الفاتحة وتقرير الإيمان بالقدر - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         أصول بلا تأصيل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 86 )           »          ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب (مطوية) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 68 )           »          حديث: سُئِلَ ابنُ عُمرَ عن صومِ عرفةَ بعرفةَ ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 62 )           »          الرزق ليس المال فقط! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 60 )           »          صور رائعة من المسارعة إلى الخيرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          قيمنا في العشر من ذي الحجة: قيمة تعظيم شعائر الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »          هل مع حب لذة المعصية توبة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          التبصر والبصيرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          الإجازة الصيفية للأبناء .. خطة لتحويل القراءة إلى متعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          وقفات مع حجة النبي صلى الله عليه وسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 56 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29-04-2023, 02:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,878
الدولة : Egypt
افتراضي الفاتحة وتقرير الإيمان بالقدر

الفاتحة وتقرير الإيمان بالقدر (1)
محمد بن سند الزهراني



ومن هدايات هذه السورة العظيمة بيانها وتقريرها للإيمانِ بأقدار الله تعالى، فالإيمانُ بالقدر أصلٌ من أصول الإيمان الستة:
أنْ يؤمن العبدُ أنَّ الله على كل شيءٍ قدير.

فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.

والأمور كلها تحت تدبيره وتصريفهِ، لا معقب لحكمهِ ولا راد لقضائهِ.

وهذا أصلٌ من أصول الإيمان لا يُقبل من العبد طاعةٍ ولا ينتفع بعملٍ، ما لم يكن مؤمنًا بذلك.

يقول الله جَلَّ وَعَلَا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [النحل:77]، ويقول سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر:49]، وقال تعالى: ﴿ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا ﴾ [الأحزاب:38]، والآياتُ في هذا المعنى كثيرةٌ جدًّا لتقريرِ هذا الأصل العظيم.

يقول الحسن البصري رَحِمَهُ اَللَّهُ: (مَنْ كذَّب بالقدر فقد كذَّب بالإسلام).

ويقول عبدالله بن عمر: (لو أنَّ لأحدهم مثل أُحدٍ ذهبًا، فأنفقهُ ما قبل الله منهُ حتى يؤمن بالقدر).

وإذا تأملنا سورة الفاتحة، ففي الآية الأوَلى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة:2].

هذه الآية فيها الحمد لله والثناءُ عليه، وعلى أسمائهِ الحسنى وصفاتهِ العظيمة، ومن أسمائهِ التِي نحمدهُ عليها القدير، فالله تعالى يُحمَد على أسمائهِ وصفاتهِ ونعمهِ وعطائهِ.

ومما نحمد الله تعالى عليهِ نعمة الإيمان التِي هدانا إليها، ومَنَّ علينا بها، وهذا الإيمان نعلم يقينًا أنهُ بتقدير الله جَلَّ وَعَلَا كما قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ﴾[الحجرات:7]، وقال تعالى: ﴿ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً ﴾ [الحجرات:8].

فالهدايةُ للإيمان فضلٌ من الله جَلَّ وَعَلَا؛ قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ ﴾ [النور:21]، ويقول سبحانه: ﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [الحجرات:17].

فالعبدُ يرددُ سبع عشرة مرة الحمد لله رب العالمين، فهو يحمد الله جَلَّ وَعَلَا على أسمائهِ وصفاتهِ وعظمتهِ وجلالهِ وكمال قدرتهِ، وعظيم إرادتهِ، وعلى تصرُّفهِ وتدبيرهِ في هذا الكون.

إنَّ الإيمان بالقدر هو نظامُ التوحيد، وعندما نقرأ هذه السورة العظيمة نرددها سبع عشرة مرة، فإننا نستشعرُ هذه المعاني العظيمة، وللحديث بقية، نسأل الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى أنْ يرزُقنا إيمانًا كاملًا، وقلبًا خاشعًا، ولسانًا ذاكرًا، وتوبةً نصوحة، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.

والحمد لله رب العالمين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 29-04-2023, 02:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفاتحة وتقرير الإيمان بالقدر

الفاتحة وتقرير الإيمان بالقدر (2)
محمد بن سند الزهراني



بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَنْ لا نبي بعده.

من هدايات سورة الفاتحة: تقرير الإيمان بالقدرِ، وترسيخهِ في نفوس المؤمنين:
بيَّنا في الدرس الماضي تقرير الإيمان بالقدر في قول الله جَلَّ وَعَلَا: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[الفاتحة:2]، واليوم إنْ شاء الله نتحدَّث عن بقية الآيات في سورة الفاتحة.

ففي قول الله جَلَّ وَعَلَا:﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ[الفاتحة:3]، فيهِ إيمانٌ بالقدر؛ لأنك أيضًا ترجو رحمة الله تعالى، ومن خلال هذا الرجاء تعرف أنك فقيرٌ إلى الله محتاجٌ إليهِ، وإلى هدايتهِ ومنتهِ جَلَّ وَعَلَا، وعطائهِ وفضلهِ ورحمتهِ، فلا غنى لك عنهُ طرفة عين.

قال تعالى: ﴿ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، إيمانٌ بالقدر، فأنت تستعينُ بالله؛ لأنهُ القادر على كل شيء، وتطلب عونهُ؛ لأنَّ بيدهِ أزِمَّةَ الأمور، ويتصرفُ في خلقهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كيف يشاء.

قال تعالى: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]، إيمانٌ بالقدر؛ لأنك تطلب الهداية ممَنْ بيدهِ الهداية؛ قال الله تعالى لنبيه صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿ إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ[القصص:56]، قال تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ [البقرة:272]، وقال تعالى: ﴿ أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ [فاطر:8].

وكان صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا خطب الناس قال في خطبتهِ: «إنَّ الحمد لله نحمدهُ ونستعينهُ، ومَنْ يهدهِ الله فلا مضل له، ومَنْ يضلل فلا هادي له» [1]، وجاء في الحديث أنَّ الله تعالى يقول: «يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلَّا مَن هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ»[2]؛ أي: اطلبوا مني الهداية أوفِّقكم إلى سلوك طريقها.

وكان نبينا عَلَيْهِ اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يحث أصحابهُ على سؤال الله جَلَّ وَعَلَا الهداية؛ كقوله لعلي رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ: «قُلِ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي وَسَدِّدْنِي»[3]، وجاء من دعائهِ عَلَيْهِ اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «اللَّهُمَّ إِنِي أَسْأَلُكَ الهُدَى وَالتُّقَى وَالعفَافَ والغنَى» [4]، وجاء كذلك في الحديث عن النبي صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا الدعاء «اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ»[5]، وفي دعاء القنوت: «اللَّهُم لَكَ أسْلَمْتُ وبِكَ آمنْتُ، وعليكَ توَكَّلْتُ، وإلَيكَ أنَبْتُ، وبِكَ خاصَمْتُ، اللَّهمَّ إني أعُوذُ بِعِزَّتِكَ، لا إلَه إلاَّ أنْتَ أنْ تُضِلَّنِي فأنْت الْحيُّ الَّذي لاَ تمُوتُ، وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ يمُوتُونَ»[6].

ومن دعائهِ عَلَيْهِ اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «اللَّهمَّ مُصرِّفَ القُلوبِ صرِف قلوبنا على طاعتك»[7]، وكان أكثر دعائهِ عَلَيْهِ اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «يا مقلِّب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك» [8]، وكل هذه الأدعية إنما هي إيمانٌ من العبدِ بأنَّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى على كل شيءٍ قدير، وأنَّ الهداية بيد الله جَلَّ وَعَلَا.

وفي قولك: ﴿ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ[الفاتحة:7]، إيمانٌ منك بأنَّ النعمة إنما هي من الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، سواءٌ أكانت هذه النعمة متعلقةٌ بالصحة أو بالمال أو الهداية، أقصد هداية الطاعة والإيمان.

فالسورة تدلّ وتشمل على الإيمان بالقدر من وجوهٍ كثيرة، والمسلم اَلذِي يردد هذه السورة العظيمة يستشعر معانيها، ويؤمن بدلالتها، لا بد أنْ يؤمن بالقدر، وأنَّ الأمور كلها بقدرة الله جَلَّ وَعَلَا، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وللحديث بقية.

[1] صحيح.

[2] حديث صحيح (أخرج مسلم) رواه أبو ذر الغفاري.

[3] حديث صحيح (صحيح النسائي) رواه علي بن أبي طالب.

[4] (أخرجه الترمذي واللفظ له وأخرجه مسلم) رواه عبد الله بن مسعود.

[5] حسن صحيح (سنن الترمذي وابن ماجه) رواه الحسن بن علي بن أبي طالب.

[6] إسناده صحيح (أخرجه البخاري مختصرًا ومسلم) رواه عبد الله بن عباس.

[7] حديث صحيح (أخرجه مسلم) رواه عبد الله بن عمرو.

[8] صحيح.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 29-04-2023, 02:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفاتحة وتقرير الإيمان بالقدر

الفاتحة وتقرير الإيمان بالقدر (3)
محمد بن سند الزهراني


بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَنْ لا نبي بعده، أما بعد:
فبعد أنْ بينا في الدروس الماضية ما ورَد في سورة الفاتحة من تقرير الإيمان بالقدر، فينبغي أنْ يعلم كل مسلمٍ أهمية الإيمان بالقدر، وعظيم مكانتهِ، وكبير عوائدهِ على العبد في دينهِ ودنياه، فهو يعطي القلب قوةً وثقةً بالله، وحسن صلةٍ بالله جَلَّ وَعَلَا، وإقبالًا على طاعتهِ، وقوةً في الافتقار إليه والالتجاء إليه، وسؤالهُ وحده والتوكل عليهِ، وطلب العون منه، والإكثار من سؤال الهداية والتوفيق والسداد.

وأيضًا قوة العبادة والطاعة وقوة الصبر في المصائب؛ لأنَّ مَنْ يؤمن بالقدر يعلم أن ما أصابهُ لم يكن ليخطئه، وأنَّ ما أخطأهُ لم يكن ليصيبه؛ كما قال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [التغابن: 11].

فالإيمان بالقدر من أسباب هداية القلوب إلى كل خيرٍ، وإلى كل فلاح، وإلى كل رفعةٍ في الدنيا والآخرة،ولهذا يقول عَلَيْهِ اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذلكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له»[1].

فالمؤمنُ في كل أحوالهِ ملتجئٌ إلى الله جَلَّ وَعَلَا، إذا كان صحيحًا معافى، أو غنيًّا، فإنهُ يحمد الله جَلَّ وَعَلَا، وإنْ كان مريضًا يصبرُ على ما أصابه ويسأل الله جَلَّ وَعَلَا، وإنْ كان فقيرًا يدعو الله بالدعاء المأثور عن رسول الله صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهمّ اكْفِنِي بحلالِكَ عن حرامِكَ وأغْننِي بفضلكَ عمن سواكَ»[2]، فهو يلتجئ إلى الله جَلَّ وَعَلَا؛ لأنهُ مؤمنٌ بأنَّ الأمور كلها بقدرة الله جَلَّ وَعَلَا.

والإيمان بالقدر لهُ أثرٌ مباركٌ وثمارٌ عظيمة لا حصر لها ولا عد، ولو نظرنا إلى صلاح العبد في دينه ودنياه، فإننا نجدُ أنَّ العبد بحاجةٍ إلى إيمانهِ العميق بقدرة الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فيلهج لسانهُ بكثرة ذكر الله جَلَّ وَعَلَا، فإذا عطَّل الإنسان الإيمان بالقدر، فسد عليهِ كل شيء، وحرم من كل خير، وباء بكل خيبةٍ وحسرةٍ وندامةٍ في الدنيا والآخرة.

وهذا مما يبيِّن لنا أن الإيمان بالقدر أساسٌ لا تقوم شجرة الإيمان إلا عليهِ، فلا تثمر ولا تزهرُ إلا بوجود هذا الأصل المبارك، وكلما قَوِيَ إيمان العبدُ بالقدر قَوِيَ الخير فيهِ، وزاد ونما وكثُر، ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ [إبراهيم: 24].

جاء عن عبدالله بن عباسٍ أنهُ قال: (الإيمانُ بالقدر نظام التوحيد، فمَنْ آمن بالله وكذَّب بالقدر نقض تكذيبهُ التوحيد)، وكلامهُ واضحٌ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ؛ أي: إنَّ التكذيب بالقدر تكذيبٌ بالإيمان وتكذيبٌ بتوحيد الرحمن سبحانه.

ومما يزيد هذا الأمر وضوحًا قول الإمام أحمد رَحِمَهُ اَللَّهُ: (القدرُ قدرة الله جَلَّ وَعَلَا، والله جَلَّ وَعَلَا قديرٌ على كل شيء﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[النحل: 77].

فالذي يكذب بالقدر يكذبُ بقدرة الله جَلَّ وَعَلَا، فهو في الحقيقة مكذبٌ بالله، اللهم إنَّا نسألك إيمانًا كاملًا، وقلبًا خاشعًا، ولسانًا ذاكرًا، ويقينًا صادقًا، حتى نعلم أنهُ لا يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.

[1] صحيح (أخرجه مسلم) رواه صهيب بن سنان الرومي.

[2] حديث حسن غريب (أخرجه الترمذي) رواه علي بن أبي طالب).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 29-04-2023, 02:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفاتحة وتقرير الإيمان بالقدر

الفاتحة وتقرير الإيمان بالقدر (4)
محمد بن سند الزهراني


بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فبعد تقرير الإيمان بالقدر من خلالِ سورة الفاتحة، ينبغي أنْ نعلم جميعًا أنَّ الكلام في موضوعات القدرِ على طريقين:
أمَّا الطريقة الأوَلى،فهي أنْ يخوض الإنسان في مسائلِ القدرِ بعقلهِ المجرد، وبفكرهِ القاصر، ويترك كلام الله وكلام رسولهِ - صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويضع القرآن والسُنَّة جانبًا، ثم يخوض بعقلهِ وبفكرهِ وبرأيهِ المجرد في مسائل القدر، وفي دقائق أحكامهِ، فهذا باطلٌ وضلالٌ ولا يفضي بصاحبهِ إلا إلى الرَّدى؛ كما قال الله جَلَّ وَعَلَا: ﴿وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ [فصلت:23].

أمَّا الطريقة الثانية وهي الصحيحة: أنْ يكون كلام الإنسانِ في مسائل القدر على ضوء الدليلِ من الكتاب والسُنَّة، فيصلُ بإذن الله جَلَّ وَعَلَا إلى كل قولٍ سديد، وإلى كل فعلٍ رشيد، وقد دلَّت النصوص على أنَّ العبد لا يكون مؤمنًا بالقدر حتى يؤمن بمراتبهِ الأربع اَلَّتِي دلَّ عليها كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ، وسُنَّة نبيهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وهي كالآتي:
أوَلًا:الإيمانُ بعلم الله المحيط بما كان، وما سيكونُ، وما لم يكن لو كان كيف يكون، فهو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ﴿قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق:12]، ﴿وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا [الجن:28]، ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ [سبأ:2].

وأما الأصل الثاني من أصول الإيمان بالقدر،فهو الإيمانُ بأنَّ الله كتب مقادير الخلائق، وجميع ما هو كائنٌ في اللوح المحفوظ؛ قال الله جَلَّ وَعَلَا: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ [القمر:52-53]، وجاء في الحديث: «كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة»[1].

أمَّا الأصل الثالث،فهو الإيمانُ بمشيئة الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى النافذة، وقدرتهِ الشاملة، وأنَّ ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن؛ قال الله تعالى: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:28-29]، فلا حركة ولا سكون ولا حياة ولا موت، ولا خفض ولا رفع، ولا هداية ولا ضلال - إلا بمشيئة الله جَلَّ وَعَلَا.

أمَّا الأصل الرابع،فهو الإيمانُ بأنَّ الله خالق كل شيء، والله خالق كل شيء، ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:96]، وقال تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، والعالم مَنْ سوى الله جَلَّ وَعَلَا، فكل ما سوى الله خلقهُ وأوجدهُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى.

فما أغنى قلوبُ أهل التوحيد وهم يقرؤون سورة الفاتحة، وقد امتلأت قلوبهم فقهًا وعلمًا ويقينًا بهذه الأصول العظيمة، ويدركون أيضًا أنَّ النبيّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ» [2]، فيبذلون الأسباب ويجاهدون النفس على العملِ اعتمادًا وتوكلًا على الله جَلَّ وَعَلَا، وتفويضًا للأمورِ كلها إليهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد.

والحمد لله رب العالمين.

[1] صحيح.

[2]صحيح.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 77.05 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 74.00 كيلو بايت... تم توفير 3.05 كيلو بايت...بمعدل (3.96%)]