24-10-2022, 11:47 PM
|
|
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,375
الدولة :
|
|
رد: من نظريات لسانيات براغ: وظائف اللغة والتلفظ المزدوج
من نظريات لسانيات براغ: وظائف اللغة والتلفظ المزدوج
رشيد الاركو
والهدف الذي كان من وراء سرد تلك العوامل الستة وتحليلها، هو التوصل إلى الوظائف التي تنتجها من وجهة نظر لسانية، وهي ست وظائف:
1 - الوظيفة التعبيريَّة Expressive أو الانفعالية: إذا كان تركيز الرسالة منصبًّا على المرسل، فالوظيفة التي تنتج هي التعبيريَّة، وتتمثل هذه الوظيفة في الرسالة ذات الحمولة الانفعالية والعاطفية للمتكلم؛ من حيث إنه يبدي انطباعه وانفعاله تجاه شيء ما، وقد مثل جاكبسون لهذه الوظيفة بالتجربة التي قام بها ممثل روسي، فقد استخرج 40 رسالة مختلفة من عبارة "هذا المساء" التي نتج عنها 40 موقفًا انفعاليًّا، ويَكثُر في هذه الوظيفة استعمال الضمائر الشخصية مثل "أنا" "je".
2 - الوظيفة الشعريَّة poetique: هي "العلاقة بين الرسالة وذاتها"[13]، والمقصود هنا هو الرسالة باعتبارها حاملةً للمعنى، ففي نظره كلُّ رسالة لفظية تحتوي على هذه الوظيفة ولا تكاد تغيب عن أية رسالة، لكنها تكون بدرجات متفاوتة، وهي تهيمن على فن الشعر، يقول: "لكنها ليست هي الوظيفة الوحيدة في مجال فنِّ القول، وإنما هي الوظيفة الغالبة"[14]، يقول: "تتكلم فتاة دائمًا عن راهب رهيب...
• لماذا رهيب؟
• لأنني أكرهه!
• لكن لماذا لا تقولين: مفزع وفظيع وراعب ومقرف؟
• لا أدري لماذا... لكن "رهيب" تتناسب أفضل من غيرها.
فهذه الفتاة استعملت الوظيفة الشعرية التي تتمثل في وسيلة التجنيس"[15].
3 - الوظيفة الانتباهيَّة Attention: تتمحور حول ما يصطلح عليه بقناة الاتصال، وتهدف هذه الوظيفة إلى تأكيد الاتصال وتثبيته أو إيقافه، مستعملة لهذا الغرض تعابير وأساليب متداولة في الحياة اليومية، ومشتركة بين أفراد المجتمع[16]، وقد أورد جاكبسون أمثلة لهذه التعابير مثل: "ألو أتسمعني؟" وهذه توظف لإثارة انتباه المخاطب أو التأكد من انتباهه، وكذلك من العبارات: "قل أتسمعني، استمع إليَّ"، فكلُّ هذه التعابير نستعملها في حياتنا اليومية، وهي تدخل ضمن الوظيفة الانتباهيَّة.
4 - الوظيفة الإفهاميَّة Conative ترتبط بالمرسل إليه (المتلقِّي)، ويَكثُر في هذه الوظيفة ضمير (أنت)، وتعتبر القصائد والكتابات التي تعالج موضوعات - كالثورة والانتفاضة - خيرَ نموذجٍ لهذه الوظيفة؛ لأن هذا النوع من الأدب يخاطب الآخر، ويحاول التأثير فيه، وإقناعه وإثارته، ومن مميزات هذه الوظيفة أنه يكثُر فيها أساليب الأمر والنداء؛ لأن كلَّ اتصال غايته الحصول على فعل من هذا المتلقِّي وتتمثل هذه الوظيفة في الإعلام؛ لأن غرض الإعلام وهدفه الأساس هو تأثيره في الآخر.
5 - الوظيفة المرجعية référence: هي قاعدة لكلِّ اتصال؛ لأنها تحدد العلائق القائمة بين الرسالة وبين موضوع ترجع إليه"[17]، إذًا فهذه الوظيفة ترتبط بـ "المرجع (السياق)" وقد سماها جاكبسون بالمرجعية الوظيفية والمعرفية[18]، وقد أطلق عليها المسدي الإيحائية[19]، وغاية هذه الوظيفة تكمن في صياغة معلومة صحيحة عن المرجع، وتكون موضوعيَّة، ويمكن ملاحظتها والتأكد من صحتها[20]، ويكثر في هذه الوظيفة ضمير الـ(هو) والـ(هي)[21].
6 - وظيفة ما وراء اللغة ****linguistique، وتسمَّى أيضًا اللغة الواصفة، وهي ترتبط بالسنن، وبهذا فهي تختلف عن باقي الوظائف الأخرى، فهي تملك كفاية تفسيرية قادرة على وصف اللغة نفسها؛ أي إنها لغة مفسرة وواصفة للغة ذاتها"[22]، إذًا فهي وظيفة ميتا لسانية؛ أي: وظيفة شرح، ومن التعابير التي تدل على هذه الوظيفة: إنني لا أفهمك، ما الذي تريد؟...ما تقول؟....أتفهم ما أريد قوله"[23].
وكلُّ هذا الذي قيل عن الوظائف سنجملها في الشكل الآتي[24]:
مرجعية
انفعالية شعرية إفهامية
انتباهية
ميتا لسانية
نظرية التلفُّظالمزدوج:
تعتبر اللغة عند أندري مارتينيه[25]، أداة من أدوات التواصل، واللغة بطبيعة الحال تختلف عن باقي الأدوات التواصلية الأخرى (الأضواء، الإشارات...)، بكونها نظامًا مفتوحًا، أما الأدوات الأخرى فهي ذات نظام مغلق، وبعبارة أخرى فالأضواء التي نستعملها في السير عددها محدود، ثلاثة على الأكثر: أحمر، أصفر، أخضر، والإشارات الجسدية محدودة هي الأخرى، بينما اللغة نظام مفتوح، فمثلًا لو أخذنا لغة معينة كالعربية فاللغة العربية التي استُعملت في الجاهلية، فإنها توسَّعت لتُستعمل في مجالات أخرى في العصور التالية: العصر الإسلامي، والعصر الأموي، والعصر العباسي... إلى عصرنا اليوم، فهي في توسع ونماء خلافًا للأنظمة الأخرى، ومرد ذلك أن اللغة بصفة عامة تتميز بخاصية التلفظ المزدوج، فماذا نعني بالتلفظ المزدوج وما هي خصائصه؟
التلفظ المزدوج معناه أنه باستطاعة المتكلم تفكيك النصوص وتحليلها إلى وحدات صغرى تحمل دلالة، وهذه الوحدات بدورها تنقسم إلى وحدات من نوع آخر، صغرى لا تحمل دلالة وإنما تؤدي وظيفة[26] تميزية.
فالوحدات التي حصلنا عليها عن طريق تفكيك العبارات إلى وحدات تحمل دلالة يسميها مارتينيه بوحدات التلفظ الأول، أو وحدات الانبناء الأول، يقول مارتينيه في هذا الصدد: "الانبناء الأول للكلام هو أن كل تجربة نود التعبير عنها، أو حاجة نرغب في إيصالها للآخرين، تُحلل بانقسامها إلى سلسلة من الوحدات تملك كلُّ واحدة منها شكلًا صوتيًّا ومعنًى [27].
ويصطلح على تسمية الانبناء الأول بــ(المونيمات).
والوحدات التي تنتج عن عملية تفكيك المونيمات يسميها وحدات الانبناء الثاني، وقد اصطلح مارتينيه على تسميتها (الفونيمات)، فمثلًا لو أخذنا عبارة j’ai mal à la tête (أعاني من ألم في رأسي)، يمكن تفكيكها إلى عدة وحدات دالة tete, la, ai, je, mal، فهذ الوحدات هي ما نسميها بالمونيمات، وإذا أخذنا مثلًا مونيم mal يمكن تحليله إلى وحدات، وهذه غير دالة، لكنها تحمل وظيفة تمييزية فـــــ mal إذًا تحتوي على ثلاث وحدات غير دالة هي M وa وl وهذا ما يسميه بالفونيمات.
إذًا فالفونيمات هي أصغر وحدة مميزة غير دالة، وبعبارة أوضح فإنها لا تقبل أن تتجزأ إلى وحدات أصغر.
وعلى هذا فاللغة عند مارتينيه عبارة عن مونيمات تتكون من مجموعة من الفونيمات أو عبارة عن فونيمات تجتمع لخلق مونيمات.
♦ خاصيات التلفظ المزدوج:
للتلفظ المزدوج عدة خصائص من بينها:
• التلفظ المزدوج خاصية بشرية محضة، فالحيوانات أيضًا تتواصل لكنها تتواصل؛ إما عن طريق الصراخ وإما الرقص... ولكن هذه الأشياء لا يمكننا تفكيكها إلى وحدات، وكذلك إشارات اليد وإشارات المرور وإشارات العيون... إلخ، لا يمكن تحليلها إلى وحدات، لهذا يعتبر التلفظ المزدوج خاصية إنسانية محضة.
• التلفظ المزدوج يفيد اللغة بحيث يسمح بتحقق العملية الإبداعية والتوسع، ويجعل اللغة نظامًا مفتوحًا.
• الاقتصاد اللغوي: يحقق التلفظ المزدوج خاصية الاقتصاد في اللغة؛ حيث إن عدد الفونيمات في أية لغة من لغات العالم لا يجاوز 70 فونيمًا يعطينا عشرات الآلاف من المونيمات التي بدورها تعطينا عددًا لا نهائي من الجمل والتعابير.
نستنتج من هذا أن:
عدد الجمل = لا نهائي.
عدد المونيمات = عشرات الآلاف.
عدد الفونيمات = 34 في العربي 36 في الفرنسية... وعلى العموم لا يتجاوز عدد الفونيمات في أية لغة من لغات العام 70 فونيمًا.
• والتلفظ المزدوج يسهل أيضًا من عملية التخزين في مخ الإنسان، فإذا تصوَّرنا أن مفردات العربية تقدر بمليون كلمة، وعلى هذا الأساس فالمتكلم المثالي يملك 900.000 كلمة في هذه الحالة، ما يسمح لهذا المتكلم بتخزين هذا الكم الهائل من المونيمات هو العدد المحدود من الفونيمات (34 فونيمًا في العربية).
إذًا محدودية الفونيمات هو ما يسهِّل عملية التخزين ولو كانت اللغة غير ذلك لصعب احتواؤها[28].
[1] المدارس اللسانية المعاصرة، نعمان بوقرة، مكتبة الآداب بجامعة عنابة، ص 85.
[2] مدخل إلى اللسانيات، د. محمد محمد يونس علي، دار الكتاب الجديدة المتحدة، 2004، ص207.
[3] انظر: .hallInc 1973.p 219 philip David modern théories of ******** new jerryprintee
[4] حسني خاليد، مبادئ اللسانيات المعاصرة، قراءة وتقويم، 2011، ص43.
[5] اللسانيات: النشأة والتطور، أحمد مؤمن، 2005، ديوان المطبوعات الجامعية، ص 136.
[6] رومان جاكبسون ولد في 11 تشرين الأول من عام 1896م، من عائلة روسية، ولع جاكبسون منذ صباه بالمطالعة، وقد تعلم عدة لغات: الفرنسية، الألمانية، اللاتينية، انتقل جاكبسون سنة 1920 إلى براغ، وشغل مترجمًا فوريًّا في بعثة الصليب الأحمر السوفييتي، وفي هذه المدينة قدم أطروحته لنيل الدكتوراه عام 1930، وقد قابل فيها علماء عدة في الألسنية وتاريخ اللغات، فاشترك معهم في إنشاء حلقة براغ الألسنية وكان ذلك سنة 1926، وقد شغل عدة مهام من بينها: مترجم فوري، وأستاذ كرسي علم اللغة الروسي، وأستاذ كرسي الأدب التشيكي القديم، وأستاذ في كوبنهاغن وأوسلو وأسالا بعد رحيله من براغ، ومن مؤلفاته: البنية الصوتية للغة la charpente phonétique du langage، قضايا شعرية question de poétique، مقالات في اللسانيات العامة Essai de linguistique Générale، محاضرات في الصوت والمعنى Six lecture on Sound and Méninge. وقد مات جاكبسون سنة 1982.
[7] أخذت هذه الخطاطة من كتاب القضايا الشعرية، جاكبسون، ترجمة: محمد الوالي ومبارك حنون، دار توبقال للنشر، ص27.
[8] النظرية الألسنية عند رومان جاكبسون، دراسة ونصوص، فاطمة الطبال، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر 1993، ص 65.
[9] J. de Bois Dictionnaire de la linguistiques p:.26.
[10] أ. منور، مفهوم الخطاب الشعري عند رومان جاكبسون، مجلة اللغة والآداب، ص 80.
[11] التواصل اللساني والشعرية، مقاربة تحليلية لنظرية رومان جاكسبون، ط1، 2007، منشورات الاختلاف، ص30.
[12] قضايا الشعرية، ص27.
[13] نقلًا عن كتاب السيمياء، بيار غبروت، ترجمة: أنطوان أبو زيد، منشورات عويدات، ص 12.
[14] منور، مفهوم الخطاب الشعري عند رومان جاكبسون، ص 88.
[15] قضايا الشعرية، ص 32.
[16] مقالة بعنوان "نظرية التواصل في ضوء "، اللسانيات الحديثية، محند الركيك، كلية الآداب، تازة.
[17] السيمياء أنطوان أبو زيد، ص 1.
[18] قضايا الشعرية ص 28.
[19] الأسلوب والأسلوبية، عبدالسلام المسدي، ص 159.
[20] السيمياء، ص 10.
[21] مقالة بعنوان نظرية التواصل في ضوء اللسانيات الحديثة.
[22] المرجع نفسه.
[23] قضايا الشعرية ص 31.
[24] نفسه ص33.
[25] أندري مارتيني (1908 - 1999) ولد بمقاطعة السافوا بفرنسا، اشتغل بالتدريس، واهتم بدراسة اللغة الإنجليزية، حصل على الدكتوراه في دراسة اللغة الجرمانية 1937م، وقد تقلد منصب مدير الدراسات الفونولوجية بالمدرسة التطبيقية للدراسات العليا سنة 1938م، وشارك في أعمال نادي براغ التي كانت تنتشر بانتظام، ويعتبر أندري مارتيني أحد أبرز مؤسسي اللسانيات البنيوية الأوروبية، وخاصة ما تعلق بالجانب التركيبي للغة، من بين مؤلفاته: Langue et fonction، Éléments de linguistique générale...
[26] مفهوم الوظيفة عند مارتيني: يرى أن الوظيفة الأساسية للسان البشري هي ما يسمح لأي إنسان أن يبلغ تجربته الشخصية يتواصل مع غيره"، يتبين من خلال التعريف أعلاه أنه يقر بأن الوظيفة الأساسية للسان البشري هي التواصل بين أفراد المجتمع، وهو بهذا لا ينفي الوظائف الأخرى: (الإخبار، التعبير عما في النفس... (ولكنه يرى بأنها ليست وظائف أساسية للسان البشري).
[27] أندري مارتينيه، مبادئ ألسنية عامة، ترجمة: ريمون رزق الله، دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع س.م.م، ط1، 1990، ص 18.
[28] استفدت كثيرًا من المحاضرات التي ألقاها الأستاذ سليمان العمراني في موضوع التلفظ المزدوج في الفصل الثالث شعبة الدراسات العربية الموسم الجامعي 2013 - 2014.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|