|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() السلوك الأهوج وضاح سيف الجبزي اللهُمَّ لك الحمدُ، أنْتَ أَحَقُّ مَنْ ذُكِر، وأحَقُّ مَنْ عُبِد، وأنْصَرُ منِ ابْتُغِي، وأرْأَفُ منْ مَلَك، وأجْوَدُ منْ سُئِل، وأكْرَمُ منْ أعْطَى، أنْتَ المَلِكُ لا شَرِيْكَ لك، وأنْتَ الفَرْدُ لا نِدَّ لك، كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلا وَجْهَك، لا تُطَاعُ إلا بِإِذْنِك، ولا تُعْصَى إلا بِعِلْمِك، تُطَاعُ فَتَشْكُر، وتُعْصَى فَتَغْفِر، أقْرَبُ شَهِيْدٍ، وأدْنَى حَفِيْظٍ، حُلْتَ دُوْنَ النُّفُوسِ، وأخَذْتَ بالنوَاصِي، وكَتَبْتَ الآثَارَ، ونَسَخْتَ الآجَالَ، القُلُوبُ لكَ مُفْضِيَةٌ، والسِّرُّ عِنْدَك عَلانَيِةٌ، الحَلالُ ما أحْلَلْتَ، والحَرَامُ ما حَرَّمْتَ، والديْنُ ما شَرَعْتَ، والأَمْرُ مَا قَضَيْتَ، والخَلْقُ خَلْقُكَ، والعَبْدُ عَبْدُكَ، وأنْتَ اللهُ، المَلِكُ، الرؤُوفُ التواب الرحْمَنُ الرحِيْمُ. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، فالِقُ الحب والنوَى، ومنشئ الأجْسَادِ بَعْدَ البلى، مُؤْوي المنْقَطِعِينَ إِليْه، وكَافِي المُتَوَكلينَ عليه.. اللهُ يَا أَعْذَبَ الأَلْفَاظِ فِي لُغَتِي ![]() اللهُ يَا أَمْتَعَ الْأَسْمَاءِ كَمْ سَعِدَتْ ![]() اللهُ أُنْسِي وَبُسْتَانِي وَقَافِيَتِي ![]() اللهُ يَرْتَاحُ قَلْبِي حِينَ أَسْمَعُهَا ![]() اللهُ أَرْحَلُ فِي أَعْمَاقِهَا وَعَلى ![]() وَيَا أَجَلَّ حُرُوفٍ فِي مَعَانِيهَا ![]() نَفْسِي وَفَاضَ سُرُورِي حِينَ أَرْوِيهَا ![]() اللهُ يَا زِينَةَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ![]() وَحِينَ أُبْصِرُهَا نَقْشًا وَأُمْلِيهَا ![]() إِيحَائِهَا تَسْتَمِدُّ النَّفْسُ بَارِيهَا ![]() تحدثنا فيما مضى عن خلق: العفوِ والصفحِ والحِلمِ والرِّفقِ وكظمِ الغيظ، وحديثُ اليومِ عن خلق مناقض، وسلوك مضاد، خُلقٍ يزداد كلَّ يوم أُوارُه، ويعلو غبارُه، وتستفحل ضراوتُه، وتُومِض شرارتُه، خصوصًا مع تعكُّر الظروف، وضنك العيش، وتوالي الأزمات، وانقطاع المرتبات، وتبخُّرِ الوعود، وسكونِ الرعود، واستفحال الطغيان، وتسلُّط بني الصلبان، وضياع الوازع، وغياب الرادع، وضعف المانع، ووهن المبادئ، وانطماس القيم، وفساد الأخلاق، وتفشي الوباء، وانتشار الداء، وتعسُّر الدواء، وتفرُّق الأمة الغراء. كم مُزِّقتْ بسببه من أواصر، ودُمّرت من أُسَر، وخرِبت من بيوت، وقُطّعت من أرحام، ورُمِّلت من نساء، وأُريقت من دماء، وأجهضت من أعمال، وطاشت من عقول، وغابت من موازين، وضاعت من حقوق، وصودرت من ممتلكات، وسُلبت من مستحقات! إنه سلوك الغضب يا عباد الله.. ريحٌ تهُبُّ على سراج العقل فتطفئه، ونار تشتعل في القلب فتحرقه، ومرض يستشري في البدن فيتسلط على عروقه ومفاصله فيهلكه. إنه شعبة جنون، ومبضع مجون، وجماع شر، ومصدر هلاك، وباب دمار.. يأتي على المجتمع، فيقوِّض بنيانَه، ويهدُّ أركانَه، وينزل على الأسر؛ فيمزق شملها، ويشتت جمعها، ويمر على المحالِّ؛ فيشعلها نارًا، ويجعلها خبوتًا وقفارًا، ويخيم على بدن الإنسان؛ فيغير طبيعته، ويرفع وتيرته، ويهدم سلوكه، ويورده السوء والمنكر، وربما رفع له الضغط والسكر. عن أَبي هريرة - رضي اللَّه عنه - أَنَّ رَجُلًا قَالَ للنَّبِيِّ ﷺ: أَوْصِني، قَالَ: «لا تَغْضَبْ»، فَرَدَّدَ مِرَارًا، قَالَ: «لاَ تَغْضَبْ»[1]. وفي روايةٍ: عَلِّمْنِي شَيْئًا وَلَا تُكْثِرْ عَلَيَّ لَعَلِّي أَعِيهِ، قَالَ ﷺ: «لَا تَغْضَبْ»، فَرَدَّدَ ذَلِكَ مِرَارًا، كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ: «لَا تَغْضَبْ»[2]. قال أبو الدَّرْدَاءِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ. قَالَ: «لَا تَغْضَبْ وَلَكَ الْجَنَّةُ»[3]. وَلما قِيلَ لِابْنِ الْمُبَارَكِ: اجْمَعْلَنَاحُسْنَالْخُلُقِفِيكَلِمَة، قَالَ: تَرْكُ الْغَضَبِ[4]. عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ رَجُلٍ، مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوْصِنِي. قَالَ: «لَا تَغْضَبْ» قَالَ الرَّجُلُ: فَفَكَّرْتُ حِينَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَإِذَا الْغَضَبُ يَجْمَعُ الشَّرَّ كُلَّهُ[5]. وقد جاء في الأثر «إِنَّ الْغَضَبَ جَمْرَةٌ تُوقَدُ فِي جَوْفِ ابْنِ آدَمَ؛ أَلاَ تَرَوْنَ إِلَى حُمْرَةِ عَيْنَيْهِ وَانْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ؟!»[6]. وجاء أيضًا: أقربُمايكونالعبدمِنغضباللهإذاغضب[7]. لهذا حُكي عن إبليس أنه يقول: متىأعجزنيابنُآدمفلنيعجزنيإذاغضب؛ لأنه ينقاد لي فيما أبتغيه، ويعملُ بما أريده وأرتضيه[8]. فالغضب جنون، والعقل ينقص عند الغضب؛ فيؤدي إلى قول الباطل وكتم الحق. ولم أرَ فضلًا تمَّ إلا بشيمةٍ ![]() وَلَمْ أَرَ فِي الْأَعْدَاءِ حِينَ اخْتَبَرْتُهُمْ ![]() ولم أرَ عقلًا صحَّ إلا على الأدب ![]() عَدُوًّا لِعَقْلِ الْمَرْءِ أَعْدَى مِنَ الْغَضَبْ ![]() والغضب يمنع من النطق والحكم بالعدل، قال ﷺ: «لَا يَحْكُمْ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ»[9]، أو قال: «لاَ يَقْضِيَنَّ حَكَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ»[10]. وقديمًا قالوا: الغضبُ عَدوٌّ، فلا تُملِّكْه نفسَك[11]. ولذا كان من دعاء النبي ﷺ: «وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ»[12]. قال الحسن: أربعٌ مَن كُنَّ فيه عَصَمه الله من الشيطان، وحَرَّمه على النار: مَن مَلَك نفسَه عند الرغبة، والرهبة، والشهوة، والغضب[13]. لَيْسَتِ الأَحْلاَمُ فِي حَالِ الرِّضَا ![]() إِنَّمَا الأَحْلاَمُ فِي حَالِ الغَضَبْ ![]() عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ أَنَّهُ لَقِيَ مَلَكًا وَقَالَ لَهُ: عَلِّمْنِي عِلْمًا أَزْدَادُ بِهِ إيمَانًا وَيَقِينًا، قال: لَاتَغْضَبْ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ أَقْدَرُ مَا يَكُونُ عَلَى ابْنِ آدَمَ حِينَ يَغْضَبُ، وَرُدَّ الْغَضَبَ بِالْكَظْمِ، وَسَكِّنْهُ بِالتُّؤَدَةِ، وَإِيَّاكَ وَالْعَجَلَةَ، فَإِنَّكَ إِذَا عَجِلْتَ أَخْطَأْتَ حَظَّكَ، وَكُنْ سَهْلًا لَيِّنًا لِلْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ،وَلَاتَكُنْجَبَّارًاعَنِيدًا[14]. وعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَكْتُوبٌ فِي الْحِكَمِ: يَا دَاوُدُ، إِيَّاكَ وَشِدَّةَالْغَضَبِ،فَإِنَّشِدَّةَالْغَضَبِمُفْسِدَ ةٌلِفُؤَادِالْحَكِيمِ[15]. وقال الماورديّ:ذُكِرَ أنَّ فِي التَّوْرَاةِ مَكْتُوبًا: يَا ابْنَ آدَمَ، اذْكُرْنِي إِذَا غَضِبْتَ، أَذْكُرْكَ إِذَا غَضِبْتُ؛فَلَاأَمْحَقُكَفِيمَنْ أَمْحَقُ[16]. قال الغزاليّ -رحمه الله تعالى-: «ممّا يدلّ على أنّ الغضب من أخلاق النّاقصين: أنّ المريض أسرعُ غضبًا من الصّحيح، والمرأة أسرع غضبًا من الرّجل، والصّبيّ أسرع غضبا من الرّجل الكبير، وذا الخلق السّيّء والرّذائل القبيحة أسرعُ غضبا من صاحب الفضائل..»[17]. وقال -رحمه الله تعالى-: «حال القلب عند الغضب في الاضطراب أشدّ من حال السّفينة عند اضطراب الأمواج في لُجَّة البحر، إذْ في السفينة من يحتال لتسكينها وتدبيرها وسياستها، أمَّا القلب فهو صاحب السَّفينة، وقد سقطت حيلته بعد أن أعماه الغضب وأصمَّه، ولو رأى الغضبانُ في حالة غضبه قبح صورته لسكن غضبه حياء من قبح صورته واستحالة خلقته، وقبحُ الباطن أعظم من قبح الظاهر؛ فإنَّ الظَّاهر عنوان الباطن»[18]. وكان ابن المقنع - رحمه الله تعالى - يقول: كظم الغيظ أولى من ذل الاعتذار[19]. وقد قيل: «إيَّاك وعزَّةَ الغضب؛ فإنَّها تفضي إلى ذلِّ الاعتذار»[20]. وإذا ما اعتراك في الغضب العزّ ![]() ة فاذكر تذلُّل الاعتذار ![]() ذكر البخاري في تفسير قول الله -عز وجل-: ﴿ وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ﴾ [يونس:11]، قول مجاهد: أنّه قَوْلُ الْإِنْسَانِ لِوَلَدِهِ وَمَالِهِ إِذَا غَضِبَ: اللَّهُمَّ لَا تُبَارِكْ فِيهِ وَالْعَنْهُ، ﴿ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ﴾ [يونس:11]، لَأُهْلِكُ مَنْ دُعِيَ عَلَيْهِ وَلَأَمَاتَهُ[21]. إن النفوس إذا تنافر ودُّها ![]() مثل الزجاجة كسرها لا يجبرُ ![]() قال ﷺ «..فَمَا تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فِيكُمْ؟» قُلْنَا: الَّذِي لَا يَصْرَعُهُ الرِّجَالُ، قَالَ: «لَيْسَ بِذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ»[22]. فالشجاعة في قوة القلب وثباته، فلا يزعزعه قول جاهل، ولا فعل سفيه، ولا استفزاز معتوه، ولذلك مدحه النبي ﷺ بقوله: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ» قَالُوا: فَالشَّدِيدُ أَيُّمَ هُوَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ»[23]. وعند ابن حبان: «لَيْسَ الشَّدِيدُ مَنْ غَلَبَ [النَّاس] إِنَّمَا الشَّدِيدُ مَنْ غَلَبَ نَفْسَهُ»[24]. إن معظم حالات الخصومة، وتففك الأواصر، بل وجلُّ حالات الطلاق إنما هي بسبب الغضب وفي حينه، ثم تمزق الأسرة شذر مذر، ويضيع الأبناء، بسبب غضب لحظة. والموفق من يقهر نفسه عن الغضب، ويتذكر حِلم الله عليه، ويعلم أن قدرة الله عليه أعظمُ من قدرته على الخلق, فيخشى عقابه، ويخاف بطشه وانتقامه. قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ –رضي الله عنه-: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي بِالسَّوْطِ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ خَلْفِي: «اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ»، فَلَمْ أَفْهَمِ الصَّوْتَ مِنَ الْغَضَبِ، قَالَ: فَلَمَّا دَنَا مِنِّي إِذَا هُوَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَإِذَا هُوَ يَقُولُ: «اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ»، قَالَ: فَأَلْقَيْتُ السَّوْطَ مِنْ يَدِي، فَقَالَ: «اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، أَنَّ اللهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الْغُلَامِ»، قَالَ: فَقُلْتُ: لَا أَضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبَدًا[25]. والمسلم مطالبٌ بكتمان غيظه، وإطفاء غضبه بما استطاع من تحلُّم وتصبّر، واستعاذة بالله من النفس والهوى والشيطان، ﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الأعراف:200]. قلت ما سمعتم وأستغفر الله. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |