|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() ما انتقد على «الصحيحين» ورجالهما، لا يقدح فيهما، ولا يقلل من شأنهما د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر الحمد لله. إنَّ انتقادَ بعضِ الأئمةِ لعددٍ يسيرٍ من أحاديث «الصحيحين» لا يُنافي القولَ بتلقِّي الأمة لهما بالقبول؛ إذ إن حكايةَ الإجماع على تلقِّي الأمة لهما لا تقتضي دعوى الاتفاق على صحة كل حديث فيهما على وجه الانفراد. فهناك فرق واضح بين التلقي العام الذي حازاه، وبين القول بعدم وجود خلافٍ في كل حديث بعينه. ومَنْ حكى الإجماعَ على صحة أحاديث «الصحيحين»، فإنما يُراد بذلك ما لم يُنتقَد منها، وهو الأكثر الأغلب، لا دعوى أن كل ما ورد فيهما مقطوع بصحته من غير خلاف؛ ولهذا قيَّد العلماء هذا الإجماعَ بما سَلِم من النقد، وهي مواضع يسيرة معدودة لا تؤثر في الأصل العام. وقد نصَّ على هذا التقييد جماعة من أهل العلم؛ كابن الصلاح والنووي وابن حجر، مبينين أن الأصل في «الصحيحين» هو القَبول، وأن ما وُجِّه إليه النقد لا يُخرجهما عن مكانتهما العالية في الأمة، ولا يُنافي تواتر الاعتماد عليهما عبر القرون. قال ابن تيمية: جمهورُ متون «الصحيحين» متفَقٌ عليها بين أئمة الحديث، تلقَّوْها بالقَبُول، وأجمعوا عليها، وهم يعلمون علمًا قطعيًّا أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها[1]. ويتضح ذلك إذا عرفت أن الدارَقُطْنَي- وهو من كبار الأئمة- تتَبَّع أحاديث «الصحيحين»، فلم ينتقد منها إلا القليل جدًّا بالنسبة إلى عدد أحاديثهما؛ ففي كتابه: «التتبُّع» أعَلَّ نحو مائتَي حديث من سبعة آلاف حديث تقريبًا، فضلًا عن أن عددًا من تلك الأحاديث لم يكن المقصود عدم ثبوت متونها أصلًا، وينبغي أن يُعلَمَ أن الأحاديث المنتقدة في «الصحيحين»- مع قِلَّتِها - لا تخلو: إما أن تكون أصلًا في الباب، وإما ألَّا تكون: فإن لم تكن أصلًا في الباب، فإن انتقادها لا يقدح في ثبوت أصل المتن؛ لأنه ثابت في الأصول من غير ذلك الطريق. وإن لم تكن الأحاديثُ المنتقدةُ أصلًا في الباب، فلا يخلو: إما أن تكون: العلة قادحة، وإما ألا تكون: فإن لم تكن العلة قادحة، فلا تؤثر في ثبوت الحديث؛ كما في اختلاف الروايات في سعر جمل جابر. وأما إن كانت العلة قادحة، فلا يخلو من احتمالات ثلاثة: إما ألَّا تثبت العلة، وإما أن تثبت، وإما ألا يترجَّح أحد الوجهين: فأما الاحتمال الأول- وهو عدم ثبوت العلة -: فتبقى تلك الأحاديث صحيحة ثابتة ولا إشكال، وربما لا يتبين الأمر لمن لم يكن متمكِّنًا في علم العِلَل. وأما الاحتمال الثاني- وهو احتمال ثبوت العلة -: فهذا ترجيحُ لا يمكن معه الجزمُ بصوابِ الناقد، بل ربما قد يتعذَّر؛ ذلك لأن الشيخين مِن أئمة النقد، ومِن أهل الاجتهاد، وإنْ وُجِدَ هذا الاحتمال، فهو قليل جِدًّا لا يكاد يذكر، بل ربما بحث الناقد، وأطال النظر، فتراجع عن نقده. وأما الاحتمال الثالث- وهو كون الأمر متردِّدًا بين قولين يصعُبُ معه الترجيح بينهما-: فهذا لا يسوِّغُ القدحَ في الحديث ولا ردَّه؛ وذلك لسلامة منهج الشيخين واعتدالهما وموافقتهما لمنهج أكثر الأئمة. وبناءً على ما سبق من احتمال: فإن الأحاديث التي انتقدها بعض أهل العلم على «الصحيحين»، لا تَقْدَحُ فيهما، بل كانت نتيجتها عكس ما أوهَمَهُ المخالفون؛ وذلك لأمور يمکن إجمالها فیما يلي: • بالرغم من تتبُّع كبار الأئمة لأحاديث الصحيحين، فلم ينتقدوا منها إلا القليلَ جِدًّا بالنسبة إلى عدد أحاديثهما، والتي بلغت قرابة سبعة آلاف حدیث بدون المكرَّر. • بعض تلك الأحاديث ليست مِن أحاديثِ الأصول. • بعض أحاديث الأصول ليست عللها قادحة. • ما كان متردَّدًا فيه، فاحتمالُ صواب الشيخين فيه كبيرٌ؛ لكونهما من كبار أئمة النقد. • ما ترجَّح فيه صواب الناقد لهما، فإنما هو ترجيحٌ، وليس بحكم قاطع في وهم الشيخين، ولربَّما تراجع الناقد عن نقده. ومثلُ ذلك يقال عن رجال الشيخَيْنِ الذين تُكُلِّمَ فيهم، فجَرْحُهم لا يسَوِّغُ القدح في «الصحيحين»؛ وذلك لأن الشيخين سلَكا منهجًا واضحًا مبنيًّا على قواعد سليمة في الرواية، يمكن إجماله فیما يلي: • إذا كان الراوي مجمعًا على ترك حديثه أو الأكثرُ على ذلك، فإنهما لا يخرِّجان حديثه. • إذا كان الراوي من شيوخهما، وقد اختُلِفَ فيه، فلا إشكال حينئذٍ؛ لأن الشيخين أعرف بحديثه؛ فيخرِّجانِ ما صَحَّ منها، ویُعْرضانِ عمَّا سواه، فلا إشكال حينئذٍ. • إذا لم يكن الراوي من شيوخهما؛ لكونه متقدَّمَ الطبقة، وقد اختُلِفَ فيه؛ فبعضُ النُّقَّاد وثَّقه، وبعضُهم تكلَّم فيه، فإما أن يكون الجرح مفسَّرًا، وإما ألَّا يكون: • فإن لم يكن الجرحُ مفسَّرًا، فلا إشكال؛ لكونه من الجرح المردود. • وإن كان الجرحُ مفسَّرًا، فإنهما ينتقيان من أحاديث الرواة ما صَحَّ منها، مع الاحتياط والحرص وعدم الاحتجاج بأحاديث الضعفاء، والله تعالى أعلم. واعلم أن غالب انتقادات الأئمة للأحاديث الواقعة في الصحيحين أو أحدهما غير قادحةٍ؛ لأنها انتقاداتٌ إسناديةٌ راجعةٌ إلى الطعن في الرواة، أو أسانيد المرويات، بينما يكون الحديث ثابتًا من طرق أخرى أو يكون من صحيح حديث الراوي. قال ابن الصلاح عن انتقادات الدارقطني للإمام البخاري ومسلم: أكثر استدراكاته على الشيخين قدحٌ في أسانيدهما، غير مُخْرجٍ لمتون الحديث من حيز الصحة. وقال ابن حجر: الدارقطني وغيره من أئمة النقد لم يتعرضوا لاستيفاء ذلك- أي: نقد متن الحديث المروي في الصحيحين- من الكتابين كما تعرضوا لذلك في الإسناد. وهذه الانتقادات الإسنادية لها عدة صورٍ: • تعليل بعض الأئمة عددًا من الأحاديث بأن فيها فلانًا وهو مختلطٌ، أو مدلسٌ، وتبين من خلال تتبُّع الطرق أن صاحبي «الصحيحين» أو غيرهما خرجوه من طريق من سمع من المختلط قبل الاختلاط، أو صرح المدلس بالسماع ونحو ذلك. • أن كثيرًا من هذه الانتقادات الوهم فيها يسير جدًّا؛ كانتقادهم لاسم راوٍ وهم فيه الشيخان أو أحدهما، مع تصحیحهما من ذلك الطريق، لكن بالاسم الصحيح الذي ذكروه. • أن أكثر هذه الأحاديث المنتقدة قد صحت من طرق أخرى، إما عند الشيخين أو عند غيرهما. ومن أجل ذلك قال ابن حجر في تعريف الحديث الصحيح: وينبغي أن يزاد في التعريف بالصحيح فيقال: هو الحديث الذي يتصل إسناده بنقل العدل التام الضبط أو القاصر عنه إذا اعتضد عن مثله إلى منتهاه، ولا يكون شاذًّا ولا معلَّلًا، وإنما قلت ذلك لأنني اعتبرت كثيرًا من أحاديث «الصحيحين» فوجدتها لا يتم الحكم عليها بالصحة إلا بذلك. • أن الأحاديث المنتقدة في «الصحيحين» عمومًا، وفي «صحيح البخاري» على وجه الخصوص قلیلةٌ جدًّا. قال ابن الصلاح: ما انفرد به البخاري أو مسلم مندرج في قبيل ما يقطع بصحته لتلقي الأمة كل واحد من كتابيهما بالقبول على الوجه الذي فصلناه من حالهما فيما سبق، سوى أحرف يسيرة تكَلَّم عليها بعض أهل النقد من الحُفَّاظ، كالدارقطني وغيره، وهي معروفة عند أهل هذا الشأن. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية عن «صحيح البخاري»: إنه أبعد الكتابين عن الانتقاد، ولا يكاد يروي لفظًا فيه انتقاد إلا ويروي اللفظَ الآخرَ الذي يبين أنه منتقد، فما في كتابه لفظ منتقد إلا وفي كتابه ما يبين أنه منتقد، وفي الجملة مَن نَقَد سبعةَ آلاف درهم، فلم يرج عليه فيها إلا دراهم يسيرة، ومع هذا فهي مغيرة ليست مغشوشة محضة، فهذا إمام في صنعته. فلو نظرنا إلى الأحاديث التي انتقدها الدارقطني في «صحيح البخاري» و«مسلم»، لوجدناها تنقسم إلى ثلاثة أقسام، هي: القسم الأول: المتفق على نقده، وهي الأحاديث التي أعَلَّها الدارقطني، وقد أشار الإمام البخاري أو مسلم إلى علتها في كتابيهما بما يفهمه أهلُ المعرفة، وفي كثير منها يذكر الدارقطني الخلاف ولا يحكم بشيء. القسم الثاني: الذي انتقده الدارقطني ويترجح فيه قول الشيخين. القسم الثالث: الذي انتقده الدارقطني ويترجح فيه قوله. ولو قيست هذه الأحاديث التي يترجح فيها قول الدارقطني بمجموع أحاديث الصحيحين فإنها لا تتجاوز نسبة (١٪)، وهي نسبةٌ ضئيلةٌ جدًّا، وهي مما يؤكد صحة هذين الكتابين. قال ابن الوزير: اعلم أن المختلف فيه من حديثهما هو اليسير، وليس في ذلك اليسير ما هو مردود بطريق قطعية ولا إجماعية، بل غاية ما فيه أنه لم ينعقد عليه الإجماع، وأنه لا يعترض على من عمل به، ولا على من توقف في صحته، وليس الاختلاف يدل على الضعف ولا يستلزمه، فليس مجرد ذكر الاختلاف بضائر للثقات من رجال الصحيحين، ولا مشعر بضعف حديثهم، وإنما الحجة في الإجماع لا في الخلاف، والإجماع لم ينعقد على ضعف شيء فيهما، وإنما انعقد على صحَّتهما إلا ما لا نسبة له إلى ما فيهما من الصحيح، فإنه وقع فيه الاختلاف الذي هو ليس بحجة على الضعف ولا على الصحة؛ إذ لو دلَّ على شيء لم يكن بأن يدل على الضعف أولى من أن يدل على الصحة؛ إذ كل منهما قد قال به قائل، بل يكون القائل بالصحة أولى لأنه مثبت، والمضعف للحديث إذا لم يبين سبب التضعيف ناف، والمثبت أولى من النافي. وهذا قريب من تقرير ابن حجر، حيث قال: الجواب عنه على سبيل الإجمال أن نقول: لا ريب في تقديم البخاري ثم مسلم على أهل عصرهما ومن بعده من أئمة هذا الفن في معرفة الصحيح والمعلل، فإذا عرف وتقرر أنهما لا يخرجان من الحديث إلا ما لا علة له، أو له علة إلا أنها غير مؤثرة عندهما، فبتقدير توجيه كلام من انتقد عليهما يكون قوله معارضًا لتصحيحهما، ولا ريب في تقديمهما في ذلك على غيرهما؛ فيندفع الاعتراض من حيث الجملة. [1] «مجموع الفتاوى» (1/ 257).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |