 (كِتَابُ الصُّلْحِ بَابُ كَيْفَ يَكْتُبُ هَذَا مَا صَالَحَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ. .) \ 4 103 - 104 (كِتَابُ الْجِزْيَةِ وَالْمُوَادَعَةِ، بَابُ الْمُصَالَحَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ وَقْتٍ مَعْلُومٍ، مُسْلِمٍ 3/1409 - 1411 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ فِي الْحُدَيْبِيَةِ) سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/227 (كِتَابُ الْمَنَاسِكِ، بَابُ الْمُحْرِمِ يَحْمِلُ السِّلَاحَ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/289، 291، 302. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مُسْلِمٍ 12/136: وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ، جُلُبَّانُ السِّلَاحِ هُوَ الْقِرَابُ وَمَا فِيهِ، وَالْجُلُبَّانُ بِضَمِّ الْجِيمِ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ ضَبَطْنَاهُ (جُلُبَّانُ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَاللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قَالَ: وَكَذَا رَوَاهُ الْأَكْثَرُونَ، وَصَوَّبَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِإِسْكَانِ اللَّامِ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ وَصَوَّبَهُ هُوَ وَثَابِتٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ ثَابِتٌ سِوَاهُ، وَهُوَ أَلْطَفُ مِنَ الْجِرَابِ يَكُونُ مِنَ الْأُدْمِ يُوضَعُ فِيهِ السَّيْفُ مُغْمَدًا وَيَطْرَحُ فِيهِ الرَّاكِبُ سَوْطَهُ وَأَدَوَاتِهِ وَيُعَلِّقُهُ فِي الرَّحْلِ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَإِنَّمَا شَرَطُوا هَذَا لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يَظْهَرَ مِنْهُ دُخُولُ الْغَالِبِينَ الْقَاهِرِينَ وَالثَّانِي أَنَّهُ إِنْ عَرَضَ فِتْنَةٌ أَوْ نَحْوُهَا يَكُونُ فِي الِاسْتِعْدَادِ بِالسِّلَاحِ صُعُوبَةٌ."
__________________
|
#494
|
||||
|
||||
![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الثامن الحلقة (494) صـ 405 إلى صـ 414 وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: «قَامَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ يَوْمَ صِفِّينَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ وَفِي لَفْظِ اتَّهِمُوا رَأْيَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ؛ لَقَدْ كُنَّا [مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] [1] يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ؛ وَلَوْ نَرَى قِتَالًا لَقَاتَلْنَا وَذَلِكَ فِي الصُّلْحِ الَّذِي كَانَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ وَجَاءَ [2] عُمَرُ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَسْنَا عَلَى حَقٍّ وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ قَالَ: "بَلَى" ، قَالَ: أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ؟ قَالَ: "بَلَى" ، قَالَ: فَفِيمَ [3] نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا؟ ، وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؛ قَالَ: "يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَلَنْ يُضَيِّعَنِي اللَّهُ أَبَدًا" ، قَالَ: فَانْطَلَقَ عُمَرُ فَلَمْ يَصْبِرْ مُتَغَيِّظًا فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَسْنَا عَلَى حَقٍّ وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَعَلَامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟ فَقَالَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَلَنْ يُضَيِّعَهُ اللَّهُ أَبَدًا، قَالَ: فَنَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْفَتْحِ؛ فَأَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ (1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ب) فَقَطْ (2) ن، م: فَجَاءَ. (3) س، ب: فِيمَ. فَأَقْرَأَهُ إِيَّاهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَفَتْحٌ [1] هُوَ؟ قَالَ: "نَعَمْ»" [2] . وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ [3] "فَطَابَتْ نَفْسُهُ وَرَجَعَ" . وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا: "«أَيُّهَا النَّاسُ اتَّهِمُوا رَأْيَكُمْ [4] ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ [5] ، وَلَوْ [أَنِّي] [6] أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ لَرَدَدْتُهُ»" [7] . وَفِي رِوَايَةٍ: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ [8] : "وَاللَّهِ مَا وَضَعْنَا سُيُوفَنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا إِلَى أَمْرٍ قَطُّ إِلَّا أَسْهَلْنَ بِنَا إِلَى أَمْرٍ نَعْرِفُهُ إِلَّا أَمْرَكُمْ هَذَا" [9] ، "مَا" (1) ن، م: أَفَتْحٌ؟ (2) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ ابْنِ سَلَمَةَ الْأَسَدِيِّ (تَرْجَمَتُهُ فِي الْإِصَابَةِ 2/162 - 163، أُسْدِ الْغَابَةِ 2/527 - 528) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - فِي: الْبُخَارِيِّ 4/103 (كِتَابُ الْجِزْيَةِ وَالْمُوَادَعَةِ، بَابُ حَدَّثَنَا عَبْدَانُ. . .) 6/136 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، بَابُ سُورَةِ الْفَتْحِ) مُسْلِمٍ 3/1411 - 1412 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ. .) الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/485 - 486 (عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ) . (3) مُسْلِمٍ 3/1412 فِي آخِرِ الْحَدِيثِ (4) ن، م: آرَاءَكُمْ. وَالْمُثْبَتُ هُوَ الَّذِي فِي (س) وَ (ب) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ. (5) وَهُوَ يَوْمُ الْحُدَيْبِيَةِ (6) أَنِّي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) . (7) الْحَدِيثُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مُسْلِمٍ 3/1412 (الْمَوْضِعُ السَّابِقُ حَدِيثٌ رَقْمُ 95) الْمُسْنَدِ 3/485. (8) هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: الْبُخَارِيِّ 5/128 - 129 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ) وَنَصُّهُ: لَمَّا قَدِمَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ مِنْ صِفِّينَ أَتَيْنَاهُ نَسْتَخِيرُهُ فَقَالَ اتَّهِمُوا الرَّأْيَ فَلَقَدْ رَأَيْتِنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ وَلَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْرَهُ لَرَدَدْتُ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. . . الْحَدِيثَ. (9) هَذِهِ الْعِبَارَاتُ فِي رِوَايَةٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ فِي مُسْلِمٍ (حَدِيثٌ رَقْمُ 95) . نَسُدُّ مِنْهُ خَصْمًا إِلَّا انْفَجَرَ عَلَيْنَا خَصْمٌ مَا نَدْرِي كَيْفَ نَأْتِي لَهُ [1] "يَعْنِي يَوْمَ صِفِّينَ." وَقَالَ ذَلِكَ سَهْلٌ يَوْمَ صِفِّينَ لَمَّا خَرَجَتِ الْخَوَارِجُ عَلَى عَلِيٍّ حِينَ أَمَرَ بِمُصَالَحَةِ مُعَاوِيَةَ وَأَصْحَابِهِ. وَهَذِهِ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ هِيَ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ تُبَيِّنُ اخْتِصَاصَ أَبِي بَكْرٍ [بِمَنْزِلَةٍ] [2] مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَمْ يَشْرَكْهُ فِيهَا أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ: لَا عُمَرُ وَلَا عَلِيٌّ وَلَا غَيْرُهُمَا، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَعْظَمُ إِيمَانًا وَمُوَافَقَةً وَطَاعَةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْهُ، وَلَا كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِالشُّورَى قَبْلَهُ. فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَصْدُرُ عَنْ رَأْيِهِ وَحْدَهُ فِي الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ وَإِنَّهُ [كَانَ] [3] يَبْدَأُ بِالْكَلَامِ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعَاوَنَةً لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَمَا كَانَ يُفْتِي بِحَضْرَتِهِ وَهُوَ يُقِرُّهُ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا لِغَيْرِهِ. فَإِنَّهُ لَمَّا جَاءَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاسُوسُهُ الْخُزَاعِيُّ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّ قُرَيْشًا قَدْ جَمَعُوا لَهُ الْأَحَابِيشَ، وَهِيَ الْجَمَاعَاتُ [4] الْمُسْتَجْمَعَةُ مِنْ (1) هَذِهِ الْعِبَارَاتُ جَاءَتْ فِي مُسْلِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْحَدِيثِ التَّالِي (رَقْمُ 96) \ 4/1413. وَجَاءَتِ الْعِبَارَاتُ فِي الْجُمْلَتَيْنِ مُجْتَمِعَةً فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) \ 4 485 وَلَكِنْ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ. وَنَصُّ الْحَدِيثِ: ". . وَاللَّهِ مَا وَضَعْنَا سُيُوفَنَا عَنْ عَوَاتِقِنَا مُنْذُ أَسْلَمْنَا لِأَمْرٍ يُفْظِعُنَا إِلَّا أَسْهَلَ بِنَا عَلَى أَمْرٍ نَعْرِفُهُ إِلَّا هَذَا الْأَمْرَ مَا سَدَدْنَا خَصْمًا إِلَّا انْفَتَحَ لَنَا خَصْمٌ آخَرُ" . (2) بِمَنْزِلَةِ: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ. (3) كَانَ: زِيَادَةٌ فِي (م) فَقَطْ (4) م: الْجَمَاعَةُ. قَبَائِلَ، وَالتَّحَبُّشُ: التَّجَمُّعُ، وَأَنَّهُمْ مُقَاتِلُوهُ وَصَادُّوهُ عَنِ الْبَيْتِ، اسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ أَهْلَ الْمَشُورَةِ مُطْلَقًا، هَلْ يَمِيلُ إِلَى ذَرَارِيِّ الْأَحَابِيشِ؟ أَوْ يَنْطَلِقُ إِلَى مَكَّةَ فَلَمَّا أَشَارَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ أَنْ لَا يَبْدَأَ أَحَدًا بِالْقِتَالِ، فَإِنَّا لَمْ نَخْرُجْ إِلَّا لِلْعُمْرَةِ لَا لِلْقِتَالِ؛ فَإِنْ مَنَعَنَا أَحَدٌ [1] مِنْ [2] الْبَيْتِ قَاتَلْنَاهُ لِصَدِّهِ لَنَا عَمَّا قَصَدْنَا لَا مُبْتَدِئِينَ [3] لَهُ بِقِتَالٍ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رَوِّحُوا إِذًا" ، ثُمَّ إِنَّهُ [لَمَّا] تَكَلَّمَ [4] عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ وَهُوَ مِنْ سَادَاتِ ثَقِيفٍ وَحُلَفَاءِ قُرَيْشٍ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَخَذَ يَقُولُ لَهُ عَنْ أَصْحَابِهِ: "إِنَّهُمْ أَشْوَابٌ" أَيْ: أَخْلَاطٌ وَفِي الْمُسْنَدِ أَوْبَاشٌ يَفِرُّونَ عَنْكَ وَيَدَعُوكَ، قَالَ لَهُ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: امْصُصْ بَظْرَ اللَّاتِ أَنَحْنُ نَفِرُّ عَنْهُ وَنَدَعُهُ، فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ وَلَمَّا يُجَاوِبْهُ عَنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ: لَوْلَا يَدٌ لَكَ عِنْدِي لَمْ أَجْزِكَ بِهَا لَأَجَبْتُكَ، وَكَانَ الصِّدِّيقُ قَدْ أَحْسَنَ إِلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ فَرَعَى حُرْمَتَهُ وَلَمْ يُجَاوِبْهُ عَنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ. وَلِهَذَا قَالَ: مَنْ قَالَ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّصْرِيحِ بِاسْمِ الْعَوْرَةِ لِلْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ وَلَيْسَ مِنَ الْفُحْشِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. كَمَا فِي حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "«مَنْ سَمِعْتُمُوهُ يَتَعَزَّى بِعَزَاءٍ [5] الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ هَنَ أَبِيهِ وَلَا تَكْنُوا»" رَوَاهُ (1) ب: أَحْمَدُ، وَهُوَ خَطَأٌ مَطْبَعِيٌّ. (2) ن، م: عَنْ (3) س، ب: مُبْتَدِينَ. (4) ن، س: ثُمَّ إِنَّهُ تَكَلَّمَ، م: ثُمَّ تَكَلَّمَ. (5) ن، م، س: بِعِزَى. أَحْمَدُ [1] فَسَمِعَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ رَجُلًا يَقُولُ: يَا فُلَانُ، فَقَالَ: اعْضَضْ أَيْرَ أَبِيكَ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: بِهَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - [2] . ثُمَّ إِنَّهُ لَمَّا صَالَحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُرَيْشًا كَانَ ظَاهِرُ الصُّلْحِ فِيهِ غَضَاضَةٌ وَضَيْمٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَفَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَاعَةً لِلَّهِ وَثِقَةً بِوَعْدِهِ لَهُ، وَأَنَّ اللَّهَ سَيَنْصُرُهُ عَلَيْهِمْ، وَاغْتَاظَ مِنْ ذَلِكَ جُمْهُورُ النَّاسِ وَعَزَّ عَلَيْهِمْ، حَتَّى عَلَى مِثْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ؛ وَلِهَذَا كَبَّرَ عَلَيْهِ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - [3] لَمَّا مَاتَ تَبْيِينًا لِفَضْلِهِ عَلَى غَيْرِهِ يَعْنِي سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ فَعَلِيٌّ أَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَمْحُوَ اسْمَهُ مِنِ الْكِتَابِ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى أَخَذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكِتَابَ وَمَحَاهُ بِيَدِهِ. (1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/521 وَبَيَّنْتُ فِي تَعْلِيقِي مَكَانَ الْحَدِيثِ فِي الْمُسْنَدِ وَشَرَحْتُ فِيهِ أَلْفَاظَهُ. (2) جَاءَتْ أَحَادِيثُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/136 بِهَذَا الْمَعْنَى مِنْهَا رِوَايَةُ عَتِيِّ بْنِ ضَمْرَةَ السَّعْدِيِّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَجُلًا اعْتَزَى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعَضَّهُ وَلَمْ يُكَنِّهِ، فَنَظَرَ الْقَوْمُ إِلَيْهِ فَقَالَ لِلْقَوْمِ: إِنِّي أَرَى الَّذِي فِي أَنْفُسِكُمْ، إِنِّي لَمْ أَسْتَطِعْ إِلَّا أَنْ أَقُولَ هَذَا، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَنَا إِذَا سَمِعْتُمْ مَنْ يَعْتَزِي بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَعِضُّوهُ وَلَا تُكَنُّوا "وَفِي" النِّهَايَةِ "فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ" لِابْنِ الْأَثِيرِ مَادَّةُ "عَضَضَ" : مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ بِهَنِ أَبِيهِ وَلَا تُكَنُّوا - أَيْ قُولُوا لَهُ: اعْضَضْ بِأَيْرِ أَبِيكَ، وَلَا تُكَنُّوا عَنِ الْأَيْرِ بِالْهَنِ تَنْكِيلًا لَهُ وَتَأْدِيبًا "" (3) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ [1] أَنَّهُ قَالَ لِعَلِيٍّ: "امْحُ رَسُولَ اللَّهِ" قَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا أَمْحُوكَ أَبَدًا؛ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكِتَابَ، وَلَيْسَ يُحْسِنُ يَكْتُبُ [2] فَكَتَبَ: "هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ" . وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ يَقُولُ: "لَوِ اسْتَطَعْتُ أَنْ أَرُدَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَرَدَدْتُهُ" ، وَعُمَرُ يُنَاظِرُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَقُولُ: إِذَا كُنَّا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ وَقَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ وَأَنْتَ رَسُولَ اللَّهِ حَقًّا فَعَلَامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا، ثُمَّ إِنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ وَعَمِلَ لَهُ أَعْمَالًا [3] . وَأَبُو بَكْرٍ أَطْوَعُهُمْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ [4] لَمْ يَصْدُرْ عَنْهُ مُخَالَفَةٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ، بَلْ لَمَّا نَاظَرَهُ عُمَرُ بَعْدَ مُنَاظَرَتِهِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَابَهُ أَبُو بَكْرٍ بِمِثْلِ مَا أَجَابَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْمَعَ جَوَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَهَذَا مِنْ أَبْيَنِ الْأُمُورِ دَلَالَةً عَلَى مُوَافَقَتِهِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمُنَاسَبَتِهِ لَهُ وَاخْتِصَاصِهِ بِهِ قَوْلًا وَعَمَلًا وَعِلْمًا وَحَالًا؛ إِذْ كَانَ قَوْلُهُ مِنْ جِنْسِ قَوْلِهِ وَعَمَلُهُ مِنْ جِنْسِ عَمَلِهِ. وَفِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي ظَهَرَ فِيهَا تَقَدُّمُهُ عَلَى غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ؛ فَأَيْنَ مَقَامُهُ مِنْ مَقَامِ غَيْرِهِ؟ ! هَذَا يُنَاظِرُهُ لِيَرُدَّهُ عَنْ (1) سَبَقَ حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَبْلَ صَفَحَاتٍ وَسَأُقَابِلُ الْكَلَامَ التَّالِيَ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَالرِّوَايَةُ التَّالِيَةُ فِي: الْبُخَارِيِّ 3/184 - 185. (2) عِبَارَةُ "وَلَيْسَ يُحْسِنُ يَكْتُبُ" لَيْسَتْ فِي الْبُخَارِيِّ، وَلَعَلَّهَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ. (3) الْكَلَامُ السَّابِقُ هُوَ مُلَخَّصٌ لِمَا جَاءَ فِي أَحَادِيثَ سَابِقَةٍ. (4) م: وَلِرَسُولِهِ. أَمْرِهِ؛ وَهَذَا يَأْمُرُهُ لِيَمْحُوَ اسْمَهُ فَلَا يَمْحُوهُ، وَهَذَا يَقُولُ: لَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَرَدَدْتُهُ، وَهُوَ يَأْمُرُ النَّاسَ بِالْحَلْقِ وَالنَّحْرِ فَيَتَوَقَّفُونَ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ الَّذِي حَمَلَهُمْ عَلَى ذَلِكَ حُبُّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَبُغْضُ الْكُفَّارِ وَمَحَبَّتُهُمْ أَنْ يَظْهَرَ الْإِيمَانُ عَلَى الْكُفْرِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ قَدْ دَخَلَ عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ غَضَاضَةٌ وَضَيْمٌ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ. وَرَأَوْا أَنَّ قِتَالَهُمْ لِئَلَّا يُضَامُوا هَذَا الضَّيْمَ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ هَذِهِ الْمُصَالَحَةِ الَّتِي فِيهَا مِنَ الضَّيْمِ مَا فِيهَا. لَكِنْ مَعْلُومٌ وُجُوبُ تَقْدِيمِ النَّصِّ عَلَى الرَّأْيِ، وَالشَّرْعِ عَلَى الْهَوَى؛ فَالْأَصْلُ الَّذِي افْتَرَقَ فِيهِ الْمُؤْمِنُونَ بِالرُّسُلِ وَالْمُخَالِفُونَ لَهُمْ: تَقْدِيمُ نُصُوصِهِمْ عَلَى الْآرَاءِ وَشَرْعِهِمْ عَلَى الْأَهْوَاءِ، وَأَصْلُ الشَّرِّ مِنْ تَقْدِيمِ الرَّأْيِ عَلَى النَّصِّ وَالْهَوَى * عَلَى الشَّرْعِ؛ فَمَنْ نَوَّرَ اللَّهُ قَلْبَهُ فَرَأَى مَا فِي النَّصِّ وَالشَّرْعِ [1] مِنَ الصَّلَاحِ وَالْخَيْرِ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ * [2] الِانْقِيَادُ لِنَصِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَرْعِهِ [3] وَلَيْسَ لَهُ مُعَارَضَتُهُ بِرَأْيِهِ وَهَوَاهُ. كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ [4] وَلَسْتُ أَعْصِيهِ، وَهُوَ نَاصِرِي" [5] فَبَيَّنَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، يَفْعَلُ مَا أَمَرَهُ بِهِ مُرْسِلُهُ، لَا يَفْعَلُ مِنْ تِلْقَاءِ (1) ن، س: وَشَرْعٍ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (3) وَشَرْعِهِ: سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) (4) م: لَرَسُولُ اللَّهِ (5) جَاءَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ ضِمْنَ الْحَدِيثِ الَّذِي سَبَقَ ذِكْرُ نَصِّهِ قَبْلَ صَفَحَاتٍ (519 - 520) نَفْسِهِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ يُطِيعُهُ لَا يَعْصِيهِ كَمَا يَفْعَلُ الْمُتَّبِعُ لِرَأْيِهِ [1] وَهَوَاهُ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ نَاصِرُهُ فَهُوَ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ نَصْرِ اللَّهِ فَلَا يَضُرُّهُ مَا حَصَلَ؛ فَإِنَّ فِي ضِمْنِ ذَلِكَ مِنَ الْمَصْلَحَةِ وَعُلُوِّ الدِّينِ مَا ظَهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَانَ هَذَا فَتْحًا مُبِينًا فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ حُسْنَ مَا فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، بَلْ رَأَى ذَلِكَ ذُلًّا وَعَجْزًا وَغَضَاضَةً وَضَيْمًا. وَلِهَذَا تَابَ الَّذِينَ عَارَضُوا ذَلِكَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَمَا فِي الْحَدِيثِ رُجُوعُ عُمَرَ، وَكَذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ اعْتَرَفَ بِخَطَئِهِ حَيْثُ قَالَ: "وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ" وَجَعَلَ رَأْيَهُمْ عِبْرَةً لِمَنْ بَعْدَهُمْ؛ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتَّهِمُوا رَأْيَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ؛ فَإِنَّ الرَّأْيَ يَكُونُ خَطَأً، كَمَا كَانَ رَأْيُهُمْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ خَطَأً، وَكَذَلِكَ عَلَى الَّذِي لَمْ يَفْعَلْ مَا أَمَرَهُ بِهِ، وَالَّذِينَ لَمْ يَفْعَلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ مِنَ الْحَلْقِ وَالنَّحْرِ حَتَّى فَعَلَ هُوَ ذَلِكَ قَدْ تَابُوا مِنْ ذَلِكَ وَاللَّهُ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ. وَالْقِصَّةُ كَانَتْ عَظِيمَةً بَلَغَتْ مِنْهُمْ مَبْلَغًا عَظِيمًا لَا تَحْمِلُهُ عَامَّةُ النُّفُوسِ وَإِلَّا فَهُمْ [2] خَيْرُ الْخَلْقِ، وَأَفْضَلُ النَّاسِ وَأَعْظَمُهُمْ عِلْمًا وَإِيمَانًا وَهُمُ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَقَدْ رَضِيَ [اللَّهُ] عَنْهُمْ [3] وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ وَهُمُ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ. وَالِاعْتِبَارُ فِي الْفَضَائِلِ بِكَمَالِ النِّهَايَةِ لَا بِنَقْصِ الْبِدَايَةِ، وَقَدْ قَصَّ اللَّهُ (1) ن، س: بِرَأْيِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (2) س: إِلَّا فَهُمْ، ب: إِلَّا مَنْ هُمْ. . . (3) ن، م: وَقَدْ رَضِيَ عَنْهُمْ. عَلَيْنَا مِنْ تَوْبَةِ أَنْبِيَائِهِ، وَحُسْنِ عَاقِبَتِهِمْ، وَمَا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُهُمْ مِنْ عَلَى الدَّرَجَاتِ وَكَرَامَةِ اللَّهِ لَهُمْ بَعْدَ أَنْ جَرَتْ لَهُمْ أُمُورٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بُغْضُهُمْ لِأَجْلِهَا؛ إِذَا كَانَ الِاعْتِبَارُ بِكَمَالِ النِّهَايَةِ لَا بِنَقْصِ الْبِدَايَةِ. وَهَكَذَا السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مَنْ ظُنَّ بُغْضُهُمْ [لِأَجْلِهَا إِذَا كَانَ الِاعْتِبَارُ بِكَمَالِ النِّهَايَةِ] [1] كَمَا ذُكِرَ [2] ، فَهُوَ جَاهِلٌ؛ لَكِنَّ الْمَطْلُوبَ أَنَّ الصِّدِّيقَ أَكْمَلُ الْقَوْمِ وَأَفْضَلُهُمْ وَأَسْبَقُهُمْ إِلَى الْخَيْرَاتِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ يُسَاوِيهِ. وَهَذَا أَمْرٌ بَيِّنٌ لَا يَشُكُّ فِيهِ إِلَّا مَنْ كَانَ جَاهِلًا بِحَالِهِمْ مَعَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ كَانَ صَاحِبَ هَوًى صَدَّهُ اتِّبَاعُ هَوَاهُ عَنْ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَإِلَّا فَمَنْ كَانَ لَهُ عَلِمٌ وَعَدْلٌ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ شَكٌّ، كَمَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ شَكٌّ؛ بَلْ كَانُوا مُطْبِقِينَ عَلَى تَقْدِيمِ الصِّدِّيقِ وَتَفْضِيلِهِ عَلَى مَنْ سِوَاهُ كَمَا اتَّفَقَ عَلَى ذَلِكَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ وَخِيَارُهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ وَتَابِعِيهِمْ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ، وَأَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ، وَدَاوُدَ وَأَصْحَابِهِ، وَالثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِهِ، وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَصْحَابِهِ، وَاللَّيْثِ وَأَصْحَابِهِ، وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ لَهُمْ فِي الْأُمَّةِ لِسَانُ صِدْقٍ. وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ مُخَالَفَةَ مَنْ خَالَفَ أَمْرَ الرَّسُولِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةَ - أَوْ غَيْرَهُ - لَمْ تَكُنْ مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي تَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْهَا فَهُوَ غَالِطٌ، كَمَا قَالَ مَنْ أَخَذَ يَعْتَذِرُ (1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (2) ن، م، س: لِمَا ذُكِرَ. لِمَنْ خَالَفَ أَمْرَهُ عُذْرًا يُقْصَدُ بِهِ [1] رَفْعُ الْمَلَامِ: بِأَنَّهُمْ إِنَّمَا تَأَخَّرُوا عَنِ النَّحْرِ وَالْحَلْقِ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَنْتَظِرُونَ النَّسْخَ وَنُزُولَ الْوَحْيِ بِخِلَافِ ذَلِكَ. وَقَوْلُ مَنْ يَقُولُ إِنَّمَا تَخَلَّفَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْ طَاعَتِهِ إِمَّا تَعْظِيمًا لِمَرْتَبَتِهِ أَنْ يَمْحُوَ اسْمَهُ، أَوْ يَقُولُ: مُرَاجَعَةُ مَنْ رَاجَعَهُ فِي مُصَالَحَةِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّمَا كَانَتْ قَصْدًا لِظُهُورِ الْإِيمَانِ عَلَى الْكُفْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَيُقَالُ: الْأَمْرُ الْجَازِمُ مِنَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي أَرَادَ بِهِ الْإِيجَابَ، مُوجِبٌ لِطَاعَتِهِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَإِنَّمَا نَازَعَ فِي الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ بَعْضُ النَّاسِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَيْسَ بِجَازِمٍ أَرَادَ بِهِ الْإِيجَابَ، وَأَمَّا مَعَ ظُهُورِ الْجَزْمِ وَالْإِيجَابِ فَلَمْ يَسْتَرِبْ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَمْرَهُ بِالنَّحْرِ وَالْحَلْقِ كَانَ جَازِمًا وَكَانَ مُقْتَضَاهُ الْفِعْلُ عَلَى الْفَوْرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ رَدَّدَهُ ثَلَاثًا، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ، وَرَوَى أَنَّهُ غَضِبَ وَقَالَ: مَالِي لَا أَغْضَبُ وَأَنَا آمُرُ بِالْأَمْرِ فَلَا [2] يُتَّبَعُ [3] . وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لَمَّا أَمَرَهُمْ بِالتَّحَلُّلِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. (1) س: لِمَنْ خَالَفَ أَمْرَ عُذْرِ مَا يُقْصَدُ بِهِ، ب: لِمَنْ خَالَفَ أَمْرَهُ عُذْرًا مَا يُقْصَدُ بِهِ. وَسَقَطَتْ "بِهِ" مِنْ (م) . (2) ن: س، ب: وَلَا. (3) الْحَدِيثُ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/993 (كِتَابُ الْمَنَاسِكِ، بَابُ فَسْخِ الْحَجِّ) وَنَصُّهُ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ فَأَحْرَمْنَا بِالْحَجِّ؛ فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ: "اجْعَلُوا حَجَّتَكُمْ عُمْرَةً" فَقَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أَحْرَمْنَا بِالْحَجِّ. فَكَيْفَ نَجْعَلُهَا عُمْرَةً؟ قَالَ: "انْظُرُوا مَا آمُرُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا" فَرَدُّوا عَلَيْهِ الْقَوْلَ؛ فَغَضِبَ، فَانْطَلَقَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ غَضْبَانَ، فَرَأَتِ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَتْ: مَنْ أَغْضَبَكَ؟ أَغْضَبَهُ اللَّهُ! قَالَ: "وَمَالِي لَا أَغْضَبُ، وَأَنَا آمِرٌ أَمْرًا فَلَا أُتَّبَعُ؟" وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) \ 4 286.
__________________
|
#495
|
||||
|
||||
![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الثامن الحلقة (495) صـ 415 إلى صـ 424 وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّحَلُّلِ [1] بِهَذِهِ الْعُمْرَةِ الَّتِي أُحْصِرُوا فِيهَا كَانَ أَوْكَدَ مِنَ الْأَمْرِ بِالتَّحَلُّلِ فِي حَجِّ الْوَدَاعِ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ كَانَ مُحْتَاجًا إِلَى مَحْوِ اسْمِهِ مِنِ الْكِتَابِ لِيَتِمَّ الصُّلْحُ؛ وَلِهَذَا مَحَاهُ بِيَدِهِ، وَالْأَمْرُ بِذَلِكَ كَانَ جَازِمًا. وَالْمُخَالِفُ لِأَمْرِهِ إِنْ كَانَ مُتَأَوِّلًا فَهُوَ ظَانٌّ أَنَّ هَذَا لَا يَجِبُ، لِمَا فِيهِ مِنْ قِلَّةِ احْتِرَامِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ لِمَا [2] فِيهِ مِنِ انْتِظَارِ الْعُمْرَةِ وَعَدَمِ إِتْمَامِ ذَلِكَ الصُّلْحِ. فَحَسْبُ الْمُتَأَوِّلِ أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا مُخْطِئًا فَإِنَّهُ مَعَ جَزْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَشَكِّيهِ مِمَّنْ لَمْ يَمْتَثِلْ أَمْرَهُ وَقَوْلَهُ: "مَا لِي لَا أَغْضَبُ وَأَنَا آمِرٌ بِالْأَمْرِ [3] وَلَا أُتَّبَعُ [4]" لَا يُمْكِنُ [5] تَسْوِيغُ الْمُخَالَفَةِ؛ لَكِنَّ هَذَا مِمَّا تَابُوا مِنْهُ كَمَا تَابُوا مِنْ غَيْرِهِ. فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُثْبِتَ عِصْمَةَ مَنْ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ، فَيَقْدَحُ بِذَلِكَ فِي أَمْرِ الْمَعْصُومِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي تَوْبَةِ مَنْ تَابَ، وَحَصَلَ لَهُ بِالذَّنْبِ نَوْعٌ مِنِ الْعِقَابِ فَأَخَذَ يَنْفِي عَلَى الْفِعْلِ مَا يُوجِبُ الْمَلَامَ، وَاللَّهُ قَدْ لَامَهُ لَوْمَ الْمُذْنِبِينَ [6] فَيَزِيدُ تَعْظِيمَ الْبَشَرِ فَيَقْدَحُ [7] فِي رَبِّ الْعَالَمِينَ [8] . (1) س، ب: مِنَ التَّحَلُّلِ. (2) م: وَلِمَا. (3) س، ب: بِالْمَعْرُوفِ. (4) م: فَلَا أُتَّبَعُ. (5) م: وَلَا يُمْكِنُ. . . (6) أَيِ اللَّهُ تَعَالَى لَامَ مَنْ فَعَلَ الذَّنْبَ لَوْمَ الْمُذْنِبِينَ، ثُمَّ تَابَ الْمُذْنِبُ عَنْ ذَلِكَ الذَّنْبِ. (7) س، ب: فَيَقِلُّ. (8) أَيْ أَنَّ هَذَا الَّذِي يُثْبِتُ عِصْمَةَ مَنْ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ، يَزِيدُ تَعْظِيمَ هَذَا الذَّنْبِ مِنَ الْبَشَرِ، وَيُقَدِّمُ بِذَلِكَ فِي اللَّهِ تَعَالَى؛ إِذْ إِنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ أَمْرَ اللَّهِ لَهُ وَنَهْيَهُ، وَيَعُدُّ الْمُذْنِبَ غَيْرَ مُذْنِبٍ. وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِكَمَالِ النِّهَايَةِ، وَأَنَّ التَّوْبَةَ تَنْقُلُ الْعَبْدَ إِلَى مَرْتَبَةٍ أَكْمَلَ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ؛ عَلِمَ أَنَّ مَا فَعَلَهُ اللَّهُ بِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ. وَأَيْضًا فَفِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا يَكُونُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ إِلَّا وَاحِدٌ كَانَ يَكُونُ هُوَ ذَلِكَ الْوَاحِدَ، مِثْلَ سَفَرِهِ فِي الْهِجْرَةِ وَمُقَامِهِ يَوْمَ بَدْرٍ فِي الْعَرِيشِ: لَمْ يَكُنْ مَعَهُ فِيهِ إِلَّا أَبُو بَكْرٍ، وَمِثْلَ خُرُوجِهِ إِلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ كَانَ يَكُونُ مَعَهُ مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ أَبُو بَكْرٍ. وَهَذَا الِاخْتِصَاصُ فِي الصُّحْبَةِ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِأَحْوَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا مَنْ كَانَ جَاهِلًا أَحْوَالَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ كَذَّابًا فَذَلِكَ يُخَاطَبُ [1] خِطَابَ مِثْلِهِ. فَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40] لَا يَخْتَصُّ بِمُصَاحَبَتِهِ فِي الْغَارِ، بَلْ هُوَ صَاحِبُهُ الْمُطْلَقُ الَّذِي كَمُلَ [فِي] الصُّحْبَةِ [2] كَمَالًا لَمْ يَشْرَكْهُ فِيهِ غَيْرُهُ، فَصَارَ مُخْتَصًّا بِالْأَكْمَلِيَّةِ [3] مِنَ الصُّحْبَةِ. كَمَا فِي الْحَدِيثِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: "«أَيُّهَا النَّاسُ اعْرَفُوا لِأَبِي بَكْرٍ حَقَّهُ؛ فَإِنَّهُ لَمْ" (1) س: أَوْ كَذَّابًا يُخَاطِبُ، ب: أَوْ كَذَّابًا فَيُخَاطَبُ. (2) ن، م، س: كَمَّلَ الصُّحْبَةَ. . . (3) م: بِالْأَهْلِيَّةِ. يَسُؤْنِي قَطُّ، أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَاضٍ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَفُلَانٍ وَفُلَانٍ» "[1] ." فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - [خَصَّهُ] [2] دُونَ غَيْرِهِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ جَعَلَ غَيْرَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ أَيْضًا؛ لَكِنْ خَصَّهُ بِكَمَالِ الصُّحْبَةِ. وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنَ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ فَضَائِلَ الصِّدِّيقِ خَصَائِصُ لَمْ يَشْرَكْهُ فِيهَا غَيْرُهُ. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ فَضَائِلَهُمْ وَمَنَازِلَهُمْ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلْيَتَدَبَّرِ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ التى صَحَّحَهَا أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ الَّذِينَ كَمُلَتْ خِبْرَتُهُمْ بِحَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَحَبَّتُهُمْ لَهُ، وَصِدْقُهُمْ فِي التَّبْلِيغِ عَنْهُ وَصَارَ هَوَاهُمْ تَبَعًا لِمَا جَاءَ بِهِ، فَلَيْسَ لَهُمْ غَرَضٌ إِلَّا مَعْرِفَةُ مَا قَالَهُ، وَتَمْيِيزُهُ عَمَّا يُخْلَطُ بِذَلِكَ مِنْ كَذِبِ الْكَاذِبِينَ وَغَلَطِ الْغَالِطِينَ. كَأَصْحَابِ الصَّحِيحِ: مِثْلِ: الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ، (1) لَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي الْبُخَارِيِّ؛ وَلَكِنْ جَاءَ فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ لِابْنِ كَثِيرٍ (تَحْقِيقُ الْأُسْتَاذِ مُصْطَفَى عَبْد الْوَاحِدِ) 4/426 وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ الْوَزِيرُ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الَمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ الَمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ شَبَّانَ بْنِ مَالِكِ بْنِ مِسْمَعٍ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ حُنَيْفِ بْنِ سَهْلِ بْنِ مَالِكٍ أَخِي كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَسُؤْنِي قَطُّ فَاعْرِفُوا ذَلِكَ لَهُ. أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ رَاضٍ فَاعْرِفُوا ذَلِكَ لَهُمْ" . (2) خَصَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) . وَمَكَانُهَا فِي (س) بَيَاضٌ. وَالْبَرْقَانِيِّ، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَالدَّارَقُطْنِيِّ، وَمِثْلِ صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنِ مَنْدَهْ [1] وَأَبِي حَاتِمٍ الْبُسْتِيِّ وَالْحَاكِمِ. وَمَا صَحَّحَهُ أَئِمَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ [الَّذِينَ] [2] هُمْ أَجَلُّ مِنْ هَؤُلَاءِ، أَوْ مِثْلُهُمْ [3] مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ، مِثْلُ: مَالِكٍ وَشُعْبَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَأَحْمَدَ، وَابْنِ مَعِينٍ وَابْنِ الْمَدِينِي، وَأَبِي حَاتِمٍ وَأَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيَّيْنِ، وَخَلَائِقَ لَا يُحْصِي عَدَدُهُمْ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى. فَإِذَا تَدَبَّرَ الْعَاقِلُ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الثَّابِتَةَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ وَأَمْثَالِهِمْ عَرَفَ الصِّدْقَ مِنَ الْكَذِبِ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ أَكْمَلِ النَّاسِ مَعْرِفَةً بِذَلِكَ وَأَشَدِّهِمْ رَغْبَةً فِي التَّمْيِيزِ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَأَعْظَمِهِمْ ذَبًّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُمُ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى سُنَّتِهِ وَحَدِيثِهِ وَالْأَنْصَارُ لَهُ فِي الدِّينِ يَقْصِدُونَ ضَبْطَ مَا قَالَهُ وَتَبْلِيغَهُ لِلنَّاسِ، وَيَنْفُونَ عَنْهُ مَا كَذَبَهُ الْكَذَّابُونَ [4] ، وَغَلَطَ فِيهِ الْغَالِطُونَ، وَمَنْ شَرَكَهُمْ فِي عِلْمِهِمْ عَلِمَ مَا قَالُوهُ، وَعَلِمَ بَعْضَ قَدْرِهِمْ، وَإِلَّا فَلْيُسَلِّمِ الْقَوْسَ إِلَى بَارِيهَا، كَمَا يُسَلِّمُ إِلَى الْأَطِبَّاءِ طِبَّهُمْ، وَإِلَى النُّحَاةِ نَحْوَهُمْ، وَإِلَى الْفُقَهَاءِ فِقْهَهُمْ، وَإِلَى أَهْلِ الْحِسَابِ حِسَابَهُمْ مَعَ أَنَّ جَمِيعَ هَؤُلَاءِ قَدْ يَتَّفِقُونَ عَلَى خَطَأٍ فِي (1) م: وَابْنِ مُنْكَ وَابْنِ الْمَدِينِيِّ. (2) الَّذِينَ: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ (3) ن، س، ب: وَأَمْثَالُهُمْ. (4) ن، م: الْكَاذِبُونَ. صِنَاعَتِهِمْ؛ إِلَّا الْفُقَهَاءُ فِيمَا [1] يُفْتُونَ بِهِ مِنَ الشَّرْعِ، وَأَهْلُ الْحَدِيثِ فِيمَا يُفْتُونَ بِهِ مِنَ النَّقْلِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى التَّصْدِيقِ بِكَذِبٍ، وَلَا عَلَى التَّكْذِيبِ بِصِدْقٍ؛ بَلْ إِجْمَاعُهُمْ مَعْصُومٌ فِي التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ بِأَخْبَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا أَنَّ إِجْمَاعَ الْفُقَهَاءِ مَعْصُومٌ [2] فِي الْإِخْبَارِ عَنِ الْفِعْلِ بِدُخُولِهِ فِي أَمْرِهِ أَوْ نَهْيِهِ، أَوْ تَحْلِيلِهِ أَوْ تَحْرِيمِهِ. وَمَنْ تَأَمَّلَ هَذَا وَجَدَ فَضَائِلَ الصِّدِّيقِ الَّتِي فِي الصِّحَاحِ كَثِيرَةً، وَهِيَ خَصَائِصُ. مِثْلُ حَدِيثِ الْمُخَالَّةِ، وَحَدِيثِ: إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا، وَحَدِيثِ إِنَّهُ أَحَبُّ الرِّجَالِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَدِيثِ الْإِتْيَانِ [3] إِلَيْهِ بَعْدَهُ، وَحَدِيثِ كِتَابَةِ الْعَهْدِ إِلَيْهِ بَعْدَهُ، وَحَدِيثِ تَخْصِيصِهِ بِالتَّصْدِيقِ [4] ابْتِدَاءً وَالصُّحْبَةِ، وَتَرْكِهِ لَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: "«فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي»" [5] وَحَدِيثِ دَفْعِهِ عَنْهُ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ لَمَّا وَضَعَ الرِّدَاءَ فِي عُنُقِهِ حَتَّى خَلَّصَهُ أَبُو بَكْرٍ؛ وَقَالَ: أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ؟ ! وَحَدِيثِ اسْتِخْلَافِهِ فِي الصَّلَاةِ وَفِي الْحَجِّ، وَصَبْرِهِ وَثَبَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَانْقِيَادِ الْأُمَّةِ [لَهُ] [6] ، وَحَدِيثِ الْخِصَالِ الَّتِي اجْتَمَعَتْ فِيهِ فِي يَوْمٍ، وَمَا اجْتَمَعَتْ فِي رَجُلٍ إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ. (1) م: فَمَا. . (2) ن: مَعْصُومُونَ. (3) ن: الِاثْنَانِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (4) ن، س، ب: بِالصِّدِّيقِ. (5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى. (6) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . ثُمَّ لَهُ [1] مَنَاقِبُ يَشْرَكُهُ فِيهَا عُمَرُ كَشَهَادَتِهِ بِالْإِيمَانِ لَهُ وَلِعُمَرَ، وَحَدِيثِ عَلِيٍّ حَيْثُ يَقُولُ: «كَثِيرًا مَا كُنْتُ أَسْمَعُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: "خَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ»" [2] وَحَدِيثِ اسْتِقَائِهِ مِنَ الْقَلِيبِ، وَحَدِيثِ الْبَقَرَةِ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "«أُؤْمِنُ بِهَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ»" [3] وَأَمْثَالُ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَنَاقِبُ عَلِيٍّ الَّتِي فِي الصِّحَاحِ فَأَصَحُّهَا قَوْلُهُ: "«يَوْمَ خَيْبَرَ لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ»" [4] ، وَقَوْلُهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ: "«أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي»" [5] وَمِنْهَا دُخُولُهُ فِي الْمُبَاهَلَةِ [6] وَفِي الْكِسَاءِ [7] وَمِنْهَا قَوْلُهُ: "«أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ»" [8] ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ خَصَائِصُ. وَحَدِيثُ: "«لَا يُحِبُّنِي إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُنِي إِلَّا مُنَافِقٌ»" [9] ، وَمِنْهَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ الشُّورَى وَإِخْبَارِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُوُفِّيَ وَهُوَ رَاضٍ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَطِلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ [10] . (1) م: وَلَهُ. (2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى (3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى (4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/289 (5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/442 (6) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى. (7) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ (8) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ 4/34 (9) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ 4/296 (ج) . (10) سَبَقَ الْحَدِيثُ 5/59 - 60 - 6) . فَمَجْمُوعُ مَا فِي الصَّحِيحِ لِعَلِيٍّ نَحْوُ عَشَرَةِ أَحَادِيثَ، لَيْسَ فِيهَا مَا يَخْتَصُّ بِهِ وَلِأَبِي بَكْرٍ فِي الصِّحَاحِ [1] نَحْوَ عِشْرِينَ حَدِيثًا أَكْثَرُهَا خَصَائِصُ. وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: صَحَّ لِعَلِيٍّ مِنَ الْفَضَائِلِ مَا لَمْ يَصِحَّ لِغَيْرِهِ؛ كَذِبٌ لَا يَقُولُهُ أَحْمَدُ وَلَا غَيْرُهُ [2] مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ؛ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: رُوِيَ لَهُ مَا لَمْ يُرْوَ لِغَيْرِهِ، لَكِنَّ أَكْثَرَ ذَلِكَ مِنْ نَقْلِ مَنْ عُلِمَ كَذِبُهُ أَوْ خَطَؤُهُ؛ وَدَلِيلٌ وَاحِدٌ صَحِيحُ الْمُقَدِّمَاتِ سَلِيمٌ عَنِ الْمُعَارَضَةِ خَيْرٌ مِنْ عِشْرِينَ دَلِيلًا مُقَدِّمَاتُهَا ضَعِيفَةٌ، بَلْ بَاطِلَةٌ، وَهِيَ مُعَارَضَةٌ بِأَصَحَّ مِنْهَا يَدُلُّ عَلَى نَقِيضِهَا. وَالْمَقْصُودُ هُنَا بَيَانُ اخْتِصَاصِهِ فِي الصُّحْبَةِ الْإِيمَانِيَّةِ بِمَا لَمْ يَشْرَكْهُ مَخْلُوقٌ، لَا فِي قَدْرِهَا وَلَا فِي صِفَتِهَا وَلَا فِي نَفْعِهَا [3] ، فَإِنَّهُ لَوْ أُحْصِيَ الزَّمَانُ الَّذِي كَانَ يَجْتَمِعُ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالزَّمَانُ الَّذِي كَانَ يَجْتَمِعُ فِيهِ عُثْمَانُ أَوْ عَلِيٌّ [4] أَوْ غَيْرُهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ لَوَجَدَ مَا يَخْتَصُّ بِهِ أَبُو بَكْرٍ أَضْعَافَ مَا اخْتَصَّ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لَا أَقُولُ ضِعْفَهُ [5] . وَأَمَّا الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمْ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ وَاحِدٌ. وَأَمَّا كَمَالُ مَعْرِفَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَصْدِيقِهِ لَهُ فَهُوَ (1) م فِي الصَّحِيحِ. (2) س، ب: وَغَيْرُهُ (3) س: بَعْضِهَا، ب: نَوْعِهَا. (4) م: الَّذِي كَانَ يَجْتَمِعُ فِيهِ عُمَرُ أَوْ عَلِيٌّ (5) ن، س، ب: ضَعِيفَةً، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. مُبَرَّزٌ فِي ذَلِكَ عَلَى سَائِرِهِمْ تَبْرِيزًا بَايَنَهُمْ فِيهِ مُبَايِنَةً لَا تَخْفَى عَلَى مَنْ كَانَ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِأَحْوَالِ الْقَوْمِ وَمَنْ لَا مَعْرِفَةَ لَهُ بِذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ. وَأَمَّا نَفْعُهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُعَاوَنَتُهُ لَهُ عَلَى الدِّينِ فَكَذَلِكَ. فَهَذِهِ الْأُمُورُ الَّتِي هِيَ مَقَاصِدُ الصُّحْبَةِ وَمَحَامِدُهَا الَّتِي بِهَا يَسْتَحِقُّ الصَّحَابَةُ [1] أَنْ يُفَضَّلُوا بِهَا عَلَى غَيْرِهِمْ لِأَبِي بَكْرٍ فِيهَا مِنْ الِاخْتِصَاصِ بِقَدْرِهَا وَنَوْعِهَا وَصِفَتِهَا وَفَائِدَتِهَا مَا لَا يَشْرَكُهُ فِيهِ أَحَدٌ. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ «عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ آخِذًا بِطُرُقِ ثَوْبِهِ حَتَّى أُبْدِيَ عَنْ رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ فَسَلِمَ" ، وَقَالَ: إِنِّي كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ الْخَطَّابِ شَيْءٌ فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ، ثُمَّ نَدِمْتُ فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي فَأَبَى عَلَيَّ فَأَقْبَلْتُ إِلَيْكَ [2] ، فَقَالَ: "يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ" ثَلَاثًا، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ نَدِمَ فَأَتَى مَنْزِلَ أَبِي بَكْرٍ فَسَأَلَ أَثَمَّ أَبُو بَكْرٍ؟ قَالُوا: لَا، فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَعَلَ وَجْهُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَمَعَّرُ حَتَّى أَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ أَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ. مَرَّتَيْنِ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقَ. وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي" . مَرَّتَيْنِ. فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا» [3] . (1) م: الَّتِي بِهَا يَسْتَحِقُّ الصُّحْبَةَ، ب: وَيَسْتَحِقُّ الصَّحَابَةُ، ن، س: تَسْتَحِقُّ الصِّيَانَةَ وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا آتِيهِ. (2) ن، م، س: فَأَقْبَلْتُ إِلَيْهِ. (3) سِيقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 7/228 - 229 وَفِي رِوَايَةٍ: «كَانَتْ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مُحَاوَرَةٌ فَأَغْضَبَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ [1] فَانْصَرَفَ عَنْهُ مُغْضَبًا فَأَتْبَعَهُ أَبُو بَكْرٍ يَسْأَلُهُ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ؛ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى أَغْلَقَ بَابَهُ فِي وَجْهِهِ؛ فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» -. . الْحَدِيثَ. قَالَ: وَغَضِبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهِ: "«إِنِّي قُلْتُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ: إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقْتَ»" [2] . فَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِيهِ تَخْصِيصُهُ بِالصُّحْبَةِ فِي قَوْلِهِ: "«فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي؟»" وَبَيَّنَ فِيهِ مِنْ أَسْبَابِ ذَلِكَ: أَنَّ اللَّهَ لَمَّا بَعَثَهُ إِلَى النَّاسِ قَالَ: "إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا" ، قَالُوا: كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقْتَ؛ فَهَذَا يُبَيِّنُ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يُكَذِّبْهُ قَطُّ، وَأَنَّهُ صَدَّقَهُ [3] حِينَ كَذَّبَهُ النَّاسُ طُرًّا. وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ صَدَّقَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَدِّقَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ الَّذِينَ بَلَغَهُمُ الرِّسَالَةُ وَهَذَا [4] حَقٌّ فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَا بُلِّغَ الرِّسَالَةَ فَآمَنَ [5] . وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ «عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ؟ قَالَ: "حُرٌّ وَعَبْدٌ" وَمَعَهُ يَوْمَئِذٌ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ» [6] . (1) س: فَأَغْضَبَ أَبَا بَكْرٍ، ب: فَأَغْضَبَهُ أَبُو بَكْرٍ. (2) هَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي الْبُخَارِيِّ 6/59 - 60 وَسَبَقَ الْإِشَارَةُ إِلَيْهَا فِي الْجُزْءِ السَّابِقِ (ص) . (3) م: صَدَّقَ (4) م: فَهَذَا (5) ب: آمَنَ (6) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: مُسْلِمٍ 1/569 (كِتَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ وَقَصْرِهَا، بَابُ إِسْلَامِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ) وَأَوَّلُهُ. . . عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ السُّلَمِيُّ: وَكُنْتُ وَأَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَظُنُّ أَنَّ النَّاسَ عَلَى ضَلَالَةٍ. . الْحَدِيثَ وَفِيهِ: قُلْتُ لَهُ: مَا أَنْتَ؟ قَالَ: "أَنَا نَبِيٌّ" . . وَفِيهِ قُلْتُ لَهُ: فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: "حُرٌّ وَعَبْدٌ" (قَالَ: وَمَعَهُ يَوْمَئِذٌ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ مِمَّنْ آمَنَ مَعَهُ. . . وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي: سُنَنِ النَّسَائِيِّ 1/283 - 284 (كِتَابُ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ، بَابُ إِبَاحَةِ الصَّلَاةِ إِلَى أَنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ) سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/434 (كِتَابُ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي أَيِّ سَاعَاتِ اللَّيْلِ أَفْضَلُ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/111 - 113، 113 - 114. وَأَمَّا خَدِيجَةُ وَعَلِيٌّ وَزَيْدٌ؛ فَهَؤُلَاءِ كَانُوا مِنْ عِيَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي بَيْتِهِ وَخَدِيجَةُ عُرِضَ عَلَيْهَا أَمْرُهُ لَمَّا فَجَأَهُ الْوَحْيُ، وَصَدَّقَتْهُ ابْتِدَاءً قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِالتَّبْلِيغِ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَجِبَ الْإِيمَانُ بِهِ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَجِبُ إِذَا بَلَّغَ الرِّسَالَةَ فَأَوَّلُ مَنْ صَدَّقَ بِهِ بَعْدَ وُجُوبِ الْإِيمَانِ بِهِ أَبُو بَكْرٍ مِنَ الرِّجَالِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يَدْعُوَ عَلِيًّا إِلَى الْإِيمَانِ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا كَانَ صَبِيًّا، وَالْقَلَمُ عَنْهُ مَرْفُوعٌ. وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ بِالْإِيمَانِ وَبَلَّغَهُ الرِّسَالَةَ قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَ أَبَا بَكْرٍ وَيُبَلِّغَهُ وَلَكِنَّهُ كَانَ فِي بَيْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُمْكِنُ أَنَّهُ آمَنَ بِهِ لَمَّا سَمِعَهُ يُخْبِرُ خَدِيجَةَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُبَلِّغْهُ؛ فَإِنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ: "«يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي أَتَيْتُ إِلَيْكُمْ فَقُلْتُ: إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ، فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقْتَ»" كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ [1] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ بَلَّغَهُ الرِّسَالَةَ كَذَّبَهُ أَوَّلًا إِلَّا أَبَا بَكْرٍ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ خَدِيجَةَ وَعَلِيًّا وَزَيْدًا كَانُوا فِي دَارِهِ، وَخَدِيجَةُ لَمْ تُكَذِّبْهُ فَلَمْ تَكُنْ دَاخِلَةً فِيمَنْ بُلِّغَ. (1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى
__________________
|
#496
|
||||
|
||||
![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الثامن الحلقة (496) صـ 425 إلى صـ 434 وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ «عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ؟ قَالَ: "حُرٌّ وَعَبْدٌ»" [1] . وَالَّذِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مُوَافِقٌ لِهَذَا، أَيْ: اتَّبَعَهُ مِنَ الْمُبَلَّغِينَ الْمَدْعُوِّينَ، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَهُ: "وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ" [2] ، وَهَذِهِ خَاصَّةٌ لَمْ يَشْرَكْهُ فِيهَا أَحَدٌ. وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا [النَّبِيُّ] - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَحَادِيثِ الْمُخَالَّةِ الَّتِي هِيَ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْهُ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ؛ فَقَالَ: "إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْمُخَيَّرَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إِنَّ مِنْ [3] آمَنِ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ [4] ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا؛ وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ. لَا يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلَّا خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ» "وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ [5] :" «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي [6] لَاتَّخَذْتُ [7] أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ (1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ قَبْلَ قَلِيلٍ (2) فِي الْحَدِيثِ قَبْلَ السَّابِقِ الَّذِي مَضَى (3) النَّبِيُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (4) زِيَادَةٌ فِي (ن) فَقَطْ (5) (4 - 4) : زِيَادَةٌ فِي (ن) فَقَطْ (6) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ، (ب) (7) م: لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ. . . وَمَوَدَّتُهُ» . * وَفِي رِوَايَةٍ "إِلَّا خُلَّةَ الْإِسْلَامِ" . وَفِيهِ: "قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ، وَقَالَ النَّاسُ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخِ، يُخْبِرُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ عَبْدٍ خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ مِنْ زَهْرَةِ الْحَيَاةِ [1] الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا. وَفِي رِوَايَةٍ:" وَبَيَّنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ "، وَفِيهِ فَقَالَ:" «لَا تَبْكِ إِنَّ آمَنَ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ * [2] لَا يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلَّا سُدَّ إِلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ» "[3] ." وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عَاصِبًا رَأْسَهُ بِخِرْقَةٍ، فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: "«إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ آمَنَ عَلَيَّ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ مِنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنَ النَّاسِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ خُلَّةُ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ، سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوْخَةٍ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ غَيْرَ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ»" . وَفِي رِوَايَةٍ: "«لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُهُ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ»" . وَفِي رِوَايَةٍ: "وَلَكِنْ أَخِي وَصَاحِبِي" . وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ (1) الْحَيَاةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) (3) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِيمَا مَضَى 1/512 - 513 وَانْظُرْ أَيْضًا. وَسَلَّمَ: "«لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ خَلِيلًا * لَاتَّخَذْتُهُ يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ» ." وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: "«لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا * [1] لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا؛ وَلَكِنْ أَخِي وَصَاحِبِي، وَقَدِ اتَّخَذَ اللَّهُ صَاحِبَكُمْ خَلِيلًا»" . وَفِي رِوَايَةٍ: "«لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ؛ وَلَكِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللَّهِ»" . وَفِي أُخْرَى: "«أَلَا إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى كُلِّ خِلٍّ مِنْ خَلِّهِ [2] ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا إِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللَّهِ»" [3] . فَهَذِهِ النُّصُوصُ كُلُّهَا مِمَّا تُبَيِّنُ اخْتِصَاصَ أَبِي بَكْرٍ مِنْ فَضَائِلِ الصُّحْبَةِ وَمَنَاقِبِهَا وَالْقِيَامِ [بِهَا] وَبِحُقُوقِهَا [4] بِمَا لَمْ يَشْرَكْهُ فِيهِ أَحَدٌ حَتَّى اسْتَوْجَبَ أَنْ يَكُونَ خَلِيلُهُ دُونَ الْخَلْقِ، لَوْ كَانَتِ الْمُخَالَّةُ مُمْكِنَةً. وَهَذِهِ النُّصُوصُ صَرِيحَةٌ بِأَنَّهُ أَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَيْهِ وَأَفْضَلُهُمْ عِنْدَهُ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ؛ قَالَ: "فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: عَائِشَةُ قُلْتُ [5] : فَمِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ:" أَبُوهَا "قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ عُمَرُ: وَعَدَّ رِجَالًا»" . وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: "قَالَ: فَسَكَتُّ مَخَافَةَ أَنْ يَجْعَلَنِي آخِرَهُمْ" [6] . (1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (2) ن، س: إِلَى كُلِّ خَلِيلٍ مِنْ خَلِيلِهِ، م: إِلَى كُلِّ خَلِيلٍ مِنْ خُلَّتِهِ. (3) انْظُرْ مَا سَبَقَ 1/512، 2/436 (4) ن، س، ب: وَالْقِيَامِ بِحُقُوقِهَا. (5) ن، م، س: قَالَ. (6) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/354. [فصل مما يبين فضيلة أبي بكر في الغار أن الله تعالى ذكر نصره لرسوله في هذه الحال] فَصْلٌ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ مِنَ الْقُرْآنِ فَضِيلَةَ أَبِي بَكْرٍ فِي الْغَارِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ نَصْرَهُ لِرَسُولِهِ فِي هَذِهِ الْحَالِ [1] الَّتِي يُخْذَلُ فِيهَا عَامَّةُ الْخَلْقِ إِلَّا مَنْ نَصَرَهُ [2] اللَّهُ: {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40] أَيْ: أَخْرَجُوهُ فِي هَذِهِ الْقِلَّةِ مِنَ الْعَدَدِ لَمْ يَصْحَبْهُ إِلَّا الْوَاحِدُ؛ فَإِنَّ الْوَاحِدَ أَقَلُّ مَا يُوجَدُ فَإِذَا لَمْ يَصْحَبْهُ إِلَّا وَاحِدٌ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ فِي غَايَةِ الْقِلَّةِ. ثُمَّ قَالَ: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40] ؛ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَاحِبَهُ كَانَ مُشْفِقًا عَلَيْهِ مُحِبًّا لَهُ نَاصِرًا لَهُ حَيْثُ حَزِنَ، وَإِنَّمَا يَحْزَنُ الْإِنْسَانُ حَالَ الْخَوْفِ عَلَى مَنْ يُحِبُّهُ، وَأَمَّا عَدُوُّهُ فَلَا يَحْزَنُ إِذَا انْعَقَدَ سَبَبُ هَلَاكِهِ. فَلَوْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ مُبْغِضًا [3] كَمَا يَقُولُ الْمُفْتَرُونَ لَمْ يَحْزَنْ وَلَمْ يَنْهَ عَنِ الْحُزْنِ، بَلْ كَانَ يُضْمِرُ الْفَرَحَ وَالسُّرُورَ، وَلَا كَانَ الرَّسُولُ يَقُولُ لَهُ: " {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} " . فَإِنْ قَالَ الْمُفْتَرِي: إِنَّهُ خَفِيَ عَلَى الرَّسُولِ حَالُهُ لَمَّا أَظْهَرَ لَهُ الْحُزْنَ، وَكَانَ فِي الْبَاطِنِ مُبْغِضًا. (1) م: الْحَالَةِ (2) م: نَصَرَ (3) ن، م: مُبْغِضًا لَهُ. قِيلَ لَهُ فَقَدْ قَالَ: " {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} " ، فَهَذَا إِخْبَارٌ بِأَنَّ اللَّهَ مَعَهُمَا [جَمِيعًا] بِنَصْرِهِ [1] ، وَلَا يَجُوزُ لِلرَّسُولِ أَنْ يُخْبِرَ بِنَصْرِ اللَّهِ لِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَأَنَّ اللَّهَ [2] مَعَهُمْ وَيَجْعَلُ [3] ذَلِكَ فِي الْبَاطِنِ مُنَافِقًا فَإِنَّهُ مَعْصُومٌ فِي خَبَرِهِ عَنِ اللَّهِ لَا يَقُولُ عَلَيْهِ إِلَّا الْحَقَّ؛ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ حَالُ بَعْضِ النَّاسِ فَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مُنَافِقٌ كَمَا قَالَ: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 101] فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخْبِرَ عَنْهُمْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى إِيمَانِهِمْ. وَلِهَذَا «لَمَّا جَاءَهُ الْمُخَلَّفُونَ عَامَ تَبُوكَ فَجَعَلُوا يَحْلِفُونَ وَيَعْتَذِرُونَ، وَكَانَ يَقْبَلُ عَلَانِيَتَهُمْ، وَيَكِلُ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ، لَا يُصَدِّقُ أَحَدًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاءَ كَعْبٌ وَأَخْبَرَهُ بِحَقِيقَةِ أَمْرِهِ [4] قَالَ: "أَمَّا هَذَا فَقَدَ صَدَقَ" ، أَوْ قَالَ: "صَدَقَكُمْ»" [5] . وَأَيْضًا فَإِنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ لَمَّا [6] قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "«أَعْطَيْتَ فُلَانًا وَفُلَانًا، وَتَرَكْتَ فُلَانًا وَهُوَ [7] مُؤْمِنٌ" قَالَ: "أَوْ مُسْلِمٌ" مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا» [8] فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ إِخْبَارَهُ بِالْإِيمَانِ، وَلَمْ يَعْلَمْ مِنْهُ إِلَّا ظَاهِرَ الْإِسْلَامِ. (1) ن: فَهَذَا إِخْبَارٌ أَنَّ اللَّهَ مَعَنَا بِنَصْرِهِ، س، ب: فَهَذَا إِخْبَارٌ أَنَّ اللَّهَ مَعَنَا. (2) س، ب: وَاللَّهُ (3) م: وَيَحْصُلُ (4) ن، م: أَمَرَهُمْ (5) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِيمَا مَضَى 2/433 (6) لَمَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (7) ن، م: هُوَ (8) الْحَدِيثُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4 4 - 305 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ) ، سُنَنِ النَّسَائِيِّ 8/103 - 104 (كِتَابُ الْإِيمَانِ وَشَرَائِعِهِ، بَابُ تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا. .) وَانْظُرِ الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ فِيمَا مَضَى 1/64 - 65. فَكَيْفَ يَشْهَدُ لِأَبِي بَكْرٍ بِأَنَّ اللَّهَ مَعَهُمَا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ؟ وَالْكَلَامُ بِلَا عِلْمٍ لَا يَجُوزُ. وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ بِهَذَا عَنِ الرَّسُولِ إِخْبَارَ مُقَرِّرٍ لَهُ، لَا إِخْبَارَ مُنْكِرٍ لَهُ فَعَلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ: " {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} " مِنَ الْخَبَرِ الصِّدْقِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَضِيَهُ لَا مِمَّا [1] أَنْكَرَهُ وَعَابَهُ. وَأَيْضًا فَمَعْلُومٌ أَنَّ أَضْعَفَ النَّاسِ عَقْلًا لَا يَخْفَى عَلَيْهِ حَالُ مَنْ يَصْحَبُهُ فِي مِثْلِ هَذَا السَّفَرِ الَّذِي يُعَادِيهِ فِيهِ الْمَلَأُ الَّذِينَ هُمْ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ [2] ، وَيَطْلُبُونَ قَتْلَهُ، وَأَوْلِيَاؤُهُ هُنَاكَ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُ؛ فَكَيْفَ يَصْحَبُ وَاحِدًا مِمَّنْ يُظْهِرُ لَهُ مُوَالَاتَهُ دُونَ غَيْرِهِ، وَقَدْ أَظْهَرَ لَهُ هَذَا حُزْنَهُ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ عَدُوٌّ لَهُ فِي الْبَاطِنِ. وَالْمَصْحُوبُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ وَلِيَهُ، وَهَذَا لَا يَفْعَلُهُ إِلَّا أَحْمَقُ النَّاسِ وَأَجْهَلُهُمْ. فَقَبَّحَ اللَّهُ مَنْ نَسَبَ رَسُولَهُ الَّذِي هُوَ أَكْمَلُ الْخَلْقِ عَقْلًا وَعِلْمًا وَخِبْرَةً إِلَى مِثْلِ هَذِهِ الْجَهَالَةِ وَالْغَبَاوَةِ. وَلَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ مَلِكِ الْمَغُولِ خُدَابَنْدَهْ [3] الَّذِي صَنَّفَ لَهُ هَذَا الرَّافِضِيُّ (1) ن، م، س: مِمَّنْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (2) م: الَّذِي هُمْ أَظْهَرُهُمْ، وَهُوَ خَطَأٌ (3) ن، م، س، ب: خُرَبَنْدَاهْ. وَالْمُثْبَتُ هُوَ الَّذِي فِي (ك) ص 77 (م) وَهُوَ أُلْجَايِتُوخُدَابَنْدَهْ. وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الْكِتَابِ، وَانْظُرْ أَيْضًا مَقَالَةَ كَرَامَرْزَ فِي: دَائِرَةِ الْمَعَارِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَقَدْ ذُكِرَ فِيهَا: وَلُقِّبَ فِي شَبَابِهِ "خَرْبَنْدَهْ" وَهُنَاكَ تَفَاسِيرُ مُخْتَلِفَةٌ لِهَذَا اللَّقَبِ. . عَلَى أَنَّ بُلُوشِيهَ. . يَقُولُ إِنَّ: خَرْبَنْدَهْ كَلِمَةٌ مَغُولِيَّةٌ مَعْنَاهَا الثَّالِثُ. . وَقَدْ عَهِدَتْهُ أُمُّهُ أَرُكُ خَاتُونَ خُدَابَنْدَهْ. . "." كِتَابَهُ هَذَا فِي الْإِمَامَةِ أَنَّ الرَّافِضَةَ لَمَّا صَارَتْ تَقُولُ لَهُ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُبْغِضُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَانَ عَدُوَّهُ، وَيَقُولُونَ مَعَ هَذَا إِنَّهُ صَحِبَهُ فِي سَفَرِ الْهِجْرَةِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الْأَسْفَارِ خَوْفًا. قَالَ كَلِمَةً تَلْزَمُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْخَبِيثِ، وَقَدْ بَرَّأَ اللَّهُ رَسُولَهُ مِنْهَا، لَكِنْ ذَكَرَهَا عَلَى مَنِ افْتَرَى الْكَذِبَ الَّذِي أَوْجَبَ أَنْ يُقَالَ فِي الرَّسُولِ مِثْلُهَا حَيْثُ قَالَ: "كَانَ قَلِيلَ الْعَقْلِ" . وَلَا رَيْبَ أَنَّ فِعْلَ مَا قَالَتْهُ الرَّافِضَةُ فَهُوَ قَلِيلُ الْعَقْلُ. وَقَدْ بَرَّأَ اللَّهُ رَسُولَهُ وَصَدِيقَهُ مِنْ كَذِبِهِمْ وَتَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَهُمْ يَسْتَلْزِمُ الْقَدْحَ فِي الرَّسُولِ. [فصل مما يبين أن الصحبة فيها خصوص وعموم كالولاية والمحبة] فَصْلٌ. وَمِمَّا يُبَيِّنَ أَنَّ الصُّحْبَةَ فِيهَا خُصُوصٌ وَعُمُومٌ، كَالْوِلَايَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْإِيمَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي يَتَفَاضَلُ فِيهَا النَّاسُ فِي قَدْرِهَا وَنَوْعِهَا وَصِفَتِهَا مَا أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: كَانَ بَيْنَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَبَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ شَيْءٌ فَسَبَّهُ خَالِدٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "«لَا تَسُبُّوا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِي؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَوْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ»" . انْفَرَدَ مُسْلِمٌ بِذِكْرِ خَالِدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ [1] دُونَ الْبُخَارِيِّ [2] فَالنَّبِيُّ (1) ن: خَالِدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، م: خَالِدٍ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ. (2) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِيمَا مَضَى 2/20 - 21 وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مُسْلِمٍ 4/1967 - 1968 (حَدِيثٌ رَقْمُ 222) . صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِخَالِدٍ وَنَحْوِهِ: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي» يَعْنِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَأَمْثَالَهُ؛ لِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَنَحْوَهُ هُمُ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ، وَهُمُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا قَبْلَ الْفَتْحِ وَقَاتَلُوا، وَهُمْ أَهْلُ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، فَهَؤُلَاءِ أَفْضَلُ وَأَخَصُّ بِصُحْبَتِهِ مِمَّنْ أَسْلَمَ بَعْدَ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، وَهُمُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَبَعْدَ مُصَالَحَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ مَكَّةَ وَمِنْهُمْ خَالِدٌ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ وَأَمْثَالُهُمْ. وَهَؤُلَاءِ أَسْبَقُ مِنَ الَّذِينَ تَأَخَّرَ إِسْلَامُهُمْ إِلَى أَنْ فُتِحَتْ مَكَّةُ وَسُمُّوا الطُّلَقَاءَ مِثْلَ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو [1] . وَالْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَابْنَيْهِ يَزِيدَ وَمُعَاوِيَةَ وَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ، وَعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَغَيْرِهِمْ مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي هَؤُلَاءِ مَنْ بَرَزَ بِعِلْمِهِ عَلَى بَعْضِ مَنْ تَقَدَّمَهُ كَثِيرًا [2] كَالْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ [3] وَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ وَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَعَلَى بَعْضِ مَنْ أَسْلَمَ قَبْلَهُمْ مِمَّنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ وَكَمَا بَرَزَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى أَكْثَرِ الَّذِينَ أَسْلَمُوا قَبْلَهُ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُ نَهْيٌ لِمَنْ صَحِبَهُ آخِرًا يَسُبُّ مَنْ صَحِبَهُ أَوَّلًا لِامْتِيَازِهِمْ عَنْهُمْ [4] فِي الصُّحْبَةِ بِمَا لَا يُمْكِنُ [5] أَنْ يَشْرَكَهُمْ فِيهِ حَتَّى قَالَ: (1) ن، م، س: سَهْلِ بْنِ عَمْرٍو. وَمَا أُثْبِتُهُ مِنْ (ب) . وَتَرْجَمَةُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ. . الْعَامِرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي "الْإِصَابَةِ 2/92 - 93 وَفِيهَا مَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ. وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ ثَلَاثَةً مِنَ الصَّحَابَةِ اسْمُهُمْ سَهْلُ بْنُ عَمْرٍو؛ مِنْهُمْ سَهْلُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ الْعَامِرِيُّ أَخُو سُهَيْلٍ. وَقَالَ عَنْهُ:" ذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ أَنَّهُ أَسْلَمَ بِالْفَتْحِ "" (2) ن: كَثِيرٌ، م: بِكَثِيرٍ. (3) ن، م: بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (4) ب: عَنْهُ (5) ن، س: مِمَّا لَا يُمْكِنُ ب: بِمَا لَا يُمْكِنُهُ. "«لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ»" . فَإِذَا كَانَ هَذَا حَالَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا مِنْ بَعْدِ الْفَتْحِ وَقَاتَلُوا، وَهُمْ مِنْ أَصْحَابِهِ التَّابِعِينَ لِلسَّابِقِينَ مَعَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ وَهُمْ أَصْحَابُهُ السَّابِقُونَ، فَكَيْفَ يَكُونُ حَالُ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَصْحَابِهِ بِحَالٍ مَعَ أَصْحَابِهِ؟ ! . وَقَوْلُهُ: "«لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي»" قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، مِنْهَا مَا تَقَدَّمَ وَمِنْهَا مَا أَخْرَجُوهُ فِي الصَّحِيحِ [1] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "«لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ»" تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/20 - 21. . فَصْلٌ. [قول الرافضي يجوز أن يستصحبه معه لئلا يظهر أمره حذرا منه والرد عليه] وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِضِيِّ: "يَجُوزُ أَنْ يَسْتَصْحِبَهُ مَعَهُ لِئَلَّا يَظْهَرَ أَمْرُهُ حَذَرًا مِنْهُ" . وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ لَا يُمْكِنُ اسْتِقْصَاؤُهَا. أَحَدُهَا: أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ بِدَلَالَةِ الْقُرْآنِ مُوَالَاتُهُ لَهُ وَمَحَبَّتُهُ لَا عَدَاوَتُهُ، فَبَطَلَ هَذَا. الثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ بِالتَّوَاتُرِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ مُحِبًّا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُؤْمِنًا بِهِ، مِنْ أَعْظَمِ الْخَلْقِ اخْتِصَاصًا بِهِ، أَعْظَمُ مِمَّا تَوَاتَرَ (1) ن، س مَا أَخْرَجُوهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، ب: مَا أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ. مِنْ شَجَاعَةِ عَنْتَرَةَ، وَمِنْ سَخَاءِ حَاتِمٍ، وَمِنْ مُوَالَاةِ عَلِيٍّ وَمَحَبَّتِهِ لَهُ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ التَّوَاتُرَاتِ الْمَعْنَوِيَّةِ فِيهَا الْأَخْبَارُ الْكَثِيرَةُ عَلَى مَقْصُودٍ وَاحِدٍ. وَالشَّكُّ فِي مَحَبَّةِ أَبِي بَكْرٍ كَالشَّكِّ فِي غَيْرِهِ وَأَشَدَّ، وَمِنَ الرَّافِضَةِ مَنْ يُنْكِرُ كَوْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مَدْفُونَيْنِ فِي الْحُجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَبَعْضُ غُلَاتِهِمْ يُنْكِرُ أَنَّ يَكُونَ هُوَ صَاحِبَهُ الَّذِي كَانَ مَعَهُ فِي الْغَارِ. وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بُهْتَانِهِمْ بِبَعِيدٍ، فَإِنَّ الْقَوْمَ قَوْمُ بُهْتٍ يَجْحَدُونَ الْمَعْلُومَ ثُبُوتَهُ [1] بِالِاضْطِرَارِ، وَيَدَعُونَ ثُبُوتَ مَا يُعْلَمُ انْتِفَاؤُهُ بِالِاضْطِرَارِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَالنَّقْلِيَّاتِ. وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ: لَوْ قِيلَ: مَنْ أَجْهَلُ النَّاسِ؟ لَقِيلَ: الرَّافِضَةُ حَتَّى فَرَضَهَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ \ مَسْأَلَةٌ فِقْهِيَّةٌ: فِيمَا إِذَا أَوْصَى [2] لِأَجْهَلِ النَّاسِ؛ قَالَ: هُمُ الرَّافِضَةُ، لَكِنَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ؛ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ، فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ وَالْوَقْفَ لَا يَكُونَانِ [3] مَعْصِيَةً، بَلْ عَلَى جِهَةٍ لَا تَكُونُ مَذْمُومَةً فِي الشَّرْعِ. وَالْوَقْفُ وَالْوَصِيَّةُ لِأَجْهَلِ النَّاسِ فِيهِ جَعْلُ [4] الْأَجْهَلِيَّةِ وَالْبِدْعِيَّةِ مُوجِبَةً لِلِاسْتِحْقَاقِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِأَكْفَرِ النَّاسِ، أَوْ لِلْكَفَّارِ دُونَ الْمُسْلِمِينَ بِحَيْثُ يُجْعَلُ الْكُفْرُ شَرْطًا فِي الِاسْتِحْقَاقِ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ. وَكَوْنُ أَبِي بَكْرٍ كَانَ مُوَالِيًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْظَمَ مِنْ غَيْرِهِ؛ أَمْرٌ عَلِمَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ وَالْأَبْرَارُ وَالْفُجَّارُ حَتَّى أَنِّي أَعْرِفُ طَائِفَةً مِنَ الزَّنَادِقَةِ كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ اتَّفَقَ عَلَيْهِ فِي الْبَاطِنِ النَّبِيُّ - صَلَّى (1) ن: نَبُوَّتَهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (2) م: وَصَّى. (3) ن، م، س: لَا تَكُونُ. (4) ن، س: جَهْلُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
__________________
|
#497
|
||||
|
||||
![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الثامن الحلقة (497) صـ 435 إلى صـ 444 اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ وَثَالِثُهُمَا عُمَرُ؛ لَكِنْ لَمْ يَكُنْ عُمَرُ مُطَّلِعًا عَلَى سِرِّهِمَا كُلِّهِ، كَمَا وَقَعَتْ دَعْوَةُ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ الْبَاطِنِيَّةِ وَالْقَرَامِطَةِ، فَكَانَ [1] كُلُّ مَنْ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى إِمَامِهِمْ [كَانَ] [2] أَعْلَمَ بِبَاطِنِ الدَّعْوَةِ، وَأَكْتَمَ لِبَاطِنِهَا مِنْ غَيْرِهِ. وَلِهَذَا جَعَلُوهُمْ مَرَاتِبَ: فَالزَّنَادِقَةُ الْمُنَافِقُونَ لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْظَمُ مُوَالَاةً وَاخْتِصَاصًا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِهِ، جَعَلُوهُ مِمَّنْ يَطَّلِعُ عَلَى بَاطِنِ أَمْرِهِ وَيَكْتُمُهُ عَنْ غَيْرِهِ، وَيُعَاوِنُهُ عَلَى مَقْصُودِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ. فَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ كَانَ فِي الْبَاطِنِ عَدُوَّهُ [3] ، كَانَ مِنْ أَعْظَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فِرْيَةً، ثُمَّ إِنَّ قَاتِلَ هَذَا إِذَا قِيلَ لَهُ مِثْلُ هَذَا فِي عَلِيٍّ، وَقِيلَ [لَهُ] لَهُ زِيَادَةٌ فِي (م) .: إِنَّهُ كَانَ فِي الْبَاطِنِ مُعَادِيًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنَّهُ كَانَ عَاجِزًا فِي وِلَايَةِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ عَنْ إِفْسَادِ مِلَّتِهِ؛ فَلَمَّا ذَهَبَ أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ وَبَقِيَ هُوَ؛ طَلَبَ حِينَئِذٍ إِفْسَادَ مِلَّتِهِ وَإِهْلَاكَ أُمَّتِهِ، وَلِهَذَا قَتَلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَلْقًا كَثِيرًا، وَكَانَ مُرَادُهُ إِهْلَاكَ الْبَاقِينَ؛ لَكِنْ عَجَزَ؛ وَإِنَّهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ انْتَسَبَ إِلَيْهِ الزَّنَادِقَةُ الْمُنَافِقُونَ الْمُبْغِضُونَ لِلرَّسُولِ كَالْقَرَامِطَةِ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةِ وَالنُّصَيْرِيَّةِ، فَلَا تَجِدُ عَدُوًّا لِلْإِسْلَامِ إِلَّا وَهُوَ يَسْتَعِينُ عَلَى ذَلِكَ بِإِظْهَارِ مُوَالَاةٍ عَلَى اسْتِعَانَةٍ لَا تُمْكِنُهُ بِإِظْهَارِ مُوَالَاةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. (1) س، ب: وَكَانَ (2) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (3) س، ب: عَدُوًّا. فَالشُّبْهَةُ فِي دَعْوَى مُوَالَاةِ عَلِيٍّ لِلرَّسُولِ أَعْظَمُ مِنَ الشُّبْهَةِ فِي دَعْوَى مُعَادَاةِ أَبِي بَكْرٍ وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِالِاضْطِرَارِ؛ لَكِنَّ الْحُجَجَ الدَّالَّةَ عَلَى بُطْلَانِ هَذِهِ الدَّعْوَى فِي أَبِي بَكْرٍ أَعْظَمُ مِنَ الْحُجَجِ الدَّالَّةِ عَلَى بُطْلَانِهَا فِي حَقِّ عَلِيٍّ؛ فَإِذَا كَانَتِ الْحُجَّةُ عَلَى مُوَالَاةِ عَلِيٍّ صَحِيحَةً، وَالْحُجَّةُ عَلَى مُعَادَاتِهِ بَاطِلَةً، فَالْحُجَّةُ عَلَى مُوَالَاةِ أَبِي بَكْرٍ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ، وَالْحُجَّةُ عَلَى مُعَادَاتِهِ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ: "اسْتَصْحَبَهُ حَذَرًا مِنْ أَنْ يَظْهَرَ أَمْرَهُ" . كَلَامُ مَنْ هُوَ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ بِمَا وَقَعَ، فَإِنَّ أَمْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خُرُوجِهِ مِنْ مَكَّةَ ظَاهِرٌ عَرَفَهُ أَهْلُ مَكَّةَ، وَأَرْسَلُوا الطَّلَبَ، فَإِنَّهُ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي خَرَجَ فِيهَا عَرَفُوا فِي صَبِيحَتِهَا أَنَّهُ خَرَجَ، وَانْتَشَرَ ذَلِكَ وَأَرْسَلُوا إِلَى أَهْلِ الطُّرُقِ يَبْذُلُونَ الدِّيَةَ فِيهِ، وَفِي أَبِي بَكْرٍ بَذَلُوا الدِّيَةَ لِمَنْ يَأْتِي بِأَبِي بَكْرٍ؛ فَأَيُّ شَيْءٍ كَانَ يَخَافُ؟ وَكَوْنُ الْمُشْرِكِينَ بَذَلُوا الدِّيَةَ لِمَنْ يَأْتِي بِأَبِي بَكْرٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْلَمُونَ مُوَالَاتَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنَّهُ كَانَ عَدُوَّهُمْ فِي الْبَاطِنِ وَلَوْ كَانَ مَعَهُمْ فِي الْبَاطِنِ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ. الرَّابِعُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ خَرَجَ لَيْلًا، كَانَ وَقْتُ الْخُرُوجِ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَحَدٌ، فَمَا يَصْنَعُ بِأَبِي بَكْرٍ وَاسْتِصْحَابِهِ [1] مَعَهُ؟ . فَإِنْ قِيلَ: فَلَعَلَّهُ عَلِمَ خُرُوجَهُ دُونَ غَيْرِهِ؟ . قِيلَ: أَوَّلًا: قَدْ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَخْرُجَ فِي وَقْتٍ لَا يُشْعَرُ بِهِ، كَمَا ن: لَا يُشْعَرُ بِهِ بِخُرُوجِهِ كَمَا، [2] خَرَجَ (1) س، ب: وَأَصْحَابِهِ (2) س، ب: لَا يُشْعَرُ بِخُرُوجِهِ كَمَا. فِي وَقْتٍ لَمْ يَشْعُرْ بِهِ الْمُشْرِكُونَ، وَكَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ [لَا] يُعِينَهُ [1] . فَكَيْفَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتَأْذَنَهُ فِي الْهِجْرَةِ، فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ حَتَّى هَاجَرَ مَعَهُ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْلَمَهُ بِالْهِجْرَةِ فِي خَلْوَةٍ [2] فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: «جَاءَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى أُبَيٍّ فِي مَنْزِلِهِ فَاشْتَرَى مِنْهُ رَحْلًا، فَقَالَ لِعَازِبٍ [3] : ابْعَثِ ابْنَكَ مَعِي يَحْمِلُهُ إِلَى مَنْزِلِي فَحَمَلْتُهُ وَخَرَجَ أُبَيٌّ مَعَهُ يَنْتَقِدُ ثَمَنَهُ؛ فَقَالَ أُبَيٌّ: يَا أَبَا بَكْرٍ حَدِّثْنِي كَيْفَ صَنَعْتُمَا لَيْلَةَ سَرَيْتَ [4] مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: نَعَمْ سَرَيْنَا لَيْلَتَنَا كُلَّهَا، وَمِنَ الْغَدِ حَتَّى قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ وَخَلَا الطَّرِيقُ، فَلَا يَمُرُّ بِنَا فِيهِ أَحَدٌ حَتَّى رَفَعْتُ [5] لَنَا صَخْرَةٌ طَوِيلَةٌ لَهَا ظِلٌّ لَمْ تَأْتِ عَلَيْهِ الشَّمْسُ بَعْدُ، فَنَزَلْنَا عِنْدَهَا فَأَتَيْتُ الصَّخْرَةَ فَسَوَّيْتُ بِيَدِي مَكَانًا يَنَامُ فِيهِ [النَّبِيُّ] النَّبِيُّ: [6] - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ظِلِّهَا، ثُمَّ بَسَطْتُ عَلَيْهِ فَرْوَةً [7] ، ثُمَّ قُلْتُ: نَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَنَا أَنْفُضُ لَكَ مَا حَوْلَكَ [8] ، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ (1) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ أَنْ يُعِينَهُ. وَنَبَّهَ مُحَقِّقُ (ب) عَلَى مَا أَثْبَتَهُ مِنْ إِضَافَةِ "لَا" لِتَسْتَقِيمَ الْعِبَارَةُ. (2) يَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي (انْظُرْ ص.) . (3) سَأُقَابِلُ النَّصَّ التَّالِيَ عَلَى رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ لِبَيَانِ الْفُرُوقِ الْهَامَّةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. (4) م. سِرْتَ. وَسَرَى وَأَسْرَى لُغَتَانِ بِمَعْنًى (5) ن، م: وَقَعْتُ. وَالْمُثْبَتُ هُوَ الَّذِي فِي "الْبُخَارِيِّ" وَرُفِعَتْ لَنَا صَخْرَةٌ: أَيْ ظَهَرَتْ لِأَبْصَارِنَا. (6) سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . وَفِي (م) : رَسُولُ اللَّهِ (7) الْمُرَادُ الْفَرْوَةُ الْمَعْرُوفَةُ الَّتِي تُلْبَسُ. (8) فِي التَّعْلِيقِ عَلَى مُسْلِمٍ: "أَيْ أُفَتِّشُ لِئَلَّا يَكُونَ عَدُوٌّ" - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ظِلِّهَا، وَخَرَجْتُ أَنْفُضُ مَا حَوْلَهُ، فَإِذَا أَنَا بِرَاعٍ مُقْبِلٍ بِغَنَمِهِ إِلَى الصَّخْرَةِ، يُرِيدُ مِنْهَا الَّذِي أَرَدْنَا فَلَقِيتُهُ؛ فَقُلْتُ: لِمَنْ [1] . أَنْتَ يَا غُلَامُ؟ فَقَالَ: لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ - يُرِيدُ مَكَّةَ [2] - لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ سَمَّاهُ فَعَرَفْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ: أَفِي غَنَمِكَ لَبَنٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: أَفَتَحْلِبُ لِي؟ قَالَ: نَعَمْ فَأَخَذَ شَاةً؛ فَقُلْتُ [لَهُ] [3] انْفُضِ الضَّرْعَ مِنَ الشَّعْرِ وَالتُّرَابِ وَالْقَذَى، فَحَلَبَ لِي فِي قَعْبٍ مَعَهُ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، قَالَ: وَمَعِي إِدَاوَةٌ [4] أَرْتَوِي فِيهَا [5] لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - [6] مِنْهَا وَيَتَوَضَّأَ، قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُ مِنْ نَوْمِهِ فَوَافَيْتُهُ قَدِ اسْتَيْقَظَ فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ الْمَاءَ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ؛ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اشْرَبْ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ، فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ، ثُمَّ قَالَ: "أَلَمْ يَأْنِ لِلرَّحِيلِ؟" قُلْتُ: بَلَى، فَارْتَحَلْنَا بَعْدَ مَا زَالَتْ [7] الشَّمْسُ، وَاتَّبَعَنَا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: وَنَحْنُ فِي جَلَدٍ مِنَ الْأَرْضِ [8] فَقُلْتُ: (1) م: مَنْ. (2) الْبُخَارِيُّ: الْمَدِينَةَ أَوْ مَكَّةَ. . وَفِي التَّعْلِيقِ عَلَى مُسْلِمٍ: "الْمُرَادُ بِالْمَدِينَةِ هُنَا مَكَّةَ، وَلَمْ تَكُنْ مَدِينَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُمِّيَتْ بِالْمَدِينَةِ إِنَّمَا كَانَ اسْمُهَا يَثْرِبَ" . (3) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (4) الْقَعْبُ: قَدَحٌ مِنْ خَشَبٍ مُقَعَّرٍ، وَالْكُثْبَةُ هِيَ قَدْرُ الْحَلْبَةِ مِنَ اللَّبَنِ أَوِ الْقَلِيلِ مِنْهُ، وَالْإِدَاوَةُ كَالرَّكْوَةِ، وَهِيَ إِنَاءٌ صَغِيرٌ مِنْ جِلْدٍ. (5) م: فِيهِ (6) لِيَشْرَبَ س، ب: يَشْرَبُ (7) الْبُخَارِيُّ: مَا مَالَتْ. (8) فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: فِي جَلَدٍ مِنَ الْأَرْضِ أَيْ أَرْضٍ صُلْبَةٍ. وَرَوَى: جُدَدٍ، وَهُوَ الْمُسْتَوَى وَكَانَتِ الْأَرْضُ مُسْتَوِيَةً صُلْبَةً "" يَا رَسُولَ اللَّهِ: أُتِينَا [1] ، فَقَالَ: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} ، فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَارْتَطَمَتْ فَرَسُهُ إِلَى بَطْنِهَا، فَقَالَ: إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكُمَا دَعَوْتُمَا عَلَيَّ، فَادْعُوَا اللَّهَ لِي، فَاللَّهُ لَكُمَا أَنْ أَرُدَّ عَنْكُمَا الطَّلَبَ فَدَعَا اللَّهَ فَنَجَا فَرَجَعَ لَا يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا قَالَ قَدْ كُفِيتُمْ مَا هُنَا، وَلَا يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا رَدَّهُ، وَقَالَ [2] : خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي فَإِنَّكَ تَمُرُّ بِإِبِلِي وَغِلْمَانِي، فَخُذْ مِنْهَا حَاجَتَكَ فَقَالَ: "لَا حَاجَةَ لِي فِي إِبِلِكَ" قَالَ: فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَتَنَازَعُوا أَيُّهُمْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنْزِلُ عَلَى بَنِي النَّجَّارِ أَخْوَالِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؛ أُكْرِمُهُمْ بِذَلِكَ" ؛ فَصَعِدَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فَوْقَ الْبُيُوتِ، وَتَفَرَّقَ الْغِلْمَانُ وَالْخَدَمُ فِي الطُّرُقِ [3] يُنَادُونَ: يَا مُحَمَّدُ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَا مُحَمَّدُ، يَا رَسُولَ اللَّهِ» [4] "." وَرَوَى الْبُخَارِيُّ «عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَرَفَيِ النَّهَارِ: بُكْرَةً وَعَشِيَّةً؛ فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا (1) س، ب: أُوتِينَا. (2) الْعِبَارَاتُ لَيْسَتْ فِي الْبُخَارِيِّ، وَهِيَ فِي رِوَايَةٍ فِي "مُسْلِمٍ" "الْمُسْنَدِ" (3) ن، م، س: فِي الطَّرِيقِ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) ، مُسْلِمٍ. (4) الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي "الْبُخَارِيِّ 4/201 - 202 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ فِي الْإِسْلَامِ) ، 5/3 - 4 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ. . . بَابُ مَنَاقِبِ الْمُهَاجِرِينَ: مَنَاقِبُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. . .) مُسْلِمٍ 4/2309 - 2311 (كِتَابُ الزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ، بَابٌ فِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ. . .) الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 1/152 - 156." إِلَى الْحَبَشَةِ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ [1] لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ [2] . وَهُوَ سَيِّدُ الْقَارَّةِ [3] فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ قَالَ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي، فَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الْأَرْضِ وَأَعْبُدَ رَبِّي، قَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ: إِنَّ مِثْلَكَ لَا يَخْرُجُ وَلَا يُخْرَجُ فَإِنَّكَ تُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتُقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينَ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ [4] ، وَأَنَا لَكَ جَارٌ، فَاعْبُدْ [5] رَبَّكَ بِبَلَدِكَ [6] ، فَارْتَحَلَ ابْنُ الدَّغِنَةِ فَرَجَعَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ [7] ، فَطَافَ فِي أَشْرَافِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلَا يُخْرَجُ أَتُخْرِجُونَ رَجُلًا يُكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ وَيُقْرِي الضَّيْفَ، (1) مِنْ فَتْحِ الْبَارِي "7/232:" بَرْكَ الْغِمَادِ. . مَوْضِعٌ عَلَى خَمْسِ لَيَالٍ مِنْ مَكَّةَ إِلَى جِهَةِ الْيَمَنِ، وَقَالَ الْبَكْرِيُّ: هِيَ أَقَاصِي هَجَرَ، وَحَكَى الْهَمْدَانِيُّ فِي أَنْسَابِ الْيَمَنِ: وَهُوَ فِي أَقْصَى الْيَمَنِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى "." (2) ابْنُ الدُّغُنَّةِ: بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ كَانَ لِاسْتِرْخَاءٍ فِي لِسَانِهِ وَالصَّوَابُ الْكَسْرُ. وَثَبَتَ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ مِنْ طَرِيقٍ، وَهِيَ أُمُّهُ، وَقِيلَ: أُمُّ أَبِيهِ، وَقِيلَ: دَابَّتُهُ، وَمَعْنَى "الدَّغِنَةِ" الْمُسْتَرْخِيَةُ، وَأَصْلُهَا الْغَمَامَةُ الْكَثِيرَةُ الْمَطَرِ، وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ. . "" (3) قَوْلُهُ: "وَهُوَ سَيِّدُ الْقَارَّةِ" بِالْقَافِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ، وَهِيَ قَبِيلَةٌ مَشْهُورَةٌ مِنْ بَنِي الْهُونِ: بِالضَّمِّ وَالتَّخْفِيفِ، ابْنُ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ؛ وَكَانُوا حُلَفَاءَ بَنِي زُهْرَةَ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانُوا يُضْرَبُ بِهِمُ الْمَثَلُ فِي قُوَّةِ الرَّمْيِ "." (4) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: "وَفِي مُوَافَقَةِ وَصْفِ ابْنِ الدَّغِنَةِ لِأَبِي بَكْرٍ بِمِثْلِ مَا وَصَفَتْ بِهِ خَدِيجَةُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَدُلُّ عَلَى عَظِيمِ فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ وَاتِّصَافِهِ بِالصِّفَاتِ الْبَالِغَةِ فِي أَنْوَاعِ الْكَمَالِ" . (5) م: فَارْجِعِي فَاعْبُدْ. . . (6) ن، م، س: بِبِلَادِكَ. (7) ن: فَارْتَحَلَ ابْنُ الدَّغِنَةِ، فَرَجَعَ ابْنُ الدَّغِنَةِ، فَرَجَعَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ. وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، فَأَنْفَذَتْ [1] قُرَيْشٌ جِوَارَ ابْنِ الدَّغِنَةِ، وَآمَنُوا أَبَا بَكْرٍ وَقَالُوا لِابْنِ الدَّغِنَةِ: مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَلْيُصَلِّ وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ، وَلَا يُؤْذِينَا [2] بِذَلِكَ، وَلَا يَسْتَعْلِنَّ بِهِ، فَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، فَقَالَ ذَلِكَ ابْنُ الدَّغِنَةِ لِأَبِي بَكْرٍ، فَطَفِقَ أَبُو بَكْرٍ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ وَلَا يَسْتَعْلِنَّ [3] بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ دَارِهِ. ثُمَّ بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ فَابْتَنَى بِفِنَاءِ دَارِهِ مَسْجِدًا، وَبَرَزَ فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ، وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَتَنْقَصِفُ [4] عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ، [وَهُمْ] يَعْجَبُونَ [مِنْهُ] وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ [5] ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَجُلًا بَكَّاءً لَا يَمْلِكُ دَمْعَهُ حِينَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ، فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ؛ فَقَالُوا: إِنَّا كُنَّا [قَدْ] [6] أَجَرْنَا [7] أَبَا بَكْرٍ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَإِنَّهُ جَاوَزَ ذَلِكَ، فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَأَعْلَنَ بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ، وَقَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا فَأْتِهِ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ، وَإِلَّا فَإِنْ أَبَى [8] إِلَّا أَنْ يُعْلِنَ ذَلِكَ، فَسَلْهُ (1) م: وَأَنْفَذَتْ، س، ب: فَأَنْفَذَ (2) ن: وَلَا يُؤْذِنَا (3) ن، م: وَلَا يَشْتَغِلَنَّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (4) فِي الْبُخَارِيِّ فِي "مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ" فَيَتَقَذَّفُ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: "تَقَدَّمَ فِي الْكَفَالَةِ بِلَفْظِ" فَيَتَقَصَّفُ "أَيْ يَزْدَحِمُونَ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْقُطَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَيَكَادُ يَنْكَسِرُ، وَأَطْلَقَ يَتَقَصَّفُ مُبَالِغَةً؛ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ" . (5) ن م، س: وَيَعْجَبُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ. (6) قَدْ: زِيَادَةٌ فِي (م) . (7) أَجَرْنَا: قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: "بِالْجِيمِ وَالرَّاءِ لِلْأَكْثَرِ، وَلِلْقَابِسِيِّ بِالزَّاءِ: أَيْ أَبَحْنَا لَهُ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ" . (8) ن، م: وَإِنْ أَبَى. أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ؛ فَإِنَّا قَدْ كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ [1] ، وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لِأَبِي بَكْرٍ الِاسْتِعْلَانَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةِ أَبَا بَكْرٍ؛ فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ؛ فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ تَرُدَّ إِلَيَّ ذِمَّتِي، فَإِنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّي أُخْفِرْتُ [2] فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنِّي أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ، وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ [3] ، وَرَسُولُ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَدْ أُرِيتُ [4] دَارَ هِجْرَتِكُمْ: ذَاتَ نَخْلٍ، بَيْنَ لَابَتَيْنِ - وَهُمَا الْحُرَّتَانِ - [5] فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ قِبَلَ الْمَدِينَةِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" عَلَى رِسْلِكَ [6] ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي "فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ قَالَ" نَعَمْ "فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ [7] عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَصْحَبَهُ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ - وَهُوَ" (1) ن، م: أَنْ نُحَقِّرَكَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: "نُخْفِرَكَ: بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْفَاءِ، أَيْ نَغْدِرَ بِكَ. يُقَالُ: خَفَرَهُ إِذَا حَفِظَهُ وَأَخْفَرَهُ إِذَا غَدَرَ بِهِ" . (2) ن: أَنِّي أُحْقِرْتُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (3) بِجِوَارِ اللَّهِ: أَيْ أَمَانِهِ وَحِمَايَتِهِ. (4) م: قَدْ رَأَيْتُ. (5) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ، "قَوْلُهُ: بَيْنَ لَابَتَيْنِ وَهُمَا الْحُرَّتَانِ: هَذَا مُدْرَجٌ فِي الْخَبَرِ، وَهُوَ مِنْ تَفْسِيرِ الزُّهْرِيِّ، وَالْحُرَّةُ أَرْضٌ حِجَارَتُهَا سُودٌ" . (6) عَلَى رِسْلِكَ: بِكَسْرِ أَوَّلِهِ: أَيْ عَلَى مَهْلِكَ، وَالرِّسْلُ: السَّيْرُ الرَّقِيقُ. (7) فَحَبَسَ نَفْسَهُ: أَيْ مَنَعَهَا مِنِ الْهِجْرَةِ الْخَبَطُ [1] أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَ عُرْوَةُ [2] : قَالَتْ عَائِشَةُ [3] : فَبَيْنَمَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، قَالَ قَائِلٌ لِأَبِي بَكْرٍ [4] : هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَقَنِّعًا [5] فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا؛ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدَاهُ أَبِي وَأُمِّي، وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ. قَالَتْ: فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَأْذَنَ فَأَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي بَكْرٍ: "أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ" فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِي أَنْتَ [6] يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ" قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الصَّحَابَةَ [7] يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَخُذْ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بِالثَّمَنِ" قَالَتْ عَائِشَةُ: (1) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ (فَتْحُ الْبَارِّي 7/235) : "قَوْلُهُ: وَرَقَ السَّمُرِ: بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْمِيمِ قَوْلُهُ: وَهُوَ الْخَبَطُ: مُدْرَجٌ أَيْضًا فِي الْخَبَرِ، وَهُوَ مِنْ تَفْسِيرِ الزُّهْرِيِّ، وَيُقَالُ: السَّمُرُ: شَجَرَةُ أُمِّ غِيلَانَ، وَقِيلَ: كُلُّ مَا لَهُ ظِلٌّ ثَخِينٌ، وَقِيلَ: السَّمُرُ وَرَقُ الطَّلْحِ، وَالْخَبَطُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ) : مَا يُخْبَطُ بِالْعَصَا فَيَسْقُطُ مِنْ وَرَقِ الشَّجَرِ، قَالَ ابْنُ فَارِسٍ" . (2) ن: قَالَ ابْنُ عُرْوَةَ، وَالْمُثْبَتُ هُوَ الَّذِي فِي "الْبُخَارِيِّ" . (3) عَائِشَةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (4) س، ب لِأَبِي. (5) قَوْلُهُ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ مُتَقَنِّعًا: أَيْ مُغَطِّيًا رَأْسَهُ. (6) ن، م: بِأَبِي وَأُمِّي. . . (7) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ "فَتْحُ الْبَارِي 7/235) :" الصَّحَابَةَ بِالنَّصْبِ: أَيْ أُرِيدُ الْمُصَاحَبَةَ، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ. فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ [1] الْجِهَازِ، وَصَنَعْنَا [2] لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ [3] ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا، فَرَبَطَتْ بِهِ [4] عَلَى فَمِ الْجِرَابِ فَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ، قَالَتْ: ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - [وَأَبُو بَكْرٍ] [5] بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ فَمَكَثَا [6] فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ ثَقِفٌ لَقِنٌ فَيَدَّلِجُ [7] مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ، فَيُصْبِحُ مَعَ [8] قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ، وَلَا يَسْمَعُ أَمْرًا يَكَادَانِ بِهِ [9] إِلَّا وَعَاهُ حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلَامُ، وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْحَةً) [10] مِنْ غَنَمٍ، فَيُرِيحُهَا [11] عَلَيْهِمَا (1) س، ب أَحَبَّ (وَهِيَ رِوَايَةٌ فِي الْبُخَارِيِّ) وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: "أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ مِنَ الْحَثِّ وَهُوَ الْإِسْرَاعُ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي ذَرٍّ" أَحَبَّ "بِالْمُوَحَّدَةِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَالْجِهَازُ. . وَهُوَ مَا. يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي السَّفَرِ" . (2) س، ب: وَوَضَعْنَا (3) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: "قَوْلُهُ: وَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ: أَيْ زَادًا فِي جِرَابٍ، لِأَنَّ أَصْلَ السُّفْرَةِ فِي اللُّغَةِ الزَّادُ الَّذِي يُصْنَعُ لِلْمُسَافِرِ، ثُمَّ الْمُسْتَعْمَلُ فِي وِعَاءِ الزَّادِ" . (4) ن، م، س: فَرَبَطَتْهُ. (5) وَأَبُو بَكْرٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) . وَهِيَ فِي "الْبُخَارِيِّ" (6) الْبُخَارِيُّ: فَكَمَنَّا. (7) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ (فَتْحُ الْبَارِّي 7/237) : "قَوْلُهُ: ثَقِفٌ (بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَيَجُوزُ إِسْكَانُهَا وَفَتْحُهَا وَبَعْدَهَا فَاءٌ: الْحَاذِقُ. . . قَوْلُهُ: لَقِنٌ (بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْقَافِ بَعْدَهَا نُونٌ) اللَّقِنُ: السَّرِيعُ الْفَهْمِ. قَوْلُهُ: فَيَدَّلِجُ (بِتَشْدِيدِ الدَّالِ بَعْدَهَا جِيمٌ: أَيْ يَخْرُجُ بِسَحَرٍ إِلَى مَكَّةَ" . (8) م: فِي. (9) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: "أَيْ يَطْلُبُ لَهُمَا فِيهِ الْمَكْرُوهُ، وَهُوَ مِنَ الْكَيْدِ" (10) ن، س: بِمِنْحَةٍ، م: لِمِنْحَةٍ. (11) 11) ن، م، س: وَيُرْبِحُهَا.
__________________
|
#498
|
||||
|
||||
![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الثامن الحلقة (498) صـ 445 إلى صـ 454 حِينَ تَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ، فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلٍ [1] ، وَهُوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا [2] حَتَّى يَنْعَقَ بِهَا [3] عَامِرٌ بِغَلَسٍ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثِ، وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - [وَأَبُو بَكْرٍ] [4] رَجُلًا مَنْ بَنِي الدِّيلِ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ هَادِيًا خِرِّيتًا وَالْخِرِّيتُ: الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ [5] [6] [7] فِي آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ، وَهُوَ عَلَى دِينِ كَفَّارِ قُرَيْشٍ، فَأَمِنَاهُ، فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا وَوَاعَدَاهُ [8] غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ فَأَتَاهُمَا بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلَاثٍ، فَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ وَأَخَذَ بِهِمَا طَرِيقَ السَّاحِلِ» "قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَالِكٍ الْمُدْلِجِيُّ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ يَقُولُ:" جَاءَنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (1) رِسْلٍ: هُوَ اللَّبَنُ الطَّرِيُّ (2) ن، م: وَوَصِيفِهِمَا، س: وَوَضِيفِهِمَا. وَالْمُثْبَتُ مِنَ (ب) ، الْبُخَارِيِّ. وَهُوَ اللَّبَنُ الَّذِي وُضِعَتْ فِيهِ الْحِجَارَةُ الْمُحْمَاةُ بِالشَّمْسِ أَوِ النَّارِ لِيَنْعَقِدَ وَتَزُولَ رَخَاوَتُهُ. (3) ن، م، س: حَتَّى يَأْتِيَهُمَا. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) ، الْبُخَارِيِّ. (4) وَأَبُو بَكْرٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) ، وَهِيَ فِي (ب) ، الْبُخَارِيِّ. (5) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: "وَالْخِرِّيتُ: الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ: هُوَ مُدْرَجٌ فِي الْخَبَرِ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ، بَيَّنَهُ ابْنُ سَعْدٍ،. . . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: إِنَّمَا سُمِّيَ خِرِّيتًا لِأَنَّهُ يَهْدِي بِمِثْلِ خَرْتِ الْإِبْرَةِ أَيْ ثُقْبِهَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: قِيلَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَهْتَدِي لِأُخْرَاتِ الْمَغَازَةِ وَهِيَ طُرُقُهَا الْخَفِيَّةُ" . (6) - قَدْ غَمَسَ حِلْفًا (7) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: "أَيْ كَانَ حَلِيفًا، وَكَانُوا إِذَا تَحَالَفُوا غَمَسُوا أَيْمَانَهُمْ فِي دَمٍ أَوْ خَلُوقٍ أَوْ فِي شَيْءٍ يَكُونُ فِيهِ تَخَاوُتُهُ." (8) ن، م، س: فَوَاعَدَاهُ. وَأَبِي بَكْرٍ دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَسَرَهُ، فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ جُلُوسٌ، فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوِدَةَ [1] بِالسَّاحِلِ: أَرَاهَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، قَالَ سُرَاقَةُ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ، فَقُلْتُ [لَهُ] [2] : إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلَانًا وَفُلَانًا انْطَلَقَا بِأَعْيُنِنَا [3] ، ثُمَّ لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ سَاعَةً، ثُمَّ قُمْتُ فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ فَتَحْبِسُهَا عَلَيَّ، وَأَخَذْتُ رُمْحِي، ثُمَّ خَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ، فَحَطَطْتُ بِزُجَّةِ الْأَرْضِ وَخَفَضْتُ عَالِيَهُ [4] حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا، فَرَفَعْتُهَا تُقَرِّبُ بِي [5] حَتَّى دَنَوْتُ مِنْهُمْ، فَعَثَرَتْ فَرَسِي، فَخَرَرْتُ عَنْهَا فَقُمْتُ فَأَهْوَيْتُ بِيَدِي إِلَى كِنَانَتِي، فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الْأَزْلَامَ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا [6] : أَضُرُّهُمْ (1) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: "أَسْوِدَةُ: أَيْ أَشْخَاصًا" . (2) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) . (3) ن، م، س: عَيْنًا وَالْمُثْبَتُ مِنَ (ب) الْبُخَارِيِّ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: "أَيْ فِي نَظَرِنَا مُعَايَنَةٌ يَبْتَغُونَ ضَالَّةً لَهُمْ" (4) م: وَحَفِظْتُ إِلَيْهِ، س: وَحَفِظْتُ عَلَيْهِ. وَالْمُثْبَتُ فِي (ن) وَ (ب) الْبُخَارِيِّ وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: "فَخَطَطْتُ: بِالْمُعْجَمَةِ، وَلِلْكَشْمَيْهَنِيِّ وَالْأُصَيْلِيِّ بِالْمُهْمَلَةِ، أَيْ أَمْكَنَهُ أَسْفَلَهُ وَقَوْلُهُ: بِزُجَّةٍ: الزُّجُّ بِضَمِّ الزَّايِ بَعْدَهَا جِيمٌ: الْحَدِيدَةُ الَّتِي فِي أَسْفَلِ الرُّمْحِ. . . قَوْلُهُ:" وَخَفَضْتُ "أَيْ أَمْسَكَهُ بِيَدِهِ وَجَرَّ زُجَّهُ عَلَى الْأَرْضِ فَخَطَّهَا بِهِ لِئَلَّا يَظْهَرَ بَرِيقُهُ لِمَنْ بَعُدَ مِنْهُ، لِأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَتْبَعَهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ فَيَشْرَكُوهُ فِي الْجَعَالَةِ" . (5) ن: نَفَرَتْ بِي. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: "التَّقْرِيبُ: السَّيْرُ دُونَ الْعَدْوِ وَفَوْقَ الْعَادَةِ" (6) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: "وَالْأَزْلَامُ: هِيَ الْأَقْدَاحُ وَهِيَ السِّهَامُ الَّتِي لَا رِيشَ لَهَا وَلَا نَصْلَ" . وَفِي "لِسَانِ الْعَرَبِ" : "وَاسْتَقْسِمُوا بِالْأَقْدَاحِ: قَسَّمُوا الْجَزُورَ عَلَى مِقْدَارِ حُظُوظِهِمْ مِنْهَا" . أَرُدُّهُ فَآخُذُ الْمِائَةَ نَاقَةٍ أَمْ لَا؟ فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ [1] ، فَرَكِبْتُ [فَرَسِي] [2] - وَعَصَيْتُ الْأَزْلَامَ - تُقَرِّبُ [بِي] حَتَّى [إِذَا] سَمِعْتُ [3] قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ، وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ، سَاخَتْ [4] يَدَا فَرَسِي فِي الْأَرْضِ حَتَّى بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ، فَخَرَرْتُ عَنْهَا، ثُمَّ زَجَرْتُهَا فَنَهَضَتْ فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا، فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً إِذَا لَأَثَرِ يَدَيْهَا [5] غُبَارٌ [6] سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلَ الدُّخَانِ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِالْأَزْلَامِ فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ، فَنَادَيْتُهُمْ بِالْأَمَانِ فَوَقَفُوا؛ فَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتُهُمْ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنَ الْحَبْسِ عَنْهُمْ أَنْ سَيَظْهَرُ أَمْرُ [7] رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [8] "." الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي الْغَارِ كَانَ يَأْتِيهِ بِالْأَخْبَارِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ، فَكَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ (1) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: "فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ: أَيْ لَا تَضُرُّهُمْ، وَصَرَّحَ بِهِ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَمُوسَى وَابْنُ إِسْحَاقَ وَزَادَ: وَكُنْتُ أَرْجُو أَنْ أَرُدَّهُ فَآخُذُ الْمِائَةَ نَاقَةٍ" . (2) فَرَسِي سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) . وَهِيَ فِي (ب) ، الْبُخَارِيِّ (3) ن، م، س: فَقَرُبْتُ حَتَّى سَمِعْتُ. وَالْمُثْبَتُ مِنَ (ب) ، الْبُخَارِيِّ. (4) أَيْ غَاصَتْ. (5) ن: إِذَا الْأَمْرُ يَدَيْهَا، إِذَا الْأَمْرُ بَدْهًا. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) ، (ب) ، الْبُخَارِيِّ. (6) الْبُخَارِيِّ: عُثَانٌ. وَفِي رِوَايَةٍ فِيهِ: غُبَارٌ وَعُثَانٌ. أَيْ دُخَانٌ. (7) أَمْرُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (8) - الْحَدِيثُ - بِأَلْفَاظٍ مُقَارَبَةٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي: الْبُخَارِيِّ 5/58 - 6 - (كِتَابُ مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ، بَابُ هِجْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ) وَجَاءَ الْحَدِيثُ مُخْتَصَرًا فِي: الْبُخَارِيِّ 3/96 - 97 (كِتَابُ الْكَفَالَةِ، بَابُ جِوَارِ أَبِي بَكْرٍ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَقْدِهِ) . يُعْلِمَهُمْ بِخَبَرِهِ. السَّادِسُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ، وَالْعَدُوُّ [1] قَدْ جَاءَ إِلَى الْغَارِ، وَمَشَوْا فَوْقَهُ، كَانَ يُمْكِنُهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْغَارِ، وَيُنْذِرَ الْعَدُوَّ بِهِ، وَهُوَ وَحْدُهُ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ يَحْمِيهِ مِنْهُ وَمِنَ الْعَدُوِّ؛ فَمَنْ يَكُونُ مُبْغِضًا لِشَخْصٍ طَالِبًا لِإِهْلَاكِهِ يَنْتَهِزُ الْفُرْصَةَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ الَّتِي لَا يَظْفَرُ فِيهَا عَدُوٌّ بِعَدُوِّهِ إِلَّا أَخَذَهُ؛ فَإِنَّهُ وَحْدَهُ فِي الْغَارِ وَالْعَدُوُّ قَدْ صَارُوا [2] عِنْدَ الْغَارِ، وَلَيْسَ لِمَنْ فِي الْغَارِ هُنَاكَ مَنْ يَدْفَعُ عَنْهُ، وَأُولَئِكَ هُمُ الْعَدُوُّ الظَّاهِرُونَ الْغَالِبُونَ الْمُتَسَلِّطُونَ بِمَكَّةَ، لَيْسَ بِمَكَّةَ مَنْ يَخَافُونَهُ إِذَا أَخَذُوهُ؛ فَإِنْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ مَعَهُمْ مُبَاطِنًا لَهُمْ كَانَ الدَّاعِي إِلَى أَخْذِهِ تَامًّا، وَالْقُدْرَةُ تَامَّةً، وَإِذَا اجْتَمَعَ الْقُدْرَةُ التَّامَّةُ وَالدَّاعِي التَّامُّ وَجَبَ وُجُودُ الْفِعْلِ؛ فَحَيْثُ لَمْ يُوجَدْ دَلَّ عَلَى انْتِفَاءِ الدَّاعِي، أَوِ انْتِفَاءِ الْقُدْرَةِ، وَالْقُدْرَةُ مَوْجُودَةٌ؛ فَعَلِمَ انْتِفَاءَ الدَّاعِي وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَرَضٌ فِي أَذَاهُ، كَمَا يَعْلَمُ ذَلِكَ جَمِيعُ النَّاسِ إِلَّا مَنْ أَعْمَى اللَّهُ قَلْبَهُ. وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْمُفْتَرِينَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُشِيرُ بِإِصْبَعِهِ إِلَى الْعَدُوِّ يَدُلُّهُمْ [3] عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَدَغَتْهُ حَيَّةٌ [4] فَرَدَّهَا حَتَّى كَفَّتْ عَنْهُ الْأَلَمَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: إِنْ نَكَثْتَ نَكَثَ يَدُكَ، وَإِنَّهُ نَكَثَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَمَاتَ مِنْهَا، وَهَذَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ مِنْ وُجُوهٍ نَبَّهْنَا عَلَى بَعْضِهَا. (1) م: فَالْعَدُوُّ (2) م: قَدْ صَارَ (3) س، ب: وَيَدُلُّهُمْ (4) ن، م: الْحَيَّةُ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: أَظْهَرَ كَعْبَهُ لِيَشْعُرُوا بِهِ، فَلَدْغَتْهُ الْحَيَّةُ، وَهَذَا مِنْ نَمَطِ الَّذِي قَبْلَهُ. [فصل قول الرافضي إن الآية تدل على نقص خور أبي بكر وَقِلَّةِ صَبْرِهِ وَعَدَمِ يَقِينِهِ وَعَدَمِ رِضَاهُ والرد عليه] فَصْلٌ. وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِضِيِّ: "الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى نَقْصِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40] فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى خَوَرِهِ، وَقِلَّةِ صَبْرِهِ، وَعَدَمِ يَقِينِهِ وَعَدَمِ رِضَاهُ بِمُسَاوَاتِهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ" . فَالْجَوَابُ: أَوَّلًا: أَنَّ هَذَا يُنَاقِضُ قَوْلَكُمْ: "إِنَّهُ اسْتَصْحَبَهُ حَذَرًا مِنْهُ لِئَلَّا يَظْهَرَ أَمْرُهُ" فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ عَدُوَّهُ، وَكَانَ مُبَاطِنًا لَعِدَاهُ الَّذِينَ يَطْلُبُونَهُ، كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَفْرَحَ وَيُسَرَّ وَيَطْمَئِنَّ إِذَا جَاءَ الْعَدُوُّ، وَأَيْضًا فَالْعَدُوُّ قَدْ جَاءُوا وَمَشَوْا فَوْقَ الْغَارِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُنْذِرَهُمْ بِهِ. وَأَيْضًا فَكَانَ الَّذِي يَأْتِيهِ بِأَخْبَارِ قُرَيْشٍ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ، فَكَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْمُرَ ابْنَهُ أَنْ يُخْبِرَ بِهِمْ قُرَيْشًا. وَأَيْضًا فَغُلَامُهُ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ هُوَ الَّذِي كَانَ مَعَهُ رَوَاحِلُهُمَا فَكَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ لِغُلَامِهِ: أَخْبِرْهُمْ بِهِ. فَكَلَامُهُمْ فِي هَذَا يُبْطِلُ قَوْلَهُمْ: إِنَّهُ كَانَ مُنَافِقًا وَيُثْبِتُ أَنَّهُ كَانَ مُؤْمِنًا بِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمُهَاجِرِينَ مُنَافِقٌ، وَإِنَّمَا كَانَ النِّفَاقُ فِي قَبَائِلِ الْأَنْصَارِ، لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يُهَاجِرْ إِلَّا بِاخْتِيَارِهِ، وَالْكَافِرُ بِمَكَّةَ لَمْ يَكُنْ يَخْتَارُ الْهِجْرَةَ، وَمُفَارَقَةَ وَطَنِهِ وَأَهْلِهِ لِنَصْرِ عَدُوِّهِ، وَإِنَّمَا يَخْتَارُهَا الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 8] . وَقَوْلِهِ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} [سُورَةُ الْحَجِّ: 39، 40] . وَأَبُو بَكْرٍ أَفْضَلُ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ. وَإِذَا كَانَ هَذَا الْكَلَامُ يَسْتَلْزِمُ إِيمَانَهُ فَمَعْلُومٌ أَنَّ الرَّسُولَ لَا يَخْتَارُ لِمُصَاحَبَتِهِ فِي سَفَرِ هِجْرَتِهِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الْأَسْفَارِ خَوْفًا، وَهُوَ السَّفَرُ الَّذِي جُعِلَ مَبْدَأَ التَّارِيخِ لِجَلَالَةِ قَدْرِهِ فِي النُّفُوسِ وَلِظُهُورِ أَمْرِهِ، فَإِنَّ التَّارِيخَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِأَمْرٍ ظَاهِرٍ مَعْلُومٍ لِعَامَّةِ النَّاسِ لَا يَسْتَصْحِبُ الرَّسُولُ فِيهِ مَنْ يَخْتَصُّ بِصُحْبَتِهِ إِلَّا وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ طُمَأْنِينَةً إِلَيْهِ وَوُثُوقًا بِهِ. وَيَكْفِي هَذَا فِي فَضَائِلِ الصِّدِّيقِ، وَتَمْيِيزِهِ عَلَى [1] غَيْرِهِ، وَهَذَا مِنْ فَضَائِلِ الصِّدِّيقِ الَّتِي لَمْ يَشْرَكْهُ فِيهَا غَيْرُهُ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهُ. (1) م: عَنْ. فَصْلٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: "إِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى نَقْصِهِ" . فَنَقُولُ: أَوَّلًا: النَّقْصُ نَوْعَانِ نَقْصٌ يُنَافِي إِيمَانَهُ، وَنَقْصٌ عَمَّنْ هُوَ أَكْمَلُ مِنْهُ. فَإِنْ أَرَادَ الْأَوَّلَ فَهُوَ بَاطِلٌ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 127] . وَقَالَ لِلْمُؤْمِنِينَ عَامَّةً: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 139] . وَقَالَ: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} [سُورَةُ الْحِجْرِ: 87، 88] فَقَدَ نَهَى نَبِيَّهُ عَنِ الْحُزْنِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَنَهَى الْمُؤْمِنِينَ جُمْلَةً فَعُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُنَافِي الْإِيمَانَ. وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ نَاقِصٌ عَمَّنْ هُوَ أَكْمَلُ مِنْهُ، فَلَا رَيْبَ أَنَّ حَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْمَلُ مِنْ حَالِ أَبِي بَكْرٍ، وَهَذَا لَا يُنَازِعُ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَلَكِنْ لَيْسَ فِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا أَوْ عُثْمَانَ أَوْ عُمَرَ، أَوْ غَيْرَهُمْ أَفْضَلُ مِنْهُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْحَالِ، وَلَوْ كَانُوا مَعَهُ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ حَالَهُمْ يَكُونُ أَكْمَلُ مِنْ حَالِ الصِّدِّيقِ، بَلِ الْمَعْرُوفُ مِنْ حَالِهِمْ دَائِمًا وَحَالِهِ أَنَّهُمْ وَقْتَ الْمَخَاوِفِ يَكُونُ الصِّدِّيقُ أَكْمَلَ مِنْهُمْ كُلِّهِمْ يَقِينًا وَصَبْرًا، وَعِنْدَ وُجُودِ أَسْبَابِ الرَّيْبِ يَكُونُ الصِّدِّيقُ أَعْظَمَ يَقِينًا وَطُمَأْنِينَةً وَعِنْدَ مَا يَتَأَذَّى مِنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكُونُ الصِّدِّيقُ أَتْبَعَهُمْ لِمَرْضَاتِهِ وَأَبْعَدَهُمْ عَمَّا يُؤْذِيهِ. هَذَا هُوَ الْمَعْلُومُ لِكُلِّ مَنِ اسْتَقْرَأَ أَحْوَالَهُمْ فِي مَحْيَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ حَتَّى أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ وَمَوْتُهُ كَانَ أَعْظَمَ الْمَصَائِبِ الَّتِي تَزَلْزَلَ بِهَا الْإِيمَانُ، حَتَّى ارْتَدَّ أَكْثَرُ [1] الْأَعْرَابِ، وَاضْطَرَبَ لَهَا عُمَرُ الَّذِي كَانَ أَقْوَاهُمْ إِيمَانًا وَأَعْظَمَهُمْ يَقِينًا كَانَ [2] مَعَ هَذَا تَثْبِيتُ اللَّهِ تَعَالَى لِلصِّدِّيقِ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ أَكْمَلَ وَأَتَمَّ مِنْ غَيْرِهِ، وَكَانَ فِي يَقِينِهِ وَطُمَأْنِينَتِهِ وَعِلْمِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ أَكْمَلَ مِنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ فَقَالَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ. ثُمَّ قَرَأَ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا} الْآيَةَ [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 144] [3] . (1) أَكْثَرُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (2) ن، م، س: وَكَانَ (3) سَيَرِدُ هَذَا الْحَدِيثُ مُفَصَّلًا بَعْدَ قَلِيلٍ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ وَأَبُو بَكْرٍ بِالسُّنْحِ فَقَامَ عُمَرُ يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَتْ: وَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ مَا كَانَ يَقَعُ فِي نَفْسِي إِلَّا ذَلِكَ، وَلَيَبْعَثَنَّهُ اللَّهُ فَلْيَقْطَعَنَّ أَيْدِيَ رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَّلَهُ، وَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُذِيقُكَ اللَّهُ الْمَوْتَتَيْنِ أَبَدًا. ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: أَيُّهَا الْحَالِفُ عَلَى رِسْلِكَ، فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ جَلَسَ عُمَرُ، فَحَمِدَ اللَّهَ أَبُو بَكْرٍ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: أَلَا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا، فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، وَقَالَ: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 30] ، وَقَالَ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 144] قَالَ: فَنَشَجَ النَّاسُ يَبْكُونَ "[1] ." وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَ خُطْبَةَ عُمَرَ الْأَخِيرَةَ حِينَ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَذَلِكَ الْغَدَ مِنْ يَوْمِ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَشَهَّدَ [2] وَأَبُو بَكْرٍ صَامِتٌ لَا يَتَكَلَّمُ، قَالَ: كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَعِيشَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يُدَبِّرَنَا، يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ آخِرَهُمْ، فَإِنْ يَكُ مُحَمَّدٌ قَدْ مَاتَ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ نُورًا (1) الْحَدِيثُ فِي الْبُخَارِيِّ 5/6 - 7 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَابُ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ. .) (2) فَتَشَهَّدَ: سَاقِطَةٌ مِنْ، س) ، (ب) تَهْتَدُونَ بِهِ، وَبِهِ هَدَى اللَّهُ مُحَمَّدًا، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَانِيَ اثْنَيْنِ، وَإِنَّهُ أَوْلَى الْمُسْلِمِينَ بِأُمُورِهِمْ فَقُومُوا فَبَايِعُوهُ، وَكَانَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ قَدْ بَايَعُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَكَانَتْ بَيْعَةُ الْعَامَّةِ عَلَى الْمِنْبَرِ [1] . وَفِي طَرِيقٍ آخَرَ [2] فِي الْبُخَارِيِّ: أَمَّا بَعْدُ فَاخْتَارَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ الَّذِي عِنْدَهُ عَلَى الَّذِي عِنْدَكُمْ، وَهَذَا الَّذِي هَدَى بِهِ رَسُولَهُ فَخُذُوا بِهِ تَهْتَدُوا، وَإِنَّمَا [3] هَدَى اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ" الِاعْتِصَامِ بِالسَّنَةِ "[4] ." وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَتْ: "مَا كَانَ مِنْ خُطْبَتِهِمَا مِنْ خُطْبَةٍ إِلَّا نَفَعَ اللَّهُ بِهَا، لَقَدْ خَوَّفَ عُمَرُ النَّاسَ [5] ، وَإِنَّ فِيهِمْ لَنِفَاقًا فَرَدَّهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ، ثُمَّ لَقَدْ بَصَّرَ أَبُو بَكْرٍ النَّاسَ الْهُدَى وَعَرَّفَهُمُ الْحَقَّ [6]" الَّذِي عَلَيْهِمْ. وَأَيْضًا فَقِصَّةُ يَوْمِ بَدْرٍ فِي الْعَرِيشِ وَيَوْمِ الْحُدَيْبِيَةَ فِي طُمَأْنِينَتِهِ وَسَكِينَتِهِ مَعْرُوفَةٌ، بَرَزَ بِذَلِكَ [7] عَلَى سَائِرِ الصَّحَابَةِ فَكَيْفَ يُنْسَبُ إِلَى (1) الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 9/81 (كِتَابُ الْأَحْكَامِ، بَابُ الِاسْتِخْلَافِ) . (2) س، ب: أُخْرَى. (3) ن، م، س: لِمَا. (4) الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 9/91 (كِتَابُ الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، بَابُ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ. .) . (5) ن، س، ب: لَقَدْ خَوَّفَ اللَّهُ عُمَرَ النَّاسَ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) ، الْبُخَارِيِّ. (6) الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي: الْبُخَارِيِّ 5/7 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. . بَابُ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ. . .) (7) م: يَزِيدُ بِذَلِكَ.
__________________
|
#499
|
||||
|
||||
![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الثامن الحلقة (499) صـ 455 إلى صـ 464 الْجَزَعِ؟ ! . وَأَيْضًا فَقِيَامُهُ بِقِتَالِ [1] الْمُرْتَدِّينَ وَمَانِعِي الزَّكَاةِ، وَتَثْبِيتِ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ تَجْهِيزِ أُسَامَةَ، مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّهُ أَعْظَمُ النَّاسِ طُمَأْنِينَةً وَيَقِينًا، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ قَدْ نَزَلَ بِكَ مَا لَوْ نَزَلَ بِالْجِبَالِ لَهَاضَهَا، وَبِالْبِحَارِ لَغَاضَهَا، وَمَا نَرَاكَ ضَعُفْتَ فَقَالَ: مَا دَخَلَ قَلْبِي رُعْبٌ بَعْدَ لَيْلَةِ الْغَارِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى حُزْنِي - أَوْ كَمَا قَالَ - قَالَ: لَا عَلَيْكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ تَكَفَّلَ لِهَذَا الْأَمْرِ بِالتَّمَامِ. ثُمَّ يُقَالُ: مَنْ شَبَّهَ يَقِينَ أَبِي بَكْرٍ وَصَبْرَهُ بِغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ: عُمَرَ أَوْ عُثْمَانَ أَوْ عَلِيٍّ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى جَهْلِهِ وَالسُّنِّيُّ لَا يُنَازِعُ فِي فَضْلِهِ عَلَى عُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَلَكِنَّ الرَّافِضِيَّ [2] الَّذِي ادَّعَى أَنَّ عَلِيًّا كَانَ أَكْمَلَ مِنَ الثَّلَاثَةِ فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ دَعْوَاهُ [3] بُهْتٌ وَكَذِبٌ وَفِرْيَةٌ، فَإِنَّ مَنْ تَدَبَّرَ سِيرَةَ عُمَرَ وَعُثْمَانَ عَلِمَ أَنَّهُمَا كَانَا فِي الصَّبْرِ وَالثَّبَاتِ وَقِلَّةِ الْجَزَعِ فِي الْمَصَائِبِ أَكْمَلَ مِنْ عَلِيٍّ، فَعُثْمَانُ حَاصَرُوهُ وَطَلَبُوا خَلْعَهُ مِنَ الْخِلَافَةِ، أَوْ قَتْلَهُ [4] وَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى قَتَلُوهُ، وَهُوَ يَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ مُقَاتَلَتِهِمْ إِلَى أَنْ قُتِلَ شَهِيدًا وَمَا دَافَعَ عَنْ نَفْسِهِ فَهَلْ هَذَا إِلَّا مِنْ أَعْظَمِ الصَّبْرِ عَلَى الْمَصَائِبِ؟ ! . وَمَعْلُومٌ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ صَبْرُهُ كَصَبْرِ عُثْمَانَ، بَلْ كَانَ يَحْصُلُ لَهُ مِنْ إِظْهَارِ التَّأَذِّي مِنْ عَسْكَرِهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ مَعَهُ، وَمِنَ الْعَسْكَرِ الَّذِينَ (1) م، ن: فِي قِتَالِ. (2) ب (فَقَطْ) : وَلَكِنَّ دَعْوَى الرَّافِضِي. . . (3) م: دَعْوَى، ن، س: هِيَ دَعْوَى. وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ. (4) م: مِنْ خِلَافَتِهِ. يُقَاتِلُهُمْ مَا لَمْ يَكُنْ يَظْهَرُ مِثْلُهُ لَا مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ مَعَ كَوْنِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَهُمْ كَانُوا كُفَّارًا، وَكَانَ الَّذِينَ مَعَهُمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَدُوِّهِمْ أَقَلَّ مِنَ الَّذِينَ مَعَ عَلِيٍّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ يُقَاتِلُهُ، فَإِنَّ الْكُفَّارَ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ كَانُوا أَضْعَافَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَكُنْ جَيَّشُ مُعَاوِيَةَ أَكْثَرَ مِنْ جَيْشٍ عَلِيٍّ، بَلْ كَانُوا أَقَلَّ مِنْهُ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ خَوْفَ الْإِمَامِ مِنِ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَعْظَمُ مِنْ خَوْفِهِ مِنِ اسْتِيلَاءِ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى بَعْضٍ فَكَانَ مَا يَخَافُهُ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ أَعْظَمَ مِمَّا يَخَافُهُ عَلِيٌّ وَالْمُقْتَضِي لِلْخَوْفِ مِنْهُمْ أَعْظَمَ وَمَعَ هَذَا فَكَانُوا أَكْمَلَ يَقِينًا وَصَبَرًا مَعَ أَعْدَائِهِمْ وَمُحَارِبِيهِمْ مِنْ عَلِيٍّ مَعَ أَعْدَائِهِ وَمُحَارِبِيهِ [1] فَكَيْفَ يُقَالُ إِنَّ يَقِينَ عَلِيٍّ وَصَبْرَهُ [2] كَانَ أَعْظَمَ مَنْ يَقِينِ أَبِي بَكْرٍ وَصَبْرِهِ وَهَلْ هَذَا إِلَّا مِنْ نَوْعِ السَّفْسَطَةِ وَالْمُكَابَرَةِ لِمَا عُلِمَ بِالتَّوَاتُرِ خِلَافُهُ؟ ! . [فصل قول الرافضي إن الآية تدل على خوره. . . والرد عليه] فَصْلٌ. قَوْلُ الرَّافِضِيِّ: "إِنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى خَوَرِهِ وَقِلَّةِ صَبْرِهِ، وَعَدَمِ يَقِينِهِ بِاللَّهِ، وَعَدَمِ رِضَاهُ بِمُسَاوَاتِهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ" . (1) ن، س، ب: وَمُحَارَبَتِهِمْ مِنْ عَلِيٍّ مَعَ أَعْدَائِهِ وَمُحَارَبَتِهِ. . . وَكَلِمَةُ "وَمُحَارَبَتِهِمْ" وَ "مُحَارَبَتِهِ" غَيْرُ مَنْقُوطَتَيْنِ فِي (م) . وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ (2) ن، س: أَوْ صَبْرَهُ. فَهَذَا كُلُّهُ كَذِبٌ مِنْهُ ظَاهِرٌ، لَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا وَذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الشَّيْءِ [1] لَا يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِهِ، بَلْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ لِئَلَّا يَقَعَ فِيمَا بَعْدُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 1] ، فَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُطِيعُهُمْ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 88] ، (2 أَوْ {لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} 2) [2] [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 22] فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ مُشْرِكًا قَطُّ لَا سِيَّمَا بَعْدَ النُّبُوَّةِ فَالْأُمَّةُ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّهُ مَعْصُومٌ مِنَ الشِّرْكِ بَعْدَ النُّبُوَّةِ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ فَقَوْلُهُ لَا تَحْزَنْ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصِّدِّيقَ كَانَ [3] قَدْ حَزِنَ، لَكِنْ مِنَ الْمُمْكِنِ فِي الْعَقْلِ أَنَّهُ يَحْزَنُ فَقَدْ يُنْهَى عَنْ ذَلِكَ لِئَلَّا يَفْعَلَهُ. الثَّانِي: أَنَّهُ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ حَزِنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِئَلَّا يُقْتَلَ فَيَذْهَبُ [4] الْإِسْلَامُ، وَكَانَ يَوَدُّ أَنْ يَفْدِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ مَعَهُ فِي سَفَرِ الْهِجْرَةِ كَانَ يَمْشِي أَمَامَهُ تَارَةً وَوَرَاءَهُ تَارَةً فَسَأَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: "«أَذْكُرُ الرَّصْدَ فَأَكُونُ أَمَامَكَ، وَأَذْكُرُ الطَّلَبَ فَأَكُونُ وَرَاءَكَ»" رَوَاهُ أَحْمَدُ (1) ن، س، ب: شَيْءٍ (2) (2 - 2) : سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) (3) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (4) ن، س، ب: وَيَذْهَبُ. فِي كِتَابِ "مَنَاقِبِ الصَّحَابَةِ" فَقَالَ [1] : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: «لَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ [2] طَرِيقَ ثَوْرٍ، قَالَ: فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يَمْشِي خَلْفَهُ وَيَمْشِي أَمَامَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا لَكَ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَافُ أَنْ تُؤْتَى مِنْ خَلْفِكَ فَأَتَأَخَّرُ، وَأَخَافُ أَنْ تُؤْتَى مِنْ أَمَامِكَ فَأَتَقَدَّمُ، قَالَ: فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى الْغَارِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمَا أَنْتَ حَتَّى أُقِمَّهُ» [3] ، قَالَ نَافِعٌ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَأَى جُحْرًا فِي الْغَارِ فَأَلْقَمَهَا قَدَمَهُ، وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَسْعَةٌ، أَوْ لَدْغَةٌ كَانَتْ بِي» "." وَحِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ يَرْضَى بِمُسَاوَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا بِالْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ الْكَاذِبُ الْمُفْتَرِي عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِأَنْ يَمُوتَا جَمِيعًا، بَلْ كَانَ لَا يَرْضَى بِأَنْ يُقْتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَعِيشُ هُوَ [4] ، بَلْ كَانَ يَخْتَارُ أَنْ يَفْدِيَهُ بِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ. وَهَذَا وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَالصِّدِّيقُ أَقْوَمُ الْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 6] وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "«لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»" [5] . (1) فِي كِتَابِ "فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ" 1/62 - 63 (2) فَضَائِلُ الصَّحَابَةِ: وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَا. (3) س، ب: أُيِمَّهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (4) س، ب: وَهُوَ يَعِيشُ (5) سَبَقَ هَذَا فِيمَا مَضَى 2/447 وَحُزْنُهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ مُوَالَاتِهِ وَمَحَبَّتِهِ، وَنُصْحِهِ لَهُ وَاحْتِرَاسِهِ عَلَيْهِ وَذَبِّهِ عَنْهُ وَدَفْعِ الْأَذَى عَنْهُ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْإِيمَانِ وَإِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ يَحْصُلُ لَهُ بِالْحُزْنِ نَوْعُ ضَعْفٍ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاتِّصَافَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ مَعَ عَدَمِ الْحُزْنِ هُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ، فَإِنَّ مُجَرَّدَ الْحُزْنِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذَا ذَنْبٌ يُذَمُّ بِهِ [1] ، فَإِنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْحُزْنَ عَلَى الرَّسُولِ أَعْظَمُ مِنْ حَزْنِ الْإِنْسَانِ عَلَى ابْنِهِ، فَإِنَّ مَحَبَّةَ الرَّسُولِ أَوْجَبُ مِنْ مَحَبَّةِ الْإِنْسَانِ لِابْنِهِ. وَمَعَ هَذَا فَقَدَ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ يَعْقُوبَ أَنَّهُ حَزِنَ عَلَى ابْنِهِ يُوسُفَ وَقَالَ: {يَاأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} الْآيَةَ [سُورَةُ يُوسُفَ: 84 - 86] ، فَهَذَا إِسْرَائِيلُ نَبِيٌّ كَرِيمٌ قَدْ حَزِنَ عَلَى ابْنِهِ هَذَا الْحُزْنَ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا مُمَّا يُسَبُّ عَلَيْهِ، فَكَيْفَ يُسَبُّ أَبُو بَكْرٍ إِذَا حَزِنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَوْفًا أَنْ يُقْتَلَ، وَهُوَ الَّذِي عُلِّقَتْ بِهِ سَعَادَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؟ ! . ثُمَّ إِنَّ هَؤُلَاءِ الشِّيعَةِ - وَغَيْرَهُمْ - يَحْكُونَ عَنْ فَاطِمَةَ مِنْ حُزْنِهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَا يُوصَفُ، وَأَنَّهَا بِنْتُ بَيْتِ الْأَحْزَانِ، وَلَا يَجْعَلُونَ ذَلِكَ ذَمًّا لَهَا مَعَ أَنَّهُ حُزْنٌ عَلَى أَمْرٍ فَائِتٍ لَا يَعُودُ وَأَبُو بَكْرٍ إِنَّمَا حَزِنَ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ خَوْفَ أَنْ يُقْتَلَ وَهُوَ حَزْنٌ يَتَضَمَّنُ الِاحْتِرَاسَ، وَلِهَذَا لَمَّا مَاتَ لَمْ يَحْزَنْ هَذَا الْحُزْنَ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ فَحُزْنُ أَبِي بَكْرٍ بِلَا رَيْبٍ (1) م: يُلْزَمُ بِهِ. أَكْمَلُ مِنْ حَزْنِ فَاطِمَةَ، فَإِنْ كَانَ مَذْمُومًا عَلَى حُزْنِهِ، فَفَاطِمَةُ أَوْلَى بِذَلِكَ وَإِلَّا فَأَبُو بَكْرٍ أَحَقُّ بِأَنْ لَا يُذَمَّ عَلَى حُزْنِهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُزْنِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ. وَإِنْ قِيلَ: أَبُو بَكْرٍ إِنَّمَا حَزِنَ عَلَى نَفْسِهِ لَا يَقْتُلُهُ الْكُفَّارُ. قِيلَ: فَهَذَا يُنَاقِضُ قَوْلَكُمْ إِنَّهُ كَانَ عَدُوَّهُ، وَكَانَ اسْتَصْحَبَهُ لِئَلَّا يَظْهَرَ أَمْرُهُ. وَقِيلَ: هَذَا بَاطِلٌ بِمَا عُلِمَ بِالتَّوَاتُرِ مِنْ حَالِ أَبِي بَكْرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. ثُمَّ يُقَالُ هَبْ أَنَّ حُزْنَهُ كَانَ عَلَيْهِ، وَعَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَيَسْتَحِقُّ أَنْ يُشْتَمَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ حَزِنَ خَوْفًا أَنْ يَقْتُلَهُ عَدُوُّهُ لَمْ يَكُنْ هَذَا مِمَّا يَسْتَحِقُّ بِهِ هَذَا السَّبَّ. ثُمَّ إِنْ قُدِّرَ أَنَّ ذَلِكَ ذَنْبٌ فَلَمْ يَصْبِرْ عَنْهُ، بَلْ لَمَّا نَهَاهُ عَنْهُ انْتَهَى فَقَدْ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى الْأَنْبِيَاءَ عَنْ أُمُورٍ كَثِيرَةٍ انْتَهَوْا عَنْهَا، وَلَمْ يَكُونُوا مَذْمُومِينَ بِمَا فَعَلُوهُ قَبْلَ النَّهْيِ. وَأَيْضًا فَهَؤُلَاءِ يَنْقُلُونَ عَنْ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ مِنَ الْجَزَعِ وَالْحُزْنِ عَلَى فَوْتِ مَالِ فَدَكَ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمِيرَاثِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ صَاحِبَهُ إِنَّمَا يَحْزَنُ عَلَى فَوْتِ الدُّنْيَا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [سُورَةُ الْحَدِيدِ: 23] فَقَدْ دَعَا النَّاسَ إِلَى أَنْ لَا يَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَهُمْ مِنَ الدُّنْيَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحُزْنَ عَلَى الدُّنْيَا أَوْلَى بِأَنْ يُنْهَى عَنْهُ مِنَ الْحُزْنِ عَلَى الدِّينِ. وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُ حَزِنَ عَلَى الدُّنْيَا، فَحُزْنُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ خَوْفًا أَنْ يُقْتَلَ أَوْلَى أَنْ يُعْذَرَ بِهِ مِنْ حُزْنِهِ عَلَى مَالٍ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ. وَهَؤُلَاءِ الرَّافِضَةُ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ يَذْكُرُونَ فِيمَنْ يُوَالُونَهُ مِنْ أَخْبَارِ الْمَدْحِ، وَفِيمَنْ يُعَادُونَهُ مِنْ أَخْبَارِ الذَّمِّ مَا هُوَ بِالْعَكْسِ أَوْلَى فَلَا تَجِدُهُمْ يَذُمُّونَ أَبَا بَكْرٍ وَأَمْثَالِهِ بِأَمْرٍ إِلَّا وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْأَمْرُ ذَمًّا لَكَانَ عَلِيٌّ أَوْلَى بِذَلِكَ، وَلَا يَمْدَحُونَ عَلِيًّا بِمَدْحٍ يَسْتَحِقُّ أَنْ يَكُونَ مَدْحًا إِلَّا وَأَبُو بَكْرٍ أَوْلَى بِذَلِكَ فَإِنَّهُ أَكْمَلُ فِي الْمَمَادِحِ كُلِّهَا، وَأَبْرَأُ مِنَ الْمَذَامِّ كُلِّهَا: حَقِيقِيِّهَا [1] وَخَيَالِيِّهَا. [فصل قول الرافضي إن الآية تدل على قلة صبره والرد عليه] فَصْلٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: "إِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ صَبْرِهِ" . فَبَاطِلٌ [2] ، بَلْ وَلَا يَدُلُّ عَلَى انْعِدَامِ شَيْءٍ مِنَ الصَّبْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ، فَإِنَّ الصَّبْرَ عَلَى الْمَصَائِبِ وَاجِبٌ [3] بِالْكِتَابِ وَالسَّنَةِ، وَمَعَ هَذَا فَحُزْنُ الْقَلْبِ لَا يُنَافِي ذَلِكَ. كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "«إِنَّ اللَّهَ لَا يُؤَاخِذُ عَلَى دَمْعِ الْعَيْنِ، وَلَا عَلَى [4] حُزْنِ الْقَلْبِ، وَلَكِنْ يُؤَاخِذُ عَلَى هَذَا - يَعْنِي اللِّسَانَ - أَوْ" (1) ن: حَقِيقِهَا (2) ن، م، س: بَاطِلٌ. (3) وَاجِبٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (4) عَلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) يَرْحَمُ» "[1] ." وَقَوْلُهُ: "إِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ يَقِينِهِ بِاللَّهِ" . كَذِبٌ وَبُهْتٌ [2] ، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ قَدْ حَزِنُوا، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ يَقِينِهِمْ بِاللَّهِ، كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ عَنْ يَعْقُوبَ، وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا مَاتَ ابْنُهُ إِبْرَاهِيمُ قَالَ: "«تَدْمَعُ الْعَيْنُ، وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يُرْضِي الرَّبَّ، وَإِنَّا بِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ» [3]" . وَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَنِ الْحُزْنِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 127] . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: "يَدُلُّ عَلَى الْخَوَرِ وَعَدَمِ الرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ" . هُوَ بَاطِلٌ، كَمَا تَقَدَّمَ نَظَائِرُهُ. [كلام الرافضي على حزن أبي بكر رضي الله عنه والرد عليه] فَصْلٌ. وَقَوْلُهُ: "وَإِنْ كَانَ الْحُزْنُ طَاعَةً اسْتَحَالَ نَهْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ مَعْصِيَةً كَانَ مَا ادَّعَوْهُ فَضِيلَةً رَذِيلَةً" . (1) الْحَدِيثَ ـ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي: الْبُخَارِيِّ 2/84 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ الْبُكَاءِ عِنْدَ الْمَرِيضِ) وَأَوَّلُهُ: "اشْتَكَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ شَكْوَى لَهُ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ. . . وَمِنْهُ: أَلَا تَسْمَعُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ. . الْحَدِيثَ. وَهُوَ فِي: مُسْلِمٍ 2/636 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ الْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ) وَجَاءَتْ بَعْضُ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ فِي: الْبُخَارِيِّ 7/51 (كِتَابُ الطَّلَاقِ، بَابُ الْإِشَارَةِ فِي الطَّلَاقِ وَالْأُمُورِ) ." (2) ن، م: كَذِبٌ بَحْتٌ. (3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/46 وَأَوَّلُهُ هُنَاكَ: "إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ. . ." وَالْجَوَابُ أَوَّلًا: أَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ أَحَدٌ أَنَّ مُجَرَّدَ الْحُزْنِ كَانَ هُوَ الْفَضِيلَةَ، بَلِ الْفَضِيلَةُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} الْآيَةَ [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40] . فَالْفَضِيلَةُ كَوْنُهُ هُوَ الَّذِي خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَاخْتَصَّ بِصُحْبَتِهِ، وَكَانَ لَهُ كَمَالُ الصُّحْبَةِ مُطْلَقًا، وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ: " {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} " [1] ، وَمَا يَتَضَمَّنُهُ ذَلِكَ مِنْ كَمَالِ مُوَافَقَتِهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَحَبَّتِهِ وَطُمَأْنِينَتِهِ، وَكَمَالِ مَعُونَتِهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُوَالَاتِهِ فَفِي [2] هَذِهِ الْحَالِ مِنْ كَمَالِ إِيمَانِهِ، وَتَقْوَاهُ مَا [3] هُوَ الْفَضِيلَةُ. وَكَمَالُ مَحَبَّتِهِ وَنَصْرِهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُوجِبُ لِحُزْنِهِ إِنْ كَانَ حَزِنَ مَعَ أَنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ حَزِنَ كَمَا تَقَدَّمَ. وَيُقَالُ: ثَانِيًا: هَذَا بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 127] ، وَقَوْلِهِ: {لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} [سُورَةُ الْحِجْرِ: 88] وَنَحْوِ ذَلِكَ، بَلْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى لِمُوسَى: {خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى} [سُورَةُ طه: 21] . (1) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِيمَا مَضَى فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص (2) ن، س، ب: فِي (3) مَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . فَيُقَالُ: إِنْ كَانَ الْخَوْفُ طَاعَةً فَقَدْ نَهَى عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ مَعْصِيَةً فَقَدْ عَصَى. وَيُقَالُ: إِنَّهُ أُمِرَ أَنْ يَطْمَئِنَّ وَيَثْبُتَ، لِأَنَّ الْخَوْفَ يَحْصُلُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْعَبْدِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُوجِبُ الْأَمْنَ فَإِذَا حَصَلَ مَا يُوجِبُ الْأَمْنَ زَالَ الْخَوْفُ. فَقَوْلُهُ لِمُوسَى {وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى} [سُورَةُ طه: 21] هُوَ أَمْرٌ مَقْرُونٌ بِخَبَرِهِ بِمَا يُزِيلُ الْخَوْفَ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} [سُورَةُ طه: 67، 68] هُوَ نَهْيٌ عَنِ الْخَوْفِ مَقْرُونٌ بِمَا يُوجِبُ زَوَالَهُ. * وَكَذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصِدِّيقِهِ: " {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} نَهْيٌ عَنِ الْحُزْنِ مَقْرُونٌ بِمَا يُوجِبُ زَوَالَهُ * [1] وَهُوَ قَوْلُهُ." إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا وَإِذَا حَصَلَ الْخَبَرُ بِمَا يُوجِبُ زَوَالَ الْحُزْنِ وَالْخَوْفِ زَالَ وَإِلَّا فَهُوَ تَهَجُّمٌ عَلَى الْإِنْسَانِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ. وَهَكَذَا قَوْلُ صَاحِبِ مَدْيَنَ لِمُوسَى لَمَّا قَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ: {لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 25] وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 139] قَرَنَ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ بِمَا يُزِيلُهُ مِنْ إِخْبَارِهِ أَنَّهُمْ هُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 127] مَقْرُونٌ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 128] وَإِخْبَارُهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ مَعَهُمْ يُوجِبُ زَوَالَ الضَّيِّقِ مِنْ مَكْرِ عَدُوِّهِمْ. وَقَدْ قَالَ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ يَوْمَ بَدْرٍ: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 126] . وَيُقَالُ: ثَالِثًا: لَيْسَ فِي نَهْيِهِ عَنِ الْحُزْنِ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، بَلْ قَدْ يَنْهَى عَنْهُ لِئَلَّا يُوجَدَ إِذَا وُجِدَ مُقْتَضِيهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَضُرُّنَا كَوْنُهُ مَعْصِيَةً لَوْ وُجِدَ فَالنَّهْيُ قَدْ يَكُونُ نَهْيَ تَسْلِيَةٍ وَتَعْزِيَةٍ وَتَثْبِيتٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مَعْصِيَةً، بَلْ قَدْ يَكُونُ مِمَّا يَحْصُلُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْمُنْهَى وَقَدْ يَكُونُ الْحُزْنُ مِنْ هَذَا الْبَابِ. وَلِذَلِكَ قَدْ يُنْهَى الرَّجُلُ عَنْ إِفْرَاطِهِ فِي الْحُبِّ وَإِنْ كَانَ الْحُبُّ مِمَّا لَا يُمْلَكُ وَيُنْهَى عَنِ الْغَشْيِ وَالصَّعْقِ وَالِاخْتِلَاجِ وَإِنْ كَانَ هَذَا يَحْصُلُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَالنَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ لَيْسَ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ مَعْصِيَةٌ إِذَا حَصَلَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَلَمْ يَكُنْ سَبَبُهُ مَحْظُورًا. فَإِنْ قِيلَ فَيَكُونُ قَدْ نُهِيَ عَمَّا لَا يُمْكِنُ تَرْكُهُ. قِيلَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَأْتِيَ بِالضِّدِّ الْمُنَافِي لِلْحُزْنِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى اكْتِسَابِهِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَسْتَرْسِلُ فِي أَسْبَابِ الْحُزْنِ وَالْخَوْفِ وَسُقُوطِ بَدَنِهِ فَإِذَا سَعَى فِي اكْتِسَابِ [2] مَا يُقَوِّيهِ ثَبَتَ قَلْبُهُ وَبَدَنُهُ، وَعَلَى (1) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (2) م فِي اكْتِسَابِهِ.
__________________
|
#500
|
||||
|
||||
![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الثامن الحلقة (500) صـ 465 إلى صـ 474 هَذَا فَيَكُونُ النَّهْيُ [1] عَنْ هَذَا أَمْرًا [2] بِمَا يُزِيلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْصِيَةً كَمَا يُؤْمَرُ الْإِنْسَانُ بِدَفْعِ عَدُوِّهُ عَنْهُ، وَبِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُؤْذِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَصَلَ بِذَنْبٍ مِنْهُ. وَالْحُزْنُ يُؤْذِي الْقَلْبَ، فَأُمِرَ بِمَا يُزِيلُهُ كَمَا يُؤْمَرُ بِمَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ، وَالْحُزْنُ [3] إِنَّمَا حَصَلَ بِطَاعَةٍ، وَهُوَ مَحَبَّةُ الرَّسُولِ وَنُصْحُهُ، وَلَيْسَ هُوَ بِمَعْصِيَةٍ [4] يُذَمُّ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا حَصَلَ بِسَبَبِ الطَّاعَةِ لِضَعْفِ الْقَلْبِ الَّذِي لَا يُذَمُّ [5] الْمَرْءُ عَلَيْهِ وَأُمِرَ بِاكْتِسَابِ قُوَّةٍ تَدْفَعُهُ عَنْهُ لِيُثَابَ عَلَى ذَلِكَ. وَيُقَالُ: رَابِعًا لَوْ قُدِّرَ أَنَّ الْحُزْنَ كَانَ مَعْصِيَةً فَهُوَ فَعَلَهُ قَبْلَ أَنْ يُنْهَى عَنْهُ فَلَمَّا نُهِيَ عَنْهُ لَمْ يَفْعَلْهُ، وَمَا فُعِلَ قَبْلَ التَّحْرِيمِ فَلَا إِثْمَ فِيهِ كَمَا كَانُوا قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ يَشْرَبُونَهَا وَيُقَامِرُونَ فَلَمَّا نُهُوا عَنْهَا انْتَهَوْا، ثُمَّ تَابُوا كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ [6] : "وَأَمَّا حُزْنُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ قَبْلَ أَنْ يَنْهَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ [7] كَانَ غَايَةَ الرِّضَا لِلَّهِ فَإِنَّهُ [8] كَانَ إِشْفَاقًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِذَلِكَ [9] كَانَ اللَّهُ مَعَهُ وَاللَّهُ لَا يَكُونُ قَطُّ مَعَ الْعُصَاةِ [10] بَلْ عَلَيْهِمْ، وَمَا حَزِنَ أَبُو بَكْرٍ قَطُّ بَعْدَ أَنْ" (1) ن، م: الْمَنْهِيُّ (2) أَمْرًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) (3) (3 - 3) سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (4) م: مَعْصِيَةً (5) م: لَا يَلُومُ (6) فِي كِتَابِهِ "الْفِصَلِ. . ." 4/221 (7) عَنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ، (س) ، (ب) . وَفِي "الْفِصَلِ" : عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (8) الْفِصَلُ: لِأَنَّهُ (9) ن، م، س وَكَذَلِكَ (10) الْفِصَلُ: وَهُوَ تَعَالِي لَا يَكُونُ مَعَ الْعُصَاةِ. نَهَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحُزْنِ، وَلَوْ كَانَ لِهَؤُلَاءِ الْأَرْذَالِ [1] حَيَاءٌ، أَوْ عِلْمٌ لَمْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا، إِذْ لَوْ كَانَ حُزْنُ أَبِي بَكْرٍ عَيْبًا عَلَيْهِ لَكَانَ ذَلِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَمُوسَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَيْبًا [2] ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِمُوسَى: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 35] ، ثُمَّ قَالَ عَنِ السَّحَرَةِ لَمَّا قَالُوا [3] : {إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى} إِلَى قَوْلِهِ: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} [سُورَةُ طه: 67، 68] [4] ، فَهَذَا مُوسَى رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِيمُهُ كَانَ قَدْ [5] أَخْبَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنَّ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ لَا يَصِلُونَ إِلَيْهِمَا، وَأَنَّهُ هُوَ الْغَالِبُ [6] ، ثُمَّ أَوْجَسَ [7] فِي نَفْسِهِ خِيفَةً بَعْدَ ذَلِكَ فَإِيجَاسُ [8] مُوسَى لَمْ يَكُنْ [9] إِلَّا لِنِسْيَانِهِ الْوَعْدَ الْمُتَقَدِّمَ، وَحُزْنُ أَبِي بَكْرٍ كَانَ قَبْلَ [10] أَنْ يُنْهَى عَنْهُ، وَأَمَّا (1) 1) س، ب: الْأَرَاذِلِ (2) 2) الْفِصَلُ: عَلَى مُحَمَّدٍ وَمُوسَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَيْبًا (3) 3) الْفِصَلُ: ثُمَّ قَالَ تَعَالَى عَنِ السَّحَرَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا لِمُوسَى. . (4) 4) فِي الْفِصَلِ ذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ الْآيَاتِ كُلَّهَا مُتَّصِلَةً (5) 5) الْفِصَلُ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ. (6) 6) الْفِصَلُ: إِلَيْهِ، وَأَنَّ مُوسَى وَمَنِ اتَّبَعَهُ هُوَ الْغَالِبُ. . (7) 7) ن، س، ب: وَأَوْجَسَ. (8) 8) اخْتَصَرَ ابْنُ تَيْمِيَةَ كَلَامَ ابْنِ حَزْمٍ وَتَرَكَ مَا يَقْرُبُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَسْطُرٍ مِنْ كَلَامِهِ، وَبَدَأَ كَلَامَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِعِبَارَةِ: "بَلْ إِيجَاسُ. ." (9) الْفِصَلُ: مُوسَى الْخِيفَةَ فِي نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ. . . (10) الْفِصَلُ: وَحُزْنُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رِضًا لِلَّهِ تَعَالِي قَبْلَ. . مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ [1] : {وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ} [سُورَةُ لُقْمَانَ: 23] وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 127] ، وَقَالَ: {فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ} [سُورَةُ يس: 76] [2] ، {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [سُورَةُ فَاطِرٍ: 8] ، وَوَجَدْنَاهُ [3] تَعَالَى قَدْ قَالَ: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 33] فَقَدْ أَخْبَرَنَا أَنَّهُ يَعْلَمُ [4] أَنَّ رَسُولَهُ [5] يُحْزِنُهُ الَّذِي يَقُولُونَ وَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، فَيَلْزَمُهُمْ [6] فِي حَزْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالَّذِي أَوْرَدُوا [7] فِي حَزْنِ أَبِي بَكْرٍ سَوَاءً [8] وَنَعَمْ [9] إِنَّ حُزْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا كَانُوا يَقُولُونَ مِنَ الْكُفْرِ كَانَ طَاعَةً لِلَّهِ قَبْلَ أَنْ يَنْهَاهُ اللَّهُ كَمَا كَانَ [10] حُزْنُ أَبِي بَكْرٍ طَاعَةً لِلَّهِ قَبْلَ أَنْ يَنْهَاهُ عَنْهُ، وَمَا حَزِنَ أَبُو بَكْرٍ (1) الْفِصَلُ:. . يَنْهَى عَنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ نَهْيٌ عَنِ الْحُزْنِ، وَأَمَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ. (2) زَادَ فِي "الْفِصَلِ" إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَبَعْدَهَا: وَقَالَ تَعَالَى. (3) قَبْلَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ فِي "الْفِصَلِ" ذَكَرَ آيَةَ رَقْمِ 6 مِنْ سُورَةِ الْكَهْفِ "فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ. . ." (4) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (س) (ب) (5) الْفِصَلُ 4/222: "وَقَالَهُ أَيْضًا فِي الْأَنْعَامِ. فَهَذَا اللَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَنَا أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" (6) الْفِصَلُ: وَنَهَاهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ ذَلِكَ نَصًّا، فَيَلْزَمُهُمْ. (7) الْفِصَلُ:. . وَسَلَّمَ الَّذِي نَهَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كَالَّذِي أَرَادُوا. . (8) الْفِصَلُ:. . سَوَاءً سَوَاءً (9) ب (فَقَطْ) : وَنَعْلَمُ. (10) الْفِصَلُ: قَبْلَ أَنْ يَنْهَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَا حَزِنَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَ أَنْ نَهَاهُ رَبُّهُ تَعَالَى عَنِ الْحُزْنِ، كَمَا كَانَ. بَعْدَ [1] مَا نَهَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحُزْنِ، فَكَيْفَ وَقَدْ يُمْكِنُ [2] أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَكُنْ حَزِنَ [3] يَوْمَئِذٍ؟ ، لَكِنْ نَهَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ [4] أَنْ يَكُونَ مِنْهُ حُزْنٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى [5] : {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [سُورَةُ الْإِنْسَانِ: 24] . [فصل الكلام على قوله تعالى لا تحزن إن الله معنا] فَصْلٌ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [6] : وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ الرَّافِضَةِ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40] لَا يَدُلُّ عَلَى إِيمَانِ أَبِي بَكْرٍ، فَإِنَّ الصُّحْبَةَ قَدْ تَكُونُ مِنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا - كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا - وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا - وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا} [سُورَةُ الْكَهْفِ: 32، 35] إِلَى قَوْلِهِ: (1) الْفِصَلُ: قَبْلَ أَنْ يَنْهَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنِ الْحُزْنِ، وَمَا حَزِنَ أَبُو بَكْرٍ قَطُّ بَعْدَ. . . (2) م: وَقَدْ يَكُونُ. (3) الْفِصَلُ: وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ لَمْ يَحْزَنْ. . . (4) عَنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (5) الْفِصَلُ:. . تَعَالَى لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ (6) (6 - 6) : هَذِهِ الْعِبَارَاتُ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ، وَهِيَ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ النُّسَّاخِ. {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} [سُورَةُ الْكَهْفِ: 37] الْآيَةَ. فَيُقَالُ: مَعْلُومٌ أَنَّ لَفْظَ "الصَّاحِبِ" فِي اللُّغَةِ يَتَنَاوَلُ مَنْ صَحِبَ غَيْرَهُ لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ بِمُجَرَّدِ هَذَا اللَّفْظِ عَلَى أَنَّهُ وَلِيُّهُ، أَوْ عَدُوُّهُ، أَوْ مُؤْمِنٌ، أَوْ كَافِرٌ، إِلَّا لِمَا يَقْتَرِنُ بِهِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 36] ، وَهُوَ يَتَنَاوَلُ الرَّفِيقَ فِي السَّفَرِ وَالزَّوْجَةَ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى إِيمَانٍ، أَوْ كُفْرٍ [1] . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى - مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [سُورَةُ النَّجْمِ: 1، 2] وَقَوْلُهُ: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} [سُورَةُ التَّكْوِيرِ: 22] الْمُرَادُ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَوْنِهِ صَحِبَ الْبَشَرَ فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ قَدْ صَحِبَهُمْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ مِنَ الْمُشَارَكَةِ مَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَنْقُلُوا عَنْهُ مَا جَاءَهُ مِنَ الْوَحْيِ، وَمَا يَسْمَعُونَ بِهِ كَلَامَهُ وَيَفْقَهُونَ مَعَانِيَهِ بِخِلَافِ الْمَلَكِ الَّذِي لَمْ يَصْحَبْهُمْ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُمُ الْأَخْذُ عَنْهُ. وَأَيْضًا قَدْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ أَنَّهُ بَشَرٌ مِنْ جِنْسِهِمْ [2] ، وَأَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ عَرَبِيٌّ بِلِسَانِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 128] ، وَقَالَ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ: 4] فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ قَدْ صَحِبَهُمْ كَانَ قَدْ تَعَلَّمَ لِسَانَهُمْ، وَأَمْكَنَهُ (1) م: وَكُفْرٍ. (2) ن، م، س: أَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِمْ بَشَرٌ. أَنْ يُخَاطِبَهُمْ بِلِسَانِهِمْ [1] ، فَيُرْسِلُ رَسُولًا بِلِسَانِهِمْ لِيَتَفَقَّهُوا [2] عَنْهُ، فَكَانَ ذِكْرُ صُحْبَتِهِ لَهُمْ هُنَا عَلَى اللُّطْفِ بِهِمْ، وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ. وَهَذَا بِخِلَافِ إِضَافَةِ الصُّحْبَةِ إِلَيْهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "«لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحْدُكُمُ مِثْلَ أُحِدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ»" [3] ، وَقَوْلُهُ: "«هَلْ أَنْتُمْ تَارِكِي لِي صَاحِبِي» ؟" [4] وَأَمْثَالُ ذَلِكَ. فَإِنَّ إِضَافَةَ الصُّحْبَةِ إِلَيْهِ فِي خِطَابِهِ [5] وَخِطَابُ الْمُسْلِمِينَ تَتَضَمَّنُ صُحْبَةَ مُوَالَاةٍ لَهُ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالْإِيمَانِ بِهِ فَلَا يُطْلَقُ لَفْظُ صَاحِبِهِ عَلَى مَنْ صَحِبَهُ فِي سَفَرِهِ وَهُوَ كَافِرٌ بِهِ. وَالْقُرْآنُ يَقُولُ فِيهِ: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40] فَأَخْبَرَ الرَّسُولُ أَنَّ اللَّهَ مَعَهُ وَمَعَ صَاحِبِهِ، وَهَذِهِ الْمَعِيَّةُ تَتَضَمَّنُ النَّصْرَ وَالتَّأْيِيدَ، وَهُوَ إِنَّمَا يَنْصُرُهُ عَلَى عَدُوِّهِ وَكُلُّ كَافِرٍ عَدُوُّهُ فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ مُؤَيِّدًا لَهُ وَلِعَدُوِّهِ مَعًا، وَلَوْ كَانَ مَعَ عَدُوِّهِ لَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ الْحُزْنَ، وَيُزِيلُ السَّكِينَةَ فَعُلِمَ أَنَّ لَفْظَ صَاحِبِهِ تَضَمَّنَ صُحْبَةَ وِلَايَةٍ وَمَحَبَّةٍ وَتَسْتَلْزِمُ الْإِيمَانَ لَهُ وَبِهِ. (1) ن، م، س: بِلِسَانِهِ. (2) ن، م: لِيَفْقَهُوا. . (3) ن، م: نِصْفَهُ. وَسَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/21. (4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ قَبْلَ صَفَحَاتٍ فِي هَذَا الْجُزْءِ (5) ن، م، س: فَإِنَّ إِضَافَةَ الصُّحْبَةِ إِلَيْهِ مَا بَلَغَ فِي خِطَابِهِ، وَجَاءَتْ عِبَارَةُ "مَا بَلَغَ" فِي النُّسَخِ الثَّلَاثِ تَحْتَ عِبَارَةِ "مَا بَلَغَ" فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّابِقِ. . مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ. . . وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَبْقُ نَظَرٍ مِنَ النُّسَّاخِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمْ، وَلِذَلِكَ أَصَابَ مُحَقِّقُ (ب) بِحَذْفِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ. وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ: " {لَا تَحْزَنْ} " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ وَلِيُّهُ، وَإِنَّهُ حَزِنَ خَوْفًا مِنْ عَدُوِّهِمَا فَقَالَ لَهُ: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} ، وَلَوْ كَانَ عَدُوَّهُ لَكَانَ لَمْ يَحْزَنْ إِلَّا حَيْثُ يَتَمَكَّنُ مِنْ قَهْرِهِ فَلَا يُقَالُ لَهُ: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} ، لِأَنَّ كَوْنَ اللَّهِ [1] مَعَ نَبِيِّهِ مِمَّا يَسُرُّ النَّبِيَّ، وَكَوْنَهُ مَعَ عَدُوِّهِ مِمَّا يَسُوءُهُ فَيُمْتَنَعُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا لَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِ: {لَا تَحْزَنْ} ، ثُمَّ قَوْلِهِ: {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40] . وَنَصْرُهُ لَا يَكُونُ بِأَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ عَدُوُّهُ وَحْدَهُ وَإِنَّمَا يَكُونُ بِاقْتِرَانِ وَلِيِّهِ وَنَجَاتِهِ مِنْ عَدُوِّهِ فَكَيْفَ [لَا] يَنْصُرُ [2] عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا مَنْ يَكُونُونَ قَدْ لَزِمُوهُ، وَلَمْ يُفَارِقُوهُ [3] لَيْلًا وَلَا نَهَارًا وَهُمْ مَعَهُ فِي سَفَرِهِ؟ . وَقَوْلُهُ: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ} حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي أَخْرَجَهُ، أَيْ: أَخْرَجُوهُ فِي حَالِ كَوْنِهِ نَبِيًّا ثَانِيَ اثْنَيْنِ، فَهُوَ مَوْصُوفٌ بِأَنَّهُ أَحَدُ الِاثْنَيْنِ فَيَكُونُ الِاثْنَانِ مُخْرَجَيْنِ جَمِيعًا فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَخْرُجَ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِلَّا مَعَ الْآخَرِ فَإِنَّهُ لَوْ أُخْرِجَ دُونَهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُخْرِجَ ثَانِيَ اثْنَيْنِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ أَخْرَجُوهُ ثَانِيَ اثْنَيْنِ فَأَخْرَجُوهُ مُصَاحِبًا لِقَرِينِهِ فِي حَالِ كَوْنِهِ مَعَهُ فَلَزِمَ أَنْ يَكُونُوا [4] أَخْرَجُوهُمَا. وَذَلِكَ هُوَ الْوَاقِعُ، فَإِنَّ الْكُفَّارَ أَخْرَجُوا الْمُهَاجِرِينَ كُلَّهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 8] . (1) س، ب: لِأَنَّ كَوْنَهُ. (2) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: فَكَيْفَ يَنْصُرُ. . . إِلَخ. . وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ. (3) ن، س، ب: مَنْ يَكُونُ قَدْ لَزِمُوهُ لَمْ يُفَارِقُوهُ. (4) م: أَنْ يَكُونَ. وَقَالَ تَعَالَى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ - الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} [سُورَةُ الْحَجِّ: 39، 40] . وَقَالَ: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ} [سُورَةُ الْمُمْتَحَنَةِ: 9] . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ مَنَعُوهُمْ أَنْ يُقِيمُوا بِمَكَّةَ مَعَ الْإِيمَانِ، وَهُمْ لَا يُمْكِنُهُمْ تَرْكُ الْإِيمَانِ فَقَدْ أَخْرَجُوهُمْ (* إِذَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ أَخْرَجُوا صَاحِبَهُ كَمَا أَخْرَجُوهُ، وَالْكُفَّارُ إِنَّمَا أَخْرَجُوا *) [1] أَعْدَاءَهُمْ لَا مَنْ كَانَ كَافِرًا مِنْهُمْ. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صُحْبَتَهُ صُحْبَةُ مُوَالَاةٍ وَمُوَافَقَةٍ عَلَى الْإِيمَانِ لَا صُحْبَةٌ مَعَ الْكُفْرِ. وَإِذَا قِيلَ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُظْهِرًا لِلْمُوَافَقَةِ، وَقَدْ كَانَ يُظْهِرُ الْمُوَافَقَةَ لَهُ مَنْ كَانَ فِي الْبَاطِنِ مُنَافِقًا، وَقَدْ يَدْخُلُونَ فِي لَفْظِ الْأَصْحَابِ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ لَمَّا اسْتُؤْذِنَ فِي قَتْلِ بَعْضِ الْمُنَافِقِينَ قَالَ: "لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ" [2] فَدَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ قَدْ كَانَ النَّاسُ يُدْخِلُونَ فِيهِ مَنْ هُوَ مُنَافِقٌ. (1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (2) مِثْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) قِيلَ: قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُنَافِقٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا قَلِيلِينَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَأَكْثَرُهُمُ انْكَشَفَ حَالُهُ لَمَّا نَزَلْ فِيهِمُ الْقُرْآنُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُعَرِّفُ كُلًّا مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ فَالَّذِينَ بَاشَرُوا ذَلِكَ كَانُوا يَعْرِفُونَهُ. وَالْعِلْمُ بِكَوْنِ الرَّجُلِ مُؤْمِنًا فِي الْبَاطِنِ، أَوْ يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا، أَوْ مُشْرِكًا أَمْرٌ لَا يَخْفَى مَعَ طُولِ الْمُبَاشَرَةِ فَإِنَّهُ مَا أَسَرَّ أَحَدٌ سَرِيرَةً إِلَّا أَظْهَرَهَا اللَّهُ عَلَى صَفَحَاتِ وَجْهِهِ وَفَلَتَاتِ لِسَانِهِ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ} [سُورَةُ مُحَمَّدٍ: 30] ، وَقَالَ: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [سُورَةُ مُحَمَّدٍ: 30] ، فَالْمُضْمِرُ لِلْكُفْرِ لَا بُدَّ أَنْ يُعْرَفَ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ، وَأَمَّا بِالسِّيمَا فَقَدْ يُعْرَفُ وَقَدْ لَا يُعْرَفُ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [سُورَةُ الْمُمْتَحَنَةِ: 10] . وَالصَّحَابَةُ الْمَذْكُورُونَ فِي الرِّوَايَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِينَ يُعَظِّمُهُمُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الدِّينِ، كُلُّهُمْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ بِهِ، وَلَمْ يُعَظِّمِ الْمُسْلِمُونَ ـ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ ـ عَلَى الدِّينِ مُنَافِقًا. وَالْإِيمَانُ يُعْلَمُ مِنَ الرَّجُلِ كَمَا يُعْلَمُ سَائِرُ أَحْوَالِ قَلْبِهِ مِنْ مُوَالَاتِهِ وَمُعَادَاتِهِ وَفَرَحِهِ وَغَضَبِهِ وَجُوعِهِ وَعَطَشِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَهَا لَوَازِمُ ظَاهِرَةٌ. وَالْأُمُورُ الظَّاهِرَةُ تَسْتَلْزِمُ أُمُورًا بَاطِنَةً وَهَذَا أَمْرٌ يَعْرِفُهُ
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 9 ( الأعضاء 0 والزوار 9) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |