تدبر آيات الصيام - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         طريقة عمل كيك الموز بخطوات ومكونات خفيفة.. حلويات تنفع للعيد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 97 )           »          وصفات طبيعية لتفتيح البشرة قبل عيد الأضحى.. خطوات بسيطة وآمنة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 87 )           »          فضائل يومي عرفة والنحر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 103 )           »          حكم تغطية وجه المحرم والمحرمة بالكمامات الطبية وعند النوم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 68 )           »          الظلال الشرفة في الفضائل العشرين ليوم عرفة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 82 )           »          بعض أحكام الأضحية والهدي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 79 )           »          يوم الرحمة والعتق والتجلي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 101 )           »          حتى يكون حجنا مبرورا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 109 )           »          مضامين خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في عرفة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 115 )           »          لغير الحاج.. كيف نستقبل يوم عرفه؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 92 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-04-2024, 04:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,489
الدولة : Egypt
افتراضي تدبر آيات الصيام

خطبة تدبر آيات الصيام

د. محمد بن علي بن جميل المطري

الحمد لله الذي شرع لنا الصيام، وجعل شهر رمضان خيرًا لمن صام وقام، نحمَده على جميعِ نِعَمِهِ الدينية والدنيوية، سبحانه لا نُحصي ثناء عليه، هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه، وعلى أهل بيتِه وصحبِه وأتباعِه؛ أما بعد:
فآيات الصيام تضمنت كثيرًا من الأحكام، وفيها كثير من الفوائد العلمية المتنوعة، وفيها تنبيهاتٌ للمسلم في حال صيامِه وفي جميع حياتِه، وخير ما يتعلمه المسلم القرآن، وخير ما نتذاكرُ به ونُذكِّرُ به القرآن؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]؛ نداءٌ من الله لجميع المؤمنين والمؤمنات بأنه فرَضَ عليهم الصيام كما فرضه على الأمم السابقة، وأن المقصود من الصيام تحقيقُ التقوى، وتقوى الله هي امتثالُ الواجبات، واجتنابُ المحرمات، والتوبةُ من السيئات، وبالتقوى يكون المسلم شاكرًا لله على نعمه الدينية والدنيوية، الظاهرة والباطنة، فلا يعصي الله بما أنعم عليه، بل يعبدُ الله شكرًا على نعمه، والمراد من الصيام أن تكون من المتقين، وأن تكون من الشاكرين؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185].

ثم بيَّن الله أن صوم رمضان ﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ﴾ [البقرة: 184]، فشهر رمضان 29 يومًا أو 30 يومًا سرعان ما تنقضي، فعلى العاقل أن يغتنمها فيما يقربه من الله، وهكذا عمرك - أيها الإنسان - أيام معدودات، والموفَّق مَنِ اغْتَنَم عمره في الطاعات، فاغْتَنِمْ حياتك قبل موتك.

أيها المسلمون، جعل الله شهر رمضان محطةً للتزودِ من الحسنات، والتوبةِ من السيئات، وتجديدِ الإيمان، فيا باغيَ الخيرِ أقبِل، ويا باغيَ الشرِ أقْصِر، قد سُلْسِلَتِ الشياطينُ في هذا الشهر الكريم، فاجتهد - أيها المسلم - في الطاعات، واصبر على العبادات، حتى تتعوَّد بعد رمضان الخيرات، فتكون من المتقين الشاكرين.

﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [البقرة: 184]، من كان في شهر رمضان مريضًا مرضًا يُرجى بُرؤه، فليُفطر ثم يَقضِ الأيام التي أفطرها، وكذلك المسافر إن أفطر في سفره فعليه أن يَقضي ما أفطره من الأيام، وهذه رحمة من الله لعباده، فالدين يسرٌ؛ ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: 78]، وكان في أول الإسلام حين شرع الله الصيام من أطاق الصيام فهو بالخيار، إما أن يصوم، وإما أن يُفطر، ويُطعم عن كل يوم مسكين؛ قال الله تعالى: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 184]، فأخبر الله في هذه الآية أن على الذي يطيق الصيام - أي: يستطيعه - أن يُطعم مسكينًا عن كل يوم أفطره، فإن أطعم أكثر من مسكين عن كل يوم فهو خير له، وبيَّن الله أن الصيام خير من الإطعام، ثم نسخ الله هذا الحكم في الآية التي تليها، وأوجب الصيام على الذين يطيقون الصيام، وبقِيَ حكمُ هذه الآية للعاجز عن الصيام لِكَبرِ سنٍّ أو مرضٍ لا يُرجى بُرؤه، فهم الذين يُفطرون ويُطعمون عن كل يوم مسكين.

قال الله تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة: 185]، أُنزِلَ القرآنُ في شهر رمضان من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، وابتُدِئَ إنزالُه على النبي عليه الصلاة والسلام في ليلة القدر وهو في غار حراء، فرمضان هو شهر القرآن، فيُستحب الإكثارُ فيه من تلاوة القرآن أكثر من غيره من الشهور، وبيَّن الله أن القرآن هدًى للناس من كل ضلالة، وآياتِه تبيِّن الهدى في كل الأمور؛ كما قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ [الإسراء: 9] أي: يهدي الناس للخَصلة التي هي أحسن الخِصال في جميع الأمور، وفي كل الأحوال؛ وقال سبحانه: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل: 89]، والقرآن هو الفرقان، يفرِّق بين الحق والباطل، ففيه الرد على كل باطلٍ، فهو العلم لمن أراد العلم، وهو الموعظة لمن أراد الموعظة، وهو التذكرة لمن أراد تذكُرَ ما ينفعُه في دينِه ودنياه، ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29].

قال الله تعالى: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة: 185]؛ أي: من كان صحيحًا مقيمًا في شهر رمضان فيجب عليه الصيام، وهذه الآية نسخت التخييرَ الذي كان في أول الإسلام، فواجب على كل مسلم بالغ عاقل أن يصوم رمضان، ﴿ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [البقرة: 185]، أعاد الله هذا الحكم حتى لا يُظن أنه منسوخ، فقد رخَّص الله للمريض والمسافر أن يُفطرا، ثم عليهما أن يَقضيا ما أفطراه بعد رمضان، فيُكمل جميعُ المسلمين صوم شهر رمضان كاملًا ثلاثين يومًا أو تسعة وعشرين يومًا بحسب رؤية الهلال؛ ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185]، ويُشرع في آخر رمضان التكبير من ليلة العيد إلى أن يصلي المسلمون صلاة العيد، فيكبِّرون الله بألسنتهم، ويعظِّمون الله في قلوبهم، ويعظِّمون أمره ونهيه في رمضان وبعد رمضان، حتى يكونوا من الشاكرين الله على نِعَمِهِ، ولا يكونوا من الفاسقين الذين يتركون طاعةَ الله وشكرَه، فالمقصود من الصيام تحقيق تقوى الله وشكرِه؛ قال الله تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [آل عمران: 123]، وقد أخبر الله أنه لا يعبده إلا من شكره، ومن لم يشكره فليس من أهل عبادته؛ فقال: ﴿ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [البقرة: 172]، فعلى الصائم أن يحرص على تحقيق تقوى الله وشكرِه، فيزكِّي نفسَه بالطاعات، ويشكرُ الله على نعمه التي لا تُحصى، ولا يستعملها في معصية الله الذي سخَّرها، والله يرضى عمن يشكره، ويغضب على من يَكفرُ به، ويُنكرُ نِعمَه، أو يستعملُها فيما يُسخط ربه؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ﴾ [الزمر: 7]، وقال سبحانه: ﴿ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 144]، وقال: ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]، وقال عز وجل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ﴾ [غافر: 61].

فلنحرص - يا عباد الله - أن نكون من الشاكرين الذين مدحهم الله في كتابه، وأخبر أنهم قلة؛ فقال: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13]، فالشاكرون الله بقلوبهم وألسنتهم وأعمالهم الصالحة هم القليل، وهم المستحقون فضلَ الله وجنَّتَه، والغافلون عن شكر الله هم أكثر الناس، فلا نغترَّ بكثرة الغافلين عن شكر الله وعبادته؛ قال الله سبحانه: ﴿ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ﴾ [الأعراف: 205]، ولنتواصَ بعبادة الله وشكره؛ كما أمرنا الله في قوله: ﴿ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾ [الزمر: 66]، ولا ننسَ قول ربنا: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾ [الفرقان: 62]، وخيرُ وقتٍ نتوب إلى الله فيه هو شهر رمضان، فلنحرص فيه على التوبةِ وتحقيقِ التقوى، والحرصِ على شكر الله سبحانه، ﴿ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ ﴾ [الأنبياء: 80]؟

أيها المسلمون؛ يقول الله سبحانه في أثناء آيات الصيام: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]، فالله العليُّ الأعلى المتعالِ قريب من عباده بعلمه وقدرته، وهو مستوٍ على عرشه لا يخفى عليه شيءٌ من عباده، فأمرهم بدعائه وحده، ووعدهم بإجابة دعائهم إذا استجابوا له في أمره ونهيه، وأخبر أنَّ الذين يطيعونه ويؤمنون به سيكونون من الراشدين في أمور دينهم ودنياهم، فمَنْ آمَن بالله واتقاه فهنيئًا له خير الدنيا والآخرة، سواء كان فردًا أو شَعْبًا، ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3]، ﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ﴾ [الجن: 16]، ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96]، ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].

أيها المسلمون، مفتاح كل خير تقوى الله والاستجابةُ لأوامره واجتنابُ نواهيه، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الأنفال: 24، 25]، وكل شر يصيبنا هو بذنوبنا، ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41].

أيها المسلمون، علينا أن نحرص على الإكثار من دعاء الله، ولا سيما في شهر رمضان، في حال الصيام، وعند الإفطار، وفي الأسحار، ادعُ الله لنفسك ولأهلك وللمسلمين بخير الدنيا والآخرة، وادعُ على الكافرين والظالمين الذين يُفسدون في الأرض بعد إصلاحها، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، ادعُ الله فالدعاء مفتاح كل خير، ومِغلاق كل شر، ولا تدعُ غير الله كائنًا من كان، ولو كان نبيًّا أو ملَكًا، ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾ [الجن: 18]، والدعاء هو العبادة، ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ [الأعراف: 180].

اللهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِلْمُؤْمِنِينَ، وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ، اللهُمَّ الْعَنِ الكَفَرَةَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ وَيُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيُقَاتِلُونَ أَوْلِيَاءَكِ، اللهُمَّ خَالِفْ بَيْنَ كَلِمَتِهِمْ، وَزَلْزِلْ أَقْدَامَهُمْ، وَأَنْزِلْ بِهِمْ بَأْسَكَ الَّذِي لَا تَرُدُّهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ، اللهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ، وَنُثْنِي عَلَيْكَ وَلَا نَكْفُرُكَ، وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ، اللهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ، وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ، نَرْجُو رَحْمَتَكَ وَنَخْشَى عَذَابَكَ، إِنَّ عَذَابَكَ الْجِدَّ بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ.

الخطبة الثانية

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فمِنْ حكمة الله أنه شرع أحكام الدينِ بالتدريج بحسب الحكمة والمصلحة، وكان في أول الإسلام حين شُرِع الصيام لا يجوز للصائم إذا نام في الليل أن يأكل شيئًا إلى اليوم الثاني، وكان لا يجوز للرجل معاشرةُ امرأتِه في ليالي الصيام، ثم رخَّص الله للمسلمين أن يأكلوا في جميع ليالي الصوم إلى طلوع الفجر، وأحلَّ لهم جماع زوجاتهم في ليالي الصيام؛ فقال سبحانه: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ [البقرة: 187]، فأحلَّ الله للمسلمين ما كان محرمًا من جِماع نسائهم في ليالي الصيام، وأخبر أنَّ كُلًّا من الزوجين سِترٌ للآخر، وأخبر أنه علم أن بعض المسلمين وقع في المحظور في ليالي الصيام، فتاب الله عليهم، وعفا عنهم، وصار الحكم الأول منسوخًا؛ قال الله تعالى: ﴿ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ﴾ [البقرة: 106]، وأمر الله المسلمين أن يطلبوا ما كتبه الله لهم من خير الدنيا والآخرة بفعل الأسباب، فيطلبوا بالجِماع الولد، ويطلبوا بالقيام ليلة القدر، فلا بد من فِعْلِ الأسباب المشروعة في جلب الخير ودفع الشر، ومن أعظم الأسباب الدعاءُ، والله يقدِّر ما يشاء لعباده، وهو أحكم الحاكمين، وهو على كل شيء قدير؛ ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [يونس: 107].

ثم قال الله سبحانه: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ﴾ [البقرة: 187]؛ أي: وكلوا واشربوا في ليالي الصيام حتى يتبين لكم طلوعُ الفجرِ الصادق ببياض الفجر وانفصاله عن سواد الليل، ثم أكملوا الصيامَ بالإمساك عن الْمُفْطِرات من طلوع الفجر الصادق حتى غروب الشمس؛ وفي الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا – وأشار بيده إلى المشرق - وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا – وأشار بيده إلى المغرب - وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ)).

ثم قال الله تعالى في آخر آيات الصيام: ﴿ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ﴾ [البقرة: 187]؛ المعتكف في المسجد إذا ذهب إلى بيته للحاجة - كأن يذهب للأكل - لا يجوز له أن يجامع زوجته، فهو معتكف وإن خرج من المسجد لحاجته، وجماع الزوجة يُبطل الاعتكاف، ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ﴾ [البقرة: 187]؛ أي: تلك الأحكامُ المذكورةُ في آيات الصيام هي حدودُ الله بين الحلالِ والحرام فلا تقربوها أبدًا، فلا يجوز للصائم أن يأكل أو يشرب في نهار رمضان، ولا أن يجامع زوجته في نهار رمضان، ولا أن يجامعها في حال اعتكافه؛ ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 187]، فالله بيَّن لنا كل ما نحتاج إلى بيانِه، وبمثل هذا البيان الواضح الجليِّ لتلك الأحكام يبين الله آياتِه للناس؛ لعلهم يتقونه بفعل أوامره، وترك نواهيه، ومن ذلك أنه أمرنا بسؤال أهل الذكر عن كل شيء لا نعلمه، وأمرنا بطاعة رسوله والأخذ بسنته، وهذا من بيانِ اللهِ آياتِه للناس، وقد بيَّن الله لرسوله عليه الصلاة والسلام القرآن الكريم؛ كما قال سبحانه: ﴿ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾ [القيامة: 19]، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين للناس أحكامَ القرآنِ ومعانيَه بسنَّتِه القولية والفعلية؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 44]، وقال عز وجل: ﴿ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [النحل: 64]، فالعلم والهدى في الاعتصام بالقرآن والسنة.

أيها المسلمون، كان الله سبحانه يؤيِّد رُسُلَه عليهم الصلاة والسلام بالمعجزات العظيمة الدالة على صدقهم؛ كعصا موسى ويده، وكإحياء عيسى الموتى، وكناقة صالح، وأعظم معجزات نبينا محمدٍ عليه الصلاة والسلام هو القرآن العظيم، فأثَرُه لمن تدبَّره أعظم ممن رأى أي معجزةٍ من معجزاتِ الأنبياءِ السابقة، فهو معجزةُ النبي الخالدة، وعظمته وبركته لا نهاية لها، فهو كلام الله الذي جعله نورًا وهداية للناس في كل زمان ومكان، يُخرجهم به من الظلمات إلى النور، ويهديهم به إلى الحق المبين في جميع أمورهم الدينية والدنيوية، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فكل ما يحتاج الناس إليه بيَّنه الله في كتابه العظيم نصًّا أو دَلالة أو استنباطًا، علِمه مَن علِمه، وجهِله مَن جهِله، فالقرآن نورٌ وهدايةٌ ورحمةٌ لكل من آمن به واتبعه، ففيه صلاح الأفراد والشعوب والدول، وفيه حل جميع مشاكل الناس المختلفة، فهو كتاب هدايةٍ وحُكْم؛ قال الله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا ﴾ [الرعد: 37]، بيَّن الله في كتابه الحق في جميع الأمور، ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [آل عمران: 103]، فأعظمُ مقاصدِ القرآنِ هدايةُ الناس إلى الصراط المستقيم، وإخراجُهم من ظلمات الكفر والشرك والجهل، والمعاصي والظلم؛ كما قال تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ [إبراهيم: 1].

فالقرآن أفضل وأعظم كتابٍ على الإطلاق، وهو أحق ما يُكتبُ ويُقرأُ ويُستمعُ له، ويُحفظُ ويُدْرَسُ ويُدرَّس، كتاب كاملٌ لا نقص فيه، أخباره صادقة، وأحكامه عادلة، كتاب قَيِّمٌ مستقيم، لا خطأ فيه أبدًا، لا في حروفه وألفاظه، ولا في معانيه وأحكامه، لا إفراط فيه ولا تفريط، مقيمٌ لمصالح العباد في دينهم ودنياهم، عجبٌ في فصاحته وبلاغته، وفي معانيه وهداياته، وفي بركته وتأثيرِ مواعظه، فبه قيامُ الأُمَّة إن تمسَّكت به، هذا القرآنُ حبل النجاة، من اعتصم به نجا، ومن تَرَكَهُ هَلَكَ؛ قال تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 103]، ومن اتبع القرآن فلا خوف عليه بعد موته، ولا يحزن على ما ترك في دنياه، ولا يَضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة؛ قال الله تعالى: ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 38]، وقال سبحانه: ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى* وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 123، 124].

أولو العقول يستمعون القرآن ويتبعونه، ويتدبرونه ويهتدون به، ويتذكرون به ما ينفعهم في دينهم ودنياهم؛ قال الله تعالى: ﴿ فَبَشِّرْ عِبَاد * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 17، 18]، لو أنزل الله القرآن على جبل ففهِمه لتصدَّع من خشية الله سبحانه؛ قال تعالى: ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الحشر: 21].

هذا القرآن يُثبِّت المؤمنين على الحق؛ كما قال تعالى: ﴿ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل: 102]، ومن أراد أن يستقيم على الحق، فعليه بهذا القرآن العظيم؛ ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ﴾ [التكوير: 27، 28].

ينتفعُ بالقرآنِ كلُّ مَنْ يتلوه ويتدبرُه مهتديًا به، يجد كلُّ إنسان في القرآن من الهدايات ما يناسب حاله، ففيه هدايات للعلماء والعامة، والرؤساءِ والوزراء، والقادةِ والزعماء، والأغنياءِ والفقراء، والتجارِ والعمال، والأصحاءِ والمرضى، والمبتلى والمعافى، والرجالِ والنساء، فيه هداياتٌ للمنتصرين والمنهزمين، فيه هداياتٌ للمستضعفين، فيه بيان أسباب النصر والتمكين، فيه هداياتٌ لجميع الناسِ في كل زمان ومكان، فيه ذكرُ أصول الإيمان وتصحيح العقائد، فيه الأمرُ بتوحيد الله سبحانه وإخلاصِ العبادةِ له، فيه النهي عن الشرك بالله والحكمِ بغير شرعِه، فيه تزكيةُ النفوس، وتهذيبُ الأخلاق، والأمرُ بمكارم الأخلاق، فيه الحثُّ على عبادة الله وذكره ودعائه، فيه أفضلُ الدعوات، فيه بيانُ الأحكام التي شرعها الله لمصالح عباده، فيه الأمرُ بتحكيم شريعته، والأمر بطاعةِ الله وطاعةِ رسولِه محمدٍ صلى الله عليه وسلم، المبيِّن بسنته ما أنزل الله عليه في كتابه؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7]، وقال عز وجل: ﴿ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ [النور: 54].

في هذا القرآنِ بيانُ الحق في كل ما يختلف الناس فيه، في هذا القرآنِ ذكرُ صفاتِ المؤمنين لنقتدي بهم، وفيه ذكر صفات الكافرين والمنافقين لنحذر من الاتصاف بصفاتهم، في القرآن الترغيب والترهيب، وذكر الجنة والنار، والبشارة للمؤمنين، والإنذار للكافرين والمنافقين، والظالمين والفاسقين.

في القرآنِ بيانُ حقيقةِ الدنيا الفانية، وحقيقةُ الآخرةِ الباقية، فيه المواعظُ البليغة، والأمثالُ العجيبة، والقصصُ التي فيها عبرة؛ ﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ﴾ [الكهف: 54].

في القرآن الحُججُ العقلية، ومخاطبةُ الفِطرة، وردُّ شبهاتِ مَن يُنكر كونَه من عند الله، وإجابةُ مَن يستعجلُ عذابَ الله، في القرآن الردُّ على كل صاحبِ فتنةٍ وشبهة، وفيه الكفايةُ لمن أراد الهداية؛ قال الله تعالى: ﴿ وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا ﴾ [طه: 113].

من اهتدى بالقرآن فإنما ينفع نفسه، ومن أعرض عنه فإنما يضر نفسه؛ ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ﴾ [يونس: 108].

أيها المسلمون، القرآن أعظم شيء بين أيدينا، لا يوجد شيءٌ في الدنيا خيرٌ من القرآن، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 57، 58]، فالقرآن كلام الخالق، ولولا أن الله يسَّر لنا قراءته، لَما استطعنا قراءة كلامه سبحانه؛ ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17]، ﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ [الرحمن: 1 - 4]، فذكر الله تعليمه الناسَ القرآنَ، قبل أن يذكرَ خلقَ الإنسانِ وتعليمَه البيان، فالناسُ بلا قرآنٍ يهديهم في ضلال مبين.

أيها المسلم، اعلم أنَّك مهما عظَّمت القرآن، فهو أعظم مما تظن، وهداياتُ القرآنِ ونورُه وبركتُه وخيرُه في الدنيا والآخرةِ أكثر مما يخطر ببالك، وكلما تلوتَه وتدبرتَه وتعلمتَه، ازددتَ به إيمانًا وعِلمًا، وحكمة وهداية، فهو معجزة النبي عليه الصلاة والسلام الخالدة، وهو يصنع المعجزات في الأفراد والمجتمعات إذا اعتصموا به؛ قال الله تعالى: ﴿ ولو أنَّ قرآنا سُيِّرت به الجبال أو قُطِّعتْ به الأرضُ أو كُلِّم به الموتى ﴾ [الرعد: 31]؛ أي: لكان هذا القرآن، واسمعوا هذا القسمَ العظيم، الذي بيَّن اللهُ به عظمةَ كتابِه: ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ﴾ [الواقعة: 75 - 77]، إنه قرآن عظيم، حكيم، عزيز، مبين، مجيد، مبارك؛ ﴿ هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [إبراهيم: 52].

اللهم زِدْنا تعظيمًا للقرآن، وزدنا حبًّا للقرآن، اللهم حبِّب إلينا الإيمان، وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، وتوفَّنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين، اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اللهم أعنَّا في رمضان على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، ووفِّقنا للتوبة النصوح، ووفِّقنا للصيام والقيام وتلاوة القرآن، واهدِنا في شهر رمضان للتقوى، واجعلنا من الشاكرين الصابرين.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 67.51 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 65.84 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.48%)]