|
هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#11
|
||||
|
||||
رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد
__________________
|
#12
|
||||
|
||||
رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد
تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي سُورَةُ الْبَقَرَةِ الحلقة (12) صــ55 إلى صــ 60 قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا بَعُوضَةً . مَا زَائِدَةٌ ، وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَالزَّجَّاجُ وَالْبَصْرِيِّينَ . وَأَنْشَدُوا لِلنَّابِغَةِ: [قَالَتْ ]: أَلَا لَيْتَمَا هَذَا الْحَمَامُ لَنَا [إِلَى حَمَامَتِنَا أَوْ نِصْفِهِ فَقَدَ ] وَذَكَر أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ أَنَّ الْمَعْنَى مَا بَيْنَ بَعُوضَةٍ إِلَى مَا فَوْقَهَا ، ثُمَّ حَذَفَ ذِكْرَ "بَيْنَ" و"إِلَى" إِذْ كَانَ فِي نَصْبِ الْبَعُوضَةِ ، وَدُخُولِ الْفَاءِ فِي "مَا" الثَّانِيَةِ; دَلَالَةٌ عَلَيْهِمَا ، كَمَا قَالَتْ [ ص: 55 ] الْعَرَبُ: مُطِرْنَا مَازِبَالَةَ فَالثَّعْلَبِيَّةُ ، وَلَهُ عِشْرُونَ مَا نَاقَةً فَجَمَلًا ، وَهِيَ أَحْسَنُ النَّاسِ مَا قَرَنَا فَقَدَّمَا [يَعْنُونَ: مَا بَيْنَ قَرْنِهَا إِلَى قَدَمِهَا ] . وَقَالَ غَيْرُهُ: نَصَبَ الْبَعُوضَةَ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الْمَثَلِ . وَرَوَى الْأَصْمَعِيُّ عَنْ نَافِعٍ: "بَعُوضَةٌ" بِالرَّفْعِ ، عَلَى إِضْمَارِ هُوَ . وَالْبَعُوضَةُ: صَفِيرَةُ الْبَقِّ . قَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَا فَوْقَهَا فِيهِ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَعْنَاهُ: فَمَا فَوْقَهَا فِي الْكِبَرِ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَقَتَادَةُ ، وَابْنُ جُرَيْجٍ ، وَالْفَرَّاءُ . وَالثَّانِي: فَمَا فَوْقَهَا فِي الصِّغَرِ ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: فَمَا دُونَهَا ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ . قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: وَقَدْ يَكُونُ الْفَوْقُ بِمَعْنَى: دُونَ ، وَهُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ ، وَمِثْلُهُ: الْجَوْنُ; يُقَالُ: لِلْأَسْوَدِ وَالْأَبْيَضِ . وَالصَّرِيمِ: الصُّبْحُ ، وَاللَّيْلُ . وَالسُّدْفَةُ: الظُّلْمَةُ ، وَالضَّوْءُ . وَالْحُلَلُ: الصَّغِيرُ ، وَالْكَبِيرُ . وَالنَّاهِلُ: الْعَطْشَانُ ، وَالرَّيَّانُ . وَالْمَاثِلُ: الْقَائِمُ ، وَاللَّاطِئُ بِالْأَرْضِ وَالصَّارِخُ: الْمُغِيثُ ، وَالْمُسْتَغِيثُ . وَالْهَاجِدُ: الْمُصَلِّي بِاللَّيْلِ ، وَالنَّائِمُ . وَالرَّهْوَةُ: الِارْتِفَاعُ ، وَالِانْحِدَارُ . وَالتَّلْعَةُ: مَا ارْتَفَعَ مِنَ الْأَرْضِ ، وَمَا انْهَبَطَ مِنَ الْأَرْضِ . وَالظَّنُّ: يَقِينٌ ، وَشَكٌّ . وَالْأَقْرَاءُ: الْحَيْضُ ، وَالِاطِّهَارُ . وَالْمُفَرَّعُ فِي الْجَبَلِ: الْمِصْعَدُ ، وَالْمُنْحَدَرُ . وَالْوَرَاءُ: خَلْفًا ، وَقَدَّامًا . وَأَسْرَرْتُ الشَّيْءَ: أَخْفَيْتُهُ ، وَأَعْلَنْتُهُ . وَأَخْفَيْتُ الشَّيْءَ: أَظْهَرْتُهُ وَكَتَمَتْهُ . وَرَتَوْتُ الشَّيْءَ: شَدَدْتُهُ ، وَأَرْخَيْتُهُ . وَشَعَّبْتُ الشَّيْءَ: جَمَعْتُهُ ، وَفَرَّقْتُهُ . وَبِعْتُ الشَّيْءَ بِمَعْنَى: بِعْتُهُ ، وَاشْتَرَيْتُهُ . وَشَرَيْتُ الشَّيْءَ: اشْتَرَيْتُهُ ، وَبِعْتُهُ . وَالْحَيُّ خُلُوفٌ: غُيَّبٌ ، وَمُخْتَلِفُونَ . وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ: يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا هَلْ هُوَ مِنْ تَمَامِ قَوْلِ الَّذِينَ قَالُوا: مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا [ الْبَقَرَةِ: 26 ] أَوْ هُوَ مُبْتَدَأٌ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ . [ ص: 56 ] أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ تَمَامُ الْكَلَامِ الَّذِي قَبْلَهُ ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ ، وَابْنُ قُتَيْبَةَ . قَالَ الْفَرَّاءُ: كَأَنَّهُمْ قَالُوا: مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِمَثَلٍ لَا يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ ، يَضِلُّ بِهِ هَذَا ، وَيَهْدِي بِهِ هَذَا؟! [ثُمَّ اسْتُؤْنِفَ الْكَلَامُ وَالْخَبَرُ عَنِ اللَّهِ ] فَقَالَ اللَّهُ: وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ [ الْبَقَرَةِ: 26 ] . وَالثَّانِي: أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ، قَالَهُ السُّدِّيُّ وَمُقَاتِلٌ . فَأَمَّا الْفِسْقُ; فَهُوَ فِي اللُّغَةِ: الْخُرُوجُ ، يُقَالُ: فَسَقَتِ الرُّطْبَةُ: إِذَا خَرَجَتْ مِنْ قِشْرِهَا . فَالْفَاسِقُ: الْخَارِجُ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ إِلَى مَعْصِيَتِهِ . وَفِي الْمُرَادِ بِالْفَاسِقِينَ هَاهُنَا ، ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا: أَنَّهُمُ الْيَهُودُ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُقَاتِلٌ . وَالثَّانِي: الْمُنَافِقُونَ ، قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَةِ وَالسُّدِّيُّ . وَالثَّالِثُ: جَمِيعُ الْكُفَّارِ . قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ . هَذِهِ صِفَةٌ لِلْفَاسِقِينَ ، وَقَدْ سَبَقَتْ فِيهِمُ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ . وَالنَّقْضُ: ضِدُّ الْإِبْرَامِ ، وَمَعْنَاهُ: حِلُّ الشَّيْءِ بَعْدَ عَقْدِهِ . وَيَنْصَرِفُ النَّقْضُ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ بِحَسْبِهِ ، فَنَقْضُ الْبِنَاءِ: تَفْرِيقُ جَمْعِهِ بَعْدَ إِحْكَامِهِ . وَنَقُضُ الْعَهْدِ: الْإِعْرَاضُ عَنِ الْمَقَامِ عَلَى أَحْكَامِهِ . وَفِي هَذَا الْعَهْدِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا: أَنَّهُ مَا عَهِدَ إِلَى أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْوَصِيَّةُ بِاتِّبَاعِهِ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُقَاتِلٌ . وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَا عَهِدَ إِلَيْهِمْ فِي الْقُرْآَنِ ، فَأَقَرُّوا بِهِ ثُمَّ كَفَرُوا ، قَالَهُ السُّدِّيُّ . وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَيْهِمْ حِينَ اسْتَخْرَجَ ذُرِّيَّةَ آَدَمَ مِنْ ظَهْرِهِ ، قَالَهُ الزَّجَّاجُ . وَنَحْنُ وَإِنْ لَمْ نَذْكُرْ ذَلِكَ الْعَهْدَ فَقَدْ ثَبَتَ بِخَبَرِ الصَّادِقِ ، فَيَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ . وَفِي "مِنْ" قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا زَائِدَةٌ ، . وَالثَّانِي: أَنَّهَا لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ ، كَأَنَّهُ قَالَ: ابْتِدَاءُ نَقْضِ الْعَهْدِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ . وَفِي هَاءِ "مِيثَاقِهِ" قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، . وَالثَّانِي: أَنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى الْعَهْدِ ، فَتَقْدِيرُهُ: بَعْدَ إِحْكَامِ التَّوْفِيقِ فِيهِ . [ ص: 57 ] وَفِي: الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُوصِلَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا: الرَّحِمُ وَالْقَرَابَةُ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ . وَالثَّانِي: أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَطَعُوهُ بِالتَّكْذِيبِ ، قَالَهُ الْحَسَنُ . وَالثَّالِثُ: الْإِيمَانُ بِاللَّهِ ، وَأَنْ لَا يُفَرَّقَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ، فَآَمَنُوا بِبَعْضٍ وَكَفَرُوا بِبَعْضٍ ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ . وَفِي فَسَادِهِمْ فِي الْأَرْضِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا: أَنَّهُ اسْتِدْعَاؤُهُمُ النَّاسَ إِلَى الْكُفْرِ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ . وَالثَّانِي: أَنَّهُ الْعَمَلُ بِالْمَعَاصِي ، قَالَهُ السُّدِّيُّ ، وَمُقَاتِلٌ . وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ قَطْعُهُمُ الطَّرِيقَ عَلَى مَنْ جَاءَ مُهَاجِرًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لِيَمْنَعُوا النَّاسَ مِنَ الْإِسْلَامِ . وَالْخُسْرَانُ فِي اللُّغَةِ: النُّقْصَانُ . قَوْلُهُ تَعَالَى: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ فِي كَيْفَ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ فِي مَعْنَى التَّعَجُّبِ ، وَهَذَا التَّعَجُّبُ لِلْمُؤْمِنِينَ ، أَيِ: اعْجَبُوا مِنْ هَؤُلَاءِ كَيْفَ يَكْفُرُونَ ، وَقَدْ ثَبَتَتْ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، قَالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَالزَّجَّاجُ . وَالثَّانِي: أَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ خَارِجٌ مَخْرَجَ التَّقْرِيرِ وَالتَّوْبِيخِ . تَقْدِيرُهُ: وَيَحْكُمُ: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ قَالَ الْعَجَّاجُ: أَطْرَبَا وَأَنْتَ قَنَسْرِي [وَالدَّهْرُ بِالْإِنْسَانِ دَوَّارِي ] أَرَادَ: أَتَطْرَبُ وَأَنْتَ شَيْخٌ كَبِيرٌ؟! قَالَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ . قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا . قَالَ الْفَرَّاءُ أَيْ: وَقَدْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا . وَمِثْلُهُ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ [ النِّسَاءِ: 90 ] أَيْ: قَدْ حَصِرَتْ . وَمِثْلُهُ: وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ [ يُوسُفَ: 26 ] أَيْ: فَقَدْ كَذَبَتْ ، وَلَوْلَا إِضْمَارُ "قَدْ" لَمْ يَجُزْ مِثْلُهُ فِي الْكَلَامِ . وَفِي الْحَيَاتَيْنِ ، وَالْمَوْتَتَيْنِ أَقْوَالٌ . أَصَحُّهَا: أَنَّ الْمَوْتَةَ الْأُولَى ، كَوْنُهُمْ نُطَفًا وَعُلَقًا [ ص: 58 ] وَمُضَغًا ، فَأَحْيَاهُمْ فِي الْأَرْحَامِ ، ثُمَّ يُمِيتُهُمْ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ إِلَى الدُّنْيَا ، ثُمَّ يُحْيِيهِمْ لِلْبَعْثِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَقَتَادَةَ ، وَمُقَاتِلٍ ، وَالْفَرَّاءِ ، وَثَعْلَبٍ ، وَالزَّجَّاجِ ، وَابْنِ قُتَيْبَةَ ، وَابْنِ الْأَنْبَارِيِّ . قَوْلُهُ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا أَيْ: لِأَجْلِكُمْ ، فَبَعْضُهُ لِلِانْتِفَاعِ ، وَبَعْضُهُ لِلِاعْتِبَارِ . ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ أَيْ: عَمَدَ إِلَى خُلُقِهَا ، وَالسَّمَاءِ: لَفْظُهَا لَفْظُ الْوَاحِدِ ، وَمَعْنَاهَا ، مَعْنَى الْجَمْعِ ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: فَسَوَّاهُنَّ . وَأَيُّهُمَا أَسْبَقُ فِي الْخَلْقِ: الْأَرْضُ ، أَمِ السَّمَاءُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: الْأَرْضُ ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ . وَالثَّانِي: السَّمَاءُ ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ . وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ تَكْمِيلِ خَلْقِ الْأَرْضِ وَمَا فِيهَا ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَدَأَ بِخَلْقِ الْأَرْضِ فِي يَوْمَيْنِ ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ فِي يَوْمَيْنِ ، وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي يَوْمَيْنِ . وَقَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ: جَمَعَ خَلْقَ الْأَرْضِ وَمَا فِيهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاءَ فِي يَوْمَيْنِ . وَالْعَلِيمُ: جَاءَ عَلَى بِنَاءِ: فَعِيلٍ ، لِلْمُبَالَغَةِ فِي وَصْفِهِ بِكَمَالِ الْعِلْمِ . قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ . كَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يَقُولُ: "إِذْ" مُلْغَاةٌ ، وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ: وَقَالَ رَبُّكَ ، وَتَابَعَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ ، وَعَابَ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا الزَّجَّاجُ وَابْنُ الْقَاسِمِ . وَقَالَ الزَّجَّاجُ: إِذْ مَعْنَاهَا: الْوَقْتُ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: ابْتِدَاءُ خَلْقِكُمْ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ . وَالْمَلَائِكَةُ: مِنَ الْأُلُوكِ ، وَهِيَ الرِّسَالَةُ ، قَالَ لَبِيَدُ: وَغُلَامٌ أَرْسَلَتْهُ أُمُّهُ بِأَلُوكٍ فَبَذَلْنَا مَا سَأَلَ وَوَاحِدُ الْمَلَائِكَةِ: مَلَكٌ ، وَالْأَصْلُ فِيهِ: مَلْأَكُ . وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ: [ ص: 59 ] فَلَسْتُ لِإِنْسِيٍّ وَلَكِنْ لِمَلْأَكٍ تَنْزِلُ مِنْ جَوِّ السَّمَاءِ يَصُوبُ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَمَعْنَى مَلْأَكِ: صَاحِبُ رِسَالَةٍ ، يُقَالُ: مَأْلَكَةٌ وَمَأْلُكَةٌ وَمَلْأَكَةٌ . وَمَآَلُكٌ: جَمْعُ مَأْلُكَةٍ . قَالَ الشَّاعِرُ: أَبْلِغِ النُّعْمَانَ عَنِّي مَأْلُكًا أَنَّهُ قَدْ طَالَ حَبْسِي وَانْتِظَارِي وَفِي هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةِ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ جَمِيعُ الْمَلَائِكَةِ ، قَالَهُ السُّدِّيُّ عَنْ أَشْيَاخِهِ . وَالثَّانِي: أَنَّهُمُ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ إِبْلِيسَ حِينَ أُهْبِطَ إِلَى الْأَرْضِ ، ذَكَرَهُ أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَنُقِلَ أَنَّهُ كَانَ فِي الْأَرْضِ قَبْلَ آَدَمَ خَلْقٌ ، فَأَفْسَدُوا ، فَبَعَثَ اللَّهُ إِبْلِيسَ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَأَهْلَكُوهُمْ . وَاخْتَلَفُوا مَا الْمَقْصُودُ فِي إِخْبَارِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْمَلَائِكَةَ بِخَلْقِ آَدَمَ عَلَى سِتَّةِ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلِمَ فِي نَفْسِ إِبْلِيسَ كِبْرًا ، فَأَحَبَّ أَنْ يُطْلِعَ الْمَلَائِكَةَ عَلَيْهِ ، وَأَنْ يُظْهِرَ مَا سَبَقَ عَلَيْهِ فِي عِلْمِهِ ، رَوَاهُ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَالسُّدِّيُّ عَنْ أَشْيَاخِهِ . وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَبْلُوَ طَاعَةَ الْمَلَائِكَةِ ، قَالَهُ الْحَسَنُ . وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَمَّا خَلَقَ النَّارَ خَافَتِ الْمَلَائِكَةُ ، فَقَالُوا: رَبُّنَا لِمَنْ خَلَقْتَ هَذِهِ؟ قَالَ: لِمَنْ عَصَانِي ، فَخَافُوا وُجُودَ الْمَعْصِيَةِ مِنْهُمْ ، وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ بِوُجُودِ خَلْقٍ سِوَاهُمْ ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً [ الْبَقَرَةِ: 30 ] قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ . وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ أَرَادَ إِظْهَارَ عَجْزِهِمْ عَنِ الْإِحَاطَةِ بِعِلْمِهِ ، فَأَخْبَرَهُمْ حَتَّى قَالُوا: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا؟ فَأَجَابَهُمْ: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ . وَالْخَامِسُ: أَنَّهُ أَرَادَ تَعْظِيمَ آَدَمَ بِذِكْرِهِ بِالْخِلَافَةِ قَبْلَ وُجُودِهِ ، لِيَكُونُوا مُعَظِّمِينَ لَهُ إِنْ أَوْجَدَهُ . [ ص: 60 ] وَالسَّادِسُ: أَنَّهُ أَرَادَ إِعْلَامَهُمْ بِأَنَّهُ خَلَقَهُ لِيُسْكِنَهُ الْأَرْضَ ، وَإِنْ كَانَتِ ابْتِدَاءَ خَلْقِهِ فِي السَّمَاءِ . وَالْخَلِيفَةُ: هُوَ الْقَائِمُ مَقَامَ غَيْرِهِ ، يُقَالُ: هَذَا خَلْفُ فُلَانٍ وَخَلِيفَتُهُ قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَالْأَصْلُ فِي الْخَلِيفَةِ خَلِيفٌ ، بِغَيْرِ هَاءٍ ، فَدَخَلَتِ الْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ فِي مَدْحِهِ بِهَذَا الْوَصْفِ ، كَمَا قَالُوا: عَلَّامَةٌ وَنَسَّابَةٌ وَرَاوِيَةٌ . وَفِي مَعْنَى خِلَافَةِ آَدَمَ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ خَلِيفَةٌ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى فِي إِقَامَةِ شَرْعِهِ ، وَدَلَائِلِ تَوْحِيدِهِ ، وَالْحُكْمِ فِي خَلْقِهِ ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَمُجَاهِدٍ . وَالثَّانِي: أَنَّهُ خَلَفُ مَنْ سَلَفَ فِي الْأَرْضِ قَبْلَهُ ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ .
__________________
|
#13
|
||||
|
||||
رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد
__________________
|
#14
|
||||
|
||||
رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد
تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي سُورَةُ الْبَقَرَةِ الحلقة (14) صــ67 إلى صــ 72 قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ أَيْ: بِالْأَكْلِ لَا بِالدُّنُوِّ مِنْهَا . فِي الشَّجَرَةِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهَا السُّنْبُلَةُ ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ ، وَكَعْبِ الْأَحْبَارِ ، وَوَهَبِ بْنِ مُنَبِّهٍ ، وَقَتَادَةَ ، وَعَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ ، وَمُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ ، وَمُقَاتِلٍ . وَالثَّانِي: أَنَّهَا الْكَرَمُ ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، وَجَعْدَةَ وَبْنِ هُبَيْرَةَ . وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا التِّينُ ، رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، وَابْنِ جُرَيْجٍ . وَالرَّابِعُ: أَنَّهَا شَجَرَةٌ يُقَالُ: لَهَا شَجَرَةُ الْعِلْمِ ، قَالَهُ أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَالْخَامِسُ: أَنَّهَا شَجَرَةُ الْكَافُورِ ، نُقِلَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ . وَالسَّادِسُ: أَنَّهَا النَّخْلَةُ ، رُوِيَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ . وَقَدْ ذَكَرُوا وَجْهًا سَابِعًا عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ قَالَ: هِيَ شَجَرَةُ الْخُلْدِ ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ عَلَى جِنْسِهَا . [ ص: 67 ] قَوْلُهُ تَعَالَى: فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ . قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: الظُّلْمُ: وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ ، وَيُقَالُ: ظَلَمَ الرَّجُلُ سِقَاءَهُ إِذَا سَقَاهُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ زُبْدُهُ وَقَالَ الشَّاعِرُ: وَصَاحِبُ صِدْقٍ لَمْ تَرِبْنِي شَكَاتُهُ ظَلَمْتُ وَفِي ظُلْمِي لَهُ عَامِدًا أَجْرُ أَرَادَ بِالصَّاحِبِ: وَطْبُ اللَّبَنِ ، وَظُلْمُهُ إِيَّاهُ: أَنْ يَسْقِيَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ زُبْدُهُ . وَالْعَرَبُ تَقُولُ: هُوَ أَظْلَمُ مِنْ حَيَّةٍ ، لِأَنَّهَا تَأْتِي الْحَفْرَ الَّذِي لَمْ تَحْفِرْهُ فَتَسْكُنُهُ ، وَيُقَالُ: قَدْ ظَلَمَ الْمَاءُ الْوَادِي: إِذَا وَصَلَ مِنْهُ إِلَى مَكَانٍ لَمْ يَكُنْ يَصِلُ إِلَيْهِ فِيمَا مَضَى . فَإِنْ قِيلَ: مَا وَجْهُ الْحِكْمَةِ فِي تَخْصِيصِ تِلْكَ الشَّجَرَةِ بِالنَّهْيِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ ابْتِلَاءٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا أَرَادَ . وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: كَانَ لَهَا ثِقَلٌ مِنْ بَيْنِ أَشْجَارِ الْجَنَّةِ ، فَلَمَّا أَكَلَ مِنْهَا ، قِيلَ: اخْرُجْ إِلَى الدَّارِ الَّتِي تَصْلُحُ لِمَا يَكُونُ مِنْكَ . قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ . أَزَلَّهُمَا بِمَعْنَى: اسْتَزَلَّهُمَا ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ: (فَأَزَالُهُمَا) ، أَرَادَ: نَحَّاهُمَا . قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: لَمَّا كَانَ مَعْنَى اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ اثْبُتَا فِيهَا ، فَثَبَتَا; قَابَلَ حَمْزَةُ الثَّبَاتَ بِالزَّوَالِ الَّذِي يُخَالِفُهُ ، وَيُقَوِّي قِرَاءَتَهُ: فَأَخْرَجَهُمَا . وَالشَّيْطَانُ: إِبْلِيسُ ، وَأُضِيفَ الْفِعْلُ إِلَيْهِ ، لِأَنَّهُ السَّبَبُ . وَفِي هَاءِ (عَنْهَا) ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهَا تَعُودُ إِلَى الْجَنَّةِ . وَالثَّانِي: تَرْجِعُ إِلَى الطَّاعَةِ . وَالثَّالِثُ: تَرْجِعُ إِلَى الشَّجَرَةِ . فَمَعْنَاهُ: فَأَزَلَّهُمَا بِزِلَّةٍ صَدَرَتْ عَنِ الشَّجَرَةِ . وَفِي كَيْفِيَّةِ إِزْلَالِهِ لَهُمَا ، ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا: أَنَّهُ احْتَالَ حَتَّى دَخَلَ إِلَيْهِمَا الْجَنَّةَ ، وَكَانَ الَّذِي أَدْخَلَهُ الْحَيَّةُ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَالسُّدِّيُّ . وَالثَّانِي: أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ ، وَنَادَاهُمَا ، قَالَهُ الْحَسَنُ . وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ وَسْوَسَ إِلَيْهِمَا ، وَأَوْقَعَ فِي نُفُوسِهِمَا مِنْ غَيْرِ مُخَاطِبَةٍ [ ص: 68 ] وَلَا مُشَاهَدَةٍ ، قَالَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ ، وَفِيهِ بَعْدُ . قَالَ الزَّجَّاجُ: الْأَجْوَدُ: أَنْ يَكُونَ خَاطَبَهَا ، لِقَوْلِهِ: (وَقَاسَمَهُمَا) . وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْصِيَةِ آَدَمَ بِالْأَكْلِ ، فَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّهُ نُهِيَ عَنْ شَجَرَةٍ بِعَيْنِهَا ، فَأَكَلَ مِنْ جِنْسِهَا . وَقَالَ آخَرُونَ: تَأَوَّلَ الْكَرَاهَةَ فِي النَّهْيِ دُونَ التَّحْرِيمِ . قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ الْهُبُوطُ بِضَمِّ الْهَاءِ: الِانْحِدَارُ مِنْ عُلُوٍّ ، وَبِفَتْحِ الْهَاءِ: الْمَكَانُ الَّذِي يَهْبِطُ فِيهِ ، وَإِلَى مَنِ انْصَرَفَ هَذَا الْخِطَابُ؟ فِيهِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا: أَنَّهُ انْصَرَفَ إِلَى آَدَمَ وَحَوَّاءَ وَالْحَيَّةِ ، قَالَهُ أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَالثَّانِي: إِلَى آَدَمَ وَحَوَّاءَ وَإِبْلِيسَ وَالْحَيَّةِ ، حَكَاهُ السُّدِّيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَالثَّالِثُ: إِلَى آَدَمَ وَإِبْلِيسَ ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ . وَالرَّابِعُ: إِلَى آَدَمَ وَحَوَّاءَ وَإِبْلِيسَ ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ . وَالْخَامِسُ: إِلَى آَدَمَ وَحَوَّاءَ وَذُرِّيَّتِهِمَا ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ . وَالسَّادِسُ: إِلَى آَدَمَ وَحَوَّاءَ فَحَسْبُ ، وَيَكُونُ لَفْظُ الْجَمْعِ وَاقِعًا عَلَى التَّثْنِيَةِ ، كَقَوْلِهِ: وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ [ الْأَنْبِيَاءِ: 78 ] ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ ، وَهُوَ الْعِلَّةُ فِي قَوْلِ مُجَاهِدٍ أَيْضًا . وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ: هَلْ أُهْبِطُوا جُمْلَةً أَوْ مُتَفَرِّقِينَ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ أُهْبِطُوا جُمْلَةً ، لَكِنَّهُمْ نَزَلُوا فِي بِلَادٍ مُتَفَرِّقَةٍ ، قَالَهُ كَعْبٌ ، وَوَهْبٌ . وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ أُهْبِطُوا مُتَفَرِّقِينَ ، فَهَبَطَ إِبْلِيسُ قَبْلَ آَدَمَ ، وَهَبَطَ آَدَمُ بِالْهِنْدِ ، وَحَوَّاءُ بِجَدَّةٍ ، وَإِبْلِيسُ بِالْأَبُلَّةِ ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ . وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: أُهْبِطَتِ الْحَيَّةُ بِنَصِيبَيْنِ ، قَالَ: وَأَمَرَ اللَّهِ تَعَالَى جِبْرِيلُ بِإِخْرَاجِ آَدَمَ ، فَقَبَضَ عَلَى نَاصِيَتِهِ وَخَلَّصَهُ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي قَبَضَتْ عَلَيْهِ ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ ارْفُقْ بِي . قَالَ جِبْرِيلُ: إِنِّي لَا أَرْفُقُ بِمَنْ عَصَى اللَّهَ ، فَارْتَعَدَ آَدَمُ وَاضْطَرَبَ ، وَذَهَبَ كَلَامُهُ ، وَجِبْرِيلُ يُعَاتِبُهُ فِي مَعْصِيَتِهِ ، وَيُعَدِّدُ نِعَمَ اللَّهِ عَلَيْهِ ، قَالَ: [ ص: 69 ] وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ ضَحْوَةً ، وَاخْرُجْ مِنْهَا بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ ، فَمَكَثَ فِيهَا نِصْفَ يَوْمٍ ، خَمْسَمِائَةِ عَامٍ مِمَّا يَعُدُّ أَهْلُ الدُّنْيَا . وَفِي الْعَدَاوَةِ الْمَذْكُورَةِ هَاهُنَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا: أَنَّ ذَرِّيَّةَ بَعْضِهِمْ أَعْدَاءٌ لِبَعْضٍ ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ . وَالثَّانِي: أَنَّ إِبْلِيسَ عَدُوٌّ لِآَدَمَ وَحَوَّاءَ ، وَهَمَا لَهُ عَدُوٌّ ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ . وَالثَّالِثُ: أَنَّ إِبْلِيسَ عَدُوٌّ لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَهُمْ أَعْدَاؤُهُ ، قَالَهُ الزَّجَّاجُ . وَفِي الْمُسْتَقَرِّ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْقُبُورُ ، حَكَاهُ السُّدِّيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَالثَّانِي: مَوْضِعٌ الِاسْتِقْرَارِ ، قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَةِ ، وَابْنُ زَيْدٍ ، وَالزَّجَّاجُ ، وَابْنُ قُتَيْبَةَ ، وَهُوَ أَصَحُّ . وَالْمَتَاعُ: الْمَنْفَعَةُ . وَالْحِينُ: الزَّمَانُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (إِلَى حِينٍ) ، أَيْ: إِلَى فِنَاءِ الْأَجَلِ بِالْمَوْتِ . قَوْلُهُ تَعَالَى: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ . تَلَقَّى: بِمَعْنَى أَخَذَ ، وَقَبِلَ . قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: كَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إِلَيْهِ أَنْ يَسْتَغْفِرَهُ [وَسَيَتَقْبِلَهُ ] بِكَلَامٍ مِنْ عِنْدِهِ ، فَفَعَلَ [ذَلِكَ آَدَمُ ] فَتَابَ عَلَيْهِ . وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ: " فَتَلَقَّى آدَمَ " بِالنَّصْبِ ، " كَلِمَاتٌ " : بِالرَّفْعِ; عَلَى أَنَّ الْكَلِمَاتِ هِيَ الْفَاعِلَةُ . وَفِي الْكَلِمَاتِ أَقْوَالٌ . أَحَدُهَا: أَنَّهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا ، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [ الْأَعْرَافِ: 23 ] . قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَالْحَسَنُ ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، وَمُجَاهِدٌ ، وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ ، وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ ، وَابْنُ زَيْدٍ . وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَالَ: أَيْ: رَبِّ; أَلَمْ تَخْلُقْنِي بِيَدِكَ؟ قَالَ: بَلَى . قَالَ: أَلَمْ تَنْفُخْ فِيَّ مِنْ رُوحِكَ؟ قَالَ: بَلَى ، قَالَ: أَلَمْ تَسْبِقْ رَحْمَتُكَ إِلَيَّ قَبْلَ غَضَبِكَ؟ قَالَ: بَلَى . قَالَ: أَلَمْ [ ص: 70 ] تُسْجِدْ لِي مَلَائِكَتَكَ ، وَتُسْكِنِّي جَنَّتَكَ؟ قَالَ: بَلَى . قَالَ: أَيْ: رَبِّ [أَرَأَيْتَ ] إِنْ تُبْتُ وَأَصْلَحْتُ ، أَرَاجِعِي أَنْتَ إِلَى الْجَنَّةِ؟ قَالَ: نَعَمْ . حَكَاهُ السُّدِّيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ قَالَ: اللَّهُمَّ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ ، رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ، إِنَّكَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ ، اللَّهُمَّ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ ، رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَارْحَمْنِي ، فَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ، [اللَّهُمَّ ] لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ ، رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَتُبْ عَلَيَّ ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ . رَوَاهُ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَدْ ذُكِرَتْ أَقْوَالٌ مِنْ كَلِمَاتِ الِاعْتِذَارِ تُقَارِبُ هَذَا الْمَعْنَى . قَوْلُهُ تَعَالَى: فَتَابَ عَلَيْهِ . أَصْلُ التَّوْبَةِ: الرُّجُوعُ ، فَالتَّوْبَةُ مِنْ آَدَمَ: رُجُوعُهُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ ، وَهِيَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى: رُجُوعُهُ عَلَيْهِ بِالرَّحْمَةِ ، وَالثَّوَابُ الَّذِي كُلَّمَا تَكَرَّرَتْ تَوْبَةُ الْعَبْدِ تَكَرَّرَ قَبُولُهُ ، وَإِنَّمَا لَمْ تُذْكَرْ حَوَّاءُ فِي التَّوْبَةِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَجِرْ لَهَا ذِكْرٌ ، لَا أَنَّ تَوْبَتَهَا لَمْ تُقْبَلْ . وَقَالَ قَوْمٌ: إِذَا كَانَ مَعْنَى فِعْلِ الِاثْنَيْنِ وَاحِدًا; جَازَ أَنْ يُذْكَرَ أَحَدُهُمَا وَيَكُونُ الْمَعْنَى لَهُمَا ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ [ التَّوْبَةِ: 63 ] وَقَوْلُهُ: فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى [ طه: 117 ] . قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ : فِي إِعَادَةِ ذِكْرِ الْهُبُوطِ- وَقَدْ تَقَدَّمَ- قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أُعِيدَ لِأَنَّ آَدَمَ أُهْبِطَ إِهْبَاطَيْنِ ، أَحَدُهُمَا مِنَ الْجَنَّةِ إِلَى السَّمَاءِ ، وَالثَّانِي مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ . وَأَيُّهُمَا الْإِهْبَاطُ الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْآَيَةِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ . وَالثَّانِي: أَنَّهُ إِنَّمَا كَرَّرَ الْهُبُوطَ تَوْكِيدًا . [ ص: 71 ] قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِمَّا قَالَ الزَّجَّاجُ: هَذِهِ "إِنَّ" الَّتِي لِلْجَزَاءِ ، ضُمَّتْ إِلَيْهَا "مَا" وَالْأَصْلُ فِي اللَّفْظِ "إِنَّ مَا" مَفْصُولَةٌ ، وَلَكِنَّهَا مُدْغَمَةٌ ، وَكُتِبَتْ عَلَى الْإِدْغَامِ ، فَإِذَا ضُمَّتْ "مَا" إِلَى "إِنْ" لَزِمَ الْفِعْلُ النُّونَ الثَّقِيلَةَ أَوِ الْخَفِيفَةَ . وَإِنَّمَا تَلْزَمُهُ النُّونُ لِأَنَّ "مَا" تَدْخُلُ مُؤَكَّدَةً ، وَدَخَلَتِ النُّونُ مُؤَكَّدَةً أَيْضًا ، كَمَا لَزِمَتِ اللَّامُ النُّونَ فِي الْقَسَمِ فِي قَوْلِكَ: وَاللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ ، وَجَوَابُ الْجَزَاءِ الْفَاءُ . وَفِي الْمُرَادِ بِـ "الْهُدَى" هَاهُنَا قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ الرَّسُولُ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَمُقَاتِلٌ . وَالثَّانِي: الْكِتَابُ ، حَكَاهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ . قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ . وَقَرَأَ يَعْقُوبُ: فَلَا خَوْفَ: بِفَتْحِ الْفَاءِ مِنْ غَيْرِ تَنْوِينٍ ، وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ بِضَمِّ الْفَاءِ مِنْ غَيْرِ تَنْوِينٍ . وَالْمَعْنَى: فَلَا خَوْفَ عَلَيْهِمْ فِيمَا يَسْتَقْبِلُونَ مِنَ الْعَذَابِ ، وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ عِنْدَ الْمَوْتِ . وَالْخَوْفُ لِأَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ ، وَالْحُزْنُ لِأَمْرٍ مَاضٍ . قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ فِي مَعْنَى الْآَيَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا: أَنَّهَا الْعَلَامَةُ ، فَمَعْنَى آَيَةٍ: عَلَامَةٌ لِانْقِطَاعِ الْكَلَامِ الَّذِي قَبْلَهَا ، وَالَّذِي بَعْدَهَا ، قَالَ الشَّاعِرُ: أَلَا أَبْلِغْ لَدَيْكَ بَنِي تَمِيمٍ بِآَيَةِ مَا يُحِبُّونَ الطَّعَامَا وَقَالَ النَّابِغَةُ: تَوَهَّمْتُ آَيَاتٍ لَهَا فَعَرَفْتُهَا لِسِتَّةِ أَعْوَامٍ وَذَا الْعَامِ سَابِعُ وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي عُبَيْدٍ . وَالثَّانِي: أَنَّهَا سُمِّيَتْ آَيَةً ، لِأَنَّهَا جَمَاعَةُ حُرُوفٍ مِنَ الْقُرْآَنِ ، وَطَائِفَةٌ مِنْهُ . قَالَ أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ: يُقَالُ: خَرَجَ الْقَوْمُ بِآَيَاتِهِمْ ، أَيْ: بِجَمَاعَتِهِمْ . وَأَنْشَدُوا: خَرَجْنَا مِنَ النَّقْبَيْنِ لَا حَيَّ مِثْلُنَا بِآَيَاتِنَا نُزْجِي اللِّقَاحَ الْمَطَافِلَا [ ص: 72 ] . وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا سُمِّيَتْ آَيَةً ، لِأَنَّهَا عَجَبٌ ، وَذَلِكَ أَنَّ قَارِئَهَا يَسْتَدِلُّ إِذَا قَرَأَهَا عَلَى مُبَايَنَتِهَا كَلَامَ الْمَخْلُوقِينَ ، وَهَذَا كَمَا تَقُولُ: فَلَانٌ آَيَةً مِنَ الْآَيَاتِ; أَيْ: عَجَبٌ مِنَ الْعَجَائِبِ . ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ . فِي الْمُرَادِ بِهَذِهِ الْآَيَاتِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا: آيَاتُ الْكُتُبِ الَّتِي تُتْلَى . وَالثَّانِي: مُعْجِزَاتُ الْأَنْبِيَاءِ ، . وَالثَّالِثُ: الْقُرْآَنُ . وَالرَّابِعُ: دَلَائِلُ اللَّهِ فِي مَصْنُوعَاتِهِ . وَأَصْحَابُ النَّارِ: سُكَّانُهَا ، سُمُّوا أَصْحَابًا ، لِصُحْبَتِهِمْ إِيَّاهَا بِالْمُلَازَمَةِ .
__________________
|
#15
|
||||
|
||||
رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد
__________________
|
#16
|
||||
|
||||
رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد
__________________
|
#17
|
||||
|
||||
رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد
__________________
|
#18
|
||||
|
||||
رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد
تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي سُورَةُ الْبَقَرَةِ الحلقة (18) صــ91 إلى صــ 96 قَوْلُهُ تَعَالَى: بِغَيْرِ الْحَقِّ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا: أَنَّ مَعْنَاهُ: بِغَيْرِ جُرْمٍ ، قَالَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ . وَالثَّانِي: أَنَّهُ تَوْكِيدٌ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ . وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ خَارِجٌ مَخْرَجَ الصِّفَةِ لِقَتْلِهِمْ أَنَّهُ ظُلْمٌ ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: [ ص: 91 ] رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ فَوَصَفَ حُكْمَهُ بِالْحَقِّ ، وَلَمْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ يَحْكُمُ بِغَيْرِ الْحَقِّ . قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَانُوا يَعْتَدُونَ الْعُدْوَانُ: أَشَدُّ الظُّلْمِ . وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الِاعْتِدَاءُ: مُجَاوَزَةُ الْقَدْرِ فِي كُلٍّ شَيْءٍ . قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ . قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا فِيهِمْ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا: أَنَّهُمْ قَوْمٌ كَانُوا مُؤْمِنِينَ بِعِيسَى قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ . وَالثَّانِي: أَنَّهُمُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِمُوسَى ، وَعَمِلُوا بِشَرِيعَتِهِ إِلَى أَنْ جَاءَ عِيسَى ، فَآَمَنُوا بِهِ وَعَمِلُوا بِشَرِيعَتِهِ إِلَى أَنْ جَاءَ مُحَمَّدٌ ، وَهَذَا قَوْلُ السُّدِّيُّ عَنْ أَشْيَاخِهِ . وَالثَّالِثُ: أَنَّهُمُ الْمُنَافِقُونَ ، قَالَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ . وَالرَّابِعُ: أَنَّهُمُ الَّذِينَ كَانُوا يَطْلُبُونَ الْإِسْلَامَ ، كَقِسِّ بْنِ سَاعِدَةَ ، وَبُحَيْرَا ، وَوَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ ، وَسَلْمَانَ . وَالْخَامِسُ: أَنَّهُمُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ . قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ هَادُوا قَالَ الزَّجَّاجُ: أَصْلُ هَادَوْا فِي اللُّغَةِ: تَابُوا . وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ الْيَهُودَ سُمُّوا بِذَلِكَ ، لِقَوْلِ مُوسَى : هُدْنَا إِلَيْكَ ، وَالنَّصَارَى لِقَوْلِ عِيسَى: مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ . وَقِيلَ سُمُّوا النَّصَارَى لِقَرْيَةٍ ، نَزَلَهَا الْمَسِيحُ ، اسْمُهَا: نَاصِرَةُ ، وَقِيلَ: لِتَنَاصُرِهِمْ . فَأَمَّا "الصَّابِئُونَ" فَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِالْهَمْزِ فِي جَمِيعِ الْقُرْآَنِ . وَكَانَ نَافِعٌ يَهْمِزُ كُلَّ الْمَوَاضِعِ . قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَى الصَّابِئِينَ: الْخَارِجُونَ مِنْ دِينٍ إِلَى دِينٍ ، يُقَالُ: صَبَأَ فَلَانٌ: إِذَا خَرَجَ مِنْ دِينِهِ . وَصَبَأَتِ النُّجُومُ: إِذَا طَلَعَتْ [وَصَبَأَ نَابُهُ: إِذَا خَرَجَ ] . وَفِي الصَّابِئِينَ سَبْعَةُ أَقْوَالٍ [ ص: 92 ] أَحَدُهَا: أَنَّهُ صِنْفٌ مِنَ النَّصَارَى أَلْيَنُ قَوْلًا مِنْهُمْ ، وَهُمُ السَّائِحُونَ الْمُحَلِّقَةُ أَوْسَاطُ رُؤُوسِهِمْ ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ قَوْمٌ بَيْنَ النَّصَارَى وَالْمَجُوسِ ، لَيْسَ لَهُمْ دِينٌ ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ . وَالثَّالِثُ: أَنَّهُمْ قَوْمٌ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ، قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ . وَالرَّابِعُ: قَوْمٌ كَالْمَجُوسِ ، قَالَهُ الْحَسَنُ وَالْحَكَمُ . وَالْخَامِسُ: فِرْقَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يَقْرَؤُونَ الزَّبُورَ ، قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَةِ . وَالسَّادِسُ: قَوْمٌ يُصَلُّونَ إِلَى الْقِبْلَةِ ، وَيَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ ، وَيَقْرَؤُونَ الزَّبُورَ ، قَالَهُ قَتَادَةُ . وَالسَّابِعُ: قَوْمٌ يَقُولُونَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَقَطْ ، وَلَيْسَ لَهُمْ عَمَلٌ وَكِتَابٌ وَنَبِيٌّ ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ . قَوْلُهُ تَعَالَى: مَنْ آمَنَ فِي إِعَادَةِ ذِكْرِ الْإِيمَانِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ . أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ طَوَائِفَ مِنَ الْكُفَّارِ رَجَعَ قَوْلُهُ: (مَنْ آمَنَ) إِلَيْهِمْ . وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَعْنَى مَنْ أَقَامَ عَلَى إِيمَانِهِ . وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْإِيمَانَ الْأَوَّلَ نُطْقُ الْمُنَافِقِينَ بِالْإِسْلَامِ . وَالثَّانِي: اعْتِقَادُ الْقُلُوبِ . قَوْلُهُ تَعَالَى: وَعَمِلَ صَالِحًا . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَقَامَ الْفَرَائِضَ . فَصْلٌ وَهَلْ هَذِهِ الْآَيَةُ مُحْكَمَةٌ أَمْ مَنْسُوخَةٌ؟ فِيهِ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ فِي آَخَرِينَ ، وَقَدَّرُوا فِيهَا: إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ، وَمَنْ آَمَنَ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا . وَالثَّانِي: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ . قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الْخِطَابُ بِهَذِهِ الْآَيَةِ لِلْيَهُودِ . وَالْمِيثَاقُ: مِفْعَالٌ مِنَ التَّوَثُّقِ بِيَمِينٍ أَوْ عَهْدٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي تُؤَكِّدُ الْقَوْلَ . وَفِي هَذَا الْمِيثَاقِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا: أَنَّهُ أَخَذَ مِيثَاقَهُمْ أَنْ يَعْمَلُوا بِمَا فِي التَّوْرَاةِ ، فَكَرِهُوا الْإِقْرَارَ بِمَا فِيهَا ، فَرَفَعَ عَلَيْهِمُ الْجَبَلَ ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ . قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ: أَعْطُوا اللَّهَ عَهْدًا لِيَعْمَلُنَّ بِمَا فِي التَّوْرَاةِ ، فَلَمَّا جَاءَ بِهَا مُوسَى قَرَءُوا مَا فِيهَا مِنَ التَّثْقِيلِ ، امْتَنَعُوا مِنْ أَخْذِهَا ، فَرَفَعَ الطُّورَ عَلَيْهِمْ . وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَا أَخَذَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الرُّسُلِ وَتَابِعِيهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ذَكَرَهُ الزَّجَّاجُ . وَالثَّالِثُ: ذَكَرَهُ الزَّجَّاجُ أَيْضًا ، فَقَالَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمِيثَاقُ يَوْمَ أَخَذَ الذُّرِّيَّةَ مِنْ ظَهْرِ آَدَمَ . قَوْلُهُ تَعَالَى: وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الطَّوْرُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْجَبَلُ . وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الطَّوْرُ: الْجَبَلُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا أُنْبِتَ مِنَ الْجِبَالِ فَهُوَ طُورٌ ، وَمَا لَمْ يَنْبُتْ فَلَيْسَ بِطُورٍ . وَأَيُّ الْجِبَالِ هُوَ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ . أَحَدُهُمَا: جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ فِلِسْطِينَ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ . وَالثَّانِي: جَبَلٌ نَزَلُوا بِأَصْلِهِ ، قَالَهُ قَتَادَةُ . وَالثَّالِثُ: الْجَبَلُ الَّذِي تَجَلَّى لَهُ رَبُّهُ قَالَهُ مُجَاهِدٌ . وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا رَفَعَ الْجَبَلَ عَلَيْهِمْ لِإِبَائِهِمُ التَّوْرَاةَ . وَقَالَ السُّدِّيُّ: لِإِبَائِهِمُ دُخُولَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ . قَوْلُهُ تَعَالَى: خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ . وَفِي الْمُرَادِ بِالْقُوَّةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا: الْجِدُّ وَالِاجْتِهَادُ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَقَتَادَةُ ، وَالسُّدِّيُّ . وَالثَّانِي: الطَّاعَةُ ، قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَةِ . وَالثَّالِثُ: الْعَمَلُ بِمَا فِيهِ ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ . وَالرَّابِعُ: الصِّدْقُ ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ . [ ص: 94 ] قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ فِيهِ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: اذْكُرُوا مَا تَضَمَّنَهُ مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ . وَالثَّانِي: مَعْنَاهُ: ادْرُسُوا مَا فِيهِ ، قَالَهُ الزَّجَّاجُ . قَوْلُهُ تَعَالَى: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَتَّقُونَ الْعُقُوبَةَ . قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنْ الْخَاسِرِينَ . قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ أَيْ: أَعْرَضْتُمْ عَنِ الْعَمَلِ بِمَا فِيهِ مِنْ بَعْدِ إِعْطَاءِ الْمَوَاثِيقِ لَتَأْخُذُنَّهُ بِجِدٍّ ، فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ بِالْعُقُوبَةِ . قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ السَّبْتُ: الْيَوْمُ الْمَعْرُوفُ ، قَالَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَمَعْنَى السَّبْتِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْقَطْعُ يُقَالُ: قَدْ سَبَتَ رَأْسَهُ: إِذَا حَلَقَهُ وَقَطَعَ الشَّعْرَ مِنْهُ ، وَيُقَالُ: نَعْلٌ سَبْتِيَّةٌ: إِذَا كَانَتْ مَدْبُوغَةً بِالْقَرْظِ مَحْلُوقَةَ الشَّعْرِ ، فَسُمِّيَ السَّبْتُ سَبْتًا ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ابْتَدَأَ الْخَلْقَ فِيهِ ، وَقَطَعَ فِيهِ بَعْضَ خَلْقِ الْأَرْضِ ، أَوْ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِيهِ بِقَطْعِ الْأَعْمَالِ وَتَرْكِهَا . قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: سُمِّيَ سَبْتًا ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَهُمْ بِالْاسْتِرَاحَةِ فِيهِ مِنَ الْأَعْمَالِ ، وَهَذَا خَطَأٌ ، لِأَنَّهُ يُعْرَفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: سَبَتَ بِمَعْنَى: اسْتَرَاحَ . وَفِي صِفَةِ اعْتِدَائِهِمْ فِي السَّبْتِ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ أَخَذُوا الْحِيتَانَ يَوْمَ السَّبْتِ ، قَالَهُ الْحَسَنُ وَمُقَاتِلٌ . وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ حَبَسُوهَا يَوْمَ السَّبْتِ وَأَخَذُوهَا يَوْمَ الْأَحَدِ ، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَحْفِرُ الْحَفِيرَةَ; وَيَجْعَلُ لَهَا نَهْرًا إِلَى الْبَحْرِ ، فَإِذَا كَانَ يَوْمَ السَّبْتِ فَتَحَ النَّهْرَ ، وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ يَوْمَ السَّبْتِ ، فَيُقْبِلُ الْمَوْجُ بِالْحِيتَانِ حَتَّى يُلْقِيَهَا فِي الْحَفِيرَةِ ، فَيُرِيدُ الْحُوتُ الْخُرُوجَ فَلَا يُطِيقُ ، فَيَأْخُذُهَا يَوْمَ الْأَحَدِ ، قَالَهُ السُّدِّيُّ . [ ص: 95 ] الْإِشَارَةُ إِلَى قِصَّةِ مَسْخِهِمْ . رَوَى عُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: نُودِيَ الَّذِينَ اعْتَدَوْا فِي السَّبْتِ ثَلَاثَةَ أَصْوَاتٍ . نُودُوا يَا أَهْلَ الْقَرْيَةِ ، فَانْتَبَهَتْ طَائِفَةٌ أَكْثَرُ مِنَ الْأُولَى ، ثُمَّ نُودُوا: يَا أَهْلَ الْقَرْيَةِ ، فَانْتَبَهَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ ، فَقَالَ اللَّهُ لَهُمْ: كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ فَجَعَلَ الَّذِينَ نَهَوْهُمْ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ فَيَقُولُونَ: يَا فُلَانُ أَلَمْ نَنْهَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ بِرُؤُوسِهِمْ: بَلَى . قَالَ قَتَادَةُ: فَصَارَ الْقَوْمُ قِرَدَةً تَعَاوَى ، لَهَا أَذْنَابٌ بَعْدَمَا كَانُوا رِجَالًا وَنِسَاءً . وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ قَتَادَةَ: صَارَ الشُّبَّانُ قِرَدَةً ، وَالشُّيُوخُ خَنَازِيرَ ، وَمَا نَجَا إِلَّا الَّذِينَ نَهَوْا ، وَهَلَكَ سَائِرُهُمْ . وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانُوا نَحْوًا مِنْ سَبْعِينَ أَلْفًا ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْعُلَمَاءُ ، غَيْرَ مَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: مُسِخَتْ قُلُوبُهُمْ وَلَمْ تُمْسَخْ أَبْدَانُهُمْ ، وَهُوَ قَوْلٌ بَعِيدٌ ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ يُحْيَوْا عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَلَمْ يَحْيَاْ مَسْخٌ فِي الْأَرْضِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، وَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ وَلَمْ يَنْسِلْ . وَزَعَمَ مُقَاتِلٌ أَنَّهُمْ عَاشُوا سَبْعَةَ أَيَّامٍ ، وَمَاتُوا فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ ، وَهَذَا كَانَ فِي زَمَانِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ . قَوْلُهُ تَعَالَى: خَاسِئِينَ : الْخَاسِئُ فِي اللُّغَةِ: الْمُبْعَدُ ، يُقَالُ لِلْكَلْبِ اخْسَأْ ، أَيْ: تَبَاعَدْ . قَوْلُهُ تَعَالَى: فَجَعَلْنَاهَا نَكَالا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ . فِي الْمُكَنَّى عَنْهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا: أَنَّهَا الْخَطِيئَةُ ، رَوَاهُ عَطِيَّةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَالثَّانِي: الْعُقُوبَةُ ، رَوَاهُ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْهَاءُ: كِنَايَةٌ عَنِ الْمُسْخَةِ الَّتِي مُسِخُوهَا . وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا الْقَرْيَةُ ، وَالْمُرَادُ أَهْلُهَا ، قَالَهُ قَتَادَةُ وَابْنُ قُتَيْبَةَ . وَالرَّابِعُ: أَنَّهَا الْأُمَّةُ الَّتِي مُسِخَتْ ، قَالَهُ الْكِسَائِيُّ ، وَالزَّجَّاجُ . وَفِي النَّكَالِ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ الْعُقُوبَةُ ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ . وَالثَّانِي: الْعِبْرَةُ ، قَالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَالزَّجَّاجُ . قَوْلُهُ تَعَالَى: لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا: لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا [ ص: 96 ] مِنَ الْقُرَى وَمَا خَلْفَهَا ، رَوَاهُ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَالثَّانِي: لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا مِنَ الذُّنُوبِ ، وَمَا خَلْفَهَا: مَا عَمِلُوا بَعْدَهَا ، رَوَاهُ عَطِيَّةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَالثَّالِثُ: لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا مِنَ السِّنِينَ الَّتِي عَمِلُوا فِيهَا بِالْمَعَاصِي ، وَمَا خَلْفَهَا: مَا كَانَ بَعْدَهُمْ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ لِئَلَّا يَعْمَلُوا بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ ، قَالَهُ عَطِيَّةُ . وَفِي الْمُتَّقِينَ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَامٌّ فِي كُلِّ مُتَّقٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ . وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَهُ السُّدِّيُّ عَنْ أَشْيَاخِهِ ، وَذَكَرَهُ عَطِيَّةُ وَسُفْيَانُ . قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ . ذِكْرُ السَّبَبِ فِي أَمْرِهِمْ بِذَبْحِ الْبَقَرَةِ . رَوَى ابْنُ سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَةَ قَالَ: كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ عَقِيمٌ لَا يُولَدُ لَهُ ، وَلَهُ مَالٌ كَثِيرٌ ، وَكَانَ ابْنُ أَخِيهِ وَارِثَهُ ، فَقَتَلَهُ وَاحْتَمَلَهُ لَيْلًا ، فَأَتَى بِهِ حَيًّا آَخَرَ ، فَوَضَعَهُ عَلَى بَابِ رَجُلٍ مِنْهُمْ ، ثُمَّ أَصْبَحَ يَدَّعِيهِ حَتَّى تَسَلَّحُوا ، وَرَكِبَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ، فَأَتَوْا مُوسَى فَذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ ، فَأَمَرَهُمْ بِذَبْحِ الْبَقَرَةِ .
__________________
|
#19
|
||||
|
||||
رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد
__________________
|
#20
|
||||
|
||||
رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |