|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#11
|
||||
|
||||
![]() الـشـرح:
قال المؤلف رحمه الله: "باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله" مناسبة هذا الباب لما قبله من الأبواب ظاهرة جداً فإنه لما ذكر في: الباب الأول: معرفة التوحيد. الباب الثاني: فضل التوحيد. الباب الثالث: فضل من حقق التوحيد. الباب الرابع: ما يضاد التوحيد وهو الشرك. فإذا ألمّ طالب العلم بهذه الأبواب وعرفها معرفةً جيدة فإنه تأهل حينئذٍ للدعوة إلى الله عز وجل. فإنه لا يجوز للإنسان إذا علم شيئاً من هذا العلم الشريف أن يختزنه في صدره، فلا بد من نشره والدعوة إليه فإن هذه الأمة أمة الدعوة كما قال تعالى:}كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ{ [آل عمران:110]. وقال تعالى:}وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{[آل عمران:104]. فلا يجوز للمسلم الذي عرف شيئاً من العلم أن يكتمه وهو يرى الناس في حاجة إليه، خصوصاً علم التوحيد وعلم العقيدة. واللذان لا نجاة للإنسان إلا بمعرفتها وفهمها فهماً جيداً ليكون من الموحدين المحققين للتوحيد والبعيدين السالمين من الشرك. فقوله: "باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله" يعني الدعوة. وقال رحمه الله تعالى: وقول الله تعالى: }قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ{[يوسف: 108]. يأمر الله سبحانه وتعالى نبيه محمداً r أن يُعلن للناس عن بيان منهجه ومنهج أتباعه في الدعوة وهو: الدعوة إلى الله على بصيرة، فدل على أن من لم يدعُ على بصيرة فإنه لم يحقق اتباع النبي r. قوله:}أَدْعُو إِلَى اللّهِ{ قال الشيخ رحمه الله: "فيه التنبيه على الإخلاص، فإن بعض الناس إنما يدعو إلى نفسه". فقد يكون الإنسان يدعو ويحاضر ويخطب، لكن قصده من ذلك أن يتبين شأنه عند الناس فيصبح له مكانه ويمدحه الناس على ذلك ويتجمهرون إليه ويكثرون حوله، فإذا كان هذا هو قصده فهو لا يدعو إلى الله وإنما يدعو إلى نفسه وهذا محظور عظيم. فيجب على الإنسان الذي علم أن يدعو، وإذا دعا أن يخلص لله فيدعو إلى الله لا يدعو إلى نفسه. فيكون قصده من الدعوة إقامة شرع الله وهداية الناس ونفعهم سواءً مدحوه أو ذمّوه فبعض الدعاة إذا لم يمدح ويشجع ترك الدعوة وذلك دليل على أنه لا يدعو إلى الله وإنما يدعو إلى نفسه. فليتنبّه الإنسان الداعي إلى الله أن يقصد بدعوته رضى الله مخلصاً له ونفع الناس وتخليصهم من الشرك ومن البِدع والمخالفات ولينتبه أن الكثرة حول الشخص لا تدل على فضله فكما مرّ معنا فإن النبي يأتي يوم القيامة وليس معه أحد، فهل يدل ذلك على عدم فضل هذا النبي؟ لا حاشا وكلا. يتبـع..
__________________
![]() مهما يطول ظلام الليل ويشتد لابد من أن يعقبه فجرا .
|
#12
|
||||
|
||||
![]() وقوله: }أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ{، البصيرة معناها: العلم، بل هي أعلى درجات العلم وفي هذا دليل على أنه يشترط في الداعية أن يكون متزوّداً بالعلم قبل أن يشرع في الدعوة، فإنّ فاقد الشيء لا يعطيه ولأنه في دعوته قد يتعرض إلى شبهات ومناظرات وجدال خصوصاً إذا دعا غير المسلمين، قال تعالى: }ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ{ [النحل:125]، بالحكمة: يعني بالعلم، وجادلهم فيه دليل على أن الداعية معرَّض للجدال فكيف يجادل بدون علم؟! وقوله:}أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي{أي: وأتباعي يدعون إلى الله على بصيرة، فدل على أن من لم يدعُ إلى الله لم يحقق اتباع الرسول r، وأن من دعا إلى الله تعالى على جهلٍ لم يحقق اتباع الرسول r، بل إنه أدخل نفسه فيما ليس من شأنه، وصار خطراً على الدعوة، وعلى الدعاة. ثم قال: "وسبحان الله" سبحان: اسم مصدر مِن سبّح بمعنى: نزّه الله عما لا يليق به من الشرك والقول عليه سبحانه وتعالى بلا علم. فإن الله تعالى ينزَّه عن الشرك، ويُنزَّه عن القول عليه بلا علم، فهذا فيه وجوب تنزيه الله تعالى عن النقائص، وأعظمها: الشرك. وقوله:}وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ{، هذه براءة من الرسول r من المشركين كما تبرأ منهم إبراهيم عليه السلام، ففيه وجوب البراءة من المشركين يعني: قطع المحبة والمودة والمناصرة بينك وبين المشركين، لأنهم أعداء الله وأعداء رسوله. فهذا أصل من أصول الدعوة، أما الداعية الذي لا يتبرأ من المشركين فهذا ليس بداعية، وليس على طريق رسول الله r، وإن زعم أنه يدعو إلى الله وعلى طريق رسول اللهr. بل إن الكفر بالطاغوت مقدّم على الإيمان بالله كما قال تعالى:}فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ{[البقرة:256]، فلا بد من البراءة من المشركين. وقوله: "وبعث معاذاً إلى اليمن" يعني أرسل معاذاً إلى القطر المعروف جنوب الجزيرة ويسمى اليمن لأنه يقع أيمن الكعبة كما أن الشام سمي الشام لأنه يقع شاميّ الكعبة. وهذا فيه مشروعية إرسال الدعاة للدعوة إلى الله عز وجل، وأنه سنة نبوية، وفيه أنه لا يُرسل للدعوة أيّ أحد، فإرسال النبي r معاذاً فيه أولاً فضيلة معاذ رضي الله عنه وعلمه لأن الرسول r لا يرسل للدعوة إلا من توفّرت فيه الشروط المطلوبة، وقد توفرت بمعاذ رضي الله عنه وكان أعلم الناس بالحلال والحرام. وفيه أيضاً العمل بخبر الواحد، لأن الرسول r أرسل معاذاً وحده ولا يشترط التواتر في بيان أمور العقيدة كما يقوله كثير من الجهّال، ما كان الرسول r يرسل جماعات إنما كان يرسل أفراداً كما بعث علياً رضي الله عنه وبعث أبو عبيدة ابن الجرّاح. وقوله: "قال له: إنك تأتي قوماً أهل كتاب". يعني من اليهود والنصارى، وقصد النبي r من هذا أن يتأهب معاذ لمن سيقدم عليهم، وأنهم أهل كتاب يحتاجون إلى استعداد علمي للمجادلة والمناظرة. وفي هذا أنه يجب على الداعية معرفة حالة المدعوين، وهذا منهج الدعوة: أن الداعية ينظر في حالة المدعوين، ويخاطب كلاً منهم بحسب ما يليق به. فكان لا بد من العلم ولا بد أن يتعلم الداعية قبل أن يدعو. وقوله: "فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله" هذا فيه التدرّج في الدعوة، وأنه يبدأ بالأهم فالأهم، وهذه هي طريقة الرسل فهم عليهم السلام يبدأون بالدعوة إلى لا إله إلا الله لأنها الأصل والأساس الذي تُبنى عليه باقي أمور الدين، فإنه إذا لم تتحقق لا إله إلا الله فلا فائدة من بقية الأمور. وهذا بخلاف كثيرٍ من دعاة اليوم الذين لا يهتمون بشهادة أن لا إله إلا الله، فهؤلاء مهما أتعبوا أنفسهم، فإن عملهم لا ينفع، حتى يحققوا الأصل والأساس الذي تُبنى عليه أمور الدين وهذا الأساس الدعوة إليه منهج كل الأنبياء عليهم السلام كما قال تعالى: }وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ{[النحل:36]. يتبع....
__________________
![]() مهما يطول ظلام الليل ويشتد لابد من أن يعقبه فجرا .
|
#13
|
||||
|
||||
![]() وقوله: "ثم ادعهم إلى الإسلام". هذا محل الشاهد في الحديث للباب، باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله. الإسلام هو: الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك وأهله. وكلمة الإسلام غطاء يدّعيها كل الطوائف المنحرفة والضالة والكافرة: القاديانية، والباطنية، والقبورية وغيرهم من الطوائف المنحرفة. لكن لو شرح الإسلام بأنه التوحيد وعبادة الله وحده لا شريك له، والبراءة من المشركين، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، وإفراد الله تعالى بجميع أنواع العبادات من الذبح والنّذر والاستغاثة والاستعاذة، حينئذٍ يتبين الإسلام الصحيح من الإسلام المزيّف. فالإسلام ليس مجرد انتساب ودعوى فقط، أو قول لا إله إلا الله بدون التزام بمعناها ومدلولها حتى لو كان عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله r يعتبر من حق لا إله إلا الله. لهذا لما ارتدّ عن الإسلام مَن ارتد بعد وفاة النبي r وعزم أبو بكر رضي الله عنه على قتالهم، قال له الصحابة، ومنهم عمر: "يا خليفة رسول الله، كيف تقاتلهم وهم يقولون: لا إله إلا الله، قال: إن رسول الله r يقول: "إلا بحقها" وإن الزكاة من حقها، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله r لقاتلتهم عليه". وقوله: "لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حُمر النعم". هذا ترغيب في الدعوة إلى الله عز وجل، وحُمر النعم الإبل الحمر، وهي أنفَس أموال العرب. (1) رواية عناقاً أصحّ من رواية عقالاً كما نبّه على ذلك شيخنا الألباني رحمه الله في صحيح أبي داود رقم (1376).
__________________
![]() مهما يطول ظلام الليل ويشتد لابد من أن يعقبه فجرا .
|
#14
|
||||
|
||||
![]() الـشـرح: قال المؤلف رحمه الله: "باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله" مناسبة هذا الباب لما قبله من الأبواب ظاهرة جداً فإنه لما ذكر في: الباب الأول: معرفة التوحيد. الباب الثاني: فضل التوحيد. الباب الثالث: فضل من حقق التوحيد. الباب الرابع: ما يضاد التوحيد وهو الشرك. فإذا ألمّ طالب العلم بهذه الأبواب وعرفها معرفةً جيدة فإنه تأهل حينئذٍ للدعوة إلى الله عز وجل. فإنه لا يجوز للإنسان إذا علم شيئاً من هذا العلم الشريف أن يختزنه في صدره، فلا بد من نشره والدعوة إليه فإن هذه الأمة أمة الدعوة كما قال تعالى:}كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ{ [آل عمران:110]. وقال تعالى:}وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{[آل عمران:104]. فلا يجوز للمسلم الذي عرف شيئاً من العلم أن يكتمه وهو يرى الناس في حاجة إليه، خصوصاً علم التوحيد وعلم العقيدة. واللذان لا نجاة للإنسان إلا بمعرفتها وفهمها فهماً جيداً ليكون من الموحدين المحققين للتوحيد والبعيدين السالمين من الشرك. فقوله: "باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله" يعني الدعوة. وقال رحمه الله تعالى: وقول الله تعالى: }قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ{[يوسف: 108]. يأمر الله سبحانه وتعالى نبيه محمداً r أن يُعلن للناس عن بيان منهجه ومنهج أتباعه في الدعوة وهو: الدعوة إلى الله على بصيرة، فدل على أن من لم يدعُ على بصيرة فإنه لم يحقق اتباع النبي r. قوله:}أَدْعُو إِلَى اللّهِ{ قال الشيخ رحمه الله: "فيه التنبيه على الإخلاص، فإن بعض الناس إنما يدعو إلى نفسه". فقد يكون الإنسان يدعو ويحاضر ويخطب، لكن قصده من ذلك أن يتبين شأنه عند الناس فيصبح له مكانه ويمدحه الناس على ذلك ويتجمهرون إليه ويكثرون حوله، فإذا كان هذا هو قصده فهو لا يدعو إلى الله وإنما يدعو إلى نفسه وهذا محظور عظيم. فيجب على الإنسان الذي علم أن يدعو، وإذا دعا أن يخلص لله فيدعو إلى الله لا يدعو إلى نفسه. فيكون قصده من الدعوة إقامة شرع الله وهداية الناس ونفعهم سواءً مدحوه أو ذمّوه فبعض الدعاة إذا لم يمدح ويشجع ترك الدعوة وذلك دليل على أنه لا يدعو إلى الله وإنما يدعو إلى نفسه. فليتنبّه الإنسان الداعي إلى الله أن يقصد بدعوته رضى الله مخلصاً له ونفع الناس وتخليصهم من الشرك ومن البِدع والمخالفات ولينتبه أن الكثرة حول الشخص لا تدل على فضله فكما مرّ معنا فإن النبي يأتي يوم القيامة وليس معه أحد، فهل يدل ذلك على عدم فضل هذا النبي؟ لا حاشا وكلا. يتبـع..
__________________
![]() مهما يطول ظلام الليل ويشتد لابد من أن يعقبه فجرا .
|
#15
|
||||
|
||||
![]() وقوله: }أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ{، البصيرة معناها: العلم، بل هي أعلى درجات العلم وفي هذا دليل على أنه يشترط في الداعية أن يكون متزوّداً بالعلم قبل أن يشرع في الدعوة، فإنّ فاقد الشيء لا يعطيه ولأنه في دعوته قد يتعرض إلى شبهات ومناظرات وجدال خصوصاً إذا دعا غير المسلمين، قال تعالى: }ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ{ [النحل:125]، بالحكمة: يعني بالعلم، وجادلهم فيه دليل على أن الداعية معرَّض للجدال فكيف يجادل بدون علم؟! وقوله:}أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي{أي: وأتباعي يدعون إلى الله على بصيرة، فدل على أن من لم يدعُ إلى الله لم يحقق اتباع الرسول r، وأن من دعا إلى الله تعالى على جهلٍ لم يحقق اتباع الرسول r، بل إنه أدخل نفسه فيما ليس من شأنه، وصار خطراً على الدعوة، وعلى الدعاة. ثم قال: "وسبحان الله" سبحان: اسم مصدر مِن سبّح بمعنى: نزّه الله عما لا يليق به من الشرك والقول عليه سبحانه وتعالى بلا علم. فإن الله تعالى ينزَّه عن الشرك، ويُنزَّه عن القول عليه بلا علم، فهذا فيه وجوب تنزيه الله تعالى عن النقائص، وأعظمها: الشرك. وقوله:}وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ{، هذه براءة من الرسول r من المشركين كما تبرأ منهم إبراهيم عليه السلام، ففيه وجوب البراءة من المشركين يعني: قطع المحبة والمودة والمناصرة بينك وبين المشركين، لأنهم أعداء الله وأعداء رسوله. فهذا أصل من أصول الدعوة، أما الداعية الذي لا يتبرأ من المشركين فهذا ليس بداعية، وليس على طريق رسول الله r، وإن زعم أنه يدعو إلى الله وعلى طريق رسول اللهr. بل إن الكفر بالطاغوت مقدّم على الإيمان بالله كما قال تعالى:}فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ{[البقرة:256]، فلا بد من البراءة من المشركين. وقوله: "وبعث معاذاً إلى اليمن" يعني أرسل معاذاً إلى القطر المعروف جنوب الجزيرة ويسمى اليمن لأنه يقع أيمن الكعبة كما أن الشام سمي الشام لأنه يقع شاميّ الكعبة. وهذا فيه مشروعية إرسال الدعاة للدعوة إلى الله عز وجل، وأنه سنة نبوية، وفيه أنه لا يُرسل للدعوة أيّ أحد، فإرسال النبي r معاذاً فيه أولاً فضيلة معاذ رضي الله عنه وعلمه لأن الرسول r لا يرسل للدعوة إلا من توفّرت فيه الشروط المطلوبة، وقد توفرت بمعاذ رضي الله عنه وكان أعلم الناس بالحلال والحرام. وفيه أيضاً العمل بخبر الواحد، لأن الرسول r أرسل معاذاً وحده ولا يشترط التواتر في بيان أمور العقيدة كما يقوله كثير من الجهّال، ما كان الرسول r يرسل جماعات إنما كان يرسل أفراداً كما بعث علياً رضي الله عنه وبعث أبو عبيدة ابن الجرّاح. وقوله: "قال له: إنك تأتي قوماً أهل كتاب". يعني من اليهود والنصارى، وقصد النبي r من هذا أن يتأهب معاذ لمن سيقدم عليهم، وأنهم أهل كتاب يحتاجون إلى استعداد علمي للمجادلة والمناظرة. وفي هذا أنه يجب على الداعية معرفة حالة المدعوين، وهذا منهج الدعوة: أن الداعية ينظر في حالة المدعوين، ويخاطب كلاً منهم بحسب ما يليق به. فكان لا بد من العلم ولا بد أن يتعلم الداعية قبل أن يدعو. وقوله: "فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله" هذا فيه التدرّج في الدعوة، وأنه يبدأ بالأهم فالأهم، وهذه هي طريقة الرسل فهم عليهم السلام يبدأون بالدعوة إلى لا إله إلا الله لأنها الأصل والأساس الذي تُبنى عليه باقي أمور الدين، فإنه إذا لم تتحقق لا إله إلا الله فلا فائدة من بقية الأمور. وهذا بخلاف كثيرٍ من دعاة اليوم الذين لا يهتمون بشهادة أن لا إله إلا الله، فهؤلاء مهما أتعبوا أنفسهم، فإن عملهم لا ينفع، حتى يحققوا الأصل والأساس الذي تُبنى عليه أمور الدين وهذا الأساس الدعوة إليه منهج كل الأنبياء عليهم السلام كما قال تعالى: }وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ{[النحل:36]. يتبع....
__________________
![]() مهما يطول ظلام الليل ويشتد لابد من أن يعقبه فجرا .
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |