|
ملتقى الاحاديث الضعيفة والموضوعة ملتقى يختص بعرض الاحاديث الضعيفة والموضوعه من باب المعرفة والعلم وحتى لا يتم تداولها بين العامة والمنتديات الا بعد ذكر صحة وسند الحديث |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
لماذا دون العلماء السابقون الأحاديث والآثار الضعيفة؟
لماذا دون العلماء السابقون الأحاديث والآثار الضعيفة؟ د. محمد بن علي بن جميل المطري العلماء السابقون رحمهم الله كتبوا كلَّ ما وصل إليهم من علم عن مشايخهم، سواء في التفسير وعلوم القرآن أو في الحديث والفقه، ودوَّنوا ما وصل إليهم من أقوال الصحابة والتابعين وأتباعهم، وفتاواهم وأخبارهم، وكتبوا كل ما استطاعوا تدوينه، حتى الأنسابَ والأشعار، والحوادث والطرائف، وتاريخ الوفيات وغير ذلك، وكتبوا ما لهم وما عليهم، وكتبوا حتى ما يُشكِل فَهمه، فقد يعلم معناه غيرهم، ودوَّن علماء الحديث جميع الأحاديث التي سمعوها من مشايخهم؛ الصحيحة والضعيفة والموضوعة، وكتبوا الأحاديث بالأسانيد المتعددة، ولم يكتفوا بكتابة الحديث بإسناد واحد، فبجمع طرق الحديث والمقارنة بين الروايات يتبين لهم أوهام الرواة، وحفظ المتقنين، وأخطاء الضعفاء، وكذِب الوضَّاعين، ويتبين لهم علة الحديث الذي ظاهره الصحة، ويتبين لهم صحة الحديث الذي في إسناده ضعف إذا جاء من طرق معتبرة. وعلماء الحديث يذكرون في كتبهم الأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال والأخلاق، وفي الزهد والرقائق من غير جَزْمٍ بثبوتها، ولا يُجيزون نفيَها بلا علم، أما الأحاديث الموضوعة المعلوم كذبها، فلا يذكرها غالبهم، ويعيبون من يذكرها منهم إلا لبيان بطلانها، أما الأحاديث الضعيفة الإسنادُ التي قد تكون صحيحة في نفس الأمر، فإنهم كتبوها في مصنفاتهم بأسانيدهم، وبيَّن كثير منهم ضعفها مع روايتهم لها، ومعنى كون الحديث ضعيفًا أنه يُتوقف في نسبته إلى النبي عليه الصلاة والسلام؛ لكونه مرويًّا بإسناد فيه ضعف لسقط في إسناده، أو طعن في بعض رواته، مع أنه قد يكون صحيحًا في نفس الأمر، كالحديث المرسل الذي يرويه تابعي عن النبي عليه الصلاة والسلام، ولا يذكر من حدَّثه، فقد يكون الذي حدَّثه صحابي فيكون صحيحًا، وقد يكون الذي حدثه تابعي ثقة سمعه من صحابي فيكون صحيحًا، وقد يكون الذي حدثه تابعي غير ثقة فيكون ضعيفًا، فاحتاط علماء الحديث للسنة النبوية بكتابة جميع الأحاديث الضعيفة، وبيَّنوا ضعف الحديث الذي لا يُروى إلا بإسناد منقطع، أو تفرَّد به راوٍ ضعيف الحفظ أو مجهول أو مُبهم، مع احتمال أن يكون الحديث صحيحًا في نفس الأمر، فإن الراوي الضعيف الحفظ قد يكون حفِظ ذلك الحديث الذي تفرد به وضبطه، وقد يكون المجهول أو المبهم ثقة في نفس الأمر، فاحتاط علماء الحديث بكتابة الأحاديث الضعيفة؛ حتى لا يضيع شيء من السنة النبوية، وميَّزوا صحيحها من ضعيفها، فالحديث الصحيح يقبلونه، والحديث الضعيف لا يقبلونه كالصحيح، ولا يَرُدُّونَه كالموضوع، بل يتوقفون في نسبته إلى النبي عليه الصلاة والسلام إلا أن يأتي ذلك الحديث من طريق أخرى معتبَرة تدل على صحته. قال ابن الصلاح في كتابه [معرفة أنواع علوم الحديث (ص: 14)]: "إذا قالوا في حديث: إنه غير صحيح، فليس ذلك قطعًا بأنه كذب في نفس الأمر؛ إذ قد يكون صدقًا في نفس الأمر، وإنما المراد به أنه لم يصح إسناده على الشرط المذكور، والله أعلم". وقال العراقي في [شرح التبصرة والتذكرة (1/ 105، 106)]: "حيث قال أهل الحديث: هذا حديث صحيح، فمرادهم فيما ظهر لنا عملًا بظاهر الإسناد، لا أنه مقطوع بصحته في نفس الأمر، لجواز الخطأ والنسيان على الثقة... وقولهم: هذا حديث ضعيف، فمرادهم أنه لم يظهر لنا فيه شروط الصحة، لا أنه كذب في نفس الأمر، لجواز صدق الكاذب، وإصابة من هو كثير الخطأ". ومعلوم أن الشريعة الإسلامية السمحة لا تكلِّف المسلم إلا بما يغلب على ظنه، سواء في العبادات أو المعاملات، فمثلًا يجب الوضوء بالماء الذي يغلب على الظن أنه طاهر، وإن لم يكن طاهرًا في نفس الأمر، فلو كان الماء نجِسًا ولم يعلم المسلم نجاسته، وتوضأ منه، فوضوؤه صحيح، وكذلك لو اجتهد إلى القبلة فأخطأ، فصلاته صحيحة، ويجب الصيام لرؤية الهلال، فإن كان هناك سحاب فعلينا أن نكمل عدة شعبان ثلاثين يومًا، مع احتمال أن الهلال طلع فعلًا ولكن غُمَّ علينا، فالشريعة تأمرنا بالظاهر، حتى في المعاملات، لو اشترى الإنسان شيئًا يظنه مِلكًا لبائعه كما هو الظاهر من حاله، وكان المبيع مسروقًا لا يملكه بائعه، فلا إثم على المشتري، فالشريعة تكلف الإنسان بما يظهر له، ولا تأمره بالتنطُّع والتكلُّف، حتى في الخصومات والحقوق يجب على القاضي الحُكْمُ بما يظهر له من شهادة الشهود والبينات، فلو أخطأ في حكمه فلا إثم عليه، بل يؤجر على اجتهاده، فالحمد لله على تيسير دينه، ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: 78]، ﴿ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 5]، وهكذا على العالم أن يفتي الناس بما يظهر له أنه الحكم الشرعي، وعلى المحدِّث أن يحكم بصحة الحديث أو ضعفه بما يظهر له أنه الصواب. قال ابن الأمير الصنعاني في [توضيح الأفكار (1/ 30)]: "معلوم أن ما في نفس الأمر لا يطلع عليه إلا الله تعالى، وأنه لا يكلف أحدًا إلا بالعمل بما خُوطب به، وظهر له صحته أو غيرها". ومن فوائد التوسع في علم الحديث ومعرفة الأحاديث بأسانيدها وطرقها أن يميز الإنسان بين الصحيح والضعيف والموضوع، وأن يعلم ما اتفق المحدِّثون على صحته، وما اتفقوا على ضعفه أو وضعه، وما اختلفوا في تصحيحه، فالأحاديث التي يختلف العلماء في الحكم بتصحيحها وتضعيفها، أو يعللها بعض النقاد بعلل خَفِيَتْ على غيرهم، هي أحكام بما يظهر لهم ويغلُب على ظنِّهم؛ قال ابن حجر في [فتح الباري (1/ 585)]: "تعليل الأئمة للأحاديث مبني على غلبة الظن، فإذا قالوا: أخطأ فلان في كذا لم يتعين خطؤه في نفس الأمر، بل هو راجح الاحتمال فيُعتمد"، وطالب العلم المتخصص في علم الحديث يفرح إذا علِم بعلة حديث، وإن لم يَرَ العلة قادحة في صحة الحديث، فيستفيد من معرفته بعلة الحديث الذي ظاهره الصحة أن تنزل رتبة الحديث في نفسه من درجة اليقين إلى درجة غلبة الظن، فيعلم ما يجزم به وما لا يجزم به، مثل من رأى هلال رمضان بعينه فصام بيقين، ومن قبِلَ خبر غيره برؤية الهلال فصام بغلبة الظن، وكلاهما مصيب، وكمن علِم جهة القبلة بنفسه فصلى إليها بيقين، ومن أخبره غيره عن جهتها فقبِل خبره لكونه يغلب على ظنه صدقُه، فكلاهما صلاتهما صحيحة، وإن اختلفا في درجة العلم، ومن توسع في علم الحديث رواية ودراية يحصل له في نفسه العلم بما يجزم به، وما يكتفي فيه بغلبة الظن، ويعلم طريقة المحدِّثين في التعامل مع الأحاديث الضعيفة الإسناد، فلا يتعامل معها وكأنها كذب، بل كثير منها محتمل الصحة مما في سنده ضعفٌ يسير، وبعض الأحاديث الضعيفة أصلها من كلام الصحابة أو التابعين أخطأ بعض الرواة في نسبتها إلى النبي عليه الصلاة والسلام؛ ولذلك نجد كثيرًا منها صحيحَ المعنى، وقد بيَّنت ذلك باختصار في مقالي: الفوائد الصحيحة من الأحاديث الضعيفة. واعلم أن كثيرًا من الأحاديث الصحيحة يجزم المحدِّثون بصحتها، وتفيدهم اليقين لما احتفَّ بها من قرائن، كغالب أحاديث الصحيحين سوى ما انتقده بعض الحفاظ منها، وكالأحاديث التي وردت بأسانيد متعددة أو رواها أئمة حفاظ ولم يظهر لها أي علة، وكثير من الأحاديث الضعيفة يجزم علماء الحديث بأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يقُلها؛ لكونه ظهر لهم وَهْمُ بعض الرواة، أو تبين لهم أن أصل الحديث كلام صحابي أو تابعي، فجعله بعض الرواة من كلام النبي عليه الصلاة والسلام؛ لضعف حفظه أو لخطئه ومخالفته لغيره. قال ابن تيمية في [مجموع الفتاوى (1/ 257)]: "جمهور متون الصحيحين متفق عليها بين أئمة الحديث، تلقَّوها بالقبول، وأجمعوا عليها، وهم يعلمون علمًا قطعيًّا أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها". وجهابذة المحدِّثين المتقدمين هم أسعد الناس بمعرفة السنة النبوية وتمييز صحيحها من ضعيفها، حتى إنهم يحكمون على بعض الثقات بالوهم في بعض الروايات التي تبين لهم أن الراوي الثقة غلط، بدليل مخالفته غيره من الثقات الذي رَوَوا نفس الحديث، ولهم كلام كثير ودقيق في تعليل الأحاديث التي ظاهرها الصحة. قال ابن تيمية كما في [مجموع الفتاوى (1/ 250)]: "الغلط لا يَسلم منه أكثر الناس، بل في الصحابة من قد يغلط أحيانًا وفيمن بعدهم؛ ولهذا كان فيما صُنِّف في الصحيح أحاديث يُعلم أنها غلط، وإن كان جمهور متون الصحيحين مما يُعلم أنه حق". فعلى طالب العلم أن يسلُكَ سبيل علماء الحديث الذين يميزون بين الصحيح والضعيف والموضوع، ولا يردون الضعيف كالموضوع، بل يستفيدون مما في الأحاديث الضعيفة من فوائد ومعانٍ صحيحة، وقد أجاز النبي صلى الله عليه وسلم التحديث عن بني إسرائيل بما لا يُعلَم كذبه، مع عدم الجزم بصدقه ولا الجزم بكذبه، فمن بابٍ أولى جواز رواية الحديث الضعيف الذي لا نعلم كذبه، ويحتمل أنه صحيح في نفس الأمر، لكن لا نجزم بصحته ونسبته إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وهذه طريقة العلماء المتقدمين كما هو ظاهر في كتبهم، واتبعهم عليها مشاهير العلماء المتأخرين؛ كالنووي وابن تيمية، وابن القيم وابن كثير، وابن رجب وابن حجر، وغيرهم من حفَّاظ الحديث الذين يذكرون أحيانًا في مصنفاتهم أحاديثَ ضعيفة من غير جزم بصحتها، وكثيرًا ما يبينون ضعفها، وأحيانًا يكتفون بذِكْرِ من أخرجها من غير ذِكْرِ ضعفها، فيعجب بعض طلاب العلم من إيراد هؤلاء العلماء الكبار لبعض تلك الأحاديث الضعيفة في كتبهم، ولو علم أن العلماء لا يردُّون الأحاديث الضعيفة مطلقًا كالموضوعة لبطل عجبه، فهم يستفيدون من المعاني الصحيحة المذكورة في الأحاديث الضعيفة، ويَرْوُونها في فضائل الأعمال والزهد والرقائق ونحوها، وإن كانوا لا يعتمدون على الأحاديث الضعيفة في الأحكام الشرعية من الحلال والحرام، ولا يثبتون بها شيئًا من الواجبات والسنن. قال ابن تيمية كما في [مجموع الفتاوى (15/ 193)]: "سوَّغ العلماء أن يُروى في باب الوعد والوعيد من الأحاديث ما لم يُعلم أنه كذب وإن كان ضعيف الإسناد، بخلاف باب الأمر والنهي فإنه لا يُؤخذ فيه إلا بما يثبت أنه صدق؛ لأن باب الوعد والوعيد إذا أمكن أن يكون الخبر صدقًا، وأمكن أن يوجد الخبر كذبًا لم يجُز نفيه، لا سيما بلا علم، كما لم يجز الجزم بثبوته بلا علم؛ إذ لا محذور فيه". وقال ابن تيمية كما في [مجموع الفتاوى (1/ 250، 251)]: "لا يجوز أن يُعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة ولا حسنة، لكن أحمد بن حنبل وغيره من العلماء جوَّزوا أن يُروى في فضائل الأعمال ما لم يُعلم أنه ثابت إذا لم يُعلم أنه كذب؛ وذلك أن العمل إذا عُلم أنه مشروع بدليل شرعي، ورُوي في فضله حديث لا يُعلم أنه كذب، جاز أن يكون الثواب حقًّا، ولم يقل أحد من الأئمة: إنه يجوز أن يجعل الشيء واجبًا أو مستحبًّا بحديث ضعيف، ومن قال هذا فقد خالف الإجماع، وهذا كما أنه لا يجوز أن يحرم شيء إلا بدليل شرعي، لكن إذا عُلِم تحريمه، ورُوي حديث في وعيد الفاعل له، ولم يُعلم أنه كذب، جاز أن يرويه، فيجوز أن يروي في الترغيب والترهيب ما لم يعلم أنه كذب، لكن فيما علم أن الله رغَّب فيه أو رهَّب منه بدليل آخر غير هذا الحديث المجهول حاله، وهذا كالإسرائيليات يجوز أن يُروى منها ما لم يُعلم أنه كذب للترغيب والترهيب فيما علم أن الله تعالى أمر به في شرعنا، ونهى عنه في شرعنا". وإن من أخطاء بعض طلاب العلم الجزم بتكذيب الحديث الضعيف المذكور في فضائل الأعمال والزهد والرقائق، بل بعضهم يتبنى عكس ما دل عليه الحديث الضعيف، مع أن معناه قد يكون صحيحًا، وبعضهم يتمنى حذفها من الكتب أو يُعرِض عنها في دراسته وتدريسه، وليست هذه طريقة أهل العلم الراسخين، وأهل العلم حين يُبينون ضعف الحديث لا يجزمون بكذبه، بل يحكمون عليه بالضعف بما يظهر من سنده، والجزم بتكذيب الحديث الضعيف خطأ مقابل لخطأ العوام الذين يجزمون بتصديق الحديث الضعيف، ويعملون به في الأحكام الشرعية، وأما علماء الحديث، فلا يجزمون بصحة الحديث الضعيف لعدم صحة إسناده، ولا يُكذِّبونه إلا إذا كان سنده شديد الضعف، أو شبه موضوع، أو كان مخالفًا لآية أو لحديث صحيح، أو مخالفًا للأصول، أو لغير ذلك من القرائن التي تدل على بطلانه. قال المعافى بن زكريا المتوفى سنة 390 هـ في كتابه [الجليس الصالح (ص: 737)]: "كثير من العامة ومَن لا نَظَرَ له من النَّقَلَةِ يظن أن ما ضعُف راويه فهو باطل في نفسه، مقطوع على إنكاره من أصله، وهذا جهل ممن ذهب إليه، وذلك أن راويًا معروفا بالكذب في رواياته لو روى خبرًا انفرد به مما يمكن أن يكون حقًّا، وأن يكون باطلًا، لوجب التوقف عن الحكم بصحته، والعمل بما تضمنه، ولم يجُز القطع على تكذيب راويه، والحكم بتكذيب ما رواه". وقد قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ﴾ [الحجرات: 6]، فأمر الله بالتبيُّن في خبر الفاسق، ولم يأمر برد خبره مطلقًا؛ لأن الفاسق قد يصدُق في بعض أخباره. قال ابن تيمية في قوله تعالى: ﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ ﴾ [يونس 39]: "أي: لم يحيطوا بمعرفته... هذه الآية توجب أن الإنسان لا يُكذِّب إلا بخبر يعلم ويعرف أنه كذب، والخبر المجهول يُسكت عنه"؛ [انتهى باختصار من كتاب "بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية" (8/ 288)]. فعلى طالب العلم أن يُفرِّق بين رواية الحديث الضعيف وبين العمل به، فالحديث الضعيف لا يجوز العمل به في العقائد والأحكام، ولا تثبت به المشروعية والاستحباب، ويجوز ذكره في الفضائل والرقائق والأخلاق. روى الخطيب البغدادي في كتابه [الكفاية في علم الرواية (ص: 134)] في باب التشدد في أحاديث الأحكام، والتجوز في فضائل الأعمال عن أحمد بن حنبل قال: "إذا روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام والسنن والأحكام تشدَّدنا في الأسانيد، وإذا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل الأعمال، وما لا يضع حكمًا أو يرفعه، تساهلنا في الأسانيد". وروى الحاكم في [المستدرك (1/ 666)] عن عبدالرحمن بن مهدي قال: "إذا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام والأحكام، شددنا في الأسانيد وانتقدنا الرجال، وإذا روينا في فضائل الأعمال، والثواب والعقاب، والمباحات والدعوات، تساهلنا في الأسانيد". ومن أخطاء بعض طلاب العلم الإعراض عن الآثار التي رواها العلماء في كتب الزهد والرقائق والأخلاق، أو جَعْلُ غالب همِّهم ومبلغ علمهم الانشغال ببيان ما صحَّ منها مما لم يصح، مع أن المقصد من الروايات المذكورة في كتب الزهد والرقائق والأخلاق ترقيقُ القلوب، وتزكية النفوس، وزيادة الإيمان، والترغيب في التوبة إلى الرحمن، والتزهيد في الدنيا الفانية، والرغبة في الآخرة الباقية، والحث على الأعمال والأخلاق الحسنة، والزجر عن الأعمال والأخلاق السيئة؛ ولهذا تساهل علماء الإسلام في رواية أخبار الزهد والرقائق، وإن كان في أسانيدها ضعف، وقد دوَّن العلماء تلك الأقوال والحكايات في الزهد والرقائق والأخلاق؛ لأن في معرفتها فوائد عظيمة؛ منها: أن نعلم حال الصالحين السابقين، وما كانوا عليه من الزهد وقوة الإيمان واليقين، وما كانوا عليه من الأخلاق التي فيها صلاح الدين والدنيا، وفيها تنبيه للغافلين، وحثٌّ على الاجتهاد في إقامة الدين، وفيها تأنيب نفوسنا على التقصير في العبادة، والغفلة عن الخشوع والزهادة، ونستفيد من تلك الروايات احتقار أنفسنا إذا قارناها بحال الزُّهَّاد العابدين، والعلماء العاملين. وبعض طلاب العلم المعاصرين يتبنَّى محاربة الأحاديث والآثار الضعيفة، ولا ينظر إلى ما فيها من المعاني الصحيحة، حتى إن بعضهم ينشغل في تدريس التفسير بتصحيح وتضعيف الآثار المروية في التفسير، فيفُوته تدبر معاني الآيات، ومعرفة تفسيرها، ومعلوم أن طريقة العلماء أنهم يتساهلون في قبول أقوال الصحابة والتابعين وأتباعهم، ولا يشددون في أسانيدها كما يشددون في الأحاديث المرفوعة، وقد يضعِّفون بعض الأسانيد التي يُروى بها أقوال الصحابة ومن بعدهم؛ لنكارة في متنها، أو تفرد راوٍ ضعيف بإسناد يخالف المعروف عن ذلك الصحابي أو التابعي. روى الخطيب البغدادي في [الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/ 194)] عن يحيى بن سعيد القطان المتوفى سنة 198 هـ: "تساهلوا في أخذ التفسير عن قوم لا يوثِّقونهم في الحديث، ثم ذكر ليث بن أبي سليم، وجويبر بن سعيد، والضحاك، ومحمد بن السائب الكلبي، وقال: هؤلاء لا يُحمد أمرهم، ويُكتب التفسير عنهم". وفي قول الإمام الكبير يحيى القطان تنبيه مهم؛ وهو التساهل في قبول روايات التفسير، وإن كان بعض رواتها ضعيفًا في الحديث، لا سيما الروايات الموجودة في نسخ التفسير المعروفة، فهي نسخٌ كتبها العلماء في القرن الأول أو الثاني الهجري، ونقلها عنهم من بعدهم، ففيها علم نافع، ولا بأس بردِّ بعض الروايات التي فيها مخالفة للقرآن، أو للسنة النبوية الصحيحة، أو لغرابة القول ومخالفته لقول أكثر السلف، وللمعروف في اللغة، أما الحكم على كل رواية من روايات التفسير كما يُحكم على أسانيد الأحاديث النبوية، وتضعيف بعض أسانيد التفسير؛ لكون بعض رواتها ضعيفًا عند المحدِّثين، أو لكونه لم يسمع ممن روى عنه التفسير الثابت عنه من طريق غيره - فهذا مخالف لمنهج العلماء الراسخين. ولا شكَّ أن الأنسب لطالب العلم المبتدئ وعامة الناس الاقتصارُ أولًا على تعلم الأحاديث الصحيحة والحسنة، ففيها كفاية عن الأحاديث الضعيفة والمعلولة، كما أن الأفضل لهم عدم الانشغال بذكر الروايات الإسرائيلية المذكورة في كتب التفسير وغيرها، لكن مَن ذكرها مِنَ المفسرين فلا حرج عليه بنص قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((حدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج))، وهذا بيان لعذر المفسرين الذين يذكرونها أخذًا بهذه الرخصة، وإن كان بعضهم يتوسع في ذلك ويروي ما يُعلم بطلانه، والمقصود بيان سبب ذكر العلماء للأحاديث الضعيفة في كتبهم، وأؤكد على أن الأفضل والأكمل والأسلم للعالم ولطالب العلم وللخطيب عدمُ ذكر الأحاديث الضعيفة والإسرائيليات لعامة الناس، لا سيما أن العامة يصدقونها، ولا يعلمون أن العلماء إذا ذكروها لا يصدقون بها ولا يكذبونها، ومن احتاج إلى ذكر حديث ضعيف - ولو في فضائل الأعمال - في خطبة أو كتاب أو مقال، فلْيُبيِّن ضعفه؛ إبراءً للذِّمَّة، ونصحًا للأمة، وعلى طالب العلم أن يعتني أولًا بكتاب الله وتفسيره، ثم بأحاديث الصحيحين وفقهها، ثم يتوسع في كتب السنة المشهورة، ثم يطَّلع على ما رواه العلماء عن الصحابة والتابعين وأتباعهم؛ ففي ذلك خير كثير، وعلم غزير، وفوائدُ جَمَّةٌ، ونُقُول نَفِيسةٌ. قال عبدالرزاق الصنعاني: عن معمر عن صالح بن كيسان قال: "اجتمعت أنا وابن شهاب الزهري ونحن نطلب العلم، فقلنا: نكتب السنن، فكتبنا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: نكتب ما جاء عن أصحابه فإنه سُنة، وقلت أنا: ليس بسُنة فلا نكتبه، وكتب ولم أكتب، فأنجحَ وضيعتُ"؛ [يُنظر: جامع معمر بن راشد (20487)، وجامع بيان العلم لابن عبدالبر (442)]. فهنيئًا لمن تعلَّم القرآن الكريم وتفسيره، وتعلَّم السنة النبوية رواية ودراية، وتفقَّه في الدين بلا تعصُّب، وعرف ما كان عليه الصحابة والتابعون وأتباعهم الذين هم خير القرون، واطلع على أقوالهم وفتاواهم وأخبارهم، وما كانوا عليه في عباداتهم ومعاملاتهم وأخلاقهم، فقد أثنى الله على الذين يتبعون الصحابة؛ فقال سبحانه: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾ [التوبة: 100]، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: ((خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم))، والله الموفِّق.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |