تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد - الصفحة 89 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         التذكّر... في لحظة الغفلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          لماذا نرغب بما مُنعنا عنه؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          عشرة أشفية للحزن في القرآن العظيم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          العمل الصالح .. صاحبك الذي لا يخذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          عزلة مؤقتة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          خواطر بلا صخب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          الممحاة الروحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          حين تُرِبِّت الآيات على القلوب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          العنوان : أفرأيتم الماء الذي تشربون (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          رحلتي مع الكمبيوتر من صخر إلى الذكاء الصناعي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19-07-2025, 04:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,434
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف
الحلقة (881)
صــ 241 إلى صــ 250





قبل بالثمن الجيّد والدراهم الجائزة الوافية التي لا تردّ، كما:-
19781- حدثنا ابن حميد، قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (فأوف لنا الكيل) :، أي أعطنا ما كنت تعطينا قَبْلُ، فإن بضاعتنا مزجاة.
19782- حدثنا ابن وكيع، قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (فأوف لنا الكيل) قال: كما كنت تعطينا بالدراهم الجياد.
* * *
وقوله: (وتصدق علينا) يقول تعالى ذكره: قالوا: وتفضل علينا بما بَيْنَ سعر الجياد والرديّة، فلا تنقصنا من سعر طَعامك لرديِّ بضاعتنا= (إن الله يجزي المتصدقين) ، يقول: إن الله يثيب المتفضلين على أهل الحاجة بأموالهم. (1)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19783- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (وتصدق علينا) ، قال: تفضل بما بين الجياد والرديّة.
19784- حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن أبي بكر، عن سعيد بن جبير: (فأوف لنا الكيل وتصدق علينا) ، لا تنقصنا من السعر من أجل رديّ دراهمنا.
* * *
واختلفوا في الصدقة، هل كانت حلالا للأنبياء قبل نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم، أو كانت حرامًا؟
فقال بعضهم: لم تكن حلالا لأحدٍ من الأنبياء عليهم السلام.
*ذكر من قال ذلك:
19785- حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن أبي بكر، عن سعيد بن جبير قال، ما سأل نبيٌّ قطٌّ الصَّدقَة، ولكنهم قالوا:
(1)
انظر تفسير "التصدق" فيما سلف 9: 31، 37، 38 / 14: 369.

(جئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا) ، لا تنقصنا من السعر.
* * *
وروي عن ابن عيينة ما:-
19786- حدثني به الحارث، قال: حدثنا القاسم قال: يحكى عن سفيان بن عيينة أنه سئل: هل حرمت الصدقة على أحدٍ من الأنبياء قبل النبيّ صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ألم تسمع قوله: (فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين) .
= قال الحارث: قال القاسم: يذهب ابن عيينة إلى أنهم لم يقولوا ذلك إلا والصدقة لهم حلالٌ، وهم أنبياء، فإن الصدقة إنما حُرِّمت على محمد صلى الله عليه وسلم، وعليهم. (1)
* * *
وقال آخرون: إنما عنى بقوله: (وتصدق علينا) وتصدق علينا بردّ أخينا إلينا.
*ذكر من قال ذلك:
19787- حدثنا القاسم، قال، حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: (وتصدق علينا) قال: رُدَّ إلينا أخانا.
* * *
قال أبو جعفر: وهذا القول الذي ذكرناه عن ابن جريج، وإن كان قولا له وجه، فليس بالقول المختار في تأويل قوله: (وتصدَّق علينا) لأن "الصدقة" في متعارف [العرب] ، (2) إنما هي إعطاء الرجل ذا حاجةٍ بعض أملاكه ابتغاءَ ثواب الله
(1)
في المطبوعة: "صلى الله عليه وسلم لا عليهم" ، غير ما في المخطوطة، كأنه ظن أن قوله: "وعليهم" ، معطوف على قوله: "إنما حرمت على محمد ... وعليهم" ، وظاهر أن المراد: "صلى الله عليه وسلم وعليهم" ، أي: وصلى عليهم.

(2)
في المطبوعة: "في المتعارف" ، وفي المخطوطة: "في متعارف إنما هي" ، وفي الكلام سقط لا شك فيه، وإنما سقط منه لأن "متعارف" هي آخر كلمة في الصفحة، و "إنما" في أول الصفحة الأخرى، فسها الناسخ، فاستظهرت هذه الزيادة التي بين القوسين.

عليه، (1) وإن كان كلّ معروف صدقةً، فتوجيه تأويل كلام الله إلى الأغلب من معناه في كلام من نزل القرآن بلسانه أولى وأحرى.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال مجاهد.
19788- حدثني الحارث، قال، حدثنا القاسم، قال، حدثنا مروان بن معاوية، عن عثمان بن الأسود، قال: سمعت مجاهدًا، وسئل: هل يُكْرَهُ أن يقول الرجل في دعائه: اللهم تصدّق عليّ؟ فقال: نعم، إنما الصَّدقة لمن يبغي الثوابَ.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (89) }
قال أبو جعفر: ذكر أن يوسف صلوات الله عليه لما قال له إخوته: (يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين) ، أدركته الرقّة وباح لهم بما كان يكتمهم من شأنه، كما:-
19789- حدثنا ابن حميد، قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال، ذكر لي أنهم لما كلموه بهذا الكلام غلبته نفسه، فارفضَّ دمعه باكيًا، ثم باح لهم بالذي يكتم منهم، فقال: (هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون) ؟ ولم يعن بذكر أخيه ما صنعه هو فيه حين أخذه، ولكن للتفريق بينه وبين أخيه، إذ صنعوا بيوسف ما صنعوا.
(1)
في المطبوعة: "إعطاء الرجل ذا الحاجة" ، وهو خطأ وتصرف في نص المخطوطة لا وجه له والصواب ما في المخطوطة كما أثبته. وقوله: "ذا حاجة" مفعول المصدر من قوله: "إعطاء الرجل.. ." .

19790- حدثنا ابن وكيع، قال، حدثنا عمرو، قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر) ، الآية، قال: فرحمهم عند ذلك، فقال لهم: (هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون) ؟
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام: هل تذكرون ما فعلتم بيوسف وأخيه، إذ فرقتم بينهما وصنعتم ما صنعتم إذ أنتم جاهلون؟ يعني في حال جهلكم بعاقبة ما تفعلون بيوسف، وما إليه صائر أمره وأمركم.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا أَئِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال إخوة يوسف له حين قال لهم ذلك يوسف: (إنك لأنت يوسف) ؟ ، فقال: نعم أنا يوسف= (وهذا أخي قد مَنَّ الله علينا) بأن جمع بيننا بعد ما فرقتم بيننا= (إنه من يتق ويصبر) ، يقولإنه من يتق الله فيراقبه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه= (ويصبر) ، يقول: ويكفّ نفسه، فيحبسها عما حرَّم الله عليه من قول أو عمل عند مصيبةٍ نزلتْ به من الله (1) = (فإن الله لا يضيع أجر المحسنين) ، يقول: فإن الله لا يُبْطل ثواب إحسانه وجزاء طاعته إيَّاه فيما أمره ونهاه.
* * *
وقد اختلف القرأة في قراءة قوله: (أإنك لأنت يوسف) .
فقرأ ذلك عامة قرأة الأمصار: (أَإِنّكَ) ، على الاستفهام.
(1)
انظر تفسير "التقوى" ، و "الصبر" فيما سلف من فهارس اللغة (وقى) ، (صبر) .

* * *
وذكر أن ذلك في قراءة أبيّ بن كعب: "أَوَأَنْتَ يُوسُفُ."
* * *
وروي عن ابن محيصن أنه قرأ: "إِنَّكَ لأَنْتَ يُوُسُفُ" ، على الخبر، لا على الاستفهام.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا، قراءةُ من قرأه بالاستفهام، لإجماع الحجّة من القرأة عليه.
* * *
19791- حدثنا ابن حميد، قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال، لما قال لهم ذلك= يعني قوله: (هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون) = كشف الغِطاء فعرفوه، فقالوا: (أإنك لأنت يوسف) ، الآية.
19792- حدثنا القاسم، قال، حدثنا الحسين، قال، حدثني من سمع عبد الله بن إدريس يذكر، عن ليث، عن مجاهد، قوله: (إنه من يتق ويصبر) ، يقول: من يتق معصية الله، ويصبر على السِّجن.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91) }
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: قال إخوة يوسف له: تالله لقد فضلك الله علينا، وآثرك بالعلم والحلم والفضل= (وإن كنا لخاطئين) ، يقول: وما كنا في فعلنا الذي فعلنا بك، في تفريقنا بينك وبين أبيك وأخيك وغير ذلك من صنيعنا الذي صنعنا بك، إلا خاطئين= يعنون: مخطئين.
* * *
يقال منه: "خَطِئَ فلان يَخْطَأ خَطَأ وخِطْأً، وأخطأ يُخْطِئُ إِخْطاءً" ، (1)
(1)
انظر تفسير "خطيء" فيما سلف 2: 110 / 6: 134.

ومن ذلك قول أمية بن الأسكر:
وَإنَّ مُهَاجِرَيْنِ تَكَنَّفَاهُ ... لَعَمْرُ اللهِ قَدْ خَطِئا وحَابَا (1)
* * *
(1)
مضى البيت وتخريجه وتصويب روايته فيما سلف 2: 110 / 7: 529، ويزاد عليه، مجاز القرآن 1: 113، 318، وكان في المطبوعة والمخطوطة هنا أيضًا "وخابا" بالخاء، وقد فسره أبو جعفر في 7: 529، بمعنى: أثما، من "الحوب" وهو الإثم، وهو الصواب المحض إن شاء الله.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19793- حدثنا ابن وكيع، قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي قال: لما قال لهم يوسف: (أنا يوسف وهذا أخي) اعتذروا إليه وقالوا: (تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين) فيما كنا صنعنا بك.
19794- حدثنا بشر، قال، حدثنا يزيد، قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (تالله لقد آثرك الله علينا) وذلك بعد ما عرَّفهم أنفسهم، يقول: جعلك الله رجلا حليمًا.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال يوسف لإخوته: (لا تثريب) يقول: لا تعيير عليكم (1) ولا إفساد لما بيني وبينكم من الحرمة وحقّ الأخوة، ولكن لكم عندي الصفح والعفو.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19795- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد، قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (لا تثريب عليكم) ، لم يثرِّب عليهم أعمالهم.
19796- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق، قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، قوله: (لا تثريب عليكم اليوم) ، قال: قال سفيان: لا تعيير عليكم.
19797- حدثنا ابن حميد، قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (قال لا تثريب عليكم اليوم) :، أي لا تأنيب عليكم اليوم عندي فيما صنعتم.
19798- وحدثنا ابن وكيع، قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي قال، اعتذروا إلى يوسف فقال: (لا تثريب عليكم اليوم،) يقول: لا أذكر لكم ذنبكم.
* * *
وقوله: (يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين) ، وهذا دعاء من يوسف لإخوته بأن يغفر الله لهم ذنبهم فيما أتوا إليه وركبوا منه من الظلم، يقول: عفا الله لكم عن ذنبكم وظلمكم، فستره عليكم= (وهو أرحم الراحمين) ، يقول: والله أرحم الراحمين لمن تاب من ذنبه، (2) وأناب إلى طاعته بالتوبة من معصيته. كما:-
19799- حدثنا ابن حميد، قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (يغفر الله وهو أرحم الراحمين) حين اعترفوا بذنبهم.
* * *
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "تغيير" ، بالغين، والصواب ما أثبته بالعين المهملة، وهو صريح اللغة. وقد صححته في كل موضع يأتي بعد هذا.

(2)
في المطبوعة والمخطوطة: "ممن تاب" ، وصواب الكلام ما أثبت.

القول في تأويل قوله تعالى: {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93) }
قال أبو جعفر: ذكر أن يوسف صلى الله عليه وسلم لما عرّف نفسه إخوته، سألهم عن أبيهم، فقالوا: ذهب بصره من الحزن! فعند ذلك أعطاهم قميصَه وقال لهم: (اذهبوا بقميصي هذا) .
* * *
*ذكر من قال ذلك:
19800- حدثنا ابن وكيع، قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي قال: قال لهم يوسف: ما فعل أبي بعدي؟ قالوا: لما فاته بنيامين عمي من الحزن. قال: (اذهبوا بقميصي هذا فألقوا على وجه أبي يأت بصيرًا وأتوني بأهلكم أجمعين) .
* * *
وقوله: (يأت بصيرًا) يقول: يَعُدْ بصيرًا (1) = (وأتوني بأهلكم أجمعين) ، يقول: وجيئوني بجميع أهلكم.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولما فصلت عير بني يعقوب من عند يوسف متوجهة إلى يعقوب، (2) قال أبوهم يعقوب: (إني لأجد ريح يوسف) .
(1)
هذا معنى يقيد في معاجم اللغة، في باب "أتى" ، بمعنى: عاد = وهو معنى عزيز لم يشر إليه أحد من أصحاب المعاجم التي بين أيدينا.

(2)
انظر تفسير "فصل" فيما سلف 5: 338.

ذُكر أن الريح استأذنت ربها في أن تأتي يعقوب بريح يوسف قبل أن يأتيه البشير، فأذن لها، فأتته بها.
* * *
*ذكر من قال ذلك:
19801- حدثني يونس، قالأخبرنا ابن وهب، قال: حدثني أبو شريح، عن أبي أيوب الهوزني حَدّثه قال، استأذنت الريح أن تأتي يعقوب بريح يوسف حين بعث بالقميص إلى أبيه قبل أن يأتيه البشير، ففعل. قال يعقوب: (إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون) . (1)
19802- حدثنا أبو كريب، قال، حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي سنان، عن ابن أبي الهذيل، عن ابن عباس، في قوله: (ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون) ، قال: هاجت ريح، فجاءت بريح يوسف من مسيرة ثمان ليالٍ، فقال: (إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون) . (2)
19803- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن أبي سنان، عن ابن أبي الهذيل، عن ابن عباس: (ولما فصلت العير) قال: هاجت ريح، فجاءت بريح قميص يوسف من مسيرة ثمان ليال.
19804- حدثني أبو السائب، قال: حدثنا ابن فضيل، عن ضرار، عن ابن أبي الهذيل قال، سمعت ابن عباس يقول: وجد يعقوب ريح يوسف، وهو منه على مسيرة ثمان ليال.
(1)
الأثر: 19801 - "أبو شريح" ، وهو: "عبد الرحمن بن شريح بن عبد الله المعافري" ، ثقة روى له الجماعة، مضى برقم: 6199.

وأما "أبو أيوب الهوزني" ، فلم أستطع أن أعرف من هو، وقد ذكره الطبري بكنيته هنا، وفي تاريخه 1: 185، وساق هذا الخبر بنصه.
(2)
الأثر: 19801 - "أبو سنان" ، هو الشيباني الأكبر: "ضرار بن مرة" ، ثقة، مضى برقم: 17336، 17337، وسيأتي الخبر بعد رقم: 19804 وما بعده.

و "ابن أبي الهذيل" ، هو "عبد الله ابن أبي الهذيل العنزي" ، ثقة، مضى برقم: 13932.
19805- حدثنا ابن وكيع والحسن بن محمد، قالا حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبي سنان، عن ابن أبي الهذيل قال، كنت إلى جنب ابن عباس، فسئل: من كم وجد يعقوب ريح القميص؟ قال: من مسيرة سبع ليالٍ أو ثمان ليال.
19806- حدثنا ابن وكيع، قال، حدثنا جرير، عن أبي سنان، عن ابن أبي الهذيل قال: قال لي أصحابي: إنك تأتي ابن عباس، فسله لنا. قال: فقلت: ما أسأله عن شيء، ولكن أجلس خلف السرير، فيأتيه الكوفيون فيسألون عن حاجتهم وحاجتي، فسمعته يقول: وجد يعقوب ريح قميص يوسف من مسيرة ثمان ليال، قال ابن أبي الهذيل: فقلت: ذاك كمكان البصرة من الكوفة.
19807- حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا علي بن عاصم، عن ضرار بن مرة، عن عبد الله بن أبي الهذيل، قال: سمعت ابن عباس يقول: وجد يعقوب ريح قميص يوسف من مسيرة ثمان ليال. قال: فقلت في نفسي: هذا كمكان البصرة من الكوفة
19808- حدثنا أبو كريب، قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع، قال، حدثنا أبي=، عن سفيان، عن أبي سنان، عن ابن أبي الهذيل، عن ابن عباس، في قوله: (إني لأجد ريح يوسف) قال: وجد ريح قميص يوسف من مسيرة ثمان ليال. قال: قلت له: ذاك كما بين البصرة إلى الكوفة. واللفظ لحديث أبي كريب.
19809- حدثنا الحسين بن محمد، قال، حدثنا عاصم وعلي، قالا أخبرنا شعبة قال، أخبرني أبو سنان، قال، سمعت عبد الله بن أبي الهذيل، عن ابن عباس في هذه الآية: (إني لأجد ريح يوسف) ، قال: وجد ريحه من مسيرة ما بين البصرة إلى الكوفة.
19810- حدثني المثنى، قال: حدثنا آدم العسقلاني، قال، حدثنا شعبة، قال: حدثنا أبو سنان، قال: سمعت عبد الله بن أبي الهذيل يحدث عن ابن عباس، مثله.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19-07-2025, 07:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,434
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الرعد
الحلقة (891)
صــ 341 إلى صــ 350





بالتاء لتأنيث "الأعناب" .
* * *
وقرأ ذلك بعض المكيين والكوفيين: (يُسْقَى) بالياء.
* * *
وقد اختلف أهل العربية في وجه تذكيره إذا قرئ كذلك، وإنما ذلك خبرٌ عن الجنات والأعناب والنخيل والزرع أنها تسقى بماء واحد.
فقال بعض نحويي البصرة: إذا قرئ ذلك بالتاء، فذلك على "الأعناب" كما ذكّر الأنعام (1) في قوله: (مِمَّا فِي بُطُونِهِ) [سورة النحل: 66] وأنث بعدُ فقال: (وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) ، [سورة المؤمنون:22/ سورة غافر:80] .
فمن قال: (يسقى) بالياء جعل "الأعناب" مما تذكّر وتؤنث، مثل "الأنعام" .
* * *
وقال بعض نحويي الكوفة: من قال و (تسقى) ذهب إلى تأنيث "الزرع والجنات والنخيل" ، ومن ذكَّر ذهب إلى أن ذلك كله يُسْقَى بماء واحد، وأكلُه مختلفٌ حامض وحلو، ففي هذا آية. (2)
* * *
قال أبو جعفر: وأعجب القراءتين إليّ أن أقرأ بها، قراءة من قرأ ذلك بالتاء: (تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ) على أن معناه: تسقى الجنات والنخل والزرع بماء واحد، لمجيء (تسقى) بعد ما قد جرى ذكرها، وهي جِمَاعٌ من غير بني آدم، وليس الوجه الآخر بممتنع على معنى يسقى ذلك بماء واحد: أي جميع ذلك يسقى بماءٍ واحدٍ عذب دون المالح.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
(1)
في المخطوطة والمطبوعة: "كما ذكروا" ، والصواب ما أثبت.

(2)
هذه مقالة الفراء في معاني القرآن، في تفسير الآية.

20114- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (تسقى بماء واحد) ماء السماء، كمثل صالح بني آدم وخبيثهم أبوهم واحدٌ.
20115- حدثنا أبو كريب قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد: (تسقى بماء واحد) قال: ماء السماء.
20116- حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد، مثله.
20117- حدثني المثنى قال: حدثنا عمرو قال: أخبرنا هشيم، عن أبي إسحاق الكوفي، عن الضحاك: (تسقى بماء واحد) قال: ماء المطر. (1)
20118- حدثني المثنى قال: حدثنا سويد قال: أخبرنا ابن المبارك، قرأه ابن جريج، عن مجاهد: (تسقى بماء واحد) قال: ماء السماء، كمثل صالح بني آدم وخبيثهم أبوهم واحدٌ.
20119 قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل= وحدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.
20120- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه.
20121- حدثنا عبد الجبار بن يحيى الرملي قال: حدثنا ضمرة بن ربيعة، عن ابن شوذب: (تسقى بماء واحد) قال: بماء السماء. (2)
* * *
(1)
الأثر: 20117 - "أبو إسحاق الكوفي" ، ضعيف واهي الحديث، سلف برقم: 20078، وكان في المطبوعة والمخطوطة هنا "أبو إسحاق الصوفي" ، وهو خطأ محض.

(2)
الأثر: 20121 - "عبد الجبار بن يحيى الرملي" ، انظر ما سلف قريبًا رقم: 20082.

وقوله: (ونفضّل بعضها على بعض في الأكل) (1) اختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأه عامة قرأة المكيين والمدنيين والبصريين وبعض الكوفيين: (وَنُفَضِّلُ) ، بالنون بمعنى: ونفضّل نحن بعضها على بعض في الأكل.
* * *
وقرأته عامة قرأة الكوفيين: (وَيُفَضِّلُ) بالياء، ردا على قوله: (يغشي الليل النهار=) ويفضل بعضها على بعض.
* * *
قال أبو جعفر: وهما قراءتان مستفيضتان بمعنى واحد، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. غير أن "الياء" أعجبهما إليّ في القراءة؛ لأنه في سياق كلام ابتداؤه (الله الذي رفع السموات) ، فقراءته بالياء، إذ كان كذلك أولى.
* * *
ومعنى الكلام: إن الجنات من الأعناب والزرع والنخيل الصنوان وغير الصنوان، تسقى بماء واحد عذب لا ملح، ويخالف الله بين طعوم ذلك، فيفضّل بعضها على بعض في الطعم، فهذا حلو وهذا حامضٌ.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
20122- حدثنا أبو كريب قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (ونفضل بعضها على بعض في الأكل) قال: الفارسيّ والدَّقَل، (2) والحلو والحامض.
(1)
انظر تفسير "الأكل" فيما سلف 5: 538 / 12: 157.

(2)
"الفارسي" ، من التمر، لم أجد من ذكره، وأنا أرجح أن يكون عنى به {البرني} وهو ضرب من التمر أصفر مدور، عذب الحلاوة، وهو أجوده. وقالوا إن لفظ "البرني" فارسي معرب ويرجع ذلك عندي أن الرواية ستأتي عن سعيد بن جبير أيضًا أنه قال: "برني" ، رقم: 20124.

و "الدقل" أردأ أنواع التمر.
وسيأتي ذكر "الفارسي" في الخبرين التاليين: 20126، 20127.
20123- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير: (ونفضل بعضها على بعض في الأكل) قال: الأرض الواحدة يكون فيها الخوخ والكمثرى والعنب الأبيض والأسود، وبعضها أكثر حملا من بعض، وبعضه حلو وبعضه حامض، وبعضه أفضل من بعض.
20124- حدثني المثنى قال: حدثنا عارم أبو النعمان قال: حدثنا حماد بن زيد، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير: (ونفضل بعضها على بعض في الأكل) قال: بَرْنيّ وكذا وكذا، وهذا بعضه أفضل من بعض.
20125- حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا مؤمل قال: حدثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، في قوله: (ونفضل بعضها على بعض في الأكل) قال: هذا حامض، وهذا حلو، وهذا مُزٌّ.
20126- حدثني محمود بن خداش قال: حدثنا سيف بن محمد بن أخت سفيان الثوري قال: حدثنا الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (ونفضل بعضها على بعض في الأكل) قال: الدَّقَل والفارسيّ والحلو والحامض. (1)
(1)
الأثر: 20126 - "محمود بن خداش الطالقاني" ، شيخ الطبري، ثقة صدوق، مضى برقم: 178، 18487.

و "سيف بن محمد الثوري" ، "ابن أخت سفيان الثوري" ، لم يرو له من أصحاب الكتب الستة غير الترمذي، قال البخاري في تاريخه: "ضعفه أحمد" ، وروى عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه، أنه قال: "كذاب" ، وقال يحيى بن معين: "كان شيخًا ههنا كذابًا خبيثًا" ، وقال أحمد أيضًا: "لا يكتب حديثه، ليس بشيء، كان يضع الحديث" . وقال النسائي: "ضعيف متروك وليس بثقة" ، مترجم في التهذيب والكبير 2 / 2 / 173، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 277، وميزان الاعتدال 1: 438.
وهذا الخبر رواه الترمذي، عن محمود بن خداش أيضًا، بهذا الإسناد واللفظ في تفسير الآية، ثم قال: "هذا حديث حسن غريب، وقد رواه زيد بن أبي أنيسه (وهو الإسناد التالي) عن الأعمش، نحو هذا. وسيف بن محمد هو أخو عمار بن محمد، وعمار أثبت منه، وهو ابن أخت سفيان الثوري" .
فالعجب للترمذي كيف يحسن إسنادًا فيه هذا الكذاب "سيف بن محمد" . وانظر تخريج الأثر التالي.
وكان في المطبوعة: "حدثنا سيف بن محمد بن أحمد، عن سفيان الثوري" ، أساء ناشرها لأنه لم يدرس الإسناد، وغير ما في المخطوطة، وكان فيها: "حدثنا سيف بن محمد بن أحمد سفيان الثوري" ، وفي الهامش علامة الشك والتوقف، وصوابه ما أثبت.
انظر تفسير "الفارسي" فيما سلف ص: 343، تعليق: 2.
20127- حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي قال: حدثنا سليمان بن عبد الله الرقي قال: حدثنا عبيد الله بن عمر الرقي، عن زيد بن أبي أنيسة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، في قوله: (ونفضل بعضها على بعض في الأكل) قال: الدَّقل والفارسيّ والحلو والحامض. (1)
* * *
وقوله: (إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) يقول تعالى ذكره: إن في مخالفة الله عز وجل بين هذا القطع [من] الأرض المتجاورات وثمار جناتها وزروعها على ما وصفنا وبينَّا، (2) لدليلا واضحًا وعبرة لقوم يعقلون اختلاف ذلك، أن الذي خالف بينه على هذا النحو الذي خالف بينه، هو المخالف بين خلقه فيما قسم لهم من هداية وضلال وتوفيق وخذلان، فوفّق هذا وخذل هذا، وهدى ذا وأضل ذا،
(1)
الأثر: 20127 - "أحمد بن الحسن الترمذي" ، شيخ الطبري، كان أحد أوعية الحديث، ثقة، مضى مرارًا، آخرها رقم: 19876.

و "سليمان بن عبيد الله الأنصاري الرقي" ، "أبو أيوب الحطاب" ، قال ابن أبي حاتم: صدوق، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال النسائي: "ليس بالقوى، وقال ابن معين:" ليس بشيء "، ولم يذكر فيه البخاري جرحا، مترجم في التهذيب والكبير 2 / 2 / 26، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 127، وميزان الاعتدال 1: 418."
و "عبيد الله بن عمرو الرقي" ، ثقة، روى له الجماعة، مضى مرارًا، آخرها رقم: 16945.
و "زيد بن أبي أنيسة الجزري" ، ثقة، روى له الجماعة، مضى مرارًا آخرها رقم: 16945.
وهذا الخبر أشار إليه الترمذي، كما أسلفت في التعليق السابق، وذكره الذهبي في ميزان الاعتدال 1: 418، في ترجمة "سليمان بن عبيد الله" ، بهذا الإسناد تامًا، ثم قال: "قال العقيلي، لم يأت به غير سليمان، وإنما يعرف بسيف بن محمد عن الأعمش. قلت: وسيف هالك" .
فهذا إسناد كما ترى، فيه من الهلاك، وانفراد الضعيف به ما فيه، فكيف جاز للترمذي أن يحسنه مع هذه القوادح التي تقدح فيه من نواحيه. (وانظر علل الحديث لابن أبي حاتم 2: 80، رقم: 1723 (.
انظر تفسير "الفارسي فيما سلف ص: 343، تعليق: 2."
(2)
في المخطوطة والمطبوعة: "هذه القطع الأرض" ، فالزيادة واجبة.

لو شاء لسوَّى بين جميعهم، كما لو شاء سوَّى بين جميع أكل ثمار الجنة التي تشرب شربًا واحدًا، وتسقى سقيًا [واحدًا] ، (1) وهي متفاضلة في الأكل.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الأغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (5) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (وإن تعجب) يا محمد، من هؤلاء المشركين المتَّخذين ما لا يضرُّ ولا ينفع آلهةً يعبدونها من دوني= فعجب قولهم (أئذا كنا ترابا) وبَلِينا فعُدِمنا= (أئنا لفي خلق جديد) إنا لمجدَّدٌ إنشاؤنا وإعادتنا خلقًا جديدًا كما كنا قبل وفاتنا!! = تكذيبًا منهم بقدرة الله، وجحودًا للثواب والعقاب والبعث بعد الممات، كما:-
20128- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وإن تعجب فعجب) إن عجبت يا محمد، = (فعجب قولهم أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد) ، عجب الرحمن تبارك وتعالى من تكذيبهم بالبعث بعد الموت.
20129- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وإن تعجب فعجب قولهم) قال: إن تعجب من تكذيبهم، وهم قد رأوا من قدرة الله وأمره وما ضرب لهم من الأمثال، فأراهم من حياة الموتى في الأرض الميتة، إن تعجب من هذه فتعجَّب من قولهم: (أئذا كنا ترابًا أئنا لفي خلق جديد) ،
(1)
ما بين القوسين زيادة واجبة هنا أيضًا.

أو لا يرون أنا خلقناهم من نطفة؟ فالخلق من نطفة أشدُّ أم الخلق من ترابٍ وعظام؟ (1) .
* * *
واختَلَف في وَجْه تكرير الاستفهام في قوله: (أئنا لفي خلق جديد) ، بعد الاستفهام الأول في قوله: (أئذا كنا ترابا) ، أهلُ العربية. (2)
فقال بعض نحويي البصرة: الأوّل ظرف، والآخر هو الذي وقع عليه الاستفهام، كما تقول: أيوم الجمعة زيدٌ منطلق؟ قال: ومن أوقع استفهامًا آخر على قوله: (أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا) ، (3) جعله ظرفًا لشيء مذكور قبله، كأنهم قيل لهم: "تبعثون" ، فقالوا: (أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا) ؟ ثم جعل هذا استفهامًا آخر. قال: وهذا بعيدٌ. قال: وإن شئت لم تجعل في قولك: (أئذا) استفهامًا، وجعلت الاستفهام في اللفظ على (أئنا) ، كأنك قلت: أيوم الجمعة أعبد الله منطلق؟ وأضمرت نفيه. (4) فهذا موضعُ ما ابتدأت فيه بـ (أئذا) ، (5) وليس بكثير في الكلام لو قلت: "اليوم إنّ عبد الله منطلق" ، (6) لم يحسن، وهو جائز، وقد قالت العرب: "ما علمت إنَّه لصالح، تريد: إنه لصالح ما علمت. (7) "
* * *
(1)
الأثر: 20129 - في المطبوعة وحدها مكان "ابن وهب" : "إبراهيم" ، لا أدري من أين جاء بهذا؟ وهو إسناد دائر في التفسير.

(2)
"أهل العربية" ، فاعل قوله آنفًا: "واختلف ..." .

(3)
في المطبوعة والمخطوطة: "أئذا متنا وكنا ترابًا" ، وأثبت نص الآية التي في هذه السورة.

(4)
في المطبوعة والمخطوطة: "وأضمر نفيه" ، والأجود ما أثبت. ويعني بقوله: "نفيه" أي إلغاءه وإسقاطه.

(5)
في المطبوعة: "قد ابتدأت فيه أئذا" ، وفي المخطوطة: "قد ابتدأت فيه بأئذا" ، ولكنه خلط كتابة "بأئذا" ، ورأيت أن الصواب أن تكون مكان "قد" "ما" . وفي المخطوطة والمطبوعة بعد هذا "بكبير في الكلام" ، وهذا أجود.

(6)
في المطبوعة وحدها: "اليوم أإن" بهمزة الاستفهام، زاد ما ليس في المخطوطة وأساء غاية الإساءة.

(7)
أشار أبو جعفر فيما سلف 7: 260، إلى أنه سيأتي على الصواب من القول في ترك إعادة الاستفهام ثانية، وأن الاستفهام في أول الكلام دال على موضعه ومكانه. وهذا هو الموضع الذي أشار إليه، فيما أرجح، فراجع ما سلف 7: 259، 260. * * *

حاشية مهمة: كلام أبي جعفر في هذا الموضع يحتاج إلى بيان، فإنه قد أغمض القول فيه إغماضًا مخلًا، حتى ألجأ ناشر النسخة الأولى أن يصحح ما صحح، ويغير ما غير، لغموض ما كتب أبو جعفر ههنا، ولذلك فارقت ما لزمته قبل، من ترك التعليق على ما في التفسير من أبواب النحو. وأنا أخشى أن يكون سقط من الكلام شيء.
وكلام أبي جعفر في هذه الفقرة، أراد به بيان تكرير الاستفهام، كما ذكر في ترجمة اختلاف أهل العربية، ولكنه أضمر الكلام إضمارًا هذا بيانه وشرحه.
1 -
قوله: "فقال بعض نحويي البصرة: الأولى ظرف. والآخر هو الذي وقع عليه الاستفهام، كما تقول: أيوم الجمعة زيد منطلق" .

يريد أن "إذا" ظرف، يتعلق بمحذوف بعده يدل عليه قوله: "أننا لفي خلق جديد" ، وهو "البعث" ، كأنه قال "أئذا كنا ترابًا، نبعث" ؟ فالظرف "إذا" متعلق بمحذوف هو "نبعث" ، والمعنى: أنبعث إذا كنا ترابًا. فهذا كما تقول: أيوم الجمعة زيد منطلق؟ ومعناه: أزيد منطلق يوم الجمعة؟ فالاستفهام واقع في الأول على "نبعث" ، وفي المثال الآخر على: "زيد منطلق" ، وهذا تأويل نحويي البصرة، كما جاء في كتب التفسير.
2 -
ثم قال بعده: "ومن أوقع استفهامًا آخر على قوله:" أئذا كنا ترابًا "، جعله ظرفًا لمذكور قبله، كأنهم قيل لهم: تبعثون؟ فقالوا:" أئذا كنا ترابًا "، ثم جعل هذا استفهامًا آخر. قال: وهذا بعيد" .

يريد أن "إذا" ، الظرف، متعلق بمحذوف قبله، وهو الذي قيل لهم: "تبعثون" ، فقالوا: أئذا كنا ترابًا؟ فالاستفهام واقع هنا على "إذا" ، أي على الظرف. وهذا مستبعد، لأنه أتى بمحذوف قبل الظرف لا دليل عليه في الكلام.
3 -
ثم قال: "قال: وإن شئت لم تجعل في" أئذا "استفهامًا، وجعلت الاستفهام في اللفظ على" أئنا "، كأنك قلت: أيوم الجمعة أعبد الله منطلق؟ وأضمرت نفيه. فهذا موضع ما ابتدأت فيه ب" أئذا "، وليس بكثير في الكلام" .

يريد أن الاستفهام الأول فضلة وزيادة في "أئذا" ، وأنت تضمر نفيها، فكررت الاستفهام، كما كررته في قولك: أيوم الجمعة أعبد الله منطلق؟ وهذا التكرار ليس بكثير في الكلام.
4 -
ثم قال: "لو قلت: اليوم إن عبد الله منطلق، لم يحسن، وهو جائز. وقد قالت العرب: ما علمت إنه لصالح، تريد: إنه لصالح ما علمت" .

يعني أن هذا الوجه الرابع غير حسن، وإن كان جائزًا، وذلك أنه يقتضي أن تكون "إذا" عندئذ، ظرفاً متعلقاً بقوله: "لفي خلق جديد" ، أي بخبر "إن" ، وخبر "إن" لا يتقدم عليها، فأولى أن يتقدم عليها معمول خبرها. ولذلك لم يحسن قولك: "اليوم إن عبد الله منطلق" ، لأن "اليوم" معمول "منطلق" وهو خبر "إن" ، فتقديمه على "إن" ، غير حسن، وإن جاز. لأن "إن" لا يعمل ما بعدها فيما قبلها. واستدل على جوازه بقول العرب: ما علمت إنه لصالح، و "ما" هنا ظرفية، أي: "في علمي، أو زمن علمي" ، فقدمت العرب "ما علمت" على "إن" وهي تعني "إنه صالح ما علمت" وهذا البيان الذي توسعت فيه، لشرح مقالة أبي جعفر، لم أجد أحدًا من أصحاب كتب التفسير، أو أصحاب كتب إعراب القرآن، تعرض له تعرض أبي جعفر في بيانه. وكلهم قد تخطى هذا وأوجزه، ولم يشرحه شرح أبي جعفر. وأبو حيان، وهو من هو في تتبع أقوال النحاة، وفي تقصي مقالة الطبري في تفسيره، أغفل هو أيضًا بيانه وتجاوزه. وذلك لغموض عبارة أبي جعفر في هذا الموضع. فأرجو أن أكون قد بلغت في بيانها مبلغًا مرضيًا إن شاء الله.
وقال غيره: (أئذا) جزاء وليست بوقت، (1) وما بعدها جواب لها، إذا لم يكن في الثاني استفهام، والمعنى له، لأنه هو المطلوب، وقال: ألا ترى أنك تقول: "أإن تقم يقوم زيد، ويقم؟" ، (2) من جزم فلأنه وقع موقع جواب الجزاء، ومن رفع فلأن الاستفهام له، واستشهد بقول الشاعر: (3)
حَلَفْتُ لَهُ إنْ تُدْلِجِ الليلَ لا يَزَلْ ... أَمَامَكَ بَيْتٌ مِنْ بُيُوتِيَ سَائِرُ (4)
فجزم جواب اليمين لأنه وقع موقع جواب الجزاء، والوجه الرفع. (5) قال: فهكذا هذه الآية. قال: ومن أدخل الاستفهام ثانية، فلأنه المعتمد عليه، وترك الجزء الأوّل.
* * *
وقوله: (أولئك الذين كفروا بربهم) يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين أنكروا البعث وجَحدُوا الثواب والعقاب، وقالوا: (أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ
(1)
"الجزاء" ، هو "الشرط" = و "الوقت" ، هو "ظرف الزمان" .

(2)
في المطبوعة والمخطوطة: "إن تقم يقوم ..." ، والصواب إثبات همزة الاستفهام، كما يدل عليه الكلام.

(3)
البيت للراعي.

(4)
مضى البيت وتخريجه وشرحه فيما سلف 7: 259، تعليق: 2.

(5)
يعني أن الاستفهام إذا دخل على شرط، كان الاستفهام للجواب دون الشرط. وقد قال فيما سلف آنفًا 7: 259: "كل استفهام دخل على جزاء، فمعناه أن يكون في جوابه، لأن الجواب خبر يقوم بنفسه، والجزاء شرط لذلك الخبر" . وكذلك اليمين إذا تقدم الشرط، كان الجواب له دون الشرط. فهو يقول إن الاستفهام في "أئذا" ، و "إذا شرط، واقع على جوابها، هو" إنا لفي خلق جديد "، هذا إذا خلت الآية من الاستفهام، ولكنها لم تخل منه. فقال بعد ذلك: إنه إنما أدخل الاستفهام ثانية على الجواب، بعد إدخاله على الشرط، لأن الاستفهام للجواب، فإدخاله على الجواب هو الأصل. فلما أدخله عليه، فكأنه ألغى الاستفهام الأول الداخل على الشرط."

جَدِيدٍ) هم الذين جحدوا قدرة ربِّهم وكذبوا رسوله، وهم الذين في أعناقهم الأغلال يوم القيامة في نار جهنم، (1) فأولئك (أصحاب النار) ، يقول: هم سكان النار يوم القيامة= (هم فيها خالدون) يقول: هم فيها ماكثون أبدًا، لا يموتون فيها، ولا يخرجون منها.
* * *
(1)
انظر تفسير "الأغلال، فيما سلف 13: 168، ولم يبينها هنا ولا هناك بيانًا كافيًا كعادته."

القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ (6) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (ويستعجلونك) يا محمد، (1) مشركو قومك بالبلاء والعقوبة قبل الرخاء والعافية، فيقولون: (اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) [سورة الأنفال: 32] وهم يعلمون ما حَلَّ بمن خلا قبلهم من الأمم التي عصت ربها وكذبت رسلها من عقوبات الله وعظيم بلائه، (2) فمن بين أمة مسخت قردة وأخرى خنازير، ومن بين أمّة أهلكت بالرَّجْفة، وأخرى بالخسف، وذلك هو (المثلات) التي قال الله جل ثناؤه. (وقد خلت من قبلهم المثلات) .
و (المثلات) ، العقوبات المنكِّلات، والواحدة منها: "مَثُلة" بفتح الميم وضم الثاء، ثم تجمع "مَثُلات" ، كما واحدة "الصَّدُقَات" "صَدُقَة" ، ثم تجمع "صَدُقَات" . (3) وذكر أن تميمًا من بين العرب تضم الميم والثاء جميعًا من "المُثُلات" ،
(1)
انظر تفسير "الاستعجال" فيما سلف 15، 33، 101.

(2)
انظر تفسير "خلا" فيما سلف 12: 415، تعليق: 4، والمراجع هناك.

(3)
الصدقة "، مهر المرأة، وقد مضى آنفًا في سورة النساء، آية: 4 في 7: 552، ولم يشرحها كل الشرح هناك."







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 19-07-2025, 04:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,434
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف
الحلقة (882)
صــ 251 إلى صــ 260





19811- ... قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا سفيان، عن أبي سنان، عن عبد الله بن أبي الهذيل، قال: كنا عند ابن عباس فقال: (إني لأجد ريح يوسف) قال: وجد ريح قميصه من مسيرة ثمان ليال.
19812- حدثنا الحسن بن يحيى، قالأخبرنا عبد الرزاق، قالأخبرنا إسرائيل، عن أبي سنان، عن عبد الله بن أبي الهذيل، قال: سمعت ابن عباس يقول: (ولما فصلت العير) قال: لما خرجت العير، هاجت ريح فجاءت يعقوبَ بريح قميص يوسف، فقال: (إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون) قال: فوجد ريحه من مسيرة ثمان ليال.
19813- حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن: ذكر لنا أنه كان بينهما يومئذ ثمانون فرسخًا، يوسف بأرض مصر ويعقوب بأرض كنعان، وقد أتى لذلك زمان طويل. (1)
19814- حدثنا القاسم، قال، حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: (إني لأجد ريح يوسف) قال: بلغنا أنه كان بينهم يومئذ ثمانون فرسخًا، وقال: (إني لأجد ريح يوسف) وكان قد فارقه قبل ذلك سبعًا وسبعين سنة.
19815- حدثنا أحمد بن إسحاق، قال، حدثنا أبو أحمد، قال، حدثنا سفيان، عن أبي سنان، عن عبد الله بن أبي الهذيل، عن ابن عباس، في قوله: (إني لأجد ريح يوسف) قال: وجد ريح القميص من مسيرة ثمانية أيام.
19816- ... قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي سنان، عن عبد الله بن أبي الهذيل، عن ابن عباس، قوله: (ولما فصلت العير) قال: فلما خرجت العير هبت ريح، فذهبت بريح قميص يوسف إلى يعقوب،
(1)
قوله: "وقد أتى لذلك زمان طويل" ، يعني مدة فراق يعقوب ويوسف، كما يظهر من الأثر التالي.

فقال: (إني لأجد ريح يوسف) قال: ووجد ريح قميصه من مسيرة ثمانية أيام.
19817- حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: لما فصلت العير من مصر استروَح يعقوب ريح يوسف، فقال لمن عنده من ولده: (إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفنّدون) .
* * *
وأما قوله: (لولا أن تفندون) ، فإنه يعني: لولا أن تعنّفوني، وتعجّزوني، وتلوموني، وتكذبوني.
ومنه قول الشاعر: (1)
يَا صَاحِبَيَّ دَعَا لَوْمِي وَتَفْنِيدِي ... فَلَيْسَ مَا فَاتَ مِنْ أَمْرِي بمَرْدُودِ (2)
ويقال: "أفند فلانًا الدهر" ، وذلك إذا أفسده، ومنه قول ابن مقبل:
دَعِ الدَّهْرَ يَفْعَلْ مَا أَرَادَ فإنَّهُ ... إِذا كُلِّفَ الإفْنَاد بالنِّاسِ أَفْنَدا (3)
* * *
واختلف أهل التأويل في معناه.
فقال بعضهم: معناه: لولا أن تسفهوني.
*ذكر من قال ذلك:
19818- حدثنا ابن وكيع، قال، حدثنا ابن عيينة، عن أبي سنان، عن ابن أبي الهذيل، عن ابن عباس: (لولا أن تفندون) قال: تسفّهون.
19819- حدثنا أبو كريب، قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع، قال، حدثنا أبي=، عن إسرائيل، عن أبي سنان، عن ابن أبي الهذيل، عن ابن عباس، مثله.
(1)
هو هانئ بن شكيم العدوي، هكذا نسبة أبو عبيدة.

(2)
مجاز القرآن 1: 318، وروايته هناك: "عن أمر" ، بغير إضافة.

(3)
لم أجد البيت فيما بين يدي من المراجع.

19820- ... وبه قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد: (لولا أن تفندون) قال: تسفّهون.
19821- حدثني المثنى وعلي بن داود قالا حدثنا عبد الله، قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (لولا أن تفندون) يقول: تجهِّلون.
19822- حدثنا أحمد بن إسحاق، قال، حدثنا أبو أحمد، قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي سنان، عن عبد الله بن أبي الهذيل، عن ابن عباس: (لولا أن تفندون) ، قال: لولا أن تسفهون.
19823- حدثنا أحمد، قال، حدثنا أبو أحمد= وحدثني المثنى، قال، حدثنا أبو نعيم= قالا جميعًا: حدثنا سفيان، عن خصيف، عن مجاهد: (لولا أن تفندون) ، قال: لولا أن تسفهون.
19824- حدثني المثنى، قال، حدثنا الحماني، قال: حدثنا شريك، عن أبي سنان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، وسالم عن سعيد=: (لولا أن تفندون) ، قال أحدهما: تسفهون= وقال الآخر: تكذبون.
19825- حدثني يعقوب، قال، حدثنا هشيم، قال، أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء: (لولا أن تفندون) ، قال: لولا أن تكذبون، لولا أن تسفّهون.
19826- حدثنا ابن وكيع، قال، حدثنا يزيد بن هارون، عن عبد الملك، عن عطاء قال، تسفهون.
19827- حدثنا بشر، قال، حدثنا يزيد، قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (لولا أن تفندون) ، يقول: لولا أن تسفهون.
19828- حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (لولا أن تفندون) ، يقول: لولا أن تسفهون.
19829- حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال، أخبرنا
إسرائيل، عن أبي سنان، عن عبد الله بن أبي الهذيل، قال: سمعت ابن عباس يقول: (لولا أن تفندون) ، يقول: تسفهّون.
19830- حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (لولا أن تفندون) ، قال: ذهبَ عقله!
19831- حدثني محمد بن عمرو، قال، حدثنا أبو عاصم، قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (تفندون) ، قال: قد ذهبَ عقله!
19832- حدثني المثنى، قال، حدثنا أبو حذيفة، قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد=
19833- وحدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق، قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (لولا أن تفندون) ، قال: قد ذهب عقله!
19834- حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (لولا أن تفندون) قال: لولا أن تقولوا: ذهب عقلك!
19835- حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (لولا أن تفندون) ، يقول: لولا أن تضعِّفوني.
19836- حدثني يونس، قال، أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (لولا أن تفندون) ، قالالذي ليس له عقل ذلك "المفنّد" ، يقول: لا يعقل. (1)
* * *
وقال آخرون: معناه: لولا أن تكذبون.
*ذكر من قال ذلك:
19837- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا سويد بن عمرو الكلبي، عن شريك، عن سالم عن سعيد: (لولا أن تفندون) قال: تكذبون.
(1)
في المطبوعة: "يقولون: لا يعقل" ، وما في المخطوطة صواب محض، على منهاجهم.

19838- ... قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي قال: لولا أن تهرِّمون وتكذبون.
19839- ... قال: حدثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج، قال: بلغني عن مجاهد قال: تكذبون.
19840- ... قال: حدثنا عبدة، وأبو خالد، عن جويبر، عن الضحاك قال: لولا أن تكذبون.
19841- حدثت عن الحسين، قال، سمعت أبا معاذ، يقول، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (لولا أن تفندون) تكذبون.
19842- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو قال، أخبرنا هشيم، عن عبد الملك، عن عطاء في قوله: (لولا أن تفندون) قال: تسفهون أو تكذبون.
19843- حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (لولا أن تفندون) ، يقول: تكذبون.
* * *
وقال آخرون: معناه تهرِّمون.
*ذكر من قال ذلك:
19844- حدثنا أحمد بن إسحاق، قال، حدثنا أبو أحمد، قال، حدثنا إسرائيل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (لولا أن تفندون) ، قال: لولا أن تهرِّمون.
19845- حدثنا ابن وكيع، قال، حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد، مثله.
19846- حدثنا بشر، قال، حدثنا يزيد، قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن قال: تهرِّمون.
19847- حدثني يعقوب، قال، حدثنا هشيم، قال، أخبرنا أبو الأشهب،
عن الحسن: (لولا أن تفندون) ، قال: تهرِّمون.
19848- حدثني المثنى، قال، حدثنا عمرو بن عون، قال، أخبرنا هشيم، عن أبي الأشهب وغيره، عن الحسن، مثله.
* * *
قال أبو جعفر: وقد بينا أن أصل "التفنيد" :الإفساد. وإذا كان ذلك كذلك فالضعف والهرم والكذب وذهاب العقل وكل معاني الإفساد تدخل في التفنيد، لأن أصل ذلك كله الفساد والفساد في الجسم: الهرمُ وذهاب العقل والضعف= وفي الفعل: الكذب واللوم بالباطل، ولذلك قال جرير بن عطية:
يا عَاذِليَّ دَعَا المَلامَ وأَقْصِرَا ... طَالَ الهَوَى وأَطَلْتُما التَّفْنيدا (1)
يعني: الملامة= فقد تبيّن، إذ كان الأمر على ما وصفنا، أنّ الأقوال التي قالها من ذكرنا قولَه في قوله: (لولا أن تفندون) على اختلاف عباراتهم عن تأويله، متقاربةُ المعاني، محتملٌ جميعَها ظاهرُ التنزيل، إذ لم يكن في الآية دليلٌ على أنه معنيٌّ به بعض ذلك دون بعض.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (95) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال الذين قال لهم يعقوب من ولده (إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون) : تالله، أيها الرجل، إنك من حبّ يوسف وذكره لفي خطئك وزللك القديم (2) لا تنساه، ولا تتسلى عنه.
(1)
ديوانه: 169، من قصيدة له طويلة، ورواية البيت خطأ في الديوان، صوابه ما ههنا، "وأقصرا" ، بالراء، من "الإقصار" ، وهو الكف عن فعل الشيء.

(2)
في المخطوطة: "لفي حطامك في ذلك القديم" غير منقوطة، والصواب ما في المطبوعة. ولكنه كتب هناك: "خطئك" مكان "خطائك" ، وهما بمعنى واحد. وسيأتي في مواضع أخرى، سأصححها على رسم المخطوطة.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19849- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (إنك لفي ضلالك القديم) ، يقول: خطائك القديم.
19850- حدثنا بشر، قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم) أي:من حب يوسف لا تنساه ولا تسلاه. قالوا لوالدهم كلمةً غليظة، لم يكن ينبغي لهم أن يقولوها لوالدهم، ولا لنبيّ الله صلى الله عليه وسلم.
19851- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم) ، قال: في شأن يوسف.
19852- حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد، قال، قال سفيان: (تالله إنك لفي ضلالك القديم) ، قال: من حبك ليوسف.
19853- حدثنا ابن وكيع. قال، حدثنا عمرو، عن سفيان، نحوه.
19854- حدثنا القاسم، قال، حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج: (قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم) ، قال: في حبك القديم.
19855- حدثنا ابن حميد، قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم) ، أي إنك لمن ذكر يوسف في الباطل الذي أنت عليه.
19856- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في قوله: (تالله إنك لفي ضلالك القديم) ، قال: يعنون: حزنه القديم على يوسف= "وفي ضلالك القديم" : لفي خطائك القديم.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (96) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلما أن جاء يعقوبَ البشيرُ من عند ابنه يوسف، وهو المبشّر برسالة يوسف، وذلك بريدٌ، فيما ذكر، كان يوسف أبردَهُ إليه. (1)
* * *
وكان البريد فيما ذكر، والبشير: يهوذا بن يعقوب، أخا يوسف لأبيه.
*ذكر من قال ذلك:
19857- حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه) ، يقول: "البشير" : البريدُ.
19858- حدثنا القاسم، قال، حدثنا الحسين، قال، حدثنا هشيم، قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك: (فلما أن جاء البشير) قالالبريد.
19859- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا محمد بن يزيد الواسطي، عن جويبر، عن الضحاك: (فلما أن جاء البشير) ، قالالبريد.
19860- ... قال، حدثنا شبابة، قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (فلما أن جاء البشير) ، قال: يهوذا بن يعقوب.
19861- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (البشير) قال: يهوذا بن يعقوب.
(1)
في المطبوعة: "برده إليه" ، وأثبت ما في المخطوطة، وكلاهما صواب. يقال: "برد بريدًا، وأبرده" ، أي: أرسله.

19862- حدثني المثنى، قال، حدثنا أبو حذيفة، قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: يهوذا بن يعقوب.
19863- ... قال: حدثنا إسحاق، قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: هو يهوذا بن يعقوب.
19864- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج: (فلما أن جاء البشير) ، قال: يهوذا بن يعقوب، كان البشير.
19865- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن سفيان، عن ابن جريج، عن مجاهد: (فلما أن جاء البشير) ، قال: هو يهوذا بن يعقوب.
= قال سفيان: وكان ابن مسعود يقرأ: "وَجَاءَ البَشِيرُ مِنْ بَيْنِ يَدَي العِيرِ" (1) .
19866- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: (فلما أن جاء البشير) ، قالالبريد، هو يهوذا بن يعقوب.
19867- ... قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي قال، قال يوسف: (اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين) ، قال يهوذا: أنا ذهبتُ بالقميص، ملطخًا بالدم إلى يعقوب فأخبرته أن يوسف أكله الذئب، وأنا أذهب اليوم بالقميص وأخبره أنه حيٌّ فأفرحه كما أحزنته. فهو كان البشير.
19868- حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك: (فلما أن جاء البشير) ، قالالبريد.
* * *
(1)
هذه قراءة لا يقرأ بها كما سلف مرارًا لمخالفتها ما في المصحف، ولكن هذه فيها إشكال، فلو صح أنها: "وجاء البشير" ، لوجب أن تكون القراءة بعدها: "فألقاه" بالفاء. وإلا وجب أن تكون القراءة: "فَلَمَّا أَنْ جَاءَ البشِيرُ مِنْ بَيْنِ يَدَي العِيرِ ."

قال أبو جعفر: وكان بعضُ أهل العربيّة من أهل الكوفة يقول: "أنْ" في قوله: (فلما أن جاء البشير) وسقوطُها، بمعنى واحدٍ، وكان يقول هذا في: "لما" و "حتى" خاصّة، ويذكر أن العرب تدخلها فيهما أحيانًا وتسقطها أحيانًا، كما قال جل ثناؤه: (وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا) [سورة العنكبوت:33] ، وقال في موضع آخر: (وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا) [سورة هود:77] ، وقال: هي صلة، (1) لا موضع لها في هذين الموضعين. يقال: "حتى كان كذا وكذا" ، أو "حتى أن كان كذا وكذا" .
* * *
وقوله: (ألقاه على وجهه) ، يقولألقى البشير قميص يوسف على وجه يعقوب، كما:-
19869- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: فلما أن جاء البشير ألقى القميص على وجهه.
* * *
وقوله: (فارتد بصيرًا) ، يقول: رجع وعادَ مبصرًا بعينيه، (2) بعد ما قد عمي= (قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون) ، يقول جل وعز وجل: قال يعقوب لمن كان بحضرته حينئذ من ولده: ألم أقل لكم يا بني إني أعلم من الله أنه سيردّ عليَّ يوسف، ويجمع بيني وبينه، وكنتم لا تعلمون أنتم من ذلك ما كنت أعلمه، لأن رؤيا يوسف كانت صادقة، وكان الله قد قضى أن أخِرَّ أنا وأنتم له سجودًا، فكنت مُوقنًا بقضائه.
* * *
(1)
قوله: "صلة" ، أي زيادة، وانظر ما سلف: 1: 190، 405، 406، 548. 4: 289 / 5: 460، 462 / 7: 340، 341 / 12: 325، 326 / 13: 508 / 14: 30 / 15: 497.

(2)
انظر تفسير "ارتد" فيما سلف 3: 163 / 4: 316 / 10: 170، 409، 410.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 19-07-2025, 04:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,434
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف
الحلقة (883)
صــ 261 إلى صــ 270





القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال ولد يعقوبَ الذين كانوا فرَّقوا بينه وبين يوسف: يا أبانا سل لنا ربك يعفُ عنَّا، ويستر علينا ذنوبنا التي أذنبناها فيك وفي يوسف، فلا يعاقبنا بها في القيامة = (إنا كنا خاطئين) ، فيما فعلنا به، فقد اعترفنا بذنوبنا = (قال سوف أستغفر لكم ربي) ، يقول جل ثناؤه: قال يعقوب: سوف أسأل ربي أن يعفو عنكم ذنوبكم التي أذنبتموها فيّ وفى يوسف.
* * *
ثم اختلف أهل العلم، (1) في الوقت الذي أخَّر الدعاء إليه يعقوبُ لولده بالاستغفار لهم من ذنبهم.
فقال بعضهم: أخَّر ذلك إلى السَّحَر.
* ذكر من قال ذلك:
19870 - حدثني أبو السائب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت عبد الرحمن بن إسحاق، يذكر، عن محارب بن دثار، قال: كان عمٌّ لي يأتي المسجدَ، فسمع إنسانًا يقول ": اللهم دعوتني فأجبت وأمرتني فأطعت، وهذا سَحَرٌ، فاغفر لي" قال: فاستمع الصوت فإذا هو من دار عبد الله بن مسعود. فسأل عبد الله عن ذلك، فقال: إن يعقوب أخَّر بنيه إلى السحر بقوله: (سوف أستغفر لكم ربي) . (2)
(1)
في المطبوعة: "أهل التأويل" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(2)
الأثر: 19870 - "عبد الرحمن بن إسحاق بن سعد الواسطي" ، "أبو شيبة" ، قال أحمد: ليس بشيء، منكر الحديث، وضعفه الباقون. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 213.

و "محارب بن دثار السدوسي" ، "أبو مطرف" ، ثقة، مضى برقم: 11331.
19871 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن فضيل، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن محارب بن دثار، عن عبد الله بن مسعود: (سوف أستغفر لكم ربي) ، قال: أخَّرهم إلى السَّحر.
19872 -.... قال: حدثنا أبو سفيان الحميري، عن العوام، عن إبراهيم التيميّ في قول يعقوب لبنيه: (سوف أستغفر لكم ربي) ، قال: أخّرهم إلى السحر. (1)
19873 -.... قال: حدثنا عمرو، عن خلاد الصفار، عن عمرو بن قيس: (سوف أستغفر لكم ربي) ، قال: في صلاة الليل.
19874 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج: (سوف أستغفر لكم ربي) ، قال: أخَّر ذلك إلى السَّحر.
* * *
وقال آخرون: أخَّر ذلك إلى ليلة الجمعة.
* ذكر من قال ذلك:
19875 - حدثني المثنى، قال: حدثنا سليمان بن عبد الرحمن أبو أيوب الدمشقي، قال: حدثنا الوليد، قال: أخبرنا ابن جريج، عن عطاء وعكرمة، عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سوف أستغفر لكم ربي) ، يقول: حتى تأتي ليلة الجمعة. وهو قول، أخي يعقوب لبنيه. (2)
(1)
الأثر: 19872 - "أبو سفيان الحميري" ، هو "سعيد بن يحيى بن مهدي" صدوق، مضى برقم: 12193.

(2)
الأثر: 19875 - "سليمان بن عبد الرحمن التميمي" ، "أبو أيوب الدمشقي" ، ثقة، ولكنه حدث بالمناكير، متكلم في روايته عن غير الثقات، مضى برقم: 14212.

و "الوليد بن مسلم الدمشقي القرشي" ، ثقة، روى له الجماعة، مضى مرارًا، آخرها: 13461.
وسائر رجال الخبر ثقات، وقد ذكره ابن كثير في تفسيره 4: 477، ثم قال: "وهذا غريب من هذا الوجه، وفي رفعه نظر، والله أعلم" .
وهذا الحديث، من حديث الوليد بن مسلم، رواه الترمذي من طريق أحمد بن الحسن، عن سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، عن الوليد بن مسلم، في باب (أحاديث شتى من أبواب الدعوات) ، وهو حديث طويل جدًا، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم" .
ورواه الحاكم في المستدرك 1: 316. من هذه الطريق نفسها ثم قال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه" .
وقد علق الذهبي فقال: "هذا حديث منكر شاذ، أخاف لا يكون موضوعًا، وقد حيرني والله جودة سنده، فإن الحاكم قال فيه: حدثنا أبو النضر محمد بن محمد الفقيه، وأحمد بن محمد العنزي قالا حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي (ح) وحدثني أبو بكر بن محمد بن جعفر المزكي، حدثنا محمد بن إبراهيم العبدي، قالا حدثنا أيوب سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، حدثنا الوليد بن مسلم، فذكره مصرحًا بقوله:" حدثنا ابن جريج "، فقد حدث به سليمان قطعًا وهو ثبت، فالله أعلم" .
وهذا الإشكال الذي حير الذهبي، ربما فسره ما قال يعقوب بن سفيان، في سليمان بن عبد الرحمن: "كان صحيح الكتاب، إلا أنه كان يحول، فإن وقع فيه شيء فمن النقل، وسليمان ثقة" . فإن صح هذا فربما كان هذا الحديث مما وهم في تحويله، لأن أسانيد هذا الخبر تدور كلها على "سليمان بن عبد الرحمن" ، ولم نجد أحدًا رواه عن الوليد بن مسلم: غير سليمان. والله أعلم.
وسيأتي بإسناد آخر يليه.
19876 - حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي، قال: حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: أخبرنا ابن جريج، عن عطاء وعكرمة مولى ابن عباس، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد قال أخي يعقوب: (سوف أستغفر لكم ربي) ، يقول: حتى تأتي ليلة الجمعة. (1)
* * *
وقوله: (إنه هو الغفور الرحيم) ، يقول: إن ربي هو الساتر على ذنوب التائبين إليه من ذنوبهم = "الرحيم" ، بهم أن يعذبهم بعد توبتهم منها.
* * *
(1)
الأثر: 19876 - هذا مكرر الذي سلف.

و "أحمد بن الحسن الترمذي" ، شيخ الطبري، كان أحد أوعية الحديث، مضى برقم: 7489، 14212.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) }
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: فلما دخل يعقوب وولده وأهلوهم على يوسف = (آوى إليه أبويه) ، يقول: ضم إليه أبويه (1) فقال لهم: (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين) .
* * *
فإن قال قائل: وكيف قال لهم يوسف: (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين) ، بعد ما دخلوها، وقد أخبر الله عز وجل عنهم أنهم لما دخلوها على يوسف وضَمّ إليه أبويه، قال لهم هذا القول؟
قيل: قد اختلف أهل التأويل في ذلك.
فقال بعضهم: إن يعقوب إنما دخل على يوسف هو وولده، وآوى يوسف أبويه إليه قبل دخول مصر. قالوا: وذلك أن يوسف تلقَّى أباه تكرمةً له قبل أن يدخل مصر، فآواه إليه، ثم قال له ولمن معه: (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين) ، بها قبل الدخول.
* ذكر من قال ذلك:
(1)
انظر تفسير "الإيواء" فيما سلف ص: 169، تعليق: 1، "والمراجع هناك."

19877 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: فحملوا إليه أهلهم وعيالهم، فلما بلغوا مصر، كلَّم يوسف الملك الذي فوقه، فخرج هو والملوك يتلقَّونهم، فلما بلغوا مصر قال: (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين) = (فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه) .
19878 - حدثني الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا جعفر بن سليمان، عن فرقد السبخي، قال: لما ألقي القميص على وجهه ارتد بصيرًا، وقال: (ائتوني بأهلكم أجمعين) ، فحمل يعقوب وإخوة يوسف، فلما دنا أخبر يوسف أنه قد دنا منه، فخرج يتلقاه. قال: وركب معه أهلُ مصر، وكانوا يعظمونه. فلما دنا أحدهما من صاحبه، وكان يعقوب يمشي وهو يتوكأ على رجل من ولده يقال له يهوذا. قال: فنظر يعقوب إلى الخيل والناس، فقال: يا يهوذا، هذا فرعون مصر؟ قال: لا هذا ابنك! قال: فلما دنا كل واحد منهما من صاحبه، فذهب يوسف يبدؤه بالسلام، فمنع من ذلك، وكان يعقوب أحقّ بذلك منه وأفضل، فقال: السلام عليك يا ذاهب الأحزان عني = هكذا قال: "يا ذاهب الأحزان عني" . (1)
19879 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: قال حجاج: بلغني أن يوسف والملك خرجا في أربعة آلاف يستقبلون يعقوب وبنيه.
= قال: وحدثني من سمع جعفر بن سليمان يحكي، عن فرقد السبخي، قال: خرج يوسف يتلقى يعقوب، وركب أهل مصر مع يوسف = ثم ذكر بقية الحديث، نحو حديث الحارث، عن عبد العزيز.
* * *
(1)
يعني أنه قال ذلك معديًا "ذهب" من قولهم "ذهب به، وأذهبه" ، أي: أزاله كأنه قال: يا مذهب الأحزان عني. وهذا غريب، يقيد لغرابته، وانظر إلى دقة الرواية عندنا، حتى في مثل هذه الأخبار، ولكن أهل الزيغ يريدون أن يعبثوا بهذه الدلائل الواضحة، ليقع الناس في الشك في أخبار نبيهم، وفي رواية رواتهم، والله من ورائهم محيط.

وقال آخرون: بل قوله: (إن شاء الله) ، استثناءٌ من قول يعقوب لبنيه: (استغفر لكم ربي) . قال: وهو من المؤخر الذي معناه التقديم. قالوا: وإنما معنى الكلام: قال: أستغفر لكم ربي إن شاء الله إنه هو الغفور الرحيم. فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه، وقال ادخلوا مصر، ورفع أبويه.
* ذكر من قال ذلك:
19880 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج: (قال سوف أستغفر لكم ربي إن شاء الله آمنين = وبَيْن ذلك ما بينه من تقديم القرآن.
* * *
قال أبو جعفر: يعني ابن جريج: "وبين ذلك ما بينه من تقديم القرآن" ، أنه قد دخل بين قوله: (سوف أستغفر لكم ربي) ، وبين قوله: (إن شاء الله) ، من الكلام ما قد دخل، وموضعه عنده أن يكون عَقِيب قوله: (سوف أستغفر لكم ربي) .
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا ما قاله السدي، وهو أن يوسف قال ذلك لأبويه ومن معهما من أولادهما وأهاليهم قبل دخولهم مصر حين تلقَّاهم، لأن ذلك في ظاهر التنزيل كذلك، فلا دلالة تدل على صحة ما قال ابن جريج، ولا وجه لتقديم شيء من كتاب الله عن موضعه أو تأخيره عن مكانه إلا بحجّة واضحةٍ.
* * *
وقيل: عُنِي بقوله: (آوى إليه أبويه) :، أبوه وخالتُه. وقال الذين قالوا هذا القول: كانت أم يوسف قد ماتت قبلُ، وإنما كانت عند يعقوب يومئذ خالتُه أخت أمه، كان نكحها بعد أمِّه.
* ذكر من قال ذلك:
19881 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه) ، قال: أبوه وخالته.
* * *
وقال آخرون: بل كان أباه وأمه.
* ذكر من قال ذلك:
19882 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه) ، قال: أباه وأمه.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب ما قاله ابن إسحاق ; لأن ذلك هو الأغلب في استعمال الناس والمتعارف بينهم في "أبوين" ، إلا أن يصح ما يقال من أنّ أم يوسف كانت قد ماتت قبل ذلك بحُجة يجب التسليم لها، فيسلّم حينئذ لها.
* * *
وقوله: (وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين) ، مما كنتم فيه في باديتكم من الجدب والقحط.
* * *
وقوله: (ورفع أبويه على العرش) ، يعني: على السرير، كما: -
19883 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (ورفع أبويه على العرش) ، قال: السرير.
19884 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا محمد بن يزيد الواسطي، عن جويبر، عن الضحاك، قال: "العرش" ، السرير.
19885 -.... قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (ورفع أبويه على العرش) ، قال: السرير.
19886 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا
عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19887 - حدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد =
19888 - وحدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
19889 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
19890 - حدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد =
19891 - وحدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19892 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
19893 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (ورفع أبويه على العرش) ، قال: سريره.
19894 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (على العرش) ، قال: على السرير.
19895 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (ورفع أبويه على العرش) ، يقول: رفع أبويه على السرير.
19896 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: قال سفيان: (ورفع أبويه على العرش) ، قال: على السرير.
19897 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (ورفع أبويه على العرش) ، قال: مجلسه.
19898 - حدثني ابن عبد الرحيم البرقي، قال: حدثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: سألت زيد بن أسلم، عن قول الله تعالى: (ورفع أبويه على العرش) ، فقلت: أبلغك أنها خالته؟ قال: قال ذلك بعض أهل العلم، يقولون: إن أمّه ماتت قبل ذلك، وإن هذه خالته.
* * *
وقوله: (وخرّوا له سجدًا) ، يقول: وخرّ يعقوب وولده وأمّه ليوسف سجّدًا.
* * *
19899 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (وخرُّوا له سجدًا) ، يقول: رفع أبويه على السرير، وسجدا له، وسجد له إخوته.
19900 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: تحمّل = يعني يعقوب = بأهله حتى قدموا على يوسف، فلما اجتمع إلى يعقوب بنوه، دخلوا على يوسف، فلما رأوه وقعوا له سجودًا، وكانت تلك تحية الملوك في ذلك الزمان = أبوه وأمه وإخوته.
19901 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (وخروا له سجّدًا) وكانت تحية من قبلكم، كان بها يحيِّي بعضهم بعضًا، فأعطى الله هذه الأمة السلام، تحية أهل الجنة، كرامةً من الله تبارك وتعالى عجّلها لهم، ونعمة منه.
19902 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وخروا له سجدًا) ، قال: وكانت تحية الناس يومئذ أن يسجد بعضهم لبعض.
19903 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو إسحاق، قال: قال سفيان: (وخرّوا له سجدًا) ، قال: كانت تحيةً فيهم.
19904 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج: (وخروا له سجدًا) ، أبواه وإخوته، كانت تلك تحيّتهم، كما تصنع ناسٌ اليومَ.
19905 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: (وخروا له سجدًا) قال: تحيةٌ بينهم.
19906 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (وخرُّوا له سجدًا) ، قال: قال: ذلك السجود لشرَفه، كما سجدت الملائكة لآدم لشرفه، ليس بسجود عبادةٍ.
* * *
وإنما عنى من ذكر بقوله: "إن السجود كان تحية بينهم" ، أن ذلك كان منهم على الخُلُق، لا على وجه العبادة من بعضهم لبعض. ومما يدل على أن ذلك لم يزل من أخلاق الناس قديمًا قبل الإسلام على غير وجه العبادة من بعضهم لبعض، قول أعشى بني ثعلبة:
فَلَمَّا أَتَانَا بُعَيْدَ الكَرَى ... سَجَدْنَا لَهُ وَرَفَعْنَا عَمَارَا (1)
* * *
(1)
ديوان: 39، وهذا البيت من قصيدته في تمجيد قيس بن معد يكرب، وكان خرج معه في بعض غاراته، فكاد الأعشى أن يؤسر، فاستنقذه قيس، فذكر ذلك فقال: فَيَا لَيْلَةً لِيَ فِي لَعْلَعٍ ... كَطَوْفِ الغَرِيبِ يَخَافُ الإسَارَا

فلمَّا أَتَانا ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
و "لعلع" مكان بين الكوفة والبصرة. يذكر في البيت الأول قلقه وشدة نزاعه وحيرته، لما تأخر قيس، وقد كاد هو يقع في أسر العدو، فلما جاء قيس استنقذه ومن معه، فسجدوا له وحيوه. و "العمار" مختلف في تفسير قيل: هو العمامة أو القلنسوة، وقيل الريحان يرفع للملك يحيا به، وقيل: رفعنا أصواتنا بقولنا: "عمرك الله" .
وفي المطبوعة: "ورفعنا العمارا" ، واثبت ما في المخطوطة، وهو الموافق لرواية الديوان وغيره من المراجع.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 19-07-2025, 04:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,434
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف
الحلقة (884)
صــ 271 إلى صــ 280





وقوله: (يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقًّا) ، يقول جل ثناؤه: قال يوسف لأبيه: يا أبت، هذا السجود الذي سجدتَ أنت وأمّي وإخوتي لي (= تأويل رؤياي من قبل) ، يقول: ما آلت إليه رؤياي التي كنت رأيتها، (1) وهي رؤياه التي كان رآها قبل صنيع إخوته به ما صنعوا: أنَّ أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر له ساجدون = (قد جعلها ربي حقًّا) ، يقول: قد حقّقها ربي، لمجيء تأويلها على الصحَّة.
* * *
وقد اختلف أهل العلم في قدر المدة التي كانت بين رؤيا يوسف وبين تأويلها.
فقال بعضهم: كانت مدّةُ ذلك أربعين سنة.
* ذكر من قال ذلك:
19907 - حدثني محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا المعتمر، عن أبيه، قال: حدثنا أبو عثمان، عن سلمان الفارسي، قال: كان بين رؤيا يوسف إلى أن رأى تأويلها أربعون سنة.
19908 - حدثني يعقوب بن برهان ويعقوب بن إبراهيم، قالا حدثنا ابن علية قال: حدثنا سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي، قال: قال عثمان: كانت بين رؤيا يوسف وبين أن رأى تأويله. قال: فذكر أربعين سنة. (2)
19909 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن علية، عن التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان، قال: كان بين رؤيا يوسف وتأويلها أربعون سنة.
(1)
انظر تفسير "التأويل" فيما سلف ص: 119، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
الأثر: 19908 - "يعقوب بن برهان" ، شيخ الطبري، لم أجد له ذكرًا في شيء من دواوين الرجال.

وأنا أخشى أن يكون هو: "يعقوب بن ماهان" ، شيخ الطبري أيضًا، روى عنه فيما سلف رقم: 4901، وقال: "حدثني يعقوب بن إبراهيم، يعقوب بن ماهان، قالا، حدثنا هشيم ..." ، وهو شبيه بهذا الإسناد كما ترى، وكأن الناسخ أساء القراءة، فنقل مكان "ماهان" "برهان" .
19910 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا سفيان، عن أبي سنان، عن عبد الله بن شداد، قال: رأى تأويل رؤياه بعد أربعين عامًا.
19911 -.... قال: حدثنا سفيان، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان، مثله.
19912 - حدثني أبو السائب، قال: حدثنا ابن فضيل، عن ضرار، عن عبد الله بن شداد أنه سمع قومًا يتنازعون في رؤيا رآها بعضهم وهو يصلي، فلما انصرف سألهم عنها، فكتموه، فقال: أما إنه جاء تأويل رؤيا يوسف بعد أربعين عامًا.
19913 - حدثنا أبو كريب، قال، حدثنا وكيع = وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي = عن إسرائيل، عن ضرار بن مرة أبي سنان، عن عبد الله بن شداد، قال: كان بين رؤيا يوسف وتأويلها أربعون سنة.
19914 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن فضيل وجرير، عن أبي سنان، قال: سمع عبد الله بن شداد قومًا يتنازعون في رؤيا =، فذكر نحو حديث أبي السائب، عن ابن فضيل.
19915 - حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفيان، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان، قال: رأى تأويل رؤياه بعد أربعين عامًا.
19916 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن أبي سنان، عن عبد الله بن شداد، قال: وقعت رؤيا يوسف بعد أربعين سنة، وإليها ينتهي أقصى الرؤيا. (1)
19917 -.... قال: حدثنا معاذ بن معاذ، قال: حدثنا سليمان
(1)
في المطبوعة: "وإليها تنتهي أيضًا الرؤيا" ، وهو كلام فارغ، ولم يحسن قراءة المخطوطة، لأنها غير منقوطة، ولأن رسم "أقصى" فيها: "أنصا" .

التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان، قال: كان بين رؤيا يوسف وبين أن رأى تأويلها أربعون سنة.
19918 -.... قال، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان، قال: كان بين رؤيا يوسف وبين عبارتها أربعون سنة.
19919 -.... قال، حدثنا سعيد بن سليمان، قال: حدثنا هشيم، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان، قال: كان بين رؤيا يوسف وبين أن رأى تأويلها أربعون سنة.
19920 -.... قال، حدثنا سعيد بن سليمان، قال: حدثنا هشيم، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان، قال: كان بين رؤيا يوسف وبين أن رأى تأويلها أربعون سنة.
19921 -.... قال، حدثنا عمرو بن محمد العنقزي، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي سنان، عن عبد الله بن شداد، قال: كان بين رؤيا يوسف وبين تعبيرها أربعون سنة.
* * *
وقال آخرون: كانت مدة ذلك ثمانين سنة.
* ذكر من قال ذلك:
19922 - حدثنا عمرو بن علي، قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي، قال: حدثنا هشام، عن الحسن، قال: كان منذ فارق يوسف يعقوب إلى أن التقيا، ثمانون سنة، لم يفارق الحزن قلبه، ودموعه تجري على خديه، وما على وجه الأرض يومئذ عبدٌ أحبَّ إلى الله من يعقوب.
19923 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن أبي جعفر جسر بن فرقد، قال: كان بين أن فقد يعقوب يوسف إلى يوم رد عليه ثمانون سنة. (1)
(1)
الأثر: 19923 - "جسر بن فرقد" ، "أبو جعفر القصاب" ، ليس بذاك، مضى برقم: 16940، 16941، وكان في المطبوعة هنا "حسن بن فرقد" ، لم يحسن قراءة المخطوطة.

19924 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا حسن بن علي، عن فضيل بن عياض، قال: سمعت أنه كان بين فراق يوسف حجر يعقوب إلى أن التقيا، ثمانون سنة.
19925 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا داود بن مهران، قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد، عن يونس، عن الحسن، قال: ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة، وكان بين ذلك وبين لقائه يعقوب ثمانون سنة، وعاش بعد ذلك ثلاثًا وعشرين سنة، ومات وهو ابن عشرين ومائة سنة.
19926 -.... قال: حدثنا سعيد بن سليمان، قال: حدثنا هشيم، عن يونس، عن الحسن، نحوه = غير أنه قال: ثلاث وثمانون سنة.
19927 - قال: حدثنا داود بن مهران، قال: حدثنا ابن علية، عن يونس، عن الحسن، قال: ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة، وكان في العبوديّة وفي السجن وفي الملك ثمانين سنة، ثم جمع الله عز وجل شمله، وعاش بعد ذلك ثلاثًا وعشرين سنة.
19928 - حدثني الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن، قال: ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة، فغاب عن أبيه ثمانين سنة، ثم عاش بعدما جمع الله له شمله ورأى تأويل رؤياه ثلاثًا وعشرين سنة، فمات وهو ابن عشرين ومائة سنة.
19929 - حدثنا مجاهد، قال: حدثنا يزيد، قال: أخبرنا هشيم، عن الحسن، قال: غاب يوسف عن أبيه في الجب وفي السجن حتى التقيا ثمانين عامًا، فما
جفَّت عينا يعقوب، وما على الأرض أحد أكرمَ على الله من يعقوب. (1)
* * *
وقال آخرون: كانت مدة ذلك ثمان عشرة سنة.
* ذكر من قال ذلك:
19930 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ذكر لي، والله أعلم، أن غيبة يوسف عن يعقوب كانت ثمان عشرة سنة. قال: وأهل الكتاب يزعمون أنها كانت أربعين سنة أو نحوها، وأنّ يعقوب بقي مع يوسف بعد أن قدم عليه مصر سبع عشرة سنة، ثم قبضه الله إليه.
* * *
وقوله: (وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو) ، يقول جل ثناؤه، مخبرًا عن قيل يوسف: وقد أحسن الله بي في إخراجه إياي من السجن الذي كنت فيه محبوسًا، وفي مجيئه بكم من البدو. وذلك أن مسكن يعقوب وولده، فيما ذكر، كان ببادية فلسطين، كذلك: -
* * *
19931 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: كان منزل يعقوب وولده، فيما ذكر لي بعض أهل العلم، بالعَرَبات من أرض فلسطين، ثغور الشأم. وبعضٌ يقول بالأولاج من ناحية الشِّعْب، وكان صاحب بادية، له إبلٌّ وشاء.
19932 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدنا عمرو، قال: أخبرنا شيخ لنا أن يعقوب كان ببادية فلسطين.
19933 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو) ، وكان يعقوب وبنوه بأرض كنعان، أهل مواشٍ وبرّية.
(1)
الأثر: 19929 - "مجاهد" هذا، هو: "مجاهد بن موسى بن فروخ الخوارزمي" ، شيخ الطبري، مضى برقم: 510، 3396.

19934 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج: (وجاء بكم من البدو) ، قال: كانوا أهل بادية وماشية.
* * *
و "الَبْدوُ" مصدر من قول القائل: "بدا فلان" : إذا صار بالبادية، "يَبْدُو بَدْوًا" .
* * *
وذكر أن يعقوب دخل مصر هو ومن معه من أولاده وأهاليهم وأبنائهم يوم دخلوها، وهم أقلّ من مائة. وخرجوا منها يوم خرجوا منها وهم زيادة على ست مائة ألف.
* ذكر الرواية بذلك:
19935 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا زيد بن الحباب وعمرو بن محمد، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب القرظي، عن عبد الله بن شداد، قال: اجتمع آل يعقوب إلى يوسف بمصر وهم ستة وثمانون إنسانًا، صغيرهم وكبيرهم، وذكرهم وأنثاهم. وخرجوا من مصر يوم أخرجهم فرعون وهم ست مائة ألف ونَيّف.
19936 -.... قال: حدثنا عمرو، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، قال: خرج أهل يوسف من مصر وهم ست مائة ألف وسبعون ألفًا، فقال فرعون: (إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ) [سورة الشعراء: 54] .
19937 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن إسرائيل والمسعودي، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن ابن مسعود، قال: دخل بنو إسرائيل مصر وهم ثلاث وستون إنسانًا، وخرجوا منها وهم ست مائة ألف = قال إسرائيل في حديثه: ست مائة ألف وسبعون ألفًا.
19938 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مسروق، قال: دخل أهل يوسف مصر وهم ثلاث مائة وتسعون من بين رجل وامرأة.
* * *
وقوله: (من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي) ، يعني: من بعد أن أفسد ما بيني وبينهم، وجَهِل بعضنا على بعض.
* * *
يقال منه ": نزغ الشيطان بين فلان وفلان، يَنزغ نزغًا ونزوغًا. (1) "
* * *
وقوله: (إن ربي لطيف لما يشاء) ، يقول: إن ربي ذو لطف وصنع لما يشاء، (2) ومن لطفه وصنعه أنه أخرجني من السجن، وجاء بأهلي من البَدْوِ بعد الذي كان بيني وبينهم من بُعد الدار، وبعد ما كنت فيه من العُبُودة والرِّق والإسار، كالذي: -
19939 -حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (إن ربي لطيف لما يشاء) ، لطف بيوسف وصنع له حتى أخرجه من السجن، وجاء بأهله من البدو، ونزع من قلبه نزغ الشيطان، وتحريشه على إخوته.
* * *
وقوله:: (إنه هو العليم) ، بمصالح خلقه وغير ذلك، لا يخفى عليه مبادي الأمور وعواقبها = (الحكيم) ، في تدبيره.
* * *
(1)
انظر تفسير "نزغ" فيما سلف 13: 333، وهذا المصدر الثاني "النزوخ" ، مما لم تذكره كتب اللغة، فيجب إثباته في مكانه منها.

(2)
انظر تفسير "اللطيف" فيما سلف 12: 22.

القول في تأويل قوله تعالى: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال يوسف بعد ما جمع الله له أبويه وإخوته، وبسط عليه من الدنيا ما بسط من الكرامة، ومكنه في الأرض، متشوِّقًا إلى لقاء آبائه الصالحين: (رب قد آتيتني من الملك) ، يعني: من ملك مصر = (وعلمتني من تأويل الأحاديث) ، يعني من عبارة الرؤيا، (1) تعديدًا لنعم الله عليه، وشكرًا له عليها = (فاطر السموات والأرض) ، يقول: يا فاطر السموات والأرض، يا خالقها وبارئها (2) = (أنت وليي في الدنيا والآخرة) ، يقول: أنت وليي في دنياي على من عاداني وأرادني بسوء بنصرك، وتغذوني فيها بنعمتك، وتليني في الآخرة بفضلك ورحمتك. (( 3) توفني مسلمًا) ، يقول: اقبضني إليك مسلمًا (4) . (وألحقني بالصالحين) ، يقول: وألحقني بصالح آبائي إبراهيم وإسحاق ومن قبلهم من أنبيائك ورسلك.
* * *
وقيل: إنه لم يتمن أحدٌ من الأنبياء الموتَ قبل يوسف.
* ذكر من قال ذلك:
19940 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: (رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث) ، الآية،
(1)
انظر تفسير "التأويل" فيما سلف ص: 271، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "فاطر" فيما سلف 15: 357، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "الولي" فيما سلف من فهارس اللغة (ولي) .

(4)
انظر تفسير "التوفي" فيما سلف 15: 218، تعليق: 1، والمراجع هناك.

كان ابن عباس يقول: (1) أول نبي سأل الله الموت يوسف.
19941 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس، قوله: (رب قد آتيتني من الملك) ... ، الآية، قال: اشتاق إلى لقاء ربه، وأحبَّ أن يلحق به وبآبائه، فدعا الله أن يتوفَّاه ويُلْحِقه بهم. ولم يسأل نبيّ قطّ الموتَ غير يوسف، فقال: (رب قد آتيتني من الملك وعلمتني
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "قال ابن عباس يقول" ، وبين صواب ما أثبت، وانظر الخبر التالي رقم: 19942.

من تأويل الأحاديث) ، الآية = قال ابن جريج: في بعض القرآن من الأنبياء (1) : "توفني" (2)
19942 -حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (توفني مسلمًا وألحقني بالصالحين) ، لما جَمَع شمله، وأقرَّ عينه، وهو يومئذ مغموس في نَبْت الدنيا وملكها وغَضَارتها، (3) فاشتاق إلى الصالحين قبله. وكان ابن عباس يقول: ما تمنى نبي قطّ الموت قبل يوسف.
19943 - حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: أخبرنا عبد الله بن الزبير، عن سفيان، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، قال: لما جمع ليوسف شمله، وتكاملت عليه النعم سأل لقاء ربّه فقال: (رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفّني مسلمًا وألحقني بالصالحين) = قال قتادة: ولم يتمنَّ الموت أحد قطُّ، نبي ولا غيره إلا يوسف.
19944 - حدثني المثنى، قال: حدثنا هشام، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثني غير واحد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: أن يوسف النبي صلى الله عليه وسلم، لما جمع بينه وبين أبيه وإخوته، وهو يومئذ ملك مصر، اشتاق إلى الله وإلى آبائه الصالحين إبراهيم وإسحاق، فقال: (رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلمًا وألحقني بالصالحين.)
19945 - حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا هشام، عن مسلم بن خالد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: (وعلمتني من تأويل الأحاديث) ، قال: العِبَارة.
19946 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (توفني مسلمًا وألحقني بالصالحين) ، يقول: توفني على طاعتك، واغفر لي إذا توفَّيتني.
19947 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: قال يوسف حين رأى ما رأى من كرامة الله وفضله عليه وعلى أهل بيته حين جمع الله له شمله، وردَّه على والده، وجمع بينه وبينه فيما هو فيه من الملك والبهجة: (يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقًّا) ، إلى قوله: (إنه هو العليم الحكيم) . ثم ارعوى يوسف، وذكر أنّ ما هو فيه من الدنيا بائد وذاهب، فقال: (رب قد قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفّني مسلمًا وألحقني بالصالحين) .
* * *
(1)
في المخطوطة: "في بعض القرآن قد قال الأنبياء توفني" ، وصوابها ما أثبت، أما المطبوعة فقد كتبت: "في بعض القرآن من الأنبياء من قال توفني" ، غير مكان الكلام لغير حاجة.

(2)
لم أجد للذي قاله ابن جريج دليلا في القرآن! فلعله وهم، فإن النهي عن تمني الموت صريح في السنة.

(3)
في المطبوعة: "مغموس في نعيم الدنيا" ، وفي المخطوطة: "مغموس في نعيم الدنيا" غير منقوطة، وهذا صواب قراءتها. وعنى بالنبت هنا: المال الكثير الوفير، والنعمة النامية، وقد جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقوم من العرب: أنتم أهل بيت أو نبت؟ فقالوا نحن أهل بيت وأهل نبت. وقالوا في تفسيره: أي نحن في الشرف نهاية، وفي النبت نهاية، أي: ينبت المال على أيدينا

وهذا الذي قلته أصح في تأويل الحديث، وفي تأويل هذا الخبر.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 19-07-2025, 04:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,434
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف
الحلقة (885)
صــ 281 إلى صــ 290





وذُكِر أن بَني يعقوب الذين فعلوا بيوسف ما فعلوا، استغفر لهم أبوهم، فتاب الله عليهم وعفا عنهم وغفر لهم ذنبهم
* ذكر من قال ذلك:
19948 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن صالح المريّ، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، قال: إن الله تبارك وتعالى لما جمع ليعقوب شمله، وأقر عينه، خَلا ولده نَجِيًّا، فقال بعضهم لبعض: ألستم قد علمتم ما صنعتم، وما لقي منكم الشيخ، وما لقي منكم يوسف؟ قالوا: بلى! قال: فيغرُّكم عفوهما عنكم، فكيف لكم بربكم؟ فاستقام أمرهم على أن أتوا الشيخ فجلسوا بين يديه، ويوسف إلى جنب أبيه قاعدٌ، قالوا: يا أبانا، أتيناك في أمر لم نأتك في أمرٍ مثله قط، ونزل بنا أمر لم ينزل بنا مثله! حتى حرّكوه، والأنبياء أرحم البرية، فقال: مالكم يا بَني؟ قالوا: ألستَ قد علمت ما كان منا إليك، وما كان منا إلى أخينا يوسف؟ قال: بلى! قالوا: أفلستما قد عفوتُما؟ قالا بلى! قالوا: فإن عفوكما لا يغني عنّا شيئًا إن كان الله لم يعفُ عنا! قال: فما تريدون يا بني؟ قالوا: نريد أن تدعو الله لنا، فإذا جاءك الوحي من عند الله بأنه قد عفا عمّا صنعنا، قرّت أعيننا، واطمأنت قلوبنا، وإلا فلا قرّةَ عَين في الدنيا لنا أبدًا. قال: فقام الشيخ واستقبل القبلة، وقام يوسف خلف أبيه، وقاموا خلفهما أذلةً خاشعين. قال: فدعا وأمَّن يوسف،، فلم يُجَبْ فيهم عشرين سنة = قال صالح المرِّي: يخيفهم. قال: حتى إذا كان رأس العشرين، نزل جبريل صلى الله عليه وسلم على يعقوب عليه السلام، فقال: إن الله تبارك وتعالى بعثني إليك أبشرك بأنه قد أجاب دعوتك في ولدك، وأنه قد عفا عما صنعوا، وأنه قد اعتَقَد مواثيقهم من بعدك على النبوّة. (1)
(1)
الأثر: 19948 - "صالح المري" ، هو "صالح بن بشير بن وداع المري" ، منكر الحديث، قاص متروك الحديث، مضى برقم: 9234.

و "يزيد الرقاشي" ، هو "يزيد بن أبان الرقاشي" ، قاص، متروك الحديث، مضى قبل مرارًا، آخرها: 11408.
وهذا خبر هالك، من جراء هذين القاصين المتروكين، صالح المري، ويزيد الرقاشي.
19949 - حدثني المثنى، قال: حدثنا الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا جعفر بن سليمان، عن أبي عمران الجوني، قال: والله لو كان قتلُ يوسف مضى لأدخلهم الله النارَ كُلَّهم، ولكن الله جل ثناؤه أمسك نفس يوسف ليبلغ فيه أمره، ورحمة لهم. ثم يقول: والله ما قصَّ الله نبأهم يُعيّرهم بذلك إنهم لأنبياء من أهل الجنة، ولكن الله قصَّ علينا نبأهم لئلا يقنط عبده.
* * *
وذكر أن يعقوب توفي قبل يوسف، وأوصى إلى يوسف وأمره أن يدفنه عند قبر أبيه إسحاق.
* ذكر من قال ذلك:
19950 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي، قال: لما حضر الموتُ يعقوبَ، أوصى إلى يوسف أن يدفنه عند إبراهيم وإسحاق، فلما مات، نُفِخ فيه المُرّ وحمل إلى الشأم. قال: فلما بلغوا إلى ذلك المكان أقبل عيصا أخو يعقوب (1) فقال: غلبني على الدعوة، فوالله لا يغلبني على القبر! فأبى أن يتركهم أن يدفنوه. فلما احتبسوا، قال هشام بن دان بن يعقوب (2) = وكان هشامٌ أصمَّ لبعض إخوته: ما لجدّي لا يدفن! قالوا: هذا عمك يمنعه! قال: أرونيه أين هو؟ فلما رآه، رفع هشام يده فوجأ بها رأس العيص وَجْأَةً سقطت عيناه على فخذ يعقوب، فدفنا في قبر واحد.
* * *
(1)
في المطبوعة: "عيص" ، وأثبت ما في المخطوطة، وسيأتي بعد: "العيص" ، بالتعريف، وهو في كتاب القوم "عيسو" ، وهو ولد إسحاق الأكبر، وهو أخو يعقوب.

(2)
في المطبوعة: "هشام بن دار" ، لم يحسن قراءة المخطوطة، وولد يعقوب في كتاب القوم هو "دان" كما أثبته.

و "هشام" هذا، هو في كتاب القوم "حوشيم" .
القول في تأويل قوله تعالى: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: هذا الخبر الذي أخبرتك به من خبر يوسف ووالده يعقوب وإخوته وسائر ما في هذه السورة = (من أنباء الغيب) ، يقول: من أخبار الغيب الذي لم تشاهده، ولم تعاينه، (1) ولكنا نوحيه إليك ونعرّفكه، لنثبِّت به فؤادك، ونشجع به قلبك، وتصبر على ما نالك من الأذى من قومك في ذات الله، وتعلم أن من قبلك من رسل الله = إذ صبروا على ما نالهم فيه، وأخذوا بالعفو، وأمروا بالعُرف، وأعرضوا عن الجاهلين = فازوا بالظفر، وأيِّدوا بالنصر، ومُكِّنوا في البلاد، وغلبوا من قَصَدوا من أعدائهم وأعداء دين الله. يقول الله تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فبهم، يا محمد، فتأسَّ، وآثارهم فقُصَّ = (وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون) ، يقول: وما كنت حاضرًا عند إخوة يوسف، إذ أجمعوا واتفقت آراؤهم، (2) وصحت عزائمهم، على أن يلقوا يوسف في غيابة الجب. وذلك كان مكرهم الذي قال الله عز وجل: (وهم يمكرون) ، كما:-
19951 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وما كنت لديهم) ، يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم، يقول: ما كنت لديهم وهم يلقونه في غيابة الجب = (وهم يمكرون) ، أي: بيوسف.
19952 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس: (وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون) ، الآية، قال: هم بنو يعقوب.
* * *
(1)
انظر تفسير "النبأ" و "الغيب" فيما سلف من فهارس اللغة (نبأ) و (غيب) .

(2)
انظر تفسير "الإجماع" فيما سلف 15: 147، 148، 573.

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) }
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: وما أكثر مشركي قومك، يا محمد، ولو حرصت على أن يؤمنوا بك فيصدّقوك، ويتبعوا ما جئتهم به من عند ربك، بمصدِّقيك ولا مُتَّبِعيك.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لمحمد صلى الله عليه وسلم: وما تسأل، يا محمد، هؤلاء الذين ينكرون نبوتك، ويمتنعون من تصديقك والإقرار بما جئتهم به من عند ربك، على ما تدعوهم إليه من إخلاص العبادة لربك، وهجر عبادة الأوثان وطاعةِ الرحمن = (من أجر) ، يعني: من ثواب وجزاء منهم، (1) بل إنما ثوابك وأجر عملك على الله. يقول: ما تسألهم على ذلك ثوابًا، فيقولوا لك: إنما تريد بدعائك إيّانا إلى اتباعك لننزلَ لك عن أموالنا إذا سألتنا ذلك. وإذ كنت لا تسألهم ذلك، فقد كان حقًّا عليهم أن يعلموا أنك إنما تدعوهم إلى ما تدعوهم إليه، اتباعًا منك لأمر ربك، ونصيحةً منك لهم، وأن لا يستغشُّوك.
* * *
وقوله: (إن هو إلا ذكر للعالمين) ، يقول تعالى ذكره: ما هذا الذي أرسلك
(1)
انظر تفسير "الأجر" فيما سلف من فهارس اللغة (أجر) .

به ربك، يا محمد، من النبوة والرسالة = (إلا ذكر) ، يقول: إلا عظة وتذكير للعالمين، ليتعظوا ويتذكَّروا به. (1)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) }
قال أبو جعفر: يقول جل وعز: وكم من آية في السموات والأرض لله، وعبرةٍ وحجةٍ، (2) وذلك كالشمس والقمر والنجوم ونحو ذلك من آيات السموات، وكالجبال والبحار والنبات والأشجار وغير ذلك من آيات الأرض = (يمرُّون عليها) ، يقول: يعاينونها فيمرُّون بها معرضين عنها، لا يعتبرون بها، ولا يفكرون فيها وفيما دلت عليه من توحيد ربِّها، وأن الألوهةَ لا تنبغي إلا للواحد القهَّار الذي خلقها وخلق كلَّ شيء، فدبَّرها.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
19953 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها) ، وهي في مصحف عبد الله:: "يَمْشُونَ عَلَيْهَا" ، السماء والأرض آيتان عظيمتان.
* * *
(1)
انظر تفسير "الذكر" فيما سلف من فهارس اللغة (ذكر) .

(2)
انظر تفسير "كأين" فيما سلف 7: 263.

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وما يُقِرُّ أكثر هؤلاء = الذين وصَفَ عز وجل صفتهم بقوله: (وكأين من آية في السموات والأرض يمرُّون عليها وهم عنها معرضون) = بالله أنه خالقه ورازقه وخالق كل شيء = (إلا وهم مشركون) ، في عبادتهم الأوثان والأصنام، واتخاذهم من دونه أربابًا، وزعمهم أنَّ له ولدًا، تعالى الله عما يقولون.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
19954 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمران بن عيينة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (وما يؤمن أكثرهم بالله) الآية، قال: من إيمانهم، إذا قيل لهم: مَن خلق السماء؟ ومن خلق الأرض؟ ومن خلق الجبال؟ قالوا: الله. وهم مشركون.
19955 - حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة، في قوله: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) ، قال: تسألهم: مَن خلقهم؟ ومن خلق السماوات والأرض، فيقولون: الله. فذلك إيمانهم بالله، وهم يعبدون غيره.
19956 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن عامر، وعكرمة: (وما يؤمن أكثرهم بالله) الآية، قالا يعلمون أنه ربُّهم، وأنه خلقهم، وهم يشركون به. (1)
(1)
في المطبوعة: "مشركون به" ، وأثبت ما في المخطوطة.

19957 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن عامر، وعكرمة، بنحوه.
19958 -.... قال: حدثنا ابن نمير، عن نضر، عن عكرمة: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) ، قال: من إيمانهم إذا قيل لهم: من خلق السماوات؟ قالوا: الله. وإذا سئلوا: من خلقهم؟ قالوا: الله. وهم يشركون به بَعْدُ.
19959 -.... قال: حدثنا أبو نعيم، عن الفضل بن يزيد الثمالي، عن عكرمة، قال: هو قول الله: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) [سورة لقمان: 25/ سورة الزمر:38] . فإذا سئلوا عن الله وعن صفته، وصفوه بغير صفته، وجعلوا له ولدًا، وأشركوا به. (1)
19960 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) ، إيمانهم قولهم: الله خالقُنا، ويرزقنا ويميتنا.
19961 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) ، فإيمانهم قولُهم: الله خالقنا ويرزقنا ويميتنا.
19962 - حدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) ، إيمانُهم قولهم: الله خالقنا ويرزقنا ويميتنا.، فهذا إيمان مع شرك عبادتهم غيرَه.
19963 -.... قال، حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء،
(1)
الأثر: 19959 - "الفضل بن يزيد الثمالي البجلي" ، كوفي ثقة، مترجم في التهذيب، والكبير 4 / 1 / 116، وابن أبي حاتم 3 / 2 / 69.

وكان في المخطوطة والمطبوعة: "الفضيل" بالتصغير، وهو خطأ صرف.
عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) قال: إيمانهم قولهم: الله خالقنا ويرزقنا ويميتنا
19964 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا هانئ بن سعيد وأبو معاوية، عن حجاج، عن القاسم، عن مجاهد، قال: يقولون: "الله ربنا، وهو يرزقنا" ، وهم يشركون به بعدُ.
19965 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: إيمانهم قولُهم: الله خالقنا، ويرزقنا ويميتنا.
19966 -.... قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا أبو تميلة، عن أبي حمزة، عن جابر، عن عكرمة، ومجاهد، وعامر: أنهم قالوا في هذه الآية: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) ، قال: ليس أحد إلا وهو يعلم أن الله خلقه وخلق السموات والأرض، فهذا إيمانهم، ويكفرون بما سوى ذلك.
19967 - حدثنا بشر، قال، حدثنا يزيد، قال حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) ، في إيمانهم هذا. إنك لست تلقى أحدًا منهم إلا أنبأك أن الله ربه، وهو الذي خلقه ورزقه، وهو مشرك في عبادته.
19968 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وما يؤمن أكثرهم بالله) الآية، قال: لا تسأل أحدًا من المشركين: مَنْ رَبُّك؟ إلا قال: ربِّيَ الله! وهو يشرك في ذلك.
19969 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) ، يعني النصارى، يقول: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) ، [سورة لقمان: 25/ سورة الزمر:38] ، (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) [سورة الزخرف: 87] ، ولئن سألتهم من يرزقكم من السماء والأرض؟ ليقولن: الله.
وهم مع ذلك يشركون به ويعبدون غيره، ويسجدون للأنداد دونه.؟
19970 - حدثني المثنى، قال: أخبرنا عمرو بن عون، قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، قال: كانوا يشركون به في تلبيتهم.
19971 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن نمير، عن عبد الملك، عن عطاء: (وما يؤمن أكثرهم بالله) ، الآية، قال: يعلمون أن الله ربهم، وهم يشركون به بعدُ.
19972 - حدثني المثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن عبد الملك، عن عطاء، في قوله: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) ، قال: يعلمون أن الله خالقهم ورازقهم، وهم يشركون به.
19973 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال: سمعت ابن زيد يقول: (وما يؤمن أكثرهم بالله) ، الآية، قال: ليس أحدٌ يعبد مع الله غيره إلا وهو مؤمن بالله، ويعرف أن الله ربه، وأن الله خالقه ورازقه، وهو يشرك به. ألا ترى كيف قال إبراهيم: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ) [سورة الشعراء: 75-77] ؟ قد عرف أنهم يعبدون رب العالمين مع ما يعبدون. قال: فليس أحد يشرك به إلا وهو مؤمن به. ألا ترى كيف كانت العرب تلبِّي تقول: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك" ؟ المشركون كانوا يقولون هذا.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (107) }
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: أفأمن هؤلاء الذين لا يقرُّون بأن الله ربَّهم إلا وهم مشركون في عبادتهم إياه غيرَه = (أن تأتيهم غاشية من عذاب الله) ، تغشاهم من عقوبة الله وعذابه، على شركهم بالله (1) = أو تأتيهم القيامة فجأةً وهم مقيمون على شركهم وكفرهم بربِّهم (2) فيخلدهم الله عز وجل في ناره، وهم لا يدرون بمجيئها وقيامها.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
19974 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (أن تأتيهم غاشية من عذاب الله) ، قال: تغشاهم.
19975 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (غاشية من عذاب الله) ، قال: تغشاهم.
19976 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19977 -.... قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
(1)
انظر تفسير "الغاشية" فيما سلف 12: 435، 436.

(2)
انظر تفسير "الساعة" فيما سلف 11: 324.

= وتفسير "البغتة" فيما سلف 11: 325، 360، 368 / 12: 576 / 13: 297.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 19-07-2025, 04:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,434
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف
الحلقة (886)
صــ 291 إلى صــ 300





19978 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
19979 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله) ، أي: عقوبة من عذاب الله.
19980 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (غاشية من عذاب الله) ، قال: "غاشية" ، وقيعة تغشاهم من عذاب الله. (1)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (قل، يا محمد، هذه الدعوة التي أدعو إليها، والطريقة التي أنا عليها من الدعاء إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأوثان، والانتهاء إلى طاعته، وترك معصيته = (سبيلي) ، وطريقتي ودعوتي، (2) (أدعو إلى الله وحده لا شريك له = (على بصيرة) ، بذلك، ويقينِ عليمٍ منّي به أنا، ويدعو إليه على بصيرة أيضًا من اتبعني وصدقني وآمن بي (3) = (وسبحان الله) ، يقول له تعالى ذكره: وقل، تنزيهًا لله، وتعظيمًا له من أن يكون له شريك في ملكه، (4) أو معبود سواه في سلطانه: (وما أنا من المشركين) ، يقول: وأنا بريءٌ من أهل الشرك به، لست منهم ولا هم منّي.
* * *
(1)
في المطبوعة: "واقعة" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب محض.

(2)
انظر تفسير: السبيل "فيما سلف من فهارس اللغة (سبل) ."

(3)
انظر تفسير "البصيرة" فيما سلف 12: 23، 24 / 13: 343، 344.

(4)
انظر تفسير "سبحان" فيما سلف من فهارس اللغة (سبح) .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
19981 - حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، في قوله: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة) ، يقول: هذه دعوتي.
19982 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة) ، قال: "هذه سبيلي" ، هذا أمري وسنّتي ومنهاجي = (أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) ، قال: وحقٌّ والله على من اتّبعه أن يدعو إلى ما دعا إليه، ويذكِّر بالقرآن والموعظة، ويَنْهَى عن معاصي الله.
19983 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، قوله: (قل هذه سبيلي) :، هذه دعوتي.
19984 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن أبي جعفر، عن الربيع: (قل هذه سبيلي) ، قال: هذه دعوتي.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (109) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وما أرسلنا، يا محمد، من قبلك إلا رجالا لا نساءً ولا ملائكة = (نوحي إليهم) آياتنا، بالدعاء إلى طاعتنا وإفراد العبادة لنا = (من أهل القرى) ، يعني: من أهل الأمصار، دون أهل البوادي، (1) كما:-
19985 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى) ، لأنهم كانوا أعلم وأحلم من أهل العَمُود (2) .
* * *
وقوله: (أفلم يسيروا في الأرض) ، يقول تعالى ذكره: أفلم يسر هؤلاء المشركون الذين يكذبونك، يا محمد، ويجحدون نبوّتك، وينكرون ما جئتهم به
(1)
انظر تفسير "القرية" فيما سلف 8: 453 / 12: 299.

(2)
قوله "أهل العمود" ، العمود (بفتح العين) : وهو الخشبة القائمة في وسط الخباء، والأخبية بيوت أهل البادية، فقوله "أهل العمود" ، يعني أهل البادية، كما يدل عليه السياق هنا، وكما بينه ابن زيد في تفسير هذه الآية إذ قال: "أهل القرى أعلم وأحلم من أهل البادية" (تفسير أبي حيان 5: 353) . وقال الزمخشري في الأساس "ويقال لأصحاب الأخبية: هم أهل عمود، وأهل عماد، وأهل عمد" ، وروى صاحب اللسان بيتًا، وهو: ومَا أهْلُ العَمُود لنَا بأَهْلٍ ... ولاَ النَّعَمُ المُسَامُ لَنا بمَالٍ

فهذا قول رجل يبرأ من أن يكون من أهل البادية، فذكر الخصائص التي يألفها أهل البادية، ويكونون بها أهل بادية.
من توحيد الله وإخلاص الطاعة والعبادة له = (في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم) ، إذ كذبوا رسُلنا؟ ألم نُحِلّ بهم عقوبتنا، فنهلكهم بها، وننج منها رسلنا وأتباعنا، فيتفكروا في ذلك ويعتبروا؟
* * *
* ذكر من قال ذلك:
19986 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، قال: قال ابن جريج: قوله: (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم) ، قال: إنهم قالوا: (مَا أَنزلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ [سورة الأنعام: 91] ) ، قال: وقوله: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) [سورة يوسف: 103، 104] ، وقوله: (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا) [سورة يوسف: 105] ، وقوله: (أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ) [سورة يوسف: 107] ، وقوله: (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا) ، من أهلكنا؟ قال: فكل ذلك قال لقريش: أفلم يسيروا في الأرض فينظروا في آثارهم، فيعتبروا ويتفكروا؟
* * *
وقوله: (ولدار الآخرة خير) ، يقول تعالى ذكره: هذا فِعْلُنا في الدنيا بأهل ولايتنا وطاعتنا، أَنّ عقوبتنا إذا نزلت بأهل معاصينا والشرك بنا، أنجيناهم منها، وما في الدار الآخرة لهم خير.
* * *
= وترك ذكر ما ذكرنا، اكتفاء بدلالة قوله: (ولدار الآخرة خير للذين اتقوا) ، عليه، وأضيفت "الدار" إلى "الآخرة" ، وهي "الآخرة" ، لاختلاف لفظهما، كما قيل: (إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) ، [سورة الواقعة: 95] ، وكما قيل:
"أتيتك عام الأوَّل، وبارحة الأولى، وليلة الأولى، ويوم الخميس" ، (1) وكما قال: الشاعر: (2)
أَتَمْدَحُ فَقْعَسًا وَتَذُمُّ عَبْسًا ... أَلا للهِ أُمُّكَ مِنْ هَجِينِ ... وَلَوْ أَقْوَتْ عَلَيْكَ دِيَارُ عَبْسٍ ... عَرَفْتَ الذُّلَّ عِرْفَانَ اليَقِينِ (3)
يعني: عرفانًا له يقينًا. (4)
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام: وللدار الآخرة خير للذين اتقوا الله، بأداء فرائضه واجتناب معاصيه.
* * *
وقوله: (أفلا تعقلون) ، يقول: أفلا يعقل هؤلاء المشركون بالله حقيقةَ ما نقول لهم ونخبرهم به، من سوء عاقبة الكفر، وغِبّ ما يصير إليه حال أهله، مع ما قد عاينوا ورأوا وسمعوا مما حلّ بمن قبلهم من الأمم الكافرة المكذبةِ رسلَ ربّها؟ (5)
* * *
(1)
هذا موجز كلام الفراء في معاني القرآن، في تفسير الآية.

(2)
لم أعرف قائله.

(3)
رواهما الفراء في معاني القرآن، في تفسير الآية. وكان في المطبوعة: "ولو أفزت" ، وهو خطل محض، وفي المخطوطة "ولو أفرت" ، غير منقوطة، وهو تصحيف.

و "الهجين" ، ولد العربي لغير العربية. و "أقوت الدار" : أقفرت وخلت من سكانها. وظاهر هذا الشعر، أن قائله يقوله في رجل من بني عبس، كان هجينًا، فمدح فقعسًا وذم قومه لخذلانهم إياه. فهو يقول له: لو فارقت عبس مكانها وأفردتك فيه، لعرفت الذل عرفانًا يقينًا.
(4)
في المطبوعة والمخطوطة: "عرفانا به" ، وكأن الصواب ما أثبت. وفي الفراء: "عرفانًا يقينًا" ، بغير "له" ، وهو أجود.

(5)
في المطبوعة: "بما قبلهم من الأمم" ، والصواب من المخطوطة.

القول في تأويل قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القُرَى) ، فدعوْا من أرسلنا إليهم، فكذبوهم، وردُّوا ما أتوا به من عند الله = (حتى إذا استيأسَ الرسل) ، الذين أرسلناهم إليهم منهم أن يؤمنوا بالله، (1) ويصدِّقوهم فيما أتوهم به من عند الله = وظن الذين أرسلناهم إليهم من الأمم المكذِّبة أن الرسل الذين أرسلناهم قد كذبوهم فيما كانوا أخبروهم عن الله، من وَعده إياهم نصرَهم عليهم = (جاءهم نصرنا) .
* * *
وذلك قول جماعة من أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
19987 - حدثنا أبو السائب سلم بن جنادة، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلم، عن ابن عباس، في قوله: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا) ، قال: لما أيست الرسل أن يستجيب لهم قومُهم، وظنَّ قومهم أن الرسل قد كذَبَوهم، جاءهم النصر على ذلك، فننجّي من نشاء.
19988 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا أبو معاوية الضرير، قال: حدثنا الأعمش، عن مسلم، عن ابن عباس، بنحوه = غير أنه قال في حديثه، قال: "أيست الرسل" ، ولم يقل: "لما أيست" . (2)
(1)
انظر تفسير "استيأس" فيما سلف ص: 203، 204، وفهارس اللغة (يأس) .

(2)
مرة أخرى، أوقفك على هذه الدقة البليغة في رواية أخبارنا، فضلاً عن رواية حديث نبينا صلى الله عليه وسلم. ومع ذلك كله فالسفهاء يقولون، متبعين أهواء أصحاب الضلالة من المستشرقين وأشباههم. فليت قومي يعلمون أي تراث يضيعون، وأي سخف يتبعون. انظر ما سلف ص: 265، تعليق: 1.

19989 - حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير: (حتى إذا استيأس الرسل) ، أن يسلم قومهم، وظنّ قوم الرسل أن الرسل قد كَذَبُوا جاءهم نصرنا.
19990 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن ابن عباس، مثله.
19991 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمران بن عيينة، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِبوا) ، قال: حتى إذا استيأس الرسل من قومهم، وظن قومهم أن الرسل قد كَذَبوا، (جاءهم نصرنا) .
19992 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن حصين، عن عمران السلمي، عن ابن عباس: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا) ، أيس الرسل من قومهم أن يصدِّقوهم، وظن قومهم أن الرسل قد كذبتهم. (1)
19993 - حدثنا عمرو بن عبد الحميد، قال: حدثنا جرير، عن حصين، عن عمران بن الحارث السلمي، عن عبد الله بن عباس، في قوله: (حتى إذا استيأس الرسل) ، قال: استيأس الرسل من قومهم أن يستجيبوا لهم = (وظنوا أنهم قد كذبوا) ، قال: ظن قومهم أنهم جاؤوهم بالكذب.
19994 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت حصينًا، عن عمران بن الحارث، عن ابن عباس: حتى إذا استيأس الرسل من أن يستجيب لهم قومهم، وظنَّ قومهم أن قد كذبوهم = (جاءهم نصرنا) .
(1)
الأثر: 19992 - "عمران السلمي" ، هو "عمران بن الحارث السلمي" ، "أبو الحكم" تابعي كوفي ثقة، روى عن ابن عباس، وابن الزبير، وابن عمر. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3 / 1 / 296.

وستأتي روايته هذه في الأخبار التالية إلى رقم: 19998.
19995 - حدثني أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس، قال: حدثنا عبثر، قال: حدثنا حصين، عن عمران بن الحارث، عن ابن عباس، في هذه الآية: (حتى إذا استيأس الرسل) ، قال: استيأس الرسل من قومهم أن يؤمنوا، وظنَّ قومُهم أن الرسل قد كَذَبوهم فيما وعدوا وكذبوا = (جاءهم نصرنا) . (1)
19996 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن حصين، عن عمران بن الحارث، عن ابن عباس، قال: (حتى إذا استيأس الرسل) ، من نصر قومهم = (وظنوا أنهم قد كذبوا) ، ظن قومهم أنهم قد كَذَبوهم.
19997 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا محمد بن الصباح، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن عمران بن الحارث، عن ابن عباس، في قوله: (حتى إذا استيأس الرسل) ، قال: من قومهم أن يؤمنوا بهم، وأن يستجيبوا لهم، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم (جاءهم نصرنا) ، يعني الرسلَ.
19998 - حدثني المثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن حصين، عن عمران بن الحارث، عن ابن عباس، بمثله سواء.
19999 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن هارون، عن عباد القرشي، عن عبد الرحمن بن معاوية، عن ابن عباس: (وظنوا أنهم قد كُذِبوا) خفيفة، وتأويلها عنده: وظن القومُ أن الرسل قد كذبوا. (2)
(1)
الأثر: 19995 - "عبد الله بن أحمد بن يونس" ، هو "عبد الله بن أحمد بن عبد الله ابن يونس اليربوعي" ، "أبو حصين" ، شيخ الطبري، سلف برقم: 12336.

و "عبثر" ، هو "عبثر بن القاسم الزبيدي" ، ثقة، مضى برقم: 12336، 12402، 17106.
(2)
الأثر: 19999 - "عبد الوهاب بن عطاء" ، هو الخفاف، مضى مرارًا آخرها رقم: 16842

و "هرون" ، كأنه "هرون بن سفيان بن بشير" ، "أبو سفيان" ، المعروف بالديك، مستملي يزيد بن هارون، روى عن معاذ بن فضالة، وأبي زيد النحوي، ومطرف بن عبد الله المديني، ومحمد بن عمر الواقدي. مترجم في تاريخ بغداد 14: 25، رقم: 7357.
و "عباد القرسي" ، هو "عباد بن موسى القرشي البصري" ، ثقة، روى عن إسرائيل بن يونس، وإبراهيم بن طهمان، وسفيان الثوري، وروى عنه هرون بن سفيان المستملي، مترجم في التهذيب.
و "عبد الرحمن بن معاوية" ، هو "عبد الرحمن بن معاوية بن الحويرث الأنصاري، الزرقي" ، "أبو الحويرث" ، روى عن ابن عباس، وغيره، مضى برقم: 15756.
20000 - حدثنا أبو بكر، قال: حدثنا طلق بن غنام، عن زائدة، عن الأعمش، عن مسلم، عن ابن عباس، قال: (حتى إذا استيأس الرسل) ، من قومهم أن يصدِّقوهم، وظن قومُهم أن قد كذبتهم رُسُلهم = (جاءهم نصرنا) . (1)
20001 - حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا) ، يعني: أيس الرسل من أن يتّبعهم قومهم، وظن قومُهم أن الرسل قد كَذَبوا، فينصر الله الرسل، ويبعثُ العذابَ.
20002 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا) ، حتى إذا استيأس الرسلُ من قومهم أن يطيعوهم ويتبعوهم، وظنَّ قومُهم أن رسلهم كذبوهم = (جاءهم نصرنا) .
20003 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا محمد بن فضيل، عن حصين، عن عمران بن الحارث، عن ابن عباس: (حتى إذا استيأس الرسل) ، من قومهم = (وظنوا أنهم قد كذبوا) ، قال: فما أبطأ عليهم إلا من ظن أنهم قد كَذَبوا.
20004 -.... قال: حدثنا آدم العسقلاني، قال: حدثنا شعبة، قال:
(1)
الأثر: 20000 - "أبو بكر" ، لم أعرف من هو من شيوخ أبي جعفر، وظني أن صوابه "أبو كريب" ، فهو الذي ذكروا أنه يروي عن طلق بن غنام.

و "طلق بن غنام بن طلق بن معاوية النخعي" ثقة، لم يكن بالمتبحر في العلم، مترجم في التهذيب، والكبير 2 / 2 / 361، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 491.
أخبرنا حصين بن عبد الرحمن، عن عمران بن الحارث قال: سمعت ابن عباس يقول: (وظنوا أنهم قد كذبوا) خفيفةً. وقال ابن عباس: ظن القومُ أنّ الرسل قد كَذَبوهم، خفيفةً.
20005 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، في قوله: (حتى إذا استيأس الرسل) ، من قومهم، وظنّ قومُهم أن الرسل قد كَذَبوهم.
20006 -.... قال: حدثنا محمد بن فضيل، عن خصيف، قال: سألت سعيد بن جبير، عن قوله: (حتى إذا استيأس الرسل) ، من قومهم، وظن الكفار أنهم هم كَذَبوا.
20007 - حدثني يعقوب والحسن بن محمد، قالا حدثنا إسماعيل بن علية. قال: حدثنا كلثوم بن جبر، عن سعيد بن جبير، قوله: (حتى إذا استيأس الرسل) ، من قومهم أن يؤمنوا، وظن قومُهم أن الرسل قد كَذَبتهم.
20008 - حدثني المثنى، قال: حدثنا عارم أبو النعمان، قال: حدثنا حماد بن زيد، قال: حدثنا شعيب، قال: حدثني إبراهيم بن أبي حرة الجزري، قال: سأل فتى من قريش سعيد بن جبير، فقال له: يا أبا عبد الله، كيف تقرأ هذا الحرف، فإني إذا أتيت عليه تمنَّيت أن لا أقرأ هذه السورة: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا) ؟ قال: نعم، حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يصدِّقوهم، وظن المرسَلُ إليهم أن الرُّسُل كَذَبوا. قال: فقال الضحاك بن مزاحم: ما رأيت كاليوم قط رجلا يدعى إلى علم فيتلكَّأ!! لو رحلت في هذه إلى اليمن كان قليلا! (1)
(1)
الأثر: 20008 - "شعيب" ، هو "شعيب بن الحبحاب الأزدي" ، ثقة، مضى برقم: 6180، 6442.

و "إبراهيم بن أبي حرة الجزري" ، وثقه ابن معين، وأحمد، وقال ابن أبي حاتم: ثقة، لا بأس به وضعفه الساجي، وذكره ابن حبان في الثقات. كان قليل الحديث. مترجم في لسان الميزان 1: 46، والكبير 1 / 1 / 281، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 96، وابن سعد 7 / 2 / 179.
وكان في المطبوعة: "ابن أبي حمزة" ، لم يحسن قراءة المخطوطة، ولأن الناسخ وضع أمام هذا السطر علامة الشك.
والفتى المذكور هنا، هو "مسلم بن يسار: كما يظهر من الأثر التالي."
وأما كلمة الضحاك بن مزاحم، فهي كلمة رجل قد ملأ حب العلم قلبه، وقل من الناس من يمتلئ قلبه بحب العلم حتى يقول مثل هذه المقالة، إلا ما كان من أسلافنا هؤلاء، فإن الله قد نشأهم أحسن تنشئة في حجور الأنبياء والصالحين من صحابة رسولنا صلى الله عليه وسلم.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 19-07-2025, 04:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,434
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف
الحلقة (887)
صــ 301 إلى صــ 310





20009 - حدثني المثنى، قال: حدثنا الحجاج، قال: حدثنا ربيعة بن كلثوم، قال: حدثني أبي، أن مسلم بن يسار، سأل سعيد بن جبير ; فقال: يا أبا عبد الله، آية بلغت مني كل مبلغ: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا) ، فهذا الموتُ، أن تظنّ الرسل أنهم قد كُذِبوا، أو نظنّ أنهم قد كَذَبوا، مخففة! (1) قال: فقال سعيد بن جبير: يا أبا عبد الرحمن، حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يستجيبوا لهم، وظن قومُهم أن الرسل كذبتهم = (جاءهم نصرنا فنجى من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين) . قال: فقام مسلم إلى سعيد، فاعتنقه وقال: فرّج الله عنك كما فرّجت عني (2)
20010 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا يحيى بن عباد، قال: حدثنا وهيب، قال: حدثنا أبو المعلى العطار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا) قال: استيأس الرسل من إيمان قومهم ; وظنَّ قومهم أن الرسل قد كَذَبوهم، ما كانوا يخبرونهم ويبلِّغونهم. (3)
(1)
في المخطوطة: "وظنوا أنهم قد كذبوا، ونظن أنهم قد كذبوا مخففة ..." ، سقط من الكلام ما أتمه ناشر المطبوعة الأولى من الدر المنثور للسيوطي 4: 41.

(2)
الأثر: 20009 - "ربيعة بن كلثوم بن جبر البصري" ، ثقة، مضى برقم 6240، 12522.

وأبوه: "كلثوم بن جبر البصري" ، ثقة، مضى أيضًا برقم: 6240، 12522.و "مسلم بن يسار البصري" ، أبو عبد الله الفقيه، روى عن أبيه، وابن عباس، وابن عمر تابعي ثقة، مترجم في التهذيب، والكبير 4 / 1 / 275، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 198.
وانظر الخبر الآتي رقم: 20014.
(3)
الأثر: 20010 - "الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني" ، شيخ الطبري، مضى مرارًا آخرها رقم: 18807، 18817.

و "يحيى بن عباد الضبعي" ، "أبو عباد البصري" ، ثقة، حدث عنه أهل بغداد، وقال الخطيب: أحاديثه مستقيمة، لا نعلمه روى منكرًا. مترجم في التهذيب، والكبير 4 / 2 / 292، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 173، وتاريخ بغداد 14: 144 -146.
و "وهيب" هو "وهيب بن خالد بن عجلان الباهلي" ، ثقة، روى له الجماعة، مضى برقم: 4345، 12444.
و "أبو المعلى العطار" ، هو "يحيى بن ميمون" ، ثقة ليس به بأس، مضى برقم: 8346، 8347، 11162.

20011 -.... قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ; (حتى إذا استيأس الرسل) أن يصدقهم قومهم، وظن قومهم أن الرسل قد كَذَبوا، جاء الرسل نَصرُنا.
20012 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
20013 - حدثني المثنى: قال: حدثنا الحجاج، قال: حدثنا حماد، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، في هذه الآية: حتى إذا استيأس الرسل من قومهم، وظن قومهم أن الرسل قد كَذَبت.
20014 -.... قال: حدثنا حماد، عن كلثوم بن جبر، قال: قال لي سعيد بن جبير: سألني سيد من ساداتكم عن هذه الآية فقلت: استيأس الرسل من قومهم، وظنَّ قومهم أن الرسل قد كذبت. (1)
20015 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا) ، قال: استيأس الرسل أن يؤمن قومهم بهم، وظنَّ قومهم المشركون أن الرسل قد كَذَبوا ما وعدهم الله من نصره إياهم عليهم، وأخْلِفُوا، وقرأ: (جاءهم نصرنا) ، قال: جاء الرسلَ النصرُ حينئذ. قال: وكان أبيّ يقرؤها: "كُذِبُوا" .
20016 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن سعيد، عن أبي المتوكل، عن أيوب ابن أبي صفوان، عن عبد الله بن الحارث،
(1)
الأثر: 20014 - انظر الخبرين السالفين رقم: 20008، 20009.


أنه قال: (حتى إذا استيأس الرسل) ، من إيمان قومهم = (وظنوا أنهم قد كذبوا) ، وظن القوم أنهم قد كذبوهم فيما جاءوهم به. (1)
20017 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا عبد الوهاب، عن جويبر، عن الضحاك، قال: ظن قومهم أن رسلهم قد كَذَبوهم فيما وعدوهم به.
20018 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا محمد بن فضيل، عن جحش بن زياد الضبي، عن تميم بن حذلم، قال: سمعت عبد الله بن مسعود يقول في هذه الآية: "حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا" ، قال: استيأس الرسل من إيمان قومهم أن يؤمنوا بهم، وظن قومهم حين أبطأ الأمر أنهم قد كَذَبوا بالتخفيف. (2)
20019 - حدثنا أبو المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة،
(1)
الأثر: 20016 - "سعيد" ، هو "سعيد بن أبي عروبة" .

وأما "أبو المتوكل" فلا أدري ما هو، وسيأتي أنه عند البخاري وابن أبي حاتم: "المتوكل" ، ومع ذلك، فلست أدري من يكون على التحقيق.
و "أيوب بن أبي صفوان" ، هكذا جاء في ترجمة "أيوب بن صفوان" في التاريخ الكبير للبخاري، أي هكذا يقال فيه أيضًا، وأما ابن أبي حاتم فاقتصر على أنه: "أيوب بن صفوان" ، مولى عبد الله بن الحارث، وفي ترجمة أبي حاتم تخليط كثير.
قال البخاري في ترجمته: "قال عبد الأعلى، حدثنا سعيد، عن متوكل، عن أيوب بن صفوان، مولى عبد الله بن الحارث الهاشمي، عن عبد الله بن الحارث، عن أم هانئ، عن النبي صلى الله عليه وسلم" ، يعني في صلاة الضحى". ثم ذكره في إسناد آخر هكذا "أيوب بن أبي صفوان" ، كالذي هنا."
وأما ابن أبي حاتم فقال: "أيوب بن صفوان، مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل، روى عن المتوكل، عن عبد الله بن الحارث، روى عنه سعيد بن أبي عروبة" ، وهو خلط أرجح أن صوابه: "روى عنه المتوكل، عن عبد الله بن الحارث، وروى عن المتوكل سعيد بن أبي عروبة" .
وهذا خبر مشكل إسناده كما ترى، ولا حيلة لنا فيه، حتى نجد شيئًا يهدي إلى الصواب فيه.
(2)
الأثر: 20018 - "جحش بن زياد الضبي" ، روى عن تميم بن حذلم، روى عنه سفيان الثوري، وجرير، ومحمد بن فضيل، وأبو بكر بن عياش. لم يذكروا فيه جرحًا، مترجم في الكبير 1 / 2 / 251، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 550.

و "تميم بن حذلم الضبي" ، من أصحاب ابن مسعود، ثقة، قليل الحديث، روى له الجماعة، مضى برقم: 13623. في ترجمة ولده.
عن أبي المعلى، عن سعيد بن جبير، في قوله: (حتى إذا استيأس الرسل) ، قال: استيأس الرسل من نصر قومهم، وظنّ قومُ الرسل أن الرسل قد كَذَبوهم. (1)
20020 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا عمرو بن ثابت، عن أبيه، عن سعيد بن جبير: حتى إذا استيأس الرسل أن يصدِّقوهم، وظن قومُهم أن الرسل قد كذبوهم. (2)
20021 -.... قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيل، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: حتى إذا استيأس الرسل أن يصدّقهم قومهم، وظن قومُهم أن الرسل قد كَذَبوهم.
20022 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك في قوله: (حتى إذا استيأس الرسل) ، يقول: استيأسوا من قومهم أن يجيبوهم، ويؤمنوا بهم = "وظنوا" ، يقول: وظن قوم الرسل أن الرسل قد كَذَبوهم الموعد.
* * *
قال أبو جعفر: والقراءة على هذا التأويل الذي ذكرنا في قوله: (كُذِبُوا) بضم الكاف وتخفيف الذال. وذلك أيضًا قراءة بعض قرأة أهل المدينة وعامة قرأة أهل الكوفة.
وإنما اخترنا هذا التأويل وهذه القراءة، لأن ذلك عقيب قوله: (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف
(1)
الأثر: 20019 - "أبو المعلي" ، هو العطار، "يحيى بن ميمون" ، مضى قريبًا برقم: 20010.

(2)
الأثر: 20020 - "عمرو بن ثابت بن هرمز البكري" ، روى عن أبيه، ضعيف جدًا ليس بثقة، مضى برقم: 641، 680، 5969.

وأبوه "ثابت بن هرمز" ، الحداد، "أبو المقدام" ، ثقة، مضى برقم: 641، 680، 5969، 16645.
كان عاقبة الذين من قبلهم) ، فكان ذلك دليلا على أن إياس الرسل كان من إيمان قومهم الذين أهلكوا، وأن المضمر في قوله: (وظنوا أنهم قد كذبوا) ، إنما هو من ذكر الذين من قبلهم من الأمم الهالكة، وزاد ذلك وضوحًا أيضًا، إتباعُ الله في سياق الخبر عن الرسل وأممهم قوله: (فنجي من نشاء) ، إذ الذين أهلكوا هم الذين ظنوا ان الرسل قد كذبتهم، (1) فكَذَّبوهم ظنًّا منهم أنهم قد كَذَبوهم.
* * *
وقد ذهب قوم ممن قرأ هذه القراءة، إلى غير التأويل الذي اخترنا، ووجّهوا معناه إلى: حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم، وظنَّتِ الرسل أنهم قد كُذِبوا فيما وُعِدُوا من النصر.
* ذكر من قال ذلك:
20023 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا عثمان بن عمر، قال: حدثنا ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، قال: قرأ ابن عباس: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِبوا) ، قال: كانوا بشرًا ضَعفُوا ويَئِسوا.
20024 -.... قال: حدثنا حجاج بن محمد، عن ابن جريج، قال: أخبرني ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، قرأ: (وظنوا أنهم قد كُذِبوا) ، خفيفة، قال ابن جريج: أقول كما يقول: أخْلِفوا. قال عبد الله: قال لي ابن عباس: كانوا بشرًا. وتلا ابن عباس: (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) [سورة البقرة: 214] = قال ابن جريج: قال ابن أبي مليكة: ذهب بها إلى أنهم ضَعُفوا فظنوا أنهم أخْلِفوا.
20025 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله، أنه قرأ: (حتى إذا
(1)
في المخطوطة: "إن الذين أهلكوا" ، والصواب ما في المطبوعة.

استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِبوا) ، مخففة. قال عبد الله: هو الذي تَكْرَه.
20026 -.... قال: حدثنا أبو عامر، قال: حدثنا سفيان، عن سليمان، عن أبي الضحى، عن مسروق، أن رجلا سأل عبد الله بن مسعود: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا) ، قال: هو الذي تكره = مخففةً.
20027 -.... قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، أنه قال في هذه الآية: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا) ، قلت: "كُذِبوا" ! قال: نعم ألم يكونوا بشرًا؟
20028 - حدثنا الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِبوا) ، قال: كانوا بشرًا، قد ظنُّوا.
* * *
قال أبو جعفر: وهذا تأويلٌ وقولٌ، غيرُه من التأويل أولى عندي بالصواب، (1) وخلافه من القول أشبه بصفات الأنبياء، والرسل إن جاز أن يرتابوا بوعدِ الله إياهم ويشكوا في حقيقة خبره، مع معاينتهم من حجج الله وأدلته ما لا يعاينه المرسَل إليهم فيعذروا في ذلك، فإن المرسَلَ إليهم لأوْلى في ذلك منهم بالعذر. (2) وذلك قول إن قاله قائلٌ لا يخفى أمره.
* * *
وقد ذُكِر هذا التأويل الذي ذكرناه أخيرًا عن ابن عباس لعائشة، فأنكرته أشد النُكرة فيما ذكر لنا.
* ذكر الرواية بذلك عنها، رضوانُ الله عليها:
20029 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا عثمان بن عمر، قال: حدثنا
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "هذا تأويل وقول غيره من أهل التأويل ..." بزيادة "أهل" ، وهو لا يستقيم، لأنه لو عنى ذلك لقال: "وقول غيرهما" ، لأن الراوية قبل عند عبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود. ويصحح ما فعلت من حذف هذه الزيادة، قوله بعد: "وخلافه من القول...." .

(2)
في المطبوعة والمخطوطة: "أن المرسل إليهم" بغير الفاء، وهي واجبة في جواب الشرط من قوله: "والرسل إن جاز أن يرتابوا ... فإن المرسل إليهم ..." .

ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، قال: قرأ ابن عباس: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا انهم قد كذبوا) ، فقال: كانوا بشرًا، ضعفوا ويئسوا = قال ابن أبي مليكة: فذكرت ذلك لعروة، فقال: قالت عائشة: معاذ الله! ما حدَّث الله رسوله شيئًا قطُّ إلا علم أنه سيكون قبل أن يموت، ولكن لم يزل البلاء بالرسل حتى ظن الأنبياء أن من تبعهم قد كذّبوهم. فكانت تقرؤها: "قَدْ كُذِّبُوا" ، تثقلها. (1)
20030 -.... قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني ابن أبي مليكة، أن ابن عباس قرأ: (وظنوا أنهم قد كُذِبوا) ، خفيفة، قال عبد الله: ثم قال لي ابن عباس: كانوا بشرًا وتلا ابن عباس: (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) [سورة البقرة: 214] = قال ابن جريج: قال ابن أبي مليكة: يذهب بها إلى أنهم ضَعُفوا، فظنوا أنهم أُخْلِفوا. قال ابن جريج: قال أبن أبي مليكة: وأخبرني عروة عن عائشة، أنها خالفت ذلك وأبته، وقالت: ما وعد الله محمدًا صلى الله عليه وسلم من شيء إلا وقد علم أنه سيكون حتى مات، ولكنه لم يزل البلاء بالرسل حتى ظنوا أنَّ من معهم من المؤمنين قد كذَّبوهم. قال ابن أبي مليكة في حديث عروة: كانت عائشة تقرؤها: "وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِّبُوا" مثقَّله، للتكذيب. (2)
20031 -.... قال: حدثنا سليمان بن داود الهاشمي، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد، قال: حدثني صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن عروة،
(1)
الأثر: 20029 - "عثمان بن عمر بن فارس العبدي" ، ثقة، روى له الجماعة، مضى مرارًا. وابن جريج، هو الإمام المشهور.

و "ابن أبي مليكة" ، هو "عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة" ، روى له الجماعة، مضى مرارًا كثيرة.
وهذا إسناد صحيح، رواه البخاري في صحيحه (الفتح 8: 140) ، من طريق إبراهيم بن موسى، عن هشام، عن ابن جريج.
(2)
الأثر: 20030 - مكرر الذي قبله، وهو إسناد صحيح.

عن عائشة قال: قلت لها قوله: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِبوا) ، قال: قالت عائشة: لقد استيقنوا أنهم قد كُذِّبوا. قلت: "كُذِبوا" . قالت: معاذ الله، لم تكن الرُّسل تظُنُّ بربها، (1) إنما هم أتباع الرُّسُل، لما استأخر عنهم الوحيُ، واشتد عليهم البلاء، ظنت الرسل أن أتباعهم قد كذَّبوهم = (جاءهم نصرنا) . (2)
20032 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: حتى إذا استيأس الرجل ممن كذبهم من قومهم أن يصدّقوهم، وظنَّت الرسل أن من قد آمن من قومهم قد كَذَّبوهم، جاءهم نصر الله عند ذلك. (3)
* * *
قال أبو جعفر: فهذا ما روي في ذلك عن عائشة، غير أنها كانت تقرأ: "كُذِّبُوا" ، بالتشديد وضم الكاف، بمعنى ما ذكرنا عنها: من أن الرسل ظنَّت بأتباعها الذين قد آمنوا بهم، أنهم قد كذَّبوهم، فارتدُّوا عن دينهم، استبطاءً منهم للنصر.
وقد بيّنا أن الذي نختار من القراءة في ذلك والتأويل غيرَه في هذا الحرف خاصّةً.
* * *
وقال آخرون ممن قرأ قوله: "كُذِّبُوا" بضم الكاف وتشديد الذال، معنى ذلك: حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يؤمنوا بهم ويصدِّقوهم، وظنَّت الرسل، بمعنى: واستيقنت، أنهم قد كذّبهم أممهم، جاءَتِ الرُّسل نُصْرَتنا. وقالوا:
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "تظن يومًا" ، ورجحت أن هذا تصحيف من الناسخ، لم يحسن قراءة "بربها" ، فكتب مكانها "يومًا" ، لشبه ما بينها في الرسم، والذي في حديث البخاري: "تظن ذلك بربها" ، وهو يؤيد ما ذهبت إليه.

(2)
الأثر: 20031 - بهذا الإسناد، عن "عبد العزيز بن عبد الله، عن إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان" ، رواه البخاري في صحيحه (الفتح 8: 277 - 279) = مطولا.

ولفظ أبي جعفر مختصر أشد الاختصار. وكتب ابن حجر فصلاً جيدًا مستوفى في شرح هذا الحديث.
(3)
الأثر: 20032 - وهذا إسناد صحيح إلى عائشة.

"الظن" في هذا بمعنى العلم، (1) من قول الشاعر: (2)
فَظُنُّوا بِأَلْفَيْ فَارِسٍ مُتَلَبِّبٍ ... سَرَاتُهُمْ فِي الفَارِسِيّ المُسَرَّدِ (3)
* * *
* ذكر من قال ذلك:
20033 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن = وهو قول قتادة =: حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم، وظنوا أنهم قد كُذِّبوا "، أي: استيقنوا أنه لا خير عند قومهم، ولا إيمان = (جاءهم نصرنا) ."
* * *
20034 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (حتى إذا استيأس الرسل) ، قال: من قومهم = (وظنوا أنهم قد كذِّبوا) ، قال: وعلموا أنهم قد كذبوا = (جاءهم نصرنا) .
* * *
قال أبو جعفر: وبهذه القراءة كانت تقرأ عامة قرأة المدينة والبصرة والشأم، أعني بتشديد الذال من "كُذِّبُوا" وضم كافها.
* * *
وهذا التأويل الذي ذهب إليه الحسن وقتادة في ذلك، إذا قرئ بتشديد الذال وضم الكاف، خلافٌ لما ذكرنا من أقوال جميع من حكينا قوله من الصحابة، لأنه لم يوجه "الظن" في هذا الموضع منهم أحدٌ إلى معنى العلم واليقين، مع أن "الظنّ" إنما استعمله العرب في موضع العلم فيما كان من علم أدرك من جهة الخبر أو من غير وجه المشاهده والمعاينة. فأما ما كان من علم أدرك من وجه المشاهدة والمعاينة، فإنها لا تستعمل فيه "الظن" ، لا تكاد تقول: "أظنني حيًّا، وأظنني إنسانًا" ، بمعنى: أعلمني إنسانًا، وأعلمني حيًا. والرسل الذين كذبتهم أممهم، لا شك أنها كانت لأممها شاهدة، ولتكذيبها إياها منها سامعة، فيقال فيها: ظنّت بأممها أنها كَذَّبتها.
* * *
وروي عن مجاهد في ذلك قولٌ هو خلاف جميع ما ذكرنا من أقوال الماضين الذين سَمَّينا أسماءهم وذكرنا أقوالهم، وتأويلٌ خلاف تأويلهم، وقراءةٌ غير قراءة
(1)
انظر تفسير "الظن" بهذا المعنى فيما سلف من فهارس اللغة (ظنن) .

(2)
هو دريد بن الصمة.

(3)
مضى البيت بغير هذه الرواية 2: 18، تعليق: 1، وبينت ذلك هناك.


جميعهم، وهو أنه، فيما ذُكِر عنه، كان يقرأ: "وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كَذَبُوا" بفتح الكاف والذال وتخفيف الذال.
* ذكر الرواية عنه بذلك:
20035 - حدثني أحمد بن يوسف، قال: حدثنا أبو عبيد، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، أنه قرأها: "كَذَبُوا" بفتح الكاف بالتخفيف.
* * *
=وكان يتأوّله كما: -
20036 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: استيأس الرجل أن يُعَذَّبَ قومهم، وظن قومهم أن الرسل قد كَذَبوا = (جاءهم نصرنا) ، قال: جاء الرسلَ نصرنا. قال مجاهد: قال في "المؤمن" (1) (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) ، قال: قولهم: "نحن أعلم منهم ولن نعذّب" . وقوله: (وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) ، [سورة غافر: 83] ، قال: حاق بهم ما جاءت به رسلهم من الحق.
* * *
قال أبو جعفر: وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها، (2) لإجماع الحجة من قرأة الأمصار على خلافها. ولو جازت القراءة بذلك، لاحتمل وجهًا من التأويل، وهو أحسن مما تأوله مجاهد، وهو: حتى إذا استيأس الرسل من عذاب الله قومَها المكَذِّبة بها، وظنَّت الرسل أن قومها قد كَذَبوا وافتروا على الله بكفرهم بها = ويكون "الظن" موجِّهًا حينئذ إلى معنى العلم، على ما تأوَّله الحسن وقتادة.
* * *
وأما قوله: (فنجي من نشاء) فإن القرأة اختلفت في قراءته.
فقرأه عامة قرأة أهل المدينة ومكة والعراق: "فَنُنْجِى مَنْ نَشَاء" ، مخفّفة بنونين، (3)
(1)
"المؤمن" هي سورة غافر، أي: سورة مؤمن آل فرعون.

(2)
في المطبوعة وحدها: "وهذه القراءة" ، غير الكلام بلا معنى.

(3)
في المطبوعة أسقط "مخففة" ، وكان في المخطوطة: "فننجي مخففة من نشاء بنونين" ، والذي أثبته أولى وأجود.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 19-07-2025, 04:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,434
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف
الحلقة (888)
صــ 311 إلى صــ 320






بمعنى: فننجي نحنُ من نشاء من رسلنا والمؤمنين بنا، دون الكافرين الذين كَذَّبوا رُسلنا، إذا جاء الرسلَ نصرُنا.
* * *
واعتلّ الذين قرءوا ذلك كذلك، أنه إنما كتب في المصحف بنون واحدة، وحكمه أن يكون بنونين، لأن إحدى النونين حرف من أصل الكلمة، من: "أنجى ينجي" ، والأخرى "النون" التي تأتي لمعنى الدلالة على الاستقبال، من فعل جماعةٍ مخبرةٍ عن أنفسها، لأنهما حرفان، أعني النونين، من جنس واحدٍ يخفى الثاني منهما عن الإظهار في الكلام، فحذفت من الخط، واجتزئ بالمثبتة من المحذوفة، كما يفعل ذلك في الحرفين اللذين يُدْغم أحدهما في صاحبه.
* * *
وقرأ ذلك بعض الكوفيين على هذا المعنى، غير أنه أدغم النون الثانية وشدّد الجيم.
* * *
وقرأه آخر منهم بتشديد الجيم ونصب الياء، على معنى فعل ذلك به من: "نجَّيته أنجّيه" .
* * *
وقرأ ذلك بعض المكيين: "فَنَجَا مَنْ نَشَاءُ" بفتح النون والتخفيف، من: "نجا ينجو" . (1)
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا، قراءة من قرأه: "فَنُنْجِى مَنْ نَشَاءُ" بنونين، لأن ذلك هو القراءة التي عليها القرأة في الأمصار، وما خالفه ممن قرأ ذلك ببعض الوجوه التي ذكرناها، فمنفرد بقراءته عما عليه الحجة مجمعة من القرأة. وغير جائز خلاف ما كان مستفيضًا بالقراءة في قرأة الأمصار.
* * *
(1)
في المخطوطة: "من نجا عذاب الله من نشاء ينجو" وفي المطبوعة: "من نجا من عذاب الله من نشاء ينجو" ، زاد "من" ليستقيم الكلام. بيد أني أقطع بأن الصواب هو ما أثبت، كما فعل في أخواتها السالفة، وإنما زاد الناسخ ما زاد سهوًا.

قال أبو جعفر: وتأويل الكلام: فننجي الرسلَ ومن نشاء من عبادنا المؤمنين إذا جاء نصرنا، كما: -
20037 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال حدثني عمي: قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "فننجى من نشاء" ، فننجي الرسل ومن نشاء = (ولا يردّ بأسنا عن القوم المجرمين) ، وذلك أن الله تبارك وتعالى بَعَث الرسل، فدعوا قومهم، وأخبروهم أنه من أطاع نجا، ومن عصاه عُذِّب وغَوَى.
* * *
وقوله (ولا يردّ بأسنا عن القوم المجرمين) ، يقول: ولا تردُّ عقوبتنا وبطشنا بمن بطشنا به من أهل الكفر بنا وعن القوم الذين أجرموا، فكفروا بالله، وخالفوا رسله وما أتوهم به من عنده.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأولِي الألْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لقد كان في قصص يوسف وإخوته عبرة لأهل الحجا والعقول يعتبرون بها، وموعظة يتّعظون بها. (1) وذلك أن الله جل ثناؤه بعد أن ألقي يوسف في الجبّ ليهلك، ثم بِيع بَيْع العبيد بالخسيس من الثمن، وبعد الإسار والحبس الطويل، ملّكه مصر، ومكّن له في الأرض، وأعلاه على من بغاه سوءًا من إخوته، وجمع بينه وبين والديه وإخوته بقدرته، بعد المدة الطويلة، وجاء بهم إليه من الشُّقّة النائية البعيدة، فقال جل ثناؤه للمشركين من قريش من
(1)
انظر تفسير "القصص" فيما سلف 15: 558، تعليق: 1، والمراجع هناك.

= وتفسير "العبرة" فيما سلف 6: 242، 243.
قوم نبيّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: لقد كان لكم، أيها القوم، في قصصهم عبرةٌ لو اعتبرتم به، أن الذي فعل ذلك بيوسف وإخوته، لا يتعذَّر عليه فعلُ مثله بمحمد صلى الله عليه وسلم، (1) فيخرجه من بين أظهُرِكم، ثم يظهره عليكم، ويمكن له في البلاد، ويؤيده بالجند والرجال من الأتباع والأصحاب، وإن مرَّت به شدائد، وأتت دونه الأيام والليالي والدهور والأزمان.
* * *
وكان مجاهد يقول: معنى ذلك: لقد كان في قصصهم عبرة ليوسف وإخوته.
* ذكر الرواية بذلك:
20038 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (لقد كان في قصصهم عبرة) ، ليوسف وإخوته.
20039 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: عبرة ليوسف وإخوته.
20040 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
20041 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: (لقد كان في قصصهم عبرة لأولى الألباب) ، قال: يوسف وإخوته.
* * *
قال أبو جعفر: وهذا القول الذي قاله مجاهد، وإن كان له وجه يحتمله التأويل، فإن الذي قلنا في ذلك أولى به ; لأنّ ذلك عَقِيب الخبر عن نبينا صلى الله عليه وسلم وعن قومه من المشركين، وعَقِيب تهديدهم ووعيدهم على الكفر بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ومنقطع عن خبر يوسف وإخوته، ومع ذلك
(1)
في المطبوعة: "أن يفعل مثله" ، أساء قراءة المخطوطة، وزاد "أن" من عند نفسه.

أنه خبرٌ عام عن جميع ذوي الألباب، أنَّ قصصهم لهم عبرة، وغير مخصوص بعض به دون بعض. فإذا كان الأمر على ما وصفنا في ذلك، فهو بأن يكون خبرًا عن أنه عبرة لغيرهم أشبه. (1) والرواية التي ذكرناها عن مجاهد [من] رواية ابن جريج (2) أشبه به أن تكون من قوله ; لأن ذلك موافقٌ القولَ الذي قلناه في ذلك.
* * *
وقوله: (ما كان حديثًا يفترى) ، يقول تعالى ذكره: ما كان هذا القول حديثًا يختلق ويُتَكذَّب ويُتَخَرَّص، (3) كما:-
20042 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (ما كان حديثًا يفترى) ، و "الفرية" : الكذب.
* * *
(= ولكن تصديق الذي بين يديه) ، يقول: ولكنه تصديق الذي بين يديه من كتب الله التي أنزلها قبله على أنبيائه، كالتوراة والإنجيل والزبور، يصدِّق ذلك كله ويشهد عليه أنّ جميعه حق من عند الله، كما:-
20043 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (ولكن تصديق الذي بين يديه) ، والفرقان تصديق الكتب التي قبله، ويشهد عليها.
* * *
وقوله: (وتفصيل كل شيء) ، يقول تعالى ذكره: وهو أيضًا تفصيل كل ما بالعباد إليه حاجة من بيان أمر الله ونهيه، وحلاله وحرامه، وطاعته ومعصيته. (4)
* * *
وقوله: (وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) ، يقول تعالى ذكره: وهو بيان أمره،
(1)
قوله: "أشبه" ليست في المخطوطة، لأنها مضطربة هنا، وهي زيادة حكمية.

(2)
زدت "من" بين القوسين ليستقيم الكلام، وليست في المطبوعة ولا المخطوطة.

(3)
انظر تفسير "الافتراء" فيما سلف من فهارس اللغة (فرى) .

(4)
انظر تفسير "التفصيل" فيما سلف من فهرس اللغة (فصل) .

ورشاده لمن جهل سبيل الحق فعمي عنه، (1) إذا اتبعه فاهتدى به من ضلالته = "ورحمة" لمن آمن به وعمل بما فيه، ينقذه من سخط الله وأليم عذابه، ويورِّثه في الآخرة جنانه، والخلودَ في النعيم المقيم = (لقوم يؤمنون) ، يقول: لقوم يصدِّقون بالقرآن وبما فيه من وعد الله ووعيده، وأمره ونهيه، فيعملون بما فيه من أمره، وينتهون عما فيه من نهيه.
* * *
آخر تفسير سورة يوسف
صلَّى الله عليه وسلم (2)
(1)
في المطبوعة: "ورشاد من جهل ..." وفي المخطوطة: "ورشاده من جهل" ، فجعلتها "لمن جهل" ، وهو صواب إن شاء الله.

(2)
في المخطوطة هنا، بعد هذا، ما نصه

"يتلوه: تفسير السورة التي يذكر فيها الرعد"
وصلي الله على محمد وآله وسلم كثيرًا "."

* * *



تفسير سورة الرعد



(أول تفسير السورة التي يذكر فيها الرعد)
(بسم الله الرحمن الرحيم)
(ربِّ يسِّر)
القول في تأويل قوله تعالى: {المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (1) }
قال أبو جعفر: قد بينا القول في تأويل قوله (الر)
و (المر) ، ونظائرهما من حروف المعجم التي افتتح بها أوائل بعض سور القرآن، فيما مضى، بما فيه الكفاية من إعادتها (1) غير أنا نذكر من الرواية ما جاء خاصًّا به كل سورة افتتح أولها بشيء منها.
فما جاء من الرواية في ذلك في هذه السورة عن ابن عباس من نقل أبي الضحى مسلم بن صبيح وسعيد بن جبير عنه، التفريقُ بين معنى ما ابتدئ به أولها، مع زيادة الميم التي فيها على سائر السور ذوات (الر) (2) ومعنى ما ابتدئ به أخواتها (3) مع نقصان ذلك منها عنها.
ذكر الرواية بذلك عنه:
(1)
انظر ما سلف 1: 205 - 224 / 6: 149 / 12: 293، 294 / 15: 9، 225، 549.

(2)
في المطبوعة والمخطوطة: "على سائر سور ذوات الراء" ، والصواب ما أثبت.

(3)
السياق: "... التفريق بين معنى ما ابتدئ به أولها ... ومعنى ما ابتدئ به أخواتها" .

20044- حدثنا ابن المثنى قال: حدثنا عبد الرحمن، عن هشيم، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (المر) قال: أنا الله أرى.
20045- حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا شريك، عن عطاء بن السائب، عن أبي الضحى، عن ابن عباس: قوله: (المر) قال: أنا الله أرى.
20046- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال: حدثنا سفيان، عن مجاهد: (المر) : فواتح يفتتح بها كلامه.
* * *
وقوله: (تلك آيات الكتاب) يقول تعالى ذكره: تلك التي قصصت عليك خبرَها، آيات الكتاب الذي أنزلته قبل هذا الكتاب الذي أنزلته إليك إلى من أنزلته إليه من رسلي قبلك.
* * *
وقيل: عنى بذلك: التوراة والإنجيل.
*ذكر من قال ذلك:
20047- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (المر تلك آيات الكتاب) الكتُب التي كانت قبل القرآن.
20048- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا سفيان، عن مجاهد: (تلك آيات الكتاب) قال: التوراة والإنجيل.
* * *
وقوله: (والذي أنزل إليك من ربك الحق) [القرآن] ، (1) فاعمل بما فيه واعتصم به.
(1)
الزيادة بين القوسين واجبة، يدل على وجوبها ما بعدها من الآثار.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 19-07-2025, 05:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,434
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الرعد
الحلقة (889)
صــ 321 إلى صــ 330






وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
20049- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال: حدثنا سفيان، عن مجاهد: (والذي أنزل إليك من ربك الحق) قال: القرآن.
20050- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (والذي أنزل إليك من ربك الحق) : أي: هذا القرآن.
* * *
وفي قوله: (والذي أنزل إليك) وجهان من الإعراب:
أحدهما: الرفع، على أنه كلام مبتدأ، فيكون مرفوعا بـ "الحق" و "الحق به" . وعلى هذا الوجه تأويل مجاهد وقتادة الذي ذكرنا قبل عنهما.
* * *
والآخر: الخفض على العطف به على (الكتاب) ، فيكون معنى الكلام حينئذ: تلك آياتُ التوراة والإنجيل والقرآن. ثم يبتدئ (الحق) بمعنى: ذلك الحق = فيكون رفعه بمضمر من الكلام قد استغنى بدلالة الظاهر عليه منه.
* * *
ولو قيل: معنى ذلك: تلك آيات الكتاب الذي أنزل إليك من ربك الحق = وإنما أدخلت الواو في "والذي" ، وهو نعت للكتاب، كما أدخلها الشاعر في قوله:
إلَى المَلِكِ القَرْمِ وَابْنِ الهُمَامِ ... وَلَيْثَ الكَتِيبَةِ فِي المُزْدَحَمْ (1)
فعطف بـ "الواو" ، وذلك كله من صفة واحد=، كان مذهبًا من التأويل. (2)
(1)
مضى البيت وتخريجه وشرحه فيما سلف 3: 352، 353، وقوله: "ليث" ، منصوب على المدح، كما بينه الطبري هناك.

(2)
السياق: "ولو قيل: معنى ذلك ... كان مذهبًا من التأويل" .

ولكن ذلك إذا تُؤُوِّل كذلك فالصواب من القراءة في (الحق) الخفض، على أنه نعت لـ (الذي) .
* * *
وقوله: (ولكن أكثر الناس لا يؤمنون) ولكن أكثر الناس من مشركي قومك لا يصدقون بالحقّ الذي أنزل إليك من ربك، (1) ولا يقرّون بهذا القرآن وما فيه من محكم آيه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: الله، يا محمد، هو الذي رفع السموات السبع بغير عَمَد ترونها، فجعلها للأرض سقْفًا مسموكًا.
* * *
و "العَمَد" جمع "عمود" ، وهي السَّواري، وما يعمد به البناء، كما قال النابغة:
وَخَيِّسِ الجِنَّ إنِّي قَدْ أذِنْتُ لَهُمْ ... يَبْنُون تَدْمُرَ بِالصُّفَّاحِ وَالعَمَدِ (2)
(1)
في المطبوعة والمخطوطة، أسقط لفظ الآية، فأثبتها.

(2)
ديوانه: 29، ومجاز القرآن 1: 320، وشمس العلوم لنشوان الحميري: 37، وغيرها كثير، من قصيدته المشهورة التي اعتذر فيها للنعمان، لما قذفوه بأمر المتجردة، يقول قبله: ولاَ أَرَى فَاعلاً فِي النَّاسِ يُشْبِهُهُ ... ولاَ أُحَاشِي مِنَ الأقْوامِ مِنْ أَحَدِ

إلاَّ سُلَيْمَانَ إذْ قَالَ الإلهُ لَهُ ... قُمْ فِي البَرِيَّةِ فَاحْدُدْهَا عن الفَنَدِ
وقوله: "وخيس الجن" ، أي: ذللها ورضها. و "الصفاح" ، حجارة رقاق عراض صلاب.
و "تدمر" مدينة بالشام. قال نشوان الحميري في شمس العلوم: "مدينة الشأم مبنية بعظام الصخر، فيها بناء عجيب، سميت بتدمر الملكة العمليقية بنت حسان بن أذينة، لأنها أول من بناها. ثم سكنها سليمان بن داود عليه السلام بعد ذلك. فبنت له فيها الجن بناء عظيمًا، فنسبت اليهود والعرب بناءها إلى الجن، لما استعظموه" .
وهذا نص جيد من أخبارهم وقصصهم في الجاهلية.
وجمع "العمود:" "عَمَد،" كما جمع الأديم: "أدَم" ، ولو جمع بالضم فقيل: "عُمُد" جاز، كما يجمع "الرسول" "رسل" ، و "الشَّكور" "شكر" .
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (رفع السموات بغير عمد ترونها) .
فقال بعضهم: تأويل ذلك: الله الذي رفع السموات بعَمَدٍ لا ترونها.
*ذكر من قال ذلك:
20051- حدثنا أحمد بن هشام قال: حدثنا معاذ بن معاذ قال: حدثنا عمران بن حدير، عن عكرمة قال: قلت لابن عباس: إن فلانًا يقول: إنها على عمد = يعنى السماء؟ قال: فقال: اقرأها (بغير عمَدٍ ترونها) : أي لا ترونها.
20052- حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح قال: حدثنا معاذ بن معاذ، عن عمران بن حدير، عن عكرمة، عن ابن عباس، مثله.
20053- حدثنا الحسن بن محمد قال: ثنا عفان قال: حدثنا حماد قال: حدثنا حميد، عن الحسن بن مسلم، عن مجاهد في قوله: (بغير عمد ترونها) ، قال: بعمد لا ترونها.
20054- حدثني المثنى قال: حدثنا الحجاج قال: حدثنا حماد، عن حميد، عن الحسن بن مسلم، عن مجاهد، في قول الله: (بغير عمد ترونها) قال: هي لا ترونها (1) .
(1)
الأثران: 20053، 20054 - "الحسن بن مسلم بن يناق المكي" ، ثقة، وله أحاديث مترجم في التهذيب، والكبير 1 / 2 / 304، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 36.

20055- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (بغير عمد) يقول: عمد [لا ترونها] . (1)
20056- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
20057- قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الحسن وقتادة قوله: (الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها) قال قتادة: قال ابن عباس: بعَمَدٍ ولكن لا ترونها.
20058- حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا شريك، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قوله: (رفع السموات بغير عمد ترونها) قال: ما يدريك؟ لعلها بعمد لا ترونها.
* * *
ومن تأوَّل ذلك كذلك، قصد مذهب تقديم العرب الجحدَ من آخر الكلام إلى أوله، كقول الشاعر (2)
وَلا أرَاهَا تَزَالُ ظَالِمَةً ... تُحْدِثُ لِي نَكْبَةً وتَنْكَؤُهَا (3)
يريد: أراها لا تزال ظالمة، فقدم الجحد عن موضعه من "تزال" ، وكما قال الآخر: (4)
(1)
ما بين القوسين زيادة لا بد منها، وليست في المخطوطة.

(2)
هو ابن هرمة.

(3)
شرح شواهد المغني 277، 279 من تسعة أبيات، ومعاني القرآن للفراء في تفسير الآية، والأضداد لابن الأنباري: 234.

وقد زعموا أنه قيل لابن هرمة: إن قريشًا لا تهمز، فقال: لأقولن قصيدة أهمزها كلها بلسان قريش، وأولها: إنَّ سُلَيْمي والله يكْلَؤهَا ... ضَنَّتْ بِشَيء مَا كَان يَرْزَؤُها
وعَوَّدَتْنِي فِيما تُعَوِّدُني ... أَظْمَاءُ وِرْدٍ ما كُنْتُ أجزَؤُهَا
ولا أرَاهَا تَزَال ظَالِمةً ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4)
لم أعرف قائله.

إذَا أَعْجَبَتْكَ الدَّهْرَ حَالٌ مِنَ امْرِئٍ ... فَدَعْهُ وَوَاكِلْ حَالَهُ وَاللَّيَاليَا (1) يَجِئْنَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ صَالحٍ بِهِ ... وَإنْ كَانَ فِيما لا يَرَى النَّاسُ آلِيَا
يعني: وإن كان فيما يرى الناس لا يألو.
* * *
وقال آخرون، بل هي مرفوعة بغير عمد.
*ذكر من قال ذلك:
20059- حدثنا محمد بن خلف العسقلاني قال: أخبرنا آدم قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن إياس بن معاوية، في قوله: (رفع السموات بغير عمد ترونها) قال: السماء مقبّبة على الأرض مثل القبة. (2)
20060- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (بغير عمد ترونها) قال: رفعها بغير عمد.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال كما قال الله تعالى: (الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها) فهي مرفوعة بغير عمد نَراها، كما قال ربنا جل ثناؤه. ولا خبر بغير ذلك، ولا حجة يجب التسليم لها بقول سواه. (3)
* * *
وأما قوله: (ثم استوى على العرش) فإنه يعني: علا عليه.
* * *
وقد بينا معنى الاستواء واختلاف المختلفين فيه، والصحيح من القول فيما قالوا فيه، بشواهده فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (4)
* * *
(1)
معاني القرآن للفراء في تفسير الآية، والأضداد لابن الأنباري: 234، وقوله: "واكل حاله" ، أي: دع أمره لليالي. من "وكل إليه الأمر" ، أي: صرف أمره إليه. وقوله: "يجئن على ما كان من صالح به" ، أي يقضين على صالح أمره ويذهبنه. و "الآلي" ، المقصر.

(2)
الأثر: 20059 - "إياس بن معاوية بن قرة المزني" ، "أبو واثلة" قاضي البصرة، ثقة، وكان فقيهًا عفيفًا، وكان عاقلا فطنًا من الرجال، يضرب به المثل في الحلم والدهاء. مترجم في التهذيب، والكبير 1 / 1 / 442، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 282، وابن سعد 7 / 2 / 4، 5.

(3)
أي احتياط وفقه وعقل وورع، كان أبو جعفر يستعمل في تفسيره! .

(4)
انظر تفسير "الاستواء" فيما سلف 1: 428 - 431 / 12: 482، 483 / 15: 18.

= وتفسير "العرش" فيما سلف 15: 245، تعليق: 1، والمراجع هناك.
وقوله: (وسخر الشمس والقمر) يقول: وأجرى الشمس والقمر في السماء، فسخرهما فيها لمصالح خلقه، وذلَّلَهما لمنافعهم، ليعلموا بجريهما فيها عدد السنين والحساب، ويفصلوا به بين الليل والنهار.
* * *
وقوله: (كل يجري لأجل مسمَّى) يقول جل ثناؤه: كل ذلك يجري في السماء= (لأجل مسمى) : أي: لوقت معلوم، (1) وذلك إلى فناء الدنيا وقيام القيامة التي عندها تكوَّر الشمس، ويُخْسف القمر، وتنكدر النجوم.
=وحذف ذلك من الكلام، لفهم السامعين من أهل لسان من نزل بلسانه القرآن معناه، وأن (كلّ) "لا بدَّ لها من إضافة إلى ما تحيط به. (2) "
* * *
وبنحو الذي قلنا في قوله: (لأجل مسمى) قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
20061- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمّى) قال: الدنيا. (3)
* * *
وقوله: (يدبِّر الأمر) يقول تعالى ذكره: يقضي الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها أمورَ الدنيا والآخرة كلها، ويدبِّر ذلك كله وحده، بغير شريك ولا ظهير ولا معين سُبْحانه. (4)
* * *
(1)
انظر تفسير "الأجل المسمى" فيما سلف 6: 43 / 11: 256 - 259، 407.

(2)
انظر تفسير "كل" وأحكامها فيما سلف 15: 540، تعليق: 1، والمراجع هناك. وانظر ما قاله أبو عبيدة في مجاز القرآن 1: 321.

(3)
قوله "الدنيا" ، كأنه يعني: فناء الدنيا، فاقتصر على ذكر "الدنيا" ، لأنه معلوم بضرورة الدين أنها فانية، وإنما الخلود في الآخرة.

(4)
انظر تفسير "التدبير" فيما سلف 15: 18، 19، 84.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
20062- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (يدبر الأمر) يقضيه وحده.
20063- قال حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.
20064- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، بنحوه.
* * *
وقوله: (يفصل الآيات) يقول: يفصل لكم ربُّكم آيات كتابه، فيبينها لكم (1) احتجاجًا بها عليكم، أيها الناس = (لعلكم بلقاء ربكم توقنون) يقول: لتوقنوا بلقاء الله، والمعاد إليه، فتصدقوا بوعده ووعيده، (2) وتنزجروا عن عبادة الآلهة والأوثان، وتخلصوا له العبادة إذا أيقنتم ذلك. (3)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
20065- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (لعلكم بلقاء ربكم توقنون) ، وإن الله تبارك وتعالى إنما أنزل كتابه وأرسل رسله، لنؤمن بوعده، ونستيقن بلقائه.
* * *
(1)
انظر تفسير "تفصيل الآيات" فيما سلف 15: 227، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "الإيقان" فيما سلف 10: 394 / 11: 475.

(3)
في المطبوعة: "تيقنتم" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو لب الصواب.

القول في تأويل قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: والله الذي مَدَّ الأرض، فبسطها طولا وعرضًا.
* * *
وقوله: (وجعل فيها رواسي) يقول جل ثناؤه: وجعل في الأرض جبالا ثابتة.
* * *
و "الرواسي:" جمع "راسية" ، وهي الثابتة، يقال منه: "أرسيت الوتد في الأرض" : إذا أثبته، (1) كما قال الشاعر: (2)
بهِ خَالِدَاتٌ مَا يَرِمْنَ وهَامِدٌ ... وَأشْعَثُ أرْسَتْهُ الوَلِيدَةُ بِالفِهْرِ (3)
يعني: أثبتته.
* * *
وقوله: (وأنهارًا) يقول: وجعل في الأرض أنهارًا من ماء.
* * *
وقوله: (ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين فـ (من) في
(1)
انظر تفسير "الإرساء" فيما سلف 13: 293.

(2)
هو الأحوص.

(3)
مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 321، واللسان (رسا) ، وروايته "سوى خالدات" و "ترسيه الوليدة" . و "الخالدات" ، و "الخوالد" صخور الأثافي، سميت بذلك لطول بقائها بعد دروس أطلال الديار.: ما يرمن "، ما يبرحن مكانهن، من" رام المكان يريمه "، إذا فارقه. و" الهامد "الرماد المتلبد بعضه على بعض. و" الأشعث "، الوتد، لأنه يدق رأسه فيتشعث ويتفرق، و" الوليدة ": الجارية، و" الفهر "حجر ملء الكف، يدق به."

قوله (ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين) من صلة (جعل) الثاني لا الأول.
* * *
ومعنى الكلام: وجعل فيها زوجين اثنين من كل الثمرات. وعنى بـ (زوجين اثنين) : من كل ذكر اثنان، ومن كل أنثى اثنان، فذلك أربعة، من الذكور اثنان، ومن الإناث اثنتان في قول بعضهم.
* * *
وقد بينا فيما مضى أن العرب تسمي الاثنين: (زوجين) ، والواحد من الذكور "زوجًا" لأنثاه، وكذلك الأنثى الواحدة "زوجًا" و "زوجة" لذكرها، بما أغمى عن إعادته في هذا الموضع. (1)
ويزيد ذلك إيضاحًا قول الله عز وجل: (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأنْثَى) [سورة النجم: 45] فسمى الاثنين الذكر والأنثى (زوجين) .
وإنما عنى بقوله: (زوجين اثنين) ، (2) نوعين وضربين.
* * *
وقوله: (يغشى الليل النهار) ، يقول: يجلِّل الليلُ النهارَ فيلبسه ظلمته، والنهارُ الليلَ بضيائه، (3) كما:-
20066- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (يغشي الليل النهار) أي: يلبس الليل النهار.
* * *
وقوله: (إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) ، يقول تعالى ذكره:
(1)
انظر تفسير "الزوج" فيما سلف 1: 397، 514 / 7: 515 / 12: 184 / 15: 322 - 324.

(2)
في المخطوطة والمطبوعة: "من كل زوجين اثنين" ، وهم الناسخ، فزاد في الكلام ما ليس منه هنا، وإنما ذلك من قوله تعالى في آية أخرى. فحذفت "من كل" ، ليبقى نص الآية التي يفسرها هنا.

(3)
انظر تفسير "الإغشاء" فيما سلف 12: 483 / 15: 75.

إن فيما وصفت وذكرت من عجائب خلق الله وعظيم قدرته التي خلق بها هذه الأشياء، لَدلالات وحججًا وعظات، لقوم يتفكرون فيها، فيستدلون ويعتبرون بها، فيعلمون أن العبادة لا تصلح ولا تجوز إلا لمن خلقها ودبَّرها دون غيره من الآلهة والأصنام التي لا تقدر على ضر ولا نفع ولا لشيء غيرها، إلا لمن أنشأ ذلك فأحدثه من غير شيء تبارك وتعالى= وأن القدرة التي أبدع بها ذلك، هي القدرة التي لا يتعذَّر عليه إحياء من هلك من خلقه، وإعادة ما فني منه وابتداع ما شاء ابتداعَه = بها. (1)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَفِي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره (وفي الأرض قطع متجاورات) ، وفي الأرض قطع منها متقاربات متدانيات، يقرب بعضها من بعض بالجوار، وتختلف بالتفاضل مع تجاورها وقرب بعضها من بعض، فمنها قِطْعة سَبَخَةٌ لا تنبت شيئًا في جوار قطعة طيبة تنبت وتنفع.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
(1)
السياق: "وهي القدرة التي لا يتعذر عليه ... بها" .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 52 ( الأعضاء 0 والزوار 52)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 549.45 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 543.56 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (1.07%)]