| 
 
25-12-2020, 11:31 PM
 | 
| 
|  | قلم ذهبي مميز |  | 
تاريخ التسجيل: Feb 2019 مكان الإقامة: مصر الجنس :   
المشاركات: 164,749
 
الدولة :        |  | 
| 
 المتقون والمعاصي 
 
  			 				 					المتقون والمعاصي (1/5).
 
 
 أ.د. الشريف حاتم العوني
 
 علاقة المتقين بالمعاصي علاقة معقدة ! ليس من السهل إدراكها ؛ إلا إذا اغترفنا من معين القرآن الكريم غرفةً تروي ظمأ جهلنا .
 يقول  الله تعالى  {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا  أَنفُسَهُمْ  ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن  يَغْفِرُ  الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا  وَهُمْ  يَعْلَمُونَ} .
 فتبدأ  الآية الكريمة  بـ{الَّذِينَ} وهو اسم موصول ، والمقصود بهم في الآية هم  (المتقون) ؛ لأن  الآية قبل هذه الآية كانت هي قوله تعالى : {وَسَارِعُوا  إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ  مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ  وَالْأَرْضُ  أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} ، ثم ذكر صفات المتقين ، فقال  سبحانه : {  الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ  وَالْكَاظِمِينَ  الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ  الْمُحْسِنِينَ }  ، ثم قال تعالى { {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً  أَوْ ظَلَمُوا  أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا الله ... } .
 فالآية  إذن تذكر صفات  أشرف درجات المؤمنين المسارعين إلى مغفرة الله تعالى  ورضوانه والموعودين  بجنة عرضها السموات والأرض : وهم المتقون .
 ولكن  الغريب أن الآية  لا تنزه هؤلاء المتقين من المعاصي ، كما قد يتوقع بعضنا !  بل إنها لا  تنزههم حتى من الكبائر (الفواحش) ، كما قد يتوقعه كثيرون منا  !! بل الآية  لم تكتف بعدم تنزيه المتقين من المعاصي ، بل إنها لـتُـثني  علىهم  بارتكابها !! نعم .. تُثني عليهم بارتكاب المعاصي ، لكن في حالةٍ  واحدة  فقط : هي حيث يُتبعونها بالاستغفار الصادق ، الذي يستلزم فيما يستلزم  :  عدم العزم على الإصرار !! ولا تُثني عليهم بارتكاب المعاصي مطلقا (فهذا  لا  يمكن أصلا) ، ولا تُثني عليهم بعدم ارتكابها مطلقًا أيضًا (وهذا هو ما   أحببت لفت الانتباه إليه) !!
 ومن هذه المقدمة ندخل في استلهام بعض فوائد هذه الآية ، فمن فوائدها :
 أولا  : تُبيّنُ هذه  الآيةُ أن المتقين ( وهم أصحاب هذا الوصف الشريف : المتقين )  لا ينحصرون  في المعصومين فقط ! فالمعصومون هم أنبياء الله وحدهم ( عليهم  الصلاة  والسلام ) . ولا ينحصرون أيضًا في الذين يجتنبون الكبائر ، ممن لا  تتجاوز  معصيتهم الصغائر من الذنوب ، فليسوا محصورين في الذين لا يرتكبون  الكبائر  ولا يأتون الفواحش فقط ! فهذه الآية توضح أن المتقين قد يقترفون  حتى  الفاحشة ، وقد يقعون حتى في الكبيرة ؛ لكن الذي يميز هؤلاء المتقين من  أهل  الإيمان عن غيرهم ممن يقترفون الآثام (صغيرها وكبيرها) : هو أن المتقين   يسارعون إلى طلب المغفرة ، أي إلى الاستغفار الحقيقي (بالقلب واللسان) .
 وذلك  أن وصف الفاحشة  لا يكون وصفا لصغائر الذنوب ، كما قال تعالى { الَّذِينَ  يَجْتَنِبُونَ  كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ } ،  فجعل الله تعالى  ( اللمم ) وهي الصغائر شيئا مخالفا للكبائر والفواحش ، مما  يبين أن  الفواحش جنس من الكبائر ، أو لقب آخر لها .
 ومن  معاني هذه الفائدة  : أن مجرد ارتكاب الكبيرة لا ينافي صفة التقوى ؛ إلا مع  الإصرار (الذي  سيأتي بيان المقصود به ) ، ومع عدم الاستغفار .
 ووازنوا  كلام الله  تعالى هذا بما يشيع بين كثير من المسلمين ، بسبب وَعْظ جهلة  الوعاظ ، من  استحالة أن يجتمع وصف المتقين مع ارتكاب فاحشة .
 ولذلك  يكون الكلام  الآتي للإمام أبي القاسم القشيري على جماله ، وعلى صحته (من  وجه) ؛ لكنه  ليس هو معنى الآية ! وذلك عندما قال (رحمه الله) في تفسيره :  ((ويقال  فاحشةُ كلِّ أحدٍ على حسب حاله ومَقامه ، وكذلك ظلمهم . وإن خُطور   المخالفات ببال الأكابر ، كفِعلها من الأغيار !
 قال قائلهم [شعرًا] :
 أنت عيني وليس من حقِّ عيني
 غضُّ أجفانها على الأقذاءِ
 فليس الجُرم على البساط كالذّنب على الباب .
 ويُقال  : فعلوا فاحشةً  : بركونهم إلى أفعالهم ، أو ظلموا أنفسهم : بملاحظة  أحوالهم ؛ فاستغفروا  لذنوبهم ، بالتَّـبَـرِّي عن حركاتهم وسكناتهم ، علمًا  منهم بأنه لا وسيلة  إليه إلا به ، فخَلّصهم من ظلمات نفوسهم . وإن رؤية  الأحوال والأفعال  لَظُلُمَاتٌ عند ظهور الحقائق ، ومنْ طهَّره الله بنور  العناية ، صانه عن  التورط في المغاليط البشرية)) .
 فهذا كلام جميل جدا ؛ لكن لا ينبغي أن يخالف ظاهر الآية الواضح ، من أن المتقين قد يقعون في الكبيرة من كبائر الذنوب !
 وسنكمل بقية التعليق على هذه الآية الكريمة في مقال الأسبوع القادم بإذن الله تعالى .
 
 
 
 
__________________  سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك  فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى. 
 |