تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله - الصفحة 64 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         المنافقون والمنافقات .. خطرهم وصفاتهم في كتاب الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          حكم تخصيص أدعية معينة لكل يوم من أيام رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          حديث موضوع مكذوب حديث يا علي لا تنم قبل أن تأتي بخمسة أشياء لا يصح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          كيف نستعد لرمضـــــان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          تدبر جزء تبارك فضيلة الشيخ/ ماجد الجاسر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          ما يهمكم من معلومات عن بقية شهر شعبان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          ميزة جديدة من واتساب ستمنعك من مشاركة رقم هاتفك المحمول (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          كيف يجنب الآباء أطفالهم من اضطراب fomo ويقللون الاعتماد على وسائل التواصل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          لاحظها على طفلك.. علامات خطيرة لاضطراب متعلق باستخدام السوشيال ميديا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          خطوات بسيطة يجب اتباعها لضمان تجربة إنترنت آمنة وتعليمية لطفلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19-09-2020, 05:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,416
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (632)
تفسير السعدى
(سورة الليل)
من (1)الى (21)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة الليل
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11) إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12) وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى (13) فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14) لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21)


هذا قسم من الله بالزمان الذي تقع فيه أفعال العباد على تفاوت أحوالهم، فقال: { وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ } [أي: يعم] الخلق بظلامه، فيسكن كلٌ إلى مأواه ومسكنه، ويستريح العباد من الكد والتعب، { وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ } للخلق، فاستضاؤوا بنوره، وانتشروا في مصالحهم، { وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } إن كانت " ما " موصولة، كان إقساماً بنفسه الكريمة الموصوفة، بأنه خالق الذكور والإناث، وإن كانت مصدرية، كان قسماً بخلقه للذكر والأنثى، وكمال حكمته في ذلك أن خلق من كل صنف من الحيوانات التي يريد بقاءها ذكراً وأنثى، ليبقى النوع ولا يضمحل، وقاد كلاً منهما إلى الآخر بسلسلة الشهوة، وجعل كلاً منهما مناسباً للآخر، فتبارك الله أحسن الخالقين. وقوله: { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ } هذا [هو] المقسم عليه أي: إن سعيكم أيها المكلفون لمُتفاوِتٌ تفاوتاً كثيراً، وذلك بحسب تفاوت نفس الأعمال ومقدارها والنشاط فيها، وبحسب الغاية المقصودة بتلك الأعمال، هل هو وجه الله الأعلى الباقي؟ فيبقى السعي له ببقائه، وينتفع به صاحبه، أم هي غاية مضمحلة فانية، فيبطل السعي ببطلانها، ويضمحل باضمحلالها؟ وهذا كل عمل يقصد به غير وجه الله تعالى، بهذا الوصف، ولهذا فصَّل الله تعالى العاملين، ووصف أعمالهم، فقال: { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ } [أي] ما أمر به من العبادات المالية، كالزكوات، والكفارات والنفقات، والصدقات، والإنفاق في وجوه الخير، والعبادات البدنية كالصلاة، والصوم ونحوهما. والمركّبة منهما، كالحج والعمرة [ونحوهما] { وَٱتَّقَىٰ } ما نهي عنه، من المحرمات والمعاصي، على اختلاف أجناسها. { وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ } أي: صدّق بـ " لا إله إلا الله " وما دلّت عليه، من جميع العقائد الدينية، وما ترتب عليها من الجزاء الأخروي. { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ } أي: نسهل عليه أمره، ونجعله ميسراً له كل خير، ميسراً له ترك كل شر، لأنه أتى بأسباب التيسير، فيسر الله له ذلك. { وَأَمَّا مَن بَخِلَ } بما أمر به، فترك الإنفاق الواجب والمستحب، ولم تسمح نفسه بأداء ما وجب لله، { وَٱسْتَغْنَىٰ } عن الله، فترك عبوديته جانباً، ولم ير نفسه مفتقرة غاية الافتقار إلى ربها، الذي لا نجاة لها ولا فوز ولا فلاح، إلا بأن يكون هو محبوبها ومعبودها، الذي تقصده وتتوجه إليه، { وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ } أي: بما أوجب الله على العباد التصديق به من العقائد الحسنة، { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ } أي: للحالة العسرة، والخصال الذميمة، بأن يكون ميسراً للشر أينما كان، ومقيضاً له أفعال المعاصي، نسأل الله العافية. { وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ } الذي أطغاه واستغنى به، وبخل به إذا هلك ومات، فإنه لا يصحبه إلا عمله الصالح. وأما ماله [الذي لم يخرج منه الواجب] فإنه يكون وبالاً عليه، إذ لم يقدم منه لآخرته شيئاً. { إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ } أي: إن الهدى المستقيم طريقه، يوصل إلى الله، ويدني من رضاه، وأما الضلال، فطرق مسدودة عن الله، لا توصل صاحبها إلا للعذاب الشديد.
{ وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَٱلأُولَىٰ } ملكاً وتصرفاً، ليس له فيهما مشارك، فليرغب الراغبون إليه في الطلب، ولينقطع رجاؤهم عن المخلوقين، { فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّىٰ } أي: تستعر وتتوقد، { لاَ يَصْلَٰهَآ إِلاَّ ٱلأَشْقَى * ٱلَّذِي كَذَّبَ } بالخبر { وَتَوَلَّىٰ } عن الأمر. { وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلأَتْقَى * ٱلَّذِى يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ } بأن يكون قصده به تزكية نفسه، وتطهيرها من الذنوب والعيوب، قاصداً به وجه الله تعالى، فدل هذا على أنه إذا تضمن الإنفاق المستحب ترك واجب، كدين ونفقةٍ ونحوهما، فإنه غير مشروع، بل تكون عطيته مردودة عند كثير من العلماء، لأنه لا يتزكى بفعل مستحب يفوت عليه الواجب. { وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ } أي: ليس لأحد من الخلق على هذا الأتقى نعمة تجزى إلا وقد كافأه بها، وربما بقي له الفضل والمنّة على الناس، فتمحض عبداً لله، لأنه رقيق إحسانه وحده، وأما من بقي عليه نعمة للناس لم يجزها ويكافئها، فإنه لا بد أن يترك للناس، ويفعل لهم ما ينقص [إخلاصه]. وهذه الآية، وإن كانت متناولة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، بل قد قيل إنها نزلت في سببه، فإنه - رضي الله عنه - ما لأحد عنده من نعمة تجزى، حتى ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا نعمة الرسول التي لا يمكن جزاؤها، وهي [نعمة] الدعوة إلى دين الإسلام، وتعليم الهدى ودين الحق، فإن لله ورسوله المنّة على كل أحد، منةٌ لا يمكن لها جزاء ولا مقابلة، فإنها متناولة لكل من اتصف بهذا الوصف الفاضل، فلم يبق لأحد عليه من الخلق نعمة تجزى، فبقيت أعماله خالصة لوجه الله تعالى. ولهذا قال: { إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِ ٱلأَعْلَىٰ * وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ } هذا الأتقى بما يعطيه الله من أنواع الكرامات والمثوبات، والحمد لله رب العالمين.
سورة الضحى
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)

أقسم تعالى بالنهار إذا انتشر ضياؤه بالضحى، وبالليل إذا سجى وادلهمَّت ظلمته، على اعتناء الله برسوله صلى الله عليه وسلم فقال: { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ } أي: ما تركك منذ اعتنى بك، ولا أهملك منذ رباك ورعاك، بل لم يزل يربيك أحسن تربية، ويعليك درجة بعد درجة. { وَمَا قَلَىٰ } ك الله أي: ما أبغضك منذ أحبك، فإن نفي الضد دليل على ثبوت ضده، والنفي المحض لا يكون مدحاً، إلا إذا تضمن ثبوت كمال، فهذه حال الرسول صلى الله عليه وسلم الماضية والحاضرة، أكمل حال وأتمها، محبة الله له واستمرارها، وترقيته في درج الكمال، ودوام اعتناء الله به. وأما حاله المستقبلة، فقال: { وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ ٱلأُولَىٰ } أي: كل حالة متأخرة من أحوالك، فإن لها الفضل على الحالة السابقة. فلم يزل صلى الله عليه وسلم يصعد في درج المعالي، ويمكن له الله دينه، وينصره على أعدائه، ويسدد له أحواله، حتى مات، وقد وصل إلى حال لا يصل إليها الأولون والآخرون، من الفضائل والنعم، وقرة العين، وسرور القلب. ثم بعد ذلك، لا تسأل عن حاله في الآخرة، من تفاصيل الإكرام، وأنواع الإنعام، ولهذا قال: { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ } وهذا أمر لا يمكن التعبير عنه بغير هذه العبارة الجامعة الشاملة. ثم امتنَّ عليه بما يعلمه من أحواله [الخاصة] فقال: { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَىٰ } أي: وجدك لا أم لك، ولا أب، بل قد مات أبوه وأمه وهو لا يدبر نفسه، فآواه الله، وكفّله جده عبد المطلب، ثم لما مات جده كفله الله عمه أبا طالب، حتى أيده بنصره وبالمؤمنين. { وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَىٰ } أي: وجدك لا تدري ما الكتاب ولا الإيمان، فعلمَّك ما لم تكن تعلم، ووفَّقك لأحسن الأعمال والأخلاق. { وَوَجَدَكَ عَآئِلاً } أي: فقيراً { فَأَغْنَىٰ } بما فتح الله عليك من البلدان، التي جبيت لك أموالها وخراجها. فالذي أزال عنك هذه النقائص، سيزيل عنك كل نقص، والذي أوصلك إلى الغنى، وآواك ونصرك وهداك، قابِلْ نعمته بالشكران. [ولهذا قال:] { فَأَمَّا ٱلْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ } أي: لا تسيء معاملة اليتيم، ولا يضق صدرك عليه، ولا تنهره، بل أكرمه، وأعطه ما تيسر، واصنع به كما تحب أن يصنع بولدك من بعدك. { وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ } أي: لا يصدر منك إلى السائل كلام يقتضي رده عن مطلوبه، بنهر وشراسة خلق، بل أعطه ما تيسر عندك أو ردّه بمعروف [وإحسان]. وهذا يدخل فيه السائل للمال، والسائل للعلم، ولهذا كان المعلم مأموراً بحسن الخلق مع المتعلم، ومباشرته بالإكرام والتحنن عليه، فإن في ذلك معونة له على مقصده، وإكراماً لمن كان يسعى في نفع العباد والبلاد. { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ } [وهذا يشمل] النعم الدينية والدنيوية { فَحَدِّثْ } أي: أثن على الله بها، وخصصها بالذكر إن كان هناك مصلحة. وإلا فحدث بنعم الله على الإطلاق، فإن التحدث بنعمة الله داع لشكرها، وموجب لتحبيب القلوب إلى من أنعم بها، فإن القلوب مجبولة على محبة المحسن.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19-09-2020, 05:30 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,416
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (633)
تفسير السعدى
(سورة الشرح)
من (1)الى (8)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة الشرح

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)

يقول تعالى - ممتناً على رسوله -: { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } أي: نوسعه لشرائع الدين والدعوة إلى الله، والاتصاف بمكارم الأخلاق، والإقبال على الآخرة، وتسهيل الخيرات فلم يكن ضيقاً حرجاً، لا يكاد ينقاد لخير، ولا تكاد تجده منبسطاً. { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } أي: ذنبك، { ظ±لَّذِيغ¤ أَنقَضَ } أي: أثقل { ظَهْرَكَ } كما قال تعالى:{ لِّيَغْفِرَ لَكَ ظ±للَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } [الفتح: 2]. { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } أي: أعلينا قدرك، وجعلنا لك الثناء الحسن العالي، الذي لم يصل إليه أحد من الخلق، فلا يذكر الله إلا ذكر معه رسوله صلى الله عليه وسلم، كما في الدخول في الإسلام، وفي الأذان والإقامة والخطب، وغير ذلك من الأمور التي أعلى الله بها ذكر رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. وله في قلوب أمته من المحبة والإجلال والتعظيم ما ليس لأحد غيره، بعد الله تعالى، فجزاه الله عن أمته أفضل ما جزى نبياً عن أمته. وقوله: { فَإِنَّ مَعَ ظ±لْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ ظ±لْعُسْرِ يُسْراً } بشارة عظيمة، أنه كلما وجد عسر وصعوبة، فإن اليسر يقارنه ويصاحبه، حتى لو دخل العسر جحر ضب لدخل عليه اليسر، فأخرجه كما قال تعالى:{ سَيَجْعَلُ ظ±للَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً } [الطلاق: 7] وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " وإن الفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسرا ". وتعريف " العسر " في الآيتين، يدل على أنه واحد، وتنكير " اليسر " يدل على تكراره، فلن يغلب عسر يسرين. وفي تعريفه بالألف واللام، الدالة على الاستغراق والعموم يدل على أن كل عسر - وإن بلغ من الصعوبة ما بلغ - فإنه في آخره التيسير ملازم له. ثم أمر الله رسوله أصلاً، والمؤمنين تبعاً، بشكره والقيام بواجب نعمه، فقال: { فَإِذَا فَرَغْتَ فَظ±نصَبْ } أي: إذا تفرغت من أشغالك، ولم يبق في قلبك ما يعوقه، فاجتهد في العبادة والدعاء. { وَإِلَىظ° رَبِّكَ } وحده { فَظ±رْغَبْ } أي: أعظم الرغبة في إجابة دعائك وقبول عباداتك. ولا تكن ممن إذا فرغوا وتفرغوا لعبوا وأعرضوا عن ربهم وعن ذكره، فتكون من الخاسرين. وقد قيل: إن معنى قوله: فإذا فرغت من الصلاة وأكملتها، فانصب في الدعاء، وإلى ربك فارغب في سؤال مطالبك. واستدل من قال بهذا القول، على مشروعية الدعاء والذكر عقب الصلوات المكتوبات، والله أعلم بذلك تمت ولله الحمد.
سورة التين
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)

{ ظ±لتِّينِ } هو التين المعروف، وكذلك { ظ±لزَّيْتُونِ } أقسم بهاتين الشجرتين، لكثرة منافع شجرهما وثمرهما، ولأن سلطانهما في أرض الشام، محل نبوة عيسى ابن مريم عليه السلام. { وَطُورِ سِينِينَ } أي: طور سيناء، محل نبوة موسى صلى الله عليه وسلم، { وَهَـظ°ذَا ظ±لْبَلَدِ ظ±لأَمِينِ } وهي مكة المكرمة، محل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. فأقسم تعالى بهذه المواضع المقدسة، التي اختارها وابتعث منها أفضل النبوات وأشرفها. والمقسم عليه قوله: { لَقَدْ خَلَقْنَا ظ±لإِنسَانَ فِيغ¤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } أي: تام الخلق، متناسب الأعضاء، منتصب القامة، لم يفقد مما يحتاج إليه ظاهراً أو باطناً شيئاً، ومع هذه النعم العظيمة، التي ينبغي منه القيام بشكرها، فأكثر الخلق منحرفون عن شكر المنعم، مشتغلون باللهو واللعب، قد رضوا لأنفسهم بأسافل الأمور، وسفساف الأخلاق، فردهم الله في أسفل سافلين أي: أسفل النار، موضع العصاة المتمردين على ربهم، إلاَّ مَنْ منَّ الله عليه بالإيمان والعمل الصالح، والأخلاق الفاضلة العالية، { فَلَهُمْ } بذلك المنازل العالية، و { أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } أي: غير مقطوع، بل لذاتٌ متوافرة، وأفراح متواترة، ونعم متكاثرة، في أبد لا يزول، ونعيم لا يحول، أكلها دائم وظلها، { فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِظ±لدِّينِ } أي: أي شيء يكذبك أيها الإنسان بيوم الجزاء على الأعمال، وقد رأيت من آيات الله الكثيرة ما به يحصل لك اليقين، ومن نعمه ما يوجب عليك أن لا تكفر بشيء مما أخبرك به، { أَلَيْسَ ظ±للَّهُ بِأَحْكَمِ ظ±لْحَاكِمِينَ } فهل تقتضي حكمته أن يترك الخلق سدى لا يؤمرون ولا ينهون، ولا يُثابون ولا يُعاقبون؟ أم الذي خلق الإنسان أطواراً بعد أطوار، وأوصل إليهم من النعم والخير والبر ما لا يحصونه، ورباهم التربية الحسنة، لا بد أن يعيدهم إلى دار هي مستقرهم وغايتهم، التي إليها يقصدون، ونحوها يؤمون. تمت ولله الحمد.
سورة العلق
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)

هذه السورة أول السور القرآنية نزولاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإنها نزلت عليه في مبادئ النبوة، إذ كان لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان، فجاءه جبريل عليه الصلاة والسلام بالرسالة، وأمره أن يقرأ، فامتنع، وقال: " ما أنا بقارئ " فلم يزل به حتى قرأ. فأنزل الله عليه: { ظ±قْرَأْ بِظ±سْمِ رَبِّكَ ظ±لَّذِي خَلَقَ } عموم الخلق، ثم خص الإنسان، وذكر ابتداء خلقه { مِنْ عَلَقٍ } فالذي خلق الإنسان واعتنى بتدبيره، لا بد أن يدبره بالأمر والنهي، وذلك بإرسال الرسول إليهم، وإنزال الكتب عليهم، ولهذا ذكر بعد الأمر بالقراءة، خلقه للإنسان. ثم قال: { ظ±قْرَأْ وَرَبُّكَ ظ±لأَكْرَمُ } أي: كثير الصفات واسعها، كثير الكرم والإحسان، واسع الجود، الذي من كرمه أن علم بالعلم. و { عَلَّمَ بِظ±لْقَلَمِ * عَلَّمَ ظ±لإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } فإنه تعالى أخرجه من بطن أمه لا يعلم شيئاً، وجعل له السمع والبصر والفؤاد، ويسر له أسباب العلم. فعلمه القرآن، وعلمه الحكمة، وعلمه بالقلم، الذي به تحفظ العلوم، وتضبط الحقوق، وتكون رسلاً للناس تنوب مناب خطابهم، فلله الحمد والمنة، الذي أنعم على عباده بهذه النعم التي لا يقدرون لها على جزاءٍ ولا شكور، ثم منّ عليهم بالغنى وسعة الرزق، ولكن الإنسان - لجهله وظلمه - إذا رأى نفسه غنياً، طغى وبغى، وتجبر عن الهدى، ونسي أن إلى ربه الرجعى، ولم يخف الجزاء، بل ربما وصلت به الحال أنه يترك الهدى بنفسه، ويدعو [غيره] إلى تركه، فينهى عن الصلاة التي هي أفضل أعمال الإيمان. يقول الله لهذا المتمرد العاتي: { أَرَأَيْتَ } أيها الناهي للعبد إذا صلى { إِن كَانَ } العبد المصلي { عَلَىظ° ظ±لْهُدَىظ° } العلم بالحق والعمل به، { أَوْ أَمَرَ } غيره { بِظ±لتَّقْوَىظ° }. فهل يحسن أن ينهى من هذا وصفه؟ أليس نهيه من أعظم المحادَّة لله والمحاربة للحق؟ فإن النهي لا يتوجه إلا لمن هو في نفسه على غير الهدى، أو كان يأمر غيره بخلاف التقوى. { أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ } الناهي بالحق، { وَتَوَلَّىظ° } عن الأمر، أما يخاف الله ويخشى عقابه؟ { أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ظ±للَّهَ يَرَىظ° } ما يعمل ويفعل؟. ثم توعده إن استمر على حاله، فقال: { كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ } عما يقول ويفعل { لَنَسْفَعاً بِظ±لنَّاصِيَةِ } أي: لنأخذن بناصيته، أخذاً عنيفاً، وهي حقيقة بذلك، فإنها { نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ } أي: كاذبة في قولها، خاطئة في فعلها. { فَلْيَدْعُ } هذا الذي حق عليه العقاب { نَادِيَهُ } أي: أهل مجلسه وأصحابه ومن حوله، ليعينوه على ما نزل به، { سَنَدْعُ ظ±لزَّبَانِيَةَ } أي: خزنة جهنم، لأخذه وعقوبته، فلينظر أي: الفريقين أقوى وأقدر؟ فهذه حالة الناهي وما توعد به من العقوبة، وأما حالة المنهي، فأمره الله أن لا يصغى إلى هذا الناهي ولا ينقاد لنهيه فقال: { كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ } [أي:] فإنه لا يأمر إلا بما فيه خسارة الدارين، { وَظ±سْجُدْ } لربك { وَظ±قْتَرِب } منه في السجود وغيره من أنواع الطاعات والقربات، فإنها كلها تُدْني من رضاه وتقرب منه. وهذا عام لكل ناهٍ عن الخير ومنهي عنه، وإن كانت نازلة في شأن أبي جهل حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة، وعبث به وآذاه. تمت ولله الحمد.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 19-09-2020, 05:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,416
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (634)
تفسير السعدى
(سورة القدر)
من (1)الى (5)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة القدر

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)
يقول تعالى مبيناً لفضل القرآن وعلو قدره: { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } كما قال تعالى:{ إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ } [الدخان: 3] وذلك أن الله [تعالى]، ابتدأ بإنزاله في رمضان [في] ليلة القدر، ورحم الله بها العباد رحمةً عامة، لا يقدر العباد لها شكراً. وسميت ليلة القدر، لعظم قدرها وفضلها عند الله، ولأنه يقدر فيها ما يكون في العام من الآجال والأرزاق والمقادير القدرية. ثم فخّم شأنها، وعظم مقدارها، فقال: { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ } أي: فإن شأنها جليل، وخطرها عظيم، { لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } أي: تعادل من فضلها ألف شهر، فالعمل الذي يقع فيها، خير من العمل في ألف شهر [خالية منها]، وهذا مما تتحير فيه الألباب، وتندهش له العقول، حيث منَّ تبارك وتعالى على هذه الأمة الضعيفة القوة والقوى، بليلة يكون العمل فيها يقابل ويزيد على ألف شهر، عمر رجل معمر عمراً طويلاً، نيفاً وثمانين سنة. { تَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا } أي: يكثر نزولهم فيها { مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلاَمٌ هِيَ } أي: سالمة من كل آفة وشر، وذلك لكثرة خيرها، { حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ } أي: مبتداها من غروب الشمس ومنتهاها طلوع الفجر. وقد تواترت الأحاديث في فضلها، وأنها في رمضان، وفي العشر الأواخر منه، خصوصاً في أوتاره، وهي باقية في كل سنة إلى قيام الساعة. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف ويكثر من التعبد في العشر الأواخر من رمضان، رجاء ليلة القدر [والله أعلم].
سورة البينة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)

يقول تعالى: { لَمْ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } أي: [من] اليهود والنصارى { وَٱلْمُشْرِكِينَ } من سائر أصناف الأمم. { مُنفَكِّينَ } عن كفرهم وضلالهم الذي هم عليه، أي: لا يزالون في غيهم وضلالهم، لا يزيدهم مرور السنين إلا كفراً. { حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ } الواضحة، والبرهان الساطع، ثم فسر تلك البينة فقال: { رَسُولٌ مِّنَ ٱللَّهِ } أي: أرسله الله، يدعو الناس إلى الحق، وأنزل عليه كتاباً يتلوه، ليعلم الناس الحكمة ويزكيهم، ويخرجهم من الظلمات إلى النور، ولهذا قال: { يَتْلُواْ صُحُفاً مُّطَهَّرَةً } أي: محفوظة عن قربان الشياطين، لا يمسها إلا المطهرون، لأنها في أعلى ما يكون من الكلام. ولهذا قال عنها: { فِيهَا } أي: في تلك الصحف { كُتُبٌ قَيِّمَةٌ } أي: أخبار صادقة، وأوامر عادلة تهدي إلى الحق وإلى صراط مستقيم، فإذا جاءتهم هذه البينة، فحينئذ يتبين طالب الحق ممن ليس له مقصد في طلبه، فيهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حيَّ عن بينة. وإذا لم يؤمن أهل الكتاب لهذا الرسول وينقادوا له، فليس ذلك ببدع من ضلالهم وعنادهم، فإنهم ما تفرَّقوا واختلفوا وصاروا أحزاباً { إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ } التي توجب لأهلها الاجتماع والاتفاق، ولكنهم لرداءتهم ونذالتهم، لم يزدهم الهدى إلا ضلالاً، ولا البصيرة إلا عمىً، مع أن الكتب كلها جاءت بأصل واحد، ودين واحد، فما أمروا في سائر الشرائع إلا أن يعبدوا { ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } أي: قاصدين بجميع عباداتهم الظاهرة والباطنة وجه الله، وطلب الزلفى لديه، { حُنَفَآءَ } أي: معرضين [مائلين] عن سائر الأديان المخالفة لدين التوحيد. وخصّ الصلاة والزكاة [بالذكر] مع أنهما داخلان في قوله { لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ } لفضلهما وشرفهما، وكونهما العبادتين اللتين من قام بهما قام بجميع شرائع الدين. { وَذَلِكَ } أي التوحيد والإخلاص في الدين، هو { دِينُ ٱلقَيِّمَةِ } أي: الدين المستقيم، الموصل إلى جنات النعيم، وما سواه فطرق موصلة إلى الجحيم. ثم ذكر جزاء الكافرين بعدما جاءتهم البينة، فقال: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَٱلْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ } قد أحاط بهم عذابها، واشتد عليهم عقابها، { خَالِدِينَ فِيهَآ } لا يفتّر عنهم العذاب، وهم فيها مبلسون، { أَوْلَـٰئِكَ هُمْ شَرُّ ٱلْبَرِيَّةِ } لأنهم عرفوا الحق وتركوه، وخسروا الدنيا والآخرة. { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُوْلَـٰئِكَ هُمْ خَيْرُ ٱلْبَرِيَّةِ } لأنهم عبدوا الله وعرفوه، وفازوا بنعيم الدنيا والآخرة. { جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ } أي: جنات إقامة، لا ظعن فيها ولا رحيل، ولا طلب لغاية فوقها، { تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً رِّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ } فرضي عنهم بما قاموا به من مراضيه، ورضوا عنه، بما أعد لهم من أنواع الكرامات وجزيل المثوبات { ذَلِكَ } الجزاء الحسن { لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ } أي: لمن خاف الله، فأحجم عن معاصيه، وقام بواجباته. [تمت والحمد لله]
سورة الزلزلة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)


يخبر تعالى عما يكون يوم القيامة، وأن الأرض تتزلزل وترجف وترتج، حتى يسقط ما عليها من بناء وعَلَمٍ. فتندك جبالها، وتُسوَّى تلالها، وتكون قاعاً صفصفاً لا عوج فيه ولا أمتَ. { وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا } أي: ما في بطنها، من الأموات والكنوز، { وَقَالَ ٱلإِنسَانُ } إذا رأى ما عراها من الأمر العظيم مستعظماً لذلك: { مَا لَهَا }؟ أي: أيُّ شيءٍ عرض لها؟ { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ } الأرض { أَخْبَارَهَا } أي: تشهد على العاملين بما عملوا على ظهرها من خير وشر، فإن الأرض من جملة الشهود الذين يشهدون على العباد بأعمالهم، ذلك { بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا } [أي] وأمرها أن تخبر بما عمل عليها، فلا تعصي لأمره. { يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ ٱلنَّاسُ } من موقف القيامة، حين يقضي الله بينهم { أَشْتَاتاً } أي: فرقاً متفاوتين. { لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ } أي: ليريهم الله ما عملوا من الحسنات والسيئات، ويريهم جزاءه موفراً. { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } وهذا شامل عام للخير والشر كله، لأنه إذا رأى مثقال الذرة، التي هي أحقر الأشياء، [وجوزي عليها] فما فوق ذلك من باب أولى وأحرى، كما قال تعالى:{ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوۤءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً } [آل عمران: 30]{ وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً } [الكهف: 49]. وهذه الآية فيها غاية الترغيب في فعل الخير ولو قليلاً، والترهيب من فعل الشر ولو حقيراً.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 19-09-2020, 05:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,416
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (635)
تفسير السعدى
(سورة العاديات)
من (1)الى (11)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة العاديات
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5) إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8) أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11)

أقسم الله تبارك وتعالى بالخيل، لما فيها من آيات الله الباهرة، ونعمه الظاهرة، ما هو معلوم للخلق. وأقسم [تعالى] بها في الحال التي لا يشاركها [فيه] غيرها من أنواع الحيوانات، فقال: { وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً } أي: العاديات عدواً بليغاً قوياً، يصدر عنه الضبح، وهو صوت نفسها في صدرها، عند اشتداد العدو. { فَٱلمُورِيَاتِ } بحوافرهن ما يطأن عليه من الأحجار { قَدْحاً } أي: تقدح النار من صلابة حوافرهن [وقوتهن] إذا عدون، { فَٱلْمُغِيرَاتِ } على الأعداء { صُبْحاً } وهذا أمر أغلبي، أن الغارة تكون صباحاً، { فَأَثَرْنَ بِهِ } أي: بعدوهن وغارتهن { نَقْعاً } أي: غباراً، { فَوَسَطْنَ بِهِ } أي: براكبهن { جَمْعاً } أي: توسطن به جموع الأعداء، الذين أغار عليهم. والمقسم عليه، قوله: { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ } أي: لمنوعٌ للخير الذي عليه لربه. فطبيعة [الإنسان] وجبلته، أن نفسه لا تسمح بما عليه من الحقوق، فتؤديها كاملة موفرة، بل طبيعتها الكسل والمنع لما عليه من الحقوق المالية والبدنية، إلا من هداه الله و خرج عن هذا الوصف إلى وصف السماح بأداء الحقوق، { وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَلِكَ لَشَهِيدٌ } أي: إن الإنسان على ما يعرف من نفسه من المنع والكند لشاهد بذلك، لا يجحده ولا ينكره، لأن ذلك أمرٌ بيِّنٌ واضح. ويحتمل أن الضمير عائد إلى الله تعالى أي: إن العبد لربه لكنود، والله شهيد على ذلك، ففيه الوعيد، والتهديد الشديد، لمن هو لربه كنود، بأن الله عليه شهيد. { وَإِنَّهُ } أي: الإنسان { لِحُبِّ ٱلْخَيْرِ } أي: المال { لَشَدِيدٌ } أي: كثير الحب للمال. وحبه لذلك، هو الذي أوجب له ترك الحقوق الواجبة عليه، قدم شهوة نفسه على حق ربه، وكلُّ هذا لأنه قصر نظره على هذه الدار، وغفل عن الآخرة، ولهذا قال حاثاً له على خوف يوم الوعيد: { أَفَلاَ يَعْلَمُ } أي: هلاَّ يعلم هذا المغتر { إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي ٱلْقُبُورِ } أي: أخرج الله الأموات من قبورهم، لحشرهم ونشورهم. { وَحُصِّلَ مَا فِي ٱلصُّدُورِ } أي: ظهر وبان [ما فيها و] ما استتر في الصدور من كمائن الخير والشر، فصار السر علانية، والباطن ظاهراً، وبان على وجوه الخلق نتيجة أعمالهم. { إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ } أي مطلع على أعمالهم الظاهرة والباطنة، الخفية والجلية، ومجازيهم عليها. وخص خبره بذلك اليوم، مع أنه خبير بهم في كل وقت، لأن المراد بذلك، الجزاء بالأعمال، الناشئ عن علم الله واطلاعه.
سورة القارعة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11)
{ ٱلْقَارِعَةُ } من أسماء يوم القيامة، سميت بذلك، لأنها تقرع الناس وتزعجهم بأهوالها، ولهذا عظم أمرها وفخمه بقوله: { ٱلْقَارِعَةُ * مَا ٱلْقَارِعَةُ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْقَارِعَةُ * يَوْمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ } من شدة الفزع والهول، { كَٱلْفَرَاشِ ٱلْمَبْثُوثِ } أي: كالجراد المنتشر، الذي يموج بعضه في بعض، والفراش: هي الحيوانات التي تكون في الليل، يموج بعضها ببعض لا تدري أين توجه، فإذا أوقد لها نار تهافتت إليها لضعف إدراكها، فهذه حال الناس أهل العقول، وأما الجبال الصم الصلاب، فتكون { كَٱلْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ } أي: كالصوف المنفوش، الذي بقي ضعيفاً جداً، تطير به أدنى ريح، قال تعالى:{ وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ } [النمل: 88] ثم بعد ذلك تكون هباءً منثوراً، فتضمحل ولا يبقى منها شيء يشاهد، فحينئذ تنصب الموازين، وينقسم الناس قسمين: سعداء وأشقياء، { فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ } أي: رجحت حسناته على سيئاته { فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } في جنات النعيم. { وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ } بأن لم تكن له حسنات تقاوم سيئاته، { فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } أي: مأواه ومسكنه النار، التي من أسمائها الهاوية، تكون له بمنزلة الأم الملازمة كما قال تعالى:{ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً } [الفرقان: 65]. وقيل: إن معنى ذلك، فأم دماغه هاوية في النار، أي: يلقى في النار على رأسه. { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ } وهذا تعظيم لأمرها، ثم فسرها بقوله هي: { نَارٌ حَامِيَةٌ } أي: شديدة الحرارة، قد زادت حرارتها على حرارة نار الدنيا سبعين ضعفاً. نستجير بالله منها.
سورة التكاثر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)
يقول تعالى موبخاً عباده عن اشتغالهم عما خلقوا له من عبادته وحده لا شريك له، ومعرفته، والإنابة إليه، وتقديم محبته على كل شيء: { أَلْهَاكُمُ } عن ذلك المذكور { ٱلتَّكَّاثُرُ } ولم يذكر المتكاثر به، ليشمل ذلك كل ما يتكاثر به المتكاثرون، ويفتخر به المفتخرون، من التكاثر في الأموال، والأولاد، والأنصار، والجنود، والخدم، والجاه، وغير ذلك مما يقصد منه مكاثرة كل واحد للآخر، وليس المقصود به الإخلاص لله تعالى. فاستمرت غفلتكم ولهوتكم [وتشاغلكم] { حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ } فانكشف لكم حينئذ الغطاء، ولكن بعد ما تعذر عليكم استئنافه. ودل قوله: { حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ } أن البرزخ دارٌ مقصودٌ منها النفوذ إلى الدار الباقية، لأن الله سماهم زائرين، ولم يسمهم مقيمين. فدل ذلك على البعث والجزاء بالأعمال، في دار باقية غير فانية، ولهذا توعدهم بقوله: { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ } أي: لو تعلمون ما أمامكم علماً يصل إلى القلوب، لما ألهاكم التكاثر، ولبادرتم إلى الأعمال الصالحة. ولكن عدم العلم الحقيقي، صيَّركم إلى ما ترون، { لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ } أي: لتردن القيامة، فلترون الجحيم التي أعدها الله للكافرين. { ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ } أي: رؤية بصرية، كما قال تعالى:{ وَرَأَى ٱلْمُجْرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُواْ عَنْهَا مَصْرِفاً } [الكهف: 53]. { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ } الذي تنعمتم به في دار الدنيا، هل قمتم بشكره، وأديتم حق الله فيه، ولم تستعينوا به، على معاصيه، فينعمكم نعيماً أعلى منه وأفضل. أم اغتررتم به، ولم تقوموا بشكره؟ بل ربما استعنتم به على معاصي الله، فيعاقبكم على ذلك، قال تعالى:{ وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـٰتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا وَٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ } الآية [الأحقاف: 20].


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 19-09-2020, 05:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,416
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (636)
تفسير السعدى
(سورة العصر)
من (1)الى (3)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة العصر

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
أقسم تعالى بالعصر، الذي هو الليل والنهار، محل أفعال العباد وأعمالهم أن كل إنسان خاسر، والخاسر ضد الرابح. والخسار مراتب متعددة متفاوتة: قد يكون خساراً مطلقاً، كحال من خسر الدنيا والآخرة، وفاته النعيم، واستحق الجحيم. وقد يكون خاسراً من بعض الوجوه دون بعض، ولهذا عمم الله الخسار لكل إنسان، إلا من اتصف بأربع صفات: الإيمان بما أمر الله بالإيمان به، ولا يكون الإيمان بدون العلم، فهو فرع عنه لا يتم إلا به. والعمل الصالح، وهذا شامل لأفعال الخير كلها، الظاهرة والباطنة، المتعلقة بحق الله وحق عباده، الواجبة والمستحبة. والتواصي بالحق، الذي هو الإيمان والعمل الصالح أي: يوصي بعضهم بعضاً بذلك، ويحثه عليه، ويرغّبه فيه. والتواصي بالصبر على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى أقدار الله المؤلمة. فبالأمرين الأولين يكمل الإنسان نفسه، وبالأمرين الأخيرين يكمل غيره، وبتكميل الأمور الأربعة، يكون الإنسان قد سلم من الخسار، وفاز بالربح [العظيم].
سورة الهمزة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)
{ ويْلٌ } أي: وعيد، ووبال، وشدة عذاب { لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } الذي يهمز الناس بفعله، ويلمزهم بقوله، فالهماز: الذي يعيب الناس، ويطعن عليهم بالإشارة والفعل، واللماز: الذي يعيبهم بقوله. ومن صفة هذا الهماز اللماز، أنه لا هَمَّ له سوى جمع المال وتعديده والغبطة به، وليس له رغبة في إنفاقه في طرق الخيرات وصلة الأرحام، ونحو ذلك، { يَحْسَبُ } بجهله { أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ } في الدنيا، فلذلك كان كدّه وسعيه كله في تنمية ماله، الذي يظن أنه ينمي عمره، ولم يدر أن البخل يقصف الأعمار، ويخرب الديار، وأن البر يزيد في العمر. { كَلاَّ لَيُنبَذَنَّ } أي: ليطرحنَّ { فِي ظ±لْحُطَمَةِ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ظ±لْحُطَمَةُ } تعظيم لها، وتهويل لشأنها. ثم فسرها بقوله: { نَارُ ظ±للَّهِ ظ±لْمُوقَدَةُ } التي وقودها الناس والحجارة { ظ±لَّتِي } من شدتها { تَطَّلِعُ عَلَى ظ±لأَفْئِدَةِ } أي: تنفذ من الأجسام إلى القلوب. ومع هذه الحرارة البليغة هم محبوسون فيها، قد أيسوا من الخروج منها، ولهذا قال: { إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ } أي: مغلقة، { فِي عَمَدٍ } من خلف الأبواب { مُّمَدَّدَةِ } لئلا يخرجوا منها{ كُلَّمَآ أَرَادُوغ¤اْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا } [السجدة: 20]. [نعوذ بالله من ذلك ونسأله العفو والعافية].
سورة الفيل
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)
قال كثير من المفسرين: إن الجار والمجرور متعلق بالسورة التي قبلها أي: فعلنا ما فعلنا بأصحاب الفيل لأجل قريش وأمنهم، واستقامة مصالحهم، وانتظام رحلتهم في الشتاء لليمن، والصيف للشام، لأجل التجارة والمكاسب. فأهلك الله من أرادهم بسوء، وعظم أمر الحرم وأهله في قلوب العرب، حتى احترموهم، ولم يعترضوا لهم في أي سفر أرادوا، ولهذا أمرهم الله بالشكر، فقال: { فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـظ°ذَا ظ±لْبَيْتِ } أي: ليوحدوه ويخلصوا له العبادة، { ظ±لَّذِيغ¤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ } فرغد الرزق والأمن من المخاوف، من أكبر النعم الدنيوية، الموجبة لشكر الله تعالى. فلك اللهم الحمد والشكر على نعمك الظاهرة والباطنة، وخصّ الله بالربوبية البيت، لفضله وشرفه، وإلا فهو رب كل شيء.

سورة قريش
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)
قال كثير من المفسرين: إن الجار والمجرور متعلق بالسورة التي قبلها أي: فعلنا ما فعلنا بأصحاب الفيل لأجل قريش وأمنهم، واستقامة مصالحهم، وانتظام رحلتهم في الشتاء لليمن، والصيف للشام، لأجل التجارة والمكاسب. فأهلك الله من أرادهم بسوء، وعظم أمر الحرم وأهله في قلوب العرب، حتى احترموهم، ولم يعترضوا لهم في أي سفر أرادوا، ولهذا أمرهم الله بالشكر، فقال: { فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـظ°ذَا ظ±لْبَيْتِ } أي: ليوحدوه ويخلصوا له العبادة، { ظ±لَّذِيغ¤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ } فرغد الرزق والأمن من المخاوف، من أكبر النعم الدنيوية، الموجبة لشكر الله تعالى. فلك اللهم الحمد والشكر على نعمك الظاهرة والباطنة، وخصّ الله بالربوبية البيت، لفضله وشرفه، وإلا فهو رب كل شيء.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 19-09-2020, 05:35 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,416
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (637)
تفسير السعدى
(سورة الماعون)
من (1)الى (7)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة الماعون

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)

يقول تعالى ذاماً لمن ترك حقوقه وحقوق عباده: { أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ } أي: بالبعث والجزاء، فلا يؤمن بما جاءت به الرسل. { فَذَلِكَ ٱلَّذِي يَدُعُّ ٱلْيَتِيمَ } أي: يدفعه بعنف وشدة، ولا يرحمه لقساوة قلبه، ولأنه لا يرجو ثواباً، ولا يخشى عقاباً. { وَلاَ يَحُضُّ } غيره { عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } ومن باب أولى أنه بنفسه لا يطعم المسكين، { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ } أي: الملتزمون لإقامة الصلاة، ولكنهم { ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ } أي: مضيعون لها، تاركون لوقتها، مفوتون لأركانها، وهذا لعدم اهتمامهم بأمر الله حيث ضيعوا الصلاة، التي هي أهم الطاعات وأفضل القربات، والسهو عن الصلاة، هو الذي يستحق صاحبه الذم واللوم، وأما السهو في الصلاة، فهذا يقع من كل أحد، حتى من النبي صلى الله عليه وسلم. ولهذا وصف الله هؤلاء بالرياء والقسوة وعدم الرحمة، فقال: { ٱلَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ } أي يعملون الأعمال لأجل رئاء الناس. { وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ } أي: يمنعون إعطاء الشيء، الذي لا يضر إعطاؤه على وجه العارية، أو الهبة، كالإناء، والدلو، والفأس، ونحو ذلك، مما جرت العادة ببذلها والسماحة به. فهؤلاء - لشدة حرصهم - يمنعون الماعون، فكيف بما هو أكثر منه. وفي هذه السورة، الحث على إكرام اليتيم، والمساكين، والتحضيض على ذلك، ومراعاة الصلاة، والمحافظة عليها، وعلى الإخلاص [فيها و] في جميع الأعمال. والحث على [فعل المعروف و] بذل الأمور الخفيفة، كعارية الإناء والدلو والكتاب، ونحو ذلك، لأن الله ذم من لم يفعل ذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب والحمد لله رب العالمين.
سورة الكوثر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)
يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ممتناً عليه: { إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ } أي: الخير الكثير، والفضل الغزير، الذي من جملته، ما يعطيه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، من النهر الذي يقال له " الكوثر " ، ومن الحوض. طوله شهر، وعرضه شهر، ماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، آنيته كنجوم السماء في كثرتها واستنارتها، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً. ولما ذكر منته عليه، أمره بشكرها فقال: { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ } خصّ هاتين العبادتين بالذكر، لأنهما من أفضل العبادات وأجلّ القربات. ولأن الصلاة تتضمن الخضوع [في] القلب والجوارح لله، وتنقلها في أنواع العبودية، وفي النحر تقرب إلى الله بأفضل ما عند العبد من النحائر، وإخراج للمال الذي جبلت النفوس على محبته والشح به. { إِنَّ شَانِئَكَ } أي: مبغضك وذامك ومنتقصك { هُوَ ٱلأَبْتَرُ } أي: المقطوع من كل خير، مقطوع العمل، مقطوع الذكر. وأما محمد صلى الله عليه وسلم، فهو الكامل حقاً، الذي له الكمال الممكن في حق المخلوق، من رفع الذكر، وكثرة الأنصار، والأتباع صلى الله عليه وسلم.
سورة الكافرون
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)
أي: قل للكافرين معلناً ومصرحاً { لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } أي: تبرَّأ مما كانوا يعبدون من دون الله، ظاهراً وباطناً. { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } لعدم إخلاصكم في عبادته، فعبادتكم له المقترنة بالشرك لا تسمى عبادة، ثم كرر ذلك ليدل الأول على عدم وجود الفعل، والثاني على أن ذلك قد صار وصفاً لازماً. ولهذا ميّز بين الفريقين، وفصل بين الطائفتين، فقال: { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } كما قال تعالى:{ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ } [الإسراء: 84]{ أَنتُمْ بَرِيۤئُونَ مِمَّآ أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ } [يونس: 41].
سورة النصر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)
في هذه السورة الكريمة، بشارة وأمر لرسوله عند حصولها، وإشارة وتنبيه على ما يترتب على ذلك. فالبشارة هي البشارة بنصر الله لرسوله، وفتحه مكة، ودخول الناس في دين الله أفواجاً، بحيث يكون كثير منهم من أهله وأنصاره، بعد أن كانوا من أعدائه، وقد وقع هذا المبشر به، وأما الأمر بعد حصول النصر والفتح، فأمر رسوله أن يشكر ربه على ذلك، ويسبح بحمده ويستغفره، وأما الإشارة، فإن في ذلك إشارتين: إشارة لأن يستمر النصر لهذا الدين، ويزداد عند حصول التسبيح بحمد الله واستغفاره من رسوله، فإن هذا من الشكر، والله يقول:{ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ } [إبراهيم: 7] وقد وجد ذلك في زمن الخلفاء الراشدين وبعدهم في هذه الأمة لم يزل نصر الله مستمراً، حتى وصل الإسلام إلى ما لم يصل إليه دين من الأديان، ودخل فيه ما لم يدخل في غيره، حتى حدث من الأمة من مخالفة أمر الله ما حدث، فابتلاهم الله بتفرق الكلمة، وتشتت الأمر، فحصل ما حصل. [ومع هذا] فلهذه الأمة، وهذا الدين، من رحمة الله ولطفه، ما لا يخطر بالبال، أو يدور في الخيال. وأما الإشارة الثانية، فهي الإشارة إلى أن أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قرب ودنا، ووجه ذلك أن عمره عمر فاضل أقسم الله به. وقد عهد أن الأمور الفاضلة تختم بالاستغفار، كالصلاة والحج، وغير ذلك. فأمرُ الله لرسوله بالحمد والاستغفار في هذه الحال، إشارة إلى أن أجله قد انتهى، فليستعد ويتهيأ للقاء ربه، ويختم عمره بأفضل ما يجده صلوات الله وسلامه عليه. فكان صلى الله عليه وسلم يتأوّل القرآن، ويقول ذلك في صلاته، يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: " سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي ".



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 19-09-2020, 05:36 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,416
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (638)
تفسير السعدى
(سورة المسد)
من (1)الى (5)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة المسد





بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)

أبو لهب هو عم النبي صلى الله عليه وسلم وكان شديد العداوة [والأذية] للنبي صلى الله عليه وسلم فلا فيه دين، ولا حميَة للقرابة - قبَّحه الله - فذمّه الله بهذا الذم العظيم، الذي هو خزيٌ عليه إلى يوم القيامة فقال: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } أي: خسرت يداه، وشقي { وَتَبَّ } فلم يربح، { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ } الذي كان عنده وأطغاه، ولا ما كسبه فلم يرد عنه شيئاً من عذاب الله إذ نزل به، { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } أي: ستحيط به النار من كل جانب، هو { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ }. وكانت أيضاً شديدة الأذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم تتعاون هي وزوجها على الإثم والعدوان، وتلقي الشر، وتسعى غاية ما تقدر عليه في أذية الرسول صلى الله عليه وسلم وتجمع على ظهرها من الأوزار بمنزلة من يجمع حطباً، قد أعد لها في عنقها حبلاً { مِّن مَّسَدٍ } أي: من ليف. أو أنها تحمل في النار الحطب على زوجها، متقلدة في عنقها حبلاً من مسد، وعلى كل، ففي هذه السورة، آية باهرة من آيات الله، فإن الله أنزل هذه السورة، وأبو لهب وامرأته لم يهلكا، وأخبر أنهما سيعذبان في النار ولا بد، ومن لازم ذلك أنهما لا يسلمان، فوقع كما أخبر عالم الغيب والشهادة.
سورة الاخلاص



بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)
أي { قُلْ } قولاً جازماً به، معتقداً له، عارفاً بمعناه، { هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } أي: قد انحصرت فيه الأحدية، فهو الأحد المنفرد بالكمال، الذي له الأسماء الحسنى، والصفات الكاملة العليا، والأفعال المقدسة، الذي لا نظير له ولا مثيل. { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } أي: المقصود في جميع الحوائج. فأهل العالم العلوي والسفلي مفتقرون إليه غاية الافتقار، يسألونه حوائجهم، ويرغبون إليه في مهماتهم، لأنه الكامل في أوصافه، العليم الذي قد كمل في علمه، الحليم الذي قد كمل في حلمه، الرحيم الذي [كمل في رحمته الذي] وسعت رحمته كل شيء، وهكذا سائر أوصافه، ومن كماله أنه { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } لكمال غناه، { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } لا في أسمائه ولا في أوصافه، ولا في أفعاله، تبارك وتعالى. فهذه السورة مشتملة على توحيد الأسماء والصفات.
سورة الفلق



بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)


أي: { قُلْ } متعوذاً { أَعُوذُ } أي: ألجأ وألوذ، وأعتصم { بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } أي: فالق الحب والنوى، وفالق الإصباح. { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } وهذا يشمل جميع ما خلق الله، من إنس، وجن، وحيوانات، فيستعاذ بخالقها من الشر الذي فيها، ثم خص بعد ما عمّ، فقال: { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } أي: من شر ما يكون في الليل، حين يغشى الناس، وتنتشر فيه كثير من الأرواح الشريرة، والحيوانات المؤذية. { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } أي: ومن شر السواحر، اللاتي يستعن على سحرهنّ بالنفث في العقد، التي يعقدنها على السحر. { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } والحاسد، هو الذي يحب زوال النعمة عن المحسود فيسعى في زوالها بما يقدر عليه من الأسباب، فاحتيج إلى الاستعاذة بالله من شره، وإبطال كيده، ويدخل في الحاسد العاين، لأنه لا تصدر العين إلا من حاسد شرير الطبع، خبيث النفس، فهذه السورة، تضمنت الاستعاذة من جميع أنواع الشر، عموماً وخصوصاً. ودلَّت على أن السحر له حقيقة يخشى من ضرره، ويستعاذ بالله منه [ومن أهله].

سورة الناس



بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)

وهذه السورة مشتملة على الاستعاذة برب الناس ومالكهم وإلههم، من الشيطان الذي هو أصل الشرور كلها ومادَّتها، الذي من فتنته وشرّه، أنه يوسوس في صدور الناس، فيحسن [لهم] الشر، ويريهم إياه في صورة حسنة، وينشط إرادتهم لفعله، ويقبح لهم الخير ويثبطهم عنه، ويريهم إياه في صورة غير صورته، وهو دائماً بهذه الحال يوسوس ويخنس أي: يتأخر إذا ذكر العبد ربه واستعان على دفعه. فينبغي له أن [يستعين و] يستعيذ ويعتصم بربوبية الله للناس كلهم. وأن الخلق كلهم داخلون تحت الربوبية والملك، فكل دابة هو آخذ بناصيتها. وبألوهيته التي خلقهم لأجلها، فلا تتم لهم إلا بدفع شر عدوهم، الذي يريد أن يقتطعهم عنها ويحول بينهم وبينها، ويريد أن يجعلهم من حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، والوسواس كما يكون من الجن يكون من الإنس، ولهذا قال: { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ }. والحمد لله رب العالمين أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً.




تم بحمد الله
تقبل الله منا ومنكم صالح الاعمال


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 291.40 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 286.93 كيلو بايت... تم توفير 4.47 كيلو بايت...بمعدل (1.53%)]