|
هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء السادس عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف الحلقة (870) صــ 131 إلى صــ 140 وقرأ بعضهم: "وَفِيهِ يُعْصَرُونَ" ، بمعنى: يمطرون. وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها، لخلافها ما عليه قرأة الأمصار. * * * قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك أن لقارئه الخيارَ في قراءته بأي القراءتين الأخريين شاء، إن شاء بالياء، ردًّا على الخبر به عن "الناس" ، على معنى: فيه يُغاث الناس وفيه يَعْصرون أعنابهم وأدهانهم= وإن شاء بالتاء، ردًّا على قوله: (إلا قليلا مما تحصنون) ، وخطابًا به لمن خاطبه بقوله: (يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون) =لأنهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار باتفاق المعنى، وإن اختلفت الألفاظ بهما. وذلك أن المخاطبين بذلك كان لا شك أنهم إذا أغيثوا وعَصَروا، أغيث الناس الذين كانوا بناحيتهم وعصروا. وكذلك كانوا إذا أغيث الناس بناحيتهم وعصروا، أغيث المخاطبون وعَصَروا، فهما متفقتا المعنى، وإن اختلفت الألفاظ بقراءة ذلك. * * * وكان بعض من لا علم له بأقوال السلف من أهل التأويل، ممن يفسر القرآن برأيه على مَذهب كلام العرب، (1) يوجه معنى قوله: (وفيه يعصرون) إلى: وفيه ينجون من الجدب والقحط بالغيث، ويزعم أنه من "العَصَر" و "العُصْرَة" التي بمعنى المنجاة، (2) من قول أبي زبيد الطائي: صَادِيًا يَسْتَغِيثُ غَيْرَ مُغَاثٍ ... وَلَقَدْ كَانَ عُصْرَةَ المَنْجُودِ (3) (1) يعني أبا عبيدة معمر بن المثنى، فهو قائل ذلك في كتابه مجاز القرآن 1: 313، 314. (2) في المطبوعة والمخطوطة (من العصر والعصر) التي بمعنى المناجاة، والصواب من مجاز القرآن لأبي عبيدة. (3) أمالي اليزيدي: 8، وجمهرة أشعار العرب: 138، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 313 واللسان (نجد) و (عصر) ، وغيرها، من قصيدة رثى بها أخاه اللجلاج، وكان مات عطشًا في طريق مكة. يقول قبله، وهو من جيد الشعر: كُلَّ مَيْتٍ قَدِ اغْتَفَرَتُ فَلاَ أَجْـ ... ـزَعُ مِنْ وَالِدٍ وَلاَ مَوْلُودِ غَيْرَ أَنَّ اللّجْلاجَ هَدَّ جَنَاحِي ... يَوْمَ فَارَقْتُهُ بِأَعْلَى الصَّعِيدِ فِي ضَرِيحٍ عَلَيْهِ عِبْءٌ ثَقِيلٌ ... مِنْ تُرَابٍ وَجَنْدَلٍ مَنْضودِ عَنْ يَمِينِ الطَّرِيقِ عِنْدَ صَدٍ حَرَّ ... انَ يَدْعُو باللَّيْلِ غَيْرَ مَعُودِ و "المنجود" المكروب، والمقهور، والهالك، كله جيد. أي المقهور. ومن قول لبيد: فَبَاتَ وَأَسْرَى الْقَوْمُ آخِرَ لَيْلِهِمْ ... وَمَا كَانَ وقافًا بِغَيْرِ مُعَصَّرِ (1) وذلك تأويل يكفي من الشهادة على خطئه خلافه قول جميع أهل العلم من الصحابة والتابعين. * * * وأما القول الذي رَوَى الفرج بن فضالة، عن علي بن أبي طلحة، (2) فقولٌ لا معنى له، لأنه خلاف المعروف من كلام العرب، وخلاف ما يعرف من قول ابن عباس. * * * (1) ديوانه، القصيدة 14، بيت رقم: 12، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 295، 314، واللسان (عصر) ، وغيرها، من قصيدة ذكر فيها من هلك من قومه، وهذا البيت من ذكر قيس بن جزء ابن خالد بن جعفر، وكان خرج غازيًا فظفر، فلما رجع مات فجأه على ظهر فرسه، بات على فرسه ربيئة لأصحابه، وعليه الدرع، فهرأه البرد فقتله. ففي ذلك يقول لبيد: وقيسُ بن جَزْءٍ يَوْمَ نَادَى صِحَابَهُ ... فَعَاجُوا عَلَيْهِ مِنْ سَوَاهِمَ ضمَّرِ طَوَتْهُ المَنَايَا فَوْقَ جَرْدَاءَ شَطْبَةٍ ... تَدِفُّ دَفِيفَ الطَّائحِ المُتَمَطِّرِ فَبَات ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . يقول: نادى صحابه، فعطفوا عليه خيلا قد لوحها السفر وهزلها، وقد أخذته يد الموت وهو على ظهر فرسه الجرداء الطويلة، "تدف" ، أي تطير طيرانًا كما يفعل الطائر وهو قريب من وجه الأرض، و "الرائح المتمطر" ، وهو الطائر الذي يؤوب إلى فراخه، طائرًا في المطر، هاربًا منه، فذلك أسرع له. يقول: فبات عليها هلكًا، وسار أصحابه، ولم يتأخر عنهم إلا لأمر أصابه. ورواية الديوان: "بدار معصر" ، وذكر الرواية الأخرى. (2) انظر رقم: 19391. القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلما رجع الرسول الذي أرسلوه إلى يوسف، الذي قال: (أنا أنبئكم بتأويله فارسلون) فأخبرهم بتأويل رؤيا الملك عن يوسف = علم الملك حقيقة ما أفتاه به من تأويل رؤياه وصحة ذلك، وقال الملك: ائتوني بالذي عبَر رؤياي هذه. كالذي:- 19392 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: فخرج نبو من عند يوسف بما أفتاهم به من تأويل رؤيا الملك حتى أتى الملك، فأخبره بما قال، فلما أخبره بما في نفسه كمثل النهار، (1) وعرف أن الذي قال كائن كما قال، قال: "ائتوني به" . 19393 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي قال: لما أتى الملك رسوله قال: "ائتوني به" . * * * وقوله: (فلما جاءه الرسول) ، يقول: فلما جاءه رسول الملك يدعوه إلى الملك = (قال ارجع إلى ربك) ، يقول: قال يوسف للرسول: ارجع إلى سيدك (2) (فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن) ؟ وأبى أن يخرج مع الرسول وإجابةَ الملك، حتى يعرف صحّة أمره عندهم مما كانوا قرفوه به من شأن النساء، (3) فقال للرسول: سل الملك ما شأن النسوة اللاتي قطعن أيديهن، والمرأة التي سجنت بسببها؟ كما:- (1) في المطبوعة: "بمثل النهار" ، وهي في المخطوطة سيئة الكتابة، والصواب ما أثبت. (2) انظر تفسير "الرب" فيما سلف ص: 107، تعليق: 1، والمراجع هناك. (3) في المطبوعة: "قذفوه" ، وأثبت الصواب من المخطوطة. "قرفه بالشيء" ، اتهمه به. 19394 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن) ، والمرأة التي سجنت بسبب أمرها، عما كان من ذلك. 19395 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي قال: لما أتى الملك رسوله فأخبره، قال: (ائتوني به) ، فلما أتاه الرسول ودعاه إلى الملك، أبى يوسف الخروجَ معه = (وقال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن) الآية. قال السدي، قال ابن عباس: لو خرج يوسف يومئذ قبل أن يعلمَ الملك بشأنه، ما زالت في نفس العزيز منه حاجَةٌ! يقول: هذا الذي راود امرأته. 19396 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن رجل، عن أبي الزناد، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يرحم الله يوسف إن كان ذا أناة! لو كنت أنا المحبوس ثم أرسل إليَّ لخرجت سريعًا، إن كان لحليمًا ذا أناة! (1) 19397- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن بشر قال، حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو لبثت في السجن ما لبث يوسف، ثم جاءني الداعي لأجبته، إذ جاءه الرسول فقال: (ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن) الآية. (2) (1) الأثر: 19396 - هذا حديث ضعيف الإسناد، لإبهام الرجل الذي حدث عن أبي الزناد. (2) الأثر: 19397 - حديث محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، رواه أبو جعفر من ثلاث طرق، هذا، والذي يليه، ورقم: 19401، 19402. و "محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي" ، ثقة، روى له الجماعة، مضى برقم: 12822، وغيرها قبله وبعده. ومن طريق محمد بن عمرو، ورواه أحمد في مسند أبي هريرة، ونقله بإسناده ولفظه ابن كثير في تفسيره 4: 448، قال: "حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة" . ولم أوفق لاستخراجه من المسند، لطول مسند أبي هريرة. وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 7: 40، وقال: "قلت: له حديث في الصحيح غير هذا - رواه أحمد، وفيه محمد بن عمرو، وهو حسن الحديث" . 19398- حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال،أخبرني سليمان بن بلال، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بمثله. (1) 19399- حدثنا زكريا بن أبان المصريّ قال، حدثنا سعيد بن تليد قال، حدثنا عبد الرحمن بن القاسم قال، حدثني بكر بن مضر، عن عمرو بن الحارث، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب قال، أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، وسعيد بن المسيب، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي. (2) 19400- حدثني يونس قال،أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وسعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بمثله (3) . 19401- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عفان بن مسلم قال، حدثنا (1) الأثر: 19398 - مكرر الذي قبله. "سليمان بن بلال التيمي" ، ثقة روى له الجماعة، مضى مرارًا، آخرها رقم: 11503. (2) الأثر: 19399: زكريا بن أبان المصري "، هو" زكريا بن يحيى بن أبان المصري "، شيخ الطبري، وسلف برقم: 5973، 12803، وانظر ما كتبته عن الشك في أمره هناك. وكان في المطبوعة:" المقرئ "، فكان" المصري "، لم يحسن قراءة المخطوطة." وهذا الخبر صحيح الإسناد، رواه البخاري في صحيحه (الفتح 8: 277) ، عن سعيد بن تليد، بمثله مطولا، وانظر التعليق التالي. (3) الأثر: 19400 - هذه طريق أخرى للأثر السالف. ومن هذه الطريق رواه البخاري في صحيحه مطولا (الفتح 6: 293 - 295) ، واستقصى الحافظ شرحه وتخريجه هناك. ورواه مسلم في صحيحه مطولا 2: 183 / 15: 122، 123. حماد، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرأ هذه الآية: (ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم) ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو كنت أنا، لأسرعت الإجابة وما ابتغيت العُذر. (1) 19402- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا حماد، عن ثابت، عن النبي صلى الله عليه وسلم = ومحمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قرأ: (ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن) ، الآية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو بعث إليَّ لأسرعت في الإجابة، وما ابتغيت العذر. (2) 19403 - حدثنا الحسن بن يحيى قال،أخبرنا عبد الرزاق قال،أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه، والله يغفر له حين سئل عن البقرات العجاف والسمان، ولو كنت مكانه ما أخبرتهم بشيء حتى أشترط أن يخرجُوني. ولقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه، والله يغفر له حين أتاه الرسول، ولو كنت مكانه لبادرتهم البابَ، ولكنه أراد أن يكون له العذر. (3) 19404- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة) ، أراد نبيُّ الله عليه السلام أن لا يخرج حتى يكون له العذر. 19405- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن (1) الأثر: 19401 - من هذه الطريق رواه أحمد في مسنده، وانظر التعليق على رقم: 19397. (2) الأثر: 19042 - هو حديث محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، كما بينته في رقم: 19397. (3) الأثر: 19403 - هذا حديث مرسل. ابن جريج، قوله: (ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن) ، قال: أراد يوسف العذر قبل أن يخرج من السجن. * * * وقوله: (إن ربي بكيدهن عليم) ، يقول: إن الله تعالى ذكره ذو علم بصنيعهن وأفعالهن التي فعلن، بي ويفعلن بغيري من الناس، لا يخفى عليه ذلك كله، وهو من ورَاء جزائهن على ذلك. (1) * * * وقيل: إن معنى ذلك: إن سيدي إطفير العزيز، زوج المرأة التي راودتني عن نفسي، ذو علم ببراءتي مما قرفتني به من السوء. (2) القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) } قال أبو جعفر: وفي هذا الكلام متروك، قد استغني بدلالة ما ذكر عليه عنه، وهو: "فرجع الرسول إلى الملك من عند يوسف برسالته، فدعا الملك النسوة اللاتي قطعن أيديهن وامرأة العزيز" فقال لهن: (ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه) ، كالذي:- 19406 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: فلما (1) انظر تفسير "الكيد" فيما سلف ص: 88، تعليق: 2، والمراجع هناك. = وتفسير "عليم" فيما سلف من فهارس اللغة (علم) . (2) في المطبوعة: "قذفتني به" ، والصواب من المخطوطة: أي: اتهمتني به. جاء الرسول الملك من عند يوسف بما أرسله إليه، جمع النسوة وقال: (ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه) ؟ * * * ويعني بقوله: (ما خطبكن) ، ما كان أمركن، وما كان شأنكن= (إذ راودتن يوسف عن نفسه) (1) = فأجبنه فقلن: (حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق) ، (2) تقول: الآن تبين الحق وانكشف فظهر، (أنا راودته عن نفسه) = وإن يوسف لمن الصادقين في قوله: (هي راودتني عن نفسي) . * * * وبمثل ما قلنا في معنى: (الآن حصحص الحق) ، قال أهل التأويل. *ذكر من قال ذلك: 19407 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (الآن حصحص الحق) ، قال: تبيّن. 19408 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (الآن حصحص الحق) ، تبيّن. 19409- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 19410- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 19411- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. (1) انظر تفسير "المراودة" فيما سلف ص: 86، تعليق: 1، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير "حاش الله" فيما سلف ص: 81 - 84. 19412 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (الآن حصحص الحق) ، الآن تبين الحق. 19413- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. 19414- حدثنا الحسن بن يحيى قال،أخبرنا عبد الرزاق قال،أخبرنا معمر، عن قتادة: (الآن حصحص الحق) ، قال: تبيّن. 19415- حدثنا الحسن بن محمد قال،حدثنا عمرو بن محمد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (الآن حصحص الحق) قال: تبين. 19416- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي، مثله. 19417- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال،أخبرنا جويبر، عن الضحاك، مثله. 19418- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: قالت راعيل امرأة إطفير العزيز: (الآن حصحص الحق) ، أي: الآن برز الحق وتبيَّن = (أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين) ، فيما كان قال يوسف مما ادّعَت عليه. 19419- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي قال: قال الملك: ائتوني بهن! فقال: (ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء) ، ولكن امرأة العزيز أخبرتنا أنها راودته عن نفسه، ودخل معها البيت وحلّ سراويله، ثم شدَّه بعد ذلك،، فلا تدري ما بدا له. فقالت امرأة العزيز: (الآن حصحص الحق) . 19420 - حدثني يونس قال،أخبرنا ابن وهب قال،قال ابن زيد، في قوله: (الآن حصحص الحق) ، تبين. * * * وأصل حَصحص: "حصَّ" ، ولكن قيل: "حصحص" ، كما قيل: (فَكُبْكِبُوا) ، [سورة الشعراء: 94] ، في "كبوا" ، وقيل: "كفكف" في "كف" ، و "ذرذر" في "ذرّ" . (1) وأصل "الحص" : استئصال الشيء، يقال منه: "حَصَّ شعره" ، إذا استأصله جزًّا. وإنما أريد في هذا الموضع بقوله: (حصحص الحق) ، (2) ذهب الباطل والكذب فانقطع، وتبين الحق فظهر. * * * القول في تأويل قوله تعالى: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52) } قال أبو جعفر: يعني بقوله: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب) ، هذا الفعل الذي فعلتُه، من ردّي رسول الملك إليه، وتركي إجابته والخروج إليه، ومسألتي إيّاه أن يسأل النسوة اللاتي قطَّعن أيديهن عن شأنهن إذ قطعن أيديهن، إنما فعلته ليعلم أني لم أخنه في زوجته= "بالغيب" ، يقول: لم أركب منها فاحشةً في حال غيبته عني. (3) وإذا لم يركب ذلك بمغيبه، فهو في حال مشهده إياه أحرى أن يكون بعيدًا من ركوبه، كما:- 19421- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال،يقول يوسف: (ذلك ليعلم) ، إطفير سيده = (أني لم أخنه بالغيب) ، أني لم أكن لأخالفه إلى أهله من حيث لا يعلمه. (1) في المخطوطة: "وردرد" ، في: رد، وكأن الصواب ما في المطبوعة. و "الذرذرة" ، تفريقك الشيء وتبديدك إياه. و "ذر الشيء" ، بدده. (2) في المطبوعة: أسقط قوله: "بقوله" . (3) انظر تفسير "الغيب" فيما سلف من فهارس اللغة (غيب) . ![]()
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء السادس عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف الحلقة (872) صــ 151 إلى صــ 160 قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وهكذا وطَّأنا ليوسف في الأرض (1) = يعني أرض مصر = (يتبوأ منها حيث يشاء) ، يقول: يتخذ من أرض مصر منزلا حيث يشاء، بعد الحبس والضيق (2) = (نصيب برحمتنا من نشاء) ، من خلقنا، كما أصبنا يوسف بها، فمكنا له في الأرض بعد العبودة والإسار، وبعد الإلقاء في الجبّ = (ولا نضيع أجر المحسنين) ، يقول: ولا نبطل جزاء عمل من أحسن فأطاع ربه، وعمل بما أمره، وانتهى عما نهاه عنه، كما لم نبطل جزاء عمل يوسف إذ أحسن فأطاع الله. (3) * * * وكان تمكين الله ليوسف في الأرض كما:- 19459 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: لما قال يوسف للملك: (اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) قال الملك: قد فعلت! فولاه فيما يذكرون عمل إطفير وعزل إطفير عما كان عليه، يقول الله: (وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء) ، الآية. قال: فذكر لي، والله أعلم أن إطفير هَلَك في تلك الليالي، وأن الملك الرَّيان بن الوليد، زوَّج يوسف امرأة إطفير راعيل، وأنها حين دخلت عليه قال: أليس هذا خيرًا مما كنت تريدين؟ قال: فيزعمون أنها قالت: أيُّها الصديق، لا تلمني، فإني كنت امرأة كما ترى حسنًا وجمالا ناعمةً في ملك ودنيا، وكان صاحبي لا يأتي النساء، وكنتَ كما جعلك الله في حسنك وهيئتك، فغلبتني نفسي على ما رأيت. فيزعمون أنه وجدَها عذراء، فأصابها، فولدت له رجلين: أفرائيم بن يوسف، وميشا بن يوسف. 19460 - حدثني ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي (1) انظر تفسير "التمكين" فيما سلف ص: 20، تعليق: 1، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير "تبوأ" فيما سلف 15: 198، تعليق: 3، والمراجع هناك. (3) انظر تفسير "الأجر" و "الإحسان" فيما سلف من فهارس اللغة (أجر) ، (حسن) (وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء) قال: استعمله الملك على مصر، وكان صاحب أمرها، وكان يلي البيعَ والتجارة وأمرَها كله، فذلك قوله: (وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء) . 19461 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال،قال ابن زيد في قوله: (يتبوأ منها حيث يشاء) قال: ملكناه فيما يكون فيها حيث يشاء من تلك الدنيا، يصنع فيها ما يشاء، فُوِّضَتْ إليه. قال: ولو شاء أن يجعَل فرعون من تحت يديه، ويجعله فوقه لفعل. 19462 - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو قال،أخبرنا هشيم، عن أبي إسحاق الكوفي، عن مجاهد قال: أسلم الملك الذي كان معه يوسف. * * * القول في تأويل قوله تعالى: {وَلأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولثواب الله في الآخرة= (خير للذين آمنوا) يقول: للذين صدقوا الله ورسوله، مما أعطى يوسف في الدنيا من تمكينه له في أرض مصر = (وكانوا يتقون) ، يقول: وكانوا يتقون الله، فيخافون عقابه في خلاف أمره واستحلال محارمه، فيطيعونه في أمره ونهيه. * * * * * * القول في تأويل قوله تعالى: {وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (58) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم) ، يوسف، (وهم) ليوسف (منكرون) لا يعرفونه. * * * وكان سبب مجيئهم يوسفَ، فيما ذكر لي، كما:- 19463 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما اطمأن يوسف في ملكه، وخرج من البلاء الذي كان فيه، وخلت السنون المخصبة التي كان أمرهم بالإعداد فيها للسنين التي أخبرهم بها أنها كائنة، جُهد الناس في كل وجه، وضربوا إلى مصر يلتمسون بها الميرة من كل بلدة. وكان يوسف حين رأى ما أصاب الناس من الجهد، قد آسى بينهم، (1) وكان لا يحمل للرجل إلا بعيرًا واحدًا، ولا يحمل للرجل الواحد بعيرين، تقسيطًا بين الناس، وتوسيعًا عليهم، (2) فقدم إخوته فيمن قدم عليه من الناس، يلتمسون الميرة من مصر، فعرفهم وهم له منكرون، لما أراد الله أن يبلغ ليوسف عليه السلام فيما أراد. (3) 19464- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي، قال: أصاب الناس الجوعُ، حتى أصاب بلادَ يعقوب التي هو بها، فبعث بنيه إلى مصر، وأمسك أخا يوسف بنيامين ; فلما دخلوا على يوسف عرفهم وهم له منكرون ; فلما نظر إليهم، قال: أخبروني ما أمركم، فإني أنكر شأنكم! قالوا: نحن قوم من أرض الشأم. قال: فما جاء بكم قالوا: جئنا نمتار طعامًا. قال: (1) في المطبوعة: "أسا بينهم" ، والصواب من المخطوطة. و "آسى بين القوم" ، سوى بينهم، وجعل كل واحد أسوة لصاحبه، أي مثله. (2) "التقسيط" التفريق، أعطى لكل امرئ قسطًا، وهو من العدل بينهم. (3) في المطبوعة: "ما أراد" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب محض. كذبتم، أنتم عيون، كم أنتم؟ قالوا: عشرة. قال: أنتم عشرة آلاف، كل رجل منكم أمير ألف، فأخبروني خبركم. قالوا: إنّا إخوة بنو رجل صِدِّيق، وإنا كنا اثنى عشر، وكان أبونا يحبّ أخًا لنا، وإنه ذهب معنا البرية فهلك منا فيها، وكان أحبَّنا إلى أبينا. قال: فإلى من سكن أبوكم بعده؟ قالوا: إلى أخ لنا أصغر منه. قال: فكيف تخبروني أن أباكم صدِّيق، وهو يحب الصغير منكم دون الكبير؟ ائتوني بأخيكم هذا حتى أنظر إليه (فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون) ، قال: فضعُوا بعضكم رهينة حتى ترجعوا. فوضعوا شمعون. 19465- حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وهم له منكرون) قال: لا يعرفونه. * * * القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزلِينَ (59) } قال أبو جعفر: يقول: ولما حمَّل يوسف لإخوته أبا عرهم من الطعام، فأوقر لكل رجل منهم بعيرَه، قال لهم: (ائتوني بأخ لكم من أبيكم) كيما أحمل لكم بعيرًا آخر، فتزدادوا به حمل بعير آخر، (ألا ترون أني أوفي الكيل) ، (1) فلا أبخسه (1) انظر تفسير "الإيفاء" فيما سلف 15: 492، تعليق: 1، والمراجع هناك. = وتفسير "الكيل" فيما سلف 15: 446، تعليق: 1، والمراجع هناك. أحدًا= (وأنا خير المنزلين) ، وأنا خير من أنزل ضيفًا على نفسه من الناس بهذه البلدة، فأنا أضيفكم. كما: 19466- حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وأنا خير المنزلين) ، يوسف يقوله: (1) أنا خيرُ من يُضيف بمصر. 19467- حدثني ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما جهز يوسف فيمن جهَّز من الناس، حَمَل لكل رجل منهم بعيرًا بعدّتهم، ثم قال لهم: (ائتوني بأخ لكم من أبيكم) ، أجعل لكم بعيرًا آخر، أو كما قال= (ألا ترون أني أوفي الكيل) ، أي: لا أبخس الناس شيئًا= (وأنا خير المنزلين) :، أي خير لكم من غيري، فإنكم إن أتيتم به أكرمت منزلتكم وأحسنت إليكم، وازددتم به بعيرًا مع عدّتكم، فإني لا أعطي كلّ رجل منكم إلا بعيرًا (فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون) ، لا تقربوا بلدي. 19468- حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (ائتوني بأخ لكم من أبيكم) ، يعني بنيامين، وهو أخو يوسف لأبيه وأمه. * * * القول في تأويل قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ (60) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل يوسف لإخوته: (فإن لم تأتوني به) ، بأخيكم من أبيكم= (فلا كيل لكم عندي) ، يقول: فليس لكم عندي طعام أكيله لكم= (ولا تقربون) ، يقول: ولا تقربوا بلادي. (1) في المطبوعة: "يوسف يقول" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو الصواب. وقوله: (ولا تقربون) ، في موضع جزم بالنهي، و "النون" في موضع نصب، وكسرت لما حذفت ياؤها، والكلام: ولا تقربُوني. * * * القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (61) وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال إخوة يوسف ليوسف إذ قال لهم: (ائتوني بأخ لكم من أبيكم) : (قالوا سنراود عنه أباه) ، ونسأله أن يخليّه معنا حتى نجيء به إليك (1) = (وإنا لفاعلون) يعنون بذلك: وإنا لفاعلون ما قلنا لك إنا نفعله من مراودة أبينا عن أخينا منه ولنجتهدنَّ كما:- 19469- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (وإنا لفاعلون) ، لنجتهدنّ. * * * وقوله: (وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم) ، يقول تعالى ذكره: وقال يوسف= "لفتيانه" ، وهم غلمانه، (2) كما:- 19470- حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وقال لفتيانه) ، أي: لغلمانه. * * * (اجعلوا بضاعتهم في رحالهم) ، يقول: اجعلوا أثمان الطعام التي أخذتموها منهم (3) = "في رحالهم" . (1) انظر تفسير "المراودة" فيما سلف ص: 138، تعليق: 1، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير "الفتى" فيما سلف ص: 94، تعليق: 1، والمراجع هناك. (3) انظر تفسير "البضاعة" فيما سلف ص 4 - 7 = و "الرحال" ، جمع "رَحْل" ، وذلك جمع الكثير، فأما القليل من الجمع منه فهو: "أرْحُل" ، وذلك جمع ما بين الثلاثة إلى العشرة. * * * وبنحو الذي قلنا في معنى "البضاعة" ، قال أهل التأويل. *ذكر من قال ذلك: 19471- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد، قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (اجعلوا بضاعتهم في رحالهم) : أي: أوراقهم (1) 19472- حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثم أمر ببضاعتهم التي أعطاهم بها ما أعطاهم من الطعام، فجعلت في رحالهم وهم لا يعلمون. 19473- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي قال: وقال لفتيته وهو يكيل لهم: "اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون" إليّ. * * * فإن قال قائل: ولأيّةِ علة أمر يوسف فتيانه أن يجعلوا بضاعة إخوته في رحالهم؟ قيل: يحتمل ذلك أوجهًا: أحدها: أن يكون خَشي أن لا يكون عند أبيه دراهم، إذ كانت السَّنة سنة جَدْب وقَحْط، فيُضِرُّ أخذ ذلك منهم به، وأحبّ أن يرجع إليه. = أو: أرادَ أن يتسع بها أبوه وإخوته، مع [قلّة] حاجتهم إليه، (2) فردَّه عليهم من حيث لا يعلمون سبب ردّه، تكرمًا وتفضُّلا. (1) "الأوراق" جمع "ورق" (بفتح فكسر) ، و "ورق" (بفتحتين) ، وهو الفضة، أو المال كله ما كان. (2) في المخطوطة: "وأراد" ، والصواب "أو" كما في المطبوعة. والذي بين القوسين ليس في المخطوطة أيضًا، فزدته استظهارًا، لحاجة المعنى إليه. والثالث: وهو أن يكون أراد بذلك أن لا يخلفوه الوعد في الرجوع، إذا وجدوا في رحالهم ثمن طعام قد قبضوه وملَكهُ عليهم غيرهم، عوضًا من طعامه، (1) ويتحرّجوا من إمساكهم ثمن طعام قد قبضوه حتى يؤدُّوه على صاحبه، فيكون ذلك أدعى لهم إلى العود إليه. * * * القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (63) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلما رجع إخوة يوسف إلى أبيهم= (قالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل) ، يقول: منع منا الكيل فوق الكيل الذي كِيلَ لنا، ولم يكل لكل رجُلٍ منّا إلا كيل بعير- (فأرسل معنا أخانا) ، بنيامين يكتلَ لنفسه كيلَ بعير آخر زيادة على كيل أباعِرِنا= (وإنا له لحافظون) ، من أن يناله مكروه في سفره. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. *ذكر من قال ذلك: 19474- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا: يا أبانا إن ملك مصر أكرمنا كرامةَ ما لو كان رجل من ولد يعقوب ما أكرمنا كرامته، وإنه ارتهن شمعون، وقال: ائتوني بأخيكم هذا (1) في المطبوعة: "عوضًا من طعامهم" ، وإنما فعل ذلك لأن معنى الكلام خفي عليه. وهو كلام بلا شك خفي المعنى، ومعناه: أن هذا الثمن قد ملكه غيرهم، وغلبهم على ملكه من أعطاهم هذا الطعام عوضًا عن الثمن. الذي عكف عليه أبوكم بعد أخيكم الذي هلك، فإن لم تأتوني به فلا تقربوا بلادي. قال يعقوب: (هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حافظًا وهو أرحم الراحمين) ؟ قال: فقال لهم يعقوب: إذا أتيتم ملك مصر فاقرءوه مني السلام، وقولوا: إن أبانا يصلِّي عليك، ويدعو لك بما أوليتنا. 19475-حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: خرجوا حتى قدموا على أبيهم، وكان منزلهم، فيما ذكر لي بعض أهل العلم بالعرَبات من أرض فلسطين بِغَوْرِ الشأم= وبعض يقول: بالأولاج من ناحية الشّعب، أسفل من حِسْمى (1) = وكان صاحب بادية له شاءٌ وإبل، فقالوا: يا أبانا، قدمنا على خير رجُلٍ، أنزلنا فأكرم منزلنا، وكال لنا فأوفانا ولم يبخسنا، وقد أمرنا أن نأتِيَه بأخ لنا من أبينا، وقال: إن أنتم لم تفعلوا، فلا تقربُنِّي ولا تدخلُنّ بلدي. فقال لهم يعقوب: (هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين) ؟ * * * واختلفت القرأة في قراءة قوله: (نكتل) . فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة، وبعض أهل مكة والكوفة (نَكْتَلْ) ، بالنون، بمعنى: نكتل نحن وهو. * * * وقرأ ذلك عامة قرأة أهل الكوفة: "يَكْتَلْ" ، بالياء؛ بمعنى يكتل هو لنفسه، كما نكتال لأنفسنا. * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان متفقتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيبٌ الصوابَ. وذلك أنهم إنما أخبروا أباهم أنه منع منهم زيادةَ الكيل على عدد رءوسهم، فقالوا: (يا أبانا مُنع منا الكيل) = ثم (1) في المخطوطة: "من حسو" ، والصواب ما في المطبوعة. سألوه أن يرسل معهم أخاهم ليكتال لنفسه، فهو إذا اكتال لنفسه واكتالوا هم لأنفسهم، فقد دخل "الأخ" في عددهم. فسواءٌ كان الخبر بذلك عن خاصة نفسه، أو عن جميعهم بلفظ الجميع، إذ كان مفهوما معنى الكلام وما أريد به. * * * القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال أبوهم يعقوب: هل آمنكم على أخيكم من أبيكم الذي تسألوني أن أرسله معكم إلا كما أمنتكم على أخيه يوسف من قبل؟ يقول: من قَبْلِه. * * * واختلفت القرأة في قراءة قوله: (فالله خير حافظا) . فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة وبعض الكوفيين والبصريين: (فَاللَّهُ خَيْرٌ حفِظًا) ، بمعنى: والله خيركم حفظًا. * * * وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين وبعض أهل مكة: (فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا) بالألف على توجيه "الحافظ" إلى أنه تفسير للخير، كما يقال: "هو خير رجلا" ، والمعنى: فالله خيركم حافظًا، ثم حذفت "الكاف والميم" . * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى قد قرأ بكل واحدة منهما أهل علمٍ بالقرآن، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وذلك أن من وصف الله بأنه خيرهم حفظًا فقد وصفه بأنه خيرهم حافظًا، ومن ![]()
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء السادس عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف الحلقة (873) صــ 161 إلى صــ 170 وصفه بأنه خيرهم حافظًا، فقد وصفه بأنه خيرهم حفظًا * * * = (وهو أرحم الراحمين) ، يقول: والله أرحم راحمٍ بخلقه، يرحم ضعفي على كبر سنِّي، ووحدتي بفقد ولدي، فلا يضيعه، ولكنه يحفظه حتى يردَّه عليَّ لرحمته. * * * القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنزدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولما فتح إخوة يوسف متاعَهم الذي حملوه من مصر من عند يوسف= (وجدوا بضاعتهم) ، وذلك ثمن الطعام الذي اكتالوه منه= رُدّت إليهم، (قالوا يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا) يعني أنهم قالوا لأبيهم: ماذا نبغي؟ هذه بضاعتنا ردت إلينا! تطييبًا منهم لنفسه بما صُنع بهم في ردِّ بضاعتهم إليهم. (1) * * * وإذا وُجِّه الكلام إلى هذا المعنى، كانت "ما" استفهامًا في موضع نصب بقوله: (نبغي) . * * * وإلى هذا التأويل كان يوجِّهه قتادة. 19476-حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (1) في المطبوعة: "ردت إليه" ، والجيد ما أثبت. (ما نبغي) يقول: ما نبغي وراء هذا، إن بضاعتنا ردت إلينا، وقد أوفى لنا الكيل. * * * وقوله: (ونمير أهلنا) ، يقول: ونطلب لأهلنا طعامًا فنشتريه لهم. * * * يقال منه: "مارَ فلانٌ أهلهَ يميرهم مَيْرًا" ، ومنه قول الشاعر: (1) بَعَثْتُكَ مَائِرًا فَمَكَثْتَ حَوْلا ... مَتَى يَأْتِي غِيَاثُكَ مَنْ تُغِيثُ * * * (ونحفظ أخانا) ، الذي ترسله معنا (ونزداد كيل بعير) ، يقول: ونزداد على أحمالنا [من] الطعام حمل بعير (2) يكال لنا ما حمل بعير آخر من إبلنا= (ذلك كيل يسير) ، يقول: هذا حمل يسير. كما:- 19477-حدثني الحارث، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج: (ونزداد كيل بعير) قال: كان لكل رجل منهم حمل بعير، فقالوا: أرسل معنا أخانا نزداد حمل بعير= وقال ابن جريج: قال مجاهد: (كيل بعير) حمل حمار. قال: وهي لغة= قال القاسم: يعني مجاهد: أن "الحمار" يقال له في بعض اللغات: "بعير" . 19478- حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ونزداد كيل بعير) ، يقول: حمل بعير. 19479- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (ونزداد كيل بعير) نَعُدّ به بعيرًا مع إبلنا= (ذلك كيل يسير) . * * * (1) لم أعرف قائله، ولم أجد البيت في مكان، وإن كنت أخالني أعرفه. (2) الزيادة بين القوسين يقتضيها السياق. القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال يعقوب لبنيه: لن أرسل أخاكم معكم إلى ملك مصر= (حتى تؤتون موثقًا من الله) ، يقول: حتى تعطون موثقًا من الله= بمعنى "الميثاق" ، وهو ما يوثق به من يمينٍ وعهد (1) (لتأتنني به) يقول لتأتنني بأخيكم= (إلا أن يحاط بكم) ، يقول: إلا أن يُحيط بجميعكم ما لا تقدرون معه على أن تأتوني به. (2) * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. *ذكر من قال ذلك: 19480- حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فلما آتوه موثقهم) ، قال: عهدهم. 19481- حدثني المثنى قال: أخبرنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. 19482- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (إلا أن يحاط بكم) :، إلا أن تهلكوا جميعًا. 19483- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد= (1) انظر تفسير "الميثاق" فيما سلف 14: 82، تعليق: 1، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير "الإحاطة" فيما سلف 15: 462، تعليق: 1، والمراجع هناك. 19484- قال، وحدثنا إسحاق، قال: أخبرنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 19485- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: (إلا أن يحاط بكم) ، قال: إلا أن تغلَبوا حتى لا تطيقوا ذلك. 19486- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قوله: (إلا أن يحاط بكم) :، إلا أن يصيبكم أمرٌ يذهب بكم جميعًا، فيكون ذلك عذرًا لكم عندي. * * * وقوله: (فلما آتوه موثقهم) ، يقول: فلما أعطوه عهودهم= "قال" ، يعقوب: (الله على ما نقول) ، أنا وأنتم= (وكيل) ، يقول: هو شهيد علينا بالوفاء بما نقول جميعًا. (1) * * * القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال يعقوب لبنيه لما أرادُوا الخروج من عنده إلى مصر ليمتاروا الطعام: يا بني لا تدخلوا مصر من طريق واحد، وادخلوا من أبواب متفرقة. (1) انظر تفسير "الوكيل" فيما سلف 15: 220، تعليق: 3، والمراجع هناك. * * * وذكر أنه قال ذلك لهم، لأنهم كانوا رجالا لهم جمال وهيأة، (1) فخاف عليهم العينَ إذا دخلوا جماعة من طريق واحدٍ، وهم ولد رجل واحد، فأمرهم أن يفترقوا في الدخول إليها. كما:- 19487- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا يزيد الواسطي، عن جويبر، عن الضحاك: (لا تدخلوا من بابٍ واحد وادخلوا من أبواب متفرقة) ، قال: خاف عليهم العينَ. 19488- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (يا بنيّ لا تدخلوا من باب واحد) خشي نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم العينَ على بنيه، كانوا ذوي صُورة وجَمال. 19489- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وادخلوا من أبواب متفرقة) ، قال: كانوا قد أوتوا صورةً وجمالا فخشي عليهم أنفُسَ الناس. 19490- حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة) ، قال: رهب يعقوب عليه السلام عليهم العينَ. 19491- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان، قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (لا تدخلوا من باب واحد) ، خشي يعقوب على ولده العينَ. 19492- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا زيد بن الحباب، عن أبي معشر، عن محمد بن كعب: (لا تدخلوا من باب واحد) ، قال: خشي عليهم العين. (1) في المطبوعة: "وهيبة" ، لأنها في المخطوطة: "وهمة" ، غير منقوطة، وستأتي كذلك بعد، وسأصححها دون أن أشير هذا التصحيح في سائر المواضع. 19493- ... قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي قال: خاف يعقوب صلى الله عليه وسلم على بنيه العين، فقال: (يا بني لا تدخلوا من باب واحد) . فيقال: هؤلاء لرجل واحدٍ! ولكن ادخلوا من أبواب متفرقة. 19494- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: لما أجمعوا الخروجَ= يعني ولد يعقوب= قال يعقوب: (يا بنيّ لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة) ، خشي عليهم أعين الناس، لهيأتهم، وأنهم لرجل واحدٍ. * * * وقوله: (وما أغني عنكم من الله من شيء) ، يقول: وما أقدر أن أدفع عنكم من قضاء الله الذي قد قضاه عليكم من شيء صغير ولا كبير، لأن قضاءه نافذ في خلقه (1) = (إن الحكم إلا لله) ، يقول: ما القضاء والحكم إلا لله دون ما سواه من الأشياء، فإنه يحكم في خلقه بما يشاء، فينفذ فيهم حكمه، ويقضي فيهم، ولا يُرَدّ قضاؤه= (عليه توكلت) ، يقول: على الله توكلت فوثقت به فيكم وفي حفظكم عليّ، حتى يردكم إليّ وأنتم سالمون معافون، لا على دخولكم مصر إذا دخلتموها من أبواب متفرقة= (وعليه فليتوكل المتوكلون) ، يقول: وإلى الله فليفوِّض أمورَهم المفوِّضون. (2) * * * (1) انظر تفسير "أغنى" فيما سلف 15: 472، تعليق: 1، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير "التوكل" فيما سلف 15: 545، تعليق: 1، والمراجع هناك. القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (68) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولما دخل ولد يعقوب (من حيث أمرهم أبوهم، وذلك دخولهم مصر من أبواب متفرقة= (ما كان يغني) ، دخولهم إياها كذلك= (عنهم) من قضاء الله الذي قضاه فيهم فحتمه، (من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها) ، إلا أنهم قضوا وطرًا ليعقوب بدخولهم لا من طريق واحد خوفًا من العين عليهم، فاطمأنت نفسه أن يكونوا أوتوا من قبل ذلك أو نالهم من أجله مكروه. كما:- 19495- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها) ، خيفة العين على بنيه. 19496- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 19497- ... قال: أخبرنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 19498- حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها) ، قال: خشية العين عليهم. 19499- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قوله: (إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها) ، قال: ما تخوَّف على بنيه من أعين الناس لهيأتهم وعِدّتهم. * * * وقوله: (وإنه لذو علم لما علمناه) ، يقولُ تعالى ذكره: وإن يعقوب لذو علم لتعليمنا إياه. * * * وقيل: معناه وإنه لذو حفظٍ لما استودعنا صدره من العلم. * * * واختلف عن قتادة في ذلك: 19500- فحدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وإنه لذو علم لما علمناه) : أي: مما علمناه. 19501- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن سفيان، عن ابن أبي عروبة عن قتادة: (وإنه لذو علم لما علمناه) ، قال: إنه لعامل بما عَلم. 19502- ... قال: المثنى قال إسحاق قال عبد الله قال سفيان: (إنه لذو علم) ، مما علمناه. وقال: من لا يعمل لا يكون عالمًا. * * * = (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) ، يقول جل ثناؤه: ولكن كثيرًا من الناس غير يعقوب، لا يعلمون ما يعلمه، لأنَّا حَرَمناه ذلك فلم يعلمه. * * * القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (69) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولما دخل ولد يعقوب على يوسف= (آوى إليه أخاه) ، يقول: ضم إليه أخاه لأبيه وأمه. (1) * * * وكان إيواؤه إياه، (2) كما:- 19503- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه) ، قال: عرف أخاه، فأنزلهم منزلا وأجرى عليهم الطعام والشراب. فلما كان الليلُ جاءهم بِمُثُل، فقال: لينم كل أخوين منكم على مِثَال. (3) فلما بقي الغلام وحده، قال يوسف: هذا ينام معي على فراشي. فبات معه، فجعل يوسف يشمُّ ريحه، ويضمه إليه حتى أصبح، وجعل روبيل يقول: ما رأيْنا مثل هذا! أريحُونا منه! 19504- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: لما دخلوا= يعني ولد يعقوب= على يوسف، قالوا: هذا أخونا الذي أمرتَنا أن نأتيك به، قد جئناك به. فذكر لي أنه قال لهم: قد أحسنتم وأصبتم، وستجدون ذلك عندي= أو كما قال. ثم قال: إني أراكم رجالا وقد أردت أن أكرمكم. ودعا [صاحب] (1) انظر تفسير "الإيواء" فيما سلف 15: 422، تعليق: 1، والمراجع هناك. (2) كان الكلام في المطبوعة هكذا: "وكل أخوه لأبيه" ، فلم يحسن قراءة المخطوطة، فجاء بكلام لا معنى له، وكان فيها: "وكل إيواوه إياه" غير منقوطة، وهذا صواب قراءته. (3) "المثال" (بكسر الميم) ، وجمعه "مثل" (بضمتين) ، وهو الفراش، وفي الحديث أنه دخل على سعد بن أبي وقاص، وفي البيت متاع رث ومثال رث أي: فراش خلق بال. ويقال: هو النمط الذي يفترش من مفارش الصوف الملونة. ضيافته. (1) فقال: أنزل كل رجلين على حدة، ثم أكرمهما، وأحسن ضيافتهما. ثم قال: إني أرى هذا الرجل الذي جئتم به ليس معه ثانٍ، فسأضمه إليّ، فيكون منزله معي. فأنزلهم رجلين رجلين في منازل شتَّى، وأنزل أخاه معه، فآواه إليه. فلما خلا به قال إني أنا أخوك، أنا يوسف، فلا تبتئس بشيء فعلوه بنا فيما مضى، فإن الله قد أحسن إلينا، ولا تعلمهم شيئًا مما أعلمتك. يقول الله: (ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون) . 19505- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ولما دخلوا على يوسف آوى الله أخاه) ، ضمه إليه، وأنزله، وهو بنيامين. 19506- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال: حدثني عبد الصمد بن معقل قال: سمعت وهب بن منبه يقول= وسئل عن قول يوسف: (ولما دخلوا على يوسف آوى الله أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون) =: كيف أصابه حين أخذ بالصُّواع، وقد كان أخبره [أنه] أخوه، (2) وأنتم تزعمون أنه لم يزل متنكرًا لهم يكايدهم حتى رجعوا؟ فقال: إنه لم يعترف له بالنسبة، ولكنه قال: (أنا أخوك) مكانَ أخيك الهالك= (فلا تبتئس بما كانوا يعملون) ، يقول: لا يحزنك مكانهُ. * * * وقوله: (فلا تبتئس) ، يقول: فلا تستكِنْ ولا تحزن. * * * (1) في المطبوعة "ودعا ضافته" ، ولا أجد لها وجهًا. وفي المخطوطة كما أثبتها، ولكنه لا يستقيم إلا بالذي زدته بين القوسين. (2) في المطبوعة والمخطوطة: "كيف أجابه حين أخذ بالصواع، وقد كان أخبره أخوه" ، ولعل الصواب ما أثبت، مع هذه الزيادة بين القوسين. ![]()
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء السادس عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف الحلقة (874) صــ 171 إلى صــ 180 وهو: "فلا تفتعل" من "البؤس" ، يقال منه: "ابتأس يبتئس ابتئاسًا" . (1) * * * وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. *ذكر من قال ذلك: 19507- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (فلا تبتئس) ، يقول: فلا تحزن ولا تيأس. 19508- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال، حدثني عبد الصمد قال: سمعت وهب بن منبه يقول: (فلا تبتئس) ، يقول: لا يحزنك مكانه. 19509- حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (فلا تبتئس بما كانوا يعملون) ، يقول: لا تحزن على ما كانوا يعملون. * * * قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذًا: فلا تحزن ولا تستكن لشيء سلف من إخوتك إليك في نفسك، وفي أخيك من أمك، وما كانوا يفعلون قبلَ اليوم بك. * * * (1) انظر تفسير "ابتأس" فيما سلف 15: 306، 307. القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70) } قال أبو جعفر: يقول: ولما حمّل يوسف إبل إخوته ما حمّلها من الميرة وقضى حاجتهم، (1) كما:- 19510- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة (1) انظر تفسير "التجهيز" و "الجهاز" فيما سلف ص: 154. قوله: (فلما جهزهم بجهازهم) ، يقول: لما قضى لهم حاجتهم ووفّاهم كيلهم. * * * وقوله: (جعل السقاية في رحل أخيه) ، يقول: جعل الإناء الذي يكيلُ به الطعام في رَحْل أخيه. * * * و "السقاية" : هي المشربة، وهي الإناء الذي كان يشرب فيه الملك ويكيلُ به الطعام. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. *ذكر من قال ذلك: 19511- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عفان قال: حدثنا عبد الواحد، عن يونس، عن الحسن: أنه كان يقول: "الصواع" و "السقاية" ، سواء، هو الإناء الذي يشرب فيه. 19512- ... قال: حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "السقاية" و "الصواع" ، شيء واحد،، كان يشرب فيه يوسف. 19513- ... قال، أخبرنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال "السقاية" : "الصواع" ، الذي يشرب فيه يوسف. 19514- حدثنا محمد بن الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (جعل السقاية) ، قال: مشربة الملك. 19515- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (السقاية في رحل أخيه) ، وهو إناء الملك الذي كان يشرب فيه. 19516- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير) وهي "السقاية" التي كان يشرب فيها الملك= يعني مَكُّوكه. 19517- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: (جعل السقاية) وقوله: (صواع الملك) ، قال: هما شيء واحد، "السقاية" و "الصواع" شيء واحد، يشرب فيه يوسف. 19518- حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان، قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (جعل السقاية في رحل أخيه) ، هو الإناء الذي كان يشرب فيه الملك. 19519- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (جعل السقاية في رحل أخيه) ، قال: "السقاية" هو "الصواع" ، وكان كأسًا من ذهب، فيما يذكرون. * * * قوله: (في رحل أخيه) ، فإنه يعني: في متاع أخيه ابن أمه وأبيه (1) وهو بنيامين. وكذلك قال أهل التأويل. *ذكر من قال ذلك: 19520- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (في رحل أخيه) أي: في متاع أخيه. * * * وقوله: (ثم أذّن مؤذن) ، يقول: ثم نادى منادٍ. (2) * * * وقيل: أعلم معلم. * * * = (أيتها العير) ، وهي القافلة فيها الأحمال= (إنكم لسارقون) . * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. (1) انظر تفسير "الرحل" فيما سلف ص: 157. (2) انظر تفسير "أذن" فيما سلف من فهارس اللغة (أذن) . *ذكر من قال ذلك: 19521- حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه) ، والأخ لا يشعر. فلما ارتحلوا أذّن مؤذن قبل أن ترتحل العير: (إنكم لسارقون) . 19522- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال، ثم جهزهم بجهازهم، وأكرمهم وأعطاهم وأوفاهم، وحمَّل لهم بعيرًا بعيرًا، وحمل لأخيه بعيرًا باسمه كما حمل لهم. ثم أمر بسقاية الملك= وهو "الصواع" ، وزعموا أنها كانت من فضة= فجعلت في رحل أخيه بنيامين. ثم أمهلهم حتى إذا انطلقوا وأمعنوا من القرية، أمر بهم فأدركوا، فاحتبسوا، ثم نادى مناد: (أيتها العير إنكم لسارقون) ، قفوا. وانتهى إليهم رسوله فقال لهم فيما يذكرون: ألم نكرم ضيافتكم، ونوفِّكم كيلكم، ونحسن منزلتكم، ونفعل بكم ما لم نفعل بغيركم، وأدخلناكم علينا في بيوتنا ومنازلنا؟ = أو كما قال لهم قالوا: بلى، وما ذاك؟ قال: سقاية الملك فقدناها، ولا نتَّهم عليها غيركم. (قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين) . * * * وقوله: (أيتها العير) ، قد بينا فيما مضى معنى "العير" ، وهو جمع لا واحد له من لفظه. (1) * * * وحكي عن مجاهد أن عير بني يعقوب كانت حميرًا. 19523- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله بن الزبير، عن سفيان، عن ابن جريح، عن مجاهد: (أيتها العير) ، قال: كانت حميرًا. 19524- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان (1) انظر ما سلف ص: 173. قال: حدثني رجل، عن مجاهد، في قوله: (أيتها العير إنكم لسارقون) ، قال: كانت العير حميرًا * * * القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ (71) قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال بنو يعقوب لما نودوا: (أيتها العير إنكم لسارقون) ، وأقبلوا على المنادي ومن بحضرتهم يقولون لهم: (ماذا تفقدون) ، ما الذي تفقدون؟ = (قالوا نفقد صواع الملك) ، يقول: فقال لهم القوم: نفقد مشربة الملك. * * * واختلفت القرأة في قراءة ذلك. فذكر عن أبي هريرة أنه قرأه: "صَاعَ المَلِكِ" ، بغير واوٍ، كأنه وجَّهه إلى "الصاع" الذي يكال به الطعام. * * * وروي عن أبي رجاء أنه قرأه: "صَوْعَ المَلِكِ" . * * * وروي عن يحيى بن يعمر أنه قرأه: "صَوْغَ المَلِكِ" ، بالغين، كأنه وجَّهه إلى أنه مصدر من قولهم: "صاغ يَصُوغ صوغًا" . * * * وأما الذي عليه قرأة الأمصار: فَـ (صُوَاعَ المَلِكِ) ، وهي القراءة التي لا أستجيز القراءة بخلافها لإجماع الحجة عليها. * * * و "الصواع" ، هو الإناء الذي كان يوسف يكيل به الطعام. وكذلك قال أهل التأويل. *ذكر من قال ذلك: 19525- حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في هذا الحرف: (صواع الملك) قال: كهيئة المكُّوك. قال: وكان للعباس مثله في الجاهلية يَشْرَبُ فيه 19526- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي= عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: (صواع الملك) ، قال، كان من فضة مثل المكوك. وكان للعباس منها واحدٌ في الجاهلية. 19527- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي= عن شريك، عن سماك، عن عكرمة في قوله: (قالوا نفقد صواع الملك) ، قال: كان من فضة. 19528- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير: أنه قرأ: (صواع الملك) ، قال وكان إناءه الذي يشرب فيه، وكان إلى الطول ما هو. 19529- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا سويد بن عمرو، عن أبي عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير: (صواع الملك) ، قال، المكوك الفارسي. 19530- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير قال، (صواع الملك) ، قال، هو المكوك الفارسيّ الذي يلتقي طرفاه، كانت تشرب فيه الأعاجم. 19531- ... قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن مغراء، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: (صواع الملك) ، قال، إناء الملك الذي كان يشرب فيه. 19532- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا يحيى= يعني ابن عباد= قال، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: (صواع الملك) ، مكّوك من فضة يشربون فيه. وكان للعباس واحدٌ في الجاهلية. 19533- حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (صواع الملك) ، إناء الملك الذي يشرب فيه. 19534- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا سعيد بن منصور قال، حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، في قوله: (صواع الملك) ، قال: هو المكوك الفارسي الذي يلتقي طرفاه. 19535- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قال، "الصواع" ، كان يشرب فيه يوسف. 19536- حدثنا محمد بن معمر البحراني قال، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال، حدثنا صدقة بن عباد، عن أبيه عن ابن عباس: (صواع الملك) ، قال، كان من نحاس. * * * وقوله: (ولمن جاء له حمل بعير) ، يقول: ولمن جاء بالصواع حمل بعير من الطعام، كما:- 19537- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ولمن جاء به حمل بعير) ، يقول: وقر بعير. 19538- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى: (حمل بعير) ، قال: حمل حمار= وهي لغة. (1) 19539- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال= 19540- وحدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (حمل بعير) قال: حمل حمار= وهي لغة. 19541- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 19542- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قال، قوله: (حمل بعير) قال، حمل حمار. * * * وقوله، (وأنا به زعيم) ، يقول: وأنا بأن أوفيّه حملَ بعير من الطعام إذا جاءني بصواع الملك كفيلٌ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. *ذكر من قال ذلك: 19543- حدثني علي قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (وأنا به زعيم) ، يقول: كفيل. 19544- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (وأنا به زعيم) ، "الزعيم" ، هو المؤذّن الذي قال: (أيتها العير) . 19545- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا (1) في المطبوعة والمخطوطة: "حمل طعام" ولا معنى له، والصواب ما أثبت، وهو تفسير لقوله: "بعير" ، انظر ما سلف ص: 162، رقم: 19477، 19478، 19523، 19524 وصوبت ذلك لقوله: "وهي لغة" لأنه زعموا ذلك لغة في الحمار، أما "الطعام" ، فلا يصح أن يكون فيه لغة يقال لها "بعير" ! . عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 19546- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. 19547- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن بكر، وأبو خالد الأحمر، عن ابن جريج قال: بلغني عن مجاهد، ثم ذكر نحوه. 19548- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا عبد الواحد بن زياد، عن ورقاء بن إياس، عن سعيد بن جبير: (وأنا به زعيم) ، قال: كفيل. 19549- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وأنا به زعيم) : أي: وأنا به كفيلٌ. 19550- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وأنا به زعيم) ، قال: كفيل. 19551- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن جويبر، عن الضحاك: (وأنا به زعيم) ، قال: كفيل. 19552- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك، فذكر مثله. 19553- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد: (وأنا به زعيم) ، قال: كفيل. 19554- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: قال لهم الرسول: إنه من جاءنا به فله حمل بعير، وأنا به كفيلٌ بذلك حتى أؤدّيه إليه. * * * ومن "الزعيم" الذي بمعنى الكفيل، قول الشاعر: (1) فَلَسْتُ بِآمِرٍ فِيهَا بِسَلْمٍ ... وَلَكِنِّي عَلَى نَفْسِي زَعِيمُ (2) وأصل "الزعيم" ، في كلام العرب: القائم بأمر القوم، وكذلك "الكفيل" و "الحميل" . ولذلك قيل: رئيس القوم زعيمهم ومدبِّرهم. يقال منه: "قد زَعُم فلان زعامة وزَعامًا" ، (3) ومنه قول ليلى الأخيلية: حَتَّى إذَا بَرَزَ اللِّوَاءُ رَأَيْتَهُ ... تَحْتَ اللِّوَاءِ عَلَى الخَمِيسِ زَعِيمَا (4) * * * القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (73) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال إخوة يوسف: (تالله) يعني: والله. * * * وهذه التاء في (تالله) ، إنما هي "واو" قلبت "تاء" كما فعل ذلك في "التوراة" وهي من "ورّيت" ، (5) و "التُّراث" ، وهي من "ورثت" ، و "التخمة" (1) هو حاجز بن عوف الأزدي السروي اللص الجاهلي، وفي مجاز القرآن لأبي عبيدة: "وقال المؤسى الأزدي" ، وأخشى أن يكون "المؤسى" تصحيف لنسبته، وهي "السروى" ، نسبة إلى "السرأة" وهي جبال الأزد. (2) مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 315، وبعد البيت، وفيه تمام معناه: بِغَزْوٍ مِثْلِ وَلْغِ الذِّئْبِ حَتَّى ... يَنُوءَ بِصَاحِبي ثَأْرٌ مُنِيمُ وهذا البيت في لسان العرب مادة (ولغ) ، منسوبًا لحاجز اللص. (3) قوله: "وزعامًا" ، هذا المصدر مما أغفلته معاجم اللغة، فليقيد في مكانه. (4) اللسان (زعم) وأمالي القالي 1: 248، وسمط اللآلئ 561، وتمام تخريجها هناك، من قصيدة لها تعرض فيها بابن الزبير، وقبل البيت: وَمُخَرَّقِ عَنْهُ القَمِيصُ تَخَالُه ... وَسْطَ البُيُوتِ مِنَ الحَياء سَقِيمَا. (5) في المطبوعة: "كما فعل ذلك في التورية، وهي من وريت" ، فأساء غاية الإساءة، فضلا عما فيه من الجهالة. والصواب من المخطوطة، و "التوراة" ، وهي التي أنزلها الله على موسى، قال الفراء في كتاب المصادر إنها "تفعلة" من "وريت" ، وجرت على لغة طئ، كقولهم في "التوصية" "توصاة" وفي "الجارية" "جاراة" . وقال البصريون: "التوراة" ، أصلها "فوعلة" ، مثل "الحوصلة" و "الدوخلة" وكل ما كان على "فوعلت" ، فمصدره "فوعلة" ، وقلبت الواو تاء، كما قلبت في "تولج" وأصلها "ولج" . ![]()
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء السادس عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف الحلقة (875) صــ 181 إلى صــ 190 وهي من "الوخامة" ، قلبت الواو في ذلك كله تاء، و "الواو" في هذه الحروف كلها من الأسماء، وليست كذلك في (تالله) ، لأنها إنما هي واو القسم، وإنما جعلت تاء لكثرة ما جرى على ألسن العرب في الأيمان في قولهم: "والله" ، فخُصَّت في هذه الكلمة بأن قلبت تاء. ومن قال ذلك في اسم الله فقال: "تالله" . لم يقل "تالرحمن" و "تالرحيم" ، ولا مع شيء من أسماء الله، ولا مع شيء مما يقسم به، ولا يقال ذلك إلا في "تالله" وحده. * * * وقوله: (لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض) ، يقول: لقد علمتم ما جئنا لنعصى الله في أرضكم. (1) * * * كذلك كان يقول جماعة من أهل التأويل. *ذكر من قال ذلك: 19555- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، في قوله: (قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض) ، نقول: ما جئنا لنعصى في الأرض. * * * فإن قال قائل: وما كان عِلْمُ من قيل له (2) (لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض) ، بأنهم لم يجيئوا لذلك، حتى استجاز قائلو ذلك أن يقولوه؟ قيل: استجازوا أن يقولوا ذلك لأنهم فيما ذكر ردُّوا البضاعة التي وجدوها (1) انظر تفسير "الفساد في الأرض" فيما سلف من فهارس اللغة (فسد) . (2) في المطبوعة: "وما كان أعلم من قيل له" ، وهو عبث وفساد، صوابه ما في المخطوطة. في رحالهم، فقالوا: لو كنا سُرَّاقًا لم نردَّ عليكم البضاعة التي وجدناها في رحالنا. وقيل: إنهم كانوا قد عُرِفوا في طريقهم ومسيرهم أنهم لا يظلمون أحدًا ولا يتناولون ما ليس لهم، فقالوا ذلك حين قيل لهم: (إنكم لسارقون) . * * * القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ (74) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال أصحاب يوسف لإخوته: فما ثواب السَّرَق إن كنتم كاذبين في قولكم (1) (ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين) ؟ = (قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه) .، يقول جل ثناؤه: وقال إخوة يوسف: ثواب السرق من وجد في متاعه السرق (فهو جزاؤه) ، (2) يقول: فالذي وجد ذلك في رحله ثوابه بأن يسلم بسَرِقته إلى من سرق منه حتى يستَرِقّه= (كذلك نجزي الظالمين) ، يقول: كذلك نفعل بمن ظلم ففعل ما ليس له فعله من أخذه مال غيره سَرَقًا. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. *ذكر من قال ذلك: 19556- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (فهو (1) "السرق" (بفتحتين) ، ومصدره فعل السارق. وسوف يسمى "المسروق" "سرقًا" ، بعد قليل، وهو صحيح في العربية جيد. وهكذا كان يقوله أئمة الفقهاء القدماء. (2) "السرق" (بفتحتين) ، ومصدره فعل السارق. وسوف يسمى "المسروق" "سرقًا" ، بعد قليل، وهو صحيح في العربية جيد. وهكذا كان يقوله أئمة الفقهاء القدماء. جزاؤه) ، أي: سُلِّم به= (كذلك نجزي الظالمين) ، أي: كذلك نصنع بمن سرقَ منَّا. 19557- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر قال، بلغنا في قوله: (قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين) ، أخبروا يوسف بما يحكم في بلادهم أنه من سرق أخذ عبدًا، فقالوا: (جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه) . 19558- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه) ، تأخذونه فهو لكم. * * * قال أبو جعفر: ومعنى الكلام: قالوا: ثوابُ السَّرَق الموجودُ في رحله= كأنه قيل: ثوابه استرقاق الموجود في رحله "، ثم حذف" استرقاق "، إذ كان معروفًا معناه. ثم ابتدئ الكلام فقيل: (هو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين) ." * * * وقد يحتمل وجهًا آخر: أن يكون معناه: قالوا ثوابُ السَّرق، الذي يوجدُ السَّرق في رحله، فالسارق جزاؤه= فيكون "جزاؤه" الأول مرفوعًا بجملة الخبر بعده، ويكون مرفوعًا بالعائد من ذكره في "هو" ، و "هو" مرافع "جزاؤه" الثاني. (1) * * * ويحتمل وجهًا ثالثًا: وهو أن تكون "مَنْ" جزاءً (2) وتكون مرفوعة بالعائد من ذكره في "الهاء" التي في "رحله" ، و "الجزاء" الأول مرفوعًا بالعائد من (1) في المطبوعة: "رافع" ، وأثبت ما في المخطوطة. وهذا الوجه الثاني مكرر في المخطوطة، كتب مرتين. (2) في المطبوعة: "جزائية" ، وهو تصرف معيب. ذكره في "وجد" ، ويكون جواب الجزاء "الفاء" في "فهو" . و "الجزاء" الثاني مرفوع ب "هو" ، فيكون معنى الكلام حينئذ: قالوا: جزاء السَّرق، من وجد السرق في رحله فهو ثوابه، يُستَرَقُّ ويُستعبَد. (1) * * * القول في تأويل قوله تعالى: {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ففتش يوسف أوعيتهم ورحالهم، طالبًا بذلك صواعَ الملك، فبدأ في تفتيشه بأوعية إخوته من أبيه، فجعل يفتشها وعاء وِعاءً قبل وعاء أخيه من أبيه وأمه، فإنه أخّر تفتيشه، ثم فتش آخرها وعاء أخيه، فاستخرج الصُّواع من وعاء أخيه. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. *ذكر من قال ذلك: 19559- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه) ، ذكر لنا أنه كان لا ينظر في وعاء إلا استغفر الله تأثمًا مما قذفهم به، حتى بقي أخوه، وكان أصغر القوم، قال: ما أرى هذا أخذ شيئًا! قالوا: بلى فاستبْرِهِ! (2) ألا وقد علموا حيث وضعوا سقايتهم (1) انظر معاني القرآن للفراء في تفسير هذه الآية، فقد ذكر هذه الوجوه بغير هذا اللفظ. (2) "بلى" ، انظر استعمالها في غير جواب الجحد فيما سلف، في التعليق على رقم: 16987، والمراجع هناك. وقوله "استبره" من "الاستبراء" سهلت همزتها، وأصله: واستبرئه، و "الاستبراء" طلب البراءة من الشيء، ما كان تهمة أو عيبًا أو قادحًا. = (ثم استخرجها من وعاء أخيه) . 19560- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: (فاستخرجها من وعاء أخيه) ، قال: كان كلما فتح متاعًا استغفر تائبًا مما صنع، حتى بلغ متاعَ الغلام، فقال: ما أظن هذا أخذ شيئًا! قالوا: بلى، فاستَبْره! 19561- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي قال، (فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه) ، فلما بقي رحل الغلام قال: ما كان هذا الغلام ليأخذه! قالوا: والله لا يترك حتى تنظر في رحله، لنذهب وقد طابت نفسك. فأدخلَ يده فاستخرجه من رحله. (1) 19562- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: لما قال الرسول لهم: (ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم) ، قالوا: ما نعلمه فينَا ولا معنَا. قال: لستم ببارحين حتى أفتّش أمتعتكم، وأعْذِر في طلبها منكم! فبدأ بأوعيتهم وعاء وعاءً يفتشها وينظر ما فيها، حتى مرّ على وعاء أخيه ففتشه، فاستخرجها منه، فأخذ برقبته، فانصرف به إلى يوسف. يقول الله: (كذلك كدنا ليوسف) . 19563- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: ذُكر لنا أنه كان كلما بَحَث متاع رجل منهم استغفر ربه تأثمًا، قد علم أين موضع الذي يَطْلُب! حتى إذا بقي أخوه، وعلم أن بغيته فيه، قال: لا أرى هذا الغلام أخذه، ولا أبالي أن لا أبحث متاعه! قال إخوته: إنه أطيبُ لنفسك وأنفسنا أن تستبرئ متاعه أيضًا. فلما فتح متاعه استخرج بغيته منه، قال الله: (كذلك كدنا ليوسف) . * * * (1) في المطبوعة: "فاستخرجها" ، وأثبت ما في المخطوطة. واختلف أهل العربية في الهاء والألف اللتين في قوله: (ثم استخرجها من وعاء أخيه) . فقال بعض نحويي البصرة: هي من ذكر "الصواع" ، قال: وأنّث وقد قال: (ولمن جاء به حمل بعير) ، لأنه عنى "الصواع" . قال، و "الصواع" ، مذكر، ومنهم من يؤنث "الصواع" ، وعني ههنا "السقاية" ، وهي مؤنثة. قال: وهما اسمان لواحد، مثل "الثوب" و "الملحفة" ، مذكر ومؤنث لشيءٍ واحدٍ. * * * وقال بعض نحويي الكوفة في قوله: (ثم استخرجها من وعاء أخيه) ، ذهب إلى تأنيث "السرقة" . قال: وإن يكن "الصواع" في معنى"الصاع (1) فلعل هذا التأنيث من ذلك. قال، وإن شئت جعلته لتأنيث السقاية. قال: و "الصواع" ذكر، و"الصاع "يؤنث ويذكر، فمن أنثه قال، ثلاث أصوُع، مثل ثلاث أدور، ومن ذكره قال" أصواع "، مثل أبواب." * * * وقال آخر منهم: إنما أنّث "الصواع" حين أنث لأنه أريدت به "السقاية" ، وذكّر حين ذكّر، لأنه أريد به "الصواع" . قال: وذلك مثل "الخوان" و "المائدة" ، و "سنان الرمح" و "عاليته" ، وما أشبه ذلك من الشيء الذي يجتمع فيه اسمان: أحدهما مذكر، والآخر مؤنث. * * * وقوله: (كذلك كدنا ليوسف) ، يقول: هكذا صنعنا ليوسف، (2) حتى يخلص أخاه لأبيه وأمه من إخوته لأبيه، بإقرارٍ منهم أن له أن يأخذه منهم ويحتبسه في يديه، ويحول بينه وبينهم. وذلك أنهم قالوا، إذ قيل لهم: (ما جزاؤه إن كنتم (1) في المطبوعة: "وإن لم يكن الصواع" ، زاد "لم" فأفسد الكلام، وإنما عنى أن "الصاع" يذكر ويؤنث، فمن أجل ذلك أنث "الصواع" . (2) انظر تفسير "الكيد" فيما سلف ص: 141، تعليق: 1، والمراجع هناك. كاذبين) : جزاءُ من سرق الصُّواع أن من وجد ذلك في رحله فهو مستَرَقٌّ به، وذلك كان حكمهم في دينهم. فكاد الله ليوسف كما وصف لنا حتى أخذ أخاه منهم، فصار عنده بحكمهم وصُنْعِ الله له. * * * وقوله: (ما كان ليأخذ أخا في دين الملك إلا أن يشاء الله) ، يقول: ما كان يوسف ليأخذ أخاه في حكم ملك مصر وقضائه وطاعته منهم، لأنه لم يكن من حكم ذلك الملك وقضائه أن يسترقّ أحد بالسَّرَق، فلم يكن ليوسف أخذ أخيه في حكم ملك أرضه، إلا أن يشاء الله بكيده الذي كاده له، حتى أسلم من وجد في وعائه الصواع إخوتُه ورفقاؤه بحكمهم عليه، وطابت أنفسهم بالتسليم. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. *ذكر من قال ذلك: 19564- حدثنا الحسن قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) ، إلا فعلة كادها الله له، فاعتلّ بها يوسف. 19565- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 19566- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (كذلك كدنا ليوسف) كادها الله له، فكانت علَّةً ليوسف. 19567- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله) ، قال: إلا فعلة كادها الله، فاعتلّ بها يوسف= قال حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: (كذلك كدنا ليوسف) ، قال، صنعنا. 19568- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (كذلك كدنا ليوسف) ، يقول: صنعنا ليوسف. 19569- حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (كذلك كدنا ليوسف) ، يقول: صنعنا ليوسف * * * واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) . فقال بعضهم: ما كان ليأخذ أخاه في سلطان الملك. *ذكر من قال ذلك: 19570- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) ، يقول: في سلطان الملك. 19571- حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ، يقول، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) ، يقول: في سلطان الملك. * * * وقال آخرون: معنى ذلك: في حكمه وقضائه. *ذكر من قال ذلك: 19572- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله) ، يقول: ما كان ذلك في قضاء الملك أن يستعبد رجلا بسرقة. 19573- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (في دين الملك) ، قال: لم يكن ذلك في دين الملك= قال: حكمه. 19574- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح محمد بن ليث المروزي، عن رجل قد سماه، عن عبد الله بن المبارك، عن أبي مودود المديني قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: (قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه) = (كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) ، قال: دين الملك لا يؤخذ به من سرق أصلا ولكن الله كاد لأخيه، حتى تكلموا ما تكلموا به، فأخذهم بقولهم، وليس في قضاء الملك. (1) 19575- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر قال: بلغه في قوله: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) ، قال: كان حكم الملك أن من سَرَق ضوعف عليه الغُرْم. 19576- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدى: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) ، يقول: في حكم الملك. 19577- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) :، أي: بظلم، ولكن الله كاد ليوسف ليضمّ إليه أخاه. 19578- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) ، قال: ليس في دين الملك أن يؤخذ السارق بسرقته. قال: وكان الحكم عند الأنبياء، يعقوب وبنيه، أن يؤخذ السارق بسرقته عبدًا يسترقّ. * * * (1) الأثر: 19574 - "محمد بن ليث المروزي" ، "أبو صالح" ، لم أجد له ترجمة في شيء من المراجع التي بين يدي. و "أبو مودود المديني" هو "عبد العزيز بن أبي سليمان الهذلي" ، كان قاصًا لأهل المدينة، كان من أهل النسك والفضل، وكان متكلمًا يعظ، ورأى أبا سعيد الخدري وغيره من الصحابة. ثقة، مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 384. قال أبو جعفر: وهذه الأقوال وإن اختلفت ألفاظ قائليها في معنى "دين الملك" ، فمتقاربة المعاني، لأن من أخذه في سلطان الملك عامله بعمله، فبرضاه أخذه إذًا لا بغيره، (1) وذلك منه حكم عليه، وحكمه عليه قضاؤه. * * * وأصل "الدين" ، الطاعة. وقد بينت ذلك في غير هذا الموضع بشواهده بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (2) * * * وقوله: (إلا أن يشاء الله) كما:- 19579- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (إلا أن يشاء الله) ، ولكن صنعنا له، بأنهم قالوا: (فهو جزاؤه) . 19580- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (إلا أن يشاء الله) إلا بعلة كادَها الله، فاعتلَّ بها يوسف. * * * وقوله: (نرفع درجات من نشاء) ، اختلفت القرأة في قراءة ذلك. فقرأه بعضهم: "نَرْفَعُ دَرَجَاتِ مَنْ نَشَاءُ" بإضافة "الدرجات" إلى "من" بمعنى: نرفع منازل من نشاء رفع منازله ومراتبه في الدنيا بالعلم على غيره، كما رفعنا مرتبة يوسف في ذلك ومنزلته في الدنيا على منازل إخوته ومراتبهم. (3) * * * وقرأ ذلك آخرون: (نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ) بتنوين "الدرجات" ، بمعني: نرفع (1) في المطبوعة: "فيريناه أخذه إذا لم يغيره" ، وهو كلام مختل لا معنى له، وهو في المخطوطة غير منقوط بعضه، وصواب قراءته إن شاء الله ما أثبت، وأساء الناسخ في كتابته، لأنه لم يحسن القراءة عن الأم التي نقل منها، فجعل "فبرضاه" "فيريناه" ، وجعل "لا" ، "لم" ، أما "بغيره" فهي غير منقوطة في المخطوطة. (2) انظر تفسير "الدين" فيما سلف 3: 571 / 6: 273، 274، وغيرها من المواضع في فهارس اللغة (دين) . (3) انظر تفسير "الدرجة" فيما سلف 14: 173، تعليق: 6، والمراجع هناك. ![]()
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء السادس عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف الحلقة (876) صــ 191 إلى صــ 200 من نشاء مراتب ودرجات في العلم على غيره، كما رفعنا يوسف. فـ "مَنْ" على هذه القراءة نصبٌ، وعلى القراءة الأولى خفض. وقد بينا ذلك في "سورة الأنعام" . (1) * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. *ذكر من قال ذلك: 19581- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريح قوله: (نرفع درجات من نشاء) ، يوسف وإخوته، أوتوا علمًا، فرفعنا يوسف فوقهم في العلم. * * * وقوله: (وفوق كل ذي علم عليم) ، يقول تعالى ذكره: وفوق كل عالم من هو أعلم منه، حتى ينتهي ذلك إلى الله. وإنما عنى بذلك أنّ يوسف أعلم إخوته، وأنّ فوق يوسف من هو أعلم من يوسف، حتى ينتهي ذلك إلى الله. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. *ذكر من قال ذلك: 19582- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو عامر العقدي قال، حدثنا سفيان، عن عبد الأعلى الثعلبي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنه حدّث بحديث، فقال رجل عنده: (وفوق كل ذي علم عليم) ، فقال ابن عباس: بئسما قلت! إن الله هو عليم، وهو فوق كل عالم. 19583- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي= عن سفيان، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير قال: حدَّث ابن عباس بحديث، فقال رجل عنده: الحمد لله، (وفوق كل ذي علم عليم) ! فقال ابن عباس: العالم الله، وهو فوق كل عالم. (1) انظر ما سلف 11: 505. 19584- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير قال: كنا عند ابن عباس، فحدث حديثًا، فتعجب رجل فقال، الحمد لله، (فوق كل ذي علم عليم) ! فقال ابن عباس: بئسما قلت: الله العليم، وهو فوق كل عالم. 19585- حدثنا الحسن بن محمد وابن وكيع قالا حدثنا عمرو بن محمد قال، أخبرنا إسرائيل، عن سالم، عن عكرمة، عن ابن عباس: (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال: يكون هذا أعلم من هذا، وهذا أعلم من هذا، والله فوق كل عالم. 19586- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا سعيد بن منصور قال، أخبرنا أبو الأحوص، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال، الله الخبير العليم، فوق كل عالم. 19587- حدثني المثنى قال، حدثنا عبيد الله قال، أخبرنا إسرائيل، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال: الله فوق كل عالم. 19588- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي= عن أبي معشر، عن محمد بن كعب قال، سأل رجل عليًّا عن مسألة، فقال فيها، فقال الرجل: ليس هكذا ولكن كذا وكذا. قال عليٌّ: أصبتَ وأخطأتُ، (وفوق كل ذي علم عليم) . 19589- حدثني يعقوب، وابن وكيع قالا حدثنا ابن علية، عن خالد، عن عكرمة في قوله: (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال: علم الله فوق كل أحد. 19590- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن نضر، عن عكرمة، عن ابن عباس: (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال، الله عز وجل. 19591- حدثنا ابن وكيع، حدثنا يعلى بن عبيد، عن سفيان، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير: (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال: الله أعلم من كل أحد. 19592- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن ابن شبرمة، عن الحسن، في قوله: (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال: ليس عالمٌ إلا فوقه عالم، حتى ينتهي العلم إلى الله. 19593- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عاصم قال، حدثنا جويرية، عن بشير الهجيمي قال: سمعت الحسن قرأ هذه الآية يومًا: (وفوق كل ذي علم عليم) ، ثم وقف فقال: إنه والله ما أمسى على ظهر الأرض عالم إلا فوقه من هو أعلم منه، حتى يعود العلم إلى الذي علَّمه. 19594- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا علي، عن جرير، عن ابن شبرمة، عن الحسن: (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال: فوق كل عالم عالم، حتى ينتهي العلم إلى الله. 19595- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وفوق كل ذي علم عليم) ، حتى ينتهي العلم إلى الله، منه بدئ، وتعلَّمت العلماء، وإليه يعود. في قراءة عبد الله: "وَفَوْقَ كُلِّ عَالِمٍ عَلِيمٌ" . * * * قال أبو جعفر: إن قال لنا قائل: وكيف جاز ليوسف أن يجعل السقاية في رحل أخيه، ثم يُسَرِّق قومًا أبرياء من السّرَق (1) ويقول: (أيتها العير إنكم لسارقون) ؟ قيل: إن قوله: (أيتها العير إنكم لسارقون) ، إنما هو خبَرٌ من الله عن مؤذِّن أذَّن به، لا خبر عن يوسف. وجائز أن يكون المؤذِّن أذَّن بذلك إذ فَقَد (1) "يسرق" ، أي ينسبهم إلى السرقة، "سرقة يسرقه" (بتشديد الراء) ، نسبه إلى ذلك. الصُّواع (1) ولا يعلم بصنيع يوسف. وجائز أن يكون كان أذّن المؤذن بذلك عن أمر يوسف، واستجاز الأمر بالنداء بذلك، لعلمه بهم أنهم قد كانوا سرقوا سَرِقةً في بعض الأحوال، فأمر المؤذن أن يناديهم بوصفهم بالسَّرق، ويوسف يعني ذلك السَّرق لا سَرَقهم الصُّواع. وقد قال بعض أهل التأويل: إن ذلك كان خطأ من فعل يوسف، فعاقبه الله بإجابة القوم إيّاه: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) ، وقد ذكرنا الرواية فيما مضى بذلك. (2) * * * القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) ، يعنون أخاه لأبيه وأمه، وهو يوسف، كما:- 19596- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) ، ليوسف. 19597- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 19598- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن (1) في المطبوعة والمخطوطة: "أن فقد الصواع" ، والصواب ما أثبت. (2) انظر ما سلف رقم: 19559 - 19563، وذلك أنه كان يستغفر كلما فتش وعاء من أوعيتهم، تأثمًا مما فعل. وعنى أبو جعفر أن يوسف كان يعلم أنه مخطئ في فعله. أما جواب إخوته له، فلم يمض له ذكر فيما سلف. ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) ، قال: يعني يوسف. 19599- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (فقد سرق أخ له من قبل) ، قال: يوسف. * * * وقد اختلف أهل التأويل في "السَّرَق" الذي وصفُوا به يوسف. فقال بعضهم: كان صنمًا لجده أبي أمه، كسره وألقاء على الطريق. *ذكر من قال ذلك: 19600- حدثنا أحمد بن عمرو البصري قال، حدثنا الفيض بن الفضل قال، حدثنا مسعر، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) ، قال: سرق يوسف صَنَمًا لجده أبي أمه، كسره وألقاه في الطريق، فكان إخوته يعيبونه بذلك. (1) 19601- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (فقد سرق أخ له من قبل) ذكر أنه سرق صنمًا لجده أبي أمه، فعيَّروه بذلك. 19602- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) : أرادوا بذلك عيبَ نبيّ الله يوسف. وسرقته التي عابوه بها، صنم كان لجده أبي أمه، فأخذه، إنما أراد نبيُّ الله بذلك الخير، فعابوه. 19603- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن (1) الأثر: 19600 "أحمد بن عمرو البصري" ، شيخ الطبري، مضى برقم: 9875، 13928، والكلام عنه في الرقم الأول. و "الفيض بن الفضل البجلي الكوفي" ، مترجم في الكبير 4 / 1 / 140، وابن أبي حاتم 3 / 2 / 88، ولم يذكرا فيه جرحًا. وكان في المطبوعة: "العيص" وأخطأ لأن المخطوطة واضحة هناك كما أثبتها. وهذا الخبر، رواه أبو جعفر في تاريخه 1: 182. ابن جريج في قوله: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) ، قال: كانت أمّ يوسف أمرت يوسف يسرق صنمًا لخاله يعبده، وكانت مسلمةً. * * * وقال آخرون في ذلك ما:- 19604- حدثنا به أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، سمعت أبي قال: كان بنو يعقوب على طعام، إذْ نظرَ يوسف إلى عَرْق فخبأه، (1) فعيّروه بذلك (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) . (2) * * * وقال آخرون في ذلك بما:- 19605- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد أبي الحجاج قال: كان أوّل ما دخل على يوسف من البلاء، فيما بلغني أن عَمَّته ابنة إسحاق، وكانت أكبر ولد إسحاق، وكانت إليها [صارت] منطقة إسحاق (3) وكانوا يتوارثونها بالكبر، فكان من اختانها ممن وليها (4) كان له سَلَمًا لا ينازع فيه، (5) يصنع فيه ما شاء. وكان يعقوب حين وُلِد له يوسف، كان قد حضَنه عَمَّتَهُ (6) فكان معها وإليها، فلم يحبَّ أحدٌ شيئًا من الأشياء حُبَّهَا إياه. حتى إذا ترعرع وبلغ سنواتٍ، ووقعت نفس (1) في المطبوعة والمخطوطة: "اضطر يوسف إلى عرق" ، وهو خطأ محض، وإنما وصل الكاتب "إذ" بقوله بعده "نظر" . و "العرق" (بفتح فسكون) : العظم عليه اللحم. فإن لم يكن عليه لحم، فهو "عراق" (بضم العين) . (2) الأثر: 19604 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1: 182، مطولا. (3) الزيادة بين القوسين من تاريخ الطبري. (4) في المطبوعة: "فكان من اختص بها" ، غير ما في المخطوطة، فأفسد الكلام وأسقطه. والصواب منها ومن التاريخ. "اختانها" ، سرقها. (5) "السلم" (بفتحتين) انقياد المذعن المستخذى، كالأسير الذي لا يمتنع ممن أسره، يقال: "أخذه سلمًا" ، إذا أسره من غير حرب، فجاء به منقادًا لا يمتنع. (6) في المطبوعة: "قد كان حضنته عمته" ، وأثبت ما في التاريخ. وأما المخطوطة، فهي غير منقوطة. وقوله: "حضنه عمته" فهو هنا فعل متعد إلى مفعولين، وليس هذا المتعدي مما ذكرته كتب اللغة. وإنما ذكر "حضنت المرأة الصبي" ، إذا وكلت به تحفظه وتربيه، وهي "الحاضنة" ، تضم إليها الطفل فتكفله. وهذا المتعدي إلى مفعولين، صحيح عريق في قياس العربية، بمعنى: أعطاها إياه لتحضنه. وهذا مما يزاد عليها إن شاء الله. يعقوب عليه، (1) أتاها فقال، يا أخيَّة سلّمي إليّ يوسف، فوالله ما أقدر على أن يغيب عني ساعة! قالت: فوالله ما أنا بتاركته، (2) والله ما أقدر أن يغيب عني ساعة! (3) قال: فوالله ما أنا بتاركه! قالت: فدعه عندي أيامًا أنظرْ إليه وأسكن عنه، لعل ذلك يسلّيني عنه= أو كما قالت. فلما خرج من عندها يعقوب عمدت إلى مِنْطقة إسحاق فحزمتها على يوسف من تحت ثيابه، ثم قالت: لقد فقدت مِنْطقة إسحاق، فانظروا من أخذها ومن أصابها؟ فالتُمِسَتْ، ثم قالت: كشِّفوا أهل البيت! (4) فكشفوهم، فوجدوها مع يوسف، فقالت: والله إنه لي لسَلَمٌ، أصنع فيه ما شئت. قال: وأتاها يعقوب فأخبرته الخبر، فقال لها: أنت وذاك إن كان فعل ذلك، فهو سَلَمٌ لك، ما أستطيع غير ذلك. فأمسكته فما قدر عليه حتى ماتت. قال: فهو الذي يقول إخوة يوسف حين صنع بأخيه ما صنع حين أخذه: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) . (5) = قال ابن حميد. قال ابن إسحاق: لما رأى بنو يعقوب ما صنع إخْوة يوسف، ولم يشكُّوا أنه سرق، قالوا= أسفًا عليه، لما دخل عليهم في أنفسهم (6) تأنيبًا له: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) . فلما سمعها يوسف قال: (أنتم شر مكانًا) ، (1) في والمطبوعة المخطوطة: "وقعت" بغير واو، والصواب إثباتها، كما في تاريخ الطبري وقوله: "وقعت نفسه عليه" ، أي اشتاق إليه شديدا. وهذا مجاز لم تذكره معاجم اللغة، وهو في غاية الحسن والدقة وبلاغة الأداء عن النفس وانظر بعد قوله: "ما أقدر على أن يغيب عني ساعة" ، فهو دليل على المعنى الذي استظهرته. (2) في المطبوعة: "فقالت: والله ..." غير ما في المخطوطة، وهو الموافق لما في تاريخ الطبري أيضًا. (3) قولها: "والله ما أقدر ..." ، ليست في تاريخ الطبري، فهي زيادة في المخطوطة. (4) في المطبوعة: "اكشفوا" ، وأثبت ما في المخطوطة والتاريخ. (5) الأثر: 19605 - إلى هذا الموضع، رواه أبو جعفر في تاريخه 1: 170. (6) في المطبوعة والمخطوطة: "أسفًا عليهم" ، وهو لا يكاد يستقيم، وكان في المخطوطة أيضًا: "في أنفسنا" ، فصححها في المطبوعة، وأصاب. سِرًّا في نفسه (ولم يبدها لهم) = (والله أعلم بما تصفون) . * * * وقوله: (فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون) ، يعني بقوله: (فأسرها) ، فأضمرها. (1) * * * وقال: (فأسرها) فأنث، لأنه عنى بها "الكلمة" ، وهي: "(أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون. ولو كانت جاءت بالتذكير كان جائزًا، كما قيل: (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ) [سورة هود:49] ، و (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى) ، [سورة هود:100] " * * * وكنى عن "الكلمة" . ولم يجر لها ذكر متقدِّم. والعرب تفعل ذلك كثيرًا، إذا كان مفهومًا المعنى المرادُ عند سامعي الكلام. وذلك نظير قول حاتم الطائي: أَمَاوِيَّ مَا يُغْنِي الثَّرَاءُ عَنِ الْفَتَى ... إِذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بهَا الصَّدْرُ (2) (1) انظر تفسير "الإسرار" فيما سلف ص: 7، تعليق، والمراجع هناك. (2) ديوانه: 39، وغيره، من قصيدته المشهورة، يقول بعده، وهو من رائع الشعر: إذَا أنَا دَلاَّني الَّذِينَ أُحِبُّهُمْ ... بِمَلْحُودةٍ زَلْخٍ، جَوَانِبُهَا غُبْرُ وَرَاحُوا عِجَالاً ينفُضُونَ أكُفَّهُمْ ... يَقُولُونَ: قَدْ دَمَّى أَنَامِلَنَا الحفْرُ!. "ملحودة" ، يعني قبرًا قد لحد له. و "زلخ" ، ملساء، يزل نازلها فيتردى فيها. يريد: وضاق بالنفس الصدر= فكنى عنها ولم يجر لها ذكر، إذ كان في قوله: "إذا حشرَجَت يومًا" ، دلالة لسامع كلامه على مراده بقوله: "وضاق بها" . ومنه قول الله: (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [سورة النحل:110] ، فقال: "من بعدها" ، ولم يجر قبل ذلك ذكر لاسم مؤنث. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. *ذكر من قال ذلك: 19606- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم) ، أما الذي أسرَّ في نفسه فقوله: (أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون) . 19607- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون) ، قال هذا القول. 19608- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم) ، يقول: أسرَّ في نفسه قوله: (أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون) . * * * وقوله: (والله أعلم بما تصفون) ، يقول: والله أعلم بما تكذبون فيما تصفون به أخاه بنيامين. (1) * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. *ذكر من قال ذلك: (1) انظر تفسير "الوصف" فيما سلف: 15: 586، تعليق: 1، والمراجع هناك. 19609- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون) ، يقولون: يوسف يقوله. 19610- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 19611- حدثني المثنى قال، أخبرنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 19612- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (والله أعلم بما تصفون) ، أي: بما تكذبون. * * * قال أبو جعفر: فمعنى الكلام إذًا: فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم، قال: أنتم شرّ عند الله منزلا ممن وصفتموه بأنه سرق، وأخبث مكانًا بما سلف من أفعالكم، والله عالم بكذبكم، وإن جهله كثيرٌ ممن حضرَ من الناس. * * * وذكر أن الصّواع لما وُجد في رحل أخي يوسف تلاوَمَ القوم بينهم، كما:- 19613- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي قال: لما استخرجت السرقة من رحل الغلام انقطعت ظهورهم، وقالوا: يا بني راحيل، ما يزال لنا منكم بلاء! متى أخذت هذا الصوع؟ (1) فقال بنيامين: بل بنو راحيل الذين لا يزال لهم منكم بلاء، ذهبتم بأخي فأهلكتموه في البرية! وضَع هذا الصواع في رحلي، الذي وضع الدراهم في رحالكم! فقالوا: لا تذكر الدراهم فنؤخذ بها! فلما دخلوا على يوسف دعا بالصواع فنقرَ فيه، ثم أدناه من أذنه، ثم قال، إن صواعى هذا ليخبرني أنكم كنتم اثني عشر رجلا وأنكم انطلقتم (1) في المطبوعة: "حتى أخذت" ، والصواب من المخطوطة والتاريخ. ![]()
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء السادس عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف الحلقة (877) صــ 201 إلى صــ 210 بأخٍ لكم فبعتموه. فلما سمعها بنيامين، قام فسجد ليوسف، ثم قال، أيها الملك، سل صواعك هذا عن أخي، أحيٌّ هو؟ (1) فنقره، ثم قال، هو حيٌّ، وسوف تراه. قال، فاصنع بي ما شئت، فإنه إن علم بي فسوف يستنقذني. قال، فدخل يوسف فبكى، ثم توضَّأ، ثم خرج فقال بنيامين: أيها الملك إني أريد أن تضرب صُواعك هذا فيخبرك بالحقّ، فسله من سرقه فجعله في رحلي؟ فنقره فقال: إن صواعي هذا غضبان، وهو يقول: كيف تسألني مَنْ صاحبي، (2) وقد رأيتَ مع من كنت؟ (3) قال: وكان بنو يعقوب إذا غضبوا لم يطاقُوا، فغضب روبيل، وقال: أيها الملك، والله لتتركنا أو لأصيحنَّ صيحة لا يبقى بمصر امرأةٌ حامل إلا ألقت ما في بطنها! وقامت كل شعرة في جسد رُوبيل، فخرجت من ثيابه، فقال يوسف لابنه: قم إلى جنب روبيل فمسَّه. وكان بنو يعقوب إذا غضب أحدهم فمسَّه الآخر ذهب غضبه، فمر الغلام إلى جنبه فمسَّه، فذهب غضبه، فقال روبيل: مَنْ هذا؟ إن في هذا البلد لبَزْرًا من بَزْر يعقوب! (4) فقال يوسف: من يعقوب؟ فغضب روبيل فقال: يا أيها الملك لا تذكر يعقوب، فإنه سَرِيُّ الله، (5) ابن ذبيح الله، ابن خليل الله. قال يوسف: (6) أنت إذًا كنت صادقًا. (7) * * * (1) في التاريخ: "أين هو" ، ولكنه في المخطوطة: "أحي هو" . (2) في المطبوعة: "عن صاحبي" ، والصواب من المخطوطة والتاريخ. (3) في المطبوعة وحدها: "وقد رؤيت" . (4) "البزر" (بفتح فسكون) ، الولد. يقال: "ما أكثر بزره" ، أي: ولده. (5) في التاريخ: "إسرائيل الله" ، وكأن الذي في التفسير هو الصواب، لأن "إيل" بمعنى "الله" ، و "إسرا" ، يضاف إليه، وكأن "إسرا" ، بمعنى "سرى" ، وهو بمعنى المختار، كأنه: "صفي الله" الذي اصطفاه. وفي تفسير ذلك اختلاف كثير. (6) في المطبوعة، حذف "إن" من قوله: "إن كنت صادقًا" . (7) الأثر: 19613 - رواه أبو جعفر في تاريخه مطولا 1: 182، 183. القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قالت إخوه يوسف ليوسف: (يأيها العزيز) ، يا أيها الملك (1) (إن له أبًا شيخًا كبيرًا) كلفًا بحبه، يعنون يعقوب= (فخذ أحدنا مكانه) ، يعنون فخذ أحدًا منّا بدلا من بنيامين، وخلِّ عنه = (إنا نراك من المحسنين) ، يقول: إنا نراك من المحسنين في أفعالك. * * * وقال محمد بن إسحاق في ذلك ما:- 19614- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (إنا نراك من المحسنين) ، إنا نرى ذلك منك إحسانا إن فعلتَ. * * * (1) انظر تفسير "العزيز" فيما سلف ص: 62، تعليق: 5، والمراجع هناك. القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (79) } قال أبو جعفر:- يقول تعالى ذكره: قال يوسف لإخوته: (معاذ الله) ، أعوذ بالله. * * * وكذلك تفعل العرب في كل مصدر وضعته موضع "يفعل" و "تفعل" ، فإنها تنصب، كقولهم: "حمدًا لله، وشكرًا له" بمعنى: أحمد الله وأشكره. * * * والعرب تقول في ذلك: "معاذَ الله" ، و "معاذةَ الله" فتدخل فيه هاء التأنيث. كما يقولون: "ما أحسن معناة هذا الكلام" = و "عوذ الله" ، و "عوذة الله" ، و "عياذ الله" . ويقولون: اللهم عائذًا بك، كأنه قيل: "أعوذ بك عائذا" ، أو أدعوك عائذًا. * * * = (أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده) يقول: أستجير بالله من أن نأخذ بريئًا بسقيم، (1) كما:- 19615 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون) ، يقول: إن أخذنا غير الذي وجدنا متاعنا عنده إنَّا إذًا نفعل ما ليس لنا فعله ونجور على الناس. 19616 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (قالوا يا أيها العزيز إن له أبًا شيخًا كبيرًا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذًا لظالمون) ، قال يوسف: إذا أتيتم أباكم فأقرئوه السلام، وقولوا له: إن ملك مصر يدعو لك أن لا تموت حتى ترى ابنك يوسف، حتى يعلمَ أنّ في أرض مصر صدِّيقين مثلَه. * * * القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80) } قال أبو جعفر يعني تعالى ذكره: (فلما استيأسوا منه) فلما يئسوا منه من أن يخلى يوسف عن بنيامين، ويأخذ منهم واحدًا مكانه، وأن يجيبهم إلى ما سألوه من ذلك. * * * (1) انظر تفسير "عاذ" فيما سلف ص: 32، تعليق: 1، والمراجع هناك. وقوله (استيأسوا) ، "استفعلوا" ، من: "يئس الرجل من كذا ييأس" ، كما:- 19617 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (فلما استيأسوا منه) يئسوا منه، ورأوا شدّته في أمره. * * * وقوله: (خلصوا نجيًّا) ، يقول بعضهم لبعض يتناجون، لا يختلط بهم غيرهم. * * * و "النجيّ" ، جماعة القوم المنتجين، يسمى به الواحد والجماعة، كما يقال: "رجل عدل، ورجال عدل" ، و "قوم زَوْر، وفِطْر" . وهو مصدر من قول القائل: "نجوت فلانا أنجوه نجيًّا" ، جعل صفة ونعتًا. ومن الدليل على أن ذلك كما ذكرنا، قول الله تعالى (وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا) [سورة مريم: 52] فوصف به الواحد، وقال في هذا الموضع: (خلصوا نجيًّا) فوصف به الجماعة، ويجمع "النجيّ" أنجية، كما قال لبيد: وَشَهِدْتُ أنْجِيَةَ الأفَاقَةِ عَاليًا ... كَعْبي وَأَرْدَافُ المُلُوكِ شُهُودُ (1) وقد يقال للجماعة من الرجال: "نَجْوَى" كما قال جل ثناؤه: (وإذْ هُمْ نَجْوَ ى) [سورة الإسراء: 47] وقال: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ) [سورة المجادلة: 7] وهم القوم الذين يتناجون. وتكون "النجوى" أيضا مصدرًا، كما قال الله: (1) ديوانه قصيدة: 7، بيت: 7، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 315 من أبيات يقولها لابنته بسرة، يذكر طول عمره، فيقول لها: وَلَقَدْ سَئِمْتُ من الحَيَاةِ وطُولِهَا ... وسُؤَالِ هذَا النَّاسِ: كَيْف لَبِيدُ ? وَغَنِيتُ سَبْتًا قَبْلَ مَجْرَى دَاحِسٍ ... لَوْ كَانَ للنِّفْسِ اللَّجُوجِ خُلُودُ وَشَهِدْتُ ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . "مجرى داحس" ، هو الخبر المشهور عن داحس والغبراء وإجرائهما، وكانت بسببه الحرب بين عبس وذبيان أربعين سنة، وقوله: "سبتًا" ، أي: دهرًا. و "الأفاقة" اسم موضع، حيث كان اليوم المشهور بين لبيد، والربيع بن زياد العبسي. و "أرداف الملوك" ، من "الردف" ، وهو الذي يكون مع الملك، وينوب عنه إذا قام من مجلسه. (إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ) [سورة المجادلة: 10] تقول منه ": نجوت أنجو نجوى" فهي في هذا الموضع، المناجاة نفسها، ومنه قول الشاعر (1) بُنَيَّ بَدَا خِبُّ نَجْوَى الرِّجَالِ ... فَكُنْ عِنْدَ سرّكَ خَبَّ النَّجِيّ (2) فـ "النجوى" و "النجي" ، في هذا البيت بمعنى واحد، وهو المناجاة، وقد جمع بين اللغتين. * * * وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: (خلصوا نجيًّا) قال أهل التأويل. *ذكر من قال ذلك: 19618- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (فلما استيأسوا منه خلصوا نجيًّا) وأخلص لهم شمعون، وقد كان ارتهنه، خَلَوْا بينهم نجيًّا، يتناجون بينهم. 19619 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (خلصوا نجيًّا) خلصوا وحدهم نجيًّا. 19620 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (خلصوا نجيًّا) : أي خلا بعضهم ببعض، ثم قالوا: ماذا ترون؟ * * * وقوله: (قال كبيرهم) اختلف أهل العلم في المعنيِّ بذلك. (1) هو الصلتان العبدي. (2) شرح الحماسة 3: 112، والشعر والشعراء: 479، والخزانة 1: 308، وغيرها، وهو من وصيته المشهورة التي أوصى بها ولده التي يقول فيها: أَشَابَ الصّغيرَ وَأَفْنَى الكَبيرَ ... كَرُّ الغَدَاةِ وَمَرُّ العَشِي ثم يقول له بعد البيت الشاهد: وَسِرُّكَ مَا كَانَ عِنْدَ امْريٍ ... وَسِرُّ الثَّلاَثَةِ غَيْرُ الخَفِي و "الحب" (بكسر الخاء) ، المكر، و "الخب" (بفتحها) ، المكار. فقال بعضهم: عنى به كبيرهم في العقل والعلم، لا في السن، وهو شمعون. قالوا: وكان روبيل أكبر منه في الميلاد. *ذكر من قال ذلك: 19621 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (قال كبيرهم) قال: هو شمعون الذي تخلّف، وأكبر منه=أو: أكبر منهم= في الميلاد، روبيل. 19622- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (قال كبيرهم) :، شمعون الذي تخلّف، وأكبر منه في الميلاد روبيل. 19623- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 19624- حدثني المثنى قال، أخبرنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن سفيان، عن ابن جريج، عن مجاهد: (قال كبيرهم) ، قال: شمعون الذي تخلف، وأكبرهم في الميلاد روبيل. * * * وقال آخرون: بل عنى به كبيرهم في السن، وهو روبيل. *ذكر من قال ذلك: 19625 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (قال كبيرهم) ، وهو روبيل، أخو يوسف، وهو ابن خالته، وهو الذي نهاهم عن قتله. 19626- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (قال كبيرهم) ، قال: روبيل، وهو الذي أشار عليهم أن لا يقتلوه. 19627 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (قال كبيرهم) في العلم (1) = (إن أباكم قد أخذ عليكم موثقًا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الأرض) ، الآية، فأقام روبيل بمصر، وأقبل التسعة إلى يعقوب، فأخبروه الخبرَ، فبكى وقال: يا بنيّ ما تذهبون مرَّة إلا نقصتم واحدًا! ذهبتم مرة فنقصتم يوسف، وذهبتم الثانية فنقصتم شمعون، وذهبتم الآن فنقصتُم روبيل! 19628 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (فلما استيأسوا منه خلصوا نجيًّا) قال: ماذا ترون؟ فقال روبيل كما ذكر لي، وكان كبير القوم: (ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم ومن قبل ما فرطتم في يوسف) ،الآية. * * * قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصحة، قول من قال: عنى بقوله: (قال كبيرهم) روبيل، لإجماع جميعهم على أنه كان أكبرهم سنًّا. ولا تفهم العرب في المخاطبة إذا قيل لهم: "فلان كبير القوم" ، مطلقا بغير وصل، إلا أحد معنيين: إما في الرياسة عليهم والسؤدد، وإما في السن. فأما في العقل، فإنهم إذا أرادوا ذلك وصَلوه، فقالوا: "هو كبيرهم في العقل" . فأما إذا أطلق بغير صلته بذلك، فلا يفهم إلا ما ذكرت. وقد قال أهل التأويل: لم يكن لشمعون= وإن كان قد كان من العلم والعقل بالمكان الذي جعله الله به= على إخوته رياسةٌ وسؤدد، فيعلم بذلك أنه عنى بقوله: (قال كبيرهم) فإذا كان ذلك كذلك فلم يبق إلا الوجه الآخر، وهو الكبر (1) في المطبوعة والمخطوطة: "في العلم" ، ولم أجد ما أستوثق به من أن يكون الخبر في معنى الترجمة، أعني مكان "في العلم" ، "في السن" . في السن، وقد قال الذين ذكرنا جميعًا ": روبيل كان أكبر القوم سنًّا" ، فصح بذلك القول الذي اخترناه. * * * وقوله: (ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقًا من الله،) يقول: ألم تعلموا، أيها القوم؛ أنَّ أباكم يعقوب قد أخذ عليكم عهودَ الله ومواثيقه: (1) لنأتينه به جميعا، إلا أن يحاط بكم= (ومن قبل ما فرطتم في يوسف) ، (2) ومن قبل فعلتكم هذه، تفريطكم في يوسف. يقول: أو لم تعلموا من قبل هذا تفريطكم في يوسف؟ = وإذا صرف تأويل الكلام إلى هذا الذي قلناه، كانت "ما" حينئذ في موضع نصب. وقد يجوز أن يكون قوله: (ومن قبل ما فرطتم في يوسف) خبرا مبتدأ، ويكون قوله: (ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقًا من الله) خبرًا متناهيًا فتكون "ما" حينئذ في موضع رفع، كأنه قيل: "ومن قبل هذا تفريطكم في يوسف" = فتكون "ما" مرفوعة بـ "من" قبلُ. هذا ويجوز أن تكون "ما" التي هي صلة في الكلام، (3) فيكون تأويل الكلام: ومن قبل هذا فرطتم في يوسف. (4) * * * وقوله: (فلن أبرح الأرض) التي أنا بها، وهي مصر فأفارقها= (حتى يأذن لي أبي) بالخروج منها، كما:- 19629 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (فلن أبرح الأرض) التي أنا بها اليوم= (حتى يأذن لي أبي) ، بالخروج منها. 19630 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن (1) انظر تفسير "الموثق" فيما سلف ص: 163، تعليق: 1، والمراجع هناك. (2) زدت نص الآية، وإن لم يكن ثابتًا في المخطوطة أو المطبوعة. (3) في المطبوعة: "التي تكون صلة" ،، وفي المخطوطة: "التي صلة" ، ورجحت ما أثبت = و "الصلة" ، الزيادة، انظر ما سلف من فهارس المصطلحات. (4) في المطبوعة "تفريطكم في يوسف" ، والصواب ما أثبت، لأن "ما" زائدة هنا. ابن أبي نجيح، عن مجاهد: قال شمعون: (لن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين) . * * * وقوله: (أو يحكم الله لي) ، أو يقضي لي ربي بالخروج منها وترك أخي بنيامين، وإلا فإني غير خارج= (وهو خير الحاكمين) ، يقول: والله خير من حكم، وأعدل من فصل بين الناس. (1) * * * وكان أبو صالح يقول في ذلك بما:- 19631 - حدثني الحسين بن يزيد السبيعي قال، حدثنا عبد السلام بن حرب، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح في قوله: (حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي،) قال: بالسيف. * * * =وكأنَّ أبا صالح وجّه تأويل قوله: (أو يحكم الله لي) ، إلى: أو يقضي الله لي بحرب من مَنَعَني من الانصراف بأخي بنيامين إلى أبيه يعقوب، فأحاربه. * * * القول في تأويل قوله تعالى: {ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، مخبرًا عن قيل روبيل لإخوته، حين أخذ يوسف أخاه بالصواع الذي استخرج من وعائه: ارجعوا، إخوتي، إلى أبيكم يعقوب فقولوا له يا أبانا إن ابنك بنيامين سرق) . (1) انظر تفسير "الحكم" فيما سلف من فهارس اللغة (حكم) . * * * والقرأة على قراءة هذا الحرف بفتح السين والراء والتخفيف: (إن ابنك سرق) . * * * ورُوي عن ابن عباس: "إنَّ ابْنَكَ سُرِّقَ" بضم السين وتشديد الراء، على وجه ما لم يسمَّ فاعله، بمعنى: أنه سَرَق= (وما شهدنا إلا بما علمنا) . * * * واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم: معناه: وما قلنا إنه سرق إلا بظاهر علمنا بأن ذلك كذلك، لأن صواع الملك أصيب في وعائه دون أوعية غيره. *ذكر من قال ذلك: 19632 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (ارجعوا إلى أبيكم) فإني ما كنت راجعًا حتى يأتيني أمرُه= (فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا) ، أي: قد وجدت السرقة في رحله، ونحن ننظر لا علم لنا بالغيب= (وما كنا للغيب حافظين) . * * * وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما شهدنا عند يوسف بأن السارق يؤخذ بسرقته إلا بما علمنا. *ذكر من قال ذلك: 19633 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: قال لهم يعقوب عليه السلام: ما يدري هذا الرجل أن السارق يؤخذ بسرقته إلا بقولكم! فقالوا: (ما شهدنا إلا بما علمنا) ، لم نشهد أن السارق يؤخذ بسرقته إلا وذلك الذي علمنا. قال: وكان الحكم عند الأنبياء، يعقوب وبنيه أن يؤخذ السارق بسرقته عبدًا فيسترقّ. * * * وقوله: (وما كنا للغيب حافظين) ، يقول: وما كنا نرى أن ابنك يسرق ![]()
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء السادس عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف الحلقة (878) صــ 211 إلى صــ 220 ويصير أمرنا إلى هذا، وإنما قلنا (ونحفظ أخانا) مما لنا إلى حفظه منه السبيل. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. *ذكر من قال ذلك: 19634 - حدثنا الحسين بن الحريث أبو عمار المروزي. قال، حدثنا الفضل بن موسى، عن الحسين بن واقد، عن يزيد، عن عكرمة: (وما كنا للغيب حافظين) . قال: ما كنا نعلم أن ابنك يسرق. (1) 19635 - حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وما كنا للغيب حافظين) ، لم نشعر أنه سيسرق. 19636- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وما كنا للغيب حافظين) قال: لم نشعر أنه سيسرق. 19637- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وما كنا للغيب حافظين) قال: لم نشعر أنه سيسرق. 19638- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد= وأبو سفيان، عن معمر، عن قتادة: (وما كنا للغيب (1) الأثر: 19634 - "الحسين بن الحريث" ، "أبو عمار المروزي" ، شيخ الطبري، مضى برقم 11771. "الفضل بن موسى السيتاني" ، مضى أيضًا برقم: 11771. "الحسين بن واقد المروزي" ، مضى أيضًا برقم: 4810، 6311، 11771، وكان في المخطوطة والمطبوعة هنا أيضًا "الحسن بن واقد" ، وهو خطأ بين، كما أشرت إليه قبل. حافظين) قال: ما كنا نظن ولا نشعر أنه سيسرق. 19639- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (وما كنا للغيب حافظين) قال: ما كنا نرى أنه سيسرق. 19640- حدثنا محمد بن عبد الأعلى. قال حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وما كنا للغيب حافظين) ، قال: ما كنا نظن أن ابنك يسرق. * * * قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بالصواب عندنا في قوله: (وما شهدنا إلا بما علمنا) قولُ من قال: وما شهدنا بأن ابنك سرق إلا بما علمنا من رؤيتنا للصواع في وعائه= لأنه عَقيِب قوله: (إن ابنك سرق) ؛ فهو بأن يكون خبرًا عن شهادتهم بذلك، أولى من أن يكون خبرًا عما هو منفصل. * * * وذكر أن "الغيب" ، في لغة حمير، هو الليل بعينه. (1) * * * القول في تأويل قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82) } قال أبو جعفر: يقول: وإن كنتَ مُتَّهمًا لنا، لا تصدقنا على ما نقول من أن ابنك سرق: (فاسأل القرية التي كنا فيها) ، وهي مصر، يقول: سل من فيها من أهلها= (والعير التي أقبلنا فيها) ، وهي القافلة التي كنا فيها، (2) التي أقبلنا منها معها، عن خبر ابنك وحقيقة ما أخبرناك عنه من سَرَقِهِ، (3) فإنك تَخْبُر (1) هذا معنى عزيز في تفسير "الغيب" ، لم أجده في شيء من كتب اللغة التي بين أيدينا. (2) انظر تفسير: "العير" فيما سلف ص: 173، 174. (3) سرق الشيء يسرقه سرقًا (بفتحتين) ، وسرقًا (بفتح السين وكسر الراء) ، وسرقة. مصداق ذلك = (وإنّا لصادقون) فيما أخبرناك من خبره. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. *ذكر من قال ذلك: 19641 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (واسأل القرية التي كنا فيها) ، وهي مصر. 19642 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: (واسأل القرية التي كنا فيها) قال: يعنون مصر. 19643 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: قد عرف رُوبيل في رَجْع قوله لإخوته، أنهم أهلُ تُهمةٍ عند أبيهم، لما كانوا صنعوا في يوسف. وقولهم له: (اسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها) ، فقد علموا ما علمنا وشهدوا ما شهدنا، إن كنت لا تصدقنا= (وإنا لصادقون) . * * * القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) } قال أبو جعفر: في الكلام متروك، وهو: فرجع إخوة بنيامين إلى أبيهم، وتخلف روبيل، فأخبروه خبره، فلما أخبروه أنه سرق قال= (بل سوّلت لكم أنفسكم أمرا) ، يقول: بل زينت لكم أنفسكم أمرًا هممتم به وأردتموه (1) (فصبر جميل) ، يقول: فصبري على ما نالني من فقد ولدي، صبرٌ جميل لا جزع فيه (1) انظر تفسير: "التسويل" فيما سلف 15: 583. ولا شكاية (1) = عسى الله أن يأتيني بأولادي جميعًا فيردّهم عليّ= (إنه هو العليم) ، بوحدتي، وبفقدهم وحزني عليهم، وصِدْقِ ما يقولون من كذبه = (الحكيم) ، في تدبيره خلقه (2) . * * * وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. *ذكر من قال ذلك: 19644 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل) ، يقول: زينت = وقوله: (عسى الله أن يأتيني بهم جميعًا) يقول: بيوسف وأخيه وروبيل. 19645 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: لما جاءوا بذلك إلى يعقوب، يعني بقول روبيل لهم، اتَّهمهم وظن أن ذلك كفعلتهم بيوسف، ثم قال: (بل سولت لكم أنفسكم أمرًا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا) أي: بيوسف وأخيه وروبيل. * * * القول في تأويل قوله تعالى: {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) } قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره، بقوله: (وتولى عنهم) ، وأعرض عنهم يعقوب (3) = (وقال يا أسفا على يوسف) ، يعني: يا حَزَنا عليه. (1) انظر تفسير: "صبر جميل" فيما سلف 15: 584. (2) انظر تفسير: "العليم" و "الحكيم" فيما سلف عن فهارس اللغة (علم) ، (حكم) . (3) انظر تفسير: "التولي" فيما سلف من فهارس اللغة (ولى) . * * * يقال: إن "الأسف" هو أشدُّ الحزن والتندم. يقال منه ": أسِفْتُ على كذا آسَفُ عليه أسَفًا" . * * * يقول الله جل ثناؤه: وابيضَّت عينا يعقوب من الحزن= (فهو كظيم) ، يقول: فهو مكظوم على الحزن، يعني أنه مملوء منه، مُمْسِك عليه لا يُبينه. * * * = صُرِف "المفعول" منه إلى "فعيل" ، ومنه قوله: (والكَاظِمِينَ الغَيْظَ) [سورة آل عمران: 134] ، وقد بينا معناه بشواهده فيما مضى. (1) * * * وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. *ذكر من قال ما قلنا في تأويل قوله: (وقال يا أسفا على يوسف) : 19646 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (وتولى عنهم) ، أعرض عنهم، وتتَامَّ حزنه، وبلغ مجهودَه، حين لحق بيوسف أخوه، وهيَّج عليه حزنه على يوسف، فقال: (يا أسَفَا على يوسف وابيضَّت عيناه من الحزن فهو كظيم) . 19647 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وتولى عنهم وقال يا أسفَا على يوسف) ، يقول: يا حزني على يوسف. 19648 - حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء=، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (يا أسفا على يوسف) ، يا حَزَنَا. 19648- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (يا أسفا على يوسف) ، يا جزعاه. (1) انظر تفسير "الكظم" فيما سلف 7: 214. 19649- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (يا أسفا على يوسف) ، يا جَزَعاه حزنًا. 19650- حدثني المثنى قال، أخبرنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (يا أسفا على يوسف) ، يا جَزَعَا. 19651 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (يا أسفا على يوسف) أي: حَزَناه. 19652- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (يا أسفَا على يوسف) ، قال: يا حزناه على يوسف. (1) 19653- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن حميد المعمري، عن معمر، عن قتادة، نحوه. 19654 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: (وقال يا أسفا على يوسف) (2) 19655 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع = وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي=، عن أبي حجيرة، عن الضحاك: (يا أسفا على يوسف) ، قال: يا حَزَنَا على يوسف. 19656- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أبي مرزوق، عن جويبر، عن الضحاك: (يا أسفَا) ، يا حَزَنَاه. (3) (1) في المطبوعة، أسقط قوله: "على يوسف" . (2) لم يذكر مقالة ابن عباس في تفسير الآية، سقط من النساخ. (3) الأثر: 19656 - "عمرو" ، لعله "عمرو بن حماد بن طلحة القناد" ، وهو الذي يروي عنه "سفيان بن وكيع" = أو "عمرو بن عون" ، وقد أكثر الرواية عنه. وأما "أبو مرزوق" هذا، فلم أستطع أن أجد له ذكرًا، و "أبو مرزوق التجيبي" ، و "أبو مرزوق" الذي روى عن أبي غالب عن أبي أمامة، أقدم من هذا الذي يروي عن "جوبير" . فهذا إسناد في النفس منه شيء، وأخشى أن يكون سقط منه بعض رواته، فاستبهم على بيانه. 19657- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك: (يا أسفا) يا حزنا= (على يوسف) . 19658 - حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن سفيان العصفري، عن سعيد بن جبير قال: لم يُعْطَ أحدٌ غيرَ هذه الأمة الاسترجاع، (1) ألا تسمعون إلى قول يعقوب: (يا أسفَا على يوسف) ؟ 19659- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن سعيد بن جبير، نحوه. * * * *ذكر من قال ما قلنا في تأويل قوله: (وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم) . 19660 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فهو كظيم) ، قال: كظيم الحزن. 19661- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فهو كظيم) ، قال: كظيم الحزن. 19662- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه. 19663- حدثني المثنى قال، أخبرنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فهو كظيم) ، قال: الحزن. 19664- حدثني المثنى قال، أخبرنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن (1) "الاسترجاع" ، هو قولنا نحن المسلمين، إذا أصابتنا مصيبة: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} . ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فهو كظيم) ، مكمود. (1) 19665- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (فهو كظيم) ، قال: كظيمٌ على الحزن. 19666 - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: (فهو كظيم) ، قال: "الكظيم" ، الكميد. 19667- حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: (فهو كظيم) ، قال: كميد. 19668- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك، في قوله: (كظيم) ، قال: كميد. 19669 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (وابيضت عيناه من الحرن فهو كظيم) ، يقول: تردَّدَ حُزْنُه في جوفه، ولم يتكلّم بسوء. 19670- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (فهو كظيم) ، قال: كظيم على الحزن، فلم يقل بأسًا. 19671- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا الحسين بن الحسن قال، حدثنا ابن المبارك قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: (وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم) قال: كظيم على الحزن فلم يقل إلا خيرًا. 19672 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن يزيد بن زريع، عن عطاء الخراساني: (فهو كظيم،) قال: مكروب. 19673 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدى: (فهو كظيم) قال: من الغيظ. (1) في المخطوطة: "مكنود" ، والصواب ما في المطبوعة. 19674 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: (وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم) ، قال: "الكظيم" الذي لا يتكَّلم، بلغ به الحزن حتى كان لا يكلِّمهم. * * * القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85) } قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: قال ولد يعقوب= الذين انصرفوا إليه من مصر له، حين قال: (يا أسفا على يوسف) =: تالله لا تزال تذكر يوسف. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. *ذكر من قال ذلك: 19675 - حدثني محمد بن عمرو، قال حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (تفتأ) تفتر من حبه. 19676 - حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (تفتأ) ، تفتر من حبه. (1) قال أبو جعفر: هكذا قال الحسن في حديثه، (2) وهو غلط، إنما هو: تفتر من حبه، تزال تذكر يوسف. (3) 19677- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف) قال: لا تفتر من حبه. (1) في المطبوعة: "ما تفتر" بزيادة "ما" هنا، وأثبت ما في المخطوطة كالذي قبله. (2) في المطبوعة: "كذا قال" ، وأثبت ما في المخطوطة. (3) اعتراض الطبري على خبر الحسن بن محمد، يدل على أن الذي في أصله شيء آخر قوله غير: "تفتر من حبه" ، كما وردت في الخبر، ولم أستطع أن أتبين كيف هذا الحرف في رواية الحسن. 19678- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (تفتأ) : تفتر من حبه. 19679....- قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (تالله تفتأ تذكر يوسف) ، قال: لا تزال تذكر يوسف. 19680 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي=، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: (قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف،) قال: لا تزال تذكر يوسف. قال، لا تفتر من حبه. 19681 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (تفتأ تذكر يوسف) قال: لا تزال تذكر يوسف. 19682- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (تفتأ تذكر يوسف،) قال: لا تزال تذكر يوسف. (1) * * * يقال منه: "ما فَتِئت أقول ذاك" ، "وما فَتَأت" لغة، "أفْتِئُ وأفْتَأ فَتأً وفُتوُءًا" (2) . وحكي أيضًا: "ما أفتأت به" ، ومنه قول أوس بن حجر: فَمَا فَتِئَتْ حَتَّى كأَنَّ غُبَارَهَا ... سُرَادِقُ يَوْمٍ ذِي رِيَاحٍ تَرَفَّعُ (3) وقوله الآخر (1) الأثر: 19682 - هذا الأثر مكرر في المطبوعة والمخطوطة بإسناده ولفظه، وبين أنه سهو من الناسخ، فحذفته. (2) قوله: "أفتئ" ، هكذا جاءت في المخطوطة والمطبوعة، وليس في كتب اللغة ما يؤيد هذا الذي قاله أبو جعفر، وهو غريب جدًا. (3) ديوانه، البيت: 17، القصيدة: 12، اللسان (شرم) ، وروايته فيهما: "فما فتئت خيل كأن غبارها" .![]()
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء السادس عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف الحلقة (879) صــ 221 إلى صــ 230 فَمَا فَتِئَتْ خَيْلٌ تَثُوبَ وَتَدَّعِي ... وَيَلْحَقُ مِنْهَا لاحِقٌ وتَقَطَّعُ (2) بمعنى: فما زالت. وحذفت "لا" من قوله: (تفتأ) وهي مرادة في الكلام، لأن اليمين إذا كان ما بعدها خبرًا لم يصحبها الجحد، ولم تسقط "اللام" التي يجاب بها الأيْمان، وذلك كقول القائل: "والله لآتينَّك" ، وإذا كان ما بعدها مجحودًا تُلُقِّيت بـ "ما" أو بـ "لا" . فلما عرف موقعها حُذِفت من الكلام، لمعرفة السامع بمعنى الكلام، (3) ومنه قول امرئ القيس: فَقُلْتُ يَمِينَ اللهِ أبْرَحُ قَاعِدًا ... وَلَوْ قَطَّعُوا رَأْسِي لَدَيْكِ وأوْصَالِي (4) فحذفت "لا" من قوله: "أبرح قاعدًا" ، لما ذكرت من العلة، كما قال الآخر: فَلا وأَبِي دَهْمَاءَ زَالَتْ عَزِيزَةً ... عَلَى قَوْمِهَا مَا فَتَّلَ الزَّنْدَ قَادِحُ (5) يريد: لا زالت. * * * وقوله: (حتى تكون حرضًا،) يقول: حتى تكون دَنِفَ الجسم مخبولَ العقل. * * * وأصل الحرض: الفساد في الجسم والعقل من الحزن أو العشق، ومنه قول العَرْجيّ: (1) هو قول أوس بن حجر أيضًا. (2) ديوانه القصيدة: 17، البيت: 10، الجمهرة 3: 287، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 316، والمعاني الكبير: 1002. (3) انظر معاني القرآن للفراء في تفسير الآية. (4) مضى البيت وتخريجه فيما سلف 4: 425، ويزاد عليه معاني القرآن للفراء. (5) معاني القرآن للفراء، في تفسير الآية، ومشكل القرآن: 174، والخزانة 4: 45، 46، وشرح شواهد المغني: 278، وكان في المطبوعة والمخطوطة: "ما قبل الزند" ، وهو خطأ صرف. إنِّي امْرُؤٌ لَجّ بي حُبٌّ فأَحْرَضَني ... حَتَّى بَلِيتُ وحَتّى شَفَّني السَّقَمُ (1) يعني بقوله: "فأحرضني" ، أذابني فتركني مُحْرَضًا. يقال منه: "رجل حَرَضٌ، وامرأة حَرَضٌ، وقوم حَرَضٌ، ورجلان حَرَضٌ" ، على صورة واحدة للمذكر والمؤنث، وفي التثنية والجمع. ومن العرب من يقول للذكر: "حَارِض" ، وللأنثى "حارضة" . فإذا وُصف بهذا اللفظ ثُنِّي وجُمع، وذكِّر وأنث. وَوُحِّد "حَرَض" بكل حال ولم يدخله التأنيث، لأنه مصدر، فإذا أخرج على "فاعل" على تقدير الأسماء، لزمه ما يلزم الأسماء من التثنية والجمع والتذكير والتأنيث. وذكر بعضهم سماعًا: "رجُل مُحْرَضٌ" ، إذا كان وَجِعًا، وأنشد في ذلك بيتًا: طَلَبَتْهُ الخَيْلُ يَوْمًا كَامِلا ... وَلَوَ الْفَتْهُ لأضْحَى مُحْرَضَا (2) وذكر أنَّ منه قول امرئ القيس: أَرَى المَرْءَ ذَا الأذْوَادِ يُصْبِحُ مُحْرَضًا ... كَإِحْرَاضِ بَكْرٍ في الدِّيَارِ مَريضِ (3) * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. *ذكر من قال ذلك: 19683 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (حتى تكون حرضًا) يعني: الجَهْدَ في المرض، البالي. 19684 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (حتى تكون حرضًا) قال: دون الموت. (1) ديوانه: 5، مجاز القرآن لأبي عبيدة: 317، واللسان (حرض) . (2) لم أجد البيت، ولم أعرف قائله. (3) ديوانه: 77، واللسان (حرض) . 19685- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن فضيل، عن ليث، عن مجاهد: (حتى تكون حرضًا) قال: الحرض، ما دون الموت. 19686- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 19687 - ... قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 19688- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. 19689- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 19690- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 19691 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (حتى تكون حرضًا) حتى تبلى أو تهرم. 19692- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (حتى تكون حرضًا) حتى تكون هَرِمًا. 19693 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أبي بكر الهذلي، عن الحسن: (حتى تكون حرضًا) قال: هرمًا. 19694 - ... قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك قال: "الحرض" ، الشيء البالي. 19695- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: (حتى تكون حرضًا) قال: الحرض: الشيء البالي الفاني. 19696....- قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك ، عن أبي معاذ، عن عبيد بن سليمان، عن الضحاك: (حتى تكون حَرَضًا) "الحرضُ" البالي. 19697- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك يقول في قوله: (حتى تكون حرضًا) : هو البالي المُدْبر. (1) 19698 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (حتى تكون حرضًا) باليًا. 19699 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: لما ذكر يعقوبُ يوسفَ قالوا= يعني ولده الذين حضروه في ذلك الوقت، جهلا وظلمًا=: (تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضًا،) أي: تكون فاسدًا لا عقل لك= (أو تكون من الهالكين.) 19700 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: (حتى تكون حرضًا أو تكون من الهالكين) ، قال: "الحرض" : الذي قد رُدَّ إلى أرذل العمر حتى لا يعقل، أو يهلك، فيكون هالكًا قبل ذلك. * * * وقوله: (أو تكون من الهالكين) ، يقول: أو تكون ممن هلك بالموت. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. *ذكر من قال ذلك: 19701 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن فضيل، عن ليث، عن مجاهد: (أو تكون من الهالكين،) قال: الموت. 19702- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (أو تكون من الهالكين،) من الميتين. 19703 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن (1) في المطبوعة: "البالي المندثر" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو أجود. الضحاك، (أو تكون من الهالكين) قال: الميتين. 19704- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، مثله. 19705 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن عون، عن أبي بكر الهذلي، عن الحسن: (أو تكون من الهالكين) ، قال: الميتين. 19706 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (أو تكون من الهالكين) ، قال: أو تموت. 19707- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (أو تكون من الهالكين،) قال: من الميتين. 19708 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (أو تكون من الهالكين،) قال: الميتين. (1) * * * القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (86) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال يعقوب للقائلين له من ولده: (تالله تفتأ تذكر يوسفَ حتى تكون حرضًا أو تكون من الهالكين) : = لست إليكم أشكو بثي وحزني، وإنما أشكو ذلك إلى الله. * * * ويعني بقوله: (إنما أشكو بثي) ، ما أشكو هَمِّي وحزني إلا إلى الله. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. (1) في المطبوعة: "من الميتين" ، بزيادة "من" . * ذكر من قال ذلك: 19709 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: (إنما أشكو بثي) ، قال ابن عباس: "بثي" ، همي. 19710 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: قال يعقوب عَنْ عِلْمٍ بالله: (إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون) ، لما رأى من فظاظتهم وغلظتهم وسوء لَفْظهم له: (1) لم أشك ذلك إليكم= (وأعلم من الله ما لا تعلمون) . 19711 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن عوف، عن الحسن: (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله) قال: حاجتي وحزني إلى الله. 19712- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا هوذة بن خليفة قال، حدثنا عوف، عن الحسن، مثله. * * * وقيل: إن "البثّ" ، أشد الحزن، (2) وهو عندي من: "بَثّ الحديث" ، وإنما يراد منه: إنما أشكو خبري الذي أنا فيه من الهمِّ، وأبثُّ حديثي وحزني إلى الله. * * * 19713 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا يحيى بن سعيد، عن عوف، عن الحسن، (إنما أشكو بثي) ، قال: حزني. 19714 - حدثنا ابن بشار قال، حدثني يحيى بن سعيد، عن عوف، عن الحسن: (إنما أشكو بثي وحزني) ، قال: حاجتي. (1) في المخطوطة والمطبوعة: "لفظهم به" ، وهو لا يستقيم، صوابه ما أثبت، ويعني جفاءهم فيما يخاطبونه به من الكلام. (2) هو لفظ أبي عبيدة في مجاز القرآن 1: 317. * * * وأما قوله (وأعلم من الله ما لا تعلمون) فإن ابن عباس كان يقول في ذلك فيما ذكر عنه ما:- 19715 - حدثني به محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: (وأعلم من الله ما لا تعلمون،) يقول: أعلم أن رؤيا يوسف صادقة، وأني سأسجد له. 19716- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي قال: (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون) ، قال: لما أخبروه بدعاء الملك، أحسَّت نفسُ يعقوب وقال: ما يكون في الأرض صِدِّيق إلا نبيّ! فطمع قال: لعله يوسف. (1) 19717- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله) الآية، ذكر لنا أن نبي الله يعقوب لم ينزل به بلاءٌ قط إلا أتى حُسْنَ ظنّه بالله من ورائه. 19718- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عيسى بن يزيد، عن الحسن قال، قيل: ما بلغ وجدُ يعقوب على ابنه؟ قال: وجد سبعين ثكلى! . قال: فما كان له من الأجر؟ قال: أجر مئة شهيدٍ. قال: وما ساء ظنه بالله ساعةً من ليل ولا نهارٍ. 19719- حدثنا به ابن حميد مرة أخرى قال، حدثنا حكام، عن أبي معاذ، عن يونس، عن الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثله. 19720- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن المبارك بن مجاهد، عن رجل من الأزد، عن طلحة بن مصرِّف الإيامي قال، ثلاثة لا تذْكُرْهنّ واجتنب ذكرهُنّ: لا تشك مَرَضَك، ولا تَشكُّ مصيبتك، ولا تزكِّ نفسك. قال: (1) هذا خبر مضطرب اللفظ، أخشى أن يكون فيه سقط أو تحريف. وأنبئت أنّ يعقوب بن إسحاق دخل عليه جار له، فقال له: يا يعقوب ما لي أراك قد انهشمت وفنيتَ، ولم تبلغ من السن ما بلغ أبوك؟ قال: هَشَمني وأفناني ما ابتلاني الله به من همّ يوسف وذكره! فأوحى الله إليه: يا يعقوب أتشكوني إلى خلقي؟ فقال: يا رب خطيئة أخطأتُها، فاغفرها لي! قال: فإني قد غفرت لك. وكان بعد ذلك إذا سئل قال، (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون) . 19721- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثني مؤمل بن إسماعيل قال، حدثنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت قال، بلغني أن يعقوب كبر حتى سقط حاجبَاه على وجنتيه، فكان يرفعهما بخِرْقَة، فقال له رجل: ما بلغ بك ما أرى؟ قال: طول الزمان وكثرة الأحزان. فأوحى الله إليه: يا يعقوب تشكوني؟ قال: خطيئة فاغفرها. 19722- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا ثور بن يزيد قال: دخل يعقوب على فرعون وقد سقط حاجبَاه على عينيه، فقال: ما بلغ بك هذا يا إبراهيم؟ فقالوا: إنّه يعقوب، فقال: ما بلغ بك هذا يا يعقوب؟ قال: طول الزمان وكثرة الأحزان. فقال الله: يا يعقوب أتشكوني؟ فقال: يا رب خطيئة أخطأتها، فاغفرها لي. 19723- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا هشام، عن ليث بن أبي سليم قال، دخل جبريل على يوسف السجنَ، فعرفه، فقال: أيها المَلَكُ الحسن وجهه، الطيبة ريحُه، الكريمُ على ربه، ألا تخبرني عن يعقوب أحيٌّ هو؟ قال: نعم. قال: أيها الملك الحسنُ وجههُ، الطيبة ريحه، الكريم على ربه، فما بلغ من حزنه؟ قال: حزن سبعين مُثْكِلة. قال: أيها الملك الحسن وجهه، الطيبة ريحه، الكريم على ربه، فهل في ذلك من أجر؟ قال: أجر مئة شهيد. 19724- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد قال: حُدّثت أن جبريل أتى يوسف صلى الله عليه وسلم وهو بمصر في صورة رجل، فلما رآه يوسف عرَفه، فقام إليه: فقال: أيها الملك الطيبُ ريحه، الطاهرُ ثيابه، الكريم على ربه، هل لك بيعقوب من علم؟ قال: نعم! قال: أيها الملك الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، فكيف هو؟ قال: ذهب بصره. قال: أيها الملك الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، وما الذي أذهب بصره؟ قال: الحزنُ عليك. قال: أيها الملك الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، فما أعطي على ذلك؟ قال: أجر سبعين شهيدًا. 19725- حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال أبو شريح: سمعت من يحدث أن يوسف سأل جبريل: ما بلغ من حزن يعقوب؟ قال: حزن سبعين ثكلى. قال: فما بلغ أجره؟ قال: أجر سبعين شهيدًا. 19726- ... قال: أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني نافع بن يزيد، عن عبيد الله بن أبي جعفر قال، دخل جبريل على يوسف في البئر أو في السجن، فقال له يوسف: يا جبريل، ما بلغ حزن أبي؟ قال: حزن سبعين ثكلى. قال: فما بلغ أجره من الله؟ قال: أجر مئة شهيدٍ. 19727- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال، حدثني عبد الصمد بن معقل قال، سمعت وهب بن منبه يقول: أتى جبريل يوسف بالبشرى وهو في السجن. فقال: هل تعرفني أيها الصِّدِّيق؟ قال: أرى صورة طاهرة ورُوحًا طيبة لا تشبه أرواح الخاطئين. قال: فإني رسول رب العالمين، وأنا الروح الأمين. قال: فما الذي أدخلك على مُدْخَل المذنبين، وأنت أطيب الطيبين، ورأس المقربين، وأمين رب العالمين؟ قال: ألم تعلم يا يوسف أن الله يطّهر البيوت بطُهْر النبيين، وأن الأرض التي يدخلونها هي أطهر الأرَضِين، وأن الله قد طهَّر بك السجن وما حوله يا أطهر الطاهرين وابن المطهَّرين؟ (1) إنما يتطهر بفضل طهرك وطهر آبائك الصالحين المخلَصِين! قال: كيف لي باسم الصّدِّيقين، وتعدُّني من المخلصين، وقد أدخلت مُدْخَل المذنبين، وسميت في الضالين المفسدين؟ (2) قال: لم يُفْتَتَنْ قلبُك، ولم تطع سيدتك في معصية ربك، ولذلك سمَّاك الله في الصديقين، وعدّك من المخلَصين، وألحقك بآبائك الصالحين. قال: لك علم بيعقوب أيها الروح الأمين؟ قال: نعم، وهبه الله الصبر الجميل، وابتلاه بالحزن عليك، فهو كظيم. قال: فما قَدْرُ حزنه؟ قال: حزن سبعين ثكلى. قال: فماذا له من الأجر يا جبريل؟ قال: قدر مئة شهيدٍ. 19728- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن ليث، عن ثابت البناني قال، دخل جبريل على يوسف في السجن، فعرفه يوسف قال، فأتاه فسلم عليه، فقال: أيها الملك الطيبُ ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، هل لك من علم بيعقوب؟ قال: نعم. قال: أيها الملك الطيبُ ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، هل تدري ما فعل؟ قال: ابيضَّت عيناه. قال: أيها الملك الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، ممّ ذاك؟ قال: من الحزن عليك. (3) قال، أيها الملك الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، وما بلغ من حزنه؟ قال: حزن سبعين مُثْكِلة. قال: أيها الملك الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، هل له على ذلك من أجر؟ قال: نعم أجر مئة شهيدٍ. 19729- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي قال، أتى جبرئيل يوسف وهو في السجن فسلّم عليه، وجاءه في صورة رجلٍ حسن (1) في المطبوعة والمخطوطة: "يا طهر الطاهرين" ، والصواب ما أثبت. (2) في المطبوعة والمخطوطة: "وسميت بالضالين المفسدين" ، وهو لا يستقيم، صوابه ما أثبت. وانظر بعد قوله: "وسماك الله في الصديقين" . (3) في المخطوطة: "قال: قد ابيضت عيناه من الحزن عليك" ، وحذف ما بين الكلامين من سؤال وجواب.![]()
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء السادس عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف الحلقة (880) صــ 231 إلى صــ 240 الوجه طيّب الريح نقيّ الثياب، فقال له يوسف: أيها المَلك الحسن وجهه، الكريم على ربه، الطيب ريحه، حدثني كيف يعقوب؟ قال: حزن عليك حزنًا شديدًا. قال: وما بلغ من حزنه؟ قال: حزن سبعين مُثْكِلة. قال: فما بلغ من أجره؟ قال: أجر سبعين أو مئة شهيدٍ. قال يوسف: فإلى من أوَى بعدي؟ قال: إلى أخيك بنيامين. قال: فتراني ألقاه أبدًا؟ قال: نعم. فبكى يوسف لما لقي أبوه بعده، ثم قال: ما أبالي ما لقيت إنِ اللهُ أرانيه. 19730- ... قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن إبراهيم بن يزيد، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة قال، أتى جبريل يوسف وهو في السجن، فسلم عليه، فقال له يوسف، أيها الملك الكريم على ربه، الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، هل لك من علم بيعقوب؟ قال: نعم ما أشد حزنه! قال: أيها الملك الكريم على ربه، الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، ماذا لَه من الأجر؟ قال: أجر سبعين شهيدًا. قال: أفتراني لاقيه؟ قال: نعم. قال: فطابت نفس يوسف. 19731- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن ليث، عن سعيد بن جبير قال: لما دخل يعقوب على الملك وحاجباه قد سقطا على عينيه، قال الملك: ما هذا؟ قال: السنون والأحزان، أو: الهموم والأحزان، فقال ربه: يا يعقوب لم تشكوني إلى خلقي، ألم أفعل بك وأفعل؟ 19732- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن عبد الرحمن بن زياد، عن مسلم بن يسار يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: من بثَّ لم يصبر (1) ثم قرأ: (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله) . 19733- حدثني عمرو بن عبد الحميد الآملي قال، حدثنا أبو أسامة، (1) في المخطوطة: "من بب فلم نصير" ، غير منقوطة وعلى الجملة حرف (ط) دلالة على الخطأ، والذي في المطبوعة، هو نص ما في الدر المنثور 4: 31. عن هشام، عن الحسن قال، كان منذ خرج يوسف من عند يعقوب إلى يوم رجع ثمانون سنة، لم يفارق الحزن قلبه، يبكي حتى ذهبَ بصره. قال الحسن: والله ما على الأرض يومئذ خليقةٌ أكرم على الله من يعقوب صلى الله عليه وسلم. * * * القول في تأويل قوله تعالى: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: حين طمع يعقوب في يوسف، قال لبنيه: (يا بني اذهبوا) إلى الموضع الذي جئتم منه وخلفتم أخويكم به= (فتحسَّسوا من يوسف) ، يقول: التمسوا يوسف وتعرَّفوا من خبره. * * * وأصل "التحسُّس" ، "التفعل" من "الحِسِّ" . * * * = (وأخيه) يعني بنيامين= (ولا تيأسوا من روح الله) ، يقول: ولا تقنطوا من أن يروِّح الله عنا ما نحن فيه من الحزن على يوسف وأخيه بفرَجٍ من عنده، فيرينيهما= (إنه لا ييأس من روح الله) يقول: لا يقنط من فرجه ورحمته ويقطع رجاءه منه (1) (إلا القوم الكافرون) ، يعني: القوم الذين يجحدون قُدرته على ما شاءَ تكوينه. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. *ذكر من قال ذلك: (1) انظر تفسير "اليأس" فيما سلف 9: 516. 19734- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه) ، بمصر= (ولا تيأسوا من روح الله) ، قال: من فرج الله أن يردَّ يوسف. 19735- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: (ولا تيأسوا من روح الله) ، أي من رحمة الله. 19736- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة نحوه. 19737- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال، ثم إن يعقوب قال لبنيه، وهو على حسن ظنه بربه مع الذي هو فيه من الحزن: (يا بني اذهبوا) إلى البلاد التي منها جئتم= (فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله) : أي من فرجه= (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) 19738- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (ولا تيأسوا من روح الله) ، يقول: من رحمة الله. 19739- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ولا تيأسوا من روح الله) ، قال: من فرج الله، يفرِّج عنكم الغمّ الذي أنتم فيه * * * القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88) } قال أبو جعفر: وفي الكلام متروك قد استغني بذكر ما ظهر عما حذف، وذلك: فخرجوا راجعين إلى مصر حتى صاروا إليها، فدَخلوا على يوسف= (فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر) ، أي الشدة من الجدب والقحط (1) = (وجئنا ببضاعة مزجاة) . كما:- 19740- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال، وخرجوا إلى مصر راجعين إليها= (ببضاعة مزجاة) : أي قليلة، لا تبلغ ما كانوا يتبايعون به، إلا أن يتجاوز لهم فيها، وقد رأوا ما نزل بأبيهم، وتتابعَ البلاء عليه في ولده وبصره، حتى قدموا على يوسف. فلما دخلوا عليه قالوا: (يا أيها العزيز) ، رَجَاةَ أن يرحمهم في شأن أخيهم (2) = (مسنا وأهلنا الضر) . * * * وعنى بقوله: (وجئنا ببضاعة مُزْجاة) بدراهم أو ثمن لا يجوز في ثمن الطعام إلا لمن يتجاوز فيها. * * * وأصل "الإزجاء" : السوق بالدفع، كما قال النابغة الذبياني: وَهَبّتِ الرِّيحُ مِنْ تِلْقَاءِ ذِي أُرُلٍ ... تُزْجِي مَعَ اللَّيْلِ مِنْ صَرَّادِهَا صِرَمَا (3) (1) انظر تفسير "الضر" فيما سلف من فهارس اللغة (ضرر) . (2) في المطبوعة: "رجاء" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو بمثل معناه. (3) ديوانه: 52، و "ذو أرل" ، جبل بديار غطفان. و "الصراد" ، سحاب بارد رقيق تسفره الريح وتسوقه. و "الصرم" جمع صرمة، وهي قطع السحاب. وقبل البيت: هَلاَّ سَأَلْتَ بَني ذُبْيَانَ ما حَسَبي ... إذَا الدُّخَانُ تَغَشَّى الأشْمَطَ البَرَمَا من أبيات يذكر فيها كرمه في زمن الجدب والشتاء. يعني تسوق وتدفع ; ومنه قول أعشى بني ثعلبة: الوَاهِبُ المِئةَ الهِجَانَ وعَبْدَهَا ... عُوذًا تُزَجِّي خَلْفَها أطْفَالَها (1) وقول حاتم: لِبَيْكِ عَلَى مِلْحَانَ ضَيْفٌ مُدَفَّعٌ ... وَأَرْمَلَةٌ تُزْجِى مَعَ اللَّيلِ أَرْمَلا (2) يعني أنها تسوقه بين يديها على ضعف منه عن المشي وعجز ; ولذلك قيل: (ببضاعة مزجاة) ، لأنها غير نافقة، وإنما تُجَوَّز تجويزًا على وَضعٍ من آخذيها. (3) * * * وقد اختلف أهل التأويل في البيان عن تأويل ذلك، وإن كانت معاني بيانهم متقاربة. *ذكر أقوال أهل التأويل في ذلك: 19741- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي=، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: (ببضاعة مزجاة) قال: رديَّةٍ زُيُوفٍ لا تنفق حتى يُوضَع منها. 19742- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عمرو بن محمد العنقزي قال، حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: (وجئنا ببضاعة مزجاة) ، قال: الردِيّة التي لا تنفق حتى يُوضَع منها. (1) ديوانه: 25، من قصيدته في قيس بن معد يكرب، مضت منها أبيات. و "الهجان" ، الإبل الأبيض، وهي كرام الإبل. و "العوذ" جمع عائذ، وهي الناقة الحديثة النتاج. (2) ليس في ديوانه، وأنشده ابن بري غير منسوب (اللسان: رمل) ، وظاهر أن الشعر لحاتم، لأن "ملحان" ، هو ابن عمه "ملحان بن حارثة بن سعد بن الحشرج الطائي" ، وكنت وقفت على أبيات من هذا الشعر، ثم أضعتها اليوم. (3) في المخطوطة والمطبوعة: "على نفع من آخذيها" ، والصواب ما أثبتناه، إن شاء الله، تدل عليه الآثار الآتية بعد. ولو قرئت "على دفع" ، فلا بأس بذلك. 19743- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة، عن عثمان بن أبي سليمان، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس: (وجئنا ببضاعة مزجاة) ، قال: خَلَقٍ (1) الغِرَارة والحبلُ والشيء. 19744- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن عثمان بن أبي سليمان، عن ابن أبي مليكة قال، سمعت ابن عباس، وسئل عن قوله: (وجئنا ببضاعة مزجاة) ، قال: رِثَّةُ المتاع، (2) الحبلُ والغرارةُ والشيء. 19745- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن عثمان بن أبي سليمان، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، مثله. 19746- حدثنا محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وجئنا ببضاعة مزجاة) ، قال: "البضاعة" ، الدراهم، (3) و "المزجاة" : غير طائل. 19747- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن ابن أبي زياد، عمن حدثه، عن ابن عباس قال، كاسدة غير طائل. 19748- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو بكر بن عياش قال، حدثنا أبو حصين، عن سعيد بن جبير، وعكرمة،: (وجئنا ببضاعة مزجاة) ، قال سعيد: ناقصة= وقال عكرمة: دراهم فُسُول. (4) (1) الخلق: البالي. (2) الرث (بفتح الراء) ، والرثة (بكسرها) ، والرثيث: الخلق الخسيس البالي من كل شيء. (3) انظر تفسير "البضاعة" فيما سلف: ص: 4، 156. (4) "فسول" جمع "فسل" (بفتح فسكون) : وهو الردئ الرذل من كل شيء. يقال: "دراهم فسول" ، أي: زيوف. 19749- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير وعكرمة، مثله. 19750- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي=، عن إسرائيل، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير وعكرمة: (وجئنا ببضاعة مزجاة) ، قال أحدهما: ناقصة. وقال الآخر: رديَّةٌ. 19751- ... وبه قال، حدثنا أبي عن سفيان، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث قال، كان سَمْنًا وصُوفًا. 19752- حدثنا الحسن قال، حدثنا علي بن عاصم، عن يزيد بن أبي زياد قال: سأل رجل عبد الله بن الحارث وأنا عنده عن قوله: (وجئنا ببضاعة مزجاة) ، قال: قليلةٌ، متاعُ الأعراب: الصوفُ والسَّمن. 19753- حدثنا إسحاق بن زياد القطان أبو يعقوب البصري، قال، حدثنا محمد بن إسحاق البلخي، قال: حدثنا مروان بن معاوية الفزاري، عن مروان بن عمرو العذري، عن أبي إسماعيل، عن أبي صالح، في قوله: (وجئنا ببضاعة مزجاة) ، قالالصنوبر والحبة الخضراء. (1) 19754- حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن يزيد بن الوليد، عن إبراهيم، في قوله: (وجئنا ببضاعة مزجاة) ، قال: قليلة، ألا تسمع إلى قوله: "فَأَوْقِرْ رِكَابَنَا" ، وهم يقرءون كذلك. (2) (1) الأثر: 19753 - "إسحاق بن زياد القطان" ، "أبو يعقوب البصري" ، شيخ الطبري لم أجد له بعد ترجمة، وقد مضى برقم: 14146، وهو هناك "العطار النصري" ، ثم في رقم: 17430، وهو هناك: "إسحاق بن زيادة العطار؛" بزيادة التاء. ولا طاقة لنا بالفصل في ذلك، حتى نجد ما يدل عليه. و "محمد بن إسحاق البلخي: مضى برقم: 14146، روى عنه هناك" إسحاق بن زياد "أيضًا." و "مروان بن معاوية الفزاري" ، مضى مرارًا آخرها: 15446. أما "مروان بن عمرو العذري" ، فلم أجد له ذكرًا في كتب التراجم، وأخشى أن كون فيه تحريف وأما "أبو إسماعيل" . فلم أتبين من يكون، لما في هذا الإسناد من الظلمة. (2) يعني أصحاب عبد الله بن مسعود، كما سترى في الأثر التالي. 19755- حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، قال، أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم، أنه قال: ما أراها إلا القليلة، لأنها في مصحف عبد الله: "وَأَوْقِرْ رِكَابَنا" ، يعني قوله: "مزجاة" . 19756- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن القعقاع بن يزيد، عن إبراهيم قال، قليلة، ألم تسمع إلى قوله: "وَأَوْقِرْ رِكَابنَا" ؟ 19757- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أبي بكر الهذلي، عن سعيد بن جبير والحسن: بضاعة مزجاة قال سعيد: الرديّة= وقال الحسن: القليلة. 19758- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن إدريس، عن يزيد، عن عبد الله بن الحارث قال، متاع الأعراب سمنٌ وصوف. 19759- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن عطية قال، دراهم ليست بطائل. (1) 19760- حدثني محمد بن عمرو، قال، حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (مزجاة) ، قال: قليلة. 19761- حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (مزجاة) قال: قليلة. 19762- حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 19763- ... قال، حدثنا قبيصة بن عقبة، قال، حدثنا سفيان، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث: (وجئنا ببضاعة مزجاة) قال: شيء من صوف، وشيء من سمن. (1) ] في المخطوطة: "ليس بطائل" ، ولا بأس به. 19764- ... قال، حدثنا عمرو بن عون، قال، أخبرنا هشيم، عن منصور، عن الحسن قال: قليلة. 19765- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج، عمن حدثه، عن مجاهد: (مزجاة) قال: قليلة. 19766- حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. 19767- ... قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي حصين، عن عكرمة قال: ناقصة= وقال سعيد بن جبير: فُسُولٌ. 19768- ... قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن أبي بكر، عن سعيد بن جبير: (وجئنا ببضاعة مزجاة) ، قال: رديّة. 19769- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك قال: كاسدة لا تنفق. 19770- حدثني المثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قالأخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك قال: كاسدة. 19771- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبدة، عن جويبر، عن الضحاك قال: كاسدة غير طائل. 19772- حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (ببضاعة مزجاة) ، يقول: كاسدة غير نافقة. 19773- حدثنا أحمد بن إسحاق، قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: (وجئنا ببضاعة مزجاة) ، قالالناقصة= وقال عكرمة: فيها تجوُّزٌ. 19774- ... قال، حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: الدراهم الرديّة التي لا تجوز إلا بنقصان. 19775- ... قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد قال: الدراهم الرُّذَال، (1) التي لا تجوز إلا بنقصان. (2) 19776- حدثنا ابن وكيع، قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي قال: دراهم فيها جَوازٌ. 19777- حدثنا بشر، قال، حدثنا يزيد، قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وجئنا ببضاعة مزجاة) :، أي: يسيرة. 19778- حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله. 19779- حدثنا يونس، قال، أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (وجئنا ببضاعة مزجاة) قال: "المزجاة" ، القليلة. 19780- حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (وجئنا ببضاعة مزجاة) :، أي قليلة لا تبلغ ما كنا نشتري به منك، إلا أن تتجاوز لنا فيها. * * * وقوله: (فأوف لنا الكيل) بها (3) وأعطنا بها ما كنت تعطينا (1) ] يقال: "هذا رذل" و "هذا رذال" (بضم الراء) أي: دون خسيس رديء. وفي المخطوطة (الرذل) وهو مثله. (2) الأثر (19775) في المطبوعة (إسرائيل عن ابن أبي نجيح) غير ما في المخطوطة، فإنه كان فيها: "عن أبي يحيى" كأنه أراد أن يكتب "نجيح" ، ثم صيرها: "يحيى" ، غير منقوطة. و "أبو يحيى" ، هو: "أبو يحيى القتات الكوفي" ، وهو الذي يروي عن مجاهد، وقد سلف برقم: 12139، 15697. (3) لا شك عندي أنه قد سقط من كلام أبي جعفر شيء في تفسير "أوف لنا" ، لم يبق منه إلا قوله: "بها" ، فلذلك وضعت هذه النقط. والمراد من ذلك ظاهر، كأنه كتب: "فأتم لنا حقوقنا في الكيل بها، وأعطنا ..." ، وانظر تفسير "الإيفاء" فيما سلف 12: 224، 554. ![]()
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 55 ( الأعضاء 0 والزوار 55) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |