تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد - الصفحة 141 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         ‏‪العقل في معاجم العرب: ميزان الفكر وقيد الهوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          كيف نتعامل مع الفوضى في المسجد؟؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          شكر الله بعد كل عبادة، عبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          الفتن والاختبارات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          الأرض المقدسة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          سعة الأفق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          الانشغال بما خلقنا له (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          الألفة والمحبّة بين المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          التغيير بيدك أولا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          حديث: الذي تفوته صلاة العصر، كأنما وتر أهله وماله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1401  
قديم 27-07-2025, 10:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,290
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الفجر
الحلقة (1401)
صــ 391 الى صــ400





وقوله: (إِلا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ) يتوجَّه لوجهين: أحدهما: فذكر قومك يا محمد، إلا من تولى منهم عنك، وأعرض عن آيات الله فكفر، فيكون قوله "إلا" استثناء من الذين كان التذكير عليهم، وإن لم يذكروا، كما يقال: مضى فلان، فدعا إلا من لا تُرْجَى إجابته، بمعنى: فدعا الناس إلا من لا ترجى إجابته. والوجه الثاني: أن يجعل قوله: (إِلا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ) منقطعا عما قبله، فيكون معنى الكلام حينئذ لست عليهم بمسيطر، إلا من تولى وكفر، يعذّبه الله، وكذلك الاستثناء المنقطع يمتحن بأن يحسن معه إنّ، فإذا حسنت معه كان منقطعا، وإذا لم تحسن كان استثناء متصلا صحيحا، كقول القائل: سار القوم إلا زيدا، ولا يصلح دخول إن هاهنا لأنه استثناء صحيح.
وقوله: (فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأكْبَرَ) : هو عذاب جهنم، يقول: فيعذبه الله العذاب الأكبر على كفره في الدنيا، وعذاب جهنم في الآخرة.
وقوله: (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ) يقول: إن إلينا رجوع من كفر ومعادهم (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ) يقول: ثم إن على الله حسابه، وهو يجازيه بما سلف منه من معصية ربه، يُعْلِمُ بذلك نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم أنه المتولي عقوبته دونه، وهو المجازي والمعاقب، وأنه الذي إليه التذكير وتبليغ الرسالة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (إِلا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ) قال: حسابه على الله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ) يقول: إن إلى الله الإياب وعليه الحساب.
آخر تفسير سورة الغاشية




تفسير سورة الفجر




بسم الله الرحمن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى: {وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِي (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5) } .
هذا قسم، أقسم ربنا جلّ ثناؤه بالفجر، وهو فجر الصبح.
واختلف أهل التأويل في الذي عُنِي بذلك، فقال بعضهم: عُنِي به النهار.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الأغرّ المِنقريّ، عن خليفة بن الحصين، عن أبي نصر، عن ابن عباس، قوله: (وَالْفَجْرِ) قال: النهار.
وقال آخرون: عُنِيَ به صلاة الصبح.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَالْفَجْرِ) يعني: صلاة الفجر.
وقال آخرون: هو فجر الصبح.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، قال: أخبرنا عاصم الأحول، عن عكرِمة، في قوله: (وَالْفَجْرِ) قول: الفجر: فجر الصبح.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عمر بن قيس، عن محمد بن المرتفع، عن عبد الله بن الزبير أنه قال: (وَالْفَجْرِ) قال: الفجر: قسم أقسم الله به.
وقوله: (وَلَيَالٍ عَشْرٍ) اختلف أهل التأويل في هذه الليالي العشر أيّ ليال هي،
فقال بعضهم: هي ليالي عشر ذي الحجة.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عديّ، وعبد الوهاب ومحمد بن جعفر، عن عوف، عن زرارة، عن ابن عباس، قال: إن الليالي العشر التي أقسم الله بها، هي ليالي العشر الأول من ذي الحجة.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (وَلَيَالٍ عَشْرٍ) : عشر الأضحى؛ قال: ويقال: العشر: أولَ السنة من المحرم.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وَهب، قال: أخبرني عمر بن قيس، عن محمد بن المرتفع، عن عبد الله بن الزبير (وَلَيَالٍ عَشْرٍ) أوّل ذي الحجة إلى يوم النحر.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، قال: أخبرنا عوف، قال: ثنا زرارة بن أوفى، قال: قال ابن عباس: إن الليالي العشر اللاتي أقسم الله بهنّ: هن الليالي الأوَل من ذي الحجة.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مسروق (وَلَيَالٍ عَشْرٍ) قال: عشر ذي الحجة، وهي التي وعد الله موسى صلى الله عليه وسلم.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، قال: أخبرنا عاصم الأحول، عن عكرِمة (وَلَيَالٍ عَشْرٍ) قال: عشر ذي الحجة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الأغرّ المنقريّ، عن خليفة بن حصين، عن أبي نصر، عن ابن عباس (وَلَيَالٍ عَشْرٍ) قال: عشر الأضحى.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (وَلَيَالٍ عَشْرٍ) قال: عشر ذي الحجة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَلَيَالٍ عَشْرٍ) قال: كنا نحدَّث أنها عشر الأضحى.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثَور، عن معمر، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، قال: ليس عمل في ليال من ليالي السنة أفضل منه في ليالي العشر، وهي
عشر موسى التي أتمَّها الله له.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن أبى إسحاق، عن مسروق، قال: ليال العشر، قال: هي أفضل أيام السنة.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وَلَيَالٍ عَشْرٍ) يعني: عشر الأضحى.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَلَيَالٍ عَشْرٍ) قال: أوّل ذي الحجة؛ وقال: هي عشر المحرّم من أوّله.
والصواب من القول في ذلك عندنا: أنها عشر الأضحى لإجماع الحجة من أهل التأويل عليه، وأن عبد الله بن أبي زياد القَطْوانيّ، حدثني قال: ثني زيد بن حباب، قال: أخبرني عياش بن عقبة، قال: ثني جُبير بن نعيم، عن أبي الزبير، عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "(وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ) قال: عَشْرُ الأضْحَى" .
وقوله: (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِي هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ) اختلف أهل التأويل في الذي عُنِيَ به من الوتر بقوله: (والْوَتْرِ) فقال بعضهم: الشفع: يوم النحر، والوتر: يوم عرفة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عديّ وعبد الوهاب ومحمد بن جعفر، عن عوف، عن زرارة بن أوفى، عن ابن عباس، قال: الوتر: يوم عرفة، والشفع: يوم الذبح.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، قال: أخبرنا عوف، قال: ثنا زرارة بن أوفى، قال: قال ابن عباس: الشفع: يوم النحر، والوَتر: يوم عرفة.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عفان بن مسلم، قال: ثنا همام، عن قتادة، قال: قال عكرِمة، عن ابن عباس: الشفع: يوم النحر، والوَتر: يوم عرفة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد الله، عن عكرِمة (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) قال: الشفع: يوم النحر، والوتر: يوم عرفة.
وحدثنا به مرّة أخرى، فقال: الشفع: أيام النحر، وسائر الحديث مثله.
حدثني يعقوب: قال: ثنا ابن عُلَية، قال: أخبرنا عاصم الأحول، عن عكرِمة في قوله: (والشَّفْعِ) قال: يوم النحر (والْوَتْرِ) قال: يوم عرفة.
حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن عكرِمة، قال: الشفع: يوم النحر، والوتر: يوم عرفة.
قال: ثنا مهران، عن أبي سنان، عن الضحاك (وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) قال: أقسم الله بهنّ لما يعلم من فضلهنّ على سائر الأيام، وخير هذين اليومين لما يُعلَم من فضلهما على سائر هذه الليالي (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) قال: الشفع: يوم النحر، والوَتر: يوم عرفة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: كان عكرِمة يقول: الشفع: يوم الأضحى، والوتر: يوم عرفة.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: قال عكرِمة: عرفة وَتْر، والنحر شفع، عرفة يوم التاسع، والنحر يوم العاشر.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (والشَّفْعِ) يوم النحر (والْوَتْرِ) يوم عرفة.
وقال آخرون: الشفع: اليومان بعد يوم النحر، والوَتر: اليوم الثالث.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: في قوله: (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) قال: الشفع: يومان بعد يوم النحر، والوتر: يوم النَّفْر الآخرِ، يقول الله: (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) .
وقال آخرون: الشفع: الخلق كله، والوتر: الله.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) قال: الله وتر، وأنتم شفع، ويقال: الشفع: صلاة الغداة، والوتر صلاة المغرب.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) قال: كلّ خلق الله شفع، السماء والأرض والبرّ والبحر والجنّ والإنس والشمس والقمر، والله الوَتر وحده.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، قال: أخبرنا ابن جُريج، قال: قال
مجاهد، في قوله: (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ) قال: الكفر والإيمان، والسعادة والشقاوة، والهدى والضلالة، والليل والنهار، والسماء والأرض، والجنّ والإنس، والوَتْر: الله؛ قال: وقال في الشفع والوتر مثل ذلك.
حدثني عبد الأعلى بن واصل، قال: ثنا محمد بن عبيد، قال: ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، في قوله: (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) قال: خلق الله من كل شيء زوجين، والله وَتْر واحد صَمَد.
حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) قال: الشفع: الزوج، والوتر: الله.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) قال: الوتر: الله، وما خلق الله من شيء فهو شفع.
وقال آخرون: عُنِيَ بذلك الخلق، وذلك أن الخلق كله شفع ووتر.
قال: ثنا ابن ثور، عن مَعْمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) قال: الخلق كله شفع ووتر، وأقسم بالخلق.
قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: قال الحسن في ذلك: الخلق كله شفع (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) قال: كان أبي يقول: كلّ شيء خلق الله شفع ووتر، فأقسم بما خلق، وأقسم بما تبصرون وبما لا تبصرون.
وقال آخرون: بل ذلك: الصلاة المكتوبة، منها الشفع كصلاة الفجر والظهر، ومنها الوتر كصلاة المغرب.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قال: كان عمران بن حصين يقول: (الشَّفْعِ والْوَتْرِ) : الصلاة.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) قال عمران: هي الصلاة المكتوبة فيها الشفع والوتر.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) قال: ذلك صلاة المغرب، الشفع: الركعتان، والوتر: الركعة الثالثة، وقد رفع حديث عمران بن حصين بعضهم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا نصر بن عليّ، قال: ثني أبي، قال: ثني خالد بن قيس، عن قتادة، عن عمران بن عصام، عن عمران بن حصين، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم - في الشفع والوتر - قال: "هيَ الصَّلاةُ مِنْها شَفْعٌ، وَمِنْها وَتْرٌ" .
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عفان بن مسلم قال: ثنا همام، عن قتادة، أنه سُئل عن الشفع والوتر، فقال: أخبرني عمران بن عصام الضُّبعي، عن شيخ من أهل البصرة، عن عمران بن حصين، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: "هيَ الصَّلاةُ مِنْها شَفْعٌ، وَمنها وَتْرٌ" .
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا همام بن يحيى، عن عمران بن عصام، عن شيخ من أهل البصرة، عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في هذه الآية (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) قال: "هيَ الصَّلاةُ مِنْها شَفْعٌ، وَمِنْها وَتْرٌ" .
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) إن من الصلاة شفعا، وإن منها وترا.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عفان بن مسلم، قال: ثنا همام، عن قتادة، أنه سُئل عن الشفع والوتر، فقال: قال الحسن: هو العدد. ورُوي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم خبر يؤيد القول الذي ذكرنا عن أبي الزُّبير.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا عبد الله بن أبي زياد القَطْوَانيّ، قال: ثنا زيد بن حُباب، قال: أخبرني عَياش بن عقبة، قال: ثني جبير بن نعيم، عن أبي الزبير، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الشَّفْع: الْيَوْمَانِ وَالْوَتْرُ: الْيَوْمُ الْوَاحِدُ" .
والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أقسم بالشفع والوتر، ولم يخصص نوعا من الشفع ولا من الوتر دون نوع بخبر ولا عقل، وكلّ شفع ووتر فهو مما أقسم به مما قال أهل التأويل إنه داخل في قسمه هذا لعموم قسَمه بذلك.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (وَالْوَتْرِ) فقرأته عامة قرّاء المدينة ومكة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة بكسر الواو.
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مستفيضتان معروفتان في قَرَأةِ الأمصار، ولغتان مشهورتان في العرب، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
وقوله: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ) يقول: والليل إذا سار فذهب، يقال منه: سرى فلان ليلا يَسْرِي: إذا سار.
وقال بعضهم: عُنِيَ بقوله: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ) ليلة جَمْع، وهي ليلة المزدلفة.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #1402  
قديم 27-07-2025, 10:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,290
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الفجر
الحلقة (1402)
صــ 401 الى صــ410




وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عمر بن قيس، عن محمد بن المرتفع، عن عبد الله بن الزبير (وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ) حتى يُذهِب بعضه بعضا.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْر) يقول: إذا ذهب.
حدثني محمد بن عُمارة، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبى يحيى، عن مجاهد: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْر) قال: إذا سار.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العاليه (وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْر) قال: والليل إذا سار.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْر) يقول: إذا سار.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْر) قال: إذا سار.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْر) قال: الليل إذا يسير.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جابر، عن عكرِمة (وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْر) قال: ليلة جمع.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الشام والعراق (يَسْرِ) بغير ياء. وقرأ ذلك جماعة من القرّاء بإثبات الياء، وحذف الياء في ذلك أعجب إلينا، ليوفق بين رءوس الآي إذ كانت بالراء. والعرب ربما أسقطت الياء في موضع الرفع
مثل هذا، اكتفاء بكسرة ما قبلها منها، من ذلك قول الشاعر:
لَيْسَ تخْفى يَسارَتِي قَدْرَ يَوْمٍ ... وَلَقَدْ تُخْفِ شِيمَتِي إعْسَارِي (1)
وقوله: (هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) يقول تعالى ذكره: هل فيما أقسمت به من هذه الأمور مقنع لذي حجر، وإنما عُنِيَ بذلك: إن في هذا القسم مكتفى لمن عقل عن ربه مما هو أغلظ منه في الإقسام. فأما معنى قوله: (لِذِي حِجْرٍ) : فإنه لِذِي حِجًي وذِي عقل؛ يقال للرجل إذا كان مالكا نفسه قاهرًا لها ضابطا: إنه لذو حِجْر، ومنه قولهم: حَجَر الحاكم على فلان.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب وأبو السائب، قالا ثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: (لِذِي حِجْرٍ) قال: لذي النُّهَى والعقل.
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: (لِذِي حِجْرٍ) قال: لأولي النُّهى.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) قال: ذو الحِجْر والنُّهى والعقل.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن عباس: (قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) قال: لذي عقل، لذي نُهَي.
قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الأغرّ المِنقريّ، عن خليفة بن الحصين، عن أبي نصر، عن ابن عباس (قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) قال: لذي لُبّ، لذي حِجَى.
(1)
أهل القدر: هم نفاة القدر لا مثبتوه. والقائلون بالتفويض هم القدرية والمعتزلة والإمامية. يزعمون أن الأمر فوض إلى الإنسان (أي رد إليه) ، فإرادته كافية في إيجاد فعله، طاعة كان أو معصية، وهو خالق لأفعاله، والاختيار بيده.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) قال: لذي عقل.
حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: لذي عقل، لذي رأي.
حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد (هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) قال: لذي لبّ، أو نُهى.
حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثنا خلف بن خليفة، عن هلال بن خباب، عن مجاهد، في قوله: (قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) قال: لذي عقل.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، عن أبي رجاء، عن الحسن (هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) قال: لذي حلم.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (لِذِي حِجْرٍ) قال: لذي حجى؛ وقال الحسن: لذي لُبّ.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: (هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) لذي حِجى، لذي عقل ولُبّ.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) قال: لذي عقل، وقرأ: (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) و (لأولِي الألْبابِ) وهم الذين عاتبهم الله وقال: العقل واللُّبّ واحد، إلا أنه يفترق في كلام العرب.
القول في تأويل قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِي (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (11) } .
وقوله: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ألم تنظر يا محمد بعين قلبك، فترى كيف فعل ربك بعاد؟
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (إرَمَ) فقال بعضهم: هي اسم بلدة، ثم اختلف الذين قالوا ذلك في البلدة التي عُنِيت بذلك، فقال بعضهم: عُنِيت به الإسكندرية.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني يعقوب بن عبد الرحمن الزهريّ، عن أبي صخر، عن القُرَظي، أنه سمعه يقول: (إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ) الإسكندرية.
قال أبو جعفر، وقال آخرون: هي دِمَشق.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عبد الله الهلالي من أهل البصرة، قال: ثنا عبيد الله بن عبد المجيد، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن المقْبري (بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ) قال: دمشق.
وقال آخرون: عُنِي بقوله: (إرَمَ) : أمة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد قوله: (إرَمَ) قال: أمة.
وقال آخرون: معنى ذلك: القديمة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (إرَمَ) قال: القديمة.
وقال آخرون: تلك قبيلة من عاد.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ) قال: كنا نحدّث أن إرم قبيلة من عاد، بيت مملكة عاد.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (إرَمَ) قال: قبيلة من عاد كان يقال لهم: إرم، جدّ عاد.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ) يقول الله: بعاد إرم، إن عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح.
وقال آخرون: (إرَمَ) : الهالك.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ) يعني بالإرم: الهالك؛ ألا ترى أنك تقول: أرم بنو فلان؟
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (بِعَادٍ إِرَمَ) الهلاك؛ ألا ترى أنك تقول أُرِمَ (1) بنو فلان: أي هَلَكوا.
والصواب من القول في ذلك أن يُقال: إن إرم إما بلدة كانت عاد تسكنها، فلذلك ردّت على عاد للإتباع لها، ولم يجر من أجل ذلك، وإما اسم قبيلة فلم يُجر أيضا، كما لا يُجْرى أسماء القبائل، كتميم وبكر، وما أشبه ذلك إذا أرادوا به القبيلة، وأما اسم عاد فلم يجر، إذ كان اسما أعجميا.
فأما ما ذُكر عن مجاهد أنه قال: عُنِيَ بذلك القديمة، فقول لا معنى له، لأن ذلك لو كان معناه لكان محفوظا بالتنوين، وفي ترك الإجراء الدليل على أنه ليس بنعت ولا صفة.
وأشبه الأقوال فيه بالصواب عندي أنها اسم قبيلة من عاد، ولذلك جاءت القراءة بترك إضافة عاد إليها، وترك إجرائها، كما يقال: ألم تر ما فعل ربك بتميم نهشل؟ فيترك إجراء نهشل، وهي قبيلة، فترك إجراؤها لذلك، وهي في موضع خفض بالردّ على تميم، ولو كانت إرم اسم بلدة، أو اسم جدّ لعاد لجاءت القراءة بإضافة عاد إليها، كما يقال: هذا عمروُ زبيدٍ وحاتمُ طيئ، وأعشى هَمْدانَ، ولكنها اسم قبيلة منها فيما أرى، كما قال قتادة، والله أعلم، فلذلك أجمعت القرّاء فيها على ترك الإضافة وترك الإجراء.
وقوله: (ذَاتِ الْعِمَادِ) اختلف أهل التأويل في معنى قوله: (ذَاتِ الْعِمَادِ) في هذا الموضع، فقال بعضهم: معناه: ذات الطول، وذهبوا في ذلك إلى قول العرب للرجل الطويل: رجل مُعَمَّد، وقالوا: كانوا طوال الأجسام.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي،
(1)
ديوانه 1: 71.

عن أبيه، عن ابن عباس (ذَاتِ الْعِمَادِ) يعني: طولهم مثل العماد.
حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد قوله: (ذَاتِ الْعِمَادِ) قال: كان لهم جسم في السماء.
وقال بعضهم: بل قيل لهم: (ذَاتِ الْعِمَادِ) لأنهم كانوا أهل عَمَد، ينتجِعون الغيوث، وينتقلون إلى الكلأ حيث كان، ثم يرجعون إلى منازلهم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (الْعِمَادِ) قال: أهل عَمُود لا يقيمون.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (ذَاتِ الْعِمَادِ) قال: ذُكر لنا أنهم كانوا أهل عَمُود لا يقيمون، سيارة.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (ذَاتِ الْعِمَادِ) قال: كانوا أهلَ عمود.
وقال آخرون: بل قيل ذلك لهم لبناء بناه بعضهم، فشيَّد عَمَده، ورفع بناءه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ) قال: عاد قوم هود بنَوها وعملوها حين كانوا في الأحقاف، قال: (لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا) مثل تلك الأعمال في البلاد، قال: وكذلك في الأحقاف في حضرموت، ثم كانت عاد، قال: وثم أحقاف الرمل، كما قال الله: بالأحقاف من الرمل، رمال أمثال الجبال تكون مظلة مجوّفة.
وقال آخرون: قيل ذلك لهم لشدّة أبدانهم وقواهم.
* ذكر من قال ذلك:
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (ذَاتِ الْعِمَادِ) يعني: الشدّة والقوّة.
وأشبه الأقوال في ذلك بما دلّ عليه ظاهر التنزيل قول من قال: عُنِيَ بذلك أنهم كانوا أهل عمود، سيارة لأن المعروف في كلام العرب من العماد، ما عمل
به الخيام من الخشب والسواري التي يحمل عليها البناء، ولا يعلم بناء كان لهم بالعماد بخبر صحيح، بل وجه أهل التأويل قوله: (ذَاتِ الْعِمَادِ) إلى أنه عُنِيَ به طول أجسامهم، وبعضهم إلى أنه عُنِيَ به عماد خيامهم، فأما عماد البنيان، فلا يعلم كثير أحد من أهل التأويل وجهه إليه، وتأويل القرآن إنما يوجه إلى الأغلب الأشهر من معانيه ما وجد إلى ذلك سبيلا دون الأنكر.
وقوله: (الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ) يقول جلّ ثناؤه: ألم تر كيف فعل ربك بعاد، إرم التي لم يخلق مثلها في البلاد، يعني: مثل عاد، والهاء عائدة على عاد. وجائز أن تكون عائدة على إرم لما قد بينا قبل أنها قبيلة. وإنما عُنِيَ بقوله: لم يُخْلق مثلها في العِظَم والبطش والأيد.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ) ذكر أنهم كانوا اثني عشر ذراعا طولا في السماء.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ذات العماد التي لم يُخلق مثلها في البلاد، لم يخلق مثل الأعمدة في البلاد، وقالوا: التي لم يخلق مثلها من صفة ذات العماد، والهاء التي في مثلها إنما هي من ذكر ذات العماد.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: فذكر نحوه. وهذا قول لا وجه له، لأن العماد واحد مذكر، والتي للأنثى، ولا يوصف المذكر بالتي، ولو كان ذلك من صفة العماد لقيل: الذي لم يخلق مثله في البلاد، وإن جعلت التي لإرم، وجعلت الهاء عائدة في قوله: (مِثْلُهَا) عليها، وقيل: هي دمشق أو إسكندرية، فإن بلاد عاد هي التي وصفها الله في كتابه فقال: (وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأحْقَافِف) والأحقاف: هي جمع حِقْف، وهو ما انعطف من الرمل وانحنى، وليست الإسكندرية ولا دمشق من بلاد الرمال، بل ذلك الشِّحْرَ من بلاد حضرموت، وما والاها.
وقوله: (وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِي) يقول: وبثمود الذين خرقوا الصخر ودخلوه فاتخذوه بيوتا، كما قال جلّ ثناؤه: (وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ)
والعرب تقول: جاب فلان الفلاة يجوبها جوبا: إذا دخلها وقطعها، ومنه قول نابغة:
أتاكَ أبُو لَيْلَى يَجُوبُ بِهِ الدُّجَى ... دُجَى اللَّيلِ جَوّابُ الفَلاةِ عَمِيمُ (1)
يعني بقوله: يجوب يدخل ويقطع.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: (وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ) يقول: فخرقوها.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ) يعني: ثمود قوم صالح، كانوا ينحتون من الجبال بيوتا.
حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد في قوله: (الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ) قال: جابوا الجبال، فجعلوها بيوتا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: (وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ) : جابوها ونحتوها بيوتا.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: (جَابُوا الصَّخْرَ) قال: نَقبوا الصخر.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ) يقول: قَدُّوا الحجارة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ) : ضربوا البيوت والمساكن في الصخر في الجبال، حتى جعلوا فيها مساكن. جابوا: جوّبوها تجوّبوا البيوت في الجبال، قال قائل:
ألا كُلُّ شَيْءٍ ما خَلا اللهَ بائِدٌ ... كمَا بادَ حَيٌّ مِنْ شَنِيقٍ وَمارِدِ
(1)
في المطبوعة: "لم يمعن النظر" ، بدلوها، كما فعلوا في ص: 55، تعليق: 3.

هُمُ ضَرَبُوا فِي كُلّ صَلاءَ صَعْدَةٍ ... بأيْدٍ شِدَادٍ أيِّدَاتِ السَّوَاعِدِ (1)
وقوله: (وَفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتَادِ) يقول جلّ ثناؤه: ألم تر كيف فعل ربك أيضا بفرعون صاحب الأوتاد.
واختلف أهل التأويل في معنى قوله: (ذِي الأوْتَادِ) ولم قيل له ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: ذي الجنود الذي يقوّون له أمره، وقالوا: الأوتاد في هذا الموضع: الجنود.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (وَفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتَادِ) قال: الأوتاد: الجنود الذين يشدّون له أمره، ويقال: كان فرعون يُوتِد في أيديهم وأرجلهم أوتادًا من حديد، يعلقهم بها.
وقال آخرون: بل قيل له ذلك لأنه كان يُوتِد الناس بالأوتاد.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (ذِي الأوْتَادِ) قال: كان يوتد الناس بالأوتاد.
وقال آخرون: كانت مظالّ وملاعب يلعب له تحتها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتَادِ) ذُكر لنا أنها كانت مظال وملاعب يلعب له تحتها من أوتاد وحبال.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (ذِي الأوْتَادِ) قال: ذي البناء كانت مظال يلعب له تحتها، وأوتادا تضرب له.
قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن ثابت البناني، عن أبي رافع، قال: أوتد فرعون لامرأته أربعة أوتاد، ثم جعل على ظهرها رحا عظيمة حتى ماتت.
وقال آخرون: بل ذلك لأنه كان يعذّب الناس بالأوتاد.
(1)
في اللسان (مصر) منسوبًا إلى أمية بن أبي الصلت. واستدركه ابن بري ونسبه لعدي بن زيد. والمصر: الحاجز والحد بين الشيئين. يقول: جعل الشمس حدا وعلامة بين الليل والنهار.

* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل، عن محمود، عن سعيد بن جُبير (وَفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتَادِ) قال: كان يجعل رجلا هاهنا ورجلا هاهنا، ويدا هاهنا ويدا هاهنا بالأوتاد.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (ذِي الأوْتَادِ) قال: كان يوتد الناس بالأوتاد.
وقال آخرون: إنما قيل ذلك لأنه كان له بنيان يعذّب الناس عليه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل، عن رجل، عن سعيد بن جُبير (وَفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتَادِ) قال: كان له منَارات يعذّبهم عليها.
وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب قول من قال: عُنِيَ بذلك: الأوتاد التي تُوتَد، من خشب كانت أو حديد، لأن ذلك هو المعروف من معاني الأوتاد، ووصف بذلك لأنه إما أن يكون كان يعذّب الناس بها، كما قال أبو رافع وسعيد بن جُبير، وإما أن يكون كان يُلعب له بها.
وقوله: (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ) يعني بقوله جلّ ثناؤه (الذين) : عادًا وثمود وفرعون وجنده، ويعني بقوله (طَغَوْا) : تجاوزوا ما أباحه لهم ربهم، وعتوا على ربهم إلى ما حظره عليهم من الكفر به. وقوله: (فِي الْبِلادِ) : التي كانوا فيها.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14) فَأَمَّا الإنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) } .
يقول تعالى ذكره: فأكثروا في البلاد المعاصي، وركوب ما حرّم الله عليهم (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ) يقول تعالى ذكره: فأنزل بهم يا محمد ربك عذابه، وأحلّ بهم نقمته، بما أفسدوا في البلاد، وطغَوْا على الله فيها. وقيل: فصبّ
عليهم ربك سَوط عذاب. وإنما كانت نِقَما تنزل بهم، إما ريحا تُدَمرهم، وإما رَجفا يُدَمدم عليهم، وإما غَرَقا يُهلكهم من غير ضرب بسوط ولا عصا؛ لأنه كان من أليم عذاب القوم الذين خوطبوا بهذا القرآن، الجلد بالسياط، فكثر استعمال القوم الخبر عن شدّة العذاب الذي يعذّب به الرجل منهم أن يقولوا: ضُرب فلان حتى بالسياط، إلى أن صار ذلك مثلا فاستعملوه في كلّ معذَّب بنوع من العذاب شديد، وقالوا: صَبّ عليه سَوْط عذاب.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #1403  
قديم 27-07-2025, 10:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,290
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الفجر
الحلقة (1403)
صــ 411 الى صــ420





* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (سَوْطَ عَذَابٍ) قال: ما عذّبوا به.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ) قال: العذاب الذي عذّبهم به سماه: سوط عذاب.
وقوله: (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إن ربك يا محمد لهؤلاء الذين قصصت عليك قَصَصَهم، ولِضُرَبائهم من أهل الكفر، لبالمِرصاد يرصدهم بأعمالهم في الدنيا وفي الآخرة، على قناطر جهنم، ليكردسهم فيها إذا وردوها يوم القيامة.
واختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: معنى قوله: (لَبِالْمِرْصَادِ) بحيث يرى ويسمع.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) يقول: يَرى ويسمع.
وقال آخرون: يعني بذلك أنه بمَرصد لأهل الظلم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن المبارك بن مجاهد، عن جُويْبِر، عن الضحاك في هذه الآية، قال: إذا كان يوم القيامة، يأمر الربّ بكرسيه، فيوضع على
النار، فيستوي عليه، ثم يقول: وعزّتي وجلالي، لا يتجاوزني اليوم ذو مَظلِمة، فذلك قوله: (لَبِالْمِرْصَادِ) .
قال: ثنا الحكم بن بشير، قال: ثنا عمرو بن قيس، قال: بلغني أن على جهنم ثلاث قناطر: قنطرة عليها الأمانة، إذا مرّوا بها تقول: يا ربّ هذا أمين، يا ربّ هذا خائن، وقنطرة عليها الرحِم، إذا مرّوا بها تقول: يا ربّ هذا واصل، يا ربّ هذا قاطع؛ وقنطرة عليها الربّ (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) .
قال: حدثنا مهران، عن سفيان (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) يعني: جهنم عليها ثلاث قناطر: قنطرة فيها الرحمة، وقنطرة فيها الأمانة، وقنطرة فيها الربّ تبارك وتعالى.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) قال: مِرْصاد عمل بني آدم.
وقوله: (فَأَمَّا الإنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ) يقول تعالى ذكره: فأما الإنسان إذا ما امتحنه ربه بالنعم والغنى (فأكْرَمَهُ) بالمال، وأفضل عليه، (وَنَعَّمَهُ) بما أوسع عليه من فضله (فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ) فيفرح بذلك ويسرّ به ويقول: ربي أكرمني بهذه الكرامة.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (فَأَمَّا الإنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ) وحقّ له.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلا بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلا لَمًّا (19) } .
وقوله: (وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) يقول: وأما إذا ما امتحنه ربه بالفقر (فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) يقول: فضيَّق عليه رزقه وقَتَّره، فلم يكثر ماله، ولم يوسع عليه (فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ) يقول: فيقول ذلك الإنسان: ربي أهانني، يقول: أذلني بالفقر، ولم يشكر الله على ما وهب له من سلامة جوارحه، ورزقه من العافية في جسمه.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ) ما أسرع كفر ابن آدم.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، قوله: (فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) قال: ضَيَّقه.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) فقرأت عامة قرّاء الأمصار ذلك بالتخفيف، فقَدَر: بمعنى فقتر، خلا أبي جعفر القارئ، فإنه قرأ ذلك بالتشديد (فَقَدَّرَ) . وذُكر عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يقول: قدّر، بمعنى يعطيه ما يكفيه، ويقول: لو فعل ذلك به ما قال ربي أهانني.
والصواب من قراءة ذلك عندنا بالتخفيف، لإجماع الحجة من القرّاء عليه.
وقوله: (كَلا بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ)
اختلف أهل التأويل في المعنيّ بقوله: (كَلا) في هذا الموضع، وما الذي أنكر بذلك، فقال بعضهم: أنكر جلّ ثناؤه أن يكون سبب كرامته من أكرم كثرة ماله، وسبب إهانته من أهان قلة ماله.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ) ما أسرع ما كفر ابن آدم، يقول الله جلّ ثناؤه: كلا إني لا أكرم من أكرمت بكثرة الدنيا، ولا أهين من أهنت بقلتها، ولكن إنما أكرم من أكرمت بطاعتي، وأُهينُ من أهنت بمعصيتي.
وقال آخرون: بل أنكر جلّ ثناؤه حمد الإنسان ربه على نِعمه دون فقره، وشكواه الفاقة، وقالوا: معنى الكلام، كلا أي: لم يكن ينبغي أن يكون هكذا، ولكن كان ينبغي أن يحمده على الأمرين جميعا، على الغنى والفقر.
وأولى القولين في ذلك بالصواب القول الذي ذكرناه عن قتادة لدلالة قوله: (بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) والآيات التي بعدها، على أنه إنما أهان من أهان بأنه لا يكرم اليتيم، ولا يَحُضّ على طعام المسكين، وسائر المعاني التي عدّد، وفي إبانته عن السبب الذي من أجله أهان من أهان، الدلالة الواضحة على سبب تكريمه من أكرم، وفي تبيينه ذلك عَقيب قوله: (فَأَمَّا الإنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ) بيان واضح عن الذي أنكر من قوله ما وصفنا.
وقوله: (بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) يقول تعالى ذكره: بل إنما أهنت من أهَنت
من أجل أنه لا يكرم اليتيم، فأخرج الكلام على الخطاب، فقال: بل لستم تكرمون اليتيم، فلذلك أهنتكم (وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) .
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه من أهل المدينة أبو جعفر وعامة قرّاء الكوفة (بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلا تَحَاضُّونَ) بالتاء أيضا وفتحها وإثبات الألف فيها، بمعنى: ولا يحضّ بعضكم بعضًا على طعام المسكين. وقرأ ذلك بعض قرّاء مكة وعامة قرّاء المدينة بالتاء وفتحها وحذف الألف (وَلا تَحُضُّون) بمعنى: ولا تأمرون بإطعام المسكين. وقرأ ذلك عامة قرّاء البصرة (يَحُضُّون) بالياء وحذف الألف بمعنى: ولا يكرم القائلون إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه ربي أكرمني، وإذا قدر عليه رزقه ربي أهانني - اليتيم - (ولا يحضون على طعام المسكين) وكذلك يقرأ الذين ذكرنا من أهل البصرة (يُكْرِمُونَ) وسائر الحروف معها بالياء على وجه الخبر عن الذين ذكرت. وقد ذُكر عن بعضهم أنه قرأ (تُحاضُّونَ) بالتاء وضمها وإثبات الألف، بمعنى: ولا تحافظون.
والصواب من القول في ذلك عندي أن هذه قراءات معروفات في قَرَأة الأمصار، أعني: القراءات الثلاث صحيحات المعاني، فبأيّ ذلك قرأ القارئ فمصيب.
وقوله: (وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلا لَمًّا) يقول تعالى ذكره: وتأكلون أيها الناس الميراث أكلا لمًّا، يعني: أكلا شديدًا لا تتركون منه شيئا، وهو من قولهم: لممت ما على الخِوان أجمع، فأنا ألمه لمًّا: إذا أكلت ما عليه فأتيت على جميعه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عمرو بن سعيد بن يسار القرشي، قال: ثنا الأنصاري، عن أشعث، عن الحسن (وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلا لَمًّا) قال: الميراث.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ) أي الميراث، وكذلك في قوله: (أَكْلا لَمًّا) .
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، (وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلا لَمًّا) يقول: تأكلون أكلا شديدا.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلية، عن يونس، عن الحسن، في قوله:
(وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلا لَمًّا) قال: نصيبه ونصيب صاحبه.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (أَكْلا لَمًّا) قال: اللمّ السفّ، لفّ كل شيء.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (أَكْلا لَمًّا) أي: شديدا.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (أَكْلا لَمًّا) يقول: أكلا شديدا.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قول الله: (وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلا لَمًّا) قال: الأكل اللمّ: الذي يأكل كلّ شيء يجده ولا يسأل، فأكل الذي له والذي لصاحبه، كانوا لا يُوَرِّثون النساء، ولا يورّثون الصغار، وقرأ: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ) أي: لا تورِّثونهنّ أيضا (أَكْلا لَمًّا) يأكل ميراثه، وكلّ شيء لا يسأل عنه، ولا يدري أحلال أو حرام.
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس (وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلا لَمًّا) . يقول: سَفًّا.
حدثني ابن عبد الرحيم البرقيّ، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة البستيّ، عن زُهير، عن سالم، قال: قد سمعتُ بكر بن عبد الله يقول في هذه الآية: (وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلا لَمًّا) قال اللمّ: الاعتداء في المِيراث، يأكل ميراثه وميراث غيره.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20) كَلا إِذَا دُكَّتِ الأرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) } .
يعني تعالى ذكره بقوله: (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) وتحبون جمع المال أيها الناس واقتناءه حبا كثيرا شديدا، من قولهم: قد جمّ الماء في الحوض: إذا اجتمع،
ومنه قول زُهير بن أبي سلمى:
فَلَمَّا ورَدْنَ المَاءَ زُرْقًا جِمامُهُ ... وَضَعْنَ عِصِيَّ الْحاضِرِ المُتَخَيَّمِ (1)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) يقول: شديدا.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) فيحبون كثرة المال.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (حُبًّا جَمًّا) قال: الجمّ: الكثير.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) : أي حبا شديدا.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (حُبًّا جَمًّا) : يحبون كثرة المال.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) قال: الجمّ: الشديد.
ويعني جلّ ثناؤه بقوله: (كَلا) : ما هكذا ينبغي أن يكون الأمر. ثم أخبر جلّ ثناؤه عن ندمهم على أفعالهم السِّيئة في الدنيا، وتلهُّفهم على ما سلف منهم حين لا ينفعهم الندم، فقالّ جل ثناؤه: (إِذَا دُكَّتِ الأرْضُ دَكًّا دَكًّا) يعني: إذا رجت وزُلزلت زلزلة، وحرّكت تحريكا بعد تحريك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
(1)
ديوان الأعشين: 323، والأغاني 6: 46، 61. وأعشى همدان هو عبد الرحمن بن عبد الله الهمداني أبو مصبح، كان أحد الفقهاء القراء، ثم ترك ذلك وقال الشعر. يمدح عبد الحمن بن الأشعث بن قيس الكندي، وكان خرج على الحجاج، فخرج معه الفقهاء والقراء، فلما أسر الحجاج الأعشى، قال له: ألست القائل: وأنشده البيت - والله لا تبخبخ بعدها أبدًا! وقتله. الأشج: هو الأشعث والد عبد الحمن، وقيس جده. وبخ بخ: كلمة للتعظيم والتفخيم. وهذا البيت والذي سبقه شاهدان على صحة تكرار "بين" ، مع غير الضمير المتصل، ومثلهما كثير. وأهل عصرنا يخطئون من يقوله، وهم في شرك الخطأ.

* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (إِذَا دُكَّتِ الأرْضُ دَكًّا دَكًّا) يقول: تحريكها.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني حرملة بن عمران، أنه سمع عمر مولى غُفْرة يقول: إذا سمعت الله يقول: كلا فإنما يقول: كذبت.
وقوله: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) يقول تعالى ذكره: وإذا جاء ربك يا محمد وأملاكه صفوفا صفا بعد صفّ.
كما حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر وعبد الوهاب، قالا ثنا عوف، عن أبي المنهال، عن شهر بن حوشب، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إذا كان يوم القيامة مدّت الأرض مدّ الأديم، وزيد في سعتها كذا وكذا، وجمع الخلائق بصعيد واحد، جنهم وإنسهم، فإذا كان ذلك اليوم قيضت (1) هذه السماء الدنيا عن أهلها على وجه الأرض، وَلأهل السماء وحدهم أكثر من أهل الأرض جنهم وإنسهم بضعف فإذا نثروا على وجه الأرض فزِعوا منهم، فيقولون: أفيكم ربنا: فيفزعون من قولهم ويقولون: سبحان ربنا ليس فينا، وهو آت، ثم تقاض السماء الثانية، وَلأهل السماء الثانية وحدهم أكثر من أهل السماء الدنيا ومن جميع أهل الأرض بضعف جنهم وإنسهم، فإذا نثروا على وجه الأرض فزع إليهم أهل الأرض، فيقولون: أفيكم ربنا؟ فيفزعون من قولهم ويقولون: سبحان ربنا، ليس فينا، وهو آت، ثم تقاضُ السموات سماء سماء، كلما قيضت سماء عن أهلها كانت أكثر من أهل السموات التي تحتها ومن جميع أهل الأرض بضعف، فإذا نثروا على وجه الأرض، فزِع إليهم أهل الأرض، فيقولون لهم مثل ذلك، ويرجعون إليهم مثل ذلك، حتى تقاض السماء السابعة، فلأهل السماء السابعة أكثر من أهل ستِّ سموات، ومن جميع أهل الأرض بضعف، فيجيء الله فيهم والأمم جِثيّ صفوف، وينادي مناد: ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم، ليقم الحمادون لله على كل حال؛ قال: فيقومون فيسرحون إلى الجنة، ثم ينادي الثانية: ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم، أين الذين كانت تتجافى
(1)
الخلف (بفتح فسكون) : الرديء من القول. يقال هذا خلف من القول، أي رديء. وفي المثل: "سكت ألفًا ونطق خلفًا" ، يقال للرجل يطيل الصمت، فإذا تكلم تكلم بالخطأ. أي سكت دهرًا طويلًا، ثم تكلم بخطأ. كنى بالألف عن الزمن الطويل، ألف ساعة مثلا.

جنوبهم عن المضاجع، يدعون ربهم خوفا وطمعًا، ومما رزقناهم ينفقون؟ فيسرحون إلى الجنة؛ ثم ينادي الثانية: ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم: أين الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، يخافون يوما تتقلَّب فيه القلوب والأبصار فيقومون فيسرحون إلى الجنة؛ فإذا أخذ من هؤلاء ثلاثة خرج عُنُق من النار، فأشرف على الخلائق، له عينان تبصران، ولسان فصيح، فيقول: إني وكلت منكم بثلاثة: بكلّ جبار عنيد، فيلقُطهم من الصفوف لقط الطير حبّ السمسم، فيحبس بهم في جهنم، ثم يخرج ثانية فيقول: إني وكلت منكم بمن آذى الله ورسوله فيلقطهم لقط الطير حبّ السمسم، فيحبس بهم في جهنم، ثم يخرج ثالثة، قال عوف: قال أبو المنهال: حسبت أنه يقول: وكلت بأصحاب التصاوير، فيلتقطهم من الصفوف لقط الطير حبّ السمسم، فيحبس بهم في جهنم، فإذا أخذ من هؤلاء ثلاثة، ومن هؤلاء ثلاثة، نُشرت الصحف، ووُضعت الموازين، ودُعي الخلائق للحساب.
حدثني موسى بن عبد الرحمن قال: ثنا أبو أُسامة، عن الأجلح، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول: إذا كان يوم القيامة، أمر الله السماء الدنيا بأهلها، ونزل من فيها من الملائكة، وأحاطوا بالأرض ومن عليها، ثم الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة، ثم الخامسة، ثم السادسة، ثم السابعة، فصَفُّوا صفًا دون صفّ، ثم ينزل الملك الأعلى على مجنبته اليسرى جهنم، فإذا رآها أهل الأرض ندّوا، فلا يأتون قطرا من أقطار الأرض إلا وجدوا سبعة صفوف من الملائكة، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه فذلك قول الله: (إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِم) ، وذلك قوله: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) وقوله: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ) وذلك قول الله: (وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا) .
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربيّ، عن إسماعيل بن رافع المدني، عن يزيد بن أبي زياد، عن محمد بن كعب القُرَظيّ، عن رجل من الأنصار، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تُوقفُونَ مَوْقِفا وَاحِدًا يَوْمَ الْقِيامَةِ مِقْدَارَ سَبْعِينَ عاما، لا يُنْظُر إلَيْكُمْ وَلا يُقْضَى بَيْنَكُمْ، قَدْ حُصِرَ"
عَلَيْكُمْ، فَتَبْكُونَ حتى يَنْقطِعَ الدَّمْعُ، ثُمَّ تَدْمعُون دما وَتَبْكُون حتى يَبْلُغَ ذلكَ مِنْكُمْ الأذْقَانَ، أوْ يُلْجِمَكُمْ فَتَضُجُّونَ، ثُمَّ تَقُولُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَنا إلى رَبِّنا، فَيَقْضِي بَيْنَنا، فَيَقُولُونَ مَنْ أحَقُّ بِذلكَ مِنْ أبِيكُمْ، جَعَلَ اللهُ تُرْبَتَهُ وَخَلْقَهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وكَلَّمَهُ قُبُلا فَيُؤْتَى آدَمُ صَلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فَيُطْلَبُ ذلكَ إلَيْهِ فَيأْبَى، ثُمَّ يَسْتَقْرُونَ الأنبِياءَ نَبِيًّا نَبِيًّا، كُلَّما جاءُوا نَبِيًّا أبى "قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:" حتى يَأْتونِي، فإذَا جاءُونِي خَرَجْتُ حتى آتِي الفَحْص "، قال أبو هريرة: يا رسول الله، ما الفحصُ؟ قال:" قُدَّامَ العَرْشِ، فأخِرُّ ساجِدًا، فَلا أزَالُ ساجِدًا حتى يَبْعَثَ اللهُ إليَّ مَلَكًا، فَيأخُذَ بعَضُدِي، فَيرْفَعَنِي ثُمَّ يَقُولُ اللهُ لِي: مُحَمَّدٌ، وَهُوَ أعْلَمُ، فأقُولُ: نَعْم، فَيَقُولُ: ما شأنُكَ؟ فأقول: يا رَبِّ وَعَدْتَنِي الشَّفاعَةَ، شَفِّعْنِي فِي خَلْقِكَ فاقْضِ بَيْنَهُمْ، فَيَقُولُ: قَدْ شَفَّعْتُكَ، أنا آتِيكُمْ فأقْضِي بَيْنَكُمْ ". قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:" فأنصَرِفُ حتى أقِفَ مَعَ النَّاسِ، فَبَيْنا نَحْنُ وَقُوفٌ، سَمِعْنا حِسًّا مِنَ السَّماءِ شَدِيدًا، فَهالَنا، فَنزلَ أهْلُ السَّماءِ الدُّنْيا بِمِثْلَيْ مَنْ فِي الأرْضِ مِنَ الجِنّ والإنسِ، حتى إذَا دنوْا مِنَ الأرْضِ، أشْرَقَتِ الأرْضُ، بِنُورِهِمْ، وأخَذُوا مَصَافَّهُمْ، وَقُلْنَا لَهُمْ: أفِيكُمْ رَبُّنا؟ قالوا: لا وَهُوَ آتٍ، ثُمَّ يَنزلُ أهْلُ السَّماءِ الثَّانِيَةِ بِمِثْلَيْ مَنْ نزلَ مِنَ المَلائِكَةِ، وَبِمِثْلَيْ مَنْ فِيها مِنَ الجِنّ وَالإنْسِ، حتى إذَا دَنَوْا مِنَ الأرْضِ أشْرَقَتِ الأرضُ بِنُورِهِمْ، وأخَذُوا مَصَافَّهُمْ، وَقُلْنَا لَهُمْ: أفِيكُمْ رَبُّنا؟ قالوا: لا وَهُوَ آتٍ. ثُمَّ نزلَ أهْلُ السَّمَوَاتِ عَلى قَدْرِ ذلكَ مِنَ الضِّعْفِ حتى نزلَ الجَبَّارُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الغَمامِ وَالمَلائِكَةِ، وَلَهُمْ زَجَلٌ مِنْ تَسْبِيحِهِمْ، يَقُولُونَ: سُبْحانَ ذِي المُلْكِ وَالمَلَكُوتِ، سُبْحانَ رَبِّ العَرْشِ ذِي الجَبَرُوتِ، سُبْحَانَ الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ سُبْحانَ الَّذِي يميت الخلائق ولا يَمُوتُ، سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ المَلائِكَةِ والرُّوحِ، قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ، سُبْحانَ رَبِّنا الأعْلَى سُبْحان ذِي الجَبرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِياءِ والسُّلْطانِ والعَظَمَةِ سُبْحانَهُ أبَدًا أبَدًا، يَحْمِلُ عَرْشَهُ يَوْمَئِذٍ ثمَانِيَةٌ، وَهمُ اليَوْمَ أرْبَعَةٌ، أقْدَامُهُم على تُخُومِ الأرْضِ السُّفْلَى، والسَّمَوَاتُ إلى حُجَزِهِمْ، وَالعَرْشُ عَلى مَناكِبِهمْ، فَوَضَعَ الله عَرْشَهُ حَيْثُ شَاء مِنَ الأرْض، ثُمَّ يُنادِي بِنِدَاءٍ يُسْمِعُ الخَلائِقَ فَيَقُولُ يا مَعْشَرَ الجِنِّ والإنْسِ، إنِّي قَدْ أنْصَتُّ مُنْذُ يَوْمِ خَلَقْتُكُمْ إلى يَوْمِكُمْ هَذَا، أسمَعُ كَلامَكُمْ، وأُبْصِرُ أعمالَكمْ، فَأنْصِتُوا إليَّ، فإنَّمَا هِيَ صُحُفُكُمْ وأعمالكُمْ تُقْرأُ علَيْكُمْ فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيرَ ذلكَ فَلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ، ثُمَّ يأْمُرُ اللهُ جَهَنَّمَ فَتُخْرِجُ مِنْها عُنُقا ساطِعا مُظْلِما، ثُمَّ يَقُولُ اللهُ: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) إلى قوله: (هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) ، (وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) فيتميز الناس ويَجْثُونَ، وَهِيَ التي يَقُولُ اللهُ: (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ ... ) الآية، فَيَقْضِي اللهُ بَينَ خَلْقِهِ الجِنِّ والإنْسِ وَالْبَهائمِ، فإنَّهُ لَيَقِيدُ يَوْمَئِذٍ لِلْجَمَّاءِ مِنْ ذَاتِ القُرُونِ، حتى إذَا لَمْ يَبْقَ تَبِعَةٌ عِنْدَ وَاحِدةٍ لأخْرَى قال اللهُ: كُونُوا تُرَابًا، فَعِنْدَ ذلكَ يَقُولُ الكافِرُ يا لَيْتَني كُنْتُ تُرَابًا، ثُمَّ يَقْضِي اللهُ سُبْحانَهُ بَينَ الجِنِّ والإنْسِ "."
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) صفوف الملائكة.
وقوله: (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) يقول تعالى ذكره: وجاء الله يومئذ بجهنم.
كما حدثنا الحسن بن عرفة قال: ثنا مروان الفزاريّ، عن العلاء بن خالد الأسديّ، عن شقيق بن سلمة، قال: قال عبد الله بن مسعود، في قوله: (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) قال: جيء بها تُقاد بسبعين ألف زمام، مع كلّ زمام سبعون ألف ملك يقودونها.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن عاصم بن بهدلة، عن أبي وائل (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) قال: يُجاء بها يوم القيامة تُقاد بسبعين ألف زمام، مع كلّ زمام سبعون ألف ملك.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم بن بشير، قال: ثنا عمرو بن قيس، عن قتادة، قال: جَنْبتيه: الجنة والنار؛ قال: هذا حين ينزل من عرشه إلى كرسيه لحساب خلقه، وقرأ: (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) .
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) قال: جيء بها مزمومة.
وقوله: (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنْسَانُ) يقول تعالى ذكره: يومئذ يتذكر الإنسان تفريطه في الدنيا في طاعة الله، وفيما يقرّب إليه من صالح الأعمال (وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى) يقول: من أيّ وجه له التذكير.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #1404  
قديم 27-07-2025, 10:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,290
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ البلد
الحلقة (1404)
صــ 421 الى صــ430




* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى) يقول: وكيف له
القول في تأويل قوله تعالى: {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30) } .
وقوله: (يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي) يقول تعالى ذكره مخبرا عن تلهُّف ابن آدم يوم القيامة، وتندّمه على تفريطه في الصَّالِحات من الأعمال في الدنيا التي تورثه بقاء الأبد في نعيم لا انقطاع له، يا ليتني قدمت لحياتي في الدنيا من صالح الأعمال لحياتي هذه، التي لا موت بعدها، ما ينجيني من غضب الله، ويوجب لي رضوانه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا هَوذة، قال: ثنا عوف، عن الحسن، في قوله: (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي) قال: علم الله أنه صادق، هناك حياة طويلة لا موت فيها آخر ما عليه.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي) هُناكُم والله الحياة الطويلة.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي) قال: الآخرة.
وقوله: (فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ) أجمعت القرّاء قرّاء الأمصار في قراءة ذلك على كسر الذال من يعذّب، والثاء من يوثق، خلا الكسائي،
فإنه قرأ ذلك بفتح الذال والثاء اعتلالا منه بخبر - رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأه كذلك - واهي الإسناد.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن خارجة، عن خالد الحذّاء، عن أبي قِلابة، قال: ثني من أقرأه النبيّ صلى الله عليه وسلم (فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ) .
والصواب من القول في ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار، وذلك كسر الذال والثاء لإجماع الحجة من القرّاء عليه. فإذَا كان ذلك كذلك، فتأويل الكلام: فيومئذ لا يعذَّب بعذاب الله أحد في الدنيا، ولا يوثق كوثاقه يومئذ أحد في الدنيا. وكذلك تأوّله قارئو ذلك كذلك من أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ) ولا يوثِق كوثاق الله أحد.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن (فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ) قال: قد علم الله أن في الدنيا عذابا وَوَثاقا، فقال: فيومئذ لا يعذّب عذابه أحد في الدنيا، ولا يُوثِق وثاقه أحد في الدنيا.
وأما الذي قرأ ذلك بالفتح، فإنه وجَّه تأويله إلى: فيومئذ لا يعذَّب أحد في الدنيا كعذاب الله يومئذ ولا يوثق أحد في الدنيا كوثاقه يومئذ. وقد تأوّل ذلك بعض من قرأ ذلك كذلك بالفتح من المتأخرين، فيومئذ لا يعذَّب عذاب الكافر أحَد ولا يُوثَق وثاق الكافر أحد. وقال: كيف يجوز الكسر، ولا معذّب يومئذ سوى الله وهذا من التأويل غلط؛ لأن أهل التأويل تأوّلوه بخلاف ذلك، مع إجماع الحجة من القرّاء على قراءته بالمعنى الذي جاء به تأويل أهل التأويل، وما أحسبه دعاه إلى قراءة ذلك كذلك، إلا ذهابه عن وجه صحته في التأويل.
وقوله: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً) يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل الملائكة لأوليائه يوم القيامة: يا أيتها النفس المطمئنة، يعني بالمطمئنة: التي اطمأنت إلى وعد الله الذي وعد أهل الإيمان به في الدنيا من الكرامة في الآخرة، فصدّقت بذلك.
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك فقال بعضهم نحو الذي قلنا فيه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس (يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) يقول: المصدّقة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) هو المؤمن اطمأنت نفسه إلى ما وعد الله.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة والحسن، في قوله: (يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) قال: المطمئنة إلى ما قال الله، والمصدّقة بما قال.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: المصدّقة الموقِنة بأن الله ربها، المسلمة لأمره فيما هو فاعل بها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: (يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) قال: النفس التي أيقنت أن الله ربها، وضربت جأشا لأمره وطاعته.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد (يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) قال: أيقنت بأن الله ربها، وضربت لأمره جأشا.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد (يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) قال: المنيبة المخبتة التي قد أيقنت أن الله ربها، وضربت لأمره جأشا.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد (يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) قال: أيقنت بأن الله ربها، وضربت لأمره جأشا.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (المُطْمَئِنَّةُ) قال: المُخبِتة والمطمئنة إلى الله.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد (يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) قال: التي قد أيقنت بأن الله ربها، وضربت لأمره جأشا.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُليَّة، قال: ثنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) قال: المخبِتة.
حدثني سعيد بن الرييع الرازيّ، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد
(يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) قال: التي أيقنت بلقاء الله، وضربت له جأشا.
وُذكر أن ذلك في قراءة أُبيّ (يا أيَّتُها النَّفْسُ الآمِنَةُ) .
* ذكر الرواية بذلك:
حدثنا خلاد بن أسلم قال: أخبرنا النضر، عن هارون القاري قال: ثني هلال، عن أبي شيخ الهنائي في قراءة أُبيّ (يا أيَّتُها النَّفْسُ الآمِنَةُ المُطْمَئِنَّةُ) وقال الكلبي: إن الآمنة في هذا الموضع، يعني به: المؤمنة.
وقيل: إن ذلك قول الملك للعبد عند خروج نفسه مبشرة برضا ربه عنه، وإعداده ما أعدّ له من الكرامة عنده.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن يمان، عن جعفر، عن سعيد، قال: قُرئت: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً) عند النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: إن هذا لحسن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما إنَّ المَلَكَ سَيَقُولُهَا لَكَ عِنْدَ المَوتِ" .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح (ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً) قال هذا عند الموت (فَادْخُلِي فِي عِبَادِي) قال هذا يوم القيامة.
وقال آخرون في ذلك بما حدثنا به أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن أُسامة بن زيد، عن أبيه في قوله: (يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) قال: بُشِّرت بالجنة عند الموت، ويوم الجمع، وعند البعث.
وقوله: (ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ) اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: هذا خبر من الله جلّ ثناؤه عن قيل الملائكة لنفس المؤمن عند البعث، تأمرها أن ترجع في جسد صاحبها؛ قالوا: وعُنِيَ بالردّ هاهنا صاحبها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً) قال: تردّ الأرواح المطمئنة يوم القيامة في الأجساد.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي) يأمر الله الأرواح يوم القيامة أن ترجع إلى الأجساد، فيأتون الله كما خلقهم أول مرّة.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، عن عكرِمة في هذه الآية (ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً) إلى الجسد.
وقال آخرون: بل يقال ذلك لها عند الموت.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح (ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً) قال: هذا عند الموت (فَادْخُلِي فِي عِبَادِي) قال: هذا يوم القيامة.
وأولى القولين في ذلك بالصواب القول الذي ذكرناه عن ابن عباس والضحاك، أن ذلك إنما يقال لهم عند ردّ الأرواح في الأجساد يوم البعث لدلالة قوله: (فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي) .
اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: فادخلي في عبادي الصالحين، وادخلي جنتي.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (فَادْخُلِي فِي عِبَادِي) قال: ادخلي في عبادي الصالحين (وَادْخُلِي جَنَّتِي) .
وقال آخرون: معنى ذلك: فادْخُلِي فِي طاعَتِي وادْخُلِي جَنَّتِي.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن نعيم بن ضمضم، عن محمد بن مزاحم أخي الضحاك بن مُزاحم (فَادْخُلِي فِي عِبَادِي) قال: في طاعتي (وَادْخُلِي جَنَّتِي) قال: في رحمتي.
وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يوجِّه معنى قوله: (فَادْخُلِي فِي عِبَادِي) إلى: فادخلي في حزبي.
وكان بعض أهل العربية من أهل الكوفة يتأوّل ذلك (يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ)
بالإيمان والمصدقة بالثواب والبعث ارجعي، تقول لهم الملائكة: إذا أُعطوا كتبهم بأيمانهم (ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ) إلى ما أعدّ الله لك من الثواب؛ قال: وقد يكون أن تقول لهم: شِبْه هذا القول ينوون ارجعوا من الدنيا إلى هذا المرجع؛ قال: وأنت تقول للرجل ممن أنت؟ فيقول: مُضَريّ، فتقول: كن تميميا أو قيسيا، أي: أنت من أحد هذين، فتكون كن صلة، كذلك الرجوع يكون صلة، لأنه قد صار إلى يوم القيامة، فكان الأمر بمعنى الخبر، كأنه قال: أيتها النفس أنت راضية مرضية.
وقد رُوي عن بعض السلف أنه كان يقرأ ذلك: (فادْخُلِي فِي عبدِي وَادْخُلِي جَنَّتِي) .
* ذكر من قال ذلك:
حدثني أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم بن سلام، قال: ثنا حجاج، عن هارون، عن أبان بن أبي عياش، عن سليمان بن قَتَّةَ عن ابن عباس، أنه قرأها (فادْخُلِي فِي عَبْدي) على التوحيد.
حدثني خلاد بن أسلم، قال: أخبرنا النضر بن شميل، عن هارون القاري، قال: ثني هلال، عن أبي الشيخ الهنائي (فادْخُلِي فِي عَبْدِي) . وفي قول الكلبي (فادْخُلِي فِي عَبْدِي وَادْخُلِي فِي جَنَّتِي) يعني: الروح ترجع في الجسد.
والصواب من القراءة في ذلك (فَادْخُلِي فِي عِبَادِي) بمعنى: فادخلي في عبادي الصالحين. لإجماع الحجة من القرّاء عليه.
آخر تفسير سورة والفجر



تفسير سورة البلد



بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله تعالى جل ثناؤه وتقدست أسماؤه: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4) أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالا لُبَدًا (6) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7) } .
يقول تعالى ذكره: أقسم يا محمد بهذا البلد الحرام، وهو مكة، وكذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: (لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ) يعني: مكة.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد (لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ) قال: مكة.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد (لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ) قال: الحرام.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد (لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ) قال: مكة.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ) قال: البلد مكة.
حدثنا سوار بن عبد الله، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن عبد الملك، عن
عطاء، في قوله: (لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ) يعني مكة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: (لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ) قال: مكة.
وقوله: (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ) يعني: بمكة؛ يقول جلّ ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وأنت يا محمد حِلٌّ بهذا البلد، يعني بمكة؛ يقول: أنت به حلال تصنع فيه من قَتْلِ من أردت قتلَه، وأَسْرِ من أردت أسره، مُطْلَقٌ ذلك لك؛ يقال منه: هو حِلّ، وهو حلال، وهو حِرْم، وهو حرام، وهو محلّ، وهو محرم، وأحللنا، وأحرمنا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ) يعني بذلك: نبيّ الله صلى الله عليه وسلم، أحلّ الله له يوم دخل مكة أن يقتل من شاء، ويستحْيِي من شاء؛ فقتل يومئذ ابن خَطَل صَبْرا وهو آخذ بأستار الكعبة، فلم تحِل لأحد من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتل فيها حراما حرّمه الله، فأحلّ الله له ما صنع بأهل مكة، ألم تسمع أن الله قال في تحريم الحرم: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) يعني بالناس أهل القبلة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ) قال: ما صنعت فأنت في حلّ من أمر القتال.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ) قال: أحلّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع فيه ساعة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ) قال: أحل له أن يصنع فيه ما شاء.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ) قال: أُحِلَّت للنبي صلى الله عليه وسلم، قال: اصنع فيها ما شئت.
حدثني موسى بن عبد الرحمن، قال: ثنا حسين الجُعْفِيّ، عن زائدة، عن منصور، عن مجاهد، في قول الله (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ) قال: أنت حِلّ مما صنعت فيه.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #1405  
قديم 27-07-2025, 10:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,290
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ البلد
الحلقة (1405)
صــ 431 الى صــ440







حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن مجاهد (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ) قال: أحلّ الله لك يا محمد ما صنعت في هذا البلد من شيء، يعني مكة.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ) قال: لا تؤاخَذ بما عملت فيه، وليس عليك فيه ما على الناس.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ) يقول: بريء عن الحرج والإثم.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ) يقول: أنت به حلّ لست بآثم.
حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ) قال: لم يكن بها أحد حلا غير النبيّ صلى الله عليه وسلم، كلّ من كان بها حراما، لم يحلّ لهم أن يقاتلوا فيها، ولا يستحلوا حرمه، فأحله الله لرسوله، فقاتل المشركين فيه.
حدثنا سوار بن عبد الله، قال حدثنا يحيى بن سعيد، عن عبد الملك، عن عطاء (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ) قال: إن الله حرّم مكة، لم تحلّ لنبيّ إلا نبيكم ساعة من نهار.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ) يعني محمدا، يقول: أنت حلّ بالحرم، فاقتل إن شئت، أو دع.
وقوله: (وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ) يقول تعالى ذكره: فأقسم بوالد وبولده الذي وَلَد.
ثم اختلف أهل التأويل في المعنّي بذلك من الوالد وما ولد، فقال بعضهم: عُنِي بالوالد: كلّ والد، وما ولد: كلّ عاقر لم يلد.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن عطية، عن شريك، عن خصيف، عن
عكرمة، عن ابن عباس في: (وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ) قال: الوالد: الذي يلد، وما ولد: العاقر الذي لا يولد له.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس (وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ) قال: العاقر، والتي تلد.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن النضر بن عربي، عن عكرِمة (وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ) قال: العاقر، والتي تلد.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ) قال: هو الوالد وولده.
وقال آخرون: عُنِي بذلك: آدم وولده.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ) قال: الوالد: آدم، وما ولد: ولده.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ) قال: ولده.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ) قال: آدم وما ولد.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ) قال: آدم وما ولد.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن أبي زائدة، عن ابن أبي خالد، عن أبي صالح في قول الله (وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ) قال: آدم وما ولد.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: (وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ) قال: الوالد: آدم، وما ولد: ولده.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، قوله: (وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ) قال: آدم وما ولد.
حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن عبيد، عن إسماعيل
بن أبي خالد، عن أبي صالح، في قوله: (وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ) قال: آدم وما ولد.
وقال آخرون: عُنِي بذلك: إبراهيم وما ولد.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن موسى الحَرَشيّ، قال: ثنا جعفر بن سليمان، قال: سمعت أبا عمران الجَوْنِيّ يقرأ: (وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ) قال: إبراهيم وما ولد.
والصواب من القول في ذلك: ما قاله الذي قالوا: إن الله أقسم بكلّ والد وولده، لأن الله عم كلّ والد وما ولد. وغير جائز أن يخصّ ذلك إلا بحجة يجب التسليم لها من خبر، أو عقل، ولا خبر بخصوص ذلك، ولا برهان يجب التسليم له بخصوصه، فهو على عمومه كما عمه.
وقوله: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ) وهذا هو جواب القسم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: وقع ها هنا القسم (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ) .
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: لقد خلقنا ابن آدم في شدّة وعناء ونصب.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ) يقول: في نَصَب.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا سعيد، عن منصور بن زاذان، عن الحسن، أنه قال في هذه الآية: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ) يقول: في شدّة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ) حين خُلِق في مشقة لا يُلَقى ابن آدم إلا مكابد أمر الدنيا والآخرة.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (فِي كَبَدٍ) قال: يكابد أمر الدنيا والآخرة.
وقال بعضهم: خُلِق خَلْقا لم نَخْلق خلقه شيئا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن عليّ بن رفاعة، قال: سمعت الحسن
يقول: لم يخلق الله خلقا يكابد ما يُكابد ابن آدم.
قال: ثنا وكيع، عن عليّ بن رفاعة، قال: سمعت سعيد بن أبي الحسن يقول: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ) قال: يكابد مصائب الدنيا، وشدائد الآخرة.
قال: ثنا وكيع، عن النضر، عن عكرِمة قال: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ) قال: في شدّة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ) قال: في شدّة.
قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: في شدّة معيشته، وحمله وحياته، ونبات أسنانه.
قال: ثنا مهران، عن سفيان، قال: قال مجاهد (الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ) قال: شدة خروج أسنانه.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ) قال: شدّة.
وقال آخرون: معنى ذلك أنه خُلِق منتصبا معتدل القامة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ) قال: في انتصاب، ويقال: في شدّة.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا حرمى بن عمارة، قال: ثنا شعبة، قال: أخبرني عمارة، عن عكرِمة، في قوله: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ) قال: في انتصاب، يعني القامة.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ) قال: منتصبا.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران؛ وحدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، جميعا عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، مثله.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن أبي زائدة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد الله بن شَدَّاد، في قوله: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ) قال: معتدلا بالقامة، قال أبو صالح: معتدلا في القامة.
حدثنا يحيى بن داود الواسطي، قال: ثنا يحيى بن سعيد القطان، عن إسماعيل، عن أبي صالح (خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ) قال: قائما.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: (فِي كَبَدٍ) خُلِق منتصبا على رجلين، لم تخلق دابة على خلقه
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مُغيرة، عن مجاهد (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ) قال: في صَعَد.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنه خُلق في السماء.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ) قال: في السماء، يسمى ذلك الكَبَد.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: قول من قال: معنى ذلك أنه خلق يُكابد الأمور ويُعالجها، فقوله: (فِي كَبَدٍ) معناه: في شدّة.
وإنما قلنا: ذلك أولى بالصواب؛ لأن ذلك هو المعروف في كلام العرب من معاني الكَبَد، ومنه قول لبيد بن ربيعة:
عَيْنِ هَلا بَكَيْتِ أرْبَدَ إذْ ... قُمْنا وَقَامَ الخُصُومِ فِي كَبَد (1)
وقوله: (أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ) ذُكر أن ذلك نزل في رجل بعينه من بني جُمح، كان يُدعى أبا الأشدّ، وكان شديدًا، فقال جلّ ثناؤه: أيحسب هذا القويّ بجَلَده وقوّته، أن لن يقهره أحد ويغلبه، فالله غالبه وقاهره.
وقوله: (يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالا لُبَدًا) يقول هذا الجليد الشديد: أهلكت مالا
(1)
يعني أن حاجة الأولى منهما كحاجة الثانية، فلذلك وجب تكرارها. سياق العبارة: "فكان معلومًا أن حاجة كل كلمة. . . وكان معلومًا أم الصواب أن تكون معها. . . وكان بينًا. . ." إلى آخر الفقرة.

كثيرا، في عداوة محمد صلى الله عليه وسلم، فأنفقت ذلك فيه، وهو كاذب في قوله ذلك، وهو فعل من التلبُّد، وهو الكثير، بعضه على بعض، يقال منه: لبد بالأرض يَلْبُد: إذا لصق بها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (مَالا لُبَدًا) يعني باللبد: المال الكثير.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (مَالا لُبَدًا) قال: كثيرا.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني مسلم، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (أَهْلَكْتُ مَالا لُبَدًا) . قال: مالا كثيرا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (أَهْلَكْتُ مَالا لُبَدًا) : أي كثيرا.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (مَالا لُبَدًا) قال: اللبد: الكثير.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار: (مَالا لُبَدًا) بتخفيف الباء. وقرأه أبو جعفر بتشديدها.
والصواب بتخفيفها، لإجماع الحجة عليه.
وقوله: (أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ) يقول تعالى ذكره: أيظن هذا القائل (أَهْلَكْتُ مَالا لُبَدًا) أن لم يره أحد في حال إنفاقه يزعم أنه أنفقه.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ) ابن آدم إنك مسئول عن هذا المال، من أين اكتسبته، وأين أنفقته.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله.
القول في تأويل قوله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) } .
يقول تعالى ذكره: ألم نجعل لهذا القائل (أَهْلَكْتُ مَالا لُبَدًا) عينين يبصر بهما حجج الله عليه، ولسانا يعبر به عن نفسه ما أراد، وشفتين، نعمة منا بذلك عليه.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ) نِعَم من الله متظاهرة، يقررك بها كيما تشكره.
وقوله: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) يقول تعالى ذكره: وهديناه الطريقين، ونجد: طريق في ارتفاع.
واختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: عُنِي بذلك: نَجْد الخير، ونَجْد الشرّ، كما قال: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) .
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن عاصم، عن زرّ، عن عبد الله (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) قال: الخير والشرّ.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عاصم، عن زرّ، عن عبد الله، مثله.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن منذر، عن أبيه، عن الربيع بن خثيم، قال: ليسا بالثديين.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان؛ وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، قال: ثنا عمران، جميعا عن عاصم، عن زرّ، عن عبد الله (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) قال: نجد الخير، ونجد الشرّ.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا هشام بن عبد الملك، قال: ثنا شعبة، قال: أخبرني عاصم، قال: سمعت أبا وائل يقول: كان عبد الله يقول في: (وَهَدَيْنَاهُ
النَّجْدَيْنِ) قال: نجد الخير، ونجد الشرّ.
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) يقول: الهدي والضلالة.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) يقول: سبيل الخير والشرّ.
حدثنا هناد بن السريّ، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرِمة، في قوله: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) قال: الخير والشرّ.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عبد الله بن الربيع بن خثيم، عن أبي بُردة، قال: مرّ بنا الربيع بن خثيم، فسألناه عن هذه الآية: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) فقال: أما إنهما ليسا بالثديين.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: الخير والشرّ.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) قال: سبيل الخير والشرّ.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) نجد الخير، ونجد الشرّ.
حدثنا عمران بن موسى، قال: ثنا عبد الوارث، قال: ثنا يونس، عن الحسن، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هُمَا نَجْدَانِ: نَجْدُ خَيْرٍ، وَنَجْدُ شَرّ، فَمَا جَعَلَ نَجْدَ الشَّرّ أحَبَّ إلَيْكُمْ مِنْ نَجْدِ الخَيْرِ" .
حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا عطية أبو وهب، قال: سمعت الحسن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا إنَّمَا هُمَا نَجْدَانِ: نَجْدُ الخَيْرِ، وَنَجْدُ الشَّرّ، فَمَا يَجَعَلُ نَجْدَ الشَّرِّ أحَبَّ إلَيْكُمْ مِنْ نَجْدِ الخَيْرِ" .
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا هشام بن عبد الملك، قال: ثنا شعبة، عن حبيب، عن الحسن، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، نحوه.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، عن أبي رجاء، قال: سمعت الحسن يقول (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) قال: ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "يا أيُّها النَّاسُ إنَّمَا هُمَا النَجْدَانِ: نَجْدُ الخَيْرِ، وَنَجْدُ الشَّرّ، فَمَا جَعَلَ نَجْدَ الشَّرّ أحَبَّ إلَيْكُمْ مِنْ نَجْدِ الخَيْرِ" .
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) : ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "أيُّها النَّاسُ إنَّمَا هُمَا النَجْدَانِ: نَجْدُ الخَيْرِ، وَنَجْدُ الشَّرّ، فَمَا جَعَلَ نَجْدَ الشَّرّ أحَبَّ إلَيْكُمْ مِنْ نَجْدِ الخَيْرِ" .
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن، في قوله: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: إنَّمَا هُمَا نَجْدَانِ، فَمَا جَعَلَ نَجْدَ الشَّرّ أحَبَّ إلَيْكُمْ مِنْ نَجْدِ الخَيْرِ "."
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) قاطع طريق الخير والشرّ. وقرأ قول الله: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ) .
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وهديناه الثَّديين: سبيلي اللبن الذي يتغذّى به، وينبت عليه لحمه وجسمه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، قال: ثنا عيسى بن عقال، عن أبيه، عن ابن عباس (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) قال: هما الثديان.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن المبارك بن مجاهد، عن جُويبر، عن الضحاك، قال: الثديان.
وأولى القولين بالصواب في ذلك عندنا: قول من قال: عُنِي بذلك طريق الخير والشرّ، وذلك أنه لا قول في ذلك نعلمه غير القولين اللذين ذكرنا، والثديان وإن كانا سبيلي اللبن، فإن الله تعالى ذكْره إذ عدّد على العبد نِعَمه بقوله: (إِنَّا خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ) إنما عدّد عليه هدايته إياه إلى سبيل الخير من نعمه، فكذلك قوله: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) .
وقوله: (فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) يقول تعالى ذكره: فلم يركب العقبة فيقطعها ويحوزها.
وذُكر أن العقبة: جبل في جهنم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا يحيى بن كثير، قال: ثنا شعبة، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قول الله: (فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) قال: عَقَبةٌ في جهنم.
حدثني عمر بن إسماعيل بن مجالد، قال: ثنا عبد الله بن إدريس، عن أبيه، عن عطية، عن ابن عمر، في قوله: (فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) جبل من جهنم.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَيَّة، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: (فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) قال: جهنم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) إنها قحمة شديدة، فاقتحموها بطاعة الله.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) قال: للنار عقبة دون الجسر.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا أبي، قال: سمعت يحيى بن أيوب يحدّث عن يزيد بن أبى حبيب، عن شعيب بن زُرْعة، عن حنش، عن كعب، أنه قال: (فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) قال: هو سبعون درجة في جهنم.
وأفرد قوله: (فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) بذكر "لا" مرّة واحدة، والعرب لا تكاد تفردها في كلام في مثل هذا الموضع، حتى يكرّرها مع كلام آخر، كما قال: (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى) (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) وإنما فعل ذلك كذلك في هذا الموضع، استغناء بدلالة آخر الكلام على معناه، من إعادتها مرّة أخرى، وذلك قوله إذ فسَّر اقتحام العقبة، فقال: (فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) ، ففسر ذلك بأشياء ثلاثة، فكان كأنه في أوّل الكلام، قال: فلا فَعَل ذا وَلا ذا ولا ذا. وتأوّل ذلك ابن زيد، بمعنى: أفلا ومن تأوّله كذلك، لم يكن به حاجة إلى أن يزعم أن في الكلام متروكا. * ذكر الخبر بذلك عن ابن زيد:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، وقرأ قول الله: (فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) قال: أفلا سلك الطريق التي منها النجاة والخير، ثم قال: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ) .
وقوله: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ) يقول تعالى ذكره: وأيّ شيء أشعرك يا محمد ما العقبة.
ثم بين جلّ ثناؤه له، ما العقبة، وما النجاة منها، وما وجه اقتحامها؟ فقال: اقتحامها وقطعها فكّ رقبة من الرقّ، وأسر العبودة.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #1406  
قديم 27-07-2025, 10:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,290
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ البلد
الحلقة (1406)
صــ 441 الى صــ450





كما حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُليَّة، عن أبي رجاء، عن الحسن (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ) قال: ذُكر لنا أنه ليس مسلم يعتق رقبة مسلمة، إلا كانت فداءه من النار.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ) ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن الرقاب أيها أعظم أجرا؟ قال: "أكثرها ثمنا" .
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: ثنا سالم بن أبي الجعد، عن مَعْدانِ بن أبي طلحة، عن أبي نجيح، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أيُّمَا مُسْلِمٍ أَعْتَقَ رَجُلا مُسْلِمًا، فإنَّ اللهَ جَاعِلٌ وَفَاءَ كُلِّ عَظْمٍ مِنْ عِظَامِهِ، عَظْما مِنْ عِظامِ مُحَرّرِهِ مِنْ النَّار؛ وأيُّمَا امْرأةٍ مُسْلِمَةٍ أعْتَقَتِ امْرَأةً مُسْلِمَةً، فإنَّ اللهَ جَاعِلٌ وَفَاءَ كُلِّ عَظْمٍ مِنَ عِظَامِهَا، عَظْما مِنَ عِظامِ مُحَرّرِها مِنَ النَّار" .
قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن قيس الجذاميّ، عن عقبة بن عامر الجهنيّ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ أعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً، فَهِيَ فِدَاؤُهُ مِنَ النَّارِ" .
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ) ثم أخبر عن اقتحامها فقال: (فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ) .
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه بعض قرّاء مكة وعامة قرّاء البصرة، عن ابن أبي إسحاق، ومن الكوفيين: الكسائي (فَكُّ رَقَبَةٍ أوْ أطْعَمَ) وكان أبو عمرو بن العلاء يحتجّ فيما بلغني فيه بقوله: (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) كأن معناه: كان عنده، فلا فكّ رقبة ولا أطعم، ثم كان من الذين آمنوا. وقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والكوفة والشام (فَكُّ رَقَبَةٍ) على الإضافة (أَوْ إِطْعَامٌ) على وجه المصدر.
والصواب من القول في ذلك: أنهما قراءتان معروفتان، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء، وتأويل مفهوم، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. فقراءته إذا قرئ
على وجه الفعل تأويله: فلا اقتحم العقبة، لا فكّ رقبة، ولا أطعم، ثم كان من الذين آمنوا، (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ) على التعجب والتعظيم وهذه القراءة أحسن مخرجا في العربية، لأن الإطعام اسم، وقوله: (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) فعل، والعرب تُؤثِر ردّ الأسماء على الأسماء مثلها، والأفعال على الأفعال، ولو كان مجيء التَّنزيل ثم إن كان من الذين آمنوا، كان أحسن، وأشبه بالإطعام والفكّ من ثم كان، ولذلك قلت: (فَكُّ رَقَبَةٍ أوْ أطْعَمَ) أوجه في العربية من الآخر، وإن كان للآخر وجه معروف، ووجهه أنْ تضمر "أنْ" ثم تلقي، كما قال طرفة بن العبد:
ألا أيُّهَا ذَا الزَّاجِرِي أحْضُرَ الْوَغَى ... وأنْ أشْهَدَ اللَّذَّاتِ هلْ أنتَ مُخْلِدي (1)
بمعنى: ألا أيهاذا الزاجري أن أحضر الوغى. وفي قوله: "أن أشهد" الدلالة البينة على أنها معطوفة على أن أخرى مثلها، قد تقدّمت قبلها، فذلك وجه جوازه. وإذا وُجِّه الكلام إلى هذا الوجه كان قوله: (فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ) تفسيرًا لقوله: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ) كأنه قيل: وما أدراك ما العقبة؟ هي فكّ رقبة (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ) كما قال جلّ ثناؤه: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ) ، ثم قال: (نَارٌ حَامِيَةٌ) مفسرا لقوله: (فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ) ، ثم قال: وما أدراك ما الهاوية؟ هي نار حامية.
وقوله: (أَوْ أَطْعَمَ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ)
يقول: أو أطعم في يوم ذي مجاعة، والساغب: الجائع.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (أو أطْعَمَ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ) يوم مجاعة.
حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثني خالد بن حيان الرقي أبو يزيد، عن جعفر بن برقان، عن عكرِمة في قول الله (أو أطْعَمَ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ) قال: ذي مجاعة.
(1)
يأتي بتمامه وتخريجه برقم 179.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ) قال: الجوع.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (أو أطْعَمَ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ) يقول: يوم يُشْتَهَى فيه الطعام.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن عثمان الثقفي، عن مجاهد، عن ابن عباس (فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ) قال: مجاعة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عثمان بن المُغيرة، عن مجاهد، عن ابن عباس، مثله.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول: في قوله: (فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ) قال: مجاعة.
وقوله: (يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ) يقول: أو أطعم في يوم مجاعة صغيرًا لا أب له من قرابته، وهو اليتيم ذو المقرَبة؛ وعُنِي بذي المقربة: ذا القرابة.
كما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ) قال: ذَا قرابة.
وقوله: (أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (ذَا مَتْرَبَةٍ) فقال بعضهم: عُنِيَ بذلك: ذو اللصوق بالتراب.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عديّ، عن شعبة، قال: أخبرني المُغيرة، عن مجاهد، عن ابن عباس (أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) قال: الذي ليس له مأوى إلا التراب.
حدثنا مطرِّف بن محمد الضبيّ، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا شعبة، عن المُغيرة، عن مجاهد، عن ابن عباس، مثله.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عديّ، عن شعبة، عن حُصين، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قول الله: (أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) قال: الذي لا يُواريه إلا التراب.
حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا أبو عاصم، عن شعبة، عن المُغيرة، عن مجاهد، عن ابن عباس (ذَا مَتْرَبَةٍ) قال: الذي ليس له مَأوًى إلا التراب.
حدثنا ابن حميد، قال: ثني جرير، عن مغيرة، عن مجاهد، عن ابن عباس (مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) قال: الذي ليس له مَأوًى إلا التراب.
قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله: (أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) قال: المسكين؛ المطروح في التراب.
حدثني أبو حصين قال: ثنا عبد الله بن أحمد بن يونس، قال: ثنا عَبْثَرٌ، عن حصين، عن مجاهد، عن ابن عباس، قوله: (أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) قال: الذي لا يقيه من التراب شيء.
حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: ثنا حصين والمغيرة كلاهما، عن مجاهد، عن ابن عباس أنه قال في قوله: (أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) قال: هو اللازق بالتراب من شدّة الفقر.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو بن أبي قيس، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس (أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) قال: التراب الملقى على الطريق على الكُناسة.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا طَلق بن غنام، عن زائدة، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس (أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) قال: هو المسكين الملقى بالطريق بالتراب.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الحصين، عن مجاهد (أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) قال: المطروح في الأرض، الذي لا يقيه شيء دون التراب.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن حصين، عن مجاهد، عن ابن عباس (أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) قال: هو المُلزق بالأرض، لا يقيه شيء من التراب.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن حصين وعثمان بن المُغيرة، عن مجاهد عن ابن عباس (أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) قال الذي ليس له شيء يقيه من التراب.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (ذَا مَتْرَبَةٍ) قال: ساقط في التراب.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن جعفر بن برقان، قال: سمع عكرِمة
(أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) قال: الملتزق بالأرض من الحاجة.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن عكرِمة، في قوله: (أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) قال: التراب اللاصق بالأرض.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عثمان بن المُغيرة، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، قال: المُلقى في الطريق الذي ليس له بيت إلا التراب.
وقال آخرون: بل هو المحتاج، كان لاصقا بالتراب، أو غير لاصق؛ وقالوا: إنما هو من قولهم: تَرِب الرجل: إذا افتقر.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: (أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) يقول: شديد الحاجة.
حدثنا هناد بن السريّ، قال: ثنا أبو الأحوص، عن حصين، عن عكرِمة، في قوله: (أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) قال: هو المحارَف الذي لا مال له.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) قال: ذا حاجة، الترب: المحتاج.
وقال آخرون: بل هو ذو العيال الكثير الذين قد لصقوا بالتراب من الضرّ وشدّة الحاجة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) يقول: مسكين ذو بنين وعيال، ليس بينك وبينه قرابة.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر بن أبي المُغيرة، عن سعيد بن جُبير، في قوله: (أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) قال: ذا عِيال.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) كنا نحدّث أن الترب هو ذو العيال الذي لا شيء له.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) ذا عيال لاصقين بالأرض، من المسكنة والجهد.
وأولى الأقوال في ذلك بالصحة قول من قال: عُنِيَ به: أو مسكينا قد لصق بالتراب من الفقر والحاجة؛ لأن ذلك هو الظاهر من معانيه. وأن قوله: (مَتْرَبَةٍ) إنما هي "مَفْعَلةٍ" من ترب الرجل: إذا أصابه التراب.
القول في تأويل قوله تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (19) عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ (20) } .
يقول تعالى ذكره: ثم كان هذا الذي قال: (أَهْلَكْتُ مَالا لُبَدًا) من الذين آمنوا بالله ورسوله، فيؤمن معهم كما آمنوا (وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) يقول: وممن أوصى بعضهم بعضا بالصبر على ما نابهم في ذات الله (وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) يقول: وأوصى بعضهم بعضًا بالمرحمة.
كما حدثنا محمد بن سنان والقزّاز، قال: ثنا أبو عاصم عن شبيب، عن عكرِمة، عن ابن عباس (وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) قال: مَرْحَمة الناس.
وقوله: (أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ) يقول: الذين فعلوا هذه الأفعال التي ذكرتها، من فكّ الرقاب، وإطعام اليتيم، وغير ذلك، أصحاب اليمين، الذين يؤخذ بهم يوم القيامة ذات اليمين إلى الجنة.
وقوله: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا) يقول: والذين كفروا بأدلتنا وأعلامنا وحججنا من الكتب والرُّسل وغير ذلك (هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ) يقول: هم أصحاب الشمال يوم القيامة الذين يؤخذ بهم ذات الشمال. وقد بيَّنا معنى المشأمة، ولم قيل لليسار المشأمة فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وقوله: (عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ) يقول تعالى ذكره: عليهم نار جهنم يوم القيامة مُطْبََقة؛ يقال منه: أوصدت وآصدت.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن
ابن عباس، قوله: (عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ) قال: مُطْبَقة.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، (عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ) قال: مُطْبَقة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ) : أي مُطْبَقة، أطبقها الله عليهم، فلا ضوء فيها ولا فرج، ولا خروج منها آخر الأبد.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (مُؤْصَدَةٌ) : مغلقة عليهم.
آخر تفسير سورة لا أُقسم بهذا البلد.
24-
449








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #1407  
قديم 27-07-2025, 10:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,290
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الشمس
الحلقة (1407)
صــ 451 الى صــ460





تفسير سورة الشمس




بسم الله الرحمن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى جل ثناؤه وتقدست أسماؤه: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالأرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) } .
قوله: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) قسم أقسم ربنا تعالى ذكره بالشمس وضحاها؛ ومعنى الكلام: أقسم بالشمس، وبضحى الشمس.
واختلف أهل التأويل في معنى قوله: (وَضُحَاهَا) فقال بعضهم: معنى ذلك: والشمس والنهار، وكان يقول: الضحى: هو النهار كله.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) قال: هذا النهار.
وقال آخرون: معنى ذلك: وضوئها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) قال: ضوئها.
والصواب من القول في ذلك أن يقال: أقسم جلّ ثناؤه بالشمس ونهارها؛ لأن ضوء الشمس الظاهرة هو النهار.
وقوله: (وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا) يقول تعالى ذكره: والقمر إذا تبع الشمس، وذلك في النصف الأوّل من الشهر، إذا غُربت الشمس، تلاها القمر طالعا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا) قال: يتلو النهار.
حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا عبد الملك، عن قيس بن سعد، عن مجاهد، قوله: (وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا) يعني: الشمس إذا تبعها القمر.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا) قال: تبعها.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا) يتلوها صبيحة الهلال فإذا سقطت الشمس رُؤي الهلال.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا) قال: إذا تلاها ليلة الهلال.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا) قال: هذا قسم، والقمر يتلو الشمس نصف الشهر الأوّل، وتتلوه النصف الآخر، فأما النصف الأوّل فهو يتلوها، وتكون أمامه وهو وراءها، فإذا كان النصف الآخر كان هو أمامها يقدمها، وتليه هي.
وقوله: (وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا) يقول: والنهار إذا جَلاهَا، قال: إذا أضاء.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا) قال: إذا غشيها النهار. وكان بعض أهل العربية يتأوّل ذلك بمعنى: والنهار إذا جلا الظلمة، ويجعل الهاء والألف من جلاها كناية عن الظلمة، ويقول: إنما جاز الكناية عنها، ولم يجز لها ذكر قبل، لأن معناها معروف، كما يعرف معنى قول القائل: أصبحت باردة، وأمست باردة، وهبَّت شمالا فكني عن مؤنثات لم يجر لها ذكر، إذ كان معروفا معناهن.
والصواب عندنا في ذلك: ما قاله أهل العلم الذين حكينا قولهم، لأنهم أعلم
بذلك، وإن كان للذي قاله من ذكرنا قوله من أهل العربية وَجْهٌ.
وقوله: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا) يقول تعالى ذكره: والليل إذا يغشي الشمس، حتى تغيب فَتُظْلِمُ الآفَاقُ.
وكان قتادة يقول في ذلك ما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا) : إذا غَشَّاها الليل.
وقوله: (وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا) يقول جلّ ثناؤه: والسماء ومَنْ بناها، يعني: ومَنْ خَلَقها، وبناؤه إياها: تصييره إياها للأرض سقفا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا) وبناؤها: خَلْقُها.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا) قال: الله بنى السماء.
وقيل: (وَمَا بَنَاهَا) وهو جلّ ثناؤه بانيها، فوضع "ما" موضع "مَنْ" كما قال (وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ) ، فوضع "ما" في موضع "مَنْ" ومعناه، ومَن ولد، لأنه قَسَمٌ أقسم بآدم وولده، وكذلك: (وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) ، وقوله: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ) وإنما هو: فانكحوا مَنْ طاب لكم. وجائز توجيه ذلك إلى معنى المصدر، كأنه قال: والسماء وبنائها، ووالد وولادِته.
وقوله: (وَالأرْضِ وَمَا طَحَاهَا) وهذه أيضا نظير التي قبلها، ومعنى الكلام: والأرض ومَنْ طحاها.
ومعنى قوله: (طَحَاهَا) : بسطها يمينا وشمالا ومن كلّ جانب.
وقد اختلف أهل التأويل في معنى قوله: (طَحَاهَا) فقال بعضهم: معنى ذلك: والأرض وما خلق فيها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي،
عن أبيه، عن ابن عباس: (وَالأرْضِ وَمَا طَحَاهَا) يقول: ما خلق فيها.
وقال آخرون: يعني بذلك: وما بسطها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: ثنا عيسى؛ وحدتني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وَالأرْضِ وَمَا طَحَاهَا) قال: دحاها.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَمَا طَحَاهَا) قال: بَسَطَها.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما قسمها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: (وَالأرْضِ وَمَا طَحَاهَا) يقول: قسمها.
وقوله: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا) يعني جلّ ثناؤه بقوله: (وَمَا سَوَّاهَا) نفسه؛ لأنه هو الذي سوّى النفس وخلقها، فعدّل خلقها، فوضع "ما" موضع "مَنْ" وقد يُحتمل أن يكون معنى ذلك أيضا المصدر، فيكون تأويله: ونفس وتسويَتها، فيكون القسم بالنفس وبتسويتها.
وقوله: (فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) يقول تعالى ذكره: فبين لها ما ينبغي لها أن تأتي أو تذر من خير، أو شرّ أو طاعة، أو معصية.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) يقول: بَيَّنَ الخيرَ والشرَّ.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) يقول: بين الخيرَ والشرَّ.
محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) قال: علَّمها الطاعة والمعصية.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) قال: عَرَّفَها.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) : فبَيَّن لها فجورها وتقواها.
وحُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) ، بين لها الطاعةَ والمعصيةَ.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) قال: أعلمها المعصية والطاعة.
قال: ثنا مِهْران، عن سفيان، عن الضحاك بن مزاحم (فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) قال: الطاعةَ والمعصيةَ.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أن الله جعل فيها ذلك.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) قال: جعل فيها فجورَها وتقواها.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا صفوان بن عيسى وأبو عاصم النبيل، قالا ثنا عزرة بن ثابت، قال: ثني يحيى بن عقيل، عن يحيى بن يَعْمَر، عن أبي الأسود الدّيلي، قال: قال لي عمران بن حُصين: أرأيت ما يعمل الناس فيه ويتكادحون فيه أشيء قُضِيَ عليهم، ومضى عليهم من قَدَرٍ قد سبق، أو فيما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم عليه الصلاة والسلام، وأكدت عليهم الحجة؟ قلت: بل شيء قُضِيَ عليهم، قال: فهل يكون ذلك ظلما؟ قال: ففزعت منه فزعا شديدا، قال: قلت له: ليس شيء إلا وهو خَلْقُه، ومِلْكُ يده، (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) قال: سددّك الله، إنما سألتك "أظنه أنا" لأخْبُرَ عقلك. إن رجلا من مُزَينة أو جهينة، أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أرأيت ما يعمل الناس فيه ويتكادحون أشيء قضي عليهم، ومضى عليهم من قدر سبق، أو فيما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم عليه السلام وأكّدت به عليهم الحجة؟ قال: "فِي شَيء قَدْ قُضِيَ عَلَيْهِمْ" ؛ قال: ففيم
نعملُ؟ قال: "مَنْ كانَ اللهُ خَلَقَهُ لإحْدَى المَنزلَتَينِ يُهَيِّئُهُ لَهَا، وَتَصْدِيقُ ذَلكَ فِي كِتَابِ اللهِ: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) " .
القول في تأويل قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15) } .
قوله: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) يقول: قد أفلح من زكَّى الله نفسه، فكثَّر تطهيرها من الكفر والمعاصي، وأصلحها بالصالحات من الأعمال.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) يقول: قد أفلح من زكَّى اللهُ نفسه.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن خَصِيفٍ، عن مجاهد وسعيد بن جُبير وعكرِمة: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) قالوا: من أصلحها.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد وسعيد بن جُبير، ولم يذكر عكرِمة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) من عمل خيرا زكَّاها بطاعة الله.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) قال: قد أفلح من زكَّى نفسَه بعمل صالح.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) يقول: قد أفلح من زكى اللهُ نفسَه.
وهذا هو موضع القسم؛ كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد،
عن قتادة، قال: قد وقع القسم ها هنا (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) وقد ذكرتُ ما تقول أهل العربية في ذلك فيما مضى من نظائره قبل.
وقوله: (وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) يقول تعالى ذكره: وقد خاب في طِلبته، فلم يُدرك ما طلب والتمس لنفسه مِن الصلاح مَنْ دساها يعني: من دَسَّس الله نفسه فأَخْمَلها، ووضع منها، بخُذلانه إياها عن الهدى حتى ركب المعاصِيَ، وترك طاعة الله. وقيل: دسَّاها وهي دَسَّسها، فقُلبت إحدى سيناتها ياء، كما قال العجَّاج:
تَقَضِّيَ الْبازِي إذا البازِي كَسَرْ (1)
يريد: تَقَضُّض. وتظنَّيت هذا الأمر، بمعنى: تظننت، والعرب تفعل ذلك كثيرا، فتبدل في الحرف المشدّدة بعض حروفه، ياء أحيانا، وواوا أحيانا؛ ومنه قول الآخر:
يَذْهَبُ بِي فِي الشِّعْرِ كُلَّ فَنَّ ... حتى يَرُدَّ عَنِّي التَّظَنِّي (2)
يريد: التظنن.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس (وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) يقول: وقد خاب من دَسَّى اللهُ نَفسَه فأضلَّه.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) يعني: تكذيبها.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد وسعيد بن جُبير (وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) قال أحدهما: أغواها، وقال الآخر: أضلَّها.
(1)
لم أعرف نسبة البيت، وأخشى أن يكون من أبيات ودقة الأسدي يقولها لمعن بن زائدة. أمالي المرتضى 1: 160.

(2)
نسبه المفضل بن سلمة في الفاخر: 253، وقال: "أول من قال ذلك طرفة بن العبد، في شعر يعتذر فيه إلى عمرو بن هند" ، وليس في ديوانه، وانظر أمثال الميداني 2: 125.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن خَصيف، عن مجاهد (وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) قال: أضلَّها، وقال سعيد: مَنْ أغواها.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (مَنْ دَسَّاهَا) قال: أغواها.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) قال: أثّمها وأفجرها.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَقَدْ خَابَ) يقول: وقد خاب من دَسَّى اللهُ نفسَه.
وقوله: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا) يقول: كذَّبت ثمود بطغيانها، يعني: بعذابها الذي وعدهموه صالح عليه السلام، فكان ذلك العذاب طاغيا طغى عليهم، كما قال جلّ ثناؤه: (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وإن كان فيه اختلاف بين أهل التأويل.
* ذكر من قال القول الذي قلنا في ذلك:
حدثني سعيد بن عمرو السَّكونّي، قال: ثنا الوليد بن سَلَمة الفِلَسْطِينيّ، قال: ثني يزيد بن سمرة المَذحِجيّ عن عطاء الخُراسانيّ، عن ابن عباس، في قول الله: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا) قال: اسم العذاب الذي جاءها، الطَّغْوَى، فقال: كذّبت ثمود بعذابها.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا) : أي الطغيان.
وقال آخرون: كذّبت ثمود بمعصيتهم الله.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد
(كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا) قال: معصيتها.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا) قال: بغيانهم وبمعصيتهم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك بأجمعها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يحيى بن أيوب وابن لَهِيعة، عن عُمارة بن غزية، عن محمد ب رفاعة القُرَظِيّ، عن محمد بن كعب، أنه قال: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا) قال: بأجمعها.
حدثني ابن عيد الرحيم الْبَرِقيّ، قال: ثنا ابن أبي مَرْيم، قال: أخبرني يحيى بن أيوب، قال: ثني عمارة بن غزية، عن محمد بن رفاعة القُرَظِيّ، عن محمد بن كعب، مثله.
وقيل (طَغْوَاهَا) بمعنى: طغيانهم، وهما مصدران للتوفيق بين رءوس الآي، إذ كانت الطغْوَى أشبه بسائر رءوس الآيات في هذه السورة، وذلك نظير قوله: (وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ) بمعنى: وآخر دعائهم.
وقوله: (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا) يقول: إذ ثار أشقى ثمود، وهو قُدَار بن سالف.
كما حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا الطُّفاويّ، عن هشام، عن أبيه، عن عبد الله بن زَمْعة، قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر في خطبته الناقة، والذي عَقَرها، فقال: (إذِ انْبَعَثَ أشْقَاهَا) انْبَعَثَ لَهَا رَجُلٌ عَزِيزٌ عارِمٌ، مَنِيعٌ فِي رَهْطِهِ، مِثْلُ أبي زَمْعَةَ "."
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قالا ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله. (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا) يعني أُحَيْمِرَ ثَمود.
وقوله: (فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ) يعني بذلك جلّ ثناؤه: صالحا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لثمود صالح: (نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا) احذروا ناقة الله وسُقياها، وإنما حذّرهم سُقيا الناقة، لأنه كان تقدّم إليهم عن أمر الله، أن للناقة شِربَ يوم، ولهم شِرْب يومٍ آخر، غير يوم الناقة، على ما قد بيَّنت فيما مضى قبل.
وكما حدثني بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَقَالَ لَهُمْ
رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا) قسْم الله الذي قسم لها من هذا الماء.
وقوله: (فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا) يقول: فكذّبوا صالحا في خبره الذي أخبرهم به، من أن الله الذي جعل شِرْبَ الناقة يوما، ولهم شِرْبُ يوم معلوم، وأن الله يُحِلّ بهم نقمته، إن هم عقروها، كما وصفهم جلّ ثناؤه فقال: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ) ، وقد يُحتمل أن يكون التكذيب بالعقْر. وإذا كان ذلك كذلك، جاز تقديم التكذيب قبل العقر، والعقر قبل التكذيب، وذلك أن كلّ فعل وقع عن سبب حَسُنَ ابتداؤه قبل السبب وبعده، كقول القائل: أعطيت فأحسنت، وأحسنت فأعطيت؛ لأن الإعطاء هو الإحسان، ومن الإحسان الإعطاء، وكذلك لو كان العقر هو سبب التكذيب، جاز تقديم أيّ ذلك شاء المتكلم. وقد زعم بعضهم أن قوله: (فَكَذَّبُوهُ) كلمة مكتفية بنفسها، وأن قوله: (فَعَقَرُوهَا) جواب لقوله: (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا) كأنه قيل: إذ انبعث أشقاها فعقرها، فقال: وكيف قيل (فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا) وقد كان القوم قبل قتل الناقة مُسَلِّمين، لها شرب يوم، ولهم شرب يوم آخر. قيل: جاء الخبر أنهم بعد تسليمهم ذلك أجمعوا على منعها الشرب، ورضوا بقتلها، وعن رضا جميعهم قَتَلها قاتِلُها، وعقَرَها من عقرها ولذلك نُسب التكذيب والعقر إلى جميعهم، فقال جلّ ثناؤه: (فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا) .
وقوله: (فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا) يقول تعالى ذكره: فدمَّر عليهم ربهم بذنبهم ذلك، وكفرهم به، وتكذيبهم رسوله صالحا، وعقرهم ناقته (فَسَوَّاهَا) يقول: فسوّى الدمدمة عليهم جميعهم، فلم يُفْلِت منهم أحد.
كما حدثني بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا) ذُكر لنا أن أحيمر ثَمود أبى أن يعقرها، حتى بايعه صغيرُهم وكبيرُهم، وذكرهم وأنثاهم، فلما اشترك القوم في عقرها دمدم الله عليهم بذنبهم فسوّاها.
حدثني بشر بن آدم، قال: ثنا قُتيبة، قال: ثنا أبو هلال، قال: سمعت الحسن يقول: لما عقروا الناقة طلبوا فصيلها، فصار في قارة الجبل، فقطع الله قلوبهم.
وقوله: (وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا) اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: لا يخاف تبعة دمدمته عليهم.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #1408  
قديم 27-07-2025, 10:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,290
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الليل
الحلقة (1408)
صــ 461 الى صــ470




* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا) قال: لا يخاف الله من أحد تبعة.
حدثني إبراهيم بن المستمر، قال: ثنا عثمان بن عمرو، قال: ثنا عمر بن مرثد، عن الحسن، في قوله: (وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا) قال: ذاك ربنا تبارك وتعالى، لا يخاف تبعة مما صنع بهم.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن عمرو بن منبه، هكذا هو في كتابي، سمعت الحسن قرأ: (وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا) قال: ذلك الربّ صنع ذلك بهم، ولم يخف تبعة.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: (وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا) قال: لا يخاف تبعتهم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا) يقول: لا يخاف أن يتبع بشيء مما صنع بهم.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا) قال محمد بن عمرو في حديثه، قال الله: (وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا) . وقال الحارث في حديثه: الله لا يخاف عقباها.
حدثني محمد بن سنان، قال: ثنا يعقوب، قال: ثنا رزين بن إبراهيم، عن أبي سليمان، قال: سمعت بكر بن عبد الله المزنيّ يقول في قوله: (وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا) قال: لا يخاف الله التبعة.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولم يخف الذي عقرها عقباها: أي عُقبى فعلته التي فعل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا جابر بن نوح، قال: ثنا أبو روق، قال: ثنا الضحاك (وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا) قال: لم يخف الذي عقرها عقباها.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن السديّ: (وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا) قال: لم يخف الذي عقرها عقباها.
حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن السديّ (وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا) قال: الذي لا يخاف الذي صنع، عُقْبَى ما صنع.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الحجاز والشام (فَلا يَخافُ عُقْبَاهَا) بالفاء، وكذلك ذلك في مصاحفهم، وقرأته عامة قرّاء العراق في المِصْرين بالواو (وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا) وكذلك هو في مصاحفهم.
والصواب من القول في ذلك: أنهما قراءتان معروفتان، غير مختلفي المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
واختلفت القرّاء في إمالة ما كان من ذوات الواو في هذه السورة وغيرها، كقوله: (وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا) (وَمَا طَحَاهَا) ونحو ذلك، فكان يفتح ذلك كلَّه عامة قرّاء الكوفة، ويُمِيلون ما كان من ذوات الياء، غير عاصم والكسائي، فإن عاصما كان يفتح جميعَ ذلك ما كان منه من ذوات الواو وذوات الياء، لا يُضْجِعُ منه شيئا.
وكان الكسائي يكسر ذلك كلَّه. وكان أبو عمرو ينظر إلى اتساق رءوس الآي، فإن كانت متسقة على شيء واحد أمال جميعها، وأما عامة قرّاء المدينة فإنهم لا يميلون شيئا من ذلك الإمالة الشديدة، ولا يفتحونه الفتح الشديد، ولكن بين ذلك؛ وأفصح ذلك وأحسنه أن ينظر إلى ابتداء السورة، فإن كانت رءوسها بالياء أجري جميعها بالإمالة غير الفاحشة، وإن كانت رءوسها بالواو فتحت وجرى جميعها بالفتح غير الفاحش، وإذا انفرد نوع من ذلك في موضع أميل ذوات الياء الإمالة المعتدلة، وفتح ذوات الواو الفتح المتوسط، وإن أُميلت هذه، وفُتحت هذه لم يكن لحنا، غير أن الفصيح من الكلام هو الذي وصفنا صفته.
آخر تفسير سورة والشمس وضحاها




تفسير سورة والليل إذا يغشى



بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله تعالى جل جلاله وتقدست أسماؤه: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) } .
يقول تعالى ذكره مقسما بالليل إذا غشَّى النهار بظلمته، فأذهب ضوءه، وجاءت ظُلمته: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى) النهار (وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى) وهذا أيضا قسم، أقسم بالنهار إذا هو أضاء فأنار، وظهر للأبصار. ما كانت ظلمة الليل قد حالت بينها وبين رؤيته وإتيانه إياها عِيانا، وكان قتادة يذهب فيما أقسم الله به من الأشياء أنه إنما أقسم به لعِظَم شأنه عنده.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى) قال: آيتان عظيمتان يكوّرهما الله على الخلائق.
وقوله: (وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأنْثَى) يحتمل الوجهين اللذين وصفت في قوله: (وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا) وفي (وَالأرْضِ وَمَا طَحَاهَا) وهو أن يجعل "ما" بمعنى "مَنْ، فيكون ذلك قسما من الله جلّ ثناؤه بخالق الذّكر والأنثى، وهو ذلك الخالق، وأن تجعل "ما" مع ما بعدها بمعنى المصدر، ويكون قسما بخلقه الذكر والأنثى."
وقد ذُكر عن عبد الله بن مسعود وأبي الدرداء: أنهما كانا يقرآن ذلك (والذَّكَرِ والأنْثَى) ويأثُرُه أبو الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* ذكر الخبر بذلك:
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق قال: في قراءة عبد الله (وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى والنَّهارِ إذَا تَجَلَّى والذَّكَر والأنْثَى) .
حدثنا ابن المثني، قال: ثنا هشام بن عبد الملك (1) قال: ثنا شعبة، قال: أخبرني المُغيرة، قال: سمعت إبراهيم يقول: أتى علقمة الشام، فقعد إلى أبي الدرداء، فقال: ممن أنت؟ فقلت: من أهل الكوفة، فقال: كيف كان عبد الله يقرأ هذه الآية (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى) فقلت: (وَالذَّكَرِ والأنْثَى) قال: فما زال هؤلاء حتى كادوا يستضلُّونني، وقد سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا حاتم بن وَرْدان، قال: ثنا أبو حمزة، عن إبراهيم، عن علقمة قال: أتينا الشام، فدخلت على أبي الدرداء، فسألني فقال: كيف سمعت ابن مسعود يقرأ هذه الآية: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى) قال: قلت: (وَالذَّكَرِ والأنْثَى) قال: كفاك، سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية؛ وحدثني إسحاق بن شاهين الواسطي، قال: ثنا خالد بن عبد الله عن داود، عن عامر، عن علقمة، قال: قَدِمت الشام، فلقيت أبا الدرداء، فقال: من أين أنت؟ فقلت من أهل العراق؟ قال: من أيَّها؟ قلت: من أهل الكوفة، قال: هل تقرأه قراءة ابن أمّ عبد؟ قلت: نعم، قال: اقرأ (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى) قال: فقرأت: (وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى والنَّهارِ إذَا تَجَلَّى والذَّكَرِ والأنْثَى) قال: فضحك، ثم قال: هكذا سمعت مِنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثني عبد الأعلى، قال: ثني داود، عن عامر، عن علقمة، عن أبي الدَّرداء، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، بنحوه.
حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: قدمت الشام، فأتى أبو الدرداء، فقال: فيكم أحد يقرأ علي قراءة عبد الله؟ قال: فأشاروا إليّ، قال: قلت أنا، قال: فكيف سمعت عبد الله يقرأ هذه الآية: (وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى والنَّهارِ إذَا تَجَلَّى والذَّكَرِ والأنْثَى) قال:
(1)
أي رديء من القول. انظر ما سلف ص 165 رقم: 1.

وأنا هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فهؤلاء يريدوني على أن اقرأ (وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأنْثَى) فلا أنا أتابعهم.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأنْثَى) قال: في بعض الحروف (والذَّكَرِ والأنْثَى) .
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، مثله.
حدثني أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا حجاج، عن هارون، عن إسماعيل، عن الحسن أنه كان يقرأها (وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأنْثَى) يقول: والذي خلق الذكر والأنثى؛ قال هارون قال أبو عمرو: وأهل مكة يقولون للرعد: سبحان ما سبَّحْتَ له.
حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا جرير، عن مُغيرة، عن مِقْسَمٍ الضَّبّي، عن إبراهيم بن يزيد بن أبي عمران، عن علقمة بن قيس أبي شبل: أنه أتى الشام، فدخل المسجد فصَّلى فيه، ثم قام إلى حَلْقة فجلس فيها؛ قال: فجاء رجل إليّ، فعرفت فيه تحوّش، القوم وهيبتهم له، فجلس إلى جنبي، فقلت: الحمد لله إني لأرجو أن يكون الله قد استجاب دعوتي، فإذا ذلك الرجل أبو الدرداء، قال: وما ذاك؟ فقال علقمة: دعوت الله أن يرزقني جليسا صالحا، فأرجو أن يكون أنت، قال: مِنْ أين أنت؟ قلت: من الكوفة، أو من أهل العراق من الكوفة. قال أبو الدرداء: ألم يكن فيكم صاحب النعلين والوساد والمِطْهَرة، يعني ابن مسعود، أو لم يكن فيكم من أُجير على لسان النبيّ صلى الله عليه وسلم من الشيطان الرجيم، يعني عَمَّار بن ياسر، أو لم يكن فيكم صاحب السرّ الذي لا يعلمه غيره، أو أحد غيره، يعني حُذَيفة بن اليمان، ثم قال: أيكم يحفظ كما كان عبد الله يقرأ؟ قال: فقلت: أنا، قال: اقرأ: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى) قال علقمة: فقرأت: (الذكر والأنثى) ، فقال أبو الدرداء: والذي لا إله إلا هو، كذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فوه إلى فيّ، فما زال هؤلاء حتى كادوا يردّونني عنها.
وقوله: (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) يقول: إن عَمَلَكُمْ لمختلف أيها الناس، لأن منكم الكافر بربه، والعاصي له في أمره ونهيه، والمؤمن به، والمطيع له في أمره ونهيه.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (إِنَّ
سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) يقول: لمختلف.
وقوله: (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) جواب القسم، والكلام: والليل إذا يغشى إن سعيكم لشتى، وكذا قال أهل العلم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: وقع القسم ها هنا (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) .
وقوله: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى) يقول تعالى ذكره: فأما من أعطى واتقى منكم أيها الناس في سبيل الله، ومن أمَرَه الله بإعطائه من ماله، وما وهب له من فضله، واتقى الله واجتنب محارمه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا داود، عن عامر، عن عكرِمة، عن ابن عباس، في قوله: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى) قال: أعطى ما عنده واتقى، قال: اتقى ربه.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا خالد بن عبد الله، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى) من الفضل (وَاتَّقَى) : اتقى ربه.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى) حق الله (وَاتَّقَى) محارم الله التي نهى عنها.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول قي قوله: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى) يقول: من ذكر الله، واتقى الله.
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله تعالى: (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى) فقال بعضهم: معنى ذلك: وصدّق بالخلَف من الله على إعطائه ما أعطى من ماله فيما أعْطَى فيه مما أمره الله بإعطائه فيه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني حميد بن مسعدة، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا دواد، عن عكرِمة،
عن ابن عباس، في قوله: (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى) قال: وصدّق بالخَلَف من الله.
حدثني محمد بن المثنى، قال: ثني عبد الأعلى، قال: ثنا داود، عن عكرِمة، عن ابن عباس: (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى) يقول: وصدّق بالخلَف من الله.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا خالد بن عبد الله، عن داود بن أبي هند، عن عكرِمة، عن ابن عباس (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى) بالخلف.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، عن داود، عن عكرِمة، عن ابن عباس، مثله.
حدثنا إسماعيل بن موسى السديّ، قال: أخبرنا بشر بن الحكم الأحْمَسِيِّ، عن سعيد بن الصلت، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، عن ابن عباس (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى) قال: أيقن بالخلف.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن قيس بن مسلم، عن عكرِمة (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى) قال: بالخلف.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن قيس بن مسلم، عن عكرِمة (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى) قال: بأن الله سيخلف له.
قال ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي هاشم المكي، عن مجاهد (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى) قال بالخلف.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن أبي بكر الهُذليّ، عن شهر بن حوشب، عن ابن عباس: (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى) قال: بالخلف.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن نضر بن عربي، عن عكرمة، قال: بالخلف.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وصدّق بأن الله واحد لا شريك له.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمر بن عليّ المُقَدَّمِيِّ، قال: ثنا أشعث السجستاني، قال: ثنا مِسْعَر؛ وحدثنا أبو كُرَيب قال: ثنا وكيع، عن مِسْعَر عن أبي حصين، عن أبي عبد الرحمن (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى) قال: بلا إله إلا الله.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي حصين، عن أبي عبد الرحمن مثله.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهرإن، عن سفيان، عن أبي حصين، عن أبي عبد الرحمن، مثله.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى) : بلا إله إلا الله.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى) : يقول: صدّقَ بلا إله إلا الله.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وصدّق بالجنة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى) قال: بالجنة.
حدثنا ابن بشار، قال: ثني محمد بن محبب، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
وقال آخرون: بل معناه: وصدق بموعود الله.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى) قال: بموعود الله على نفسه، فعمل بذلك الموعود الذي وعده الله.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى) قال: صدّق المؤمن بموعود الله الحسن.
وأشبه هذه الأقوال بما دلّ عليه ظاهر التنزيل، وأولاها بالصواب عندي: قول من قال: عُنِي به التصديق بالخلف من الله على نفقته.
وإنما قلت: ذلك أولى الأقوال بالصواب في ذلك، لأن الله ذكر قبله مُنفقا أنفق طالبا بنفقته الخلف منها، فكان أولى المعاني به أن يكون الذي عقيبه الخبر عن تصديقه بوعد الله إياه بالخلف إذ كانت نفقته على الوجه الذي يرضاه، مع أن الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو الذي قلنا في ذلك ورد.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #1409  
قديم 27-07-2025, 10:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,290
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الليل
الحلقة (1409)
صــ 471 الى صــ480




* ذكر الخبر الوارد بذلك:
حدثني الحسن بن سلمة بن أبي كبشة، قال: ثنا عبد الملك بن عمرو، قال: ثنا عباد بن راشد، عن قتادة قال: ثني خليد العصري، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما مِنْ يَوْمٍ غَرَبَتْ فِيهِ شَمْسُهُ إلا وَبِجَنْبِيهَا مَلَكانِ يُنادِيانِ، يَسْمَعُهُ خَلْقُ اللهِ كُلُّهُم إلا الثَّقَلَينِ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقا خَلَفا، وأعْطِ مُمْسِكا تلَفا" فأنزلَ الله في ذلك القرآنَ (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى) ... إلى قوله (لِلْعُسْرَى) .
وذُكر أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصدّيق رضى الله عنه.
* ذكر الخبر بذلك:
حدثني هارون بن إدريس الأصمّ، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربيّ، قال: ثنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن عبيد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصدّيق، عن عامر بن عبد الله بن الزّبير، قال: كان أبو بكر الصدّيق يُعتق على الإسلام بمكة، فكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن، فقال له أبوه: أي بنيّ، أراك تعتق أناسا ضعفاء، فلو أنك أعتقت رجالا جَلْدا يقومون معك، ويمنعونك، ويدفعون عنك، فقال: أي أبت، إنما أريد "أظنه قال" : ما عند الله، قال: فحدثني بعض أهل بيتي، أن هذه الآية أنزلت فيه: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) .
وقوله: (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) يقول: فسنهيئه للخلة اليسرى، وهي العمل بما يرضاه الله منه في الدنيا، ليوجب له به في الآخرة الجنة.
وقوله: (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى) يقول تعالى ذكره: وأما من بخل بالنفقة في سبيل الله، ومنع ما وهب الله له من فضله، من صرفه في الوجوه التي أمر الله بصرفه فيها، واستغنى عن ربه، فلم يرغب إليه بالعمل له بطاعته بالزيادة فيما خوّله من ذلك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا داود، عن عكرِمة، عن ابن عباس، في قوله: (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى) قال: بخل بما عنده، واستغنى في نفسه.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا خالد بن عبد الله، عن داود بن أبي هند، عن عكرِمة عن ابن عباس (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى) وأما من بخل بالفضل، واستغنى عن ربه.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى) يقول: من أغناه الله، فبخل بالزكاة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى) : وأما من بخل بحقّ الله عليه، واستغنى في نفسه عن ربه.
وأما قوله: (وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى) فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله نحو اختلافهم في قوله: (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى) وأما نحن فنقول: معناه: وكذّب بالخَلَف.
كما حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا داود، عن عكرِمة، عن ابن عباس: (وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى) : وكذّب بالخلف.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا خالد بن عبد الله، عن داود بن أبي هند، عن عكرِمة، عن ابن عباس (وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى) بالخلف من الله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى) وكذّب بموعود الله الذي وعد، قال الله: (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) .
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى) وكذّب الكافر بموعود الله الحسن.
وقال آخرون: معناه: وكذّب بتوحيد الله.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى) : وكذّب بلا إله إلا الله.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى) بلا إله إلا الله.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وكذّب بالجنة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد
(وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى) قال: بالجنة.
وقوله: (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) يقول تعالى ذكره: فسنهيئه في الدنيا للخلة العُسرى، وهو من قولهم: قد يسرت غنم فلان: إذا ولدت وتهيأت للولادة، وكما قال الشاعر:
هُمَا سَيِّدَنا يَزْعُمانِ وإنَّمَا ... يَسُودَانِنا أنْ يَسَّرَتْ غَنَماهُمَا (1)
وقيل: (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) ولا تيسر في العُسرى للذي تقدّم في أول الكلام من قوله: (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) واذا جمع بين كلامين أحدهما ذكر الخير والآخر ذكر الشرّ، جاز ذلك بالتيسير فيهما جميعا؛ والعُسرى التي أخبر الله جلّ ثناؤه أنه ييسره لها: العمل بما يكرهه ولا يرضاه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* ذكر الخبر بذلك:
حدثني واصل بن عبد الأعلى وأبو كُرَيب، قالا ثنا وكيع، عن الأعمش، عن سعد بن عُبيدة، عن أبي عبد الرحمن السُّلَميّ، عن عليّ، قال: كُنَّا جلوسا عند النبيّ صلى الله عليه وسلم، فنكَت الأرض، ثم رفع رأسه فقال: "ما مِنكُمْ مِن أحَدٍ إلا وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ الجَنِّةِ وَمَقَعَدُهُ مِنَ النَّارِ" . قلنا: يا رسول الله أفلا نتكل؟ قال: "لا اعْمَلُوا فَكُلّ مُيَسَّر" ، ثم قرأ: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) .
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا زائدة بن قُدامة، عن منصور، عن سعد بن عُبيدة عن أبي عبد الرحمن السُّلَميّ، عن عليّ، قال: كنا في جنازة في البقيع، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس وجلسنا معه، ومعه عود ينكت في الأرض، فرفع رأسه إلى السماء فقال: "ما مِنْكُمْ مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إلا قَدْ كُتبَ مَدْخَلُها" ، فقال القوم: يا رسول الله ألا نتكل على كتابنا، فمن كان من أهل السعادة فإنَّهُ يعمل للسعادة، ومن كان من أهل الشقاء فإنه يعمل للشقاء، فقال: "بَلِ اعْمَلُوا فَكُلٌ مُيَسَّر؛ فأمَّا مَنْ كانَ مِنْ أهْلِ السَّعادَةِ فإنَّهُ يُيَسَّرُ لِعَمَلَ السَعادَةِ وأمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أهْلِ الشَّقاءِ فإنَّهُ يُيَسَّرُ للشَّقاءِ" ، ثم قرأ (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى
(1)
ارتفع الأمر: زال وذهب، كأنه كان موضوعا حاضرا ثم ارتفع. ومنه: ارتفع الخلاف بينهما.

وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) .
حدثنا أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلميّ، عن عليّ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بنحوه.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور والأعمش: أنهما سمعا سعد بن عُبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلميّ، عن عليّ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه كان في جنازة، فأخذ عودا، فجعل ينكت في الأرض، فقال: "ما منْ أحَدٍ إلا وَقَدْ كُتبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ أوْ مِنَ الجَنَّةِ" ، فقالوا: يا رسول الله أفلا نتكل؟ قال: "اعْمَلُوا فَكُلّ مُيَسَّرٌ (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) " .
حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور والأعمش، عن سعد بن عُبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلميّ، عن عليّ رضى الله عنه قال: كنا جلوسا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم، فتناول شيئا من الأرض بيده، فقال: "ما مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ إلا وَقَدْ عَلِمَ مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ والنَّارِ" قالوا: يا نبيّ الله، أفلا نتكل؟ قال: "لا اعْمَلُوا فَكُلّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ" ، ثم قرأ: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى) ... الآيتين.
قال: ثنا مهران، عن أبي سنان، عن عبد الملك بن سَمُرة بن أبي زائدة، عن النزال بن سَبَرةَ، قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "ما مِنْكُمْ مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إلا قَدْ كُتبَ اللهُ عَلَيْها ما هِيَ لاقِيَتُهُ" وأعرابي عند النبيّ صلى الله عليه وسلم مرتاد، فقال الأعرابيّ: فما جاء بي أضرب من وادي كذا وكذا، إن كان قد فرغ من الأمر.
فنكت النبيّ صلى الله عليه وسلم في الأرض، حتى ظنّ القوم أنه ود أنه لم يكن تكلم بشيء منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كُلّ مُيَسرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، فَمَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيرًا يَسَّرَهُ لِسَبِيلِ الخَيرِ، وَمَنْ يُرِدْ بِهِ شَرًّا يَسَّرَهُ لِسَبِيلِ الشَّرِّ" ، فلقيت عمَرو بن مرّة، فعرضت عليه هذا الحديث، فقال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم، وزاد فيه: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) .
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: ثنا حصين، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلميّ، قال: لما نزلت هذه الآية: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ
خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) قال رجل: يا رسول الله، ففيم العمل؟ أفي شيء نستأنفه، أو في شيء قد فُرغ منه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ: سَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى، وَسَنُيَسِّّرُهُ لِلْعُسْرَى" .
حدثني عمرو بن عبد الملك الطائي، قال: ثنا محمد بن عبيدة، قال: ثنا الجراح، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن الحجاج بن أرطاة، عن أبي إسحاق الهمداني، عن سليمان الأعمش، رفع الحديث إلى عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم جالسا وبيده عود ينكت به في الأرض، فرفع رأسه فقال: "ما مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ إلا وَقَدْ عُلِمَ مِقْعَدُهُ مِنَ الجَنَّةِ أو النَّار" قلنا: يا رسول الله أفلا نتوكل؟ قال لهم: "اعْمَلُوا فَكُلّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ" ثم قال: "أمَا سَمِعْتم اللهَ فِي كِتابِهِ يَقُولُ: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) " .
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهديّ، قال: ثنا خالد بن عبد الله، عن داود بن أبي هند، عن عكرِمة، عن ابن عباس (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) : للشرّ من الله.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله أنه قال: يا رسول الله، أنعمل لأمر قد فُرغ منه، أو لأمر نأتنفه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "كُلّ عَامِلٍ مُيَسَّرٌ لِعَملِهِ" .
حدثني يونس، قال: ثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن طلق بن حبيب، عن بشير بن كعب، قال: سأل غلامان شابان النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقالا يا رسول الله، أنعمل فيما جفَّت به الأقلام، وجرَت به المقادير، أو في شيء يستأنف؟ فقال: "بَلْ فِيما جَفَّتْ بِهِ الأقْلامُ وَجَرَتْ به المقادِيُر" قالا ففيم العمل إذن؟ قال: "اعمَلُوا، فَكُلُّ عامِلٍ مُيَسَّرٌ لَعَمَلِهِ الَّذِي خلِقَ لَهُ" ، قالا فالآن نجدّ ونعمل.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11) إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12) وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأولَى (13) فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14) } .
القول في تأويل قوله تعالى: لا يَصْلاهَا إِلا الأشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16) وَسَيُجَنَّبُهَا الأتْقَى (17)
الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) .
يعني جلّ ثناؤه بقوله: (وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ) : أي شيء يدفع عن هذا الذي بخل بماله، واستغنى عن ربه، ماله يوم القيامة (إِذًا) هو (تَرَدَّى) .
ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (إِذَا تَرَدَّى) فقال بعضهم: تأويله: إذا تردّى في جهنم: أي سقط فيها فَهَوى.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا الأشجعيّ، عن ابن أبي خالد، عن أبي صالح (وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى) قال: في جهنم. قال أبو كُرَيب: قد سمع الأشجعيّ من إسماعيل ذلك.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: (إِذَا تَرَدَّى) قال: إذا تردّى في النار.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إذا مات.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد (وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى) قال: إذا مات.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (إِذَا تَرَدَّى) قال: إذا مات
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا الأشجعيّ، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد، قال: إذا مات.
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: معناه: إذا تردّى في جهنم، لأن ذلك هو المعروف من التردّي، فأما إذا أُريد معنى الموت، فإنه يقال: رَدِيَ فلان، وقلما يقال: تردّى.
وقوله: (إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى) يقول تعالى ذكره: إن علينا لبيانَ الحقّ من الباطل، والطاعة من المعصية.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى) يقول: على الله البيان، بيانُ حلاله وحرامه، وطاعته ومعصيته.
وكان بعض أهل العربية يتأوّله بمعنى: أنه من سلك الهدى فعلى الله سبيله، ويقول وهو مثل قوله: (وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) ويقول: معنى ذلك: من أراد الله فهو على السبيل القاصد، وقال: يقال معناه: إن علينا للهدى والإضلال، كما قال: (سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) وهي تقي الحرّ والبرد.
وقوله: (وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأولَى) يقول: وإن لنا ملك ما في الدنيا والآخرة، نعطي منهما من أردنا من خلقنا، ونحرمه من شئنا.
وإنما عَنَى بذلك جلّ ثناؤه أنه يوفق لطاعته من أحبّ من خلقه، فيكرمه بها في الدنيا، ويهيئ له الكرامة والثواب في الآخرة، ويخذُل من يشاء خذلانه من خلقه عن طاعته، فيهينه بمعصيته في الدنيا، ويخزيه بعقوبته عليها في الآخرة.
ثم قال جل ثناؤه: (فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى) يقول تعالى ذكره: فأنذرتكم أيها الناس نارا تتوهَّج، وهي نار جهنم، يقول: احذروا أن تعصوا ربكم في الدنيا، وتكفروا به، فَتصْلَونها في الآخرة. وقيل: تلظَّى، وإنما هي تتلظَّى، وهي في موضع رفع، لأنه فعل مستقبل، ولو كان فعلا ماضيا لقيل: فأنذرتكم نارًا تلظَّت.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (نَارًا تَلَظَّى) قال: تَوَهَّج.
وقوله: (لا يَصْلاهَا إِلا الأشْقَى) يقول جلّ ثناؤه: لا يدخلها فيصلى بسعيرها إلا الأشقى، (الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى) يقول: الذي كذّب بآيات ربه، وأعرض عنها، ولم يصدق بها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، قال: ثنا هشام بن الغاز، عن مكحول، عن أبي هريرة، قال: لتدخلن الجنة إلا من يأبى، قالوا: يا أبا هريرة: ومن يأبى أن يدخل الجنة؟ قال: فقرأ: (الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى) .
حدثني الحسن بن ناصح، قال: ثنا الحسن بن حبيب ومعاذ بن معاذ، قالا ثنا الأشعث، عن الحسن في قوله: (لا يَصْلاهَا إِلا الأشْقَى) قال معاذ: الذي كذّب وتولى، ولم يقله الحسن، قال: المشرك.
وكان بعض أهل العربية يقول: لم يكن كذب بردّ ظاهر، ولكن قصر عما أمر به من الطاعة، فجُعِل تكذيبا، كما تقول: لقي فلان العدوّ، فكذب إذا نكل ورجع، وذُكر أنه سمع بعض العرب يقول: ليس لحدّهم مكذوبة، بمعنى: أنهم إذا لقوا صدقوا القتال، ولم يرجعوا؛ قال: وكذلك قول الله: (لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ) .
وقوله: (وَسَيَتَجَنَّبُهَا الأشْقَى) يقول: وسيوقَّى صِلِيَّ النار التي تلظَّى التقيُّ، ووضع أفعل موضع فعيل، كما قال طرَفة:
تَمَنَّى رِجالٌ أنْ أمُوتَ وَإنْ أَمُتْ ... فَتِلكَ سَبيلٌ لَسْتُ فيها بأَوْحَدِ (1)
وقوله: (الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى) يقول: الذي يعطي ماله في الدنيا في حقوق الله التي ألزمه إياها، (يَتَزَكَّى) : يعني: يتطهر بإعطائه ذلك من ذنوبه.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا لأحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21) } .
كان بعض أهل العربية يوجه تأويل ذلك إلى: وما لأحد من خلق الله عند هذا الذي يؤتي ماله في سبيل الله يتزكى (مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى) يعني: من يد يكافئه
(1)
انظر ص: 162 التعليق رقم 2.

عليها، يقول: ليس ينفق ما ينفق من ذلك، ويعطي ما يعطي، مجازاة إنسان يجازيه على يد له عنده، ولا مكافأة له على نعمة سلفت منه إليه، أنعمها عليه، ولكن يؤتيه في حقوق الله ابتغاء وجه الله. قال: وإلا في هذا الموضع بمعنى لكن، وقال: يجوز أن يكون يفعل في المكافأة مستقبلا فيكون معناه: ولم يرد بما أنفق مكافأة من أحد، ويكون موقع اللام التي في أحد في الهاء التي خفضتها عنده، فكأنك قلت: وما له عند أحد فيما أنفق من نعمة يلتمس ثوابها، قال: وقد تضع العرب الحرف في غير موضعه إذا كان معروفا، واستشهدوا لذلك ببيت النابغة:
وَقَدْ خِفْتُ حتى ما تَزِيدُ مخافَتِي ... على وَعِلٍ فِي ذِي الَمطَارَةِ عاقِلِ (1)
والمعنى: حتى ما تزيد مخافة وعل على مخافتي وهذا الذي قاله الذي حكينا قوله من أهل العربية، وزَعْمُ أنه مما يجوز هو الصحيح الذي جاءت به الآثار عن أهل التأويل وقالوا: نزلت في أبي بكر بعِتْقه من أعتق.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، فال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَمَا لأحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى) يقول: ليس به مثابة الناس ولا مجازاتهم، إنما عطيته لله.
حدثني محمد بن إبراهيم الأنماطي، قال: ثنا هارون بن معروف. قال: ثنا بشر بن السَّريّ، قال: ثنا مصعب بن ثابت، عن عامر بن عبد الله عن أبيه، قال: نزلت هذه الآية في أبي بكر الصدّيق: (وَمَا لأحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى) .
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: أخبرني سعيد، عن قتادة، في قوله (وَمَا لأحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى) قال: نزلت في أبي بكر،
(1)
ديوان الستة الجاهليين: 234، 237، والبيت الأول في فاتحة الشعر، والأخير خاتمته. والضمير في قوله: "لعبت" للربع، في أبيات سلفت. ورونق السيف والشباب والنبات: صفاؤه وحسنه وماؤه. ويروى: "في ريق" . وريق الشباب: أوله والتماعه ونضرته. وعنى نباتًا نضيرًا كأنه يقول: في ذي رنق، أو في ذي ريق. والرهم -بكسر الراء- جمع رهمة: وهي المطرة الضعيفة المتتابعة، وهي مكرمة للنبات. يقول: أعشبت الأرض، وجرى ماء السماء في النبت يترقرق. والضمير في "رهمه" عائد على الغيث، غائب كمذكور.

أعتق ناسا لم يلتمس منهم جزاء ولا شكورا، ستة أو سبعة، منهم بلال، وعامر بن فُهَيرة.
وعلى هذا التأويل الذي ذكرناه عن هؤلاء، ينبغي أن يكون قوله: (إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعْلَى) نصبا على الاستثناء من معنى قوله: (وَمَا لأحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى) لأن معنى الكلام: وما يؤتي الذي يؤتي من ماله ملتمسا من أحد ثوابه، إلا ابتغاء وجه ربه. وجائز أن يكون نصبه على مخالفة ما بعد إلا ما قبلها، كما قال النابغة:
.
.. ... ... ... ... ... ... ... ... .. ... .... وَما بالرَّبْعِ مِنْ أحَدِ

إلا أَوَارِيَّ لأيًا ما أُبَيِّنُها ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... (1)
وقوله: (وَلَسَوْفَ يَرْضَى) يقول: ولسوف يرضى هذا المؤتي ماله في حقوق الله عزّ وجلّ، يتزكى بما يثيبه الله في الآخرة عوضًا مما أتى في الدنيا في سبيله، إذا لقي ربه تبارك وتعالى.
آخر تفسير سورة والليل إذا يغشى
(1)
يقول: حيث سار الفتى عاش بعقله وتدبيره واجتهاده.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #1410  
قديم 27-07-2025, 10:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,290
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الضحى
الحلقة (1410)
صــ 481 الى صــ490





تفسير سورة والضحى




بسم الله الرحمن الرحيم

القول في تأويل قوله جل جلاله وتقدست أسماؤه {وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى (8) } .
أقسم ربنا جلّ ثناؤه بالضحى، وهو النهار كله، وأحسب أنه من قولهم: ضَحِيَ فلان للشمس: إذا ظهر منه؛ ومنه قوله: (وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى) : أي لا يصيبك فيها الشمس.
وقد ذكرت اختلاف أهل العلم في معناه في قوله: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) مع ذكري اختيارنا فيه. وقيل: عُنِي به وقت الضحى.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَالضُّحَى) ساعة من ساعات النهار.
وقوله: (وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى) اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: معناه: والليل إذا أقبل بظلامه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى) يقول: والليل إذا أقبل.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن، في قول الله: (وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى) قال: إذا لَبِسَ الناس، إذَا جاء.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إذا ذهب.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس (وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى) يقول: إذا ذهب.
وقال آخرون: معناه: إذا استوى وسكن.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مِهْران؛ وحدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، جميعا عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى) قال: إذا استوى.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى) قال: إذا استوى
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى) سكن بالخلق.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: (وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى) يعني: استقراره وسكونه.
حدثني يونس، قال: أخبرني ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى) قال: إذا سكن، قال: ذلك سجوه، كما يكون سكون البحر سجوه.
وأولى هذه الأقوال بالصواب عندي في ذلك قول من قال معناه: والليل إذا سكن بأهله، وثبت بظلامه، كما يقال: بحر ساج: إذا كان ساكنا؛ ومنه قول أعشى بني ثعلبة:
فَمَا ذَنْبُنا إنْ جاشَ بَحْرُ ابنِ عَمِّكم ... وَبحْرُكَ ساجٍ ما يُوَارِي الدَّعامِصَا (1)
(1)
يأتي في تفسير آية سورة آل عمران: 121، وآية سورة القصص: 88. وسيبويه 1: 17، والخزانة 1: 486، وهو من أبيات سيبويه الخمسين التي لا يعرف قائلها. قال الشنتمري: "أراد من ذنب، فحذف الجار وأوصل الفعل فنصب" والذنب هنا اسم جنس بمعنى الجمع. فلذلك قال: "لست محصيه" . والوجه: القصد والمراد، وهو بمعنى التوجه "."

وقول الراجز:
يا حَبَّذَا القَمْرَاءُ وَاللَّيْلُ السَّاجْ
وطُرُقٌ مِثْلُ مُلاءِ النَّسَّاجْ (1)
وقوله: (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) وهذا جواب القسم، ومعناه: ما تركك يا محمد ربك وما أبغضك. وقيل: (وَمَا قَلَى) ومعناه. وما قلاك، اكتفاء بفهم السامع لمعناه، إذ كان قد تقدّم ذلك قوله: (مَا وَدَّعَكَ) فعرف بذلك أن المخاطب به نبيّ الله صلى الله عليه وسلم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) يقول: ما تركك ربك، وما أبغضك.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) قال: ما قلاك ربك وما أبغضك؛ قال: والقالي: المبغِض.
وذُكر أن هذه السورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم تكذيبا من الله قريشا في قيلهم لرسول الله، لما أبطأ عليه الوحي: قد ودّع محمدًا ربه وقلاه.
* ذكر الرواية بذلك:
حدثني عليّ بن عبد الله الدهان، قال: ثنا مفضل بن صالح، عن الأسود بن قيس العبديّ، عن ابن عبد الله، قال: لما أبطأ جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت امرأة من أهله، أو من قومه: ودّع الشيطان محمدا، فأنزل الله عليه: (وَالضُّحَى) ... إلى قوله: (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) .
قال أبو جعفر: ابن عبد الله: هو جندب بن عبد الله البجلي.
حدثني محمد بن عيسى الدامغاني، ومحمد بن هارون القطان، قالا ثنا
(1)
البيت ليس في ديوانه. ومن القصيدة أبيات فيه: 23، (مطبوعة محمد جمال) ، والمجتنى لابن دريد: 23، يصف فرسًا. والعير: حمار الوحش. والحضر: العدو الشديد، وحمار الوحش شديد العدو. والونى: التعب والفترة في العدو أو العمل. والأشعب: الظبي تفرق قرناه فانشعبا وتباينا بينونة شديدة. ونبح الكلب والظبي والتيس ينبح نباحًا، فهو نباح، إذا كثر صياحه، من المرح والنشاط. والظبي إذا أسن ونبتت لقرونه شعب، نبح (الحيوان 1: 349) . يصف فرسه بشدة العدو، يلحق العير المدل بحضره، والظبي المستحكم السريع، فيصيدها قبل أن يناله تعب.

سفيان، عن الأسود بن قيس سمع جندبا البجليّ يقول: أبطأ جبريل على النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى قال المشركون: ودّع محمدا ربه، فأنزل الله: (وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) .
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الأسود بن قيس، أنه سمع جندبا البجلي قال: قالت امرأة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أرى صاحبك إلا قد أبطأ عنك، فنزلت هذه الآية: (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الأسود بن قيس، قال سمعت جندب بن عبد الله يقول: إن امرأة أتت النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت: ما أرى شيطانك إلا قد تركك، فنزلت: (وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) .
حدثنا ابن أبي الشوارب، قال: ثنا عبد الواحد بن زياد، قال: ثنا سليمان الشيباني، عن عبد الله بن شدّاد أن خديجة قالت للنبيّ صلى الله عليه وسلم ما أرى ربك إلا قد قلاك، فأنزل الله: (وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) .
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) قال: إن جبريل عليه السلام أبطأ عليه بالوحي، فقال ناس من الناس، وهم يومئذ بمكة، ما نرى صاحبك إلا قد قلاك فودّعك، فأنزل الله ما تسمع: (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) .
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) قال: أبطأ عليه جبريل، فقال المشركون: قد قلاه ربه وودّعه، فأنزل الله: (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) .
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) مكث جبريل عن محمد صلى الله عليه وسلم، فقال المشركون: قد ودّعه ربه وقلاه، فأنزل الله هذه الآية.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) قال: لما نزل عليه القرآن، أبطأ عنه جبريل أياما، فعُيّر بذلك، فقال المشركون: ودّعه ربه وقلاه، فأنزل الله:
(مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) .
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال أبطأ جبريل على النبيّ صلى الله عليه وسلم، فجزع جزعا شديدا، وقالت خديجة: أرى ربك قد قلاك، مما نرى من جزعك، قال: فنزلت (وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) ... إلى آخرها.
وقوله: (وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأولَى) يقول تعالى ذكره: وللدار الآخرة، وما أعد الله لك فيها، خير لك من الدار الدنيا وما فيها. يقول: فلا تحزن على ما فاتك منها، فإن الذي لك عند الله خير لك منها.
وقوله: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) يقول تعالى ذكره: ولسوف يعطيك يا محمد ربك في الآخرة من فواضل نعمه، حتى ترضى.
وقد اختلف أهل العلم في الذي وعده من العطاء، فقال بعضهم: هو ما
حدثني به موسى بن سهل الرملي، قال: ثنا عمرو بن هاشم، قال: سمعت الأوزاعيّ يحدّث، عن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر المخزومي، عن عليّ بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، قال: عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو مفتوح على أمته من بعده كَفْرا كَفْرا، فسرّ بذلك، فأنزل الله (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) فأعطاه في الجنة ألف قصر، في كلّ قصر، ما ينبغي من الأزواج والخدم.
حدثني محمد بن خلف العسقلاني، قال: ثني روّاد بن الجراح، عن الأوزاعيّ، عن إسماعيل بن عبيد الله، عن عليّ بن عبد الله بن عباس، في قوله: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) قال: ألف قصر من لؤلؤ، ترابهنّ المسك، وفيهنّ ما يصلحهنّ.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) ، وذلك يوم القيامة.
وقال آخرون في ذلك ما حدثني به عباد بن يعقوب، قال: ثنا الحكم بن ظهير، عن السديّ، عن ابن عباس، في قوله: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) قال: من رضا محمد صلى الله عليه وسلم ألا يدخل أحد من أهل بيته النار.
وقوله: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى) يقول تعالى ذكره معدّدا على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم نعمه عنده، ومذكِّره آلاءه قِبَله: ألم يجدك يا محمد ربك يتيمًا
فآوى، يقول: فجعل لك مأوى تأوي إليه، ومنزلا تنزله (وَوَجَدَكَ ضَالا فَهَدَى) ووجدك على غير الذي أنت عليه اليوم.
وقال السديّ في ذلك ما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن السديّ (وَوَجَدَكَ ضَالا) قال: كان على أمر قومه أربعين عاما. وقيل: عُنِيَ بذلك: ووجدك في قوم ضلال فهداك.
وقوله: (وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى) يقول: ووجدك فقيرا فأغناك، يقال منه: عال فلان يَعيل عَيْلَة، وذلك إذا افتقر؛ ومنه قول الشاعر:
فَمَا يَدْرِي الفَقِيرُ مَتى غناهُ ... وَما يَدْرِي الغَنِيُّ مَتى يَعِيلُ (1)
يعني: متى يفتقر.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (وَوَجَدَكَ عَائِلا) فقيرا.
وذُكر أنها في مصحف عبد الله (وَوَجَدَكَ عَدِيما فآوَى) .
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالا فَهَدَى وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى) قال: كانت هذه منازل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل أن يبعثه الله سبحانه وتعالى.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11) } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ) يا محمد (فَلا تَقْهَرْ) يقول: فلا تظلمه، فتذهب بحقه، استضعافًا منك له.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا
(1)
ديوانه: 507، يمدح هشام بن عبد الملك. والموارد جمع موردة: وهي الطرق إلى الماء. يريد الطرق التي يسلكها الناس إلى أغراضهم وحاجاتهم، كما يسلكون الموارد إلى الماء.

تَقْهَرْ) : أي لا تظلم.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) قال: تُغْمِصْه وَتحْقِره. وذُكر أن ذلك في مصحف عبد الله (فَلا تَكْهَرْ) .
وقوله: (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) يقول: وأما من سألك من ذي حاجة فلا تنهره، ولكن أطعمه واقض له حاجته (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) : يقول: فاذكره.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، عن أبي بشر، عن مجاهد، في قوله: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) قال: بالنبوّة.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، قال: ثنا سعيد بن إياس الجريريّ، عن أبى نضرة، قال: كان المسلمون يرون أن من شُكْرِ النعم أن يحدّثَ بها.
آخر تفسير سورة الضحى، ولله الحمد والشكر



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 387.75 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 381.90 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (1.51%)]