أنا المسجد - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         طريقة عمل كيك الموز بخطوات ومكونات خفيفة.. حلويات تنفع للعيد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 98 )           »          وصفات طبيعية لتفتيح البشرة قبل عيد الأضحى.. خطوات بسيطة وآمنة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 89 )           »          فضائل يومي عرفة والنحر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 107 )           »          حكم تغطية وجه المحرم والمحرمة بالكمامات الطبية وعند النوم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 70 )           »          الظلال الشرفة في الفضائل العشرين ليوم عرفة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 83 )           »          بعض أحكام الأضحية والهدي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 82 )           »          يوم الرحمة والعتق والتجلي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 106 )           »          حتى يكون حجنا مبرورا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 110 )           »          مضامين خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في عرفة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 117 )           »          لغير الحاج.. كيف نستقبل يوم عرفه؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 93 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26-08-2022, 06:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,489
الدولة : Egypt
افتراضي أنا المسجد

أنا المسجد
السيد مراد سلامة

(المسجد ومكانته في الإسلام)

الخطبة الأولى
أما بعد:
فيا معاشر الموحدين، حديثنا اليوم مع المسجد وهو يتكلم ويخبرنا عن نفسه، وعن مكانته، وعن روَّاده، فهيا لنستمع إلى ذلك الحديث العذب الرقراق من المسجد:
أنا مسجدٌ لله مرَّ بساحتي
دهر طويل وانطوت أعمارُ
كم زارني التاريخ زورة عاشق
ولكَمْ تجمَّع عندي الأبرارُ
بالأمس تمتلئ القلوب مهابة
منى وتشرح صدري الأذكارُ
ويرتل القرآن بين جوانحي
فجوانحي بهدى الكتاب تُنارُ
وتثير إعجاب السحاب مآذني
وتحيطني بحنانها الأسوارُ
كم جاء من يأوي إليَّ فضمه
صدري الحنونُ وزالت الأخطارُ


أنا المسجد بيت الله، مَن جاءني فقد زار الله:
أيها الأحباب: أنا بيت الله، ومن يمَّم وجهه إليَّ، فهو زائر لله تعالى، فهو في ضيافة الرحمن الرحيم، فهو في جوار رب العالمين؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من توضأ في بيته فأحسن الوضوء، ثم أتى المسجد، فهو زائر لله، وحُقَّ على المزُور أن يكرم زائره))[1].

أنا المسجد أطهر البقاع على الأرض:
أيها الأحباب، أنا المسجد أطهر البقاع وأحبها إلى الله، الأجساد متطهرة، والقلوب خاشعة، والأرواح سامية؛ فقد اختارني الله جل جلاله، وجعلني مأوى أوليائه من بين البقاع؛ وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم: أي البقاع شر؟ قال: لا أدري حتى أسأل جبريل، فسأل جبريل، فقال: خير البقاع المساجد، وشرها الأسواق))[2].

(خير البقاع المساجد)؛ لأنها محل فيوض الرحمة، وإدرار النعمة، (وشر البقاع الأسواق)، قَرَنَ المساجد بالأسواق مع أن غيرها قد يكون شرًّا منها؛ ليبين أن الديني يدفعه الأمر الدنيوي.

أنا المسجد من أتاني، فمعه شهادة ضمان من الرحيم الرحمن:
أنا المسجد، من خرج من بيته متطهرًا إليَّ، فهو ضامن على الله تعالى إن عاش رزقه الله وكفاه، وإن مات أدخله الله الجنة؛ عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاثة كلهم ضامن على الله إن عاش رُزق وكُفي، وإن مات أدخله الله الجنة: مَن دخل بيته فسلَّم، فهو ضامن على الله، ومن خرج إلى المسجد فهو ضامن على الله، ومن خرج في سبيل الله فهو ضامن على الله))[3].

أي: إذا ذهبت إلى صلاة الجماعة وأنت مأمور بها، فإن الله ضمن لك الرزق والجنة.

فلا تضيع الجماعة، ولا تصلِّ متكاسلًا في بيتك، وتقول: عندي عمل، والصلاة ستضيع عليَّ الوقت، الصلاة لن تضيع عليك شيئًا.

أحيانًا بعض الناس قد يعمل عند شخص من الأشخاص، فيقول لصاحب العمل: اسمح لي أن أصلي صلاة الجماعة، وأحيانًا قد يكون صاحب العمل سيئ الخلق، فيمنعه من الصلاة، وأحيانًا يكون المصلي نفسه هو السبب في منعه من صلاة الجماعة؛ لأن صلاة الجماعة قد تأخذ من الوقت عشر دقائق، أو ربع ساعة، فيذهب يصلي في جماعة ويتأخر ساعتين، فيمنعه صاحب العمل بسبب ذلك، فالعمل عليك واجب؛ لأنك تأخذ عليه أجرًا، فأعطِ العمل حقه، وصلاة الجماعة لها قدر معين، فالله لم يأمرك أن تصلي صلاة الجماعة ساعتين، فتصلي في المسجد، ثم تتكلم مع هذا، وتتحدث مع هذا، ثم بعد ذلك تأتي إلى العمل، فإذا أردت أن تصلي صلاة الجماعة، فاذهب وقت صلاة الجماعة، ثم صلِّ ركعتين، ثم ارجع إلى عملك، عندئذٍ يعرف صاحب العمل أنك أمين مع الله عز وجل، وستكون أمينًا على عملك[4].

أنا المسجد بيتُ كل مؤمن تقي:
فأنا روضة من رياض الإيمان، وأنا ملتقى الأحبة، وأنا بيت التقوى، من جاءني وهو مخلص لله، فقد ضمن الله تعالى الروح والرحمة والمرور على الصراط، المساجد مراح ومستراح للأرواح الرفرافة الطاهرة، ومأوى ومستقر للأجساد العابدة، وموطن طمأنينة ومكان سكينة للقلوب النقية، وموضع سعادة وأنس وجمال للنفوس المطمئنة، إنها بيوت الله في الأرض، التي لا يتعلق بها قلب مخلص إلا كان علامة على تقواه، ولا يلازمها عبد صالح إلا رفع الله شأنه، وطهر قلبه، وغلب أعداءه.

عن أبي عثمان قال: كتب سلمان إلى أبي الدرداء: يا أخي، ليكن المسجد بيتك، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((المسجد بيت كل تقي، وقد ضمن الله عز وجل لمن كان المساجد بيوته الروح، والرحمة، والجواز على الصراط))[5].

أنا المسجد مهبِط السكينة والملائكة:
أيها المسلم، إذا أردت السكينة وراحة البال فتعالَ إليَّ، إذا أردت - عبدَالله - مجالسة الملائكة فاجلس فيَّ، إذا أردت أن تذكر الله، فاجلس في درس علم أو مجلس قران؛ عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما اجتمع قوم في بيتٍ من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة وغشيَتْهم الرحمة، وحفَّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده))[6].

أنا المسجد الصلاةُ فيَّ بسبعة وعشرين ضعفًا:
أنا المسجد، مَن توضأ في بيته ثم خرج إليَّ، فقد فاز بالجائزة الكبرى، والأجر المضاعف؛ فالصلاة فيَّ بخمس وعشرين ضعفًا أو بسبعة وعشرين ضعفًا؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسة وعشرين ضعفًا، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد، لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخطُ خطوة إلا رُفعت له بها درجة، وحُط عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه: اللهم صلِّ عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة))، وفي رواية أخرى لهما من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: ((صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة))[7].

أنا المسجد من أتاني متطهرًا لأداء فريضة كان أجره أجر الحاج المحرم:
أنا المسجد من جاءني لا يريد إلا الصلاة، فهو بمثابة الحاج المحرم؛ عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من خرج من بيته متطهرًا إلى صلاةٍ مكتوبةٍ، فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه، فأجره كأجر المعتمر، وصلاة على إثر صلاةٍ لا لغو بينهما كتاب في عليين))[8].

فالذي يحرص على أن يتطهر في بيته وليس في المسجد ثم يخرج إلى صلاة مكتوبة ويصليها كل يوم خمس مرات في المسجد،
ويحتسب هذا الثواب فسيُكتب له إن شاء الله ثواب خمس حجج كل يوم؛ أي: ألف وثمانمائة حجة كل عام.

فتخيل هذا العدد في عشر سنوات، أو عشرين سنة، أو ثلاثين سنة، أو أكثر من ذلك.

قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الجمعة: 4].

إن أقصر طريق لتعلق القلب بالمسجد يكون بالتعرف على ثواب الله الجزيل للمصلين، فحضورك الصلاة المكتوبة في المسجد مع الجماعة تنال ثواب حجة.

أنا المسجد من جلس فيَّ ذاكرًا باهى الله به ملائكته:
أنا المسجد من جلس فيَّ ذاكرًا متعلمًا، فقد نال المفاخر، ونال شرف المباهاة؛ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ((خرج معاوية رضي الله عنه على حلقة في المسجد، فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله، قال: آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك، قال: أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أقل عنه حديثًا مني، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنَّ به علينا، قال: آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك، قال: أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنه أتاني جبريل، فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة))[9].

إن الله سبحانه وتعالى يباهي الملائكة بعباده الصالحين من بني آدم، وذلك لعظم شأنهم؛ حيث أقبلوا عليه سبحانه وتعالى مدافعين عنهم النفس الأمَّارة بالسوء، والشيطان العدوَّ اللدود، وكسرهم الشهوات؛ فاستحقوا بذلك الثناء عليهم في الملأ الأعلى.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية
أنا المسجد من جلس فيَّ فهو في رباط:
أنا المسجد - أيها الكرام - من جلس فيَّ، فهو مرابط مجاهد لنفسه، ينال أجر الرباط؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط))[10].

وتسمية هذا العمل الصالح بالرباط؛ تشبيهًا له بالمرابطة للجهاد في سبيل الله تعالى.

منتظر الصلاة كالفارس اشتد به فرسه في سبيل الله؛ فقد أخرج الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((منتظر الصلاة من بعد الصلاة، كفارس اشتد به فرسه في سبيل الله على كشحه[11] تصلي عليه ملائكة الله ما لم يُحدِث أو يقم، وهو في الرباط الأكبر))[12].

قال أهل العلم: وقوله: ((فذلكم الرباط))؛ أي: ذلكم أفضل الرباط؛ لأن هذه الأعمال هي المرابطة الحقيقية؛ لأنها تسد طرق الشيطان إلى النفس، وتعهد الهوى، وتمنعها عن قبول الوساوس، واتباع الشهوات، فيغلب بها جنود الله حزب الشيطان، والإتيان باسم الإشارة دال على بعد المنزلة للمشاركة إليه تعظيمًا له، وكرره ثلاثًا اهتمامًا به، وتعظيمًا لشأنه، وهذه الخصال هي التي اختصم فيها الملأ الأعلى.

أنا المسجد من استوطنني بشْبَشَ الله إليه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما توطَّن رجل مسلم المساجدَ للصلاة والذكر، إلا تبشبش الله له، كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم))[13].

((كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم))؛ أي: المسرة والفرح به والإقبال عليه إذا رجع من سفره، وقدم إلى أهله، فإنهم يستقبلونه أحسن وأفضل استقبال، ويفرحون به أيما فرحٍ وانبساط، ويعدون ويصنعون الولائم بأصنافها وأشكالها المتعددة؛ إكرامًا لغائبهم إذا رجع إليهم.

ويشير الحديث إلى معنى مهم؛ وهو الترغيب في إتيان المساجد، وإقامة شعيرة من أعظم شعائر الإسلام في بيوت الله جل وعلا، والقيام بأنواع الطاعات والقربات ابتغاء وقربة لمرضاة رب البريات، وطمعًا بالجنات، وخوفًا من العقوبات، فهنيئًا ثم هنيئًا لمن يوفق إلى ارتياد بيوت الله جل وعلا، ويحبس نفسه على ذلك، وهو علامة حب وقبول من الخالق والمعبود جل وعلا لعبده المقبل عليه، فإنه سبحانه وتعالى يوفِّق من أحبه لطاعته والقرب منه، والوقوف والتذلل والخضوع بين يديه جل وعلا.

أنا المسجد لا يتخلف عني إلا منافق:
أنا المسجد - أيها الكرام - من تخلف عن الذهاب إليَّ بدون عذر شرعي، ففيه علامة من علامات المنافقين الذين يتكاسلون عن الصلوات؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أثقل صلاة على المنافقين صلاةُ العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيها لأتَوهما ولو حبوًا، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتُقام، ثم آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلًا فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار))[14].

لماذا يتكاسل المنافقون عن صلاة الفجر والعشاء؟
يتكاسل المنافقون عن أداء صلاتَيِ الفجر والعشاء جماعة؛ لأن وقت العشاء هو وقت الراحة، وأما الفجر، فهو وقت النوم العميق في الصيف والبرد الشديد في الشتاء، لذلك يتكاسل الناس عن الذهاب إلى المساجد لأدائهما، والمنافقون يؤدون الصلوات المفروضة في وضح النهار كي يراهم الناس يذهبون إلى الجامع، أما صلاتا العشاء والفجر وبحكم أنهما تقعان في وقت لا يوجد فيه ضوء النهاء، فلا يبادرون إلى أدائهما جماعة؛ لأن الناس لا يشاهدونهم، فيستخفون بعدم أدائهما؛ لأن الأهم عندهم أن يتباهوا بالصلاة أمام الناس.

أنا المسجد من تخلف عني في الجُمَع والجماعات ختم الله على قلبه وكان من الغافلين:
عن أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره: ((لينتهين أقوام عن وَدْعِهم الجُمُعات، أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين))[15].

الظاهر أن المراد بالتهاون التكاسل وعدم الجد في أدائه، لا الإهانة والاستخفاف ‏فإنه كفر، والمراد بيان كونه معصية عظيمة.

وهل أعظم غفلة ممن حرم نفسه من استماع الموعظة الأسبوعية الوحيدة التي فُرض عليه سماعها، وأداء الصلاة جماعة مع العدد الكبير من إخوانه المسلمين؟!

أنا المسجد مدرسة الرجال وحاضن الأبطال روَّادي فرسان بالنهار رهبان بالله:
أنا المسجد فيَّ يتطهر المسلم من الأثَرَة والأنانية، وحب النفس، ويصبح محبًّا للناس، يسعى في الخير لعباد الله جميعًا؛ ولهذا أثنى الله تبارك وتعالى على رواد المساجد؛ فقال: ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [النور: 36 - 38].
ولا يُصـنَع الأبطـــــال إلا في مســاجدنا الفساح
في روضــة القرآن في ظل الأحـــــاديث الصحـــاح
شــعب بغير عقيـدة ورق تذريــــه الريـــــــاح
من خـان (حي على الصلاة) يخـــون (حــي على الكفاح)
إن المساجد في عهد السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم كانت مناراتٍ تضيء الدنيا، وتصلح المجتمعات، وتُخرج الرجال، وتربي الأجيال، وتزودهم بالغذاء الروحي والزاد الإيماني، وتكسبهم الأخلاق الحميدة والسمات الفريدة، وتزيل عنهم أوضار الجاهلية ونزواتها الشريرة، ولم يقتصر دورها - كما هو الواقع اليوم - على أداء الصلاة، وخطبة الجمعة، وتلاوة القرآن؛ وإنما كان لها دور إيجابي فعال في كل نواحي الحياة؛ التعبدية والتربوية والتعليمية، والسياسية والعسكرية، والاجتماعية والاقتصادية والقضائية... فأخرجت قادة الدنيا الذين غيَّروا وجه التاريخ، وقادوا البشر، وسادوا الأمم، بعد أن كانوا بدوًا رعاة للغنم: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الفتح: 29].

أنا مأوى المهمومين والمكروبين:
عندما تُصاب ببلاء، وتتنزل عليك الضراء، أو تتكالب عليك الهموم، تجد نفسك في المسجد مبتهلًا متضرعًا مستغفرًا؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ((دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له: أبو أمامة، فقال: يا أبا أمامة، ما لي أراك جالسًا في المسجد في غير وقت الصلاة، قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، قال: أفلا أعلمك كلامًا إذا أنت قلته، أذهب الله عز وجل همَّك، وقضى عنك دَينك، قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، قال: ففعلت ذلك؛ فأذهب الله عز وجل همي، وقضى عني ديني))[16].

[1] قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وأحد إسناديه رجاله رجال الصحيح.

[2] صحيح موارد الظمآن: 258، صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: 325.

[3] أخرجه أبو داود "2494" في الجهاد: باب فضل الغزو في البحر، عن عبدالسلام بن عتيق، والحاكم في "المستدرك" 2/73.

[4] شرح الترغيب والترهيب للمنذري - حطيبة (2/ 4).

[5] أخرجه عبدالرزاق في "مصنفه" (20029)، والطبراني في "الكبير" (6/ 254، رقم: 6143).

[6] صحيح مسلم، رقم 2699، كتاب الذكر (ص 2074).

[7] صحيح البخاري، رقم 647، و645، الأذان (2/ 131)، صحيح مسلم رقم 649، المساجد (ص 449).

[8] أخرجه أحمد (22304)، والروياني في "مسنده" (1204)، والطبراني في "الكبير" (7734) و(7741) و(7753) و(7764).

[9] صحيح مسلم، رقم 2701، كتاب الذكر (ص 2075).

[10] صحيح مسلم، رقم 251، كتاب الطهارة (ص 219).

[11] الكاشح: هو العدو الذي يضمر عداوته.

[12] (صحيح الترغيب والترهيب: 450).

[13] سنن ابن ماجه، رقم 800، كتاب المساجد (1/ 262).

[14] أخرجه البخاري (657)، ومسلم (651).

[15] صحيح مسلم، رقم 865، كتاب الجمعة، باب 12 (ص 591).

[16] خرجه أبو داود (1555)، والبيهقي في ((الدعوات الكبير)) (179)، والمزي في ((تهذيب الكمال)) (23/ 106)، وابن حجر في ((نتائج الأفكار)) (2/ 376)، وابن أبي عاصم في ((كتاب الدعاء)) كما في ((نتائج الأفكار)) (2/ 377).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 62.14 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 60.46 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.70%)]