تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد - الصفحة 13 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         القوة في الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 8 )           »          الإسلام دين السلام - خطبة عيد الأضحى 1445هـ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          يوم عرفة ومبادئ الاصطفاء للأمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          لياقة القلب في رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          قواعد المجتمع الصالح والحكم الرشيد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          أهل البشارات القرآنية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          السنن المتروكة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          الخيانة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 85 )           »          أنواع العوامل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 100 )           »          فرحة ووليمة العودة من الحج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #121  
قديم 21-03-2022, 04:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,693
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ النِّسَاءِ
الحلقة (121)
صــ91 إلى صــ 95


قوله تعالى: وإن كنتم مرضى في سبب نزول هذا الكلام قولان .

أحدهما: أن رجلا من الأنصار كان مريضا فلم يستطع أن يقوم فيتوضأ ، ولم يكن له خادم ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك ، فنزلت هذه الآية وإن كنتم مرضى أو على سفر قاله مجاهد .

والثاني: أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابتهم جراحات ، ففشت فيهم ، وابتلوا بالجنابة ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت وإن كنتم مرضى الآية كلها ، قاله إبراهيم النخعي . قال القاضي أبو يعلى: وظاهر الآية يقتضي جواز التيمم مع حصول المرض الذي يستضر معه باستعمال المال ، سواء كان يخاف التلف ، أو لا يخاف ، وكذلك السفر يجوز فيه التيمم عند عدم الماء ، سواء كان قصيرا ، أو طويلا ، وعدم الماء ليس بشرط في جواز التيمم للمريض ، وإنما الشرط: حصول الضرر ، وأما السفر ، فعدم الماء شرط في إباحة التيمم ، وليس السفر بشرط ، وإنما ذكر السفر ، لأن الماء يعدم فيه غالبا .

قوله تعالى: أو جاء أحد منكم من الغائط "أو" بمعنى: الواو ، لأنها لو لم تكن كذلك ، لكان وجوب الطهارة على المريض والمسافر غير متعلق [ ص: 92 ] بالحدث . والغائط: المكان المطمئن من الأرض ، فكني عن الحدث بمكانه ، قاله ابن قتيبة . وكذلك قالوا: للمزادة: راوية ، وإنما الراوية للبعير الذي يسقى عليه ، وقالوا: للنساء: ظعائن ، وإنما الظعائن: الهوادج ، وكن يكن فيها ، وسموا الحدث عذرة ، لأنهم كانوا يلقون الحدث بأفنية الدور .

قوله تعالى: أو لامستم النساء قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وابن عامر: أو لامستم بألف هاهنا: وفي (المائدة) وقرأ حمزة ، والكسائي ، وخلف في اختياره ، والمفضل عن عاصم ، والوليد بن عتبة ، عن ابن عامر "أو لمستم" بغير ألف هاهنا ، وفي (المائدة) وفي المراد بالملامسة قولان .

أحدهما: أنها الجماع ، قاله علي ، وابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، وقتادة .

والثاني: أنها الملامسة باليد ، قاله ابن مسعود ، وابن عمر ، والشعبي ، وعبيدة ، وعطاء ، وابن سيرين ، والنخعي ، والنهدي ، والحكم ، وحماد .

[ ص: 93 ] قال أبو علي: اللمس يكون باليد ، وقد اتسع فيه ، فأوقع على غيره ، فمن ذلك وأنا لمسنا السماء [الجن: 8] أي: عالجنا غيب السماء ، ومنا من يسترقه فيلقيه إلى الكهنة ، ويخبرهم به . فلما كان اللمس يقع على غير المباشرة باليد ، قال: فلمسوه بأيديهم [الأنعام: 7 ] فخص اليد ، لئلا يلتبس بالوجه الآخر ، كما قال: وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم [النساء: 23] لأن الابن قد يدعى وليس من الصلب .

قوله تعالى: فلم تجدوا ماء فتيمموا سبب نزولها: أن عائشة رضي الله عنها كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره ، فانقطع عقد لها ، فأقام النبي صلى الله عليه وسلم على التماسه ، وليسوا على ماء ، وليس معهم ماء ، فنزلت هذه الآية ، فقال: أسيد [ ص: 94 ] ابن حضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر ، أخرجه البخاري ، ومسلم وفي رواية أخرى أخرجها البخاري ، ومسلم أيضا: أن عائشة استعارت من أسماء قلادة فهلكت ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالا في طلبها ، فأدركتهم الصلاة وليس معهم ماء ، فصلوا بغير وضوء ، وشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت آية التيمم . والتيمم في اللغة: القصد ، وقد ذكرناه في قوله: ولا تيمموا الخبيث وأما الصعيد: فهو التراب ، قاله علي ، وابن مسعود ، والفراء ، وأبو عبيد ، والزجاج ، وابن قتيبة ، وقال الشافعي: لا يقع اسم الصعيد إلا على تراب [ ص: 95 ] ذي غبار . وفي الطيب قولان . أحدهما: أنه الطاهر . والثاني: الحلال .

قوله تعالى: فامسحوا بوجوهكم وأيديكم الوجه الممسوح في التيمم: هو المحدود في الوضوء . وفيما يجب مسحه من الأيدي ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه إلى الكوعين حيث يقطع السارق ، روى عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "التيمم ضربة للوجه والكفين" وبهذا قال سعيد بن المسيب ، وعطاء ابن أبي رباح ، وعكرمة ، والأوزاعي ، ومكحول ، ومالك ، وأحمد ، وإسحاق ، وداود .

والثاني: أنه إلى المرفقين ، روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه تيمم ، فمسح ذراعيه . وبهذا قال ابن عمر ، وابنه سالم ، والحسن ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وعن الشعبي كالقولين .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #122  
قديم 21-03-2022, 04:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,693
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ النِّسَاءِ
الحلقة (122)
صــ96 إلى صــ 100



والثالث: أنه يجب المسح من رؤوس الأنامل إلى الآباط ، روى عمار بن ياسر قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فنزلت الرخصة في المسح ، فضربنا بأيدينا ضربة لوجوهنا ، وضربة لأيدينا إلى المناكب والآباط . وهذا قول الزهري .

قوله تعالى: إن الله كان عفوا قال الخطابي: "العفو": بناء للمبالغة . و"العفو" الصفح عن الذنوب ، وترك مجازاة المسيء . وقيل: إنه مأخوذ من: عفت الريح الأثر: إذا درسته ، وكأن العافي عن الذنوب يمحوه بصفحه عنه .
ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل

قوله تعالى: ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال . [ ص: 97 ] أحدها: أنها نزلت في رفاعة بن زيد بن التابوت . والثاني: أنها نزلت في رجلين كانا إذا تكلم النبي صلى الله عليه وسلم لويا ألسنتهما وعاباه ، روي القولان عن ابن عباس .

والثالث: أنها نزلت في اليهود ، قاله قتادة .

وفي النصيب الذي أوتوه قولان . أحدهما: أنه علم نبوة محمد النبي صلى الله عليه وسلم . والثاني: العلم بما في كتابهم دون العمل .

قوله تعالى: يشترون الضلالة قال ابن قتيبة: هذا من الاختصار ، والمعنى: يشترون الضلالة بالهدى ، ومثله وتركنا عليه في الآخرين [الصافات: 78] أي: تركنا عليه ثناء حسنا ، فحذف الثناء لعلم المخاطب .

وفي معنى اشترائهم الضلالة أربعة أقوال .

أحدها: أنه استبدالهم الضلالة بالإيمان ، قاله أبو صالح ، عن ابن عباس .

والثاني: أنه استبدالهم التكذيب بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد ظهوره بإيمانهم به قبل ظهوره ، قاله مقاتل . [ ص: 98 ] والثالث: أنه إيثارهم التكذيب بالنبي لأخذ الرشوة ، وثبوت الرئاسة لهم ، قاله الزجاج .

والرابع: أنه إعطاؤهم أحبارهم أموالهم على ما يصنعونه من التكذيب بالنبي صلى الله عليه وسلم ذكره الماوردي .

قوله تعالى: ويريدون أن تضلوا السبيل خطاب للمؤمنين . والمراد بالسبيل: طريق الهدى .
والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا

قوله تعالى: والله أعلم بأعدائكم فهو يعلمكم ما هم عليه ، فلا تستنصحوهم ، وهم اليهود ، وكفى بالله وليا لكم ، فمن كان وليه ، لم يضره عدوه . قال الخطابي: "الولي": الناصر ، و"الولي": المتولي للأمر ، والقائم به ، وأصله من الولي ، وهو القرب ، "والنصير": فعيل بمعنى: فاعل .
من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا: سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا

[ ص: 99 ] قوله تعالى: من الذين هادوا قال مقاتل: نزلت في رفاعة بن زيد ، ومالك ابن الضيف ، وكعب بن أسيد ، وكلهم يهود . وفي "من" قولان ذكرهما الزجاج .

أحدهما: أنها من صلة الذين أوتوا الكتاب ، فيكون المعنى: ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب من الذين هادوا .

والثاني: أنها مستأنفة ، فالمعنى: من الذين هادوا قوم يحرفون ، فيكون قوله: يحرفون ، صفة ، ويكون الموصوف محذوفا ، وأنشد سيبويه:


وما الدهر إلا تارتان فمنهما أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح


والمعنى: فمنهما تارة أموت فيها ، قال أبو علي الفارسي: والمعنى: وكفى بالله نصيرا من الذين هادوا ، أي: إن الله ينصر عليهم .

فأما "التحريف" ، فهو التغيير . و"الكلم": جمع كلمة . وقيل: إن "الكلام" مأخوذ من "الكلم" ، وهو الجرح الذي يشق الجلد واللحم ، فسمي الكلام كلاما ، لأنه يشق الأسماع بوصوله إليها ، وقيل: بل لتشقيقه المعاني المطلوبة في أنواع الخطاب .

وفي معنى تحريفهم الكلم قولان . أحدهما: أنهم كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن الشيء ، فإذا خرجوا ، حرفوا كلامه ، قاله ابن عباس . والثاني: أنه تبديلهم التوراة قاله مجاهد . [ ص: 100 ] قوله تعالى: عن مواضعه أي: عن أماكنه ووجوهه .

قوله تعالى: ويقولون سمعنا وعصينا قال مجاهد: سمعنا قولك ، وعصينا أمرك .

قوله تعالى: واسمع غير مسمع فيه قولان .

أحدهما: أن معناه: اسمع لا سمعت ، قاله ابن عباس ، وابن زيد ، وابن قتيبة .

والثاني: أن معناه: اسمع غير مقبول ما تقول ، قاله الحسن ، ومجاهد . وقد تقدم في (البقرة) معنى: وراعنا .

قوله تعالى: ليا بألسنتهم قال قتادة: "اللي": تحريك ألسنتهم بذلك .

وقال ابن قتيبة: معنى "ليا بألسنتهم": أنهم يحرفون "راعنا" عن طريق المراعاة ، والانتظار إلى السب بالرعونة . قال ابن عباس : لكان خيرا لهم مما بدلوا ، و(أقوم) أي: أعدل ، ولكن لعنهم الله بكفرهم بمحمد .

قوله تعالى: فلا يؤمنون إلا قليلا فيه قولان . أحدهما: فلا يؤمن منهم الا قليل ، وهم عبد الله بن سلام ، ومن تبعه ، قاله ابن عباس .

[ ص: 101 ] والثاني: فلا يؤمنون إلا إيمانا قليلا ، قاله قتادة ، والزجاج . قال مقاتل: وهو اعتقادهم أن الله خلقهم ورزقهم .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #123  
قديم 21-03-2022, 04:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,693
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ النِّسَاءِ
الحلقة (123)
صــ101 إلى صــ 105



يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا

قوله تعالى: يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا سبب نزولها: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا قوما من أحبار اليهود ، منهم عبد الله بن صوريا ، وكعب [ابن أسد] إلى الإسلام ، وقال لهم: إنكم لتعلمون أن الذي جئت به حق ، فقالوا: ما نعرف ذلك ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول ابن عباس .

وفي الذين أوتوا الكتاب قولان .

أحدهما: أنهم اليهود ، قاله الجمهور . والثاني: اليهود والنصارى ، ذكره الماوردي . وعلى الأول يكون الكتاب: التوراة ، وعلى الثاني: التوراة والإنجيل . والمراد بما نزلنا: القرآن ، وقد سبق في (البقرة) بيان تصديقه لما معهم .

قوله تعالى: من قبل أن نطمس وجوها في طمس الوجوه ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه إعماء العيون ، قاله ابن عباس ، وقتادة ، والضحاك .

والثاني: أنه طمس ما فيها من عين ، وأنف ، وحاجب ، وهذا المعنى مروي عن ابن عباس ، واختيار ابن قتيبة . [ ص: 102 ] والثالث: أنه ردها عن طريق الهدى ، وإلى هذا المعنى ذهب الحسن ، ومجاهد ، والضحاك ، والسدي . وقال مقاتل: من قبل أن نطمس وجوها ، أي: نحول الملة عن الهدى والبصيرة . فعلى هذا القول يكون ذكر الوجه مجازا . والمراد: البصيرة والقلوب . وعلى القولين قبله يكون المراد بالوجه: العضو المعروف .

قوله تعالى: فنردها على أدبارها خمسة أقوال .

أحدها: نصيرها في الأقفاء ، ونجعل عيونها في الأقفاء ، هذا قول ابن عباس ، وعطية .

والثاني: نصيرها كالأقفاء ، ليس فيها فم ، ولا حاجب ، ولا عين ، وهذا قول قوم ، منهم ابن قتيبة .

والثالث: نجعل الوجه منبتا للشعر ، كالقرود ، هذا قول الفراء .

والرابع: ننفيها مدبرة عن ديارها ومواضعها . وإلى نحوه ذهب ابن زيد . قال ابن جرير: فيكون المعنى: من قبل أن نطمس وجوههم التي هم فيها . وناحيتهم التي هم بها نزول ، فنردها على أدبارها من حيث جاؤوا بديا من الشام .

والخامس: نردها في الضلالة ، وهذا قول الحسن ، ومجاهد ، والضحاك ، والسدي ، ومقاتل .

قوله تعالى: أو نلعنهم يعود إلى أصحاب الوجوه . وفي معنى لعن أصحاب السبت قولان .

[ ص: 103 ] أحدهما: مسخهم قردة ، قاله الحسن ، وقتادة ، ومقاتل . والثاني: طردهم في التيه ، حتى هلك فيه أكثرهم ذكره الماوردي .

قوله تعالى: وكان أمر الله مفعولا قال ابن جرير: الأمر هاهنا: بمعنى: المأمور ، سمي باسم الأمر لحدوثه عنه .
إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما

قوله تعالى: إن الله لا يغفر أن يشرك به قال ابن عمر: لما نزلت يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا [الزمر: 53] قالوا: لرسول الله صلى الله عليه وسلم: والشرك؟ فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ، فنزلت هذه . وقد سبق معنى الإشراك .

والمراد من الآية: لا يغفر لمشرك مات على شركه . وفي قوله: لمن يشاء نعمة عظيمة من وجهين ، أحدهما: أنها تقتضي أن كل ميت على ذنب دون الشرك لا يقطع عليه بالعذاب ، وإن مات مصرا . والثاني: أن تعليقه بالمشيئة فيه نفع [ ص: 104 ] للمسلمين ، وهو أن يكونوا على خوف وطمع .
ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا

قوله تعالى: ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم سبب نزولها: أن مرحب ابن زيد ، وبحري بن عون -وهما من اليهود- أتيا النبي صلى الله عليه وسلم بأطفالهما ، ومعهما طائفة من اليهود فقالوا: يا محمد هل على هؤلاء من ذنب؟ قال: لا ، قالوا: والله ما نحن إلا كهيئتهم ، ما من ذنب نعمله بالنهار إلا كفر عنا بالليل ، وما من ذنب نعمله بالليل إلا كفر عنا بالنهار ، فنزلت هذه الآية . هذا قول ابن عباس .

وفي قوله ألم تر قولان . أحدهما: ألم تخبر ، قاله ابن قتيبة . والثاني: ألم تعلم ، قاله الزجاج . وفي الذين يزكون أنفسهم قولان . أحدهما: اليهود على ما ذكرنا عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، وقتادة ، ومقاتل . والثاني: أنهم اليهود ، والنصارى ، وبه قال الحسن ، وابن زيد ، ومعنى "يزكون أنفسهم": يزعمون أنهم أزكياء ، يقال: زكى الشيء: إذا نما في الصلاح .

وفي الذي زكوا به أنفسهم أربعة أقوال .

أحدها: أنهم برؤوا أنفسهم من الذنوب ، رواه أبو صالح ، عن ابن عباس .

[ ص: 105 ] والثاني: أن اليهود قالوا: إن أبناءنا الذين ماتوا يزكوننا عند الله ، ويشفعون لنا رواه عطية ، عن ابن عباس .

والثالث: أن اليهود كانوا يقدمون صبيانهم في الصلاة فيؤمونهم ، يزعمون أنهم لا ذنوب لهم ، هذا قول عكرمة ، ومجاهد ، وأبي مالك .

والرابع: أن اليهود والنصارى قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه [المائدة: 18] وقالوا: لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى [البقرة: 111] هذا قول الحسن ، وقتادة .

قوله تعالى: بل الله يزكي من يشاء أي: يجعله زاكيا ، ولا يظلم الله أحدا مقدار فتيل . قال ابن جرير: وأصل "الفتيل" المفتول ، صرف عن مفعول إلى فعيل ، كصريع ، ودهين .

وفي الفتيل قولان . أحدهما: أنه ما يكون في شق النواة ، رواه عكرمة ، عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، وعطاء بن أبي رباح ، والضحاك ، وقتادة ، وعطية ، وابن زيد ، ومقاتل ، وأبو عبيدة ، وابن قتيبة ، والزجاج .

والثاني: أنه ما يخرج بين الأصابع من الوسخ إذا دلكن ، رواه العوفي ، عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير ، وأبو مالك ، والسدي ، والفراء .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #124  
قديم 21-03-2022, 04:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,693
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ النِّسَاءِ
الحلقة (124)
صــ106 إلى صــ 110


انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثما مبينا

قوله تعالى: انظر كيف يفترون على الله الكذب وهو قولهم نحن أبناء الله وأحباؤه وقولهم لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى وقولهم :لا ذنب لنا ونحو ذلك مما كذبوا فيه (وكفى به) أي: وحسبهم بقيلهم الكذب (إثما مبينا) يتبين كذبهم لسامعيه .
[ ص: 106 ] ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا

قوله تعالى: ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب في سبب نزولها: أربعة أقوال .

أحدها: أن جماعة من اليهود قدموا على قريش ، فسألوهم: أديننا خير ، أم دين محمد؟ فقال: اليهود: بل دينكم ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول ابن عباس .

والثاني: أن كعب بن الأشرف ، وحيي بن أخطب ، قدما مكة ، فقالت لهما قريش: أنحن خير ، أم محمد؟ فقالا: أنتم ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول عكرمة في رواية . وقال قتادة: نزلت في كعب ، وحيي ، ورجلين آخرين من بني النضير قالوا: لقريش: أنتم أهدى من محمد .

[ ص: 107 ] والثالث: أن كعب بن الأشرف وهو الذي قال لكفار قريش: أنتم أهدى من محمد ، فنزلت هذه الآية . وهذا قول مجاهد ، والسدي ، وعكرمة في رواية .

والرابع: أن حيي بن أخطب قال للمشركين: نحن وإياكم خير من محمد ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول ابن زيد . والمراد بالمذكورين في هذه الآية اليهود .

وفي "الجبت" سبعة أقوال .

أحدها: أنه السحر ، قاله عمر بن الخطاب ، ومجاهد ، والشعبي ، والثاني: الأصنام ، رواه عطية ، عن ابن عباس . وقال عكرمة: الجبت: صنم . والثالث: حيي بن أخطب ، رواه ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، وبه قال الضحاك ، والفراء . والرابع: كعب بن الأشرف ، رواه الضحاك ، عن ابن عباس ، وليث عن مجاهد . والخامس: الكاهن ، روي عن ابن عباس ، وبه قال ابن سيرين ، ومكحول . والسادس: الشيطان ، قاله سعيد بن جبير في رواية ، وقتادة ، والسدي . والسابع: الساحر ، قاله أبو العالية ، وابن زيد . وروى أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، قال: الجبت: الساحر بلسان الحبشة .

وفي المراد بالطاغوت ها هنا ستة أقوال .

أحدها: الشيطان ، قاله عمر بن الخطاب ، ومجاهد في رواية ، والشعبي ، وابن زيد . والثاني: أنه اسم للذين يكونون بين يدي الأصنام يعبرون عنها ليضلوا الناس ، رواه العوفي عن ابن عباس . والثالث: كعب بن الأشرف ، رواه ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، وبه قال الضحاك ، والفراء . والرابع: الكاهن ، وبه قال سعيد بن جبير ، وأبو العالية ، وقتادة ، والسدي . والخامس: أنه الصنم ، [ ص: 108 ] قاله عكرمة . وقال الجبت والطاغوت صنمان . والسادس: الساحر ، روي عن ابن عباس ، وابن سيرين ، ومكحول ، فهذه الأقوال . تدل على أنهما اسمان لمسميين .

وقال اللغويون منهم ابن قتيبة ، والزجاج: كل معبود من دون الله ، من حجر ، أو صورة ، أو شيطان ، فهو جبت وطاغوت .

قوله تعالى: ويقولون للذين كفروا يعني: لمشركي قريش: أنتم "أهدى" من الذين آمنوا ، يعنون النبي وأصحابه "طريقا" في الديانة والاعتقاد .
أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا

قوله تعالى: أم لهم نصيب من الملك هذا استفهام معناه: الإنكار ، فالتقدير: ليس لهم . وقال الفراء: قوله فإذا لا يؤتون الناس نقيرا جواب لجزاء مضمر ، تقديره: ولئن كان لهم نصيب لا يؤتون الناس نقيرا . وفي "النقير" أربعة أقوال .

[ ص: 109 ] أحدها: أنه النقطة التي في ظهر النواة ، رواه ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، وعطاء بن أبي رباح ، وقتادة ، والضحاك ، والسدي ، وابن زيد ، ومقاتل ، والفراء ، وابن قتيبة في آخرين .

والثاني: أنه القشر الذي يكون في وسط النواة ، رواه التيمي ، عن ابن عباس . وروي عن مجاهد: أنه الخيط الذي يكون في وسط النواة .

والثالث: أنه نقر الرجل الشيء بطرف إبهامه ، رواه أبو العالية ، عن ابن عباس .

والرابع: أنه حبة النواة التي في وسطها ، رواه ابن أبي نجيح ، عن مجاهد . قال الأزهري: و"الفتيل" و"النقير" و"القطمير": تضرب أمثالا للشيء التافه الحقير .
أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما

قوله تعالى: أم يحسدون الناس سبب نزولها: أن أهل الكتاب قالوا: يزعم محمد أنه أوتي ما أوتي في تواضع ، وله تسع نسوة ، فأي ملك أفضل من هذا ، فنزلت ، رواه العوفي ، عن ابن عباس .

[ ص: 110 ] وفي "أم" قولان . أحدهما: أنها بمعنى: ألف الاستفهام ، قاله ابن قتيبة .

والثاني: بمعنى: "بل" قاله الزجاج ، وقد سبق ذكر "الحسد" في (سورة البقرة) والحاسدون هاهنا: اليهود . وفي المراد بالناس هاهنا: أربعة أقوال .

أحدها: النبي صلى الله عليه وسلم ، رواه عطية ، عن ابن عباس ، وبه قال عكرمة ، ومجاهد ، والضحاك ، والسدي ، ومقاتل .

والثاني: النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر ، وعمر ، روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه .

والثالث: العرب ، قاله قتادة . والرابع: النبي ، والصحابة ، ذكره الماوردي .

وفي الذي آتاهم الله من فضله ثلاثة أقوال .

أحدها: إباحة الله تعالى نبيه أن ينكح ما شاء من النساء من غير عدد ، روي عن ابن عباس ، والضحاك ، والسدي . والثاني: أنه النبوة ، قاله ابن جريج ، والزجاج . والثالث: بعثة نبي منهم على قول من قال: هم العرب .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #125  
قديم 21-03-2022, 04:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,693
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ النِّسَاءِ
الحلقة (125)
صــ111 إلى صــ 115



قوله تعالى: فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب يعني: التوراة ، والإنجيل ، والزبور . كله كان في آل إبراهيم ، وهذا النبي من أولاد إبراهيم . وفي الحكمة قولان .

أحدهما: النبوة ، قاله السدي ، ومقاتل . والثاني: الفقه في الدين ، قاله أبو سليمان الدمشقي .

وفي الملك العظيم خمسة أقوال . أحدها: ملك سليمان ، رواه عطية ، عن ابن عباس . والثاني: ملك داود ، وسليمان في النساء ، كان لداود مائة امرأة ، ولسليمان سبعمائة امرأة ، وثلاثمائة سرية ، رواه أبو صالح ، عن ابن عباس ، وبه قال السدي . والثالث: النبوة ، قاله مجاهد . والرابع: التأييد بالملائكة ، قاله ابن زيد في آخرين . والخامس: الجمع بين سياسة الدنيا ، وشرع الدين ، ذكره الماوردي .
فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا

قوله تعالى: فمنهم من آمن به فيمن تعود عليه الهاء ، والميم قولان .

أحدهما: اليهود الذين أنذرهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا قول مجاهد ، ومقاتل .

[ ص: 112 ] والفراء في آخرين . فعلى هذا القول في هاء "به" ثلاثة أقوال .

أحدها: تعود على ما أنزل الله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله مجاهد . قال أبو سليمان: فيكون الكلام مبنيا على قوله على ما آتاهم الله من فضله وهو النبوة ، والقرآن .

والثاني: أنها تعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فتكون متعلقة بقوله أم يحسدون الناس يعني: بالناس محمدا صلى الله عليه وسلم ، ويكون المراد بقوله فمنهم من آمن به عبد الله بن سلام ، وأصحابه . والثالث: أنها تعود إلى النبإ عن آل إبراهيم ، قاله الفراء .

والقول الثاني أن الهاء ، والميم في قوله (فمنهم) تعود إلى آل إبراهيم ، فعلى هذا في هاء "به" قولان . أحدهما: أنها عائدة إلى إبراهيم ، قاله السدي . والثاني: إلى الكتاب ، قاله مقاتل .

قوله تعالى: ومنهم من صد عنه وقرأ ابن مسعود ، وابن عباس ، وابن جبير ، وعكرمة ، وابن يعمر ، والجحدري: (من صد عنه) برفع الصاد . وقرأ أبي بن كعب ، وأبو الجوزاء ، وأبو رجاء ، والجوني: بكسر الصاد .
إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما

قوله تعالى: سوف نصليهم نارا قال الزجاج : أي: نشويهم في نار . ويروى أن يهودية أهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم شاة مصلية ، أي: مشوية . وفي قوله بدلناهم جلودا غيرها قولان .

أحدهما: أنها غيرها حقيقة ، ولا يلزم على هذا أن يقال: كيف بدلت [ ص: 113 ] جلود التذت بالمعاصي بجلود ما التذت ، لأن الجلود آلة في إيصال العذاب إليهم ، كما كانت آلة في إيصال اللذة ، وهم المعاقبون لا الجلود .

والثاني: أنها هي بعينها تعاد بعد احتراقها ، كما تعاد بعد البلى في القبور . فتكون الغيرية عائدة إلى الصفة ، لا إلى الذات ، فالمعنى: بدلناهم جلودا غير محترقة ، كما تقول: صغت من خاتمي خاتما آخر . وقال الحسن البصري: في هذه الآية: تأكلهم النار كل يوم سبعين ألف مرة ، كلما أكلتهم قيل: لهم: عودوا ، فعادوا .
والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا

قوله تعالى: وندخلهم ظلا ظليلا قال الزجاج : هو الذي يظل من الحر والريح ، وليس كل ظل كذلك ، فأعلم الله تعالى أن ظل الجنة ظليل لا حر معه ، ولا برد . فإن قيل: أفي الجنة برد أو حر يحتاجون معه إلى ظل؟ فالجواب: أن لا ، وإنما خاطبهم بما يعقلون مثله ، كقوله: ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا [مريم: 62] وجواب آخر: وهو أنه إشارة إلى كمال وصفها ، وتمكين بنائها ، فلو كان البرد أو الحر يتسلط عليها ، لكان في أبنيتها وشجرها ظل ظليل .
إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا

قوله تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها في سبب نزولها ثلاثة أقوال . .

[ ص: 114 ] أحدها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة ، طلب مفتاح البيت من عثمان بن أبي طلحة ، فذهب ليعطيه إياه ، فقال: العباس: بأبي أنت وأمي اجمعه لي مع السقاية ، فكف عثمان يده مخافة أن يعطيه للعباس ، فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: "هات المفتاح" فأعاد العباس قوله ، وكف عثمان ، فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: "أرني المفتاح إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر" فقال: هاكه يا رسول الله بأمانة الله ، فأخذ المفتاح ، ففتح البيت ، فنزل جبريل بهذه الآية ، فدعا عثمان ، فدفعه إليه . رواه أبو صالح ، عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، والزهري ، وابن جريج ، ومقاتل .

والثاني: أنها نزلت في الأمراء . رواه ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، وبه قال زيد بن أسلم ، وابنه ، ومكحول ، واختاره أبو سليمان الدمشقي ، وقال: أمر الأمراء أن يؤدوا الأمانة في أموال المسلمين .

والثالث: أنها نزلت عامة ، وهو مروي عن أبي بن كعب ، وابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، واختاره القاضي أبو يعلى . واعلم أن نزولها على سبب لا يمنع عموم حكمها ، فإنها عامة في الودائع وغيرها من الأمانات . وقال ابن مسعود: الأمانة في الوضوء ، وفي الصلاة ، وفي الصوم ، وفي الحديث ، وأشد ذلك في الودائع .

[ ص: 115 ] قوله تعالى: نعما يعظكم به يقول: نعم الشيء يعظكم به ، وقد ذكرناه في (البقرة) .
يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا

قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول في سبب نزولها قولان . أحدهما: أنها نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس السهمي إذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية ، أخرجه البخاري ، ومسلم ، من حديث ابن عباس .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #126  
قديم 21-03-2022, 04:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,693
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ النِّسَاءِ
الحلقة (126)
صــ116 إلى صــ 120



والثاني: أن عمار بن ياسر كان مع خالد بن الوليد في سرية ، فهرب القوم ، ودخل رجل منهم على عمار ، فقال: إني قد أسلمت ، هل ينفعني ، أو أذهب كما ذهب قومي؟ قال عمار: أقم فأنت آمن ، فرجع الرجل ، وأقام فجاء خالد ، فأخذ الرجل ، فقال عمار: إني قد أمنته ، وإنه قد أسلم ، قال: أتجير علي وأنا الأمير؟ فتنازعا ، وقدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح ، عن ابن عباس .

قوله تعالى: وأطيعوا الرسول طاعة الرسول في حياته: امتثال أمره ، واجتناب نهيه ، وبعد مماته: اتباع سنته .

وفي أولي الأمر أربعة أقوال .

أحدها: أنهم الأمراء ، قاله أبو هريرة ، وابن عباس في رواية ، وزيد بن أسلم ، والسدي ، ومقاتل .

[ ص: 117 ] والثاني: أنهم العلماء ، رواه ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، وهو قول جابر بن عبد الله ، والحسن ، وأبي العالية ، وعطاء ، والنخعي ، والضحاك ، ورواه خصيف عن مجاهد .

والثالث: أنهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، رواه ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، وبه قال بكر بن عبد الله المزني .

والرابع: أنهم أبو بكر ، وعمر ، وهذا قول عكرمة .

قوله تعالى: فإن تنازعتم في شيء قال الزجاج : معناه: اختلفتم . وقال كل فريق: القول القولي . واشتقاق المنازعة: أن كل واحد ينتزع الحجة .

قوله تعالى: فردوه إلى الله والرسول في كيفية هذا الرد قولان .

أحدهما: أن رده إلى الله رده إلى كتابه ، ورده إلى النبي رده إلى سنته ، هذا قول مجاهد ، وقتادة ، والجمهور . قال القاضي أبو يعلى: وهذا الرد يكون من وجهين . أحدهما: إلى المنصوص عليه باسمه ومعناه ، والثاني: الرد إليهما من جهة الدلالة عليه ، واعتباره من طريق القياس ، والنظائر .

والقول الثاني: أن رده إلى الله ورسوله ، أن يقول: من لا يعلم الشيء: الله ورسوله أعلم ، ذكره قوم ، منهم الزجاج .

وفي المراد بالتأويل أربعة أقوال . أحدها: أنه الجزاء ، والثواب ، وهو قول مجاهد ، وقتادة . والثاني: أنه العاقبة ، وهو قول السدي ، وابن زيد ، وابن [ ص: 118 ] قتيبة ، والزجاج . والثالث: أنه التصديق ، مثل قوله هذا تأويل رؤياي [يوسف: 100] قاله ابن زيد في رواية . والرابع: أن معناه: ردكم إياه إلى الله ورسوله أحسن من تأويلكم ، ذكره الزجاج .
ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا

قوله تعالى: ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا في سبب نزولها: أربعة أقوال .

أحدها: أنها نزلت في رجل من المنافقين كان بينه وبين يهودي خصومة ، فقال اليهودي: انطلق بنا إلى محمد ، وقال المنافق: بل إلى كعب بن الأشرف ، فأبى اليهودي ، فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم ، فقضى لليهودي ، فلما خرجا ، قال المنافق: ننطلق إلى عمر بن الخطاب ، فأقبلا إليه ، فقصا عليه القصة ، فقال: رويدا حتى أخرج إليكما ، فدخل البيت ، فاشتمل على السيف ، ثم خرج ، فضرب به المنافق [ ص: 119 ] حتى برد ، وقال: هكذا أقضي بين من لم يرض بقضاء الله ورسوله ، فنزلت هذه الآية . رواه أبو صالح ، عن ابن عباس .

والثاني: أن أبا بردة الأسلمي كان كاهنا يقضي بين اليهود ، فتنافر إليه ناس من المسلمين ، فنزلت هذه الآي ، رواه عكرمة ، عن ابن عباس .

والثالث: أن يهوديا ومنافقا كانت بينهما خصومة ، فدعا اليهودي المنافق إلى النبي ، لأنه لا يأخذ الرشوة ، ودعا المنافق إلى حكامهم ، لأنهم يأخذون الرشوة ، فلما اختلفا ، اجتمعا أن يحكما كاهنا ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول الشعبي .

والرابع: أن رجلا من بني النضير قتل رجلا من بني قريظة ، فاختصموا ، فقال المنافقون منهم: انطلقوا إلى أبي بردة الكاهن ، فقال المسلمون من الفريقين: [ ص: 120 ] بل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأبى المنافقون ، فانطلقوا إلى الكاهن ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول السدي .

والزعم والزعم لغتان ، وأكثر ما يستعمل في قول ما لا تتحقق صحته ، وفي ( الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليه وما أنزل من قبله ) قولان . أحدهما: أنه المنافق . والثاني: أن الذي زعم أنه آمن بما أنزل إليه المنافق ، والذي زعم أنه آمن بما أنزل من قبله اليهودي . والطاغوت: كعب بن الأشرف ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك ، والربيع ، ومقاتل .

قوله تعالى: وقد أمروا أن يكفروا به قال مقاتل: أن يتبرؤوا من الكهنة ، و"الضلال البعيد": الطويل .
وإذا قيل لهم: تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا

قوله تعالى: وإذا قيل لهم: تعالوا إلى ما أنزل الله قال مجاهد: هذه الآية والتي قبلها نزلتا في خصومة اليهودي ، والمنافق ، والهاء والميم في "لهم" إشارة إلى الذين يزعمون و "الذي أنزل الله": أحكام القرآن . و "إلى الرسول" أي: إلى حكمه .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #127  
قديم 21-03-2022, 04:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,693
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ النِّسَاءِ
الحلقة (127)
صــ121 إلى صــ 125



فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا

قوله تعالى: فكيف إذا أصابتهم مصيبة أي: كيف يصنعون ويحتالون إذا أصابتهم عقوبة من الله؟ وفي المراد بالمصيبة قولان . أحدهما: أنه تهديد [ ص: 121 ] ووعيد . والثاني: أنه قتل المنافق الذي قتله عمر . وفي الذي قدمت أيديهم ثلاثة أقوال . أحدها: نفاقهم واستهزاؤهم . والثاني: ردهم حكم النبي صلى الله عليه وسلم . والثالث: معاصيهم المتقدمة .

قوله تعالى: إن أردنا بمعنى: ما أردنا .

قوله تعالى: إلا إحسانا وتوفيقا فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه لما قتل عمر صاحبهم ، جاؤوا يطلبون بدمه ، ويحلفون ما أردنا بالمطالبة بدمه إلا إحسانا إلينا ، وما يوافق الحق في أمرنا .

والثاني: ما أردنا بالترافع إلى عمر إلا إحسانا وتوفيقا .

والثالث: أنهم جاؤوا يعتذرون إلى النبي صلى الله عليه وسلم من محاكمتهم إلى غيره ، ويقولون: ما أردنا في عدولنا عنك إلا إحسانا بالتقريب في الحكم ، وتوفيقا بين الخصوم دون الحمل على مر الحق .
أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا

قوله تعالى: أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم أي: من النفاق والزيغ . [ ص: 122 ] وقال ابن عباس : إضمارهم خلاف ما يقولون فأعرض عنهم ولا تعاقبهم وعظهم بلسانك وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا أي: تقدم إليهم: إن فعلتم الثانية ، عاقبتكم . وقال الزجاج : يقال: بلغ الرجل يبلغ بلاغة فهو بليغ: إذا كان يبلغ بعبارة لسانه كنه ما في قلبه .

وقد تكلم العلماء في حد "البلاغة" فقال بعضهم: "البلاغة": إيصال المعنى إلى القلب في أحسن صورة من اللفظ ، وقيل: "البلاغة": حسن العبارة مع صحة المعنى ، وقيل: "البلاغة": الإيجاز مع الإفهام ، والتصرف من غير إضجار .

قال خالد بن صفوان: أحسن الكلام ما قلت الفاظه ، وكثرت معانيه ، وخير الكلام ما شوق أوله إلى سماع آخره ، وقال غيره: إنما يستحق الكلام اسم البلاغة إذا سابق لفظه معناه ، ومعناه لفظه ، ولم يكن لفظه إلى سمعك أسبق من معناه إلى قلبك .

فصل

وقد ذهب قوم إلى أن "الإعراض" المذكور في هذه الآية منسوخ بآية السيف .
وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما

قوله تعالى: وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع قال الزجاج : "من" دخلت للتوكيد . والمعنى: وما أرسلنا رسولا إلا ليطاع . وفي قوله بإذن الله قولان . أحدهما: أنه بمعنى: الأمر ، قاله ابن عباس . والثاني: أنه الأذن نفسه ، قاله مجاهد . وقال الزجاج : المعنى: إلا ليطاع بأن الله أذن له في ذلك .

[ ص: 123 ] وقوله تعالى: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم يرجع إلى المتحاكمين اللذين سبق ذكرهما . قال ابن عباس : ظلموا أنفسهم بسخطهم قضاء الرسول "جاءوك فاستغفروا الله" من صنيعهم .
فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما

قوله تعالى: فلا وربك لا يؤمنون في سبب نزولها قولان .

أحدهما: أنها نزلت في خصومة كانت بين الزبير وبين رجل من الأنصار في شراج الحرة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للزبير: "اسق ثم أرسل إلى جارك" فغضب الأنصاري ، قال: يا رسول الله: إن كان ابن عمتك! فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال للزبير: "اسق يا زبير ، ثم احبس الماء حتى يبلغ الجدر" قال الزبير: فوالله ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في ذلك . أخرجه البخاري ، ومسلم .

[ ص: 124 ] والثاني: أنها نزلت في المنافق ، واليهودي اللذين تحاكما إلى كعب بن الأشرف ، وقد سبقت قصتهما ، قاله مجاهد .

قوله تعالى: فلا وربك لا يؤمنون أي: لا يكونون مؤمنين حتى يحكموك ، وقيل: "لا" رد لزعمهم أنهم مؤمنون ، والمعنى: فلا ، أي: ليس الأمر كما يزعمون أنهم آمنوا ، وهم يخالفون حكمك ، ثم استأنف ، فقال: وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ، أي: فيما اختلفوا فيه .

وفي "الحرج" قولان . أحدهما: أنه الشك ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والسدي في آخرين . والثاني: الضيق ، قاله أبو عبيدة ، والزجاج . وفي قوله ويسلموا تسليما قولان . أحدهما: يسلموا لما أمرتهم به ، فلا يعارضونك ، هذا قول ابن عباس ، والزجاج ، والجمهور . والثاني: يسلموا ما تنازعوا فيه لحكمك ، ذكره الماوردي .
ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون [ ص: 125 ] به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما ولهديناهم صراطا مستقيما

قوله تعالى: ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم سبب نزولها: أن رجلا من اليهود قال: والله لقد كتب الله علينا أن اقتلوا أنفسكم ، فقتلناها . فقال ثابت بن قيس بن الشماس: والله لو كتب الله علينا ذلك لفعلنا ، فنزلت هذه الآية . هذا قول السدي . قال الزجاج : "لو" يمتنع به الشيء لامتناع غيره ، تقول: لو جاءني زيد لجئته . والمعنى: أن مجيئك امتنع لامتناع مجيئه ، و"كتبنا" بمعنى: فرضنا . والمعنى: لو أنا فرضنا على المؤمنين بك أن اقتلوا أنفسكم . قرأ أبو عمرو: أن اقتلوا أنفسكم ، بكسر النون ، أو اخرجوا بضم الواو . وقرأ ابن عامر ، وابن كثير ، ونافع ، والكسائي: أن اقتلوا أو اخرجوا بضم النون والواو . وقرأ عاصم ، وحمزة بكسرهما ، والمعنى: لو فرضنا عليهم كما فرضنا على قوم موسى ، لم يفعله إلا قليل منهم ، هذه قراءة الجمهور . وقرأ ابن عامر: إلا قليلا بالنصب . (ولو أنهم) يعني: المنافقين الذين يزعمون أنهم آمنوا ، وهم يتحاكمون إلى الطاغوت ، ويصدون عنك (فعلوا ما يوعظون) به أي: ما يذكرون به من طاعة الله ، والوقوف مع أمره ، (لكان خيرا لهم) وأثبت لأمورهم ، وقال السدي: (وأشد تثبيتا) أي: تصديقا .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #128  
قديم 21-03-2022, 04:35 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,693
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ النِّسَاءِ
الحلقة (128)
صــ126 إلى صــ 130



ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما

قوله تعالى: ومن يطع الله والرسول في سبب نزولها ثلاثة أقوال .

[ ص: 126 ] أحدها: أن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان شديد المحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرآه رسول الله يوما فعرف الحزن في وجهه ، فقال: يا ثوبان ما غير وجهك؟ قال: ما بي من وجع غير أني إذا لم أرك اشتقت إليك ، فأذكر الآخرة ، فأخاف أن لا أراك هناك ، فنزلت هذه الآية . رواه أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني: أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا له: ما ينبغي أن نفارقك في الدنيا ، فإنك إذا فارقتنا رفعت فوقنا ، فنزلت هذه الآية . هذا قول مسروق .

والثالث: أن رجلا من الأنصار جاء إلى النبي وهو محزون ، فقال: مالي أراك محزونا؟ فقال: يا رسول الله غدا ترفع مع الأنبياء ، فلا نصل إليك . فنزلت هذه الآية . هذا قول سعيد بن جبير . قال ابن عباس : ومن يطع الله في الفرائض ، والرسول في السنن . قال ابن قتيبة: والصديق: الكثير الصدق ، كما يقال: فسيق ، وسكير ، وشريب ، وخمير ، وسكيت ، وفجير ، وعشيق ، [ ص: 127 ] وضليل ، وظليم: إذا كثر منه ذلك . ولا يقال ذلك لمن فعل الشيء مرة ، أو مرتين حتى يكثر منه ذلك ، أو يكون عادة . فأما الشهداء ، فجمع شهيد وهو القتيل في سبيل الله .

وفي تسميته بالشهيد خمسة أقوال . أحدها: لأن الله تعالى وملائكته شهدوا له بالجنة ، قاله ثعلب . والثاني: لأن ملائكة الرحمة تشهده . والثالث: لسقوطه بالأرض ، والأرض: هي الشاهدة ، ذكر القولين ابن فارس اللغوي . والرابع: لقيامه بشهادة الحق في أمر الله حتى قتل ، قاله أبو سليمان الدمشقي . والخامس: لأنه يشهد ما أعد الله له من الكرامة بالقتل ، قاله شيخنا علي بن عبيد الله .

فأما الصالحون ، فهم اسم لكل من صلحت سريرته وعلانيته ، والجمهور على أن النبيين ، والصديقين ، والشهداء ، والصالحين عام في جميع من هذه صفته .

[ ص: 128 ] وقال عكرمة: المراد بالنبيين هاهنا: محمد ، والصديقين أبو بكر ، وبالشهداء عمر وعثمان وعلي ، وبالصالحين سائر الصحابة .

قوله تعالى: وحسن أولئك رفيقا قال الزجاج : "رفيقا" منصوب على التمييز ، وهو ينوب عن رفقاء . قال الشاعر:


بها جيف الحسرى فأما عظامها فبيض وأما جلدها فصليب


وقال آخر:

في
حلقكم عظم وقد شجينا يريد في حلوقكم عظام


"ذلك الفضل" الذي أعطى المذكورين "من الله وكفى بالله عليما" بالمقاصد والنيات .
[ ص: 129 ] يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا

قوله تعالى: خذوا حذركم فيه قولان . أحدهما: احذروا عدوكم .

والثاني: خذوا سلاحكم .

قوله تعالى: فانفروا ثبات قال ابن قتيبة: أي: جماعات ، واحدتها: ثبة ، يريد جماعة بعد جماعة وقال الزجاج : "الثبات": الجماعات المتفرقة .

قال زهير:


وقد أغدوا على ثبة كرام نشاوى واجدين لما نشاء


قال ابن عباس : فانفروا ثبات ، أي: عصبا ، سرايا متفرقين ، أو انفروا [جميعا يعني] كلكم .

فصل

وقد نقل عن ابن عباس أن هذه الآية وقوله انفروا خفافا وثقالا [التوبة: 41] [ ص: 130 ] وقوله إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما [التوبة: 39] منسوخات بقوله وما كان المؤمنون لينفروا كافة [التوبة: 122] قال أبو سليمان الدمشقي: والأمر في ذلك بحسب ما يراه الإمام ، وليس في هذا من المنسوخ شيء .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #129  
قديم 21-03-2022, 04:35 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,693
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ النِّسَاءِ
الحلقة (129)
صــ131 إلى صــ 135



وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما

قوله تعالى: وإن منكم لمن ليبطئن اختلفوا فيمن نزلت على قولين .

أحدهما: أنها في المنافقين ، كعبد الله بن أبي ، وأصحابه كانوا يتثاقلون عن الجهاد ، فإن لقيت السرية نكبة ، قال من أبطأ منهم: لقد أنعم الله علي ، وإن لقوا غنيمة ، قال: يا ليتني كنت معهم . هذا قول ابن عباس ، وابن جريج .

والثاني: أنها نزلت في المسلمين الذين قلت علومهم بأحكام الدين ، فتثبطوا لقلة العلم ، لا لضعف الدين ، ذكره الماوردي ، وغيره . فعلى الأول تكون إضافتهم إلى المؤمنين بقوله "منكم" لموضع نطقهم بالإسلام ، وجريان أحكامه عليهم ، وعلى الثاني تكون الإضافة حقيقة ، قال ابن جرير: اللام في "لمن" لام تأكيد .

قال الزجاج : واللام في "ليبطئن" لام القسم ، كقولك: إن منكم لمن أحلف بالله ليبطئن ، يقال: "أبطأ الرجل" و "بطؤ" . فمعنى "أبطأ": تأخر ، ومعنى "بطؤ": ثقل . وقرأ أبو جعفر: "ليبطئن" بتخفيف الهمزة ، وفي معنى "ليبطئن" قولان . أحدهما: ليبطئن هو بنفسه ، وهو قول ابن عباس . والثاني: ليبطئن غيره ، قاله ابن جريج . قال ابن عباس : و "المصيبة": النكبة . و "الفضل من الله": الفتح والغنيمة .

[ ص: 131 ] قوله تعالى: ( كأن لم يكن بينكم وبينه مودة ) قرأ ابن كثير ، وحفص ، والمفضل ، عن عاصم: كأن لم تكن بالتاء ، لأن الفاعل المسند إليه مؤنث في اللفظ وقرأ نافع ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر ، عن عاصم: يكن بالياء ، لأن التأنيث ليس بحقيقي . قال الزجاج : يجوز أن يكون المعنى: ليقولن يا ليتني كنت معهم ، كأن لم يكن بينكم وبينه مودة ، أي: كأنه لم يعاقدكم على أن يجاهد معكم ، ويجوز أن يكون هذا الكلام معترضا به ، فيكون المعنى: ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن يا ليتني كنت معهم فإن أصابتكم مصيبة ، قال: قد أنعم الله علي ، كأن لم يكن بينكم وبينه مودة . فيكون معنى "المودة" أي: كأنه لم يعاقدكم على الإيمان .
فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما

قوله تعالى: الذين يشرون الحياة الدنيا يشرون هاهنا: بمعنى: يبتغون في قول الجماعة . وأنشدوا


وشريت بردا ليتني من بعد برد كنت هامة


[ ص: 132 ] و "برد": غلام له باعه . ومعنى الآية: ليكن قتال المقاتلين على وجه الإخلاص ، وطلب الآخرة .

قوله تعالى: فيقتل أو يغلب خرج مخرج الغالب ، وقد يثاب من لم يغلب ولم يقتل .
وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا

قوله تعالى: والمستضعفين من الرجال قال الفراء: تقديره: وفي المستضعفين . وكذلك روي عن ابن عباس . وقال الزجاج : المستضعفون في موضع خفض ، والمعنى: في سبيل الله ، وسبيل المستضعفين ، أي: ما لكم لا تسعون في خلاص هؤلاء؟ قال ابن عباس : وهم ناس مسلمون كانوا بمكة لا يستطيعون أن يخرجوا . و "القرية": مكة في قول الجماعة . قال الفراء: وإنما خفض "الظالم" لأنه نعت للأهل ، فلما عاد الأهل على القرية كان فعل ما أضيف إليها بمنزلة فعلها ، تقول: مررت بالرجل الواسعة داره .

[ ص: 133 ] قوله تعالى: واجعل لنا من لدنك وليا قال أبو سليمان: سألوا الله وليا من عنده يلي إخراجهم منها ، ونصيرا يمنعهم من المشركين . قال ابن عباس : فلما فتح رسول الله مكة ، جعل الله عز وجل النبي عليه السلام وليهم ، واستعمل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد ، فكان نصيرا لهم ، ينصف الضعيف من القوي .
الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا

قوله تعالى: يقاتلون في سبيل الطاغوت الطاغوت هاهنا: الشيطان . وقال أبو عبيدة: الطاغوت هاهنا: في معنى جماعة ، كقوله "ولحم الخنزير" معناه: ولحم الخنازير .

قوله تعالى: إن كيد الشيطان يعني: مكره وصنيعه (كان ضعيفا) حيث خذل أصحابه يوم بدر .
ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا

[ ص: 134 ] قوله تعالى: ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم اختلفوا فيمن نزلت على قولين .

أحدهما: أنها نزلت في نفر من المهاجرين ، كانوا يحبون أن يؤذن لهم في قتال المشركين وهم بمكة قبل أن يفرض القتال ، فنهوا عن ذلك ، فلما أذن لهم فيه ، كرهه بعضهم . روى هذا المعنى أبو صالح ، عن ابن عباس ، وهو قول قتادة ، والسدي ، ومقاتل .

والثاني: أنها نزلت واصفة أحوال قوم كانوا في الزمان المتقدم ، فحذرت هذه الأمة من مثل حالهم ، روى هذا المعنى عطية ، عن ابن عباس . قال أبو سليمان الدمشقي: كأنه يومئ إلى قصة الذين قالوا: ابعث لنا ملكا . وقال مجاهد: هي في اليهود .

فأما كف اليد ، فالمراد به: الامتناع عن القتال ، ذلك كان بمكة ، و"كتب" بمعنى: فرض ، وذلك بالمدينة ، هذا على القول الأول .

قوله تعالى: إذا فريق منهم في هذا الفريق ثلاثة أقوال .

أحدها: أنهم المنافقون . والثاني: أنهم كانوا مؤمنين ، فلما فرض القتال ، نافقوا جبنا وخوفا . والثالث: أنهم مؤمنون غير أن طبائعهم غلبتهم ، فنفرت [ ص: 135 ] نفوسهم عن القتال .

قوله يخشون الناس في المراد بالناس قولان . أحدهما: كفار مكة . والثاني: جميع الكفار .

قوله تعالى: أو أشد خشية قيل: إن "أو" بمعنى: الواو ، و "كتبت" بمعنى: فرضت . و "لولا" بمعنى: "هلا" . قال الفراء: إذا لم تر بعدها اسما ، فهي استفهام ، بمعنى: هلا ، وإذا رأيت بعدها اسما مرفوعا ، فهي التي جوابها اللام ، تقول: لولا عبد الله لضربتك . وقال ابن قتيبة: إذا رأيتها بغير جواب ، فهي بمعنى: "هلا" تقول: لولا فعلت كذا ، ومثلها "لولا" فإذا رأيت لـ "لولا" جوابا ، فليست بمعنى: "هلا إنما هي التي تكون لأمر يقع بوقوع غيره ، كقوله فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه [الصافات: 143] قلت: فأما "لولا" التي لها جواب فكثيرة في الكلام ، وأنشدوا في ذلك:


لولا الحياء وأن رأسي قد عثا فيه المشيب لزرت أم القاسم


وأما التي بمعنى: "هلا" فأنشدوا منها:

[ ص: 136 ]
تعدون عقر النبيب أفضل مجدكم بني ضوطرى لولا الكمي المقنعا



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #130  
قديم 21-03-2022, 04:36 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,693
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ النِّسَاءِ
الحلقة (130)
صــ136 إلى صــ 140


وأما التي بمعنى: "هلا" فأنشدوا منها:

[ ص: 136 ]
تعدون عقر النبيب أفضل مجدكم بني ضوطرى لولا الكمي المقنعا


أراد: فهلا تعدون الكمي ، والكمي: الداخل في السلاح .

وفي الأجل القريب قولان .

أحدهما: أنه الموت ، فكأنهم قالوا: هلا تركتنا نموت موتا ، وعافيتنا من القتل هذا قول السدي ، ومقاتل .

والثاني: أنه إمهال زمان ، فكأنهم قالوا: هلا أخرت فرض الجهاد عنا قليلا حتى نكثر ونقوى ، قاله أبو سليمان الدمشقي في آخرين .

قوله تعالى: قل متاع الدنيا قليل أي: مدة الحياة فيها قليلة .

قوله تعالى: ولا تظلمون فتيلا قرأ ابن كثير ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي: ولا يظلمون بالياء . وقرأ نافع ، وأبو عمرو ، وعاصم: بالتاء ، وقد سبق ذكر المتاع والفتيل .
[ ص: 137 ] أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا

قوله تعالى: أينما تكونوا يدرككم الموت سبب نزولها: أن المنافقين قالوا: في حق شهداء أحد ، لو كانوا عندنا ما ماتوا ، وما قتلوا ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول ابن عباس ، ومقاتل ، والبروج: الحصون ، قاله ابن عباس ، وابن قتيبة . وفي "المشيدة" خمسة أقوال .

أحدها: أنها الحصينة ، قاله ابن عباس ، وقتادة . والثاني: المطولة ، قاله أبو مالك ، ومقاتل ، وابن قتيبة . والثالث: المجصصة ، قاله هلال بن خباب ، واليزيدي . والرابع: أنها المبنية بالشيد ، وهو الجص ، قاله أبو سليمان الدمشقي . والخامس: أنها بروج في السماء ، قاله الربيع بن أنس ، والثوري . وقال السدي: هي قصور بيض في السماء مبنية .

قوله تعالى: وإن تصبهم اختلفوا فيهم على ثلاثة أقوال . أحدها: أنهم المنافقون واليهود ، قاله ابن عباس . والثاني: المنافقون ، قاله الحسن . والثالث: اليهود ، قاله ابن السري .

وفي الحسنة والسيئة قولان .

أحدهما: أن الحسنة: الخصب ، والمطر . والسيئة: الجدب ، والغلاء ، رواه أبو صالح ، عن ابن عباس .

[ ص: 138 ] والثاني: أن الحسنة: الفتح والغنيمة . والسيئة: الهزيمة والجراح ، ونحو ذلك ، رواه ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس . وفي قوله تعالى: من عندك قولان .

أحدهما: بشؤمك ، قاله ابن عباس . والثاني: بسوء تدبيرك ، قاله ابن زيد .

قوله تعالى: قل كل من عند الله قال ابن عباس : الحسنة والسيئة ، أما الحسنة ، فأنعم بها عليك ، وأما السيئة ، فابتلاك بها ،

قوله تعالى: فمال هؤلاء القوم وقف أبو عمرو ، والكسائي على الألف من "فما" في قوله: فمال هؤلاء القوم و مال هذا الكتاب و مال هذا الرسول و فمال الذين كفروا والباقون وقفوا على اللام . فأما "الحديث" ، فقيل: هو القرآن ، فكأنه قال: لا يفقهون القرآن ، فيؤمنون به ، ويعلمون أن الكل من عند الله .
ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا

قوله تعالى: ما أصابك من حسنة فمن الله في المخاطب بهذا الكلام ثلاثة أقوال . أحدها: أنه عام ، فتقديره: ما أصابك أيها الإنسان ، قاله قتادة . والثاني: أنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، والمراد به غيره ، ذكره الماوردي . وقال ابن الأنباري: ما أصابك الله من حسنة ، وما أصابك الله به من سيئة ، فالفعلان يرجعان إلى الله عز وجل . وفي "الحسنة" و "السيئة" ثلاثة أقوال . أحدها: أن الحسنة: ما فتح عليه يوم بدر ، والسيئة: ما أصابه يوم أحد ، رواه ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس . والثاني: الحسنة: الطاعة ، والسيئة ، المعصية ، [ ص: 139 ] قاله أبو العالية . والثالث: الحسنة: النعمة ، والسيئة: البلية ، قاله ابن قتيبة ، وعن أبي العالية نحوه ، وهو أصح ، لأن الآية عامة . وروى كرداب ، عن يعقوب: ما أصابك من حسنة فمن الله بتشديد النون ، ورفعها ، ونصب الميم ، وخفض اسم "الله" وما أصابك من سيئة فمن نفسك بنصب الميم ، ورفع السين .

و قرأ ابن عباس: وما أصابك من سيئة فمن نفسك بنصب الميم ، و رفع السين .

قوله تعالى: فمن نفسك أي: فبذنبك ، قاله الحسن ، وقتادة ، والجماعة . وذكر فيه ابن الأنباري وجها آخر ، فقال: المعنى: أفمن نفسك فأضمرت ألف الاستفهام ، كما أضمرت في قوله وتلك نعمة أي: أو تلك نعمة .

قوله تعالى: وأرسلناك للناس رسولا قال الزجاج : ذكر الرسول مؤكد لقوله: (وأرسلناك) والباء في "بالله" مؤكدة . والمعنى: وكفى بالله شهيدا .

[ ص: 140 ] و "شهيدا": منصوب على التمييز ، لأنك إذا قلت: كفى بالله ، ولم تبين في أي شيء الكفاية كنت مبهما .

وفي المراد بشهادة الله هاهنا: ثلاثة أقوال . أحدها: شهيدا لك بأنك رسوله ، قاله مقاتل . والثاني: على مقالتهم ، قاله ابن السائب . والثالث: لك بالبلاغ ، وعليهم بالتكذيب والنفاق ، قاله أبو سليمان الدمشقي . فإن قيل: كيف عاب الله هؤلاء حين قالوا: إن الحسنة من عند الله ، والسيئة من عند النبي عليه السلام ، ورد عليهم بقوله: (قل كل من عند الله) ثم عاد ، فقال: (ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك) فهل قال القوم إلا هكذا؟ فعنه جوابان .

أحدهما: أنهم أضافوا السيئة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشاؤما به ، فرد عليهم ، فقال: كل بتقدير الله . ثم قال: ما أصابك من حسنة ، فمن الله ، أي: من فضله ، وما أصابك من سيئة ، فبذنبك ، وإن كان الكل من الله تقديرا .

والثاني: أن جماعة من أرباب المعاني قالوا: في الكلام محذوف مقدر ، تقديره: فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ، يقولون: ما أصابك من حسنة ، فمن الله ، وما أصابك من سيئة ، فمن نفسك ، فيكون هذا من قولهم . والمحذوف المقدر في القرآن كثير ، ومنه قوله: ربنا تقبل منا [البقرة: 127] أي: يقولان: ربنا . ومثله أو به أذى من رأسه ففدية [البقرة: 196] أي: فحلق ، ففدية . ومثله فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم [آل عمران: 106] أي: فيقال لهم . ومثله والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم [الرعد: 23 ، 24] أي: يقولون سلام . ومثله أو كلم به الموتى بل لله الأمر [الرعد: 31] أراد: لكان هذا القرآن . ومثله ولولا فضل الله عليكم ورحمته [ ص: 141 ] وأن الله رءوف رحيم [النور: 20] أراد: لعذبكم . ومثله ربنا أبصرنا وسمعنا [السجدة: 12] أي: يقولون . وقال النمر بن تولب


فإن المنية من يخشها فسوف تصادفه أينما


أراد: أينما ذهب . وقال غيره:


فأقسم لو شيء أتانا رسوله سواك ولكن لم نجد لك مدفعا


أراد: لرددناه .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 279.80 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 273.95 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (2.09%)]