|
|||||||
| فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
|
|
#1
|
||||
|
||||
![]() الكتاب: المبسوط فى الفقه الحنفى المؤلف: محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي (ت ٤٨٣ هـ) عدد الأجزاء: ٣١ (الأخير فهارس) المجلد الاول صـــ 101 الى صـــ 110 (11) [المسح على الجوربين] قال (وأما المسح على الجوربين فإن كانا ثخينين منعلين يجوز المسح عليهما) لأن مواظبة المشي سفرا بهما ممكن وإن كانا رقيقين لا يجوز المسح عليهما؛ لأنهما بمنزلة اللفافة وإن كانا ثخينين غير منعلين لا يجوز المسح عليهما عند أبي حنيفة - رحمه الله تعالى -؛ لأن مواظبة المشي بهما سفرا غير ممكن فكانا بمنزلة الجورب الرقيق وعلى قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يجوز المسح عليهما وحكي أن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - في مرضه مسح على جوربيه ثم قال لعواده فعلت ما كنت أمنع الناس عنه فاستدلوا به على رجوعه وحجتهما حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله تعالى عنه - وأرضاه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح جوربيه وقد روي المسح على الجورب عن أبي بكر وعلي وأنس - رضي الله تعالى عنهم - وتأويله عند أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - أنه كان منعلا أو مجلدا، والثخين من الجورب أن يستمسك على الساق من غير أن يشده بشيء. والصحيح من المذهب جواز المسح على الخفاف المتخذة من اللبود التركية؛ لأن مواظبة المشي فيها سفرا ممكن قال (ويجوز المسح على الجرموقين فوق الخفين) عندنا، وعند الشافعي - رضي الله تعالى عنه - إن لبس الجرموقين وحدهما مسح وإن لبسهما فوق الخف لم يمسح عليهما؛ لأن ما تحتهما ممسوح والمسح لا يكون بدلا عن المسح. (ولنا) حديث عمر - رضي الله تعالى عنه - قال رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسح على الجرموقين ولأن الجرموق فوق الخف في معنى خف ذي طاقين ولو لبس خفا ذا طاقين كان له أن يمسح عليه فهذا مثله وإنما يجوز المسح عندنا على الجرموقين إذا لبسهما فوق الخفين قبل أن يحدث ويمسح فأما إذا كان مسح على الخف أولا ثم لبس الجرموق فليس له أن يمسح على الجرموق؛ لأن حكم المسح استقر على الخف فبهذا يتبين الجواب عما قاله الشافعي - رحمه الله - تعالى عنه. وكذلك لو أحدث بعد ما لبس الخف ثم لبس الجرموقين فليس له أن يمسح الجرموق؛ لأن ابتداء مدة المسح من وقت الحدث وقد انعقد في الخف فلا يتحول إلى الجرموق بعد ذلك وإن مسح على الخفين ثم نزع أحدهما انتقض مسحه في الرجلين وعليه غسلهما. وقال ابن أبي ليلى - رحمه الله - لا شيء عليه. وعن إبراهيم النخعي - رحمه الله - فيه ثلاثة أقوال روى حماد - رحمه الله تعالى - عنه كما هو مذهبنا وروى ابن أبي يعلى عن الحكم - رحمه الله - أنه لا شيء عليه وروى الحسن بن عمارة عن الحكم أن عليه استقبال الوضوء. وجه هذه الرواية أن انتقاض الوضوء لا يحتمل التجزؤ كانتقاضه بالحدث ووجه الرواية الأخرى أن الطهارة الكاملة لا تنتقض إلا بالحدث في شيء من الأعضاء ونزع الخف ليس بحدث، ووجه قولنا أن استتار القدم بالخف كان يمنع سراية الحدث إلى القدم وذلك الاستتار بالخلع يزول فيسري ذلك إلى القدم فكأنه توضأ ولم يغسل رجليه فعليه غسلهما، والرجلان في حكم الطهارة كشيء واحد فإذا وجب غسل إحداهما وجب غسل الأخرى ضرورة أنه لا يجمع بين المسح والغسل في عضو واحد. قال (ولو مسح على الجرموقين ثم نزع أحدهما مسح على الخف الظاهر وعلى الجرموق الباقي) وفي بعض روايات الأصل قال: ينزع الجرموق الثاني ويمسح على الخفين وقال زفر - رحمه الله تعالى - عنه: يمسح على الخف الذي نزع الجرموق عنه وليس عليه في الآخر شيء. وجه قوله أن الاستتار باق فكان الفرض المسح ففيما زال الممسوح بالنزع عليه أن يمسح وفيما كان الممسوح باقيا لا يلزمه شيء بخلاف ما إذا خلع إحدى خفيه. ووجه ما ذكر في بعض النسخ أن نزع أحد الجرموقين كنزعهما جميعا كما إذا خلع أحد الخفين يكون كخلعهما ووجه ظاهر الرواية أنه في الابتداء لو لبس الجرموق على إحدى الخفين كان له أن يمسح عليه وعلى الخف الباقي، فكذلك إذا نزع أحد الجرموقين، إلا أن حكم الطهارة في الرجلين لا يحتمل التجزؤ فإذا انتقض في أحدهما بنزع الجرموق ينتقض في الآخر فلهذا مسح على الخف الظاهر وعلى الجرموق الباقي. قال (وإذا انقضى مدة مسحه ولم يحدث فعليه نزع الخفين وغسل القدمين) لأن الاستتار كان مانعا في المدة فإذا انقضى سرى ذلك الحدث إلى القدمين فعليه غسلهما وليس عليه إعادة الوضوء كما لو كانت السراية بخلع الخفين. قال (وإذا توضأ فنسي مسح خفيه ثم خاض الماء فإنه يجزئه من المسح) لأن تأدي الفرض بإصابة البلة ظاهر الخف وقد وجد، وهل يصير الماء مستعملا بهذا؟ قال أبو يوسف: - رحمه الله - لا يصير الماء مستعملا بهذا وعن محمد - رحمه الله تعالى - أن الماء يصير مستعملا ولا يجزئه من المسح إذا كان الماء قليلا غير جار وأصل الخلاف في الرأس فأبو يوسف - رحمه الله - يقول تأدي فرض المسح بالبلة الواصلة إلى موضعها لا بالماء الباقي في الإناء فبقي الإناء كما كان ومحمد - رحمه الله - يقول لو تأدى به الفرض لصار الماء مستعملا بإزالة الحدث فإنما أخرج رأسه من الماء المستعمل وذلك يمنع من جواز المسح به. قال (وإذا استكمل المقيم مسح الإقامة ثم سافر نزع الخف) ؛ لأن حكم الحدث سرى إلى القدمين بانقضاء مدة المسح فلا يتغير ذلك بالسفر. قال (وإن لبس خفيه وهو مقيم ثم سافر قبل أن يحدث فله أن يمسح كمال مدة السفر) لأن ابتداء المدة انعقد وهو مسافر فأما إذا أحدث وهو مقيم أو مسح قبل استكمال يوم وليلة ثم سافر جاز له عندنا أن يمسح ثلاثة أيام ولياليها وقال الشافعي - رحمه الله تعالى: لا يمسح إلا يوما وليلة. قال: لأن المدة انعقدت وهو مقيم فلا يمسح أكثر من يوم وليلة والشروع في مدة المسح كالشروع في الصلاة. ومن افتتح الصلاة في السفينة وهو مقيم ثم صار مسافرا لم يجز له أن يتم صلاة السفر وإنما يتم صلاة المقيمين. (ولنا) أن المسح جاز له وهو مسافر فله أن يمسح كمال مدة السفر كما لو سافر قبل الحدث وفعل الصلاة. دليلنا أنه بالحدث صار شارعا في وقت المسح فوزانه أن لو دخل وقت الصلاة وهو مقيم ثم صار مسافرا فهناك يصلي صلاة المسافرين. قال (وإذا قدم المسافر مصره بعد ما مسح يوما وليلة أو أكثر من ذلك فعليه نزع الخفين) لأنه صار مقيما والمقيم لا يمسح أكثر من يوم وليلة إلا أنه إذا كان قدومه بعد ما مسح يومين نزع خفيه ولم يعد شيئا من الصلاة؛ لأنه حين مسح كان مسافرا. قال (وإذا توضأ ومسح على الجبائر ولبس خفيه ثم أحدث فله أن يمسح على الخفين ما لم يبرأ جرحه) لأن المسح على الجبائر كالغسل لما تحته ما دامت العلة قائمة وقد بينا هذا فيما مضى فكان اللبس حاصلا على طهارة تامة ما بقيت العلة فله أن يمسح على الخفين فإن برئ جرحه فعليه أن ينزع خفيه؛ لأن المسح على الجبائر طهارة تامة ما بقيت العلة واللبس بعد البرء غير حاصل على طهارة تامة فلم يكن له أن يمسح وإن لم يحدث بعد لبس الخف حتى برئ جرحه، فإن لم يحدث حتى غسل ذلك الموضع جاز له أن يمسح على الخفين؛ لأن أول الحدث بعد اللبس طرأ على طهارة تامة وإن أحدث قبل غسل ذلك الموضع لم يجز له أن يمسح الخف؛ لأن أول الحدث بعد اللبس طرأ على طهارة ناقصة. قال (وللماسح على الخفين أن يؤم الغاسلين) لأنه صاحب بدل صحيح وحكم البدل حكم الأصل ولأن المسح على الخف جعل كالغسل لما تحته في المدة بدليل جواز الاكتفاء به مع القدرة على الأصل وهو غسل الرجلين فكان الماسح في حكم الإمامة كالغاسل. قال (وإذا أراد أن يبول فلبس خفيه ثم بال فله أن يمسح على خفيه) لأن لبسهما حصل على طهارة تامة ولما سئل أبو حنيفة - رحمه الله - عن هذا فقال لا يفعله إلا فقيه فقد استدل بفعله على فقهه؛ لأنه تطرق به إلى رخصة شرعية. قال (وإذا بدا للماسح أن يخلع خفيه فنزع القدم من الخف غير أنه في الساق بعد فقد انتقض مسحه) لأن موضع المسح فارق مكانه فكأنه ظهر رجله وهذا؛ لأن ساق الخف غير معتبر حتى لو لبس خفا لا ساق له جاز له المسح إذا كان الكعب مستورا فيكون الرجل في ساق الخف وظهوره في الحكم سواء. وإن نزع بعض القدم عن مكانه فالمروي عن أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - في الإملاء أنه إذا نزع أكثر العقب انتقض مسحه؛ لأنه لا يمكنه المشي بهذه الصفة وللأكثر حكم الكمال وعن أبي يوسف - رحمه الله تعالى - إن نزع من ظهر القدم قدر ثلاثة أصابع انتقض مسحه وعن محمد - رحمه الله تعالى - قال إن بقي من ظهر القدم مقدار ثلاثة أصابع لم ينتقض مسحه؛ لأنه لو كان بعض رجله مقطوعا وقد بقي من ظهر القدم مقدار ثلاثة أصابع فلبس عليه الخف جاز له أن يمسح فهذا قياسه والله أعلم. قال (وإذا لبس الخفين على طهارة التيمم أو الوضوء بنبيذ ثم وجد الماء نزع خفيه) لأن طهارة التيمم غير معتبرة بعد وجود الماء وكذلك طهارة النبيذ فصار بعد وجود الماء كأنه لبس على غير طهارة. قال (وإذا لبست المستحاضة الخفين فإن كان الدم منقطعا من حين توضأت إلى أن لبست الخفين فلها أن تمسح كمال مدة المسح؛ لأن وضوءها رفع الحدث السابق ولم يقترن الحدث بالوضوء ولا باللبس فإنما طرأ أول الحدث بعد اللبس على طهارة تامة) فأما إذا توضأت والدم سائل أو سال بعد الوضوء قبل اللبس فلبست الخفين كان لها أن تمسح في الوقت إذا أحدثت حدثا آخر ولم يكن لها أن تمسح بعد خروج الوقت عندنا. وقال زفر - رحمه الله تعالى - لها أن تمسح كمال مدة المسح؛ لأن سيلان الدم عفو في حقها بدليل جواز الصلاة معه فكان اللبس حاصلا على طهارة. (ولنا) أن سيلان الدم عفو في الوقت لا بعده حتى تنتقض الطهارة بخروج الوقت وخروج الوقت ليس بحدث فكان اللبس حاصلا على طهارة معتبرة في الوقت لا بعد خروج الوقت فلهذا كان لها أن تمسح في وقت الصلاة لا بعد خروج الوقت. قال (وإذ كان مع المسافر ماء قدر ما يتوضأ به وفي ثوبه دم أكثر من قدر الدرهم غسل الدم بذلك الماء ثم تيمم للحدث) وقال حماد بن أبي سليمان - رحمه الله تعالى - يتوضأ بذلك الماء. وهو رواية عن أبي يوسف - رحمه الله تعالى - وقيل هذه أول مسألة خالف فيها أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - أستاذه. ووجه قول حماد - رحمه الله تعالى - أن حكم الحدث أغلظ من حكم النجاسة بدليل أن القليل من النجاسة عفو ومن الحدث لا، وبدليل جواز الصلاة في الثوب النجس إذا كان لا يجد ماء يغسله به ولا تجوز الصلاة مع الحدث بحال فصرف الماء إلى أغلظ الحدثين أولى، ووجه قول أبي حنيفة - رحمه الله - أنه قادر على الجمع بين الطهارتين بأن يغسل النجاسة بالماء فيطهر به الثوب ثم يكون عادما للماء فيكون طهارته التيمم ومن قدر على الجمع بين الطهارتين لا يكون له أن يأتي بأحدهما ويترك الآخر فلهذا كان صرف الماء إلى النجاسة أولى والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. [باب التيمم] قال - رضي الله تعالى عنه - التيمم في اللغة القصد ومنه قول القائل وما أدري إذا يممت أرضا ... أريد الخير أيهما يليني أي قصدت، وفي الشريعة عبارة عن القصد إلى الصعيد للتطهير الاسم شرعي فيه معنى اللغة (وثبوت التيمم بالكتاب والسنة) أما الكتاب فقوله تعالى {فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا} [النساء: 43] ونزول الآية في غزوة المريسيع حين عرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة فسقط عقد عائشة - رضي الله عنها - فلما ارتحلوا ذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبعث رجلين في طلبه ونزلوا ينتظرونهما فأصبحوا وليس معهم ماء فأغلظ أبو بكر - رضي الله تعالى عنه - على عائشة - رضي الله تعالى عنهما - وقال حبست رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين على غير ماء فنزلت آية التيمم فلما صلوا جاء أسيد بن الحضير إلى مضرب عائشة - رضي الله عنها - فجعل يقول ما أكثر بركتكم يا آل أبي بكر وفي رواية يرحمك الله يا عائشة ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله للمسلمين فيه فرجا. والسنة ما روي «عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا أينما أدركتني الصلاة تيممت وصليت» وقال - عليه الصلاة والسلام - «التراب طهور المسلم ولو إلى عشر حجج ما لم تجد الماء» إذا عرفنا هذا فنقول ينتظر من لا يجد الماء آخر الوقت ثم يتيمم صعيدا طيبا وهذا إذا كان على طمع من وجود الماء، فإن كان لا يرجو ذلك لا يؤخر الصلاة عن وقتها المعهود؛ لأن الانتظار إنما يؤمر به إذا كان مفيدا، فإذا كان على طمع فالانتظار مفيد لعله يجد الماء فيؤدي الصلاة بأكمل الطهارتين وإذا لم يكن على طمع من الماء فلا فائدة في الانتظار فلا يشتغل به. ثم بين صفة التيمم فقال (يضع يديه على الأرض ثم يرفعهما فينفضهما ويمسح بهما وجهه ثم يضع يديه ثانية على الأرض ثم يرفعهما فينفضهما ثم يمسح بهما كفيه وذراعيه من المرفقين. قال: فإن مسح وجهه وذراعيه ولم يمسح ظهر كفيه لم يجزه) فقد ذكر الوضع، والآثار جاءت بلفظ الضرب «قال - صلى الله عليه وسلم - لعمار بن ياسر أما يكفيك ضربتان» والوضع جائز والضرب أبلغ ليتخلل التراب بين أصابعه وينفضهما مرة وعن أبي يوسف - رحمه الله - أنه قال: ينفضهما مرتين وفي الحقيقة لا خلاف فإن ما التصق بكفه من التراب إن تناثر بنفضة واحدة يكتفي بها وإن لم يتناثر نفض نفضتين؛ لأن الواجب التمسح بكف موضوع على الأرض لا استعمال التراب فإن استعمال التراب مثله. ثم التيمم ضربتان عند عامة العلماء وكان ابن سيرين يقول ثلاث ضربات ضربة يستعملها للوجه وضربة في الذراعين وضربة ثالثة فيهما، وحديث عمار حجة عليه كما روينا وكذلك ظاهر قوله تعالى {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} [المائدة: 6] يوجب المسح دون التكرار ثم التيمم إلى المرافق في قول علمائنا والشافعي رحمهم الله تعالى. وقال الأوزاعي والأعمش إلى الرسغين، وقال الزهري - رحمه الله - إلى الآباط، وحديث عمار - رضي الله عنه - قد ورد بكل ذلك فرجحنا روايته إلى المرفقين لحديثين أحدهما حديث أبي أمامة الباهلي - رضي الله تعالى عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين» والثاني حديث الأشلع «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علمه التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين» والمعنى فيه أن التيمم بدل عن الوضوء ثم الوضوء في اليدين إلى المرفقين فالتيمم كذلك، وتقريره أنه سقط في التيمم عضوان أصلا وبقي عضوان فيكون التيمم فيهما كالوضوء في الكل كما أن الصلاة في السفر سقط منه ركعتان كان الباقي منها بصفة الكمال ولهذا شرطنا الاستيعاب في التيمم حتى إذا ترك شيئا من ذلك لم يجزه إلا في رواية الحسن عن أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - قال: الأكثر يقوم مقام الكمال؛ لأن في الممسوحات الاستيعاب ليس بشرط كما في المسح بالخف والرأس فأما في ظاهر الرواية الاستيعاب في التيمم فرض كما في الوضوء ولهذا قالوا: لا بد من نزع الخاتم في التيمم ولا بد من تخليل الأصابع ليتم به المسح. ومن قال التيمم إلى الرسغ استدل بآية السرقة قال الله تعالى {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} [المائدة: 38] ثم كان القطع من الرسغ، ولكنا نقول ذاك عقوبة، وفي العقوبات لا يؤخذ إلا باليقين، والتيمم عبادة وفي العبادات يؤخذ بالاحتياط ومن قال إلى الآباط قال اسم الأيدي مطلقا يتناول الجارحة من رءوس الأصابع إلى الآباط ولكنا نقول التيمم بدل عن الوضوء فالتنصيص على الغاية في الوضوء يكون تنصيصا عليه في التيمم. يقول في الكتاب وقال أبو يوسف - رحمه الله تعالى: سألت أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - عن التيمم فقال: الوجه والذراعان إلى المرفقين فقلت: كيف؟ فمال بيده على الصعيد فأقبل بيده وأدبر ثم نفضهما ثم مسح وجهه ثم أعاد كفيه جميعا على الصعيد فأقبل بهما وأدبر ثم رفعهما ونفضهما ثم مسح بكل كف ظهر ذراع الأخرى وباطنها إلى المرفقين، وفي قوله أقبل بهما وأدبر وجهان: أحدهما: أنه قبل الوضع على الأرض أقبل بهما وأدبر لينظر هل التصق بكفه شيء يصير حائلا بينه وبين الصعيد. والثاني: أقبل بهما على الصعيد وأدبر بهما وهذا هو الأظهر. قال (وإن كان مع رفيق له ماء فطلب منه فلم يعطه فتيمم وصلى أجزأه) ؛ لأنه عادم للماء حين منعه صاحب الماء وهو شرط التيمم وإن لم يطلب منه حتى تيمم وصلى لم يجزه؛ لأن الماء مبذول في الناس عادة خصوصا للطهارة فلا يصير عادما للماء إلا بمنع صاحبه فلا يظهر ذلك إلا بطلبه فإذا لم يطلب لا يجزئه فأما إذا لم يكن مع أحد من الرفقة ماء وتيمم وصلى جازت صلاته وإن لم يطلب الماء عندنا. وقال الشافعي - رضي الله تعالى عنه - لا بد من طلب الماء أولا يمنة ويسرة فيهبط واديا ويعلو شرفا إن كان ثمة لقوله تعالى {فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا} [النساء: 43] وذلك لا يتبين إلا بطلبه ولكنا نقول الطلب إنما يلزمه إذا كان على طمع من الوجود، فأما إذا لم يكن على طمع منه فلا فائدة في الطلب وقد يلحقه الحرج فربما ينقطع عن أصحابه وما شرع التيمم إلا لدفع الحرج قال الله تعالى {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج} [المائدة: 6] . قال (وكل شيء من الأرض تيمم به من تراب أو جص أو نورة أو زرنيخ فهو جائز) في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وكان أبو يوسف - رحمه الله تعالى - يقول أولا لا يجوز التيمم إلا بالتراب والرمل ثم رجع فقال: لا يجزئه إلا بالتراب الخالص وهو قول الشافعي - رضي الله تعالى عنه - واحتج بقوله تعالى فتيمموا صعيدا طيبا. قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنه: الصعيد هو التراب الخالص وقال - صلى الله عليه وسلم - «التراب طهور المسلم والجص والنورة ليسا بتراب» فلا يجوز التيمم بهما وما سوى التراب مع التراب بمنزلة سائر المائعات مع الماء في الوضوء فكما يختص الوضوء بالماء دون سائر المائعات فكذلك التيمم وفيه إظهار كرامة الآدمي فإنه مخلوق من التراب والماء فخصا بكونهما طهورا لهذا. وأبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى استدلا بالآية فإن الصعيد هو الأرض قال - صلى الله عليه وسلم - «يحشر العلماء في صعيد واحد كأنها سبيكة فضة فيقول الله تعالى يا معشر العلماء إني لم أضع علمي فيكم إلا لعلمي بكم إني لم أضع حكمتي فيكم وأنا أريد أن أعذبكم انطلقوا مغفورا» لكم فدل أن الصعيد هو الأرض وقال - صلى الله عليه وسلم - «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا» ثم ما سوى التراب من الأرض أسوة التراب في كونه مكان الصلاة فكذلك في كونه طهورا وبين أن الله يسر عليه وعلى أمته وقد تدركه الصلاة في غير موضع التراب كما تدركه في موضع التراب فيجوز التيمم بالكل تيسيرا ثم حاصل المذهب أن ما كان من جنس الأرض فالتيمم به جائز، وما لا فلا حتى لا يجوز التيمم بالذهب والفضة؛ لأنهما جوهران مودعان في الأرض ليس من جنسه حتى يذوب بالذوب وكذلك الرماد من الحطب؛ لأنه ليس من جنس الأرض هكذا ذكر الشيخ الإمام السرخسي وغيره من مشايخنا. - رحمهم الله - قال (إن كان الملح جبليا يجوز؛ لأنه من جنس التراب وإن كان مائعا لا يجوز؛ لأنه ليس من جنس التراب داء سبخ) وأما الكحل والمرداء سبخ من جنس الأرض فيجوز التيمم بهما والآجر كذلك؛ لأنه طين مستحجر فهو كالحجر الأصلي والتيمم بالحجر يجوز في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وإن لم يكن عليه غبار. وعن محمد - رحمه الله تعالى - فيه روايتان في إحدى الروايتين لا يجوز إلا أن يكون عليه غبار. والدليل على الجواز حديث ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بال فسلم عليه رجل فلم يرد عليه حتى كاد الرجل يتوارى بحيطان المدينة فضرب بيده على الحائط فتيمم ثم رد عليه السلام» وحيطانهم كانت من الحجر فدل على جواز التيمم بها، وكذلك الطين عند أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - يجوز به التيمم؛ لأنه من جنس الأرض وفي إحدى الروايتين عن محمد - رحمه الله تعالى - لا يجوز بالطين. قال (وإذا نفض ثوبه أو لبده وتيمم بغباره وهو يقدر على الصعيد أجزأه) في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ولا يجزئه عند أبي يوسف - رحمه الله تعالى - إلا إذا كان لا يقدر على الصعيد ووجهه أن الغبار ليس بتراب خالص ولكنه من التراب من وجه والمأمور به التيمم بالصعيد فإن قدر عليه لم يجزه إلا بالصعيد وإن لم يقدر فحينئذ تيمم بالغبار كما أن العاجز عن الركوع والسجود يصلي بالإيماء وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى احتجا بحديث عمر - رضي الله تعالى عنه - فإنه كان مع أصحابه في سفر فنظروا بالخابية فأمرهم أن ينفضوا لبودهم وسروجهم ويتيمموا بغبارها ولأن الغبار تراب فإن من نفض ثوبه يتأذى جاره من التراب إلا أنه دقيق وكما يجوز التيمم بالخشن من التراب على كل حال فكذلك بالدقيق منه. قال (وإن تيمم في أول الوقت أجزأه) وكذلك قبل دخول الوقت عندنا وقال الشافعي - رحمه الله تعالى - لا يجزئه قبل دخول الوقت؛ لأنها طهارة ضرورية فلا يعتد بها قبل تحقق الضرورة لكنا نستدل بقوله تعالى {فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا} [النساء: 43] فشرط عدم الماء فقط وجعله في حال عدم الماء كالوضوء. ثم التوضؤ بالماء قبل دخول الوقت لتقرر سببه وهو الحدث فكذلك التيمم. فإن وجد الماء بعد ذلك فهو على أوجه إن وجده قبل الشروع في الصلاة يبطل تيممه إلا على قول أبي سلمة بن عبد الرحمن - رضي الله عنهما - قال الطهارة متى صحت لا يرفعها إلا الحدث ووجود الماء ليس بحدث ولكنا نستدل بقوله - صلى الله عليه وسلم - «التراب كافيك ولو إلى عشر حجج ما لم تجد الماء فإذا وجدت الماء فأمسسه بشرتك» ولأن التيمم لا يرفع الحدث ولكنه طهارة شرعا إلى غاية وهو وجود الماء ومن حكم الغاية أن يكون ما بعدها خلاف ما قبلها فعند وجود الماء يصير محدثا بالحدث السابق وإن وجد الماء في خلال الصلاة فعليه أن يتوضأ ويستقبل القبلة عندنا وهو أحد أقاويل الشافعي - رحمه الله تعالى -. وفي قول آخر يقرب الماء منه حتى يتوضأ ويبني وأظهر أقاويله أنه يمضي على صلاته. وجه قوله أن الشروع في الصلاة قد صح بطهارة التيمم فلا يبطل برؤية الماء كما لو رأى بعد الفراغ من الصلاة وإذا لم يبطل ما أدى فحرمة الصلاة تمنعه من استعمال الماء فلا يكون واجدا للماء كما لو كان بينه وبين الماء مانع أو كان على رأس البئر وليس معه آلة الاستسقاء. (ولنا) أن طهارة التيمم انتهت بوجود الماء فلو أتم صلاته أتمها بغير طهارة وذلك لا يجوز وحرمة الصلاة إنما تمنعه من استعمال الماء أن لو بقيت ولم تبق هاهنا لما بينا أن التيمم لا يرفع الحدث فعند وجود الماء يصير محدثا بحدث سابق على الشروع في الصلاة وذلك يمنعه من البناء كخروج الوقت في حق المستحاضة؛ لأن البناء على الصلاة عرف بالأثر وذلك في حدث يسبقه للحال فلهذا ألزمناه الوضوء واستقبال الصلاة والشروع في الصلاة وإن صح كما قال إلا أن المقصود لم يحصل به؛ لأنه إسقاط الفرض عن ذمته ومتى قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل سقط اعتبار البدل كالمعتدة بالأشهر إذا حاضت وإن وجد الماء بعد الفراغ من الصلاة والسلام لم تلزمه الإعادة إلا على قول مالك - رحمه الله - فإنه يقول إذا وجد الماء في الوقت يعيد الصلاة؛ لأن طهارة التيمم لضرورة التمكن به من أداء الصلاة، والأداء باعتبار الوقت فإذا ارتفعت هذه الضرورة بوجود الماء في الوقت سقط اعتبار التيمم كالمريض إذا أحج رجلا بماله ثم برئ فعليه حجة الإسلام لبقاء الوقت فإن العمر للحج كالوقت للصلاة. (ولنا) ما روي «أن رجلين من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صليا بالتيمم في الوقت ثم وجدا الماء فأعاد أحدهما ولم يعد الآخر فسألا عن ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال للذي أعاد أتاك أجرك مرتين وللذي لم يعد أجزأتك صلاتك» وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه صلى العصر بالتيمم وانصرف من ضيعته وهو ينظر إلى أبيات ثم دخلها قبل غروب الشمس فلم يعد الصلاة والمعنى أن المقصود هو إسقاط الفرض عن ذمته وقد حصل بالبدل فلا يعود إلى ذمته بالقدرة على الأصل كالمعتدة بالأشهر إذا حاضت بعد انقضاء العدة وهذا بخلاف الحج فإن جواز الإحجاج باعتبار وقوع اليأس عن الأداء بالبدن وذلك لا يحصل إلا بالموت وها هنا جواز التيمم باعتبار العجز عن استعمال الماء وكان متحققا حين صلى. ![]()
__________________
|
|
#2
|
||||
|
||||
![]() الكتاب: المبسوط فى الفقه الحنفى المؤلف: محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي (ت ٤٨٣ هـ) عدد الأجزاء: ٣١ (الأخير فهارس) المجلد الاول صـــ 111 الى صـــ 120 (12) قال (ويؤم المتيمم المتوضئين) في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى وهو قول ابن عباس - رضي الله عنهما - وقال محمد - رحمه الله تعالى - لا يؤم وهو قول علي - رضي الله تعالى عنه - فإنه كان يقول لا يؤم المتيمم المتوضئين ولا المقيد المطلقين ولأن طهارة المتيمم طهارة ضرورة فلا يؤم من لا ضرورة له كصاحب الجرح السائل لا يؤم الأصحاء. وهما استدلا بحديث «عمرو بن العاص - رضي الله عنه - فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعله أميرا على سرية فلما انصرفوا سألهم عن سيرته فقالوا كان حسن السيرة ولكنه صلى بنا يوما وهو جنب فسأله عن ذلك فقال احتلمت في ليلة باردة فخشيت الهلاك إن اغتسلت فتلوت قول الله عز وجل {ولا تقتلوا أنفسكم} [النساء: 29] فتيممت وصليت بهم فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وجهه وقال يا لك من فقه عمرو بن العاص ولم يأمرهم بإعادة الصلاة» ولأن المتيمم صاحب بدل صحيح فهو كالماسح على الخفين يؤم الغاسلين وهذا لأن البدل عند العجز عن الأصل حكمه حكم الأصل بخلاف صاحب الجرح فإنه ليس بصاحب بدل صحيح. قال (والجنب والحائض والمحدث في التيمم سواء) وهو قول علي وابن عباس - رضي الله عنهما - وقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - لا يجوز التيمم للحائض والجنب وروي أن عمار بن ياسر - رضي الله عنه - قال لعمر - رضي الله تعالى عنه - أما تذكر إذ كنت معك في الإبل، فأجنبت فتمعكت في التراب ثم سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أصرت حمارا أما يكفيك ضربتان فقال له عمر اتق الله فقال إن شئت فلا أذكره أبدا فقال عمر إن شئت فاذكره وإن شئت فلا تذكره ولما ذكر لابن مسعود - رضي الله عنه - حديث عمار فقال لم يقنع به عمر - رضي الله عنه - وأصل الاختلاف في قوله تعالى {أو لامستم النساء} [النساء: 43] فقال عمر وابن مسعود - رضي الله عنهما - المراد المس باليد فجوز التيمم للمحدث خاصة وقال علي وابن عباس - رضي الله عنهما - المراد المجامعة فهذا القول أولى فإن الله تعالى ذكر نوعي الحدث عند وجود الماء في قوله تعالى {إذا قمتم إلى الصلاة} [المائدة: 6] وقوله {وإن كنتم جنبا فاطهروا} [المائدة: 6] وذكر نوعي الحدث عند عدم الماء وأمر بالتيمم لهما بصفة واحدة فكان الحمل على المجامعة أكثر إفادة من هذا الوجه. والدليل على جوازه للحائض والجنب حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - «أن قوما سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا إنا نكون في هذه الرمال وربما لا نجد الماء شهرا وفينا الجنب والحائض فقال - صلى الله عليه وسلم - عليكم بأرضكم» وفي حديث «أبي ذر - رضي الله عنه - قال اجتمع عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إبل الصدقة فقال لي أبديها فبدوت إلى الربذة فأصابتني الجنابة فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال مالك فسكت فقال ثكلتك أمك مالك فقلت إني جنب فأمر جارية سوداء فأتت بعس من ماء وسترتني بالبعير والثوب فاغتسلت فكأنما وضعت عن عاتقي حملا فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكفيك التيمم ولو إلى عشر حجج ما لم تجد الماء». قال (ويجوز للمريض أن يتيمم إذا لم يستطع الوضوء أو الغسل) أما إذا كان يخاف الهلاك باستعمال الماء فالتيمم جائز له بالاتفاق لقوله تعالى {وإن كنتم مرضى أو على سفر} [النساء: 43] قال ابن عباس - رضي الله عنه - نزلت الآية في المجدور والمقروح. وروي «أن رجلا من الصحابة كان به جدري فاحتلم في سفر فسأل أصحابه فأمروه بالاغتسال فاغتسل فمات فلما أخبر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال قتلوه قتلهم الله كان يكفيه التيمم» وإن كان يخاف زيادة المرض من استعمال الماء ولا يخاف الهلاك جاز له التيمم عندنا. وقال الشافعي - رحمه الله تعالى - لا يجوز؛ لأن التيمم مشروع عند عدم الماء وهو واجد للماء والعجز إنما يتحقق عند خوف الهلاك ولا يجوز التيمم لمن لا يخاف الهلاك. (ولنا) أن زيادة المرض بمنزلة الهلاك في إباحة الفطر وجواز الصلاة قاعدا أو بالإيماء فكذلك في حكم التيمم وهذا لأن حرمة النفس لا تكون دون حرمة المال ولو كان يلحقه الخسران في المال باستعمال الماء بأن كان لا يباع إلا بثمن عظيم جاز له أن يتيمم فعند خوف زيادة المرض أولى هذا كله إذا كان يستضر بالماء، فإن كان لا يستضر بالماء ولكنه للمرض عاجز عن التحرك للوضوء فظاهر المذهب أنه إن وجد من يستعين به في الوضوء لا يجوز له التيمم وإن لم يجد من يعينه في الوضوء فحينئذ يتيمم لتحقق عجزه عن الوضوء وروي عن محمد - رحمه الله تعالى - قال وإن لم يجد من يعينه في الوضوء من الخدم فليس له أن يتيمم في المصر إلا أن يكون مقطوع اليدين ووجهه أن الظاهر أنه في المصر يجد من يستعين به من قريب أو بعيد والعجز بعارض على شرف - الزوال فإذا لم يجد من يوضئه جاز له التيمم لهذا ثم يصلي بتيممه ما شاء من الصلاة ما لم يحدث أو تزل العلة. وكذلك المسافر يصلي بتيممه ما شاء ما لم يحدث أو يجد الماء عندنا وقال الشافعي - رحمه الله تعالى - لا يجمع بين فريضتين بتيمم واحد وله أن يصلي من النوافل ما شاء وحجته أنها طهارة ضرورة وباعتبار كل فريضة تتجدد الضرورة فعليه تجديد الوضوء، والنوافل تبع للفرائض وهو نظير مذهبه في طهارة المستحاضة وقد بينا. وحجتنا قوله - صلى الله عليه وسلم - «التراب طهور المسلم ولو إلى عشر حجج ما لم يجد الماء» فقد جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طهارة التيمم ممتدا إلى غاية وجود الماء ويتبين بهذا أنه في حال عدم الماء كالوضوء، ثم المتوضئ له أن يصلي بوضوء واحد ما شاء ما لم يحدث فهذا مثله ولأن بالفراغ من المكتوبة لم تنتقض طهارته حتى جاز له أداء النافلة وإذا بقيت الطهارة فله أن يؤدي الفرض؛ لأن الشرط أن يقوم إليه طاهرا وقد وجد قال (وإن وجد المتيمم الماء فلم يتوضأ حتى حضرت الصلاة وقد عدم ذلك الماء فعليه إعادة التيمم) لأنه لما قدر على استعمال الماء بطل تيممه وصار محدثا بالحدث السابق فهذا محدث لا ماء معه فعليه التيمم للصلاة والله أعلم. قال (ولا يجوز بأقل من ثلاثة أصابع) فهو والمسح بالرأس والخف سواء وقد بينا. قال (وإن أجنب المسافر ومعه من الماء مقدار ما يتوضأ به يتيمم عندنا ولم يستعمل الماء) وقال الشافعي - رحمه الله تعالى - يتوضأ بذلك الماء ثم يتيمم. وكذلك المحدث إذا كان معه من الماء ما يكفيه لغسل بعض الأعضاء عندنا يتيمم وعنده يستعمل الماء فيما يكفيه ثم يتيمم واستدل بقوله تعالى {فلم تجدوا ماء} [النساء: 43] فذكره منكرا في موضع النفي وذلك يتناول القليل والكثير فما بقي واجدا لشيء من الماء لا يجوز له أن يتيمم ولأن الضرورة لا تتحقق إلا بعد استعمال الماء فيما يكفيه فهو كمن أصابته مخمصة ومعه لقمة من الحلال لا يكون له أن يتناول الميتة ما لم يتناول تلك اللقمة الحلال ولا يبعد الجمع بين التيمم واستعمال الماء كما قلتم في سؤر الحمار. (ولنا) قوله تعالى {فلم تجدوا ماء فتيمموا} [النساء: 43] فإن المراد ماء يطهره. ألا ترى أن وجود الماء النجس لا يمنعه عن التيمم ولأنه معطوف على ما سبق وقد سبق بيان حكم الوضوء والاغتسال ثم عطف عليه قوله تعالى {فلم تجدوا ماء} [النساء: 43] فيكون المفهوم منه ذلك الماء الذي يتوضئون به ويغتسلون به عند الجنابة وهو غير واجد لذلك الماء ولأنه إذا لم يطهره استعمال هذا الماء لا يكون في استعماله إلا مضيعة ولأن الأصل لا يوفى بالأبدال؛ لأنهما لا يلتقيان كما لا يكمل التكفير بالمال بالصوم ولا العدة بالشهور بالحيض ولو قلنا يتيمم بعد استعمال الماء كان فيه رفو الأصل بالبدل ولا نقول في مسألة المخمصة أنه يلزمه مراعاة الترتيب فإن ما معه من الحلال إذا كان لا يكفيه لسد الرمق فله أن يتناول معه الميتة. وفي سؤر الحمار الجمع بينهما عندنا للاحتياط لا لرفو الأصل بالبدل ولذلك لو أنه وجد الماء بعد التيمم فإن كان يكفيه لما خوطب به يبطل تيممه وإن كان لا يكفيه لا يبطل تيممه اعتبارا للانتهاء بالابتداء. قال (وإن تيمم للجنابة ثم أحدث ومعه من الماء ما يتوضأ به توضأ به) ؛ لأن ذلك التيمم أخرجه من الجنابة إلى أن يجد ما يكفيه للاغتسال فهو الآن محدث معه من الماء ما يكفيه للوضوء فيتوضأ به فإن توضأ به ولبس خفيه ثم مر بالماء فلم يغتسل ثم حضرت الصلاة وعنده من الماء قدر ما يوضئه فإنه يتيمم لأنه لما مر بما يكفيه للاغتسال عاد جنبا كما كان فعليه أن يتيمم ولا يلزمه نزع الخف إذ لا تيمم في الرجل. قال (فإن تيمم ثم حضرت الصلاة الأخرى وقد سبقه الحدث فإنه يتوضأ) لأنه بالتيمم الأول خرج من الجنابة إلى أن يجد ماء يكفيه للاغتسال ولم يجد بعد، فهذا محدث معه ماء يتوضأ به فعليه أن يتوضأ وينزع خفيه؛ لأنه لما مر بماء يكفيه للاغتسال بعد لبس الخف وجب عليه نزع الخفين فلا يكون له أن يمسح بعد ذلك وإن لم يكن مر بالماء قبل ذلك مسح على خفيه؛ لأن اللبس حصل على طهارة كاملة ما لم يجد ما يكفيه للاغتسال فكان له أن يمسح. قال (وإن كان مع المحدث ماء يكفيه للوضوء غير أنه يخاف العطش تيمم ولم يتوضأ به) هكذا قال علي وابن عباس - رضي الله عنهما - ولأنه يخاف الهلاك من العطش إذا استعمل الماء فكان عاجزا عن استعماله حكما بمنزلة ما لو كان بينه وبين الماء عدو أو سبع وقد بينا أن حرمة النفس لا تكون دون حرمة المال. قال (وإذا تيمم المسافر والماء منه قريب وهو لا يعلم به أجزأه تيممه به) لأنه عاجز عن استعمال الماء حين عدم آلة الوصول إليه وهو العلم به فهو كما لو كان على رأس البئر وليس معه آلة الاستقاء فله أن يتيمم. ولم يفسر حد القرب في ظاهر الرواية في حالة العلم به والمروي عن محمد - رحمه الله تعالى - قال إذا كان بينه وبين الماء دون ميل لا يجزئه التيمم وإن كان ميلا أو أكثر أجزأه التيمم، والميل ثلث فرسخ وقال الحسن بن زياد - رحمه الله تعالى - إذا كان الماء أمامه يعتبر ميلين وإن كان يمنة أو يسرة فميل واحد؛ لأن الميل للذهاب ومثله في الرجوع فكان ميلين وقال زفر - رحمه الله - إذا كان بحيث يصل إلى الماء قبل خروج الوقت لا يجزئه التيمم، وإن كان لا يصل إلى الماء قبل خروج الوقت يجزئه التيمم، وإن كان الماء قريبا منه؛ لأن التيمم لضرورة الحاجة إلى أداء الصلاة في الوقت ولكنا نقول التفريط جاء من قبله بتأخير الصلاة فليس له أن يتيمم إذا كان الماء قريبا منه ومن العلماء من يقول إذا كان لا يبلغه صوتهم فبعيد فحينئذ يجوز له التيمم. قال (وإذا كان مع رفيقه ماء فعليه أن يسأله) إلا على قول الحسن بن زياد - رحمه الله تعالى - فإنه كان يقول السؤال ذل وفيه بعض الحرج وما شرع التيمم إلا لدفع الحرج ولكنا نقول ماء الطهارة مبذول بين الناس عادة وليس في سؤال ما يحتاج إليه مذلة «فقد سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعض حوائجه من غيره» فإن سأله فأبى أن يعطيه إلا بالثمن فإن لم يكن معه ثمنه يتيمم لعجزه عن استعمال الماء وإن كان معه ثمنه فإن أعطاه بمثل قيمته في ذلك الموضع أو بغبن يسير فليس له أن يتيمم، وأن أبى أن يعطيه إلا بغبن فاحش فله أن يتيمم وقال الحسن البصري - رحمه الله تعالى - يلزمه الشراء بجميع ماله؛ لأنه لا يخسر على هذه التجارة ولا نأخذ بهذا فإن حرمة مال المسلم كحرمة نفسه فإذا كان يلحقه خسران في ماله ففرضه التيمم، والغبن الفاحش خسران وقد بين ذلك في النوادر فقال إن كان الماء الذي يكفي للوضوء يوجد في ذلك الموضع بدرهم فأبى أن يعطيه إلا بدرهم ونصف فله أن يشتري وإن أبى أن يعطيه إلا بدرهمين تيمم ولم يشتر فجعل الغبن الفاحش في تضعيف الثمن وإنما قلنا إذا كان يعطيه الثمن فعليه أن يشتري؛ لأن قدرته على بدل الماء كقدرته على عينه كما أن القدرة على ثمن الرقبة كالقدرة على عينها في المنع من التكفير بالصوم. وقال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - في الإملاء سألت أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - عن المسافر لا يجد الماء أيطلبه عن يمين الطريق وعن يساره قال إن طمع في ذلك فليفعل ولا يبعد فيضر بأصحابه إن انتظروه أو بنفسه إن انقطع عنهم ولا يطلب ذلك إلا أن يخبر بماء فيطلبه الغلوة ونحوها؛ لأن الطلب إنما يؤمر به إذا كان على رجاء من وجوده فإن لم يكن على رجاء منه فلا فائدة في الطلب، وعدم الوجود كالوجود يتحقق من غير تقدم الطلب يقال وجد فلان لقطة وقال الله تعالى {ووجدك عائلا فأغنى} [الضحى: 8] قال (وإن كان المسافر في ردغة وطين لا يجد الماء ولا الصعيد نفض ثوبه أو لبده وتيمم بغباره) ولا يؤمر بالتيمم بالطين وإن كان لو فعل أجزأه في قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى -؛ لأن فيه تلويث الوجه وهو مثلة ولكنه ينفض لبده فيتيمم بغباره وقد بينا فيه حديث عمر - رضي الله تعالى عنه - فإن كان المطر عم جميع ذلك لطخ بالطين بعض جسده فإذا جف حته وتيمم به وإن لم يجف لم يصل بغير وضوء ولا تيمم وإن ذهب الوقت، وعن أبي يوسف - رحمه الله تعالى - أنه يصلي ثم يعيد إذا قدر على الطهور. ووجهه أنه لا ينبغي أن يمضي وقت صلاة على المسلم ولا يتشبه فيه بالمصلين فعليه أن يأتي بما قدر عليه تشبها كمن تسحر بعد طلوع الفجر كان عليه الإمساك تشبها بالصائمين ولكنا نقول الصلاة بغير طهارة معصية والتشبه بالمطيعين لا يحصل بمباشرة المعصية بخلاف الإمساك فإنه ليس بمعصية. قال (وإن وجد سؤر حمار أو بغل توضأ به وتيمم) وإن قدم التيمم أجزأه إلا على قول زفر - رحمه الله تعالى - فإنه يقول ما دام معه ما هو مأمور باستعماله فلا عبرة بتيممه ولكنا نقول الاحتياط في الجمع بينهما لا في الترتيب فلا يلزمه إعادة الترتيب وإن كان الأفضل أن يقدم في التوضؤ به. قال (وإذا أصاب بدن المتيمم نجاسة لم ينقض ذلك تيممه) ولكنه يمسح بخرقة أو تراب لتتقلل به النجاسة ثم يصلي فإن صلى لم يمسحه وأجزأه؛ لأن المسح لا يزيل النجاسة فهو عاجز عن إزالتها فجازت صلاته معها. قال (وإذا توضأ الكافر أو اغتسل ثم أسلم فله أن يصلي بذلك الوضوء والاغتسال) عندنا خلافا للشافعي - رحمه الله تعالى - بناء على ما تقدم من اشتراط النية فعنده الوضوء لا يجزئ إلا بنية القربة والكافر ليس من أهلها وعندنا يجزئ من غير نية ويزول به الحدث فيصح من الكافر كغسل النجاسة وروي أن عمر - رضي الله تعالى عنه - لما طلب من أخته أن تناوله الصفحة قبل أن يؤمن حتى يغتسل ناولته فذلك دليل على صحة الاغتسال من الكافر. قال (وإن تيمم الكافر في حال عدم الماء ثم أسلم فليس له أن يصلي بذلك التيمم عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى) وقال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - إذا تيمم بنية الإسلام أو الطهر فله أن يصلي به بعد الإسلام. وجه قوله أن التيمم يفارق الوضوء في اشتراط النية وبنية الطهر صح؛ لأنه من أهله، ونية الإسلام نية قربة فإذا اقترن بالتيمم نية القربة صح منه كما يصح من المسلم. (ولنا) أن من شرط التيمم نية الصلاة به والكافر ليس من أهلها والتيمم لا يصح بغير نية ونية الإسلام لا تعتبر في التيمم إنما تعتبر نية قربة ونية القربة لا تصح إلا بالطهارة ألا ترى أن المسلم إذا تيمم بنية الصوم أو الصدقة لا تصح نيته ثم إصراره على الكفر إلى أن يفرغ من التيمم معصية فكيف يصح فيه معنى القربة. قال (ولو توضأ المسلم أو اغتسل ثم ارتد - نعوذ بالله - لم يبطل وضوءه) لأن الردة ليست بحدث وهو كفر والكفر لا يمنع ابتداء الوضوء فلا يمنع البقاء بطريق الأولى (فإن قيل) أليس أن الردة تحبط عمله ووضوءه من عمله (قلنا) الردة تحبط ثواب العمل وذلك لا يمنع زوال الحدث كمن توضأ على قصد المراءاة زال الحدث به وإن كان لا يثاب على وضوئه. قال (ولو تيمم المسلم ثم ارتد لم يبطل تيممه) إلا على قول زفر - رحمه الله تعالى - فإنه يقول الكفر يمنع ابتداء التيمم فيمنع البقاء كمن صلى ثم ارتد بطلت صلاته حتى لو أسلم في الوقت لم تلزمه الإعادة، ولكنا نقول تيممه قد صح باقتران نية القربة فلا ينقضه إلا الحدث أو وجود الماء والردة ليست بحدث وهذا لأن التيمم إنما يفارق الوضوء في اشتراط النية وذلك في الابتداء لا في البقاء ففي البقاء الوضوء والتيمم سواء فكما يبقى وضوءه بعد ردته فكذلك تيممه. قال (وللمسافر أن يطأ جاريته وإن علم أنه لا يجد الماء) وقال مالك - رحمه الله تعالى - يكره ذلك وروي أن رجلا سأل ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - عن ذلك فقال أما ابن عمر فلا يفعل ذلك وأما أنت إذا وجدت الماء فاغتسل قال مالك - رحمه الله تعالى - الضرورة لا تتحقق في اكتساب سبب الجنابة في حال عدم الماء والصلاة مع الجنابة أمر عظيم فلا ينبغي أن يتعرض لذلك من غير ضرورة. (ولنا) قوله تعالى {أو لامستم النساء} [النساء: 43] فذلك يفيد إباحة الملامسة في حال عدم الماء ثم التيمم للجنابة والحدث بصفة واحدة وكما يجوز له اكتساب سبب الحدث في حال عدم الماء فكذلك اكتساب سبب الجنابة؛ لأن في منع النفس بعد غلبة الشبق بعض الحرج وما شرع التيمم إلا لدفع الحرج. قال (ومن تيمم وهو يريد تعليم الغير ولا يريد به الصلاة لم يجزه) لما بينا أن التيمم في اللغة هو القصد وذلك يدل على اشتراط النية فيه وظاهر ما يقول في الكتاب أنه يحتاج إلى نية الصلاة وعن أبي يوسف - رحمه الله تعالى - أن نية الطهارة تكفي وكان أبو بكر الرازي - رحمه الله تعالى - يقول يحتاج إلى نية التيمم للحدث أو الجنابة؛ لأن التيمم لهما بصفة واحدة فلا يتميز أحدهما إلا بالنية. قال (ولو تيمم بنية النفل جاز له أداء الفرض) عندنا خلافا للشافعي - رضي الله عنه - وقد بينا هذا أنه يعتبر الضرورة للتيمم، ثم أداء النافلة بالتيمم يجوز عندنا كأداء الفرض وقال الزهري - رضي الله تعالى عنه - لا يجوز؛ لأنه لا ضرورة في أداء النافلة. قال (مسافرة طهرت من حيضها فلم تجد ماء فتيممت وصلت فلزوجها أن يقربها) لأنا حكمنا بطهارتها حين صح تيممها وتأكد ذلك بجواز صلاتها ولم يذكر ما إذا تيممت ولم تصل فقيل هو على الاختلاف عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى ليس للزوج أن يقربها وعند محمد - رحمه الله - له ذلك بناء على قصد الرجعة والأصح أنه ليس للزوج أن يقربها عندهم جميعا؛ لأن محمدا - رحمه الله تعالى - إنما جعل التيمم كالاغتسال فيما هو مبني على الاحتياط وهو قطع الرجعة. والاحتياط في الوطء تركه فلم يجعل التيمم فيه قبل تأكده بالصلاة كالاغتسال كما لم يفعله في الحل للأزواج. قال (مسافر مر بمسجد فيه عين ماء وهو جنب ولا يجد غيره فإنه يتيمم لدخول المسجد) ؛ لأن الجنابة تمنعه من دخول المسجد على كل حال عندنا سواء قصد المكث فيه أو الاجتياز وعند الشافعي - رحمه الله تعالى - له أن يدخله مجتازا لظاهر قوله تعالى {ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا} [النساء: 43] ولكن أهل التفسير قالوا إن إلا هنا بمعنى ولا أي ولا عابري سبيل وهذا محتمل فبقي المنع بقوله لا تقربوا، وهو عاجز عن الماء قبل دخول المسجد فيتيمم ثم يدخل المسجد فيستقي منه وإن لم يكن معه ما يستقي به ولا يستطيع أن يغترف منه ولكنه يستطيع أن يقع فيه فإن كان ماء جاريا أو حوضا كبيرا اغتسل فيه، وإن كان عينا صغيرا فالاغتسال فيه ينجس الماء ولا يطهره فلا يشتغل به ولكنه يتيمم للصلاة وهذا إشارة منه إلى أنه لا يصلي بالتيمم الأول؛ لأن قصده عند ذلك دخول المسجد ونية الصلاة شرطه لصحة التيمم في ظاهر الرواية فلهذا تيمم ثانيا وكذلك لو تيمم لمس المصحف فليس له أن يصلي به بخلاف ما إذا تيمم لسجدة تلاوة؛ لأن السجدة من أركان الصلاة فنيته للسجدة عند التيمم كنية الصلاة فأما مس المصحف ودخول المسجد ليس من أركان الصلاة فلا يصير بنيته ذلك ناويا للصلاة. قال (ولا يتوضأ بسؤر الكلب) إلا على قول مالك - رحمه الله تعالى - وقد بينا أن عنده سؤره طاهر، والأمر بغسل الإناء من ولوغه تعبد، وعند عامة العلماء سؤره نجس، وظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم - «طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله ثلاثا» دليل على نجاسته والتطهير لا يحصل بالنجس فكان فرضه التيمم. قال (وتيمم لصلاة الجنازة في المصر إذا خاف فوتها) وكذلك لصلاة العيد عندنا وقال الشافعي - رحمه الله تعالى - لا يتيمم لهما؛ لأن التيمم طهور شرع عند عدم الماء فمع وجوده لا يكون طهورا ولا صلاة إلا بطهور ومذهبنا مذهب ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال إذا فاجأتك جنازة فخشيت فوتها فصل عليها بالتيمم ونقل عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - في صلاة العيد مثله وقد روينا «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رد السلام بطهارة التيمم حين خاف الفوت لمواراة المسلم عن بصره» فصار هذا أصلا إلى أن كل ما يفوت لا إلى بدل يجوز أداؤه بالتيمم مع وجود الماء وصلاة العيد تفوت لا إلى بدل؛ لأنها لا تقضى إذا فاتت مع الإمام وكذلك صلاة الجنازة تفوت لا إلى بدل؛ لأنها لا تعاد عندنا وكأن الخلاف مبني على هذا الأصل والفقه فيه أن التوضؤ بالماء إنما يلزمه إذا كان يتوصل به إلى أداء الصلاة وهنا لا يتوصل بالتوضؤ إلى أداء الصلاة؛ لأنه تفوته الصلاة لو اشتغل بالوضوء فإذا سقط عنه الخطاب باستعمال الماء صار وجود الماء كعدمه فكان فرضه التيمم وبهذا فارق صلاة الجمعة فإنه لا يتيمم لها وإن خاف الفوت؛ لأن الوضوء هناك يتوصل به إلى الصلاة وهو الطهر الذي هو أصل فرض الوقت فكان مخاطبا باستعمال الماء وبخلاف سجدة التلاوة؛ لأنها غير مؤقتة فلا تفوته وبالوضوء يتوصل إلى أدائها فلا يجزئه أداؤها بالتيمم؛ لهذا قال (وإن سبقه الحدث بعد ما شرع في صلاة العيد فإن كان شروعه بالتيمم تيمم وبنى بالاتفاق وإن كان شروعه بالوضوء تيمم للبناء) عند أبي حنيفة - رحمه الله تعالى -، وعندهما لا يتيمم؛ لأنه لا يخاف الفوت فإنه إذا ذهب للوضوء كان له أن يبني وإن عاد بعد فراغ الإمام وأبو حنيفة - رحمه الله تعالى - يقول لما جاز الافتتاح بطهارة التيمم فالبناء أجوز؛ لأن حالة البناء أسهل وخوف الفوت قائم فربما يبتلى بالمعالجة مع الناس لكثرة ازدحامهم فتفسد صلاته ولا يصل إلى الماء حتى تزول الشمس فتفوته بمضي الوقت وقيل هذا الجواب بناء على جبائية الكوفة فإن الماء بعيد لا يصل إليه حتى يعود إلى المصر فأما في ديارنا الماء محيط بالمصلى فلا يتيمم للابتداء ولا للبناء؛ لأنه لا يخاف الفوت وقد روى الحسن عن أبي حنيفة - رحمهم الله - أن ولي الميت لا يصلي على الجنازة بالتيمم بخلاف غيره؛ لأنه لا يخاف الفوت فإن الناس وإن صلوا عليها كان له حق الإعادة. قال (ولا يجوز التيمم من مكان قد كان فيه بول أو نجاسة وإن ذهب الأثر) وذكر ابن كاسر النخعي عن أصحابنا - رضي الله تعالى عنهم - أنه يجوز؛ لأنه حكم بطهارة ذلك المكان حين ذهب أثر النجاسة بدليل جواز الصلاة عليها. وجه ظاهر الرواية أن شرط جواز التيمم طيبة الصعيد كما قال الله تعالى {فتيمموا صعيدا طيبا} [النساء: 43] وهذا المكان صار طاهرا وليس من ضرورة الطهارة الطيبة ولم يصر طيبا، ثم طهارة هذا المكان ثابتة بخبر الواحد واشتراط الطهارة في الصعيد ثابت بنص مقطوع به فلا يتأدى بما يثبت بخبر الواحد كمن استقبل الحطيم في الصلاة دون البيت لا تجوز صلاته لهذا وقد قررناه. قال (وإن افتتح الصلاة بالوضوء ثم سبقه الحدث فلم يجد ماء تيمم وبنى) لأن افتتاح الصلاة بالتيمم عند عدم الماء جائز فالبناء أجوز؛ لأنه بنى الضعيف على القوي وذلك مستقيم فإن وجد ماء ينظر فإن كان بعد ما عاد إلى مكانه توضأ واستقبل بالاتفاق وإن كان قبل أن يعود إلى مكانه فالقياس يتوضأ ويستقبل الصلاة وهو قول محمد - رحمه الله تعالى -؛ لأن حرمة الصلاة باقية بعد التيمم وهذا متيمم وجد الماء في خلال صلاته فيتوضأ ويستقبل الصلاة. استحسن أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى فقالا يتوضأ ويبني ويجعل كأنه لم يتيمم أصلا ولكنه كان في طلب الماء إلى أن يجد الماء بخلاف ما إذا عاد إلى مكان الصلاة فإن هناك لو جعلناه كأنه لم يتيمم كانت صلاته فاسدة وهذا؛ لأنه إنما لا يتوضأ للبناء إذا أدى شيئا من الصلاة بطهارة التيمم وقبل العود إلى مكان الصلاة لم يؤد شيئا بطهارة التيمم فكان له أن يتوضأ ويبني. قال (وإن كان الإمام متيمما فأحدث فاستخلف متوضئا ثم وجد الماء الإمام الأول فسدت صلاته وحده) ؛ لأن الإمامة تحولت منه إلى الثاني وصار هو كواحد من القوم ففساد صلاته لا يفسد صلاة غيره وإن كان الإمام متوضئا والخليفة متيمما فوجد الخليفة الماء فسدت صلاته وصلاة الأول والقوم جميعا؛ لأن الإمامة تحولت إليه وصار الأول كواحد من المقتدين به وفساد صلاة الإمام تفسد صلاة القوم. قال (وإذا أم المتيمم المتوضئين فأبصر بعض القوم الماء ولم يعلم به الإمام والآخرون حتى فرغوا فصلاة الإمام والقوم تامة إلا من أبصر الماء) فإن صلاته فاسدة عندنا وقال زفر رضي الله عنه تعالى لا تفسد صلاته وهو رواية عن أبي يوسف - رحمه الله - ووجهه أنه لا بد لفساد الصلاة من سبب وهو في نفسه متوضئ فرؤية الماء لا تكون مفسدا في حقه وإنما تفسد صلاته لفساد صلاة الإمام وصلاة الإمام هنا صحيحة فلا معنى لفساد صلاته. (ولنا) أن طهارة الإمام معتبرة في حق المقتدي بدليل أنه لو تبين أن الإمام محدث لم تجز صلاة القوم، وطهارته هنا تيمم فيجعل في حق من أبصر الماء كأنه هو المتيمم فلهذا فسدت صلاته؛ لأنه اعتقد الفساد في صلاة إمامه؛ لأنه عنده أنه يصلي بطهارة التيمم مع وجود الماء والمقتدي إذا اعتقد الفساد في صلاة إمامه تفسد صلاته كما لو اشتبهت عليهم القبلة فتحرى الإمام إلى جهة والمقتدي إلى جهة أخرى لا يصح اقتداؤه به إذا كان عالما أن إمامه يصلي إلى غير جهته. قال (متيمم رأى في صلاته سرابا فظن أنه ماء فمشى إليه فإذا هو سراب فعليه أن يستقبل الصلاة) لأن مشيه كان على وجه الرفض لتلك الصلاة بدليل أن ما ظن لو كان حقا كانت صلاته فاسدة فلم يكن له أن يبني كما لو ظن في خلال الصلاة أنه نسي مسح الرأس فمشى ليمسح ثم تذكر أنه كان مسح فليس له أن يبني بخلاف ما إذا ظن أنه سبقه الحدث فمشى ليتوضأ فعلم قبل أن يخرج من المسجد أنه ليس بحدث كان له أن يبني؛ لأن انصرافه هناك كان لإصلاح الصلاة دون رفضها بدليل أن ما ظن لو كان حقا كان له أن يتوضأ ويبني فما لم يفارق مكان الصلاة جعل كأنه في موضعه فبنى لهذا. ![]()
__________________
|
|
#3
|
||||
|
||||
![]() الكتاب: المبسوط فى الفقه الحنفى المؤلف: محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي (ت ٤٨٣ هـ) عدد الأجزاء: ٣١ (الأخير فهارس) المجلد الاول صـــ 121 الى صـــ 130 (13) قال (ومن استيقن بالتيمم فهو على تيممه حتى يستيقن بالحدث أو بوجود الماء) للأصل الذي قدمناه في الوضوء أن اليقين لا يزول بالشك قال (وإذا أراد التيمم فتمعك في التراب ودلك بذلك جسده كله فإن كان أصاب التراب وجهه وذراعيه وكفيه أجزأه) لأنه أتى بالواجب وزاد عليه وقد بينا فيه حديث عمار - رضي الله تعالى عنه - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال كان يكفيك ضربتان» يعني ضربة للوجه وضربة للذراعين على ما عرف. قال (وإن بدأ بذراعيه في التيمم أو مكث بعد تيمم وجهه ساعة ثم تيمم على ذراعيه أجزأه) لأنه بدل عن الوضوء وقد بينا أن الترتيب والموالاة في الوضوء مسنون لا يمنع تركه الجواز فكذلك في التيمم. قال (وإذا تيمم جنب أو حائض من مكان ثم وضع آخر يده على ذلك المكان فتيمم به أجزأه) لأن الصعيد الباقي في المكان بعد تيمم الأول نظير الماء الباقي في الإناء بعد وضوء الأول واغتساله به فيكون طهورا في حق الثاني كذا هذا. قال (وإذا تيمم وهو مقطوع اليدين من المرفقين فعليه مسح موضع القطع من المرفق عندنا) خلافا لزفر - رحمه الله تعالى - بناء على أن المرفق يدخل في فرض الطهارة عندنا خلافا لزفر - رحمه الله تعالى - ثم موضع القطع صار باديا في حقه فهو نظير الكف في حق من هو صحيح اليدين فعليه مسحه في التيمم وإن كان القطع من فوق لم يكن عليه مسحه؛ لأن موضع الطهارة من يده فائت فإن ما فوق المرفق ليس بموضع الطهارة. قال (وإذا تيمم وفي رحله ماء لا يعلم به بأن كان نسيه بعد ما وضعه أو وضعه بعض أهله فصلاته بالتيمم جائزة) عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ولا تجوز عند أبي يوسف - رحمه الله تعالى - قال؛ لأن الماء في السفر من أهم الأشياء عند المسافر فقد نسي ما لا ينسى عادة فلا يعتبر نسيانه كما لو كان الماء على ظهره أو معلقا في عنقه فنسيه لا يعتبر نسيانه ولأن جواز التيمم عند عدم الماء وهو واجد للماء لكونه في رحله فإن رحله في يده فلا يجزئه التيمم كالمكفر بالصوم إذا نسي الرقبة في ملكه لا يجزئه لهذا. وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى احتجا في الكتاب وقالا بأن الله تعالى لم يكلفه إلا علمه ومعنى هذا التكليف بحسب الوسع وليس في وسعه استعمال الماء قبل علمه به وإذا لم يكن مخاطبا باستعماله فوجوده كعدمه كالمريض ومن يخاف العطش على نفسه تقديره أنه عدم آلة الوصول إلى الماء وهو العلم به فكان نظير الواقف على شفير البئر وليس معه آلة الاستسقاء ففرضه التيمم بخلاف الرقبة فالمعتبر هناك ملكها حتى لو عرض إنسان عليه الرقبة كان له أن لا يقبل ويكفر بالصوم، وبالنسيان لم ينعدم ملكه، وهنا المعتبر القدرة على استعمال الماء حتى لو عرض إنسان عليه الماء لا يجزئه التيمم وبالنسيان زالت هذه القدرة فجاز تيممه وهو بخلاف ما إذا كان عالما به وظن أنه قد نفذ؛ لأن القدرة على الاستعمال ثابتة بعلمه فلا ينعدم بظنه وعليه التفتيش فإذا لم يفعل لا يجزئه التيمم بخلاف ما نحن فيه على ما بينا. قال (وإذا كان به جدري أو جراحات في بعض جسده فإن كان محدثا فالمعتبر أعضاء الوضوء) فإن كان أكثره صحيحا فعليه الوضوء في الصحيح، وإن كان أكثره مجروحا فعليه التيمم دون غسل الصحيح منه وإن كان جنبا فالعبرة بجميع الجسد فإن كان أكثره مجروحا تيمم وصلى عندنا. وقال الشافعي - رحمه الله تعالى - يلزمه الغسل فيما هو صحيح في الوجوه جميعا؛ لأن سقوط الغسل عما هو مجروح لضرورة الضرر في إصابة الماء والثياب والضرورة تتقدر بقدرها. (ولنا) أن الأقل تابع للأكثر «فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في المجدور كان يكفيه التيمم» وأحد لا يقول أنه يغسل ما بين كل جدريين فدل على أن العبرة للأكثر وإذا كان الأكثر مجروحا فكأن الكل مجروح وقد بينا أنه لا يجمع بين الأصل والبدل على سبيل رفو أحدهما بالآخر فإذا كان الأكثر مجروحا لم يكن له بد من التيمم فسقط فرض الغسل لهذا. قال (وإن أجنب الصحيح في المصر فخاف أن يقتله البرد إن اغتسل فإنه يتيمم) في قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - كالمسافر إذا خاف ذلك وعندهما يجزئه ذلك في السفر ولا يجزئه في المصر قالا: لأن السفر يتحقق فيه خوف الهلاك من البرد فإنه لا يجد ماء سخينا ولا ثوبا يتدفأ به ولا مكانا يأويه وأما المصر لا يعدم أحد هذه الأشياء إلا نادرا ولا عبرة بالنادر ولهذا لم يجعل عدم الماء في المصر مجوزا للتيمم بخلاف خارج المصر وأبو حنيفة - رحمه الله تعالى - يقول: المسافر يجوز له التيمم مع وجود الماء لخوف الهلاك من البرد فإذا تحقق ذلك في حق المقيم كان هو كالمسافر؛ لأن معنى الحرج من استعمال الماء ثابت فيهما ولأن من جاز له التيمم مع وجود الماء فالمصر والسفر له سواء كالمريض وأما المحبوس في السجن فإن كان في موضع نظيف وهو لا يجد الماء كان أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - يقول إن كان خارج المصر صلى بالتيمم وإن كان في المصر لم يصل وهو قول زفر - رضي الله تعالى عنه - ثم رجع فقال يصلي ثم يعيد وهو قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى. وجه قوله الأول أن عدم الماء في المصر غير معتبر شرعا حتى لا يسقط عنه الفرض بالتيمم ويلزمه الإعادة فلم يكن التيمم طهورا له ولا صلاة إلا بطهور. وجه قوله الآخر أن عدم الماء في المصر إنما لا يعتبر؛ لأنه لا يكون إلا نادرا فأما في السجن فعدم الماء ليس بنادر فكان معتبرا فأمر بالصلاة بالتيمم لعجزه عن الماء فأما الإعادة ففي القياس لا يلزمه وهو رواية عن أبي يوسف - رحمه الله تعالى - كما لو كان في السفر وفي الاستحسان يعيد؛ لأن عدم الماء كان لمعنى من العباد ووجوب الصلاة عليه بالطهارة لحق الله تعالى فلا يسقط بما هو من عمل العباد بخلاف المسافر فإن هناك جواز التيمم لعدم الماء لا للحبس فلا صنع للعباد فيه فهو نظير المقيد إذا صلى قاعدا تلزمه الإعادة إذا رفع القيد عنه بخلاف المريض. وإن كان محبوسا في مكان قذر لا يجد صعيدا طيبا ولا ماء يتوضأ به فإنه لا يصلي في قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - وقال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - يصلي بالإيماء تشبها بالمصلين واختلفت الروايات عن محمد - رحمه الله تعالى - فذكر في الزيادات ونسخ أبي حفص - رحمه الله تعالى - من الأصل كقول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - وفي نسخ أبي سليمان - رحمه الله تعالى - ذكر قوله كقول أبي يوسف - رحمه الله تعالى - ووجهه أن العاقل المسلم لا يجوز أن يمضي عليه وقت الصلاة وهو لا يتشبه بالمصلين فيه بحسب الإمكان والتكليف إنما يتثبت بحسب وسعه، ووجه قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - أن الصلاة بغير طهور معصية ولا يحصل التشبه بالمصلين فيما هو معصية وقد تقدم نظيره. ومن نظائره الهارب من العدو ماشيا والمشتغل بالقتال في حال المسايفة والسابح في البحر بعد ما انكسرت السفينة عند أبي يوسف - رحمه الله تعالى - يصلون بالإيماء تشبها ثم يعيدون. وعند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لا يصلون؛ لأن مع العمل من القتال والسباحة والمشي لا تكون الصلاة قربة وفي الحديث «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شغل عن أربع صلوات يوم الخندق» لكونه كان مشغولا بالقتال فدل أنه لا يصلي في هذه الحالة. قال (مسافر جنب غسل فرجه ووجهه وذراعيه ورأسه ثم أهراق الماء فتيمم وافتتح الصلاة ثم قهقه فيها ووجد الماء فعليه أن يغسل وجهه وذراعيه ويمسح برأسه ويغسل ما بقي من بعض جسده) لأن شروعه في الصلاة قد صح بالتيمم، والقهقهة في الصلاة لو طرأ على غسل الأعضاء نقض طهارته فيها، فكذلك إذا طرأ على غسل بعض الأعضاء بمنزلة سائر الأحداث وعن أبي يوسف - رحمه الله تعالى - في الإملاء قال القهقهة في الصلاة ناقض للطهارة التي بها شرع في الصلاة وشروعه في الصلاة هنا بالتيمم لا بغسل وجهه وذراعيه ولا تنتقض بالقهقهة طهارته في الوجه والذراعين ولا يلزمه إعادة الغسل فيهما كما لا يلزمه إعادة الغسل فيما غسل من جسده سوى أعضاء الوضوء. قال (جنب اغتسل فبقي على بدنه لمعة لم يصبها فإنه يتيمم ويصلي) لأن زوال الجنابة معتبر ثبوتها حكما فكما لا يتحقق ثبوتها في بعض البدن دون البعض فكذلك لا يتحقق زوالها ما بقي شيء لم يصبه الماء، فإن وجد الماء بعد ذلك غسل ذلك الموضع؛ لأنه قدر على ما يطهره ولا يتيمم؛ لأنه طاهر عن الحدث فإن كان أحدث قبل غسل ذلك الموضع فالمسألة على أوجه إن كان الماء الذي وجده يكفيه للمعة والوضوء غسل اللمعة ليخرج من الجنابة ثم يتوضأ؛ لأنه محدث معه ما يوضئه، وإن كان لواحد منهما يتيمم للحدث وتيممه للجنابة باق ولكنه يستعمل ذلك الماء في اللمعة لتقليل الجنابة وإن كان يكفيه للمعة دون الوضوء غسل به اللمعة ليخرج من الجنابة ثم يتيمم للحدث، وإن كان يكفيه للوضوء دون اللمعة توضأ به وتيممه للجنابة باق، وإن كان يكفيه لكل واحد منهما على الانفراد غسل به اللمعة لتزول به الجنابة فإن حكمها أغلظ من الحدث حتى يمنع الجنب من القراءة دون المحدث ثم يتيمم للحدث فإن بدأ بالتيمم للحدث أجزأه في رواية كتاب الصلاة ولم يجزه في رواية الزيادات وقيل ما ذكر في الزيادات قول محمد - رحمه الله تعالى -. ووجهه أنه تيمم ومعه ماء يكفيه للوضوء فلا يعتبر تيممه وما ذكر في الأصل قول أبي يوسف - رحمه الله تعالى - ووجهه أن الماء مستحق للمعة فهو كالمعدوم في حق الحدث كالمستحق للعطش، وشبه هذا بسؤر الحمار في أنه يجمع المسافر بين التوضؤ به والتيمم والأولى أنه يبدأ بالوضوء به فإن بدأ بالتيمم أجزأه فكذلك هنا. قال (متيمم افتتح الصلاة ثم وجد سؤر حمار مضى على صلاته فإذا فرغ توضأ به وأعاد الصلاة) لأن سؤر الحمار مشكوك في طهارته وشروعه في الصلاة قد صح فلا ينتقض بالشك فلهذا يتم الصلاة ثم يتوضأ به ويعيد احتياطا لجواز أن يكون سؤر الحمار طاهرا. قال (ولو وجد نبيذ التمر في خلال الصلاة فكذلك) عند محمد - رحمه الله تعالى - يتم صلاته ثم يتوضأ به ويعيد لأنه كسؤر الحمار عنده وعند أبي يوسف - رحمه الله تعالى - يتم صلاته ولا يعيد؛ لأن النبيذ عنده ليس بطهور وعند أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - يقطع صلاته؛ لأن نبيذ التمر بمنزلة الماء عنده في حال عدم الماء فتنتقض صلاته بوجوده فيتوضأ به ويستقبل وإن وجد سؤر الحمار والنبيذ جميعا فعند أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - تفسد صلاته فيتوضأ بهما ثم يستقبل؛ لأن سؤر الحمار إن كان طاهرا فالنبيذ معه ليس بطهور فلهذا توضأ بهما وعند أبي يوسف - رحمه الله تعالى - يمضي في صلاته فإذا فرغ توضأ بهما وأعاد الصلاة احتياطا. [فصل في ذكر المسائل المعدودة لأبي حنيفة] - رحمه الله تعالى - إذا فرغ المصلي من تشهده ولم يسلم حتى انقضى وقت مسحه أو وجد في خفه شيئا فنزعه فانتقض به مسحه فسدت صلاته في قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى -. وكذلك المتيمم إذا وجد الماء ومصلي الجمعة إذا خرج وقتها ومصلي الفجر إذا طلعت عليه الشمس والعاري إذا وجد ثوبا والأمي إذا تعلم القراءة والقارئ إذا استخلف أميا والمومئ إذا قدر على الركوع والسجود والمصلي إذا تذكر الفائتة وصاحب الجرح السائل إذا برئ جرحه أو ذهب وقته وكذلك المستحاضة ومصلي الفائتة إذا تغيرت الشمس. وعلى قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى قد مضت في جميع ذلك وخرج بها عنها وجازت عنه. فمن أصحابنا من قال هذه المسائل تبتني على أصل وهو أن الخروج من الصلاة بصنع المصلي فرض عند أبي حنيفة - رحمه الله - وعندهما ليس بفرض واحتجاجهما بحديث عبد الله بن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «إذا رفع المصلي رأسه من آخر سجدة وقعد قدر التشهد فقد تمت صلاته» ولأنه بالاتفاق لو تكلم أو قهقه أو أحدث متعمدا أو حادث المرأة الرجل في هذه الحالة لم تفسد الصلاة ولو بقي عليه شيء من فرائض الصلاة لفسدت في هذه الأمور كما تفسد قبل القعدة ولأبي حنيفة - رحمه الله تعالى - أن هذه عبادة لها تحريم وتحليل فلا يخرج منها على وجه التمام إلا بصنعه كالحج وتقريره أن بعد التشهد لو أراد استدامة التحريمة إلى خروج الوقت أو إلى دخول صلاة أخرى منع منه ولو لم يبق عليه شيء من الصلاة لم يمنع من ذلك، وتأويل الحديث أي قارب التمام كما قال من وقف بعرفة فقد تم حجه أي قارب التمام، والكلام والحدث العمد والمحاذاة والقهقهة صنع من جهته (فإن قيل) فنزع الخف أيضا صنعه. (قلنا) هو صنع غير قاطع حتى أن غاسل الرجلين لو فعله في خلال الصلاة لا يضره ولهذا قيل تأويله إن كان الخف واسع الساق لا يحتاج في نزعه إلى المعالجة فإن كان يحتاج إلى ذلك فصلاته تامة بالاتفاق (فإن قيل) فالاستخلاف أيضا صنعه (قلنا) نعم ولكنه صنع غير مفسد بدليل أنه لو استخلف القارئ في خلال الصلاة لم يضره ولكن هذا ليس بقوي لاستحالة أن يقال يتأدى فرض الصلاة بالكلام والحدث العمد ولو كان الخروج بصنع المصلي فرضا لاختص بما هو قربة كالخروج من الحج ولكن الصحيح لأبي حنيفة أن التحريمة باقية بعد الفراغ من التشهد، واعتراض المغير للفرض في هذه الحالة كاعتراضه في خلال الصلاة بدليل أن المسافر لو نوى الإقامة في هذه الحالة يتغير فرضه كما لو نوى الإقامة في خلال الصلاة وهذه العوارض مغيرة للفرض بخلاف الكلام فإنه قاطع لا مغير والقهقهة والحدث العمد والمحاذاة مبطل لا مغير (فإن قيل) فطلوع الشمس في خلال الفجر مبطل لا مغير وقد جعلتموه على الاختلاف. (قلنا) لا كذلك بل هو مغير للصلاة من الفرض إلى النفل فإنه لا يصير خارجا به من التحريمة، وجميع ما بينا فيما إذا اعترض قبل السلام، كذلك في سجود السهو أو بعد ما سلم قبل أن يتشهد أو بعد التشهد وقبل أن يسلم؛ لأن التحريمة باقية فإن عرض له شيء من ذلك بعد ما سلم قبل أن يسجد للسهو فصلاته تامة. أما عندهما فلا شك وعند أبي حنيفة - رحمه الله تعالى -؛ لأنه بالسلام يخرج من التحريمة ولهذا لا يتغير فرض المسافر بنية الإقامة في هذه الحالة وكذلك إن كان يسلم إحدى التسليمتين؛ لأن انقطاع التحريمة يحصل بتسليمة واحدة وهذا كله بناء على قولنا، فأما عند الشافعي - رحمه الله تعالى - تفسد صلاته بالكلام والحدث العمد والعوارض المفسدة في هذه الحالة؛ لأن الخروج بالسلام عنده من فرائض الصلاة لقوله - صلى الله عليه وسلم - «وتحليلها التسليم» فكما أن التحريم من الصلاة مختص بما هو قربة فكذلك التحليل. (ولنا) حديث «ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما علمه التشهد قال له إذا قلت هذا أو فعلت هذا فقد تمت صلاتك فإن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد» ولأن التسليم خطاب منه للناس حتى لو باشره في خلال الصلاة عمدا تفسد صلاته وما يكون من أركان الصلاة لا يكون مفسدا للصلاة وتبين بهذا أن المراد بقوله «- صلى الله عليه وسلم - وتحليلها التسليم» الإذن بانقضائها فإن من تحرم للصلاة فكأنه غاب عن الناس لا يكلمهم ولا يكلمونه وعند التسليم يصير كالعائد إليهم فلهذا يسلم عليهم لا أن التسليم من أركان الصلاة ولو عرض له شيء من ذلك قبل أن يقعد قدر التشهد أعاد الصلاة؛ لأن القعدة من الأركان لما روينا من حديث ابن مسعود،. وزعم بعض مشايخنا رحمهم الله تعالى أن القدر المفروض من القعدة ما يأتي فيه بكلمة الشهادتين والأصح أن المفروض قدر ما يتمكن فيه من قراءة التشهد إلى قوله عبده ورسوله فالتشهد إذا أطلق يفهم منه هذا. وفي الإملاء عن أبي يوسف - رحمه الله تعالى - أن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول أولا في الأمي يتعلم السورة في خلال الصلاة أنه يقرأ ويبني كالقاعد يقدر علي القيام ثم رجع عن ذلك وقال إن صلاة الأمي ضرورة محضة حتى لا يجوز ترك القراءة مع القدرة في النفل والفرض فهو قياس المومئ يقدر على الركوع والسجود والله سبحانه وتعالى أعلم. [باب الأذان] الأذان في اللغة الإعلام ومنه قوله تعالى {وأذان من الله ورسوله} [التوبة: 3] الآية، وتكلموا في سبب ثبوته فروى أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - عن علقمة بن مرثد عن أبي بردة عن أبيه قال «مر أنصاري بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فرآه حزينا وكان الرجل ذا طعام فرجع إلى بيته واهتم لحزنه - صلى الله عليه وسلم - فلم يتناول الطعام ولكنه نام فأتاه آت فقال أتعلم حزن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مم ذا هو من هذا الناقوس فمره فليعلم بلالا الأذان» وذكره إلى آخره والمشهور «أنه - صلى الله عليه وسلم - لما قدم المدينة كان يؤخر الصلاة تارة ويعجلها أخرى فاستشار الصحابة في علامة يعرفون بها وقت أدائه الصلاة لكي لا تفوتهم الجماعة فقال بعضهم: ننصب علامة حتى إذا رآها الناس أذن بعضهم بعضا فلم يعجبه ذلك، وأشار بعضهم بضرب الناقوس فكرهه لأجل النصارى، وبعضهم بالنفخ في الشبور فكرهه لأجل اليهود، وبعضهم بالبوق فكرهه لأجل المجوس فتفرقوا قبل أن يجتمعوا على شيء قال عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري: فبت لا يأخذني النوم وكنت بين النائم واليقظان إذ رأيت شخصا نزل من السماء وعليه ثوبان أخضران وفي يده شبه الناقوس فقلت: أتبيعني هذا؟ فقال: ما تصنع به؟ فقلت: نضربه عند صلاتنا. فقال: ألا أدلك على ما هو خير من هذا؟ فقلت: نعم فقام على حذم حائط مستقبل القبلة فأذن ثم مكث هنيهة ثم قام فقال مثل مقالته الأولى وزاد في آخره قد قامت الصلاة مرتين فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخبرته بذلك فقال: رؤيا صدق، أو قال: حق ألقها على بلال فإنه أمد صوتا منك فألقيتها عليه فقام على سطح أرملة كان أعلى السطوح بالمدينة وجعل يؤذن فجاء عمر - رضي الله تعالى عنه - في إزار وهو يهرول ويقول لقد طاف بي الليلة ما طاف بعبد الله إلا أنه قد سبقني فقال - صلى الله عليه وسلم - هذا أثبت». وروي أن سبعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين رأوا تلك الرؤيا في ليلة واحدة. وكان أبو حفص محمد بن علي ينكر هذا ويقول تعمدون إلى ما هو من معالم الدين فتقولون ثبت بالرؤيا كلا ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أسري به إلى المسجد الأقصى وجمع له النبيون أذن ملك وأقام فصلى بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقيل نزل به جبريل - عليه الصلاة والسلام - حتى قال كثير بن مرة أذن جبريل في السماء فسمعه عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - ولا منافاة بين هذه الأسباب فيجعل كأن ذلك كان. ثم يختلفون في الأذان في ثلاثة مواضع: (أحدها) في الترجيع فإنه ليس من سنة الأذان عندنا خلافا للشافعي - رحمه الله تعالى - (وصفته) أن يأتي بكلمة - الشهادتين مرتين يخفض بهما صوته ثم يرجع فيأتي بهما مرتين أخريين يرفع بهما صوته واحتج الشافعي - رحمه الله تعالى - بحديث أبي محذورة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علمه الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة ولا يكون تسع عشرة كلمة إلا بالترجيع وروي أنه أمر بالترجيع نصا وجعل كلمة الشهادتين قياس التكبير فكما أنه يأتي بلفظة التكبير أربع مرات فكذلك كلمة الشهادتين. (ولنا) حديث عبد الله بن زيد - رضي الله تعالى عنه - فهو الأصل وليس فيه ذكر الترجيع ولأن المقصود من الأذان قوله حي على الصلاة حي على الفلاح ولا ترجيع في هاتين الكلمتين ففيما سواهما أولى. وأما لفظ التكبير فدليلنا فإن ذكر التكبير مرتين لما كان بصوت واحد فهو كلمة واحدة فأما حديث أبي محذورة قلنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بالتكرار حالة التعليم ليحسن تعلمه وهو كان عادته فيما يعلم أصحابه فظن أنه أمره بالترجيع. وقيل «إن أبا محذورة كان مؤذن مكة فلما انتهى إلى ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خفض صوته استحياء من أهل مكة لأنهم لم يعهدوا ذكر اسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهم جهرا ففرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذنه وأمره أن يعود فيرفع صوته ليكون تأديبا له». (والثاني) في التكبير (عندنا أربع مرات وعند مالك - رحمه الله تعالى - مرتين) وهو رواية عن أبي يوسف - رحمه الله تعالى - قاسه بكلمة الشهادتين يأتي بهما مرتين. (ولنا) حديث عبد الله بن زيد وحديث أبي محذورة - رضي الله تعالى عنهما - في الأذان تسع عشرة كلمة ولن يكون ذلك إذا كان التكبير مرتين ثم قد بينا أن كل تكبيرتين بصوت واحد فكأنهما كلمة واحدة فيأتي بهما مرتين كما يأتي بالشهادتين. (والثالث) أن آخر الآذان لا إله إلا الله وعلى قول أهل المدينة لا إله إلا الله والله أكبر فاعتبروا آخره بأوله ويروون فيه حديثا ولكنه شاذ فيما تعم به البلوى والاعتماد في مثله على المشهور وهو حديث عبد الله بن زيد - رضي الله تعالى عنه - على ما توارثه الناس إلى يومنا هذا. قال (وينبغي للمؤذن أن يستقبل القبلة في أذانه حتى إذا انتهى إلى الصلاة والفلاح حول وجهه يمينا وشمالا وقدماه مكانهما) ولأن الأذان مناجاة ومناداة ففي حالة المناجاة يستقبل القبلة وعند المناداة يستقبل من ينادي لأنه يخاطبه بذلك كما في الصلاة يستقبل القبلة فإذا انتهى إلى السلام حول وجهه يمينا وشمالا لأنه يخاطب الناس بذلك فإذا فرغ من الصلاة والفلاح حول وجهه إلى القبلة لأنه عاد إلى المناجاة قال (والإقامة مثنى مثنى كالأذان عندنا) وقال الشافعي - رحمه الله: الإقامة فرادى فرادى إلا قوله قد قامت الصلاة فإنها مرتان واستدل بحديث أنس - رضي الله تعالى عنه - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بلالا أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة» ولأن الأذان للإعلام فمع التكرار أبلغ في الإعلام والإقامة لإقامة الصلاة فالإفراد بها أعجل لإقامة الصلاة فهو أولى (ولنا) حديث عبد الله بن زيد - رضي الله تعالى عنه - فهو الأصل كما بينا. ومر علي بمؤذن يوتر الإقامة فقال: اشفعها لا أم لك ولأنه أحد الأذانين وهو مختص بقوله قد قامت الصلاة فلو كان من سنته الإفراد لكان أولى به هذه الكلمة. وحديث أنس - رضي الله تعالى عنه - معناه أمر بلالا أن يؤذن بصوتين ويقيم بصوت واحد بدليل ما روي عن إبراهيم قال: أول من أفرد الإقامة معاوية - رضي الله تعالى عنه - وقال مجاهد - رضي الله تعالى عنه: كانت الإقامة مثنى كالأذان حتى استخفه بعض أمراء الجور فأفرده لحاجة لهم (وقال) مالك - رحمه الله تعالى - يفرد وقد قامت الصلاة أيضا ويروي فيه حديثا عن سعد القرظي ولكنه شاذ فيما تعم به البلوى والشاذ هي مسألة لا تكون حجة. قال (ويجعل أصبعيه في أذنيه عند أذانه) «لقوله - صلى الله عليه وسلم - لبلال إذا أذنت فاجعل أصبعيك في أذنيك فإنه أندى لصوتك» وقال أبو جحيفة رأيت بلالا يؤذن في صومعته يتبع فاه هاهنا وها هنا وأصبعاه في أذنيه. وإن لم يفعل لم يضره لأن المقصود وهو الإعلام حاصل. قال (وإن استدار في صومعته لم يضره) لأنه ربما لا يحصل المقصود بتحويل الوجه يمينا وشمالا بدون الاستدارة لتباعد جوانب المحلة فالاستدارة للمبالغة في الإعلام قال (ولا يثوب في شيء من الصلاة إلا في الفجر) وكان التثويب الأول في الفجر بعد الأذان الصلاة خير من النوم مرتين فأحدث الناس هذا التثويب وهو حسن. أما معنى التثويب لغة فالرجوع ومنه سمي الثواب لأن منفعة عمله تعود إليه ويقال ثاب إلى المريض نفسه إذا برأ فهو عود إلى الإعلام بعد الإعلام الأول بدليل ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «إذا أذن المؤذن أدبر الشيطان وله حصاص كحصاص الحمار فإذا فرغ رجع فإذا ثوب أدبر فإذا فرغ رجع فإذا أقام أدبر فإذا فرغ رجع وجعل يوسوس إلى المصلي أنه كم صلى». فهذا دليل على أن التثويب بعد الأذان، وكان التثويب الأول الصلاة خير من النوم لما روي أن بلالا - رضي الله تعالى عنه - أذن لصلاة الفجر ثم جاء إلى باب حجرة عائشة - رضي الله تعالى عنها - فقال الصلاة يا رسول الله فقالت عائشة - رضي الله تعالى عنها - الرسول نائم فقال بلال الصلاة خير من النوم فلما انتبه أخبرته عائشة - رضي الله تعالى عنها - بذلك فاستحسنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (قوله) فأحدث الناس هذا التثويب إشارة إلى تثويب أهل الكوفة فإنهم ألحقوا الصلاة خير من النوم بالأذان وجعلوا التثويب بين الأذان والإقامة حي على الصلاة مرتين حي على الفلاح مرتين. قال (والتثويب في كل بلدة ما يتعارفونه إما بالتنحنح أو بقوله الصلاة الصلاة أو بقوله قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة) لأنه للمبالغة في الإعلام فإنما يحصل ذلك بما يتعارفونه. قال (ولا تثويب إلا في صلاة الفجر) لما روي أن عليا - رضي الله تعالى عنه - رأى مؤذنا يثوب في العشاء فقال أخرجوا هذا المبتدع من المسجد ولحديث مجاهد - رضي الله تعالى عنه - قال دخلت مع ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - مسجدا نصلي فيه الظهر فسمع المؤذن يثوب فغضب وقال قم حتى نخرج من عند هذا المبتدع فما كان التثويب على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا في صلاة الفجر. ![]()
__________________
|
|
#4
|
||||
|
||||
![]() الكتاب: المبسوط فى الفقه الحنفى المؤلف: محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي (ت ٤٨٣ هـ) عدد الأجزاء: ٣١ (الأخير فهارس) المجلد الاول صـــ 131 الى صـــ 140 (14) ولأن صلاة الفجر تؤدى في حال نوم الناس ولهذا خصت بالتطويل في القراءة فخصت أيضا بالتثويب لكي لا تفوت الناس الجماعة وهذا المعنى لا يوجد في غيرها وفسره الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى قال يؤذن للفجر ثم يقعد بقدر ما يقرأ عشرين آية ثم يثوب ثم يقعد مثل ذلك ثم يقيم لحديث بلال - رضي الله تعالى عنه - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له إذا أذنت فأمهل الناس قدر ما يفرغ الآكل من أكله والشارب من شربه والمعتصر من قضاء حاجته» وإنما استحسن التثويب لأن الدعاء إلى الصلاة في الأذان كان بهاتين الكلمتين فيستحسن التثويب بهما أيضا هذا اختيار المتقدمين وأما المتأخرون فاستحسنوا التثويب في جميع الصلوات لأن الناس قد ازداد بهم الغفلة وقلما يقومون عند سماع الأذان فيستحسن التثويب للمبالغة في الإعلام ومثل هذا يختلف باختلاف أحوال الناس. وقد روي عن أبي يوسف - رحمه الله تعالى - أنه قال لا بأس بأن يخص الأمير بالتثويب فيأتي بابه فيقول السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته حي على الصلاة مرتين حي على الفلاح مرتين الصلاة يرحمك الله؛ لأن الأمراء لهم زيادة اهتمام بأشغال المسلمين ورغبة في الصلاة بالجماعة فلا بأس بأن يخصوا بالتثويب ، وقد روي عن عمر - رضي الله تعالى عنه - أنه لما كثر اشتغاله نصب من يحفظ عليه صلاته غير أن محمدا - رحمه الله تعالى - كره هذا وقال أفا لأبي يوسف حيث خص الأمراء بالذكر والتثويب لما روي أن عمر - رضي الله تعالى عنه - حين حج أتاه مؤذن مكة يؤذنه بالصلاة فانتهره وقال ألم يكن في أذانك ما يكفينا قال (ويترسل في الأذان ويحدر في الإقامة) لحديث جابر - رضي الله تعالى عنه - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لبلال إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحدر» ولأن المقصود من الأذان الإعلام فالترسل فيه أبلغ في الإعلام والمقصود من الإقامة إقامة الصلاة فالحدر فيها أبلغ في هذا المقصود. قال (فإن ترسل فيهما أو حدر فيهما أو ترسل في الإقامة وحدر في الأذان أجزأه) لأنه أقام الكلام بصفة التمام وحصل المقصود وهو الإعلام فترك ما هو زينة فيه لا يضره [الأذان والإقامة على غير وضوء] قال (ويجوز الأذان والإقامة على غير وضوء ويكره مع الجنابة حتى يعاد أذان الجنب ولا يعاد أذان المحدث) وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنه يعاد فيهما وعن أبي يوسف - رحمه الله تعالى - أنه لا يعاد فيهما ووجهه أن الأذان ذكر والجنب والمحدث لا يمنعان من ذكر الله تعالى وما هو المقصود به وهو الإعلام حاصل، ووجه رواية الحسن - رحمه الله تعالى - أن الأذان مشبه بالصلاة ولهذا يستقبل فيه القبلة، والصلاة مع الحدث لا تجوز فما هو من أسبابه مشبه به يكره معه، ثم المؤذن يدعو الناس إلى التأهب للصلاة فإذا لم يكن متأهبا لها دخل تحت قوله تعالى {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم} [البقرة: 44] . وجه ظاهر الرواية ما روي أن بلالا ربما أذن وهو على غير وضوء ثم الأذان ذكر معظم فيقاس بقراءة القرآن والمحدث لا يمنع من ذلك ويمنع منه الجنب فكذلك الأذان وفي ظاهر الرواية جعل الإقامة كالأذان في أنه لا بأس به إذا كان محدثا. وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى الفرق بينهما فقال: أكره الإقامة للمحدث لأن الإقامة يتصل بها إقامة الصلاة فلا يتمكن من ذلك مع الحدث بخلاف الأذان [الأذان قاعدا] قال (ويكره الأذان قاعدا) لأنه في حديث الرؤيا قال: فقام الملك على جذم حائط، ولأن المقصود الإعلام وتمامه في حالة القيام ولكنه يجزئه لأن أصل المقصود حاصل قال (ولا بأس بأن يؤذن واحد ويقيم آخر) لما روي أن «عبد الله بن زيد - رضي الله عنه - سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكون له في الأذان نصيب فأمر بأن يؤذن بلال ويقيم» هو ولأن كل واحد منهما ذكر مقصود فلا بأس بأن يأتي بكل واحد منهما رجل آخر والذي روي «أن الحارث الصدائي أذن في بعض الأسفار وبلال كان غائبا فلما رجع بلال وأراد أن يقيم قال - صلى الله عليه وسلم - إن أخا صداء أذن ومن أذن فهو يقيم» إنما قاله على وجه تعليم حسن العشرة لا أن خلاف ذلك لا يجزئ قال (وإن ترك استقبال القبلة في أذانه أجزأه وهو مكروه) لأن المقصود به حصل وهو الإعلام والكراهية لمخالفته السنة [أذان المسافر] قال (ويؤذن المسافر راكبا إن شاء) لما روي أن بلالا في السفر ربما أذن راكبا ولأن المسافر له أن يترك الأذان أصلا فله أن يأتي به راكبا بطريق الأولى. قال (وينزل للإقامة أحب إلي) لأن الإقامة يتصل بها إقامة الصلاة، وإنما يصلي على الأرض فينزل للإقامة لهذا قال (وإن اقتصر المسافر بالإقامة أجزأه) لأن السفر عذر مسقط لشطر الصلاة فلأن يكون مسقطا لأحد الأذانين أولى، ولأن الأذان لإعلام الناس حتى يجتمعوا وهم في السفر مجتمعون والإقامة لإقامة الصلاة وهم إليها محتاجون فيؤتى بها في السفر ويكره تركه لهذا والأولى أن يؤتي بهما لما روي «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لمالك بن الحويرث وابن عم له إن سافرتما فأذنا وأقيما وليؤمكما أكثركما قرآنا» وقال - صلى الله عليه وسلم - «من أذن في أرض قفر وأقام صلى بصلاته ما بين الخافقين من الملائكة ومن صلى بغير أذان وإقامة لم يصل معه إلا ملكاه» [أذان المرأة] قال (وليس على النساء أذان ولا إقامة) لأنهما سنة الصلاة بالجماعة وجماعتهن منسوخة لما في اجتماعهن من الفتنة وكذلك إن صلين بالجماعة صلين بغير أذان ولا إقامة لحديث رابطة قالت كنا جماعة من النساء عند عائشة - رضي الله عنها - فأمتنا وقامت وسطنا وصلت بغير أذان ولا إقامة ولأن المؤذن يشهر نفسه بالصعود إلى أعلى المواضع ويرفع صوته بالأذان والمرأة ممنوعة من ذلك لخوف الفتنة، فإن صلين بأذان وإقامة جازت صلاتهن مع الإساءة لمخالفة السنة والتعرض للفتنة قال (وإن صلى أهل المصر بجماعة بغير أذان ولا إقامة فقد أساءوا) لترك سنة مشهورة وجازت صلاتهم لأداء أركانها والأذان والإقامة سنة ولكنهما من أعلام الدين فتركهما ضلالة هكذا قال مكحول السنة سنتان سنة أخذها هدي وتركها لا بأس به ، وسنة أخذها هدي وتركها ضلالة كالأذان والإقامة وصلاة العيدين، وعلى هذا قال محمد - رحمه الله تعالى - إذا أصر أهل المصر على ترك الأذان والإقامة أمروا بهما فإن أبوا قوتلوا على ذلك بالسلاح كما يقاتلون عند الإصرار على ترك الفرائض والواجبات، وقال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - المقاتلة بالسلاح عند ترك الفرائض والواجبات فأما في السنن فيؤدبون على تركها ولا يقاتلون على ذلك ليظهر الفرق بين الواجب وغير الواجب ومحمد - رحمه الله تعالى - يقول ما كان من أعلام الدين فالإصرار على تركه استخفاف فيقاتلون على ذلك لهذا قال (فإن صلى رجل في بيته فاكتفى بأذان الناس وإقامتهم أجزأه) لما روي أن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - صلى بعلقمة والأسود في بيت فقيل له ألا تؤذن فقال أذان الحي يكفينا وهذا بخلاف المسافر فإنه يكره له تركهما وإن كان وحده ؛ لأن المكان الذي هو فيه لم يؤذن فيه لتلك الصلاة فأما هذا الموضع الذي فيه المقيم أذن وأقيم فيه لهذه الصلاة فله أن يتركهما. قال (وإن أذن وأقام فهو حسن) لأن المنفرد مندوب إلى أن يؤدي الصلاة على هيئة الصلاة بالجماعة ولهذا كان الأفضل أن يجهر بالقراءة في صلاة الجهر وكذلك إن أقام ولم يؤذن فهو حسن لأن الأذان لإعلام الناس حتى يجتمعوا وذلك غير موجود هنا والإقامة لإقامة الصلاة وهو يقيمها قال (وليس لغير الصلوات الخمس والجمعة أذان ولا إقامة) أما لصلاة العيد فلحديث جابر بن سمرة - رضي الله تعالى عنه - قال «صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العيدين بغير أذان ولا إقامة» وكذلك توارثه الناس إلى يومنا هذا وأما في صلاة الوتر فلأنها لا تؤدى بالجماعة إلا في التراويح في ليالي رمضان وعند أدائها هم مجتمعون وأما في السنن والنوافل فلأنها لا تؤدى بالجماعة إلا التراويح في ليالي رمضان وهي تبع لصلاة العشاء وقد أذن وأقيم لها وهم مجتمعون عند أدائها ، فأما الجمعة يؤذن لها ويقام لأنها فرض مكتوب والأذان له منصوص في القرآن قال الله تعالى {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة} [الجمعة: 9] ، واختلفوا في الأذان الذي يحرم عنده البيع ويجب السعي إلى الجمعة فكان الطحاوي يقول هو الأذان عند المنبر بعد خروج الإمام فإنه هو الأصل الذي كان للجمعة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما روي عن السائب بن يزيد قال «كان الأذان للجمعة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين يخرج فيستوي على المنبر وهكذا في عهد أبي بكر وعمر - رضي الله تعالى عنهما -» ثم أحدث الناس الأذان على الزوراء في عهد عثمان فكان الحسن بن زياد يقول المعتبر هو الأذان على المنارة لأنه لو انتظر الأذان عند المنبر يفوته أداء السنة وسماع الخطبة وربما تفوته الجمعة إذا كان بيته بعيدا عن الجامع والأصح أن كل أذان يكون قبل زوال الشمس فذلك غير معتبر والمعتبر أول الأذان بعد زوال الشمس سواء كان على المنبر أو على الزوراء قال (ولا يتكلم المؤذن في أذانه وإقامته) لأنه ذكر معظم كالخطبة فيكره التكلم في خلاله لما فيه من ترك الحرمة، وروى المعلى عن يوسف عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنه يكره رد السلام في خلال الأذان وكان الثوري - رحمه الله تعالى - يقول: لا بأس برد السلام لأنها فريضة ، ولكنا نقول: يحتمل التأخير إلى أن يفرغ من أذانه قال (وإن أذن قبل دخول الوقت لم يجزه ويعيده في الوقت) لأن المقصود من الأذان إعلام الناس بدخول الوقت فقبل الوقت يكون تجهيلا لا إعلاما ولأن المؤذن مؤتمن قال - صلى الله عليه وسلم - «الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين» وفي الأذان قبل الوقت إظهار الخيانة فيما ائتمن فيه ولو جاز الأذان قبل الوقت لأذن عند الصبح خمس مرات لخمس صلوات وذلك لا يجوزه أحد ولا خلاف فيه إلا في صلاة الفجر فقد قال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - آخرا: لا بأس بأن يؤذن للفجر في النصف الآخر من الليل وهو قول للشافعي - رضي الله عنه - واستدلا بتوارث أهل الحرمين ولما روي أن بلالا كان يؤذن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالليل فدل أنه لا بأس به ولأن وقت الفجر مشتبه وفي مراعاته بعض الحرج، ولكن أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله قاسا الأذان للفجر بالأذان لسائر الصلوات بالمعنى الذي بينا وفي الأذان للفجر قبل الوقت إضرار بالناس لأنه وقت نومهم فيلتبس عليهم وذلك مكروه وقد روي أن الحسن البصري - رحمه الله تعالى - كان إذا سمع من يؤذن قبل طلوع الفجر قال علوج فراح لا يصلون إلا في الوقت، لو أدركهم عمر لأدبهم فأما أذان بلال فقد أنكر عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأذان بالليل وأمره أن ينادي على نفسه ألا إن العبد قد زام فكان يبكي ويطوف حول المدينة ويقول ليت بلالا لم تلده أمه وابتل من نضح دم جبينه وإنما قال ذلك لكثرة معاتبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياه، وقيل إن أذان بلال ما كان لصلاة الفجر ولكن كان لينام القائم ويقوم النائم فقد كانت الصحابة فرقتين فرقة يتهجدون في النصف الأول من الليل وفرقة في النصف الآخر، وكان الفاصل أذان بلال. وإنما كان صلاة الفجر بأذان ابن أم مكتوم كما قال - صلى الله عليه وسلم - «لا يغرنكم أذان بلال فإنه يؤذن ليرجع قائمكم ويتسحر صائمكم ويقوم نائمكم فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم» وكان هو أعمى لا يؤذن حتى يسمع الناس يقولون أصبحت أصبحت قال (وإذا دخل القوم مسجدا قد صلى فيه أهله كرهت لهم أن يصلوا جماعة بأذان وإقامة ولكنهم يصلون وحدانا بغير أذان ولا إقامة) لحديث الحسن قال كانت الصحابة إذا فاتتهم الجماعة فمنهم من اتبع الجماعات ومنهم من صلى في مسجده بغير أذان ولا إقامة وفي الحديث «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج ليصلح بين الأنصار فاستخلف عبد الرحمن بن عوف فرجع بعد ما صلى فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيته وجمع أهله فصلى بهم بأذان وإقامة» فلو كان يجوز إعادة الجماعة في المسجد لما ترك الصلاة في المسجد والصلاة فيه أفضل، وهذا عندنا ، وقال الشافعي - رضي الله تعالى عنه - لا بأس بتكرار الجماعة في مسجد واحد لأن جميع الناس في المسجد سواء وإنما لإقامة الصلاة بالجماعة وهو قياس المساجد على قوارع الطرق فإنه لا بأس بتكرار الجماعة فيها (ولنا) أنا أمرنا بتكثير الجماعة وفي تكرار الجماعة في مسجد واحد تقليلها لأن الناس إذا عرفوا أنهم تفوتهم الجماعة يعجلون للحضور فتكثر الجماعة وإذا علموا أنه لا تفوتهم يؤخرون فيؤدي إلى تقليل الجماعات وبهذا فارق المسجد الذي على قارعة الطريق لأنه ليس له قوم معلومون فكل من حضر يصلي فيه فإعادة الجماعة فيه مرة بعد مرة لا تؤدي إلى تقليل الجماعات ثم في مسجد المحال إن صلى غير أهلها بالجماعة فلأهلها حق الإعادة لأن الحق في مسجد المحلة لأهلها ألا ترى أن التدبير في نصب الإمام والمؤذن إليهم فليس لغيرهم أن يفوت عليهم حقهم، فأما إذا صلى فيه أهلها أو أكثر أهلها فليس لغيرهم حق الإعادة إلا في رواية عن أبي يوسف - رحمه الله تعالى - قال إن وقف ثلاثة أو أربعة ممن فاتتهم الجماعة في زاوية غير الموضع المعهود للإمام فصلوا بأذان فلا بأس به وهو حسن. لما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بأصحابه فدخل أعرابي وقام يصلي فقال - صلى الله عليه وسلم - ألا أحد يتصدق على هذا يقوم فيصلي معه فقام أبو بكر - رضي الله عنه - وصلى معه. قال (ومن فاتته صلاة عن وقتها فقضاها في وقت آخر أذن لها وأقام واحدا كان أو جماعة) لأن «النبي - صلى الله عليه وسلم - في ليلة التعريس بعد ما انتبه مع أصحابه بعد طلوع الشمس فقضى الفجر بأذان وإقامة أمر بلالا بهما» «وشغل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أربع صلوات يوم الخندق فقضاهن بعد هوي من الليل» قال ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - «أمر بلالا فأذن وأقام للأولى ثم أقام لكل صلاة بعدها» وقال جابر - رضي الله تعالى عنه - «أمره فأذن وأقام لكل صلاة» «وقال أبو سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - أمره بالإقامة لكل صلاة». قال (وإن اكتفوا بالإقامة جاز) لأن الأذان لإعلام الناس حتى يجتمعوا وذلك معدوم في القضاء والإقامة لإقامة الصلاة، وإن أذن وأقام فهو حسن ليكون القضاء على سنن الأداء قال (ولا يجوز لمن فاته ظهر أمسه أن يقتدي بمن يصلي ظهر يوم غير ذلك) وها هنا مسائل. إحداها اقتداء المتنفل بالمفترض فهو جائز بالاتفاق لقوله - صلى الله عليه وسلم - «سيكون أمراء بعدي يؤخرون الصلاة عن مواقيتها فإذا فعلوا فصلوا أنتم في بيوتكم ثم صلوا معهم واجعلوا صلاتكم معهم سبحة» أي نافلة، ولأن المقتدي بنى صلاته على صلاة إمامه كما أن المنفرد يبني آخر صلاته على أول صلاته، وبناء النفل على تحريمة انعقدت للفرض يجوز وكذلك اقتداء المتنفل بالمفترض فأما المفترض إذا اقتدى بالمتنفل عندنا فلا يصح الاقتداء. وقال الشافعي - رضي الله تعالى عنه - يصح لحديث معاذ - رضي الله تعالى عنه - أنه كان يصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم يأتي قومه فيصلي بهم ولأن المشاركة بين الإمام والمقتدي في التحريمة، والنفل والفرض يستدعي كل واحد منهما تحريمة مطلقة فكما يجوز اقتداء المتنفل بالمفترض فكذلك المفترض بالمتنفل. (ولنا) قوله - صلى الله عليه وسلم - «الإمام ضامن» معناه تتضمن صلاته صلاة القوم وتضمين الشيء فيما هو فوقه يجوز وفيما هو دونه لا يجوز وهو المعنى في الفرق، فإن الفرض يشتمل على أصل الصلاة والصفة، والنفل يشتمل على أصل الصلاة فإذا كان الإمام مفترضا فصلاته تشتمل على صلاة المقتدي وزيادة فصح اقتداؤه به وإذا كان الإمام متنفلا فصلاته لا تشتمل على ما تشتمل عليه صلاة المقتدي فلا يصح اقتداؤه به لأنه بنى القوي على أساس ضعيف. وحديث معاذ تأويله كان يصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنية النفل ليتعلم منه سنة القراءة ثم يأتي قومه فيصلي بهم الفرض، وهذا على أن تغاير الفرضين عندنا يمنع صحة الاقتداء حتى إذا اقتدى مصلي الظهر بمصلي العصر أو مصلي عصر يومه بمصلي عصر أمسه لم يجز الاقتداء. وعند الشافعي - رحمه الله - يجوز. وإذا اقتدى مصلي الظهر بمصلي الجمعة أو مصلي الظهر بالمصلي على الجنازة فله فيه وجهان وهذا الخلاف ينبني على أصل نذكره بعد هذا هو أن المشاركة بين الإمام والمقتدي لا تقوى عنده حتى إذا تبين أن الإمام محدث فصلاة المقتدي عنده صحيحة. وعندنا المشاركة تقوى بينهما فتغاير الفرضين يمنع صحة المشاركة ثم المذكور في هذا الباب أنه يصير شارعا في التطوع مقتديا بالإمام حتى لو ضحك قهقهة يلزمه الوضوء؛ لأن الاقتداء في أصل الصلاة صحيح إنما لا يصح في الجهة. وفي باب الحدث قال: لا يصير شارعا حتى لو قهقه لا يلزمه الوضوء. وما ذكر هنا قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى بناء على أصلهما أن أصل الصلاة ينفصل عن الجهة ابتداء وبقاء وما ذكر بعد هذا قول محمد - رحمه الله تعالى - بناء على مذهبه أن الجهة متى فسدت صار خارجا من الصلاة وعليه نص في زيادات الزيادات [أذان العبد والأعمى وولد الزنا والأعرابي] قال (ويجوز أذان العبد والأعمى وولد الزنا والأعرابي) لأن المقصود وهو الإعلام حاصل وغيرهم أولى. أما العبد فلأنه مشغول بخدمة المولى لا يتفرغ لمحافظة المواقيت وروي أن وفدا جاءوا إلى عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - فقال من يؤذن لكم؟ فقالوا: عبيدنا، قال: إن هذا لنقص بكم. وأما الأعمى فهو محتاج إلى الرجوع إلى غيره في معرفة المواقيت وكان لإبراهيم النخعي - رحمه الله تعالى - مؤذن أعمى يقال له معبد فقال له: لا تكن آخر من يقيم ولا أولهم. وأما ولد الزنا والأعرابي فالغالب عليهم الجهل وقد بينا أن الأذان ذكر معظم فيختار له من يكون محترما في الناس متبركا به ولهذا قال: أحب إلي أن يكون المؤذن عالما بالسنة وفيه حديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «يؤمكم قراؤكم ويؤذن لكم خياركم» قال (وإن أذن للقوم غلام مراهق أجزأهم) لحصول المقصود بأذانه وهو الإعلام والبالغ أولى؛ لأنه أقرب إلى مراعاة الحرمة ولأن الصبي غير مخاطب بالصلاة والأذان للمكتوبات خاصة فالأولى أن يؤذن من هو مخاطب بالمكتوبات قال (وإن أذنت لهم امرأة جاز) لحصول المقصود وهو مكروه؛ لأن أذان النساء من المحدثات لم يكن في السلف وكل محدثة بدعة، ولأن في صوتها فتنة وهي منهية عن الخروج إلى الجماعات والأذان لإقامة الصلاة بالجماعة قال (ويؤذن المؤذن حيث يكون أسمع للجيران) لأن المقصود إعلامهم ويرفع صوته؛ لأن الإعلام لا يحصل إلا به وفي الحديث «يشهد للمؤذن من سمع صوته أو يستغفر للمؤذن مدى صوته» قال (ولا يجهد نفسه فربما يضره ذلك) ورأى عمر - رضي الله تعالى عنه - مؤذن بيت المقدس يجهد نفسه فقال أما تخشى أن ينقطع مريطاؤك والمريطاء عرق مستبطن بالصلب فإذا انقطع لم يكن معه حياة. قال (ولا أكره له أن يتطوع في صومعته) لما روي أن بلالا - رضي الله تعالى عنه - كان ربما تطوع في صومعته ولأنه بمنزلة السطح فلا بأس بالصلاة عليه. قال (وأحب إلي أن يجزم قوله الله أكبر) وقد بينا هذا في تكبيرة الافتتاح [التلحين في الأذان] قال (والتلحين في الأذان مكروه) لما روي أن رجلا جاء إلى عمر - رضي الله تعالى عنه - فقال: إني أحبك في الله. فقال: إني أبغضك في الله. فقال: لم؟ قال: لأنه بلغني أنك تغني في أذانك يعني التلحين وأما التفخيم فلا بأس به؛ لأنه إحدى اللغتين قال (وإن افتتح الأذان فظن أنها الإقامة فأقام في آخرها بأن قال قد قامت الصلاة ثم علم فإنه يتم الأذان ثم يقيم وإن كان في الإقامة فظن أنها الأذان فصنع فيها ما صنع في الأذان أعادها من أولها) لأن هنا وقع التعيين في جميعها وفي الأول في آخرها وحقيقة المعنى في الفرق أن المقصود من الأذان إعلام الناس ليحضروا وبالإقامة في آخرها لا يفوت هذا المقصود بل يزداد؛ لأن الناس يعجلون على ظن أنها الإقامة فلهذا لا يعيدها وعند الإقامة إقامة الصلاة والتعجيل للإدراك فإذا صنع في الإقامة ما يصنع في الأذان يفوت هذا المقصود لأن الناس يظنون أنه الأذان فينتظرون الإقامة فلهذا يعيد الإقامة من أولها. قال (فإن غشي عليه ساعة في الأذان أو الإقامة ثم أفاق فأحب إلي أن يبتدئها من أولها) ألا ترى أنه لو غشي عليه في الصلاة لم يبن على صلاته فكذلك فيما هو من أسباب الصلاة قال (وإن رعف فيها أو أحدث فذهب وتوضأ ثم جاء فأحب إلي أن يبتدئها من أولها) لأن بذهابه انقطع النظم فربما يشتبه على الناس أنه كان يؤذن أو يتعلم كلمات الأذان والأولى له إذا أحدث في أذانه أو إقامته أن يتمها ثم يذهب فيتوضأ ويصلي؛ لأن ابتداء الأذان مع الحدث يجوز فإتمامه أولى قال (وإذا قدم المؤذن في أذانه أو إقامته بعض الكلمات على بعض فالأصل فيه أن ما سبق أداؤه يعتد به حتى لا يعيده في أذانه) وما يقع مكررا لا يعتد به فكأنه لم يكرر قال (وإذا وقع في إقامته فمات أو أغمي عليه فأحب إلي أن يبتدئ الإقامة غيره من أولها) لأن عمله قد انقطع بالموت ولا بناء على المنقطع قال (مؤذن أذن ثم ارتد فإن اعتدوا بأذانه وأمروا من يقيم ويصلي بهم أجزأهم) ؛ لأن المقصود وهو الإعلام قد حصل بأذانه وبطلان ثواب عمله بالردة في حقه لا يبطله في حق غيره كما لو ارتد الإمام بعد فراغه من الصلاة تبطل صلاته ولا تبطل في حق القوم قال (ويقعد المؤذن بين الأذان والإقامة في جميع الصلوات إلا في المغرب في قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - أما في سائر الصلوات فيكره له أن يصل الإقامة بالأذان ولا يقعد بينهما) لما روي «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لبلال اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله» والأولى به في الصلاة التي قبلها تطوع مسنون أو مستحب أن يتطوع بين الأذان والإقامة جاء في تأويل قوله تعالى {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا} [فصلت: 33] أنه المؤذن يدعو الناس بأذانه ويتطوع بعده قبل الإقامة فأما في صلاة المغرب فيكره له وصل الإقامة بالأذان كما في غيرها والأفضل عند أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - أن يفصل بينهما بسكتة وذكر الحسن - رحمه الله تعالى - عنه بقدر ما يقرأ ثلاث آيات وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى الأفضل أن يفصل بينهما بجلسة مقدار جلسة الخطيب بين الخطبتين لحديث ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أنه كان يفصل بين أذان المغرب والإقامة بجلسة ولأن السكتة تشبه السكتات بين كلمات الأذان فلا يتحقق بها الفصل فالجلسة للفصل أولى وأبو حنيفة - رحمه الله تعالى - قال أمرنا بتعجيل المغرب قال - صلى الله عليه وسلم - «لا تزال أمتي بخير ما لم يؤخروا المغرب وقال بادروا بالمغرب قبل اشتباك النجوم ولا تتشبهوا باليهود فإنهم يصلون والنجوم مشتبكة» والفصل بالسكتة أقرب إلى تعجيل المغرب. وحديث ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - محمول على حالة العذر لكبر أو مرض وبه نقول قال (ويكره أن يؤذن في مسجدين ويصلي في أحدهما) ؛ لأنه بعد ما صلى يكون متنفلا بالأذان في المسجد الثاني والتنفل بالأذان غير مشروع ولأن الأذان مختص بالمكتوبات فإنما يؤذن ويقيم من يصلي المكتوبة على أثرهم وهو في المسجد الثاني يصلي النافلة على أثرهما قال (ويكره للإمام والمؤذن طلب الأجر على ذلك من القوم) لأنهما يعملان لأنفسهما فكيف يشترطان الأجر على غيرهما ثم هما خليفتان للرسول في الدعاء والإمامة وقال الله تعالى {قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى} [الشورى: 23] فمن يكون خليفته ينبغي أن يكون مثله وقال عثمان بن أبي العاص الثقفي - رضي الله تعالى عنه - آخر ما عهد إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن صل بالناس صلاة أضعفهم وإذا اتخذت مؤذنا فلا تأخذ على الأذان أجرا وقال رجل لعمر - رضي الله تعالى عنه: إني أحبك في الله. فقال: إني أبغضك في الله. قال: ولم؟ قال: لأنه بلغني أنك تأخذ على الأذان أجرا فإن عرف القوم حاجته فواسوه بشيء فما أحسن ذلك بعد أن لا يكون عن شرط؛ لأنه فرغ نفسه لحفظ المواقيت وإعلامه لهم فربما لا يتفرغ للكسب فينبغي لهم أن يهدوا إليه بهدية فقد كان الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم يقبلون الهدية وعلى هذا قالوا الفقيه الذي يفتي في بلدة أو قرية لا يحل له أن يأخذ على الفتيا شيئا عن شرط فإن عرفوا حاجته فأهدوا إليه فهو حسن؛ لأنه محسن إليهم في تفريغ نفسه عن الكسب وحراسة أمر دينهم فينبغي أن يقابلوا إحسانه بالإحسان إليه قال (والذي يواظب على الصلوات كلها أولى بالأذان من غيره) لأن صوته يصير معهودا للقوم فلا يقع الاشتباه وإن أذن السوقي في صلاة الليل وأذن في صلاة النهار غيره فذلك جائز أيضا ؛ لأن السوقي محتاج إلى الكسب فيلحقه الحرج بالرجوع إلى المحلة في وقت كل صلاة [أذان السكران والمجنون] قال (وإذا أذن السكران أو المجنون فأحب إلي أن يعيدوا) ؛ لأن معنى التعظيم لا يحصل بأذانهما وعامة كلام السكران والمجنون هذيان فلا يحصل به الإعلام فربما يشتبه على الناس فالأولى إعادة أذانهم قال (ولا يجوز لأهل المسجد أن يقتسموا المسجد وينصبوا وسطه حائطا) لأن بقعة المسجد تحررت عن حقوق العبد فصار خالصا لله تعالى والقسمة من التصرفات في الملك فلا يشتغل بها في المسجد كالزراعة وغيرها فإن فعلوا ذلك فليصل كل فريق منهم بإمام ومؤذن على حدة ما لم ينتقضوا القسمة ؛ لأنهما في حكم مسجدين متجاورين فينبغي أن يكون لكل واحد منهما إمام ومؤذن على حدة والله أعلم ![]()
__________________
|
|
#5
|
||||
|
||||
![]() الكتاب: المبسوط فى الفقه الحنفى المؤلف: محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي (ت ٤٨٣ هـ) عدد الأجزاء: ٣١ (الأخير فهارس) المجلد الاول صـــ 141 الى صـــ 150 (15) [باب مواقيت الصلاة] (اعلم) أن الصلاة فرضت لأوقاتها قال الله تعالى {أقم الصلاة لدلوك الشمس} [الإسراء: 78] ولهذا تكرر وجوبها بتكرار الوقت وتؤدى في مواقيتها قال الله تعالى {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} [النساء: 103] أي فرضا مؤقتا وقال - صلى الله عليه وسلم - «من حافظ على الصلوات الخمس في مواقيتها كان له عند الله عهدا يغفر له يوم القيامة وتلا قوله تعالى {إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا} [مريم: 87] ». وللمواقيت إشارة في كتاب الله تعالى {فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون} [الروم: 17] أي صلوا لله فقوله حين تمسون المراد به العصر، وعند بعضهم المغرب، وحين تصبحون الفجر، وعشيا العشاء، وحين تظهرون الظهر، وقال الله تعالى {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر} [الإسراء: 78] قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - دلوك الشمس الزوال فالمراد به الظهر وقال ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - دلوكها غروبها والمراد المغرب، إلى غسق الليل العشاء، وقرآن الفجر صلاة الفجر، وقال الله تعالى {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} [البقرة: 238] وهو العصر وقال الله تعالى {وأقم الصلاة طرفي النهار} [هود: 114] وقال الحسن الفجر وزلفا من الليل ، قال محمد بن كعب - رضي الله تعالى عنه - المغرب والعشاء ثم بدأ ببيان وقت الفجر؛ لأنه متفق عليه لم يختلفوا في أوله ولا في آخره. قال (وقت صلاة الفجر من حين يطلع الفجر المعترض في الأفق إلى طلوع الشمس) والفجر فجران كاذب تسميه العرب ذنب السرحان وهو البياض الذي يبدو في السماء طولا ويعقبه ظلام، والفجر الصادق وهو البياض المنتشر في الأفق فبطلوع الفجر الكاذب لا يدخل وقت الصلاة ولا يحرم الأكل على الصائم ما لم يطلع الفجر الصادق لقوله - صلى الله عليه وسلم - «لا يغرنكم الفجر المستطيل ولكن كلوا واشربوا حتى يطلع الفجر المستطير» يعني المنتشر في الأفق ، وقال الفجر هكذا ومد يده عرضا لا هكذا ومد يده طولا. والأصل حديث ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أمني جبريل - عليه السلام - عند البيت فصلى بي الفجر في اليوم الأول حين طلع الفجر وفي اليوم الثاني حين أسفر جدا ثم قال ما بين هذين وقت لك ولأمتك وهو وقت الأنبياء قبلك» وفي حديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إن للصلاة أولا وآخرا وإن أول وقت الفجر حين يطلع الفجر وآخره حين تطلع الشمس» وفي حديث أبي موسى - رضي الله عنه - «أن رجلا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن مواقيت الصلاة فلم يجبه ولكنه صلى الفجر في اليوم الأول حين طلع الفجر وفي اليوم الثاني حين كادت الشمس تطلع ثم قال أين السائل عن الوقت الوقت بين هذين» والدليل على أن آخر الوقت حين تطلع الشمس قوله - صلى الله عليه وسلم - «من أدرك ركعة من الفجر قبل طلوع الشمس فقد أدرك» وفي حديث جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال قال - صلى الله عليه وسلم - «إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ثم تلا قوله تعالى {وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها} [طه: 130] » قال (ووقت الظهر من حين تزول الشمس إلى أن يكون ظل كل شيء مثله) في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى وقال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - لا يدخل وقت العصر حتى يصير الظل قامتين ولا خلاف في أول وقت الظهر أنه يدخل بزوال الشمس إلا شيئا نقل عن بعض الناس إذا صار الفيء بقدر الشراك لحديث إمامة جبريل - عليه السلام - «قال - صلى الله عليه وسلم - صلى بي الظهر في اليوم الأول حين صار الفيء بقدر الشراك». ولكنا نستدل بقوله تعالى {لدلوك الشمس} [الإسراء: 78] أي لزوالها والمراد من الفيء مثل الشراك الفيء الأصلي الذي يكون للأشياء وقت الزوال وذلك يختلف باختلاف الأمكنة والأوقات فاتفق ذلك القدر في ذلك الوقت وقد قيل لا بد أن يبقى لكل شيء فيء عند الزوال في كل موضع إلا بمكة والمدينة في أطول أيام السنة فلا يبقى بمكة ظل على الأرض وبالمدينة تأخذ الشمس الحيطان الأربعة وذلك الفيء الأصلي غير معتبر في التقدير بالظل قامة أو قامتين بالاتفاق وأصح ما قيل في معرفة الزوال قول محمد بن شجاع - رضي الله عنه - أنه يغرز خشبة في مكان مستو ويجعل على مبلغ الظل منه علامة فما دام الظل ينقص من الخط فهو قبل الزوال وإذا وقف لا يزداد ولا ينتقص فهو ساعة الزوال وإذا أخذ الظل في الزيادة فقد علم أن الشمس قد زالت واختلفوا في آخر وقت الظهر فعندهما إذا صار ظل كل شيء مثله خرج وقت الظهر ودخل وقت العصر وهو رواية محمد عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى وإن لم يذكره في الكتاب نصا في خروج وقت الظهر. وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنه لا يخرج وقت الظهر حتى يصير الظل قامتين وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنه إذا صار الظل قامة يخرج وقت الظهر ولا يدخل وقت العصر حتى يصير الظل قامتين وبينهما وقت مهمل وهو الذي تسميه الناس بين الصلاتين ، كما أن بين الفجر والظهر وقتا مهملا واستدل بحديث «إمامة جبريل - صلوات الله وسلامه عليه - فإنه قال صلى بي العصر في اليوم الأول حين صار ظل كل شيء مثله وصلى بي الظهر في اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثله أو قال حين صلى العصر بالأمس» وهكذا في حديث أبي هريرة وأبي موسى - رضي الله عنهما - في بيان المواقيت قولا وفعلا، وأبو حنيفة - رحمه الله تعالى - استدل بالحديث المعروف قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إنما مثلكم ومثل أهل الكتابين من قبلكم كمثل رجل استأجر أجيرا فقال من يعمل لي من الفجر إلى الظهر بقيراط فعملت اليهود ثم قال من يعمل لي من الظهر إلى العصر فعملت النصارى ثم قال من يعمل لي من العصر إلى المغرب بقيراطين فعملتم أنتم فغضبت اليهود والنصارى وقالوا نحن أكثر عملا وأقل أجرا قال الله تعالى فهل نقصت من حقكم شيئا قالوا لا قال فهذا فضلي أوتيه من أشاء» بين أن المسلمين أقل عملا من النصارى فدل أن وقت العصر أقل من وقت الظهر وإنما يكون ذلك إذا امتد وقت الظهر إلى أن يبلغ الظل قامتين. وقال - صلى الله عليه وسلم - «أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم» وأشد ما يكون من الحر في ديارهم إذا صار ظل كل شيء مثله ولأنا عرفنا دخول وقت الظهر بيقين ووقع الشك في خروجه إذا صار الظل قامة لاختلاف الآثار واليقين لا يزال بالشك والأوقات ما استقرت على حديث إمامة جبريل - عليه السلام - ففيه «أنه صلى الفجر في اليوم الثاني حين أسفر» والوقت يبقى بعده إلى طلوع الشمس وفيه أيضا «أنه صلى العشاء في اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل» والوقت يبقى بعده وقال مالك - رحمه الله تعالى - إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر فإذا مضى بقدر ما يصلي فيه أربع ركعات دخل وقت العصر فكان الوقت مشتركا بين الظهر والعصر إلى أن يصير الظل قامتين لظاهر حديث إمامة جبريل - عليه السلام - فإنه ذكر أنه صلى الظهر في اليوم الثاني في الوقت الذي صلى العصر في اليوم الأول وهذا فاسد عندنا، «فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لا يدخل وقت صلاة حتى يخرج وقت صلاة أخرى» وتأويل حديث إمامة جبريل «صلى بي الظهر في اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثله» أي قرب منه «وصلى بي العصر في اليوم الأول حين صار ظل كل شيء مثله» أي تم وزاد عليه وهو نظير قوله تعالى فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن أي قرب بلوغ أجلهن، وقال تعالى فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن [البقرة: 232] أي انقضاء تم عدتهن وحكى أبو عصمة عن أبي سليمان عن أبي يوسف رحمهم الله تعالى قال خالفت أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - في وقت العصر فقلت أوله إذا زاد الظل على قامة اعتمادا على الآثار التي جاءت به وهو إشارة إلى ما قلنا فأما آخر وقت العصر غروب الشمس عندنا، وقال الحسن بن زياد - رضي الله تعالى عنه - تغير الشمس إلى الصفرة وهو قول الشافعي - رحمه الله - لحديث إمامة جبريل - عليه السلام - «وصلى بي العصر في اليوم الثاني حين كادت الشمس تتغير». (ولنا) قوله - صلى الله عليه وسلم - «من أدرك ركعة من العصر قبل غروب الشمس فقد أدرك أي أدرك الوقت» ولكن يكره تأخير العصر إلى أن تتغير الشمس «لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك صلاة المنافقين يقعد أحدهم حتى إذا كانت الشمس بين قرني الشيطان قام ينقر أربعا لا يذكر الله تعالى فيها إلا قليلا» وقال ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - ما أحب أن يكون لي صلاة حين ما تحمار الشمس بفلسين واختلفوا في تغير الشمس أن العبرة للضوء أم للقرص فكان النخعي يعتبر تغير الضوء والشعبي يقول العبرة لتغير القرص وبهذا أخذنا؛ لأن تغير الضوء يحصل بعد الزوال فإذا صار القرص بحيث لا تحار فيه العين فقد تغيرت قال (ووقت المغرب من حين تغرب الشمس إلى أن يغيب الشفق عندنا) وقال الشافعي - رحمه الله تعالى: ليس للمغرب إلا وقت واحد مقدر بفعله فإذا مضى بعد غروب الشمس مقدار ما يصلى فيه ثلاث ركعات خرج وقت المغرب لحديث إمامة جبريل - عليه السلام - «فإنه صلى المغرب في اليومين في وقت واحد». (ولنا) حديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن أول وقت المغرب حين تغيب الشمس وآخره حين يغيب الشفق، وتأويل حديث إمامة جبريل - عليه السلام - أنه أراد بيان وقت استحباب الأداء وبه نقول أنه يكره تأخير المغرب بعد غروب الشمس إلا بقدر ما يستبرئ فيه الغروب رواه الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى لقوله - صلى الله عليه وسلم - «لا تزال أمتي بخير ما عجلوا المغرب وأخروا العشاء» وأخر ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أداء المغرب يوما حتى بدا نجم فأعتق رقبة، وعمر - رضي الله تعالى عنه - رأى نجمين طالعين قبل أدائه فأعتق رقبتين فهذا بيان كراهية التأخير فأما وقت الإدراك يمتد إلى غيبوبة الشفق والشفق البياض الذي بعد الحمرة في قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - وهو قول أبي بكر وعائشة - رضي الله تعالى عنهما - وإحدى الروايتين عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - وفي قول أبي يوسف ومحمد والشافعي رحمهم الله تعالى الحمرة التي قبل البياض وهو قول عمر وعلي وابن مسعود - رضي الله تعالى عنهم - وإحدى الروايتين عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - وهكذا روى أسد بن عمرو عن أبي حنيفة - رحمه الله تعالى -. ووجه هذا أن الطوالع ثلاثة والغوارب ثلاثة ثم المعتبر لدخول الوقت الوسط من الطوالع وهو الفجر الثاني فكذلك في الغوارب المعتبر لدخول الوقت الوسط وهو الحمرة فبذهابها يدخل وقت العشاء، وهذا لأن في اعتبار البياض معنى الحرج فإنه لا يذهب إلا قريبا من ثلث الليل (وقال) الخليل بن أحمد راعيت البياض بمكة فما ذهب إلا بعد نصف الليل، وقيل: لا يذهب البياض في ليالي الصيف أصلا بل يتفرق في الأفق ثم يجتمع عند الصبح فلدفع الحرج جعلنا الشفق الحمرة، وأبو حنيفة - رحمه الله تعالى - قال: الحمرة أثر الشمس والبياض أثر النهار فما لم يذهب كل ذلك لا يصير إلى الليل مطلقا وصلاة العشاء صلاة الليل كيف وقد جاء في الحديث «وقت العشاء إذا ملأ الظلام الظراب» وفي رواية «إذا ادلهم الليل» أي استوى الأفق في الظلام وذلك لا يكون إلا بعد ذهاب البياض فبذهابه يخرج وقت المغرب ويدخل وقت العشاء. فأما آخر وقت العشاء فقد قال في الكتاب: إلى نصف الليل. والمراد بيان وقت إباحة التأخير فأما وقت الإدراك فيمتد إلى طلوع الفجر الثاني حتى إذا أسلم الكافر أو بلغ الصبي قبل طلوع الفجر فعليه صلاة العشاء وهذا عندنا ، وقال الشافعي - رحمه الله تعالى: آخر وقت العشاء حين يذهب ثلث الليل لحديث إمامة جبريل - عليه الصلاة والسلام - «وصلى بي العشاء في اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل». (ولنا) حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «وآخر وقت العشاء حين يطلع الفجر وصلاة العشاء صلاة الليل فيبقى وقتها ما بقي الليل» وقوله - صلى الله عليه وسلم - «لا يخرج وقت صلاة حتى يدخل وقت صلاة أخرى» دليل لنا أيضا إن ثبت هذا اللفظ ولكنه شاذ، والمشهور اللفظ الذي روينا قال (والتنوير بصلاة الفجر أفضل من التغليس بها عندنا) وقال الشافعي التغليس بها أفضل وذكر الطحاوي إن كان من عزمه تطويل القراءة فالأفضل أن يبدأ بالتغليس ويختم بالإسفار وإن لم يكن من عزمه تطويل القراءة فالإسفار أفضل من التغليس ، واستدل الشافعي بحديث «عائشة - رضي الله عنها - قالت كن النساء ينصرفن من الصلاة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهن متلفعات بمروطهن ما يعرفن من شدة الغلس» وقال أنس - رضي الله عنه - «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي الفجر ولا يعرف أحدنا من إلى جنبه من شدة الغلس» ولأن في هذا إظهار المسارعة في أداء العبادة وهو مندوب إليه لقوله تعالى {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم} [آل عمران: 133] . (ولنا) حديث رافع بن خديج أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر» وحديث الصديق عن بلال - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «نوروا بالفجر أو قال أصبحوا بالصبح يبارك لكم» ولأن في الإسفار تكثير الجماعة وفي التغليس تقليلها، وما يؤدي إلى تكثير الجماعة فهو أفضل ولأن المكث في مكان الصلاة حتى تطلع الشمس مندوب إليه قال - صلى الله عليه وسلم - «من صلى الفجر ومكث حتى تطلع الشمس فكأنما أعتق أربع رقاب من ولد إسماعيل» وإذا أسفر بها تمكن من إحراز هذه الفضيلة وعند التغليس قلما يتمكن منها. فأما حديث عائشة - رضي الله عنها - فالصحيح من الروايات إسفار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لصلاة الفجر «قال ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة قبل ميقاتها إلا صلاة الفجر صبيحة الجمعة فإنه صلاها يومئذ بغلس» فدل أن المعهود إسفاره بها، فإن ثبت التغليس في وقت فلعذر الخروج إلى سفر أو كان ذلك حين يحضر النساء الصلاة بالجماعة ثم انتسخ ذلك حين أمرن بالقرار في البيوت قال (والأفضل في صلاة الظهر أن يؤخرها ويبرد بها في الصيف وفي الشتاء يعجلها بعد الزوال) وقال الشافعي - رضي الله تعالى عنه - إن كان يصلي وحده يعجلها بعد الزوال في كل وقت وإن كان يصلي بالجماعة يؤخر يسيرا واستدل بحديث خباب بن الأرت - رضي الله تعالى عنه - قال «شكونا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حر الرمضاء في خيامنا فلم يشكنا» أي لم يجبنا إلى شكوانا فدل أنه كان يعجل الظهر وأصحابنا استدلوا بقوله - صلى الله عليه وسلم - «أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم» وفي حديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر فلما زالت الشمس جاء بلال ليؤذن فقال له أبرد هكذا مرارا فلما صار للتلال فيء قال أذن». ولأن في التعجيل في الصيف تقليل الجماعات وإضرارا بالناس فإن الحر يؤذيهم وتأويل حديث خباب أنهم طلبوا ترك الجماعة أصلا. على أن معنى قوله فلم يشكنا أي لم يدعنا في الشكاية بل أزال شكوانا بأن أبرد بها، فأما في الشتاء فالمستحب تعجيلها لحديث أنس - رضي الله تعالى عنه - كان النبي - صلى الله عليه وسلم - «يصلي الظهر في الشتاء فلا يدري أن ما مضى من النهار أكثر أم ما بقي» «وقال - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ حين وجهه إلى اليمن إذا كان الصيف فأبرد فإن تقيلوك فأمهلهم حتى يدركوا وإذا كان الشتاء فصل الظهر حين تزول الشمس فإن الليالي طوال» فأما العصر فالمستحب تأخيرها في الصيف والشتاء عندنا بعد أن يؤديها والشمس بيضاء نقية لم يدخلها تغير. وقال الشافعي - رحمه الله تعالى - المستحب تعجيلها لحديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي العصر والشمس طالعة في حجرتي» ولحديث أنس - رضي الله تعالى عنه - «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي العصر فيذهب الذاهب إلى العوالي وينحر الجزور ويطبخ ويأكل قبل غروب الشمس». (ولنا) حديث ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي العصر والشمس بيضاء نقية» وهذا منه بيان تأخير للعصر، «وقالت أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - أنتم أشد تأخيرا للظهر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشد تأخيرا للعصر منكم» وقيل سميت العصر؛ لأنها تعصر أي تؤخر ولأن في تأخير العصر تكثير النوافل وأداء النافلة بعدها مكروه ولهذا كان التعجيل في المغرب أفضل لأن أداء النافلة قبلها مكروه ولأن المكث بعد العصر إلى غروب الشمس في موضع الصلاة مندوب إليه قال - عليه الصلاة والسلام - «من صلى العصر ومكث في المسجد إلى غروب الشمس فكأنما أعتق ثمانية من ولد إسماعيل» - عليه السلام - وإذا أخر العصر يتمكن من إحراز هذه الفضيلة فهو أفضل، فأما حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - فقد كانت حيطان حجرتها قصيرة فتبقى الشمس طالعة فيها إلى أن تتغير. وحديث أنس فقد كان ذلك في وقت مخصوص لعذر فأما صلاة المغرب فالمستحب تعجيلها في كل وقت وقد بينا أن تأخيرها مكروه وكان عيسى بن أبان - رحمه الله تعالى - يقول الأولى تعجيلها للآثار ولكن لا يكره التأخير مطلقا، ألا ترى أن بعذر السفر والمرض تؤخر المغرب ليجمع بينها وبين العشاء فعلا، فلو كان المذهب كراهة التأخير لما أبيح ذلك بعذر السفر والمرض كما لا يباح تأخير العصر إلى أن تتغير الشمس واستدل فيه بما روي «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ سورة الأعراف في صلاة المغرب ليلة» وإنما يحمل ذلك على بيان امتداد الوقت وإباحة التأخير. فأما صلاة العشاء فالمستحب عندنا تأخيرها إلى ثلث الليل ويجوز التأخير بعد ذلك إلى نصف الليل ويكره التأخير بعد ذلك، وقال الشافعي - رضي الله تعالى عنه - المستحب تعجيلها بعد غيبوبة الشفق لحديث نعمان بن بشير قال «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي العشاء حين يسقط القمر الليلة الثالثة» وذلك عند غيبوبة الشفق يكون، ولأن في تعجيلها تكثير الجماعة خصوصا في زمان الصيف. (ولنا) ما روي «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخر العشاء إلى ثلث الليل ثم خرج فوجد أصحابه في المسجد ينتظرونه فقال أما أنه لا ينتظر هذه الصلاة في هذا الوقت أحد غيركم ولولا سقم السقيم وضعف الضعيف لأخرت العشاء إلى هذا الوقت» وفي حديث آخر «لولا أن أشق على أمتي لأخرت العشاء إلى ثلث الليل» (وكتب) عمر - رضي الله تعالى عنه - إلى أبي موسى الأشعري - رضي الله تعالى عنه - أن صل العشاء حين يذهب ثلث الليل فإن أبيت فإلى نصف الليل فإن نمت فلا نامت عيناك وفي رواية فلا تكن من الغافلين. والحاصل أن الشافعي - رضي الله تعالى عنه - يختار أداء الصلاة في أول الوقت لقوله - عليه الصلاة والسلام - «أول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله» والعفو يكون بعد التقصير، ولأن فيه إحراز الفضيلة قبل أن يعترض عليه عذر يعجزه عن إحرازها وأصحابنا اختاروا التأخير ففيه انتظار للصلاة وقال - صلى الله عليه وسلم - «المنتظر للصلاة في الصلاة ما دام ينتظرها» وفي التأخير تكثير الجماعة أيضا وفيه تقليل النوم فهو أفضل، وما كان امتداد الوقت إلا للتيسير، وفي التأخير إظهار معنى التيسير وهو الذي أشار إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله «وآخره عفو الله» فالمراد بالعفو الفضل قال تعالى {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} [البقرة: 219] ولا يجوز أن يحمل العفو هاهنا على التجاوز عن التقصير فقد ذكر في إمامة جبريل - عليه السلام - تأخير الأداء للصلاة في اليوم الثاني إلى آخر الوقت وما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقصد إلى شيء يكون فيه تقصير فإن الزلة التي تجوز على الأنبياء - صلوات الله عليهم أجمعين - ما تكون من غير تقصير قال (وفي يوم الغيم المستحب تأخير الفجر والظهر والمغرب وتعجيل العصر والعشاء) وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى التأخير في جميع الصلوات في يوم الغيم أفضل ووجهه أنه أقرب إلى الاحتياط فأداء الصلاة في وقتها أو بعد ذهابه يجوز ولا يجوز أداؤها قبل دخول الوقت. ووجه ظاهر الرواية أن في الفجر المستحب التأخير؛ لأنه لو عجل بها لم يأمن أن يقع قبل طلوع الفجر الثاني ولأن الناس يلحقهم الحرج في التعجيل عند الظلمة بسبب الغيم فيؤخر ليكون فيه تكثير الجماعة وكذلك في الظهر يؤخر لكي لا يقع قبل الزوال ويعجل العصر لكي لا يقع في حال تغيير الشمس ويؤخر المغرب لكي لا يقع قبل غروب الشمس وتعجل العشاء لدفع الحرج عن الناس فإنهم يتضررون بالمطر يأخذهم قبل الرجوع إلى منازلهم وعند الغيم ينتظر المطر ساعة فساعة فتعجل العشاء لينصرفوا إلى منازلهم قبل أن يمطروا قال (ولا يجمع بين صلاتين في وقت إحداهما في حضر ولا في سفر) ما خلا عرفة ومزدلفة فإن الحاج يجمع بين الظهر والعصر بعرفات فيؤديهما في وقت الظهر وبين المغرب والعشاء بمزدلفة فيؤديها في وقت العشاء، عليه اتفق رواة نسك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه فعله وفيما سوى هذين الموضعين لا يجمع بينهما وقتا عندنا، وقال الشافعي - رحمه الله: يجمع بينهما لعذر السفر والمطر، وقال مالك: - رحمه الله - ولعذر المرض أيضا. وهو أحد قولي الشافعي - رحمه الله تعالى - وقال أحمد بن حنبل يجوز الجمع بينهما في الحضر من غير عذر السفر واحتجوا بحديث معاذ «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الظهر والعصر في سفره إلى تبوك» وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجمع بين الصلاتين إذا جد به السفر» وعن «ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال صلينا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبعا جمعا وثمانيا جمعا» فالمراد بالسبع المغرب والعشاء وبالثمان الظهر والعصر وعن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أيضا قال «جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير عذر». (ولنا) قوله تعالى {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} [البقرة: 238] أي في مواقيتها وقال تعالى {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} [النساء: 103] أي فرضا مؤقتا وعن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «من جمع بين صلاتين في وقت واحد فقد أتى بابا من الكبائر» وقال عمر - رضي الله تعالى عنه - إن من أكبر الكبائر الجمع بين الصلاتين فكما لا يجمع بين العشاء والفجر ولا بين الفجر والظهر لاختصاص كل واحد منهما بوقت منصوص عليه شرعا فكذلك الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء. وتأويل الأخبار أن الجمع بينهما كان فعلا لا وقتا وبه نقول، وبيان الجمع فعلا أن المسافر يؤخر الظهر إلى آخر الوقت ثم ينزل فيصلي الظهر ثم يمكث ساعة حتى يدخل وقت العصر فيصليها في أول الوقت وكذلك يؤخر المغرب إلى آخر الوقت ثم يصليها في آخر الوقت والعشاء في أول الوقت فيكون جامعا بينهما فعلا. الدليل عليه حديث «نافع قال خرجنا مع ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - من مكة فاستصرخ بامرأته فجعل يسير حتى غربت الشمس فنادى الركب الصلاة فلم يلتفت إليهم حتى إذا دنا غيبوبة الشفق نزل فصلى المغرب ثم مكث حتى غاب الشفق ثم صلى العشاء ثم قال هكذا كان يفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جد به السير» وعن علي - رضي الله تعالى عنه - أنه فعل مثل ذلك في بعض أسفاره صلى المغرب في آخر الوقت والعشاء في أوله وتعشى بينهما، وفي الحقيقة تنبني هذه المسألة على أصل وهو أن عنده بين الظهر والعصر تداخلا حتى إذا بلغ الصبي أو أسلم الكافر في وقت العصر يلزمهما قضاء الظهر وكذلك المغرب مع العشاء وعندنا لا تداخل بل كل واحد منهما مختص بوقته ودليلنا ما روينا لا يدخل وقت صلاة حتى يخرج وقت الأخرى قال (ووقت الوتر من حين يصلي العشاء إلى الفجر والأفضل تأخيرها إلى آخر الليل) لحديث خارجة بن حذافة - رضي الله تعالى عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «إن الله تعالى أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم ألا وهي الوتر فصلوها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر» «وقالت عائشة - رضي الله تعالى عنها - من كل الليل أوتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أوله وأوسطه وآخره وانتهى وتره إلى السحر» وقال - صلى الله عليه وسلم - «صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشيت الصبح فأوتر يوتر لك ما قبله» «وكان أبو بكر - رضي الله تعالى عنه - يوتر من أول الليل وعمر - رضي الله تعالى عنه - من آخر الليل وقال - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر - رضي الله تعالى عنه - أخذت بالثقة ولعمر - رضي الله تعالى عنه - أخذت بفضل القوة». (فإن أوتر في وقت العشاء قبل أن يصلي العشاء وهو ذاكر لذلك لم يجزه بالاتفاق) لأنه أداها قبل وقتها أو ترك الترتيب المأمور به من بناء الوتر على العشاء. فأما إذا صلى العشاء بغير وضوء وهو لا يعلم به ثم جدد الوضوء فأوتر ثم علم أنه كان صلى العشاء بغير وضوء فعليه إعادة العشاء دون الوتر في قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى -؛ لأن الترتيب كان ساقطا عنه بعذر النسيان وعندهما يلزمه إعادة الوتر؛ لأن عندهما دخول وقت الوتر بعد أداء العشاء على وجه الصحة ولم يوجد فكان مصليا قبل وقته وعند أبي حنيفة - رحمه الله - يدخل وقت الوتر بدخول وقت العشاء إنما كان عليه مراعاة الترتيب وقد سقط ذلك بالنسيان، وإنما ينبني هذا على اختلافهم في صفة الوتر فعند أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - واجب أو فرض فلا يكون تبعا للعشاء وعندهما سنة فكان تبعا للعشاء وسيأتي بيان هذا الفصل قال (ولا يتطوع بعد طلوع الفجر إلا بركعتي الفجر إلى أن تطلع الشمس وترتفع) واعلم بأن الأوقات التي تكره فيها الصلاة خمسة ثلاثة منها لا يصلى فيها جنس الصلوات عند طلوع الشمس إلى أن تبيض وعند غروبها إلا عصر يومه فإنه يؤديها عند الغروب والأصل فيه حديث «عقبة بن عامر - رضي الله تعالى عنه - قال ثلاث ساعات نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا عند طلوع الشمس حتى ترتفع وعند زوالها حتى تزول وحين تضيف للغروب حتى تغرب». ![]()
__________________
|
|
#6
|
||||
|
||||
![]() الكتاب: المبسوط فى الفقه الحنفى المؤلف: محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي (ت ٤٨٣ هـ) عدد الأجزاء: ٣١ (الأخير فهارس) المجلد الاول صـــ 151 الى صـــ 160 (16) وفي حديث الصنابحي «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وقال إنها تطلع بين قرني الشيطان كأن الشيطان يزينها في عين من يعبدونها حتى يسجدوا لها فإن ارتفعت فارقها فإذا كان عند قيام الظهيرة قارنها فإذا مالت فارقها فإذا دنت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها فلا تصلوها في هذه الأوقات»، وفي حديث «عمر بن عنبسة قال قلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - هل من الليل والنهار ساعة لا يصلى فيها فقال إذا صليت المغرب فالصلاة مشهودة مقبولة إلى أن تصلي الفجر ثم أمسك حتى تطلع الشمس ثم الصلاة مشهودة مقبولة إلى وقت الزوال ثم أمسك فإنها ساعة تسعر فيها جهنم ثم الصلاة مشهودة مقبولة إلى أن تصلي العصر ثم أمسك حتى تغرب الشمس» والأمكنة في هذا النهي سواء عندنا لعموم الآثار. وقال الشافعي لا بأس بالصلاة في هذه الأوقات بمكة لحديث روي «إلا بمكة» ولم تثبت هذه الزيادة عندنا؛ لأنها شاذة فلا تعارض المشاهير، وعن أبي يوسف - رحمه الله تعالى - أنه قال: لا بأس بالصلاة في هذه الأوقات وقت الزوال يوم الجمعة وقد روي شاذا إلا يوم الجمعة به أخذ أبو يوسف وقال للناس بلوى في تحية المسجد عند الزوال يوم الجمعة فالآثار التي روينا توجب الكراهة في الكل، ثم كل وقت ينهى فيه عن عبادة لا يختلف الحال فيه بين الجمعة وغيرها وبين مكة وغيرها كالنهي عن الصوم في يوم العيد وفي هذه الأوقات الثلاثة لا تؤدى الفرائض عندنا. وقال الشافعي: النهي عن أداء النوافل، فأما الفرائض فلا بأس بأدائها في هذه الأوقات لقوله - صلى الله عليه وسلم - «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها». (ولنا) حديث «ليلة التعريس فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما نزل آخر الليل قال من يكلؤنا الليلة فقال بلال أنا فناموا فما أيقظهم إلا حر الشمس وفي رواية انتبهوا وقد بدا حاجب الشمس فقال - عليه الصلاة والسلام - لبلال أين ما وعدتنا قال ذهب بنفسي الذي ذهب بنفوسكم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرواحنا بيد الله تعالى وأمرهم فانتقلوا عن ذلك الوادي ثم نزلوا فأوتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم أذن بلال فصلى ركعتي الفجر ثم قام فصلى بهم قضاء» وإنما انتقل من ذلك الوادي؛ لأنه تشاءم والأصح أنه أراد أن ترتفع الشمس فلو جاز الفجر المكتوبة في حال طلوع الشمس لما أخر بعد الانتباه والآثار المروية في النهي عامة في جنس الصلوات وبها يثبت تخصيص هذه الأوقات من الحديث الذي رواه الخصم. قال (ولا يصلى في هذه الأوقات على الجنازة أيضا) لقوله «وأن نقبر فيهن موتانا» فليس المراد به الدفن؛ لأن ذلك جائز بالاتفاق ولكنه كناية عن الصلاة على الجنازة أيضا. قال (ولا يسجد فيهن للتلاوة أيضا) ؛ لأن الكراهة للتحرز عن التشبه بمن يعبد الشمس والتشبه يحصل بالسجود، والنهي عن الصلاة على الجنازة وعن سجدة التلاوة في هذه الأوقات مروي عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - ولو أدى سقط عنه؛ لأن الوجوب في هذا الوقت والنهي ليس لمعنى في عين السجود والصلاة فلا يمنع الجواز (إلا عصر يومه فإنه يؤديها عند غروب الشمس) لأن هذا الوقت سبب لوجوبها حتى لو أسلم الكافر أو بلغ الصبي في هذا الوقت يلزمه أداؤها فيستحيل أن يجب عليه الأداء في هذا الوقت ويكون ممنوعا من الأداء وعلى هذا لو غربت الشمس وهو في خلال العصر يتم الصلاة بالاتفاق، ولو طلعت الشمس وهو في خلال الفجر فسدت صلاته عندنا، وعند الشافعي لا تفسد اعتبارا بحالة الغروب واستدل بقوله - عليه الصلاة والسلام - «من أدرك ركعة من الفجر قبل طلوع الشمس فقد أدرك». والفرق بينهما عندنا أن بالغروب يدخل وقت الفرض فلا يكون منافيا للفرض وبالطلوع لا يدخل وقت الفرض فكان مفسدا للفرض كخروج وقت الجمعة في خلالها مفسد للجمعة؛ لأنه لا يدخل وقت مثلها، قال والأصح عندي في الفرق أن الطلوع بظهور حاجب الشمس وبه لا تنتفي الكراهة بل تتحقق فكان مفسدا للفرض، والغروب بآخره وبه تنتفي الكراهة فلم يكن مفسدا للعصر لهذا، وتأويل الحديث أنه لبيان الوجوب بإدراك جزء من الوقت قل أو كثر، وعن أبي يوسف أن الفجر لا يفسد بطلوع الشمس ولكنه يصبر حتى إذا ارتفعت الشمس أتم صلاته وكأنه استحسن هذا ليكون مؤديا بعض الصلاة في الوقت ولو أفسدناها كان مؤديا جميع الصلاة خارج الوقت وأداء بعض الصلاة في الوقت أولى من أداء الكل خارج الوقت. ووقتان آخران ما بعد العصر قبل تغير الشمس وما بعد صلاة الفجر قبل طلوع الشمس فإنه لا يصلى فيهما شيء من النوافل لحديث «ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس» وهذا الحديث يرويه أبو سعيد الخدري ومعاذ ابن عفراء - رضوان الله عليهم - وجماعة ولكن يجوز أداء الفريضة في هذين الوقتين وكذلك الصلاة على الجنازة وسجدة التلاوة، إنما النهي عن التطوعات خاصة ألا ترى أنه يؤدى فرض الوقت فيهما فكذلك سائر الفرائض فأما الصلوات التي لها سبب من العباد كركعتي الطواف وركعتي تحية المسجد لا تؤدى في هذين الوقتين عندنا خلافا للشافعي - رحمه الله تعالى - واستدل بقوله - صلى الله عليه وسلم - «إذا دخل أحدكم المسجد فليحيه بركعتين» «ورأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ما صلى في مسجد الخيف رجلين لم يصليا معه فقال ما بالكما لم تصليا معنا فقالا إنا صلينا في رحالنا فقال إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما إمام قوم فصليا معهم» فقد جوز لهما الاقتداء بالإمام بعد الفجر تطوعا. (ولنا) ما روي أن عمر - رضي الله تعالى عنه - طاف بالبيت سبعا بعد صلاة الفجر ثم خرج من مكة حتى إذا كان بذي طوى فطلعت الشمس صلى ركعتين فقال ركعتان مكان ركعتين فقد أخر ركعتي الطواف إلى ما بعد طلوع الشمس. وتأويل الحديث الذي روي أنه كان قبل النهي عن الصلاة في هذا الوقت. فكذلك المنذورة لا تؤدى في هذين الوقتين؛ لأن وجوبها بسبب من العبد فهي كالتطوع وركعتي الطواف، وكذلك بعد طلوع الفجر قبل أن يصلي الفجر لا يصلي تطوعا إلا ركعتي الفجر؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يتطوع في هذا الوقت مع حرصه على الصلاة حتى كان يقول وجعلت قرة عيني في الصلاة. (فإن قيل) لم يذكر في هذا الكتاب وقتا آخر وهو بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب والتطوع فيه مكروه أيضا (قلنا) نعم ولكن هذا النهي ليس لمعنى في الوقت بل لما فيه من تأخير المغرب كالنهي عن الصلاة عند الخطبة ليس لمعنى بل لما فيه من الاشتغال عن سماع الخطبة فلهذا لم يذكره هنا قال (وإذا نسي الفجر حتى زالت الشمس ثم ذكرها بدأ بها ولو بدأ بالظهر لم يجزه عندنا) لأن الترتيب بين الفائتة وفرض الوقت مستحق عندنا وهو مستحب عند الشافعي - رحمه الله تعالى - فإذا بدأ بالظهر جاز عنده؛ لأن ما بعد زوال الشمس وقت للظهر بالآثار المشهورة وأداء الصلاة في وقتها يكون صحيحا كما إذا كان ناسيا للفائتة ثم الترتيب في أداء الصلوات في أوقاتها لضرورة الترتيب في أوقاتها وذلك لا يوجد في الفوائت؛ لأنها صارت مرسلة عن الوقت ثابتة في الذمة فكان قياس قضاء الصوم مع الأداء. (ولنا) قوله - صلى الله عليه وسلم - «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها» فقد جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقت التذكر وقتا للفائتة فمن ضرورتها أن لا يكون وقتا لغيرها، وأداء الصلاة قبل وقتها لا يجوز بخلاف حالة النسيان فإنه ليس بوقت للفائتة فكان وقتا لفرض الوقت. ثم القضاء بصفة الأداء فكما يراعى الترتيب بين الفجر والظهر أداء في الوقت فكذلك قضاء بعد خروج الوقت والأصل فيه حديث ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال - صلى الله عليه وسلم - «من نسي صلاة فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فليصل معه وليجعلها تطوعا ثم ليقض ما ذكره ثم ليعد ما كان فيه» وبعين هذا نقول. وفيه تنصيص على أن الترتيب شرط ثم يسقط الترتيب بثلاثة أشياء: أحدها: النسيان لما روي «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى المغرب يوما ثم قال هل رآني أحد منكم صليت العصر فقالوا لا فصلى العصر ولم يعد المغرب». والثاني: ضيق الوقت حتى إذا كان بحيث لو اشتغل بالفائتة خرج الوقت قبل أداء فرض الوقت فليس عليه مراعاة الترتيب؛ لأنه ليس من الحكمة تدارك الفائتة بتفويت مثلها ولو اشتغل بالفائتة فإنه فرض الوقت ولكن هنا في هذا الفصل لو بدأ بالفائتة أجزأه بخلاف الأول فإن هناك هو مأمور بالبداءة بالفائتة ولو بدأ بفرض الوقت لم يجزه؛ لأن النهي عن البداءة بفرض الوقت هناك لمعنى في عينها ألا ترى أنه ينهى عن الاشتغال بالتطوع أيضا والنهي متى لم يكن لمعنى في عين المنهي عنه لا يمنع جوازه. والثالث: كثرة الفوائت فإنه يسقط به الترتيب عندنا وحد الكثرة أن تصير الفوائت ستا؛ لأن واحدة منها تصير مكررة وهذا يرجع إلى ضيق الوقت أيضا فلو أمرناه بمراعاة الترتيب مع كثرة الفوائت لفاته فرض الوقت عن وقته، وعن زفر أنه تلزمه مراعاة الترتيب في صلاة شهر فكأنه جعل حد الكثرة بأن يزيد على شهر وكان بشر المريسي يقول من ترك صلاة لم يجزه صلاة في عمره بعد ذلك ما لم يقضها إذا كان ذاكرا لها؛ لأن كثرة الفوائت تكون عن كثرة تفريطه فلا يستحق به التخفيف، ثم عند كثرة الفوائت كما لا تجب مراعاة الترتيب بينها وبين فرض الوقت لا يجب مراعاة الترتيب فيما بين الفوائت. وعند قلة الفوائت يجب لما روي «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شغل عن أربع صلوات يوم الخندق فقضاهن بعد هوي من الليل مرتبا ثم قال صلوا كما رأيتموني أصلي» وروى ابن سماعة عن محمد - رحمه الله تعالى - أن بدخول وقت السادسة لا تجب مراعاة الترتيب وجعل أول وقت السادسة كآخره وهذا لا يصح فبدخول وقت السادسة لا تدخل الفوائت في حد التكرار وإنما تدخل الفوائت في حد التكرار بخروج وقت السادسة قال (وإن ذكر الوتر في الفجر فسد فرضه إذا كان الوقت واسعا) في قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - وعندهما لا يفسد؛ لأن الوتر أضعف من الفجر والضعيف لا يفسد القوي واستدل أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - بقوله - صلى الله عليه وسلم - «من نام عن الوتر أو نسيه فليصله إذا ذكره فإن ذلك وقته» فقد ذكر في الوتر ما ذكر في سائر المكتوبات فدل على وجوب الترتيب بين الوتر والمكتوبة، ولا يبعد إفساد القوي بما هو أضعف منه لمراعاة الترتيب كالمصلي إذا قعد قدر قعدة التشهد ثم تذكر سجدة التلاوة فسجد لها تبطل القعدة، والسجدة أضعف من القعدة وفي الحقيقة هذه المسألة تنبني على معرفة صفة الوتر فنقول: لا خلاف بيننا أن الوتر أقوى من سائر السنن حتى أنها تقضى إذا انفردت بالفوات ألا ترى «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ليلة التعريس بدأ بقضاء الوتر والذي روي» لا وتر بعد الصبح المراد النهي عن تأخيرها لا نفي قضائها وكذلك تقضى بعد صلاة الفجر قبل طلوع الشمس فدل أنها أقوى من السنن وهي دون الفرائض حتى لا يكفر جاحدها ولا يؤذن لها ولا تصلى بالجماعة إلا في شهر رمضان واختلفوا وراء هذا فروى حماد بن زيد عن أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - أن الوتر فريضة وروى يوسف بن خالد السمتي عنه أنها واجبة وهو الظاهر من مذهبه وروى أسد بن عمرو عنه أنها سنة مؤكدة وهو قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى وحجتهما حديث «الأعرابي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علمه خمس صلوات في اليوم والليلة فقال هل علي غيرهن فقال لا إلا أن تطوع»، وروي «أن رجلا من الأنصار يقال له أبو محمد قال الوتر فريضة فبلغ ذلك عبادة بن الصامت فقال كذب أبو محمد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول فرض الله على عباده في اليوم والليلة خمس صلوات». وقال علي الوتر سنة وليس بحتم وفي القرآن إشارة إلى ما قلنا فإن الله تعالى قال {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} [البقرة: 238] ولن تتحقق الوسطى إلا إذا كان عدد الواجبات خمسا وأبو حنيفة - رحمه الله تعالى - استدل بحديث أبي بسرة الغفاري - رضي الله تعالى عنه - «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال إن الله تعالى زادكم صلاة ألا وهي الوتر فصلوها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر» فبهذا تبين أن وجوب الوتر كان بعد سائر المكتوبات؛ لأنه قال زادكم وأضاف إلى الله تعالى لا إلى نفسه والسنن تضاف إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكذلك الزيادة إنما تتحقق في الواجبات؛ لأنها محصورة بعدد النوافل فإنها لا نهاية لها وقال ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - الوتر ثلاث ركعات كالمغرب وفي رواية وتر الليل كوتر النهار ثم وتر النهار واجب فكذلك وتر الليل. وفي اتفاق الصحابة - رضوان الله عليهم - على تقدير التراويح بعشرين ركعة دليل على أن الواجبات في اليوم والليلة عشرون ركعة وذلك لا يكون إلا إذا كان الوتر واجبا، غير أن وجوب الوتر ثبت بدليل موجب للعمل غير موجب علم اليقين فلهذا لا يكفر جاحده وتحط رتبته بسائر المكتوبات فلا يسمى فرضا مطلقا أما الفرض خمس صلوات كما ذكروا من الآثار فيه والفرق بين الفرض والواجبات ظاهر عندنا قال (فإن افتتح تطوعا ثم تذكر فائتة عليه لم يفسد تطوعه) لأن وجوب مراعاة الترتيب مختص بالواجبات فإنها مؤقتة دون التطوعات، ولو تذكر فائتة في خلال الفرض انقلبت صلاته تطوعا فإذا تذكر في التطوع لأن يبقى تطوعا كان أولى قال (والتطوع قبل الظهر أربع ركعات لا فصل بينهن وبعدها ركعتان) ومراده السنة ولكنه في الكتاب يسمي السنن تطوعات والأصل في سنن الصلاة حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من ثابر على ثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة بنى الله له بيتا في الجنة ركعتين قبل الفجر وأربعا قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء» وفي حديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - ذكر عشر ركعات ركعتين قبل الظهر وفي حديث ابن عمر ذكر ثنتي عشرة ركعة ولكن ذكر أربعا قبل الظهر بتسليمتين وبه أخذ الشافعي - رحمه الله تعالى - ونحن أخذنا بحديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - وقلنا الأربع قبل الظهر بتسليمة واحدة لحديث «أبي أيوب الأنصاري قال كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي بعد الزوال أربع ركعات فقلت: ما هذه الصلاة التي تداوم عليها؟ فقال: هذه ساعة تفتح فيها أبواب السماء فأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح. فقلت: أفي كلهن قراءة؟ فقال: نعم. فقلت: أبتسليمة واحدة أم بتسليمتين؟ فقال: بتسليمة واحدة» (فأما قبل العصر فإن تطوع بأربع ركعات فهو حسن) لحديث أم حبيبة - رضي الله تعالى عنها - قالت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من صلى قبل العصر أربع ركعات كانت له جنة من النار» ولا تطوع بعدها والذي روي «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بعد العصر في بيت أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - ركعتين فسألته أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - فقال: ركعتان بعد الظهر شغلني الوفد عنهما فقضيتهما. فقالت أنقضيهما نحن؟ فقال: لا» (وكذلك لا تطوع بعد غروب الشمس قبل المغرب وبعده ركعتان) لما ذكرنا من الآثار (وإن تطوع بعد المغرب بست ركعات فهو أفضل) لحديث ابن عمر - رضي الله تعالى عنه - قال قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «من صلى بعد المغرب ست ركعات كتب من الأوابين وتلا قوله تعالى {فإنه كان للأوابين غفورا} [الإسراء: 25] » ولم يذكر التطوع قبل العشاء، وإن تطوع بأربع ركعات فحسن؛ لأن العشاء نظير الظهر من حيث أنه يجوز التطوع قبلها وبعدها (فأما التطوع بعد العشاء فركعتان فيما روينا من الآثار وإن صلى أربعا فهو أفضل) لحديث ابن عمر - رضي الله عنه - موقوفا عليه ومرفوعا «من صلى بعد العشاء أربع ركعات كن له كمثلهن من ليلة القدر» (فأما قبل الفجر فركعتان) اتفقت الآثار عليهما وهو أقوى السنن لحديث عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها» وعن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - في تأويل قوله تعالى {وأدبار السجود} [ق: 40] أنه الركعات بعد المغرب قال (ويكره الكلام بعد انشقاق الفجر إلى أن يصلي الفجر الأخير) لما روي «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في سفر مع أصحابه والحادي يحدو فلما طلع الفجر قال أمسك فإنها ساعة ذكر» وكان الكلام عزيزا على ابن مسعود في هذا الوقت أي شديدا ولأن هذه ساعة يشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار جاء في تأويل قوله تعالى {إن قرآن الفجر كان مشهودا} [الإسراء: 78] أنه يشهده ملائكة الليل والنهار فلا ينبغي أن يشهدوهم إلا على خير قال (والتطوع بعد الجمعة أربع لا فصل بينهن إلا بتشهد وقبل الجمعة أربع) أما قبل الجمعة فلأنها نظير الظهر والتطوع قبل الظهر أربع ركعات، وفي حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتطوع قبل الجمعة أربع ركعات» واختلفوا بعدها قال ابن مسعود - رضي الله عنه - أربعا وبه أخذ أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لحديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «من كان مصليا بعد الجمعة فليصل أربع ركعات» وقال علي - رضي الله عنه - يصلي بعدها ستا أربعا ثم ركعتين وبه أخذ أبو يوسف - رحمه الله - وقال عمر ركعتين ثم أربعا فمن الناس من رجح قول عمر بالقياس على التطوع بعد الظهر وأبو يوسف - رحمه الله - أخذ بقول علي - رضي الله عنه - فقال يبدأ بالأربع لكي لا يكون متطوعا بعد الفرض مثلها وهذا ليس بقوي فإن الجمعة بمنزلة أربع ركعات؛ لأن الخطبة شطر الصلاة قال (ولا صلاة قبل صلاة العيد) «فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يتطوع قبل العيد مع حرصه على الصلاة ولما قدم علي الكوفة خرج يوم العيد فرأى بعض الناس في الصلاة فقال: ما لهم أيصلون العيد قبلنا؟ قيل: لا ولكنهم يتطوعون. فقال: ألا أحد ينهاهم؟ قيل له: انههم أنت. فقال: إني أحتشم قوله تعالى {أرأيت الذي ينهى} [العلق: 9] {عبدا إذا صلى} [العلق: 10] فنهاهم بعض الصحابة» وكان محمد بن المقاتل الرازي يقول: إنما يكره له ذلك في المصلى لكي لا يشبه على الناس فأما في بيته فلا بأس بأن يتطوع بعد طلوع الشمس، وغيره من أصحابنا يقول: لا يفعل ذلك في بيته ولا في المصلى فأول الصلاة بعد طلوع الشمس في هذا اليوم صلاة العيد قال (وإن تطوع بعدها بأربع ركعات بتسليمة فحسن) لحديث علي - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من صلى بعد العيد أربع ركعات كتب الله له بكل نبت نبت وبكل ورقة حسنة» قال (وطول القيام أحب إلي من كثرة السجود) لما روي «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن أفضل الصلاة فقال طول القنوت وسئل عن أفضل الأعمال فقال أحمزها» أي أشقها على البدن وطول القيام أشق ولأن فيه جمعا بين فرضين القيام والقراءة وكل واحد منهما فرض، وعن أبي يوسف - رحمه الله تعالى - قال: إن كان له ورد من القرآن يقرؤه فكثرة السجود أحب إلي وأفضل؛ لأنه يقرأ فيه ورده لا محالة وإن لم يكن فطول القيام أحب. قال: (والتطوع بالليل ركعتان ركعتان أو أربع أربع أو ست ست أو ثمان ثمان أي ذلك شئت) لما روي «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بالليل خمس ركعات سبع ركعات تسع ركعات إحدى عشرة ركعة ثلاث عشرة ركعة». الذي قال خمس ركعات ركعتان صلاة الليل وثلاث وتر الليل، والذي قال تسع ست صلاة الليل وثلاث وتر، والذي قال ثلاث عشرة ركعة ثمان صلاة الليل وثلاث وتر وركعتان سنة الفجر، وكان يصلي هذا كله في الابتداء ثم فضل البعض عن البعض هكذا ذكره حماد بن سلمة ولم يذكر كراهة الزيادة على ثمان ركعات بتسليمة والأصح أنه لا يكره؛ لأن فيه وصلا بالعبادة وذلك أفضل. ثم قال (والأربع أحب إلي) وهذا قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - فأما عندهما والشافعي فالأفضل ركعتان لحديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «صلاة الليل مثنى مثنى ففي كل ركعتين فسلم» واستدلالا بالتراويح فإن الصحابة اتفقوا على أن كل ركعتين منها بتسليمة فدل أن ذلك أفضل (ولنا) ما روي «عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أنها سئلت عن قيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ليالي رمضان فقالت كان قيامه في رمضان وغيره سواء كان يصلي بعد العشاء أربع ركعات لا تسل عن حسنهن وطولهن ثم أربعا لا تسل عن حسنهن وطولهن ثم كان يوتر بثلاث» ولأن في الأربع بتسليمة معنى الوصل والتتابع في العبادة فهو أفضل والتطوع نظير الفرائض والفرض في صلاة الليل العشاء وهي أربع بتسليمة فكذلك النفل، وأما قوله «ففي كل ركعة فسلم» معناه فتشهد والتشهد يسمى سلاما لما فيه من السلام وصلاة التراويح إنما جعلوها ركعتين بتسليمة واحدة ليكون أروح على البدن وما يشترك فيه العامة يبنى على اليسر فأما الأفضل فهو أشق على البدن (وأما تطوع النهار فالأفضل أربع ركعات بتسليمة) عندنا على قياس الفرائض في صلاة النهار ولحديث ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يواظب في صلاة الضحى على أربع ركعات» وعند الشافعي - رحمه الله تعالى - الأفضل ركعتان بتسليمة لما فيها من زيادة التكبير والتسليم ولحديث عمارة بن رويبة «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفتتح صلاة الضحى بركعتين» وإنما بدأ بما هو أفضل. وتأويل الأثر الذي جاء لا يصلي بعد صلاة مثلها في ترك القراءة في الأخريين وهذا الأثر مروي عن عمر وعلي وابن مسعود - رضي الله تعالى عنهم - وبظاهره أخذ الشافعي فقال الأربع قبل الظهر بتسليمتين لكي لا يكون مصليا بعد صلاة مثلها وكذلك بعد العشاء يتطوع بركعتين لهذا، ونحن نقول: المراد صفة القراءة لا عدد الركعات فإن في الفرض القراءة في ركعتين بفاتحة الكتاب وسورة وفي النفل في كل ركعة، ألا ترى أن التطوع قبل الفجر ركعتان والمخالفة في صفة القراءة بالتطويل في الفرض دون السنة لا في عدد الركعات قال (رجل افتتح التطوع ينوي أربع ركعات ثم تكلم فعليه قضاء ركعتين) في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى؛ لأن كل شفع من التطوع صلاة على حدة ألا ترى أن فساد الشفع الثاني لا يوجب فساد الشفع الأول فلا يصير شارعا في الشفع الثاني ما لم يفرغ من الأول وبدون الشروع أو النذر لا يلزمه شيء وعن أبي يوسف - رحمه الله تعالى - في رواية ابن سماعة أنه يلزمه الأربع ولا يلزمه أكثر من أربع ركعات وإن نواها وفي رواية بشر بن أبي الأزهر يلزمه ما نوى وإن نوى مائة ركعة. ووجهه أن الشروع ملزم كالنذر فنيته عند الشروع كتسميته عند النذر فيلزمه ما نوى. ووجه الرواية الأخرى أن التطوع نظير الفرائض وأربع بالتسليمة مشروع في الفرائض فيلزمه بالشروع في التطوع بخلاف ما زاد عليه وبعض المتأخرين من أصحابنا اختاروا قوله فيما يؤدى من الأربع بتسليمة كالأربع قبل الظهر ونحوها قال (فإن صلى أربع ركعات بغير قراءة فعليه قضاء ركعتين) في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وفي قول أبي يوسف - رحمه الله تعالى - عليه قضاء الأربع قال؛ لأن ترك القراءة لا يفسد التحريمة ألا ترى أن ابتداء التحريمة صحيح قبل مجيء أوان القراءة فصح قيامه إلى الشفع الثاني وقد أفسد كل واحد منهما بترك ما هو ركن وهو القراءة فيلزمه قضاء الكل وأما عند محمد - رحمه الله - فالتحريمة تنحل بترك القراءة في الأوليين؛ لأن مع صفة الفساد لا بقاء لتحريمة الصلاة فلا يصح قيامه إلى الشفع الثاني وعند أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - بصفة الفساد لا تنحل التحريمة ولكنها تضعف فقيامه إلى الشفع الثاني حصل بصفة الفساد والضعف فلا يكون ملزما إياه ما لم يؤكده كما قال في الشروع في صوم يوم النحر وهذه على ثمانية أوجه أحدها ما بينا والثاني إذا قرأ في الأوليين ولم يقرأ في الأخريين فعليه قضاء الأخريين؛ لأن شروعه في الشفع الثاني بعد إتمام الأول صحيح وقد أفسده بترك القراءة والثالث إذا قرأ في الأخريين دون الأوليين فعليه قضاء ركعتين. أما عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى فالتحريمة لم تنحل فصار شارعا في الشفع الثاني وقد أتمها فعليه قضاء ما أفسد وهو الشفع الأول، وعند محمد - رحمه الله تعالى - التحريمة انحلت بترك القراءة في الأوليين فعليه قضاؤها فقط والأخريان لا يكونان قضاء عن الأوليين؛ لأنه بناهما على تلك التحريمة والتحريمة الواحدة لا يتسع فيها القضاء والأداء، والرابع إذا قرأ في إحدى الأوليين وإحدى الأخريين فعند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى يلزمه قضاء أربع ركعات وعند محمد - رحمه الله تعالى - يلزمه قضاء ركعتين، ومحمد مر على أصله أن التحريمة انحلت بترك القراءة في إحدى الأوليين وأبو يوسف - رحمه الله تعالى - مر على أصله أن التحريمة باقية فصح شروعه في الشفع الثاني وقد أفسده فأما أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - فقد جرت محاورة بين أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى في مذهبه حتى عرض عليه الجامع الصغير فقال أبو يوسف رويت لك عنه أن عليه قضاء ركعتين وقال محمد - رحمه الله تعالى - بل رويت لي أن عليه قضاء أربع ركعات وقيل ما حفظه أبو يوسف - رحمه الله تعالى - هو قياس مذهبه؛ لأن التحريمة ضعفت بالفساد بترك القراءة في ركعة فلا يلزمه الشفع الثاني بالشروع فيه بهذه التحريمة والاستحسان ما حفظه محمد - رحمه الله تعالى -؛ لأن الشروع وإن حصل بصفة الفساد فقد أكده بوجود القراءة في ركعة فصار ذلك ملزما إياه لتأكده. والدليل على أن التأكد يحصل بالقراءة في ركعة قوله لا صلاة إلا بقراءة وبالقراءة في كل ركعة تكون صلاته بقراءة؛ ولهذا قال بعض العلماء: لا تجب القراءة في كل صلاة إلا في ركعة، والوجه الخامس قرأ في الأوليين وإحدى الأخريين فعليه قضاء ركعتين، ![]()
__________________
|
|
#7
|
||||
|
||||
![]() الكتاب: المبسوط فى الفقه الحنفى المؤلف: محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي (ت ٤٨٣ هـ) عدد الأجزاء: ٣١ (الأخير فهارس) المجلد الاول صـــ 161 الى صـــ 170 (17) والسادس قرأ في الأخريين وإحدى الأوليين فعليه قضاء ركعتين أيضا وهو ظاهر، والسابع قرأ في إحدى الأوليين فقط فعند أبي يوسف - رحمه الله تعالى - عليه قضاء أربع ركعات وعند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى عليه قضاء ركعتين؛ لأنه لم يؤكد الشفع الثاني بالقراءة في ركعة منها، والثامن قرأ في إحدى الأخريين فقط فعند أبي يوسف - رحمه الله تعالى - عليه قضاء أربع ركعات وعند محمد - رحمه الله تعالى - عليه قضاء ركعتين وهو الأصح عند أبي حنيفة - رحمه الله تعالى -؛ لأنه لم يؤكد الشفع الأول بالقراءة فلا يصح شروعه في الشفع الثاني، فإن ترك القراءة في الأوليين ثم اقتدى به رجل في الأخريين فصلاهما معه فعليه قضاء الأوليين كما يقضي الإمام؛ لأنه لما شارك الإمام في التحريمة فقد التزم ما التزمه الإمام بهذه التحريمة وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى، فأما عند محمد - رحمه الله تعالى - تحريمة الإمام قد انحلت فلم يصح اقتداء الرجل به وليس عليه قضاء شيء، وإن دخل معه في الأوليين رجل فلما فرغ منها تكلم الرجل ومضى الإمام في صلاته حتى صلى أربع ركعات فعلى الرجل الذي كان خلفه أن يقضي ركعتين وهما الأوليان فقط، وإن كانت الصلاة كلها صحيحة لم يكن على الرجل قضاء ركعتين؛ لأنه خرج من صلاة الإمام قبل قيام الإمام إلى الشفع الثاني وقد بينا أن الإمام إنما يلزمه الشفع الثاني بالقيام إليها، فإذا خرج هذا الرجل من صلاته قبل قيام الإمام إلى الشفع الثاني لم يلزمه شيء من هذا الشفع وإنما يلزمه قضاء الشفع الأول إن كان فسد بترك القراءة فيهما أو في إحداهما، وإن حصل أداؤهما بصفة الصحة فليس عليه قضاء شيء قال (ولو صلى الرجل الفجر ثم ذكر أنه لم يصل ركعتي الفجر لم يقضهما) في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى، وقال محمد - رحمه الله تعالى - أحب إلي أن يقضيهما إذا ارتفعت الشمس. أما سائر السنن إذا فاتت عن موضعها لم تقض عندنا خلافا للشافعي - رضي الله تعالى عنه - (ودليلنا) حديث «أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - حين قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنقضيها نحن؟ فقال لا» ولأن السنة عبارة عن الاقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما تطوع به وهذا المقصود لا يحصل بالقضاء بعد الفوات وهي مشروعة للفصل بين الأذان والإقامة فلا يحصل هذا بالقضاء بعد الفراغ من المكتوبة فأما سنة الفجر فلو فاتت مع الفجر قضاها معه استحسانا لحديث «ليلة التعريس فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى ركعتي الفجر ثم صلى الفجر» ولأن لهذه السنة من القوة ما ليس لغيرها. قال - صلى الله عليه وسلم - «صلوها فإن فيها الرغائب» وإن انفردت بالفوات لم تقض عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى؛ لأن موضعها بين الأذان والإقامة وقد فات ذلك بالفراغ من الفرض وعند محمد - رحمه الله تعالى - يقضيها إذا ارتفعت الشمس قبل الزوال هكذا روي عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - ولأن ما قبل الزوال في حكم أول النهار وعند الشافعي - رحمه الله تعالى - يقضيها قبل طلوع الشمس بناء على أصله في الصلوات التي لها سبب والله سبحانه وتعالى أعلم [باب القيام في الفريضة] قال محمد - رحمه الله تعالى - في الأصل: «بلغنا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال من أم قوما فليصل بهم صلاة أضعفهم فإن فيهم الكبير والمريض وذا الحاجة» وفي هذا دليل أنه لا ينبغي للإمام أن يطول القراءة على وجه يمل القوم لقوله - صلى الله عليه وسلم - «إن من الأئمة الطرادين» «ولما شكا قوم معاذا - رضي الله تعالى عنه - إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تطويل القراءة دعاه قال الراوي: فما رأيته في موعظة أشد منه في تلك الموعظة. قال: أفتان أنت يا معاذ قالها ثلاثا أين أنت من والسماء والطارق والشمس وضحاها» وقال - صلى الله عليه وسلم - «تكلفوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله تعالى لا يمل حتى تملوا» «وقال أنس - رضي الله تعالى عنه - ما صليت خلف أحد أتم وأخف مما صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» وروي «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ المعوذتين في صلاة الفجر يوما فلما فرغ قالوا أوجزت قال سمعت بكاء صبي فخشيت على أمه أن تفتن» فدل أن الإمام ينبغي له أن يراعي حال قومه قال (ويقرأ الإمام في الفجر في الركعتين جميعا بأربعين آية مع فاتحة الكتاب) يعني سواها وفي الجامع الصغير قال بأربعين خمسين ستين، وفي رواية الحسن عن أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - قال ما بين الستين إلى مائة آية وهذا لاختلاف الآثار فيه فعن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الفجر يوم الجمعة {الم} [السجدة: 1] {تنزيل} [السجدة: 2] السجدة وهل أتى على الإنسان» وعن «مورق العجلي قال: تلقفت سورة ق واقتربت من في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كثرة قراءته لهما في صلاة الفجر» وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - «أنه - صلى الله عليه وسلم - قرأ والمرسلات وعم يتساءلون في صلاة الفجر» وفي رواية إذا الشمس كورت وإذا السماء انفطرت وإن أبا بكر - رضي الله تعالى عنه - قرأ في الفجر سورة البقرة فلما فرغ قال له عمر كادت الشمس تطلع يا خليفة رسول الله فقال لو طلعت لم تجدنا غافلين وعمر - رضي الله تعالى عنه - قرأ في الفجر سورة يوسف فلما انتهى إلى قوله إنما أشكو بثي وحزني إلى الله خنقته العبرة فركع فلما اختلفت الآثار اختلفت الروايات فيه كما بينا ووجه التوفيق أن القوم إن كانوا من علية الرجال يرغبون في العبادة قرأ مائة آية كما في رواية الحسن وإن كانوا كسالى غير راغبين في العبادة يقرأ أربعين آية كما في الأصل وإن كانوا فيما بين ذلك يقرأ خمسين ستين كما في الجامع الصغير وقيل يبني على كثرة اشتغال القوم وقلة ذلك ويختلف ذلك باختلاف الأوقات، وقيل يبني على طول الليالي وقصرها، وقيل يبني على حال نفسه في الخفة والثقل وحسن الصوت، والحاصل أنه يتحرز عما ينفر القوم عنه لكي لا يؤدي إلى تقليل الجماعة ويقرأ في الظهر بنحو ذلك أو دونه لحديث «أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - حزرنا قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الظهر في الركعتين بثلاثين آية قال سجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الظهر فظننا أنه قرأ الم تنزيل السجدة»، وعن النعمان بن بشير «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في الجمعة سورة الجمعة والمنافقين، والقراءة في الظهر نحو القراءة في الجمعة» قال (ويقرأ في العصر بعشرين آية مع فاتحة الكتاب) لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وجابر بن سمرة - رضي الله تعالى عنهما - «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في العصر بعشرين آية سورة سبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية وفي العشاء مثل ذلك» في رواية الأصل، وفي رواية الحسن مثل قراءته في الظهر وفي المغرب بسورة قصيرة خمس آيات أو ستا مع فاتحة الكتاب لحديث عمر - رضي الله تعالى عنه - فإنه كتب إلى أبي موسى الأشعري - رضي الله تعالى عنه - أن اقرأ في الفجر والظهر بطوال المفصل وفي العصر والعشاء بأوساط المفصل وفي المغرب بقصار المفصل ومن أصحابنا من تكلف فيه لمعنى قال الفجر يؤدى في حال نوم الناس فيطول القراءة فيها لكي لا تفوتهم الجماعة وكذلك الظهر في الصيف فإن الناس يقيلون وأما العصر يؤدى في حال حاجة الناس إلى الرجوع إلى منازلهم فلتكن القراءة فيها دون ذلك وكذلك العشاء تؤدى في حال عزم الناس على النوم والمغرب تؤدى في حال عزم الناس على الأكل فلتكن القراءة فيها أقصر لقلة صبر الناس على الأكل خصوصا للصائمين [أحكام الوتر] قال (وما قرأ في الوتر من شيء فهو حسن) وقد بلغنا «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قرأ في الركعة الأولى من الوتر بسبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية بقل يا أيها الكافرون وفي الثالثة بقل هو الله أحد» [الفصل الأول عدد ركعات الوتر] والكلام فيه في فصول: (أحدها) أن الوتر ثلاث ركعات لا يسلم إلا في آخرهن عندنا، وقال الشافعي - رحمه الله - تعالى: ركعة واحدة وقال مالك - رحمه الله تعالى: ثلاث ركعات بتسليمتين واستدل الشافعي بقوله - عليه الصلاة والسلام - «إن الله وتر يحب الوتر فأوتروا يا أهل القرآن» ومالك استدل بحديث ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشيت الصبح فأوتر بركعة يوتر لك ما قبله» وكان سعد بن أبي وقاص - رضي الله تعالى عنه - يوتر بركعة واحدة. (ولنا) حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - كما روينا «في صفة قيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم يوتر بثلاث» «وبعث ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أمه لتراقب وتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت أنه أوتر بثلاث ركعات قرأ في الأولى سبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية قل يا أيها الكافرون وفي الثالثة قل هو الله أحد وقنت قبل الركوع» وهكذا ذكر ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - حين بات عند خالته ميمونة ليراقب وتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولما رأى عمر - رضي الله تعالى عنه - سعدا يوتر بركعة فقال ما هذه البتيراء لتشفعنها أو لأوذينك وإنما قال ذلك؛ لأن الوتر اشتهر «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن البتيراء» وقال ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - والله ما أخرت ركعة قط ولأنه لو جاز الاكتفاء بركعة في شيء من الصلوات لدخل في الفجر قصر بسبب السفر ولا حجة له فيما روي فإن الله تعالى وتر لا من حيث العدد. [الفصل الثاني القنوت في الوتر] (والفصل الثاني) أنه يقنت في الوتر في جميع السنة عندنا لما روينا وعند الشافعي - رضي الله تعالى عنه - لا يقنت إلا في النصف الأخير من رمضان لما روي أن عمر - رضي الله تعالى عنه - لما أمر أبي بن كعب بالإمامة في ليالي رمضان أمره بالقنوت في النصف الأخير منه وتأويله عندنا أن المراد بالقنوت طول القراءة لا القنوت في الوتر. (والثالث) أنه يقنت قبل الركوع عندنا لما روينا من الآثار ولأن القنوت في معنى القراءة فإن قوله اللهم إنا نستعينك مكتوب في مصحف أبي وابن مسعود في سورتين فالقراءة قبل الركوع فكذلك القنوت وعند الشافعي - رحمه الله تعالى - بعد الركوع ولا أثر له في قنوت الوتر في ذلك إنما الأثر في القنوت في صلاة الفجر فقاس به القنوت في الوتر قال (ولا قنوت في شيء من الصلوات سوى الوتر عندنا) وقال الشافعي - رحمه الله تعالى - يقنت في صلاة الفجر في الركعة الثانية بعد الركوع واستدل بحديث أنس - رضي الله تعالى عنه - «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقنت في صلاة الفجر إلى أن فارق الدنيا» وقد صح قنوته فيها فمن قال إنه انتسخ فعليه إثباته بالدليل، وقد صح أن عليا - رضي الله تعالى عنه - في حروبه كان يقنت على من ناواه في صلاة الفجر. (ولنا) حديث ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت في صلاة الفجر شهرا يدعو على حي من أحياء العرب ثم تركه»، وهكذا عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال «قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الفجر شهرا أو قال أربعين يوما يدعو على رعل وذكوان ويقول في قنوته اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف فلما نزل قوله تعالى {ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم} [آل عمران: 128] الآية ترك ذلك» وقال أبو عثمان النهدي - رضي الله تعالى عنه - صليت خلف أبي بكر سنين وخلف عمر كذلك فلم أر واحدا منهما يقنت في صلاة الفجر. ورووا القنوت ورووا تركه، كذلك ففعله المتأخر ينسخ فعله المتقدم وقد صح أنه كان يقنت في صلاة المغرب كما يقنت في صلاة الفجر ثم انتسخ أحدهما بالاتفاق فكذلك الآخر قال (وكان يقال مقدار القيام في القنوت إذا السماء انشقت وليس فيها دعاء مؤقت) يريد به سوى قوله اللهم إنا نستعينك، فالصحابة اتفقوا على هذا في القنوت، والأولى أن يأتي بعده بما «علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحسن بن علي - رضي الله تعالى عنهما - في قنوته اللهم اهدني فيمن هديت» إلى آخره والقراءة أهم من القنوت فإذا لم يؤقت في القراءة في شيء في الصلاة ففي دعاء القنوت أولى. وقد روي عن محمد - رحمه الله تعالى - التوقيت في الدعاء يذهب برقة القلب، ومشايخنا قالوا: مراده في أدعية المناسك، فأما في الصلاة إذا لم يؤقت فربما يجري على لسانه ما يفسد صلاته قال (ويرفع يديه حين يفتتح القنوت) للحديث المعروف «لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن في افتتاح الصلاة وقنوت الوتر وفي العيدين وعند استلام الحجر وعلى الصفا والمروة وبعرفات وبجمع وعند المقامين وعند الجمرتين» (ثم يكفيهما) قيل معناه يرسلهما ليكون حال الدعاء مخالفا لحال القراءة وقيل يضع إحداهما على الأخرى؛ لأن القنوت مشبه بالقراءة وهو الأصح فالوضع سنة القيام فكل قيام فيه ذكر فإنه يطول فالوضع فيه أولى، وعن محمد بن الحنفية - رضي الله تعالى عنه - قال الدعاء أربعة دعاء رغبة ودعاء رهبة ودعاء تضرع ودعاء خفية، ففي دعاء الرغبة يجعل بطون كفيه نحو السماء، وفي دعاء الرهبة يجعل ظهر كفيه إلى وجهه كالمستغيث من الشيء، وفي دعاء التضرع يعقد الخنصر والبنصر ويحلق بالإبهام والوسطى ويشير بالسبابة، ودعاء الخفية ما يفعله المرء في نفسه. وعلى هذا قال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - في الإملاء يستقبل بباطن كفيه القبلة عند افتتاح الصلاة واستلام الحجر وقنوت الوتر وتكبيرات العيد، ويستقبل بباطن كفيه السماء عند رفع الأيدي على الصفا والمروة وبعرفات وبجمع وعند الجمرتين؛ لأنه يدعو في هذه المواقف بدعاء الرغبة. والاختيار الإخفاء في دعاء القنوت في حق الإمام والقوم لقوله - صلى الله عليه وسلم - «خير الدعاء الخفي» وعن أبي يوسف - رحمه الله تعالى - إن الإمام يجهر والقوم يؤمنون على قياس الدعاء خارج الصلاة قال (وإذا أم الرجل نساء في مسجد جماعة ليس معهن رجل فلا بأس بذلك) لما روي عن عمر - رضي الله تعالى عنه - أنه أمر أبي بن كعب أن يصلي بالرجال في ليالي رمضان وسليمان بن أبي حثمة بأن يصلي بالنساء ولأن المسجد ليس بموضع الخلوة فلا بأس للرجل أن يجمع معهن فيه، فأما في غير المسجد من البيوت ونحوها فإنه يكره ذلك إلا أن يكون معهن ذو رحم محرم منهن لقوله - صلى الله عليه وسلم - «ألا لا يخلون رجل بامرأة ليس منها بسبيل فإن ثالثهما الشيطان» وبتفرد النساء يزداد معنى خوف الفتنة فلا تزول الكراهة إلا أن يكون معهن محرم لحديث «أنس - رضي الله تعالى عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم في بيتهم قال فأقامني واليتيم من ورائه وأقام أمي أم سليم وراءنا» ولأن بوجود المحرم يزول معنى خوف الفتنة ويستوي إن كان المحرم لهن أو لبعضهن وتجوز الصلاة بكل حال؛ لأن الكراهة لمعنى في غير الصلاة قال (رجل فاتته الصلاة بالجماعة في مسجد حيه فإن أتى مسجدا آخر يرجو إدراك الجماعة فيه فحسن وإن صلى في مسجد حيه فحسن) لحديث الحسن قال: كانوا إذا فاتتهم الجماعة فمنهم من يصلي في مسجد حيه ومنهم من يتبع الجماعة ومراده الصحابة، ولأن في كل جانب مراعاة جهة وترك أخرى: في أحد الجانبين مراعاة حرمة مسجده وترك الجماعة، وفي الجانب الآخر مراعاة فضيلة الجماعة وترك حق مسجده، فإذا تعذر الجمع بينهما مال إلى أيهما شاء والأولى في زماننا إن لم يدخل مسجده بعد أن يتبع الجماعة فإن دخل مسجده صلى فيه قال (ولا بأس بأن يتطوع قبل المكتوبة إذا لم يخف فوات الوقت) وكان الكرخي - رحمه الله تعالى - يستدل بهذا اللفظ أن له أن يترك الأربع قبل الظهر إذا فاتته الجماعة؛ لأنه قال: لا بأس بأن يفعل، فدل أن له أن يترك وهو الذي وقع عند العوام والمعنى فيه أن من فاتته الجماعة فهو كالمدد لهم فليعجل أداء الفريضة ليلحق بهم في أن لا يتطوع قبل المكتوبة إذا لم يخف فوات الوقت، والأصح أنه لا ينبغي له أن يدعه؛ لأن التطوع مشروع جبرا لنقصان الفرائض وحاجة من فاتته الجماعة إلى هذا أمس قال (وإذا أخذ المؤذن في الإقامة كرهت للرجل أن يتطوع لقوله - صلى الله عليه وسلم - «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة» إلا ركعتي الفجر فإني لم أكرههما) وكذلك إذا انتهى إلى المسجد وقد افتتح القوم صلاة الفجر يأتي بركعتي الفجر إن رجا أن يدرك مع الإمام ركعة في الجماعة وهذا عندنا، وقال الشافعي - رحمه الله تعالى - يدخل مع الإمام على قياس سائر التطوعات. (ولنا) ما روي عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أنه دخل المسجد والإمام في صلاة الفجر فقام إلى سارية من سواري المسجد وصلى ركعتي الفجر ثم دخل مع الإمام، وعن أبي عثمان النهدي قال إني لأذكر أن أبا بكر كان يفتتح صلاة الفجر فيدخل الناس ويصلون ركعتي الفجر ثم يدخلون معه، وهذا بناء على أن عندنا لا يقضي هاتين الركعتين بعد الفوات فيحرزهما إذا طمع في إدراك ركعة من الصلاة كإدراك جميع الصلاة قال - صلى الله عليه وسلم - «من أدرك ركعة من الفجر قبل طلوع الشمس فقد أدرك» وعند الشافعي - رحمه الله تعالى - يقضيهما بعد الفراغ من الصلاة فيشتغل بإحراز فضيلة تكبيرة الافتتاح، وإن خاف فوت الجماعة دخل مع القوم؛ لأن أداء الصلاة بالجماعة من سنن الهدى قال ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - عليكم بالجماعات فإنها من سنن الهدى ولو صليتم في بيوتكم كما فعل هذا المتخلف لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم (وقال) عمر - رضي الله تعالى عنه - لقد هممت أن آمر من يصلي بالناس ثم أنظر إلى من لم يشهد الجماعة فآمر فتياني أن يحرقوا بيوتهم فدل أن الجماعة أقوى السنن فيشتغل بإحراز فضيلتها، ولم يذكر إذا كان يرجو إدراك التشهد وقيل على قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله إدراك التشهد كإدراك ركعة كما في صلاة الجمعة فيبدأ بركعتي الفجر. وعند محمد - رحمه الله تعالى - لا يعتبر إدراك التشهد كإدراك ركعة فيدخل مع الإمام قال (رجل سلم على تمام من صلاته في نفسه ثم اقتدى به رجل وكبر ثم ذكر الإمام أن عليه سجدة التلاوة أو أنه لم يقرأ التشهد في الرابعة) فاقتداء الرجل به صحيح؛ لأن سلام الإمام سهو وسلام السهو لا يخرجه من الصلاة فحصل الاقتداء في حال بقاء تحريمة الإمام، فإن عاد الإمام إلى سجدة التلاوة أو قرأ قراءة التشهد تابعه الرجل ثم يقوم لإتمام صلاته بعد فراغ الإمام من التشهد أو من سجود السهو، وإن لم يعد الإمام إليها لم تفسد صلاته؛ لأن ما تذكر ليس من الأركان وكذلك لا تفسد صلاة المقتدي فيقوم لإتمام صلاته، وإن ذكر الإمام أن عليه سجود السهو فعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهم الله تعالى اقتداء الرجل به موقوف فإن عاد الإمام إلى سجود السهو صح الاقتداء وتابعه الرجل وإن لم يعد لا يصح اقتداؤه به، وعند محمد وزفر رحمهم الله تعالى الاقتداء صحيح على كل حال وقال بشر لا يصح الاقتداء على كل حال؛ لأن مذهبه أن سجود السهو ليس من الصلاة فإنه يؤدى بعد السلام، وعندنا سجود السهو من الصلاة؛ لأنه جبر لنقصانها ثم عند محمد وزفر رحمهما الله تعالى من سلم وعليه سجود سهو لا يصير خارجا من الصلاة؛ لأنه قد بقي عليه واجب من واجبات الصلاة فهو كسجدة التلاوة وقراءة التشهد، ولو خرج من الصلاة لم يعد فيها إلا بتحريمة جديدة، فإذا لم يخرج صح اقتداء الرجل به على كل حال وعند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله بالسلام يخرج من الصلاة؛ لأن السلام محلل قال - صلى الله عليه وسلم - «وتحليلها التسليم» وقد أتى به في موضعه مع العلم بحاله فيعمل عمله في التحليل، إلا أنه إذا عاد يعود إلى حرمة الصلاة ضرورة ولا تتحقق تلك الضرورة قبل عوده فيخرج بالسلام من الصلاة عند أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - ثم يعود إليها بالعود إلى سجود السهو وعند أبي يوسف - رحمه الله تعالى - يتوقف حكم خروجه من الصلاة فلهذا كان الاقتداء به موقوفا وينبني على هذا الأصل أربع مسائل: (إحداها) ما بينا (والثانية) إذا نوى المسافر الإقامة بعد ما سلم وعليه سجود السهو فعند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى لا يتعين فرضه ويسقط عنه سجود السهو وعند محمد وزفر رحمهما الله تعالى يتعين فرضه فيقوم لإتمام صلاته. (والثالثة) إذا ضحك قهقهة في هذه الحالة لم يلزمه الوضوء في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى، وقال محمد - رحمه الله تعالى - يلزمه الوضوء لصلاة أخرى (والرابعة) إذا اقتدى به رجل بنية التطوع ثم تكلم قبل عود الإمام إلى سجود السهو فليس عليه قضاء شيء عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وإن عاد الإمام إلى سجود السهو بعد ذلك، وعند محمد - رحمه الله تعالى - عليه قضاء التطوع؛ لأن اقتداءه به حصل في حال بقاء الحرمة فصار شارعا في التطوع ثم مفسدا فعليه القضاء والله سبحانه وتعالى أعلم [باب الحدث في الصلاة] (مصل سبقه الحدث في الصلاة من بول أو غائط أو ريح أو رعاف بغير قصده انصرف فتوضأ وبنى على صلاته ما لم يتكلم استحسانا، وإن تكلم واستقبل فهو أفضل) وفي القياس عليه استقبال الصلاة بعد الوضوء وهو قول الشافعي - رحمه الله تعالى - وكان مالك - رحمه الله تعالى - يقول: يبني ثم رجع عنه، فعابه محمد - رحمه الله - تعالى - في كتاب الحجج برجوعه من الآثار إلى القياس. وجه القياس أن الطهارة شرط بقاء الصلاة كما هو شرط ابتدائها فكما لا يتحقق شروعه في الصلاة بدون هذا الشرط فكذلك بقاؤها، ولأن الحدث مناف للصلاة قال - صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة إلا بطهور» ولا بقاء للعبادة مع وجود ما ينافيها. وجه قولنا حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من قاء أو رعف أو أمذي في صلاته فلينصرف وليتوضأ وليبن على ما مضى من صلاته ما لم يتكلم»، وإن أبا بكر - رضي الله تعالى عنه - سبقه الحدث في الصلاة فتوضأ وبنى وعمر - رضي الله تعالى عنه - سبقه الحدث فاستخلف وتوضأ وبنى على صلاته وعلي - رضي الله تعالى عنه - كان يصلي خلف عثمان فرعف فانصرف وتوضأ وبنى على صلاته، وهو مروي عن ابن مسعود وابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -، والقياس يترك بالآثار. ثم الذي سبقه الحدث إما أن يكون منفردا وإما أن يكون مقتديا أو إماما، فأما المنفرد يذهب فيتوضأ ثم يتخير بين إتمام الصلاة في بيته وبين الرجوع إلى مصلاه ليكون مؤديا جميع الصلاة في مكان واحد وهو أفضل، وإن أتم في بيته فلم يوجد منه إلا ترك المشي في الصلاة وذلك لا يضره، وأما المقتدي إذا فرغ من الوضوء، فإن لم يفرغ إمامه من الصلاة فعليه أن يعود، ولو أتم بقية صلاته في بيته لا يجزئه لأن بينه وبين إمامه ما يمنع صحة الاقتداء، وإن كان قد فرغ إمامه يخير هو كما بينا، وإن كان إماما تأخر وقدم رجلا ممن خلفه يصلي بالقوم والشافعي - رحمه الله - تعالى - في هذا يوافقنا، فإن على أصله بحدث الإمام لا تفسد صلاة القوم؛ لأنه لو ظهر أنه كان محدثا جاز صلاة القوم، فيستخلف لهم ثم يتوضأ ويستقبل، وعندنا يستخلف لأنه عجز عن إتمام ما ضمن لهم الوفاء به فيستعين بمن قدر عليه، والدليل على جواز هذا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أمر أبا بكر - رضي الله تعالى عنه - أن يصلي بالناس وجد في نفسه خفة فخرج يهادى بين اثنين بعد ما افتتح أبو بكر الصلاة فلما سمع أبو بكر حس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تأخر وتقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما تأخر لأنه عجز عن المضي لقوله تعالى: {لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} [الحجرات: 1] فصار هذا أصلا في حق كل إمام عجز عن الإتمام أنه يتأخر ويستخلف ثم يتوضأ ويبني على صلاته ما لم يتكلم، فإن تكلم واستقبل فهو أفضل ليكون أبعد عن شبهة الاختلاف وأقرب إلى الاحتياط، فإن كان حين يرجع إلى أهله بال واستمشى لم يبن على صلاته لأن هذا حدث عمد فهو بمنزلة الكلام أو فوقه في إفساد الصلاة، وجواز البناء كان بالآثار في الحدث الذي يسبقه فلا يقاس من يتعمد الحدث؛ لأن فيما يسبقه بلوى وضرورة بخلاف ما يتعمده، ولهذا لو ابتلي بالجنابة في خلال الصلاة لم يبن بعد الاغتسال لأنه مما لا تعم به البلوى. قال: (فإن تكلم في صلاته ناسيا أو عامدا مخطئا أو قاصدا استقبل الصلاة) ، وقال الشافعي - رحمه الله تعالى - إذا كان ناسيا أو مخطئا لا يستقبل إلا إذا طال كلامه، واحتج لقوله تعالى: {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به} [الأحزاب: 5] وبقوله - صلى الله عليه وسلم: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» واعتماده على حديث «أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إحدى صلاتي العشي إما الظهر وإما العصر فسلم على رأس ركعتين فقام رجل يقال له ذو اليدين فقال: أقصرت الصلاة أم نسيتها فقال: كل ذلك لم يكن فقال: بعض ذلك قد كان، فنظر إلى أبي بكر وعمر - رضي الله تعالى عنهما - وقال: أحق ما يقول ذو اليدين، فقالا: نعم، فأتم صلاته وسجد للسهو» فقد تكلم ناسيا ثم بنى على صلاته وقاس الكلام بالسلام؛ لأن كل واحد منهما قاطع ثم في السلام فصل بين العمد والنسيان فكذلك الكلام، بخلاف الحدث فإنه مناف للصلاة؛ لأنه ينعدم به شرطها فسوينا بين النسيان والعمد لهذا، ولنا ما روينا، «وليبن على صلاته ما لم يتكلم»، فدل أن بعد الكلام لا يجوز البناء قط، وفي حديث «ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أنه قدم من الحبشة فوجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة، فسلم عليه فلم يرد عليه السلام، قال: فأخذني ما قرب وما بعد، فلما فرغ قال: يا ابن مسعود إن الله تعالى يحدث من أمره ما يشاء، وإن مما أحدث أن لا يتكلم في الصلاة». وفي حديث «معاوية بن الحكم رضي الله تعالى عنه - قال: صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعطس بعض القوم، فقلت: يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أماه مالي أراكم تنظرون إلي شزرا، فضربوا بأيديهم على أفخاذهم، فعلمت أنهم يسكتونني فلما فرغ النبي - صلى الله عليه وسلم - فوالله، ما رأيت: معلما أحسن تعليما منه - صلى الله عليه وسلم -، ما نهرني ولا زجرني ولكن قال: إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي للتسبيح والتهليل وقراءة القرآن» ![]()
__________________
|
|
#8
|
||||
|
||||
![]() الكتاب: المبسوط فى الفقه الحنفى المؤلف: محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي (ت ٤٨٣ هـ) عدد الأجزاء: ٣١ (الأخير فهارس) المجلد الاول صـــ 171 الى صـــ 180 (18) وما لا يصلح للصلاة فمباشرته مفسدة للصلاة، ألا ترى أن الأكل والشرب مبطل للصلاة ناسيا أو عامدا لهذا، والخروج في الاعتكاف كذلك، والجماع في الإحرام كذلك، ولهذا لو طال الكلام كان مفسدا، ولو كان النسيان فيه عذرا لاستوى فيه أن يطول أو يقصر كالأكل في الصوم. والقياس في السلام أنه مفسد، وإن كان ناسيا ولكن استحسنا ما فيه لمعنى لا يوجد ذلك في الكلام، وهو أن السلام من جنس أركان الصلاة، فإن المتشهد يسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى عباد الله الصالحين وهو اسم من أسماء الله تعالى، وإنما أخذ حكم الكلام لكاف الخطاب، وإنما يتحقق معنى الخطاب فيه عند القصد، وإذا كان ناسيا شبهناه بالأذكار، وإذا كان عالما شبهناه بالكلام، فأما الكلام فهو ليس من أذكار الصلاة فكان منافيا للصلاة على كل حال، والخطأ والنسيان عذر في رفع الإصر وعليه تحمل الآية والخبر، فأما حديث ذي اليدين فقد كان في وقت كان الكلام فيه مباحا في الصلاة ثم انتسخ الكلام في الصلاة، ألا ترى أن ذا اليدين كان عامدا بالكلام، وكذلك أبو بكر وعمر - رضي الله تعالى عنه - ولم يأمرهم بالاستقبال (فإن قيل كيف يستقيم هذا وإسلام أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - بعد فتح خيبر وقد قال: صلى بنا، وحرمة الكلام في الصلاة كانت ثابتة حين جاء من الحبشة، وذلك في أول الهجرة (قلنا معنى قوله: بنا بأصحابنا ولا وجه للحديث إلا هذا؛ لأن ذا اليدين قتل ببدر واسمه مشهور في شهداء بدر وذلك قبل خيبر بزمان طويل. قال: (وإن قهقه في صلاة استقبل الصلاة والوضوء عندنا ناسيا كان أو عامدا) ؛ لأن القهقهة أفحش من الكلام عند المناجاة، ولهذا جعلت ناقضة للوضوء ثم سوى بين النسيان والعمد وفي القهقهة أولى والبناء لأجل البلوى وذلك لا يتحقق في القهقهة، وإن قهقه بعد ما قعد قدر التشهد قبل أن يسلم لم تفسد صلاته كما لو تكلم في هذه الحالة؛ لأنه لم يبق عليه شيء من أركان الصلاة، ولكن يلزمه الوضوء لصلاة أخرى عندنا ولا يلزمه عند زفر - رحمه الله تعالى - قال: القهقهة عرفناها حدثا بالنص بخلاف القياس والنص ورد بإعادة الصلاة والوضوء بالقهقهة، فكل قهقهة توجب إعادة الصلاة توجب الوضوء وما لا يوجب مراعاة الصلاة لا يوجب الوضوء؛ لأنه ليس في معنى المنصوص من كل وجه. (ولنا) أن الضحك صادف حرمة الصلاة لبقائها ما لم يسلم حتى لو نوى المسافر الإقامة في هذه الحالة لزمه الإتمام، وبالنص صار الضحك حدثا لمصادفته حرمة الصلاة، فإن الجناية تفحش بالقهقهة في حالة المناجاة، وذلك باق ببقاء التحريمة فألزمناه الوضوء لهذا، فأما إعادة الصلاة فلبقاء البناء عليه وعجزه عنه بالقهقهة لفساد ذلك الجزء، ولم يبق عليه البناء هنا فلم تلزمه الإعادة لهذا وكذلك لو قهقه في سجدتي السهو؛ لأن العود إليهما يرفع السلام دون القعدة، فكأنه قهقه بعد القعدة قبل السلام إلا في رواية شاذة عن أبي يوسف - رحمه الله تعالى - أن العود إلى سجود السهو يرفع القعدة كالعود إلى سجدة التلاوة، فعلى تلك الرواية تلزمه إعادة الصلاة. قال: (وإن قهقه الإمام والقوم جميعا، فإن كان الإمام سبق بها فعليه إعادة الوضوء وليس ذلك على القوم) ؛ لأنهم صاروا خارجين من الصلاة بخروج الإمام منها فضحكهم لم يصادف حرمة الصلاة (وإن قهقه القوم أولا ثم الإمام فعلى الكل إعادة الوضوء)؛ لأن قهقهة القوم صادفت حرمة الصلاة وكذلك قهقهة الإمام؛ لأنه لا يصير خارجا منها بخروج القوم، وإن ضحكوا معا فكذلك؛ لأن ضحك القوم لما اقترن بضحك الإمام كان مصادفا حرمة الصلاة في حقهم، فإن خروجهم من حكم خروج الإمام فيعقبه ولا يقترن به. قال: (إمام أحدث فقدم رجلا قد فاتته ركعة فعليه أن يصلي بهم بقية صلاة الإمام) والأولى للإمام أن يقدم مدركا لا مسبوقا؛ لأن المدرك أقدر على إتمام صلاته من المسبوق، وقال - صلى الله عليه وسلم: «من قلد إنسانا عملا وفي رعيته من هو أولى منه فقد خان الله ورسوله وجماعة المؤمنين» ولكن مع هذا المسبوق شريكه في التحريمة وصحة الاستخلاف بوجود المشاركة في التحريمة والحاجة إلى إصلاح صلاته، فجاز تقديمه وقام مقام الأول فيتم ما بقي على الأول، فإذا انتهى إلى موضع السلام تأخر وقدم رجلا من المدركين ليسلم بهم؛ لأنه عاجز عن السلام لبقاء ركعة عليه فيستعين بمن يقدر عليه، فإن إتمامه بعد سلام الإمام، فلهذا قدم مدركا ليسلم بهم ثم يقوم فيقضي ما بقي عليه من صلاته. قال: (فإن توضأ الأول وصلى في بيته ما بقي من صلاته فإن كان صلى بعد فراغ الإمام الثاني من بقية صلاته فصلاته تامة)؛ لأن الإمامة تحولت إلى الثاني، وصار الأول كواحد من المقتدين به، وقد بينا أن المقتدي إذا أتم بقية صلاته في بيته بعد فراغ الإمام جاز، ولو صلى قبل أن يفرغ الإمام الثاني فصلاته فاسدة كغيره من المقتدين إذا سبقه الحدث. قال: (فإن قعد الإمام الثاني في الرابعة قدر التشهد ثم قهقه فعليه إعادة الوضوء والصلاة) ؛ لأنه قد بقي عليه ركعة فضحكه حصل في خلال الصلاة في حقه، وصلاة القوم تامة لأنه لم يبق عليهم البناء، وروي عن أبي يوسف - رحمه الله تعالى - أنه قال: صلاة القوم فاسدة لفساد ما مضى، ولو ضحكوا بأنفسهم في هذه الحالة كانت صلاتهم تامة، فضحك الإمام في حقهم لا يكون أكثر تأثيرا من ضحكهم، فأما الإمام الأول، فإن كان قد فرغ من صلاته خلف الإمام الثاني مع القوم فصلاته تامة كغيره من المدركين، وإن كان في بيته لم يدخل مع الإمام الثاني في الصلاة فصلاته فاسدة، وفي رواية أبي حفص - رحمه الله تعالى - قال: صلاته تامة. وجه هذه الرواية أنه مدرك لأول صلاته فيكون كالفارغ بقعدة الإمام قدر التشهد والرواية الأولى أصح وأشبه بالصواب؛ لأنه قد بقي عليه البناء وضحك الإمام في حقه في المنع من البناء كضحكه، ولو ضحك هو في هذه الحالة فسدت صلاته، فكذلك ضحك الإمام في حقه، ورواية أبي حفص - رحمه الله تعالى - كأنه غلط وقع من الكاتب؛ لأنه اشتغل بتقسيم ثم أجاب في الفصلين بأن صلاته تامة وظاهر هذا التقسيم يستدعي المخالفة في الجواب. قال: (رجل سلم في الركعتين من الظهر ناسيا ثم ذكر فظن أن ذلك يقطع الصلاة فاستقبل التكبير ينوي به الدخول في الظهر ثانية وهو إمام قوم وكبروا معه ينوون معه ذلك فهم على صلاتهم الأولى يصلون ما بقي منها ويسجدون للسهو) لما بينا أن سلام الإمام لا يقطع التحريمة، فهم في التحريمة في صلاتهم بعد قد نووا إيجاد الموجود وذلك لغو. بقي مجرد التكبير وهو لا يقطع الصلاة، بخلاف من كان في الظهر فنوى العصر وكبر؛ لأنه نوى إيجاد ما ليس بموجود فصار خارجا من الأولى داخلا في الثانية، فإن صلوا العصر أربع ركعات هكذا، فإن قعدوا في الثانية جازت صلاتهم، وما زادوا من الركعتين نافلة لهم، فإن لم يقعدوا في الثانية فسدت صلاتهم لاشتغالهم بالنفل قبل إكمال الفرض، حتى لو سلم ساهيا بعد ثلاث ركعات فجدد التكبير وصلى أربع ركعات لا تجزئه صلاته؛ لأنه لم يقعد بعد الركعة الرابعة حتى صلى ركعة أخرى وذلك مفسد لفرضه قال: (رجل صلى ركعة ثم جاء قوم فاقتدوا به فلما فرغ من صلاته وقعد قدر التشهد قهقه أو أحدث متعمدا فصلاته تامة)؛ لأنه لم يقعد بعد الركعة الرابعة حتى صلى ركعة أخرى وذلك مفسد للصلاة؛ لأنه لم يبق عليه البناء، وصلاة القوم فاسدة في قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى -، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: لا تفسد؛ لأنه لا سبب لإفساد صلاتهم، فإن الضحك والحدث لم يوجدا منهم، فلو فسدت صلاتهم إنما تفسد بفساد صلاة الإمام، ولم تفسد صلاة الإمام هنا، فهو قياس ضحكه بعد السلام، ولأن الإمام لما قعد قدر التشهد فقد صار المسبوق في حكم المنفرد يقوم لإتمام صلاته، ألا ترى أن سلام الإمام وكلامه لا يؤثر في حقه ولا يمنعه من البناء، فكذلك ضحك الإمام وحدثه وأبو حنيفة - رحمه الله - قال: ما لم يسلم الإمام فالمسبوق مقتد به، ألا ترى أنه لو نوى الإمامة أثر ذلك في حق المسبوق، وأنه ممنوع من القيام حتى يسلم الإمام، والضحك والحدث إذا لاقى جزءا من الصلاة كان مفسدا لذلك الجزء، وبفساد ذلك الجزء من صلاة الإمام يفسد مثله من صلاة المقتدي، إلا أن الإمام لم يبق عليه البناء بفساد ذلك الجزء ولا يضره، والمسبوق قد بقي عليه البناء ففساد ذلك الجزء يمنعه من بناء ما بقي عليه فيلزمه الاستقبال، ألا ترى أنه لو ضحك بنفسه أو أحدث في هذه الحالة لزمه الاستقبال، فكذلك فعل الإمام في حقه بخلاف السلام والكلام، فالسلام منه للصلاة والكلام قاطع لا مفسد؛ لأنه لا يفوت به شرط الصلاة، وهو الطهارة فلم يؤثر ذلك في حق المسبوق، فأما الضحك والحدث مفسد لا قاطع؛ لأنه يفوت به شرط الصلاة وهو الطهارة، ولهذا قيل: لو تكلم الإمام بعد ما قعد قدر التشهد فعلى القوم أن يسلموا، ولو أحدث الإمام متعمدا أو قهقه لم يسلم القوم، وخروج الإمام من المسجد في كونه قاطعا لكلامه فلا يفسد صلاة المسبوقين قال: (وإذا افتتح الرجل صلاة المكتوبة في المسجد وحده ثم أقيم له فيها ففي ذوات الأربع كالظهر والعصر والعشاء، إن كان صلى ركعة أضاف إليها أخرى وقعد وسلم ثم دخل مع الإمام) ؛ لأنه لو قطعها كذلك كان مبطلا عمله، فإن الركعة الواحدة لا تكون صلاة فيضيف إليها ركعة أخرى ليصير شفعا ثم يسلم فيدخل مع الإمام لإحراز فضيلة الجماعة، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «صلاة الرجل في الجماعة تزيد على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة» (فإن قيل كيف يقطع فرضه بعد الشروع فيها.؟ (قلنا لا يقطعها رافضا لها، وإنما يقطعها ليعيدها على أكمل الوجوه وذلك جائز كما يقطع الظهر إذا أقيمت الجمعة، وكذلك إن قام إلى الثالثة ولم يقيدها بالسجدة عاد فقعد وسلم لكي لا تفوته فضيلة الجماعة ولا يسلم كما هو قائما؛ لأن ما أتى به من القعدة كان سنة، وقعدة الختم فرض فعليه أن يعود إلى القعدة ثم يسلم ليكون متنفلا بركعتين، فإن قيد الثالثة بالسجدة مضى في صلاته؛ لأنه أتى بأكثرها وللأكثر حكم الكمال، فإذا فرغ منها دخل مع الإمام في الظهر والعشاء بنية النفل؛ لأن التنفل بعدهما جائز، ولو خرج من المسجد ربما توهم أنه ممن لا يرى الجماعة، فلهذا دخل معه، فأما في العصر لا يدخل؛ لأن التنفل بعده مكروه كما بينا. وعند الشافعي - رضي الله تعالى عنه - يدخل بناء على أصله في الصلاة التي لها سبب، فإذا لم يدخل معه خرج من المسجد؛ لأن في المكث تطول مخالفته للإمام، وفي الخروج إنما يظهر مخالفته في لحظة فهو أولى، ولم يذكر في الكتاب أنه إذا كان في الركعة الأولى ولم يقيدها بالسجدة كيف يصنع، والصحيح أنه يقطعها ليدخل مع الإمام فيحرز به ثواب تكبيرة الافتتاح؛ لأن ما دون الركعة ليس لها حكم الصلاة حتى إن من حلف أن لا يصلي لا يحنث على ما دون الركعة ألا ترى أنه من الركعة الثالثة يعود إذا لم يقيدها بالسجدة فكذلك في الركعة الأولى يقطعها ليدخل مع الإمام، (فأما في الفجر، فإن كان صلى ركعة قطعها) ؛ لأنه لو أدى ركعة أخرى تم فرضه وفاتته الجماعة، فالأولى أن يقطعها ليعيدها على أكمل الوجوه، (وإن كان قيد الركعة الثانية بسجدة أتمها) ؛ لأنه أدى أكثرها ثم إنه لا يدخل مع الإمام؛ لأنه يكون متنفلا بعد الفجر وذلك مكروه، والذي روي من حال الرجلين حين صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسجد الخيف صلاة الفجر كما روينا، فقد ذكر أبو يوسف - رحمه الله تعالى - في الإملاء أن تلك الحادثة كانت في صلاة الظهر، ولئن كانت في صلاة الفجر فقد كان في وقت لم ينههم عن صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، ثم انتسخ بالنهي، (وأما المغرب، فإن صلى ركعة قطعها) ؛ لأنه لو أضاف إليها ركعة أخرى كان مؤديا أكثر الصلاة فلا يمكنه القطع بعد ذلك، ولو قطع كان متنفلا بركعتين قبل المغرب وذلك منهي عنه، فلهذا قطع صلاته ليعيدها على أكمل الوجوه، وإن كان قيد الركعة الثانية بسجدة أتم صلاته؛ لأنه قد أدى أكثرها ثم لا يدخل مع الإمام، وذلك مروي عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما -، وإنما لا يدخل لا لأن التنفل بعد المغرب منهي عنه، ولكن لأنه لو دخل معه فإما أن يسلم معه فيكون متنفلا بثلاث ركعات وهو غير مشروع، أو يضيف إليها ركعة أخرى فيكون مخالفا لإمامه، فلهذا لا يدخل معه، وعن أبي يوسف - رحمه الله تعالى - أنه يدخل معه، فإذا فرغ الإمام فصلى ركعة أخرى ليصير شفعا له ولا يبعد أن يقوم لإتمامه بعد فراغ الإمام كالمسبوق وهو بالشروع قد التزم ثلاث ركعات فكأنه التزمها بالنذر فيلزمه أربع، وعندنا إن دخل فعل كما قال أبو يوسف - رحمه الله تعالى -، وقال بشر المريسي يسلم مع الإمام؛ لأن هذا التغير كان بحكم الاقتداء وذلك جائز كالمسبوق يدرك الإمام في القعدة يقعد معه وابتداء الصلاة لا يكون بالقعدة، وجاز ذلك بحكم الاقتداء فهذا مثله. قال: (وإذا صلى الظهر في بيته يوم الجمعة ثم صلى الجمعة مع الإمام فالجمعة فرضه ويصير الظهر تطوعا له) ؛ لأن بأداء الظهر ما سقط عنه الخطاب بالسعي إلى الجمعة، فكان في أدائها مفترضا ولا يجتمع فرضان في وقت واحد، فمن ضرورة كون الجمعة فرضا له أن ينقلب ما قبله تطوعا، وهذا بخلاف ما إذا صلى الظهر في بيته يوم الخميس ثم أدركها بالجماعة فصلاها، فالأولى فرض والثانية تطوع، بعد أداء الفرض هو غير مخاطب بشهود الجماعة في تلك الصلاة، فإن شهدها كان متنفلا. يوضح الفرق أن الجمعة أقوى من الظهر؛ لأنها تستدعي من الشرائط ما لا يستدعيه الظهر، والضعيف لا يظهر في مقابلة القوي، وإذا ظهر القوي بأدائه لإسقاط فرض الوقت به سقط اعتبار الضعيف وكان تطوعا، فأما الظهر المؤدى في الجماعة في حكم القوة كالمؤدى في بيته، فإن أحدهما يستدعي شرطا لا يستدعيه الآخر، فإذا استويا ترجح السابق منهما لإسقاط فرض الوقت به فكانت الثانية نفلا. قال: (وإذا أحدث الإمام فلم يقدم أحدا حتى خرج من المسجد، فإن صلاة القوم فاسدة) ؛ لأنهم مقتدون فيها ولم يبق لهم إمام في مكانه وهو في المسجد، ولم يبين في الكتاب حال الإمام، وذكر الطحاوي - رحمه الله تعالى - أن صلاته تفسد أيضا؛ لأن بعد سبق الحدث كان الاستخلاف ليصير هو في حكم المقتدى به كغيره فبترك الاستخلاف لما فسدت صلاة القوم فلأن تفسد صلاته كان أولى، وذكر أبو عصمة - رحمه الله تعالى - أن صلاته لا تفسد؛ لأنه في حق نفسه كالمنفرد، فلا تفسد صلاته بالخروج من المسجد بعد سبق الحدث، فعلى ما ذكره الطحاوي - رحمه الله تعالى - فساد صلاة القوم بطريق القياس على فساد صلاة إمامهم، وعلى ما ذكره أبو عصمة وهو الأصح فساد صلاة القوم استحسان فكان ينبغي في القياس أن لا تفسد، فإن بعد حدث الإمام بقوا مقتدين به حتى لو وجد الماء في المسجد فتوضأ وعاد إلى مكانه وأتم بهم الصلاة أجزأهم، فكذلك بعد خروجه ولكنه استحسن، وأراه قبيحا أن يكون القوم في الصلاة في مسجد وإمامهم في أهله، فأما ما دام في المسجد فكأنه في المحراب؛ لأن المسجد في كونه مكان الصلاة كبقعة واحدة فليس بينه وبينهم ما ينافي الاقتداء، فأما بعد خروجه فقد صار بينه وبينهم ما ينافي الاقتداء فلهذا فسدت صلاتهم. قال: (فإن قدموا رجلا قبل خروج الإمام من المسجد فصلاته وصلاتهم تامة) ؛ لأن تقديم القوم إياه كاستخلاف الإمام الأول، ألا ترى أن في الإمامة العظمى لا فرق بين اجتماع الناس على رجل وبين استخلاف الإمام الأعظم. وهذا؛ لأن الإمام في الاستخلاف ينظر لهم في إصلاح صلاتهم فيكون لهم أن ينظروا إلى أنفسهم أيضا، فإن قدم كل فريق من القوم رجلا فسدت صلاتهم؛ لأنها افتتحت بإمام واحد فلا يجوز إتمامها بإمامين، ولو جاز ذلك لجاز بأكثر من اثنين فينوي كل واحد أن يؤم نفسه، وهذا إذا استوى الفريقان في العدد؛ لأنه ليس أحدهما بأولى من الآخر، فأما إذا اقتدى جماعة من القوم بأحد الإمامين إلا رجلا أو رجلين اقتديا بالثاني فصلاة من اقتدى به الجماعة صحيحة، وصلاة الآخرين فاسدة لقوله - صلى الله عليه وسلم: «يد الله مع الجماعة فمن شذ شذ في النار»، وقال عمر - رحمه الله تعالى - في الشورى إن اتفقوا على شيء وخالفهم واحد فاقتلوه، فأما إذا اقتدى بكل إمام جماعة وأحد الفريقين أكثر عددا من الآخر، فقد قال بعض مشايخنا: صلاة الأكثرين جائزة ويتعين الفساد في الآخرين كما في الواحد والمثنى، والأصح أن تفسد صلاة الفريقين؛ لأن كل واحد منهما جمع تام يتم به نصاب الجمعة فيكون الأقل مساويا للأكثر حكما، كالمدعيين يقيم أحدهما شاهدين والآخر عشرة من الشهود، وكذلك إن كان الإمام هو الذي قدم رجلين فهذا وتقديم القوم إياهما سواء، وإن وصل أحدهما إلى موضع الإمامة قبل الآخر تعين للإمامة وجاز صلاته وصلاة من اقتدى به؛ لأن الاستخلاف كان للضرورة وقد ارتفعت بوصوله إلى موضع الإمامة، فاستخلاف الآخر وجوده كعدمه. قال: (وإن أحدث الإمام ولم يكن خلفه إلا رجل واحد صار هو إماما قدمه الإمام أو لم يقدمه نوى هو الإمامة أو لم ينو) ؛ لأنه تعين للاستخلاف، فإن صلاحيته للاستخلاف بكونه شريك الإمام في الصلاة ولا مزاحم له والحاجة في هذا إلى الاستخلاف أو النية للتمييز، وذلك عند المزاحمة لا عند التعين، فإذا توضأ الإمام رجع ودخل مع هذا في صلاته؛ لأن الإمامة تحولت إليه، وإن لم يرجع الإمام حتى أحدث هذا فخرج من المسجد فسدت صلاة الإمام الأول؛ لأنه في حكم المقتدي به ولم يبق له إمام في المسجد، وإن لم يخرج حتى رجع الأول ثم خرج الثاني فقد صار الإمام هو الأول؛ لأنه متعين لإصلاح الصلاة، وإن جاء ثالث واقتدى بالثاني ثم سبقه الحدث فخرج من المسجد تحولت الإمامة إلى الثالث لكونه متعينا، فإن أحدث فخرج من المسجد قبل رجوع أحد الأولين فسدت صلاتهما؛ لأنه لم يبق لهما إمام في المسجد، وإن كان قد رجع أحد الأولين قبل خروج الثالث تحولت الإمامة إليه بخروج الثالث، فإن كانا رجعا جميعا، فإن استخلف الثالث أحدهما صار هو الإمام، وإن لم يستخلف حتى خرج فسدت صلاتهما؛ لأنه ليس أحدهما بأولى بالإمامة من الآخر، وروى الحسن عن أبي حنيفة - رحمهما الله تعالى - إذا أحدث وليس معه إلا رجل واحد فوجد الماء في المسجد فتوضأ، قال: يتم صلاته مقتديا بالثاني؛ لأنه متعين للإمامة فبنفس انصرافه تتحول الإمامة إليه، وإن كان معه جماعة فتوضأ في المسجد عاد إلى مكان الإمامة وصلى بهم؛ لأن الإمامة لم تتحول منه إلى غيره في هذه الحالة إلا بالاستخلاف ولم يوجد. قال: (إمام أحدث فانفتل وقدم رجلا جاء ساعتئذ، فإن كان كبر قبل الحدث من الإمام صح استخلافه) ؛ لأنه شريك الإمام في الصلاة، وإن لم يكن كبر فلما استخلفه كبر ينوي الاقتداء به صح الاستخلاف أيضا إلا على قول بشر، فإنه يقول لا يصح اقتداؤه بالإمام؛ لأن حدث الإمام في حق المقتدي كحدثه بنفسه، وكونه محدثا يمنع الشروع في الصلاة ابتداء فيمنع من الاقتداء به أيضا، فإن بقاء الاقتداء بعد الحدث عرفناه بالسنة، والابتداء ليس في معنى البقاء ولكنا نقول: التحريمة في حق الإمام باقية حتى إذا عاد بنى على صلاته، وكذلك صفة الإمامة له ما لم يخرج من المسجد حتى لو توضأ في المسجد وعاد إلى مكان الإمامة جاز، فاقتداء الغير به صحيح في هذه الحالة، وإذا صح الاقتداء جاز استخلافه، وإن كان حين كبر نوى أن يصلي بهم صلاة مستقبلة ولم ينو الاقتداء بالأول فصلاته تامة؛ لأنه افتتحها منفردا بها وقد أداها وصلاة القوم فاسدة؛ لأنهم كانوا مقتدين بالأول فلا يمكنهم إتمامها مقتدين بالثاني، فإن الصلاة الواحدة لا تؤدى بإمامين، بخلاف خليفة الأول، فإنه قائم مقامه فكأنه هو بعينه، فكان الإمام واحدا معنى، وإن كان مثنى في الصورة، وهنا الثاني ليس بخليفة الأول، فإنه لم يقيد به قط فتحقق أداء الصلاة الواحدة خلف إمامين صورة ومعنى، فلهذا لا يجزئهم. قال: (إمام أحدث وهو مسافر وخلفه مقيمون ومسافرون فقدم مقيما صح ذلك)؛ لأن المقيم شريكه في الصلاة ولا يتغير به فرض المسافرين، بخلاف ما لو نوى الأول الإقامة؛ لأنهم لما قصدوا الاقتداء بالأول فقد ألزموا أنفسهم حكم الاقتداء، وما قصدوا الاقتداء بالثاني إنما لزمهم الاقتداء لضرورة الحاجة إلى إصلاح صلاتهم، والثابت بالضرورة لا يعدو موضع الضرورة، وعلى هذا قلنا: لو قدم مسافرا فنوى الثاني الإقامة لا يتغير فرض المسافرين ثم على الثاني أن يتم بهم صلاة المسافرين؛ لأنه خليفة الأول فيأتي بما كان على الأول، فإذا قعد قدر التشهد قدم مسافرا ليسلم بهم؛ لأنه عاجز عن التسليم بنفسه لبقاء البناء عليه، ثم يقوم هو مع المقيمين فيتمون صلاتهم وحدانا، هكذا «قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين صلى بعرفات: أتموا يا أهل مكة صلاتكم، فإنا قوم سفر» فإن اقتدوا فيما يقضون فسدت صلاتهم؛ لأن الاقتداء في موضع يحق فيه الانفراد كالانفراد في موضع يحق فيه الاقتداء لما بينهما من المخالفة في الحكم، وإن مضى الإمام الثاني في صلاته حتى أتمها صلاة الإقامة والقوم معه، فإن قعد في الثانية قدر التشهد فصلاته وصلاة المسافرين تامة؛ لأنه في حق نفسه منفرد لا تتعلق صلاته بصلاة غيره، والمسافرون إنما اشتغلوا بالنفل بعد إكمال الفرض فلا يضرهم، فأما صلاة المقيمين فاسدة؛ لأن عليهم الانفراد في الأخريين، فإذا اقتدوا به فسدت صلاتهم، فإن لم يقعد الثاني في الركعتين فسدت صلاته وصلاة القوم كلهم؛ لأنه خليفة الأول فيفترض عليه ما على الأول، والأول لو ترك القعدة الأولى فسدت صلاته وصلاة القوم، فكذلك الثاني إذا تركها فتفسد به صلاة الإمام الأول أيضا؛ لأنه كغيره من المقتدين به. قال: (إمام افتتح الصلاة فركع قبل أن يقرأ ثم رفع رأسه فقرأ وركع وسجد وأدرك معه رجل هذا الركوع الثاني فهو مدرك للركعة) ؛ لأن الركوع الأول انتقض بالثاني، فإن الأول سبق أوانه؛ لأن أوان الركوع بعد القراءة فما سبقه كان منتقضا، والركوع الثاني حصل في أوانه فهو المعتد به، وقد أدركه الرجل، وإن كان قرأ قبل الركوع الأول فالركوع هو الأول، ومن أدرك الركوع الثاني لا يصير به مدركا للركعة؛ لأن الأول حصل في أوانه فهو المعتد به، والثاني وقع مكررا ولا تكرار في الركوع في ركعة واحدة، فالمنتقض ما وقع مكررا، وذكر في باب السهو في نوادر أبي سليمان أن المعتبر هو الركوع الثاني ومدركه مدرك للركعة، ووجهه أن اعتبار الركوع باتصال السجود به، وإنما اتصل السجود بالركوع الثاني دون الأول، فكان المنتقض هو الأول، والأصح ما ذكر في كتاب الصلاة أن الفرض بالركوع الأول صار مؤدى، فيقف ينتظر السجود فيجعل السجود متصلا به حكما، وكذلك إن كان الإمام أحدث حين فرغ من الركوع واستخلف رجلا، فإن الخليفة يعتد بذلك الركوع إن كان الإمام قرأ قبله، وإن لم يكن قرأ قبله لم يعتد به؛ لأنه قائم مقام الأول، فحاله في هذا كحال الأول. قال: (إمام أحدث فقدم رجلا على غير وضوء فصلاته وصلاة القوم فاسدة) ؛ لأن المحدث لا يصلح للاستخلاف فاشتغاله باستخلاف من لا يصلح خليفة له إعراض منه عن صلاته فتفسد صلاته وصلاة القوم وهذا عندنا، فإن حدث الإمام إذا تبين للقوم بعد الفراغ فصلاتهم فاسدة، فكذلك في حالة الاستخلاف، وعند الشافعي - رحمه الله تعالى - إذا اقتدوا به مع العلم بأنه محدث لا يصح الاقتداء به، وإذا لم يعلموا به فصلاتهم تامة في حالة الاستخلاف، واستدل بحديث روي عن عمر - رضي الله تعالى عنه - أنه أم في صلاة أصحابه ثم ظهر أنه كان جنبا فأعاد ولم يأمرهم بالإعادة. (ولنا) ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أم قوما ثم ظهر أنه كان محدثا أو جنبا أعاد صلاته وأعادوا» وقد روي نحو هذا عن عمر وعلي حتى ذكر أبو يوسف في الأمالي أن عليا - رضي الله تعالى عنه - صلى بأصحابه يوما ثم علم أنه كان جنبا، فأمر مؤذنه ابن التياح أن ينادي، ألا إن أمير المؤمنين كان جنبا فأعيدوا صلاتكم، وتأويل حديث عمر ما ذكره في بعض الروايات أنه رأى أثر الاحتلام في ثوبه بعد الفراغ، ولم يعلم متى أصابه فأعاد صلاته احتياطا، وعندنا في هذا الموضع لا يجب على القوم إعادة الصلاة. وكذلك لو قدم الإمام المحدث صبيا فسدت صلاتهم وصلاته؛ لأن صلاة الصبي تخلق واعتياد أو نافلة فلا يصلح هو خليفة للإمام في الفرض، كما لا يصلح للإمامة في هذه الصلاة أصلا بنفسه، وهذا بناء على أصلنا أيضا، فأما الشافعي - رضي الله تعالى عنه -، فإنه يجوز الاقتداء بالصبي في المكتوبة، وهو بناء على اقتداء المفترض بالمتنفل وقد مر. وأما الاقتداء بالصبي في التطوع فقد جوزه محمد بن مقاتل الرازي للحاجة إليه والأصح عندنا أنه لا يجوز؛ لأن نفل الصبي دون نفل البالغ حتى لا يلزمه القضاء بالإفساد، وبناء القوي على الضعيف لا يجوز، كيف وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «الإمام ضامن والصبي لا يصلح ضامنا لفلس» فكيف يصح منه الضمان لصلاة المقتدي. وكذلك إن قدم الإمام المحدث امرأة فصلاته وصلاتها وصلاة القوم كلهم فاسدة؛ لأن المرأة لا تصلح لإمامة الرجال قال - عليه الصلاة والسلام: «أخروهن من حيث أخرهن الله» فاشتغاله باستخلاف من لا يصلح خليفة له إعراض منه عن الصلاة، فتفسد صلاته وبفساد صلاته تفسد صلاة القوم؛ لأن الإمامة لم تتحول منه إلى غيره، وعند زفر - رحمه الله تعالى - صلاة النساء صحيحة إنما تفسد صلاة الرجال؛ لأن المرأة تصلح لإمامة النساء إنما لا تصلح لإمامة الرجال، وفيما ذكرنا الجواب عن كلامه. ![]()
__________________
|
|
#9
|
||||
|
||||
![]() الكتاب: المبسوط فى الفقه الحنفى المؤلف: محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي (ت ٤٨٣ هـ) عدد الأجزاء: ٣١ (الأخير فهارس) المجلد الاول صـــ 181 الى صـــ 190 (19) قال: (أمي صلى بقوم أميين وقارئين فصلاة الإمام والقوم كلهم فاسدة) عند أبي حنيفة، وعند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - صلاة الإمام والأميين تامة؛ لأن الأمي صاحب عذر، فإذا اقتدى به من هو في مثل حاله ومن لا عذر به جازت صلاته وصلاة من هو في مثل حاله، كالعاري يؤم العراة واللابسين، والمومي يؤم من يصلي بالإيماء ومن يصلي بالركوع والسجود، وصاحب الجرح السائل يؤم من هو في مثل حاله والأصحاء ولأبي حنيفة - رحمه الله تعالى - طريقان: (أحدهما) أنه لما جاءوا مجتمعين لأداء هذه الصلوات بالجماعة فالأمي قادر على أن يجعل صلاته بالقراءة بأن يقدم القارئ، فتكون قراءة إمامه قراءة له قال - صلى الله عليه وسلم: «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة»، فإذا تقدم بنفسه فقد ترك أداء الصلاة بالقراءة مع قدرته عليه بنفسه، فتفسد صلاته وصلاة القوم أيضا، بخلاف سائر الأعذار فلبس الإمام لا يكون لبسا للمقتدين، والركوع والسجود من الإمام لا ينوب عن المقتدي، ووضوء الإمام لا يكون وضوءا للمقتدي فهو غير قادر على إزالة هذا العذر بتقديم من لا عذر له (فإن قيل (والطريق الثاني) أن افتتاح الكل للصلاة قد صح؛ لأنه أوان التكبير، فالأمي قادر عليه كالقارئ فبصحة الاقتداء صار الأمي متحملا فرض القراءة عن القارئ، ثم جاء أوان القراءة وهو عاجز عن الوفاء بما تحمل فتفسد صلاته، وبفساد صلاته تفسد صلاة القوم، بخلاف سائر الأعذار، فإنها قائمة عند الافتتاح فلا يصح الاقتداء ممن لا عذر له بصاحب العذر ابتداء (فإن قيل رحمه الله -، فكذلك إذا شرع فيها. قال: (أمي تعلم سورة وقد صلى بعض صلاته فقرأها فيما بقي فصلاته فاسدة مثل الآخرين) لزوال أميته في خلال الصلاة، وكذلك لو كان قارئا في الابتداء فصلى بعض الصلاة بقراءة ثم نسي فصار أميا فصلاته فاسدة مثل الآخرين، وهذا قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى -، وعند زفر - رحمه الله تعالى - لا تفسد في الموضعين جميعا، وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله إذا تعلم السورة استقبل، وإذا نسي بنى استحسانا لزفر - رحمه الله تعالى -، إذ فرض القراءة في الركعتين ألا ترى أن القارئ لو ترك القراءة في الركعتين الأوليين وقد قرأ الأخريين أجزأه، فإذا كان قارئا في الابتداء فقد أدى فرض القراءة في الأوليين فعجزه عنه بعد ذلك لا يضره كتركه مع القدرة، وإذا تعلم السورة وقرأ في الأخريين فقد أدى فرض القراءة فلا يضره عجزه عنه في الابتداء كما لا يضره تركه وأبو يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - قالا: إذا تعلم السورة في خلال الصلاة فلو استقبلها كان مؤديا لها على أكمل الوجوه فأمرناه بالاستقبال، فأما إذا نسي القراءة فلو أمرناه بالاستقبال كان مؤديا جميع الصلاة بغير قراءة، فالأولى هو البناء ليكون مؤديا بعضها بقراءة وأبو حنيفة - رحمه الله تعالى - يقول حين افتتحها وهو أمي، فقد انعقدت صلاته بصفة الضعف، فحين تعلم السورة فقد قوي حاله، وبناء القوي على الضعيف لا يجوز كالعاري إذا وجد الثوب في خلال الصلاة، وكالمتيمم إذا وجد الماء في خلالها، وإذا كان قارئا في الابتداء فقد التزم أداء جميع الصلاة بقراءة ثم عجز عن الوفاء بما التزم فكان عليه الاستقبال في الفصلين، هذا وكذلك إن كان الإمام قارئا فقرأ في الركعتين الأوليين ثم أحدث فاستخلف أميا فسدت صلاتهم إلا على قول زفر - رحمه الله تعالى -، فإنه يقول: الإمام الأول أدى فرض القراءة وليس في الأخريين قراءة، فاستخلاف القارئ والأمي فيه سواء. (ولنا) أن القراءة فرض في جميع الصلاة تؤدى في موضع مخصوص، فإذا كان الإمام قارئا فقد التزم أداء جميع الصلاة بقراءة، والأمي عاجز عن ذلك فلا يصلح خليفة له، واشتغاله باستخلاف من لا يصلح خليفة له يفسد صلاته، كما لو استخلف صبيا أو امرأة، وعلى هذا لو رفع رأسه من آخر السجدة ثم سبقه الحدث فاستخلف أميا فسدت صلاته وصلاة القوم عندنا، فأما إذا قعد قدر التشهد ثم أحدث فاستخلف أميا فهو على الخلاف المعروف بين أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - وصاحبيه. قال: (أمي اقتدى بقارئ بعد ما صلى ركعة فلما فرغ الإمام قام الأمي لإتمام صلاته فصلاته فاسدة في القياس) وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى -، وفي الاستحسان يجزئه وهو قولهما. وجه القياس أنه بالاقتداء بالقارئ قد التزم أداء هذه الصلاة بقراءة وقد عجز عن ذلك حين قام للقضاء؛ لأنه منفرد فيما يقضي، فلا تكون قراءة الإمام له قراءة فتفسد صلاته. وجه الاستحسان أنه إنما يلتزم القراءة ضمنا للاقتداء وهو مقتد فيما بقي على الإمام لا فيما سبقه به الإمام، يوضحه أنه لو بنى كان مؤديا بعض الصلاة بالقراءة، ولو استقبل كان مؤديا جميعها بغير قراءة، وأداء البعض مع القراءة أولى من أداء الكل بغير قراءة. قال: (رجل صلى أربع ركعات تطوعا ولم يقعد في الثانية ففي القياس لا يجزئه وهو قول محمد وزفر رحمهما الله) ؛ لأن كل شفع من التطوع صلاة على حدة تفترض القعدة في آخرها، فترك القعدة الأولى هنا كتركها في صلاة الفجر والجمعة فتفسد به الصلاة، وفي الاستحسان تجزئه وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهم الله تعالى - بالقياس على الفريضة؛ لأن حكم التطوع أخف من حكم الفريضة، ويجوز أداء الفريضة أربع ركعات بقعدة واحدة، فكذلك التطوع ألا ترى أن في التطوع يجوز الأربع بتسليمة واحدة وبتحريمة واحدة بالقياس على الفرض فكذلك في القعدة، وعلى هذا قالوا لو صلى التطوع بثلاث ركعات بقعدة واحدة ينبغي أن يجوز بالقياس على صلاة المغرب، والأصح أنه لا يجوز؛ لأن التطوع بالركعة الواحدة غير مشروع فيفسد ما اتصل به القعدة وبفسادها يفسد ما قبله. واختلف مشايخنا فيمن تطوع بست ركعات بقعدة واحدة فجوزها بعضهم بالقياس على التحريمة والتسليمة، والأصح أنه لا يجوز؛ لأن استحسانه في الأربع كان بالقياس على الفريضة، وليس في الفرائض ست ركعات يجوز أداؤها في قعدة واحدة، فيعاد فيه إلى أصل القياس لهذا. قال: (امرأة صلت خلف الإمام وقد نوى الإمام إمامة النساء فوقفت في وسط الصف، فإنها تفسد صلاة من عن يمينها ومن عن يسارها ومن خلفها بحذائها عندنا استحسانا) وقال الشافعي - رضي الله تعالى عنه - لا تفسد صلاة أحد بسبب المحاذاة؛ لأن محاذاة المرأة الرجل لا تكون أقوى من محاذاة الكلب أو الخنزير إياه، وذلك غير مفسد لصلاة الرجل، ولو فسدت الصلاة بسبب المحاذاة لكان الأولى أن تفسد صلاتها؛ لأنها منهية عن الخروج إلى الجماعة والاختلاط بالصفوف، يدل عليه أن المحاذاة في صلاة الجنازة أو سجدة التلاوة غير مفسد على الرجل صلاته، فكذلك في سائر الصلوات. (ولنا) أنه ترك المكان المختار له في الشرع فتفسد صلاته كما لو أخرها وشرها أولها، فالمختار للرجال التقدم على النساء، فإذا وقف بجنبها أو خلفها فقد ترك المكان المختار له وترك فرضا من فروض الصلاة أيضا، فإن عليه أن يؤخرها عند أداء الصلاة بالجماعة قال - عليه الصلاة والسلام: «أخروهن من حيث أخرهن الله» والمراد من الأمر بتأخيرها لأجل الصلاة فكان من فرائض صلاته، وهذا لأن حال الصلاة حال المناجاة فلا ينبغي أن يخطر بباله شيء من معاني الشهوة فيه، ومحاذاة المرأة إياه لا تنفك عن ذلك عادة، فصار الأمر بتأخيرها من فرائض صلاته، فإذا ترك تفسد صلاته، وإنما لا تفسد صلاتها؛ لأن الخطاب بالتأخير للرجل وهو يمكنه أن يؤخرها من غير أن يتأخر بأن يتقدم عليها، ولهذا لم تفسد صلاة الجنازة بالمحاذاة؛ لأنها ليست بصلاة مطلقة هي مناجاة بل هي قضاء لحق الميت، ثم ليس لها في الصلاة على الجنازة مقام لكونها منهية عن الخروج في الجنائز، ولا تفسد صلاة من هو على يمين من هو على يمينها، ومن على يسار من هو على يسارها إذ هناك حائل بينها وبينهما بمنزلة الأسطوانة، أو كان من الثياب، فإن كان صف تام من النساء وراءهن صفوف من الرجال فسدت صلاة تلك الصفوف كلها استحسانا، والقياس مثل الأول أنه لا تفسد إلا صلاة صف واحد خلف صفوف النساء؛ لأن تحقق المحاذاة في حقهم ولكنه استحسن حديث عمر - رضي الله تعالى عنه - موقوفا عليه ومرفوعا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من كان بينه وبين الإمام نهر أو طريق أو صف من النساء فلا صلاة له» ولأن الصف من النساء بمنزلة الحائط بين المقتدي وبين الإمام، ووجود الحائط الكبير الذي ليس عليه فرجة بين المقتدي والإمام يمنع صحة الاقتداء، فكذلك في الصف من النساء، فأما المرأتان والثلاث إذا وقفن في الصف فالمروي عن محمد بن الحسن - رحمه الله تعالى - أن المرأتين تفسدان صلاة أربعة نفر: من عن يمينهما ومن عن يسارهما ومن خلفهما بحذائهما، والثلاث يفسدن صلاة من عن يمينهن ومن عن يسارهن وثلاثة ثلاثة خلفهن إلى آخر الصفوف، وقال: الثلاث جمع متفق عليه فهو قياس الصف التام، فأما المثنى فليستا بجمع تام فهما قياس الواحدة لا يفسدان إلا صلاة من خلفهما. وعن أبي يوسف - رحمه الله تعالى - روايتان في إحداهما جعل الثلاث كالاثنين وقال لا يفسدن إلا صلاة خمسة نفر: من عن يمينهن ومن عن يسارهن ومن خلفهن بحذائهن؛ لأن الأثر جاء في صف تام والثلاث ليس بصف تام من النساء، وفي الرواية الأخرى جعل المثنى كالثلاث وقال: يفسدان صلاة من عن يمينهما ومن عن يسارهما وصلاة رجلين خلفهما وصلاة رجلين خلفهما إلى آخر الصفوف؛ لأن للمثنى حكم الثلاث في الاصطفاف حين يصطفان خلف الإمام، قال: - عليه الصلاة والسلام - «الاثنان فما فوقهما جماعة»، فإن وقفت بحذاء الإمام تأتم به وقد نوى إمامتها فسدت صلاة الإمام والقوم كلهم؛ لأن الإمام بسبب المحاذاة في صلاة مشتركة تفسد وبفساد صلاته تفسد صلاة القوم، وكان محمد بن مقاتل يقول: لا يصح اقتداؤها؛ لأن المحاذاة اقترنت بشروعها في الصلاة، ولو طرأت كانت مفسدة لصلاتها، فإذا اقترنت منعت صحة اقتدائها، وهذا فاسد؛ لأن المحاذاة لا تؤثر في صلاتها، وإنما تبطل صلاتها بفساد صلاة الإمام فلا تفسد صلاة الإمام إلا بعد شروعها؛ لأن المحاذاة ما لم تكن في صلاة مشتركة لا تؤثر في صلاتها إلا فسادا، حتى أن الرجل والمرأة إذا وقفا في مكان واحد فصلى كل واحد منهما وحده لا تفسد صلاة الرجل؛ لأن الترتيب في المقام إنما يلزمه عند المشاركة كالترتيب بين المقتدي والإمام، والأصل فيه حديث «عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالليل وأنا نائمة بين يديه معترضة كاعتراض الجنازة، فكان إذا سجد خنست رجلي، وإذا قام مددتهما». وأما إذا لم ينو الإمام إمامتها لم تكن داخلة في صلاته فلا تفسد الصلاة على أحد بالمحاذاة عندنا، وقال زفر - رحمه الله تعالى - يصح اقتداؤها به، وإن لم ينو إمامتها، والقياس ما قاله زفر، فإن الرجل صالح لإمامة الرجال والنساء جميعا، ثم اقتداء الرجال بالرجل صحيح، وإن لم ينو الإمامة، فكذلك اقتداء النساء، واستدل بالجمعة والعيدين، فإن اقتداء المرأة بالرجل صحيح فيهما، وإن لم ينو إمامتها. (ولنا) أن الرجل لما كان يلحق صلاته فساد من جهة المرأة أمكنه التحرز عنه بالنية كالمقتدي لما كانت صلاته يلحقها فساد من جهة الإمام أمكنه التحرز عنه بالنية، وهو أن لا ينوي الاقتداء به، وهذا؛ لأنا لو صححنا اقتداءها بغير النية قدرت على إفساد صلاة الرجل كل امرأة متى شاءت بأن تقتدي به، فتقف إلى جنبه وفيه من الضرر ما لا يخفى، وفي صلاة الجمعة والعيدين أكثر مشايخنا قالوا: لا يصح اقتداؤها به ما لم ينو إمامتها، وإن كان الجواب مطلقا في الكتاب، ومنهم من سلم فقال: الضرورة في جانبها هاهنا؛ لأنها لا تقدر على أداء صلاة العيد والجمعة وحدها ولا تجد إماما آخر تقتدي به، والظاهر أنها لا تتمكن من الوقوف بجنب الإمام في هذه الصلوات لكثرة الازدحام فصححنا اقتداءها به لدفع الضرر عنها، بخلاف سائر الصلوات، وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - أنها إذا وقفت خلف الإمام جاز اقتداؤها به، وإن لم ينو إمامتها ثم إذا وقفت إلى جنبه فسدت صلاتها لا صلاة الرجل، وهذا قول أبي حنيفة - رحمه الله - الأول، ووجهه أنها إذا وقفت خلفه فقصدها أداء الصلاة لا فساد صلاة الرجل فلا يشترط نية الإمامة، فإذا وقفت إلى جنبه فقد قصدت إفساد صلاته فرد قصدها بإفساد صلاتها إلا أن يكون الرجل قد نوى إمامتها، فحينئذ هو ملتزم بهذا الضرر. قال: (وإذا سبق الرجل المرأة ببعض الصلاة فلما سلم الإمام قاما يقضيان فوقفت بحذاء الرجل لم تفسد صلاته، ولو كانا لاحقين بأن أدركا أول الصلاة ثم ناما أو سبقهما الحدث فوقفت المرأة بحذائه فيما يتمان فصلاة الرجل فاسدة) ؛ لأن المسبوق فيما يقضي كالمنفرد حتى تلزمه القراءة وسجود السهو إذا سها، فلم توجد المحاذاة في صلاة مشتركة، فأما اللاحق فيما يتم كالمقتدي حتى لا يقرأ، ولو سها لا يلزمه سجود السهو فوجدت المحاذاة في صلاة مشتركة. وفقه هذا الحرف أن اللاحق لما اقتدى بالإمام في أول الصلاة قد التزم أداء جميع الصلاة بصفة الاقتداء، فلا يجوز أداؤه بدون هذه الصفة، فأما المسبوق إنما التزم بحكم الاقتداء ما بقي على الإمام دون ما فرغ منه؛ لأن ذلك لا يتصور فجعلناه كالمنفرد فيما يقضي بهذا. قال: (وإن كان الإمام يصلي الظهر فائتمت به امرأة تريد التطوع وقد نوى الإمام إمامتها ثم وقفت بحذائه فسدت صلاته وصلاتها) ؛ لأن اقتداء المتنفل بالمفترض صحيح، فوجدت المحاذاة في صلاة مشتركة، وعليها قضاء التطوع؛ لأن الفساد كان بعد صحة شروعها بسبب فساد صلاة الإمام، وإن كانت نوت العصر لم تجزها صلاتها ولم تفسد على الإمام صلاته؛ لأن تغاير الفرضين يمنع صحة الاقتداء على ما مر في باب الأذان، وما ذكرنا هاهنا دليل على أنها لا تصير شارعة في الصلاة أصلا، بخلاف ما ذكره في باب الأذان ففيه روايتان، وبعض مشايخنا قال: الجواب ما ذكر في باب الأذان، ومعنى ما ذكر هاهنا أن الإمام لم ينو إمامتها في صلاة العصر، فتجعل هي في الاقتداء به بنية العصر بمنزلة ما لم ينو إمامتها، فلهذا لا تصير شارعة في صلاة التطوع. قال: (ويصلي العراة وحدانا قعودا بإيماء) وقال بشر المريسي - رحمه الله - يصلون قياما بركوع وسجود وهو قول الشافعي - رضي الله تعالى عنه -؛ لأنهم عجزوا عن شرط الصلاة وهو ستر العورة فهم قادرون على أركانها، فعليهم الإتيان بما قدروا عليه، وسقط عنهم ما عجزوا عنه، ومذهبنا مروي عن ابن عباس وابن عمر - رضي الله تعالى عنهم - قالا: العاري يصلي قاعدا بالإيماء، ولأن القعود والإيماء أستر لهم، وفي القيام والركوع والسجود زيادة كشف العورة، وذلك حرام في الصلاة وغير الصلاة، فكل ركوع وسجود لا يمكنه أن يأتي به إلا بكشف العورة فذلك حرام، فلا يكون من أركان صلاته، فلهذا لا يلزمه القيام والركوع والسجود. وإن صلوا جماعة قياما بركوع وسجود أجزأهم؛ لأن تمام الستر لا يحصل بالقعود فتركه لا يمنع جواز الصلاة، وإنما أمرناهم بترك الجماعة ليتباعد بعضهم من بعض، فلا يقع بصر بعضهم على عورة البعض؛ لأن الستر يحصل به ولكن الأولى لإمامهم إذا صلوا بجماعة أن يقوم وسطهم لكي لا يقع بصرهم على عورته، وإن تقدمهم جاز أيضا وحالهم في حال الموضع كحال النساء في الصلاة فالأولى أن يصلين وحدهن، فإن صلين بالجماعة قامت إمامهن وسطهن، وإن تقدمتهن جاز فكذلك حال العراة. وإن كان مع العاري ثوب فيه نجاسة، فإن كان قدر الربع من الثوب طاهرا يلزمه أن يصلي فيه فلو صلى عريانا لم تجز؛ لأن الربع بمنزلة الكمال في بعض الأحكام ألا ترى أن نجاسة الربع في حالة الاختيار في المنع من جواز الصلاة كنجاسة الكل فكذلك طهارة الربع في حالة الضرورة كطهارة الكل لوجوب الصلاة فيه، وأما إذا كان الثوب كله مملوءا دما، أو كان الطاهر منه دون ربعه فعند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله تعالى - يخير بين أن يصلي عريانا وبين أن يصلي فيه وهو الأفضل، وقال محمد - رحمه الله تعالى - لا تجزئه الصلاة إلا فيه؛ لأن الصلاة في الثوب النجس أقرب إلى الجواز من الصلاة عريانا، فإن القليل من النجاسة في الثوب لا يمنع الجواز، فكذلك الكثير في قول بعض العلماء، وقال عطاء من صلى وفي ثوبه سبعون قطرة من دم جازت صلاته، ولم يقل أحد بجواز الصلاة عريانا في حالة الاختيار، ولأنه لو صلى عريانا كان تاركا لفرائض منها ستر العورة ومنها القيام والركوع والسجود، فإذا صلى فيه كان تاركا فرضا واحدا وهو طهارة الثوب فهذا الجانب أهون. «وقالت عائشة - رضي الله تعالى عنها: ما خير الرسول - صلى الله عليه وسلم - بين شيئين إلا اختار أهونهما فمن ابتلي ببليتين فعليه أن يختار أهونهما» وأبو حنيفة وأبو يوسف - رحمهما الله تعالى - قالا: الجانبان في حكم الصلاة سواء على معنى أن كل واحد منهما ضرورة محضة لا تجوز عند الاختيار في النفل ولا في الفرض يعني الصلاة عريانا والصلاة في ثوب مملوء دما، وإنما يعتبر التفاوت في حكم الصلاة، فإذا استويا خير بينهما، والأولى أن يصلي فيه؛ لأن ستر العورة غير مختص بالصلاة، وطهارة الثوب عن النجاسة تختص بها، فلهذا كان الأفضل أن يصلي فيه. قال: (وإذا أحدث الرجل في ركوعه أو سجوده فذهب وتوضأ وجاء لم يجزئه الاعتداد بالركوع والسجود الذي أحدث فيه) ؛ لأن الحدث قد نقضه، ومعنى هذا أن القياس أن يفسد جميع الصلاة بالحدث تركناه بالنص المجوز للبناء على الصلاة، فبقي معمولا به في حق الركن الذي أحدث فيه؛ لأن انتقاض ذلك الركن لا يمنع من البناء، ولأن تمام الركن بالانتقال عنه، ولا يمكن أن يجعل رفع رأسه بعد الحدث إتماما لذلك الركن؛ لأنه جزء من صلاته، وأداء جزء من صلاته بعد سبق الحدث مفسد لصلاته، وإذا جاء بعد الوضوء فعليه إتمام ذلك الركن، ولا يمكنه إتمامه إلا بإعادته فعليه الإعادة لهذا قال: (فإن كان إماما فأحدث وهو راكع فتأخر وقدم رجلا مكث الرجل راكعا كما هو حتى يكون قدر ركوعه) ؛ لأن الاستدامة فيما يستدام كالإنشاء، والثاني قائم مقام الأول، وعلى الأول إنشاء الركوع فعلى الثاني استدامته أيضا، فإن لم يحدث ولكن تذكر في الركوع في الركعة الثانية أنه ترك سجدة من الركعة الأولى فخر ساجدا ثم رفع رأسه، فإن احتسب بذلك الركوع جاز، وإن أعاده فهو أحب إلي؛ لأن تذكره السجود غير ناقض لركوعه، ولأن رفع رأسه يمكن أن يجعل إتماما للركوع بعد تذكره السجدة، ألا ترى أنه لو أخرها إلى آخر صلاته جاز، فلهذا كان له أن يعتد به، والإعادة أفضل؛ لأنه ما قصد إتمام الركن بالانتقال عنه إنما قصد إذا تذكر، وقال زفر - رحمه الله - عليه أن يعيد القيام والقراءة والركوع؛ لأن من أصله أن مراعاة الترتيب في أفعال الصلاة ركن واجب فالتحقت هذه السجدة بمحلها وبطل ما أدى من القيام والقراءة والركوع لترك الترتيب، فأما عندنا مراعاة الترتيب ليست بركن ألا ترى أن المسبوق يبدأ بما أدرك مع الإمام فيه، ولو كان الترتيب ركنا لما جاز له تركها بعذر الجماعة كالترتيب بين الصلوات، ولئن كان الترتيب واجبا فقد سقط بعذر النسيان. وعن أبي يوسف - رحمه الله تعالى - أن عليه إعادة الركوع لا محالة، وهو بناء على أصله أن القومة التي بين الركوع والسجود ركن حتى لو تركها لا تجوز صلاته، وأصل المسألة أن الاعتدال في أركان الصلاة سنة مؤكدة أو واجب عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - وعند أبي يوسف والشافعي - رحمهما الله تعالى - هو ركن، حتى إنه إن لم يتم ركوعه وسجوده في الصلاة ولم يقم صلبه تجوز صلاته عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - ويكره أشد الكراهة، وروي عن أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - قال: أخشى أن لا تجوز صلاته، وعند أبي يوسف والشافعي - رحمهما الله تعالى - لا تجوز صلاته أصلا لحديث «الأعرابي، فإنه دخل المسجد وخفف فقال له - عليه الصلاة والسلام: ارجع فصل، فإنك لم تصل حتى فعل ذلك ثلاثا، ثم حين علمه قال: له اركع حتى يطمئن كل عضو منك، ثم ارفع رأسك حتى يطمئن كل عضو منك» الحديث ورأى حذيفة بن اليمان رجلا يصلي ولا يتم الركوع والسجود، فقال: مذ كم تصلي هكذا، فقال: مذ كذا، فقال: إنك لم تصل منذ كذا، ومثل هذا لا يعلم بالرأي، وإنما يقال سماعا. (ولنا) ما روي «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان في المسجد مع أصحابه فدخل رجل وصلى وخفف فلما خرج أساءوا القول فيه فقالوا: أخرها ثم لم يحسن أداءها، فقال - عليه الصلاة والسلام: ألا أحد يشتري صلاته منه، فخرج أبو هريرة - رضي الله عنه - فاشتراها بدرهم فأبى فما زال يزيد حتى ضجر الرجل، فقال: لو أعطيتني ملء الأرض ذهبا ما بعتكها، فعاد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بذلك، فقال: ألم أنهكم عن المصلين» فقد جعل فعله صلاة معتبرة، وسئل ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - عن صلاة الأعراب الذين ينقرون نقرا، فقال: ذلك خير من لا شيء، ولأن الركنية لا تثبت إلا باليقين، وإنما ورد النص بالركوع والسجود، ومطلق الاسم يتناول الأدنى فبقيت الركنية بذلك القدر، والزيادة على ذلك للإكمال، ولكن ترك ما هو لإكمال الفريضة مما ليس بركن لا يفسده، وقد نص عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث الأعرابي فيما علمه، فإنه قال: «إذا فعلت ذلك فقد أتممت صلاتك، وإن نقصت من ذلك فقد نقصت صلاتك». إذا عرفنا هذا فنقول عند أبي يوسف - رحمه الله تعالى - القومة التي بين الركوع والسجود ركن، فإنه إذا تذكر السجدة في الركوع إما السجدة الصلاتية أو التلاوية فخر لها ساجدا ولم يأت بتلك القومة فعليه إعادة الركوع ليأتي بتلك القومة. وعندنا تلك القومة ليست بركن فتركها لا يفسد الصلاة والأولى الإعادة ليأتي بها. ثم قدر الركن من الركوع أدنى الانحطاط على وجه يسمى راكعا في الناس، وفي السجود إمساس جبهته أو أنفه على الأرض عند أبي حنيفة - رحمه الله تعالى -، والمفروض من الرفع بين السجدتين قدر ما يزايل جبهته وأنفه الأرض ليتحقق به الفصل بين السجدتين. وقال بعض مشايخنا - رحمهم الله تعالى: لا يجوز إلا أن يرفع بقدر ما يكون إلى القعود أقرب منه إلى السجود، والأول أقيس. قال: (وإذا أدرك الرجل ركعة مع الإمام من المغرب فلما سلم الإمام قام يقضي قال: يصلي ركعة ويقعد) ، وهذا استحسان، والقياس يصلي ركعتين ثم يقعد؛ لأنه يقضي ما فاته فيقضي كما فاته، ويؤيد هذا القياس بالسنة وهو قوله - صلى الله عليه وسلم: «وما فاتكم فاقضوا» ووجه الاستحسان أن هذه الركعة ثانية هذا المسبوق، والقعدة بعد الركعة الثانية في صلاة المغرب سنة، وهذا لأن الثانية هي الثالثة للأولى، والثانية للأولى في حقه هذه الركعة، وروي أن جندبا ومسروقا - رضي الله تعالى عنهما - ابتليا بهذا، فصلى جندب ركعتين ثم قعد، ومسروق ركعة ثم قعد، ثم صلى ركعة أخرى، فسألا عن ذلك ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه -، فقال: كلاكما أصاب، ولو كنت أنا لصنعت كما صنع مسروق، وتأويل قوله: كلاكما أصاب طريق الاجتهاد، فأما الحق فواحد غير متعدد، ثم ما يصلي المسبوق مع الإمام آخر صلاته حكما عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله تعالى - وعند محمد - رحمه الله تعالى - في القراءة والقنوت هو آخر صلاته، وفي حكم القعدة هو أول صلاته، ومذهبه مذهب ابن مسعود، ومذهبهما مذهب علي - رضي الله تعالى عنه -، وقال الشافعي - رضي الله تعالى عنه - هو أول صلاته فعلا وحكما؛ لأنه لا يتصور الآخر إلا بعد الأول في الأداء، ألا ترى أن تكبيرة الافتتاح في حقه أول الصلاة فكذلك ما بعده، ولكنا نقول: لو كان هذا مؤديا لأول الصلاة كان مخالفا لإمامه، ولا يصح الاقتداء به كيف وقد قال رسول الله: - صلى الله عليه وسلم - «ما فاتكم فاقضوا» فهو نص على أنه مؤد مع الإمام ما أدرك لا ما فاته، ولكن محمد - رحمه الله تعالى - جعله في حكم القراءة هكذا احتياطا حتى تلزمه القراءة فيما يقضي؛ لأن القراءة مكررة في صلاة واحدة، وكذلك في حكم القنوت؛ لأنه يتكرر في صلاة واحدة، فلو جعلنا ما يؤديه مع الإمام أول الصلاة للزمه القنوت فيما يقضي، فيؤدي إلى تكرار القنوت في صلاة واحدة، فأما في حكم القعدة فتتم الصلاة بقعدة هي ركن، ولن يكون ذلك إلا بعد أن يجعل ما يؤديه مع الإمام أول الصلاة، فلهذا قعد إذا صلى ركعة، وحكي عن يحيى البناء وكان من أصحاب محمد - رحمه الله تعالى - أنه سأله عن هذه المسألة، فأجاب بما قلنا، فقال على وجه السخرية: هذه صلاة معكوسة، فقال محمد - رحمه الله تعالى - لا أفلحت، قال: وكان كما قال: أفلح أصحابه ولم يفلح بدعائه. قال: (وأحب أن يكون بين يدي المصلي في الصحراء شيء أدناه طول ذراع) لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إذا صلى أحدكم في الصحراء فليتخذ بين يديه سترة» وكانت العنزة تحمل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتركز في الصحراء بين يديه فيصلي إليها، حتى قال عون بن جحيفة عن أبيه «رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبطحاء في قبة حمراء من أدم، فركز بلال العنزة، وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي إليها، والناس يمرون من ورائها»، وإنما قال: بقدر ذراع طولا ولم يذكر العرض، وكان ينبغي أن تكون في غلظ أصبع لقول ابن مسعود، يجزئ من السترة السهم، فإن المقصود أن يبدو للناظر فيمتنع من المرور بين يديه، وما دون هذا لا يبدو للناظر من بعد، (وإذا اتخذ السترة فليدن منها) لما جاء في الحديث «إذا صلى أحدكم إلى سترة فليرهقها»، وإن لم يكن بين يديه شيء، فصلاته جائرة؛ لأن الأمر باتخاذ السترة ليس لمعنى راجع إلى عين الصلاة، فلا يمنع تركه جواز الصلاة. ![]()
__________________
|
|
#10
|
||||
|
||||
![]() الكتاب: المبسوط فى الفقه الحنفى المؤلف: محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي (ت ٤٨٣ هـ) عدد الأجزاء: ٣١ (الأخير فهارس) المجلد الاول صـــ 191 الى صـــ 200 (20) وإن مر بين يديه مار من رجل أو امرأة أو حمار أو كلب لم يقطع صلاته عندنا، وقال أصحاب الظواهر مرور المرأة والحمار والكلب بين يدي المصلي يفسد صلاته لحديث أبي ذر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب»، وفي بعض الروايات قال «الكلب الأسود، فقيل له: وما بال الأسود من غيره، فقال: أشكل علي ما أشكل فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال الكلب الأسود شيطان». (ولنا) حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا يقطع الصلاة مرور شيء وادرءوا ما استطعتم» والحديث الذي رووا ردته «عائشة - رضي الله تعالى عنها -، فإنها قالت لعروة: يا عروة ماذا يقول أهل العراق.؟ قال: يقولون تقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب، فقالت: يا أهل العراق والشقاق والنفاق قرنتموني بالكلاب والحمير، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالليل وأنا معترضة بين يديه كاعتراض الجنازة» والدليل على أن مرور المرأة لا يقطع الصلاة ما روي «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي في بيت أم سلمة فأراد عمر بن أبي سلمة أن يمر بين يديه فأشار عليه فوقف، ثم أرادت زينب أن تمر بين يديه فأشار عليها فلم تقف فلما فرغ من صلاته، قال: هن أغلب صاحبات يوسف يغلبن الكرام ويغلبهن اللئام» والدليل على أن مرور الحمار والكلب لا يقطع الصلاة حديث «ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: زرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع أخي الفضل على حمار في البادية فنزلنا فوجدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي فصلينا معه والحمار يرتع بين يديه». وينبغي أن يدفع المار عن نفسه لا لكي لا يشغله عن صلاته عملا بقوله - صلى الله عليه وسلم: «وادرءوا ما استطعتم» إلا أنه يدفعه بالإشارة أو الأخذ بطرف ثوبه على وجه ليس فيه مشي ولا علاج، ومن الناس من قال: إن لم يقف بإشارته جاز دفعه بالقتال، لحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - أنه كان يصلي فأراد أن يمر ابن مروان بين يديه، فأشار عليه فلم يقف، فلما حاذاه ضربه على صدره ضربة أقعده على استه، فجاء إلى أبيه يشكو أبا سعيد فدعاه فقال: لم ضربت ابني، فقال: ما ضربت ابنك إنما ضربت الشيطان، قال: لم تسمي ابني شيطانا قال: لأني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذا صلى أحدكم فأراد مار أن يمر بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله، فإنه شيطان» ولكنا نستدل بقوله - عليه الصلاة والسلام: «إن في الصلاة لشغلا» يعني بأعمال الصلاة، وتأويل حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - أنه كان في وقت كان العمل مباحا في الصلاة. (ويكره للمار أن يمر بين يدي المصلي) لقوله - صلى الله عليه وسلم: «لو علم المار بين يدي المصلي ما عليه لوقف، ولو إلى أربعين» ولم يوقت يوما ولا شهرا ولا سنة. (وحد المرور بين يديه غير منصوص في الكتاب، وقيل إلى موضع سجود، وقيل بقدر الصفين) ، وأصح ما قيل فيه أن المصلي لو صلى بخشوع فإلى الموضع الذي يقع بصره على المار يكره المرور بين يديه، وفيما وراء ذلك لا يكره، وحكى أبو عصمة عن محمد - رحمه الله تعالى - إذا لم يجد سترة يخط بين يديه، فإن الخط وتركه سواء؛ لأنه لا يبدو للناظر من بعد، ومن الناس من يقول يخط بين يديه إما طولا شبه ظل السترة أو عرضا شبه المحراب لقوله - عليه الصلاة والسلام: «إذا صلى أحدكم في الصحراء فليتخذ بين يديه سترة، فإن لم يجد فليخط بين يديه خطا» ولكن الحديث شاذ فيما تعم به البلوى فلم نأخذ به لهذا. قال: (وإذا انفرد المصلي خلف الإمام عن الصف لم تفسد صلاته) وقال أهل الحديث منهم أحمد بن حنبل - رحمه الله - تفسد صلاته لقوله - صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمنفرد خلف الصف» وعن فرافصة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - «رأى رجلا يصلي في حجرة من الأرض فقال: أعد صلاتك فإنه لا صلاة لمنفرد خلف الصف». (ولنا) حديث «أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: فأقامني واليتيم من ورائي وأمي أم سليم وراءنا»، فقد جوز اقتداءها وهي منفردة خلف الصف، وفي هذا الحديث دليل على أنها تفسد صلاة الرجل؛ لأنه أقامها خلفهما مع النهي عن الانفراد، فما كان ذلك إلا صيانة لصلاتهما «، وإن أبا بكر - رضي الله تعالى عنه - دخل المسجد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - راكع فكبر وركع ثم دب حتى لصق بالصف، فلما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من صلاته قال: زادك الله حرصا ولا تعد أو قال: لا تعد»، فقد جوز اقتداءه به وهو خلف الصف. يدل عليه أنه لو كان بجنبه مراهق تجوز صلاته بالاتفاق، وصلاة المراهق تخلق فهو في الحقيقة منفرد خلف الصف، ولذلك لو تبين أن من كان بجنبه كان محدثا تجوز صلاته وهو منفرد خلف الصف، وتأويل الحديث نفي الكمال لقوله - صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» والأمر بالإعادة شاذ، ولو ثبت فيحتمل أنه كان بينه وبين الإمام ما يمنع الاقتداء، وفي الحديث ما يدل عليه، فإنه قال: في حجرة من الأرض أي ناحية ولكن الأولى عندنا أن يختلط بالصف إن وجد فرجة، وإن لم يجد وقف ينتظر من يدخل فيصطفان معه، فإن لم يدخل أحد وخاف فوت الركعة جذب من الصف إلى نفسه من يعرف منه علما وحسن الخلق لكي لا يصعب عليه فيصطفان خلفه، فإن لم ينجر إليه أحد حينئذ يقف خلف الصف بحذاء الإمام لأجل الضرورة، فإن كان بين الإمام وبين المقتدي حائط أجزأته، وفي رواية الحسن عن أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - لا تجزئه، وإليه أشار في الأصل في تعليل مسألة المحاذاة. وفي الحاصل هذا على وجهين: إن كان الحائط قصيرا دليلا يعني به الصغير جدا حتى يتمكن كل أحد من الركوب عليه كحائط المقصورة لا يمنع الاقتداء، وإن كان كبيرا، فإن كان عليه باب مفتوح أو خوخة فكذلك، وإن لم يكن عليه شيء من ذلك ففيه روايتان. وجه الرواية التي قال: لا يصح الاقتداء أنه يشتبه عليه حال إمامه، ووجه الرواية الأخرى ما ظهر من عمل الناس كالصلاة بمكة، فإن الإمام يقف في مقام إبراهيم، وبعض الناس يقفون وراء الكعبة من الجانب الآخر، فبينهم وبين الإمام حائط الكعبة، ولم يمنعهم أحد من ذلك، فإن كان بينهما طريق يمر الناس فيه أو نهر عظيم لم تجز صلاته لما روي عن عمر - رضي الله تعالى عنه - من كان بينه وبين الإمام نهر أو طريق فلا صلاة له، وفي رواية فليس معه، والمراد طريق تمر فيه العجلة فما دون ذلك الطريق لا طريق، والمراد من النهر ما تجري فيه السفن فما دون ذلك بمنزلة الجدار لا يمنع صحة الاقتداء، فإن كانت الصفوف متصلة على الطريق جاز الاقتداء حينئذ؛ لأن باتصال الصفوف خرج هذا الموضع من أن يكون ممرا للناس وصار مصلى في حكم هذه الصلاة، وكذلك إن كان على النهر جسر وعليه صف متصل فبحكم اتصال الصفوف صار في حكم واحد، فيصح الاقتداء. قال: (والفتح على الإمام لا يفسد الصلاة) يعني المقتدي، فأما غير المقتدي إذا فتح على المصلي تفسد به صلاة المصلي، وكذلك المصلي إذا فتح على غير المصلي؛ لأنه تعليم وتعلم، والقارئ إذا استفتح غيره فكأنه يقول: بعد ما قرأت ماذا فذكرني، والذي يفتح عليه كأنه يقول بعد ما قرأت كذا فخذ مني، ولو صرح بهذا لم يشكل فساد صلاة المصلي، فأما المقتدي إذا فتح على إمامه هكذا في القياس، ولكنه استحسن لما روي «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ سورة المؤمنين فترك حرفا، فلما فرغ قال: ألم يكن فيكم أبي، فقالوا: نعم يا رسول الله، فقال: هلا فتحت علي فقال ظننت أنها نسخت، فقال: لو نسخت لأنبأتكم بها» وعن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: إذا استطعمك الإمام فأطعمه وابن عمر قرأ الفاتحة في صلاة المغرب فلم يتذكر سورة، فقال نافع: {إذا زلزلت الأرض زلزالها} [الزلزلة: 1] فقرأها، ولأن المقتدي يقصد إصلاح صلاته، فإن قرأ الإمام فلتحقق حاجته قلنا لا تفسد صلاته، وبهذا لا ينبغي أن يعجل بالفتح على الإمام ولا ينبغي للإمام أن يحوجه إلى ذلك بل يركع أو يتجاوز إلى آية أو سورة أخرى، فإن لم يفعل وخاف أن يجري على لسانه ما يفسد الصلاة فحينئذ يفتح لقول علي - رضي الله تعالى عنه - إذا استطعمك الإمام فأطعمه وهو مليم أي مستحق اللوم؛ لأنه أحوج المقتدي إلى ذلك، وقد قال بعض مشايخنا: ينوي بالفتح على إمامه التلاوة وهو سهو، فقراءة المقتدي خلف الإمام منهي عنها، والفتح على إمامه غير منهي عنه، ولا يدع نية ما رخص له بنية شيء هو منهي عنه، وإنما هذا إذا أراد أن يفتح على غير إمامه فحينئذ ينبغي أن ينوي التلاوة دون التعليم فلا يضره ذلك. قال: (وقتل الحية والعقرب في الصلاة لا يفسدها) لقوله - عليه الصلاة والسلام: «اقتلوا الأسودين، ولو كنتم في الصلاة» «ولدغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عقرب في صلاته فوضع عليه نعله وغمزه حتى قتله، فلما فرغ قال: لعن الله العقرب لا تبالي نبيا ولا غيره، أو قال مصليا ولا غيره»، ولأنه رخص للمصلي أن يدرأ عن نفسه ما يشغله عن صلاته، وهذا من جملة ذاك وقيل: هذا إذا أمكنه قتل الحية بضربة واحدة كما فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العقرب، فأما إذا احتاج إلى معالجة وضربات فليستقبل الصلاة كما لو قاتل إنسانا في صلاته؛ لأن هذا عمل كثير والأظهر أن الكل سواء فيه؛ لأن هذا عمل رخص فيه للمصلي فهو كالمشي بعد الحدث والاستقاء من البئر والتوضؤ، وإذا رمى طائرا بحجر لم تفسد صلاته؛ لأن هذا عمل قليل ولكنه مكروه؛ لأنه اشتغال بما ليس من أعمال الصلاة، ولم يذكر الكراهة في قتل الحية والعقرب؛ لأنه محتاج إلى ذلك لدفع أذاها عن نفسه، وليس في أذى الطير ما يحوجه إلى هذا لدفع أذاها عن نفسه فلهذا ذكر الكراهة فيه. وإن أخذ قوسا ورمى به فسدت صلاته، وبعض أهل الأدب عابوا عليه في هذا اللفظ، وقالوا: الرمي بالقوس إسقاطه من يده، وإنما يقال: يرمي إذا رمى بالسهم غير أن المقصود لمحمد كان تعليم عامة الناس، ووجد هذا اللفظ معروفا في لسان العامة فلهذا ذكره، وإنما فسدت صلاته؛ لأنه عمل كثير، فإن أخذ القوس وتثقيف السهم عليه والمد حتى رمى عمل كثير يحتاج فيه إلى استعمال اليدين، والناظر إليه من بعيد لا يشك أنه في غير الصلاة، فكان مفسدا لهذا، وكذلك لو ادهن أو سرح رأسه أو أرضعت المرأة صبيها، من أصحابنا من جعل الفاصل بين العمل القليل والكثير أن يحتاج فيه إلى استعمال اليدين حتى قالوا إذا زر قميصه في الصلاة فسدت صلاته، وإذا حل إزاره لم تفسد، والأصح أن يقال فيه: إن كل عمل إذا نظر إليه الناظر من بعيد لا يشك أنه في غير الصلاة فهو مفسد لصلاته، وكل عمل لو نظر إليه الناظر فربما يشتبه عليه أنه في الصلاة فذلك غير مفسد، فما ذكر من الأعمال إذا نظر الناظر إليه لا يشك أنه في غير الصلاة، فإن المرأة إذا حملت صبيها أو أرضعته لم يشكل على أحد أنها في غير الصلاة، وقد روينا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - «قرأ المعوذتين في صلاة الفجر ثم قال: سمعت بكاء صبي فخشيت على أمه أن تفتتن»، فلو كان الإرضاع غير مفسد للصلاة لما ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة القراءة لأجل بكائه. وإن قاتل في صلاته فسدت صلاته؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - شغل عن أربع صلوات يوم الخندق لكونه مشغولا بالقتال فلو جازت الصلاة مع القتال لما أخرها. وكذلك إن أكل أو شرب في الصلاة ناسيا أو عامدا، بخلاف الصوم، فإنه يفصل بين النسيان والعمد؛ لأنه قد اقترن بحال المصلي ما يذكره، فإن حرمة الصلاة مانعة من التصرف في الطعام المؤدي إلى الأكل، فلهذا سوى بين النسيان والعمد، وفي الصوم لم يقترن بحاله ما يذكره، فإن الصوم لا يمنعه ما يؤدي إلى الأكل وهو التصرف في الطعام، ثم الأكل عمل لو نظر إليه الناظر لا يشك أنه في غير الصلاة. وعلى هذا قال محمد مضغ العلك في الصلاة يفسدها؛ لأن الناظر إليه من بعيد لا يشك أنه في غير الصلاة، وإن كان في أسنانه شيء فابتلعه لم يضره؛ لأن ما يبقى بين الأسنان في حكم التبع لريقه فلهذا لا يفسد الصوم، وهذا إذا كان دون الحمصة، فإن ذلك يبقى بين الأسنان عادة، وكذلك إن قلس أقل من ملء الفم ثم رجع فدخل جوفه وهو لا يملكه فهذا بمنزلة ريقه، ألا ترى أنه لا ينقض وضوءه فكذلك لا يفسد صلاته، والمتهجد بالليل فقد يبتلى بهذا خصوصا في ليالي رمضان إذا امتلأ من الطعام عند الفطر، فللبلوى قلنا لا تفسد صلاته. قال: (وإن انتضح البول على المصلي أكثر من قدر الدرهم من موضع فانفتل فغسله لم يبن على صلاته) ، وفي الإملاء عن أبي يوسف - رحمه الله تعالى - قال: يبني؛ لأن هذا بعض ما ورد به النص، فقد روينا في الرعاف، ومن رعف يحتاج إلى غسل أنفه إلى الوضوء، فإذا كان له أن يبني ثمة فهاهنا أولى. وجه ظاهر الرواية أن البناء على الصلاة حكم ثبت بالآثار، بخلاف القياس فلا يلحق به إلا ما يكون في معناه من كل وجه، وهذا ليس في معنى المنصوص عليه؛ لأن الانصراف هناك كان للوضوء ولا بد منه، والانصراف هاهنا لغسل النجاسة عن الثوب، وقد لا يحتاج إليه بأن يكون عليه ثوبان فيلقي ما تنجس من ساعته، فلهذا أخذنا فيه بالقياس وقلنا: لا يبني. قال: (وإن سال من دمل به دم توضأ وغسل وبنى على صلاته كما لو رعف) ومراده من هذا إذا سال بغير فعله، فأما إذا عصره حتى سال أو كان في موضع ركبتيه فانفتح من اعتماده على ركبتيه في سجوده فهذا بمنزلة الحدث العمد، قال علي لا يبني على صلاته، وإن أصابته بندقة فشجته فسال منه دم لم يبن على صلاته في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - وقال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - يبني إذا توضأ؛ لأن عمر - رضي الله تعالى عنه - لما طعن في المحراب استخلف عبد الرحمن بن عوف، ولو فسدت صلاته لفسدت صلاة القوم فلم يستخلفه، ولأن الحدث سبقه بغير صنعه فهو كالحدث السماوي. (ولنا) أن الحدث كان بصنع العباد فيمنعه كما لو كان بصنعه؛ لأن هذا ليس في معنى المنصوص عليه، فإن الحدث السماوي العذر المانع من المضي ممن له الحق، وهنا العذر من غير من له الحق وبينهما فرق، فإن المريض يصلي قاعدا ثم لا يعيد إذا برأ، والمقيد يصلي قاعدا ثم تلزمه الإعادة عند إطلاقه، وحديث عمر - رضي الله تعالى عنه - كان قبل افتتاح الصلاة ليفتتح الصلاة، ألا ترى أنه روي أنه لما طعن قال آه قتلني الكلب من يصلي بالناس ثم قال: تقدم يا عبد الرحمن، وهذا كلام يمنع البناء على الصلاة قال: (وإن نام في صلاته فاحتلم في القياس يغتسل ويبني) يريد القياس على الاستحسان في الحدث الصغرى ولكني أستحسن أن يستقبل يريد العود إلى القياس الأول؛ لأن هذا ليس في معنى المنصوص عليه، فإنه يحتاج في الاغتسال إلى كشف العورة ولا يحتاج إليه في الوضوء، ولأن المصلي قد يبتلى بالحدث الصغرى عادة فمن النادر أن يبتلى بالحدث الموجب للاغتسال، والنادر ليس في معنى ما تعم به البلوى. قال: (وإذا سقط عن المصلي ثوبه فقام عريانا وهو لا يعلم ثم تذكر من ساعته فتناول ثوبه ولبسه، فإنه يمضي على صلاته) ، وفي القياس يستقبل الصلاة لوجود انكشاف العورة في الصلاة، وهو مناف لما ابتدأها ولكنه استحسن فقال: الانكشاف الكثير في المدة اليسيرة بمنزلة الانكشاف اليسير في المدة الطويلة وذلك لا يمنع جواز الصلاة فهذا مثله، وهذا إذا لم يؤد ركنا ولم يمكث عريانا بقدر ما يتمكن فيه من أداء ركن فإن مكث عريانا ذلك القدر فليس له أن يبني قياسا واستحسانا، وكذلك إن سال عليه نجاسة كثيرة وعليه ثوبان، فإن ألقى النجس من ساعته فهو على القياس، والاستحسان كما مر، وإن أدى ركنا أو مكث بقدر ما يتمكن من أداء ركن استقبل الصلاة. [صلت المرأة وربع ساقها مكشوف] قال: (وإذا صلت المرأة وربع ساقها مكشوف أعادت الصلاة) ، وإن كان أقل من ذلك لم تعد عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - وقال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - لا تعيد حتى يكون النصف مكشوفا. فالحاصل أن ستر العورة فرض لقوله تعالى: {خذوا زينتكم عند كل مسجد} [الأعراف: 31] والمراد ستر العورة لأجل الصلاة لا لأجل الناس، والناس في الأسواق أكثر منهم في المساجد، ورأس المرأة عورة قال - عليه الصلاة والسلام - «لا يقبل الله صلاة امرأة حائض إلا بخمار» أي صلاة بالغة، فإن الحائض لا تصلي. ثم القليل من الانكشاف عفو عندنا خلافا للشافعي - رحمه الله تعالى - وهو نظير القليل من النجاسة. ودليلنا فيه ضرورة وبلوى خصوصا في حق الفقراء، والذين لا يجدون إلا الخلق من الثياب، فقد روي عن عمرو بن أبي سلمة قال: كنت أؤم أصحابي يعني الصبيان على إزار متخرق فكانوا يقولون لأمي غطي عنا است ابنك فدل أن القليل من الانكشاف عفو لا يمنع جواز الصلاة والكثير يمنع، فقدر أبو يوسف ذلك بالنصف؛ لأن القلة والكثرة من الأسماء المشتركة، فإن الشيء إذا قوبل بما هو أكثر منه يكون قليلا، وإذا قوبل بما هو أقل منه يكون كثيرا، فإذا كان المكشوف دون النصف فهو في مقابلة المستور قليل، وإذا كان أكثر من النصف فهو في مقابلة المستور كثير، وفي النصف سواء روايتان عن أبي يوسف - رحمه الله تعالى -. في إحداهما لا يمنع؛ لأن الانكشاف الكثير مانع ولم يوجد. وفي الأخرى استوى الجانب المفسد والمجوز فيغلب المفسد احتياطا للعبادة وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله قدرا الكثير بالربع، فإن الربع يحكي الكمال، ألا ترى أن المسح بربع الرأس كالمسح بجميعه، ومن نظر إلى وجه إنسان يستجيز من نفسه أن يقول: رأيت فلانا، وإنما رأى أحد جوانبه الأربعة، والذي بينا في الرأس كذلك في البطن والشعر والفخذ، فأما في القبل والدبر فقد ذكر الكرخي أن التقدير فيهما بالدرهم دون الربع؛ لأنها عورة غليظة فتقاس بالنجاسة الغليظة، وهذا ليس بقوي، فإنه ليس في هذا إظهار معنى التغليظ؛ لأن الدبر مقدر بالدرهم فعلى قياس قوله إذا انكشف الدبر ينبغي أن تجوز الصلاة حتى تكون أكثر من الدرهم، فإن قدر الدرهم من الصلاة لا يمنع جواز الصلاة حتى يكون أكثر منه، والأصح أن التقدير بالربع في الكل وإليه أشار في الزيادات. قال: (وإذا صلت وشيء من رأسها وشيء من بطنها وشيء من عورتها باد، فإن كان ذلك إذا جمع بلغ قدر ربع عضو يمنع جواز الصلاة) وإلا فلا. قال: (وتقعد المرأة في صلاتها كأستر ما يكون لها) لما روينا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - «قال لتلك المرأة: ضمي بعض اللحم إلى الأرض»، ولأن مبنى حالها على التستر في خروجها، فكذلك في صلاتها ينبغي أن تتستر بقدر ما تقدر عليه، قال - عليه الصلاة والسلام - «المرأة عورة مستورة». قال: (رجل دعا في صلاته فسأل الله تعالى - الرزق والعافية لم تفسد صلاته) لقوله تعالى {ادعوا ربكم تضرعا وخفية} [الأعراف: 55] وقال: - عليه الصلاة والسلام - «وأما في سجودكم فاجتهدوا بالدعاء، فإنه قمن أن يستجاب لكم» وحاصل المذهب عندنا أنه إذا دعا في صلاته بما في القرآن أو بما يشبه ما في القرآن لم تفسد صلاته، وإن دعا بما يشبه كلام الناس نحو قولهم: اللهم ألبسني ثوبا اللهم زوجني فلانة تفسد صلاته، وقال الشافعي - رضي الله تعالى عنه - إذا دعا في صلاته بما يباح له أن يدعو به خارج الصلاة لم تفسد صلاته لقوله تعالى {واسألوا الله من فضله} [النساء: 32] وقال - عليه الصلاة والسلام - «سلوا الله حوائجكم حتى الشسع لنعالكم والملح لقدوركم»، وإن عليا - رضي الله تعالى عنه - في حروبه كان يقنت في صلاة الفجر يدعو على من ناواه. (ولنا) حديث معاوية بن الحكم فقد جعل قوله: يرحمك الله من جنس كلام الناس، وقال: إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس فهو كلامهم، وإن سعد بن أبي وقاص - رضي الله تعالى عنه - رأى ابنا له يدعو في صلاته فقال: إياك أن تكون من المعتدين، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «سيكون في أمتي أقوام يعتدون في الدعاء وتلا قوله تعالى {إنه لا يحب المعتدين} [الأعراف: 55] ثم قال أما يكفيك أن تقول اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل» ولا حجة في حديث علي، فإنهم لم يسوغوا له ذلك الاجتهاد حتى كتب إليه أبو موسى الأشعري - رضي الله تعالى عنه - أما بعد، فإذا أتاك كتابي فأعد صلاتك. وفي الأصل قال: أرأيت لو أنشد شعرا أما كان مفسدا لصلاته، ومن الشعر ما هو ذكر نحو قول القائل: ألا كل شيء ما خلا الله باطل قال: (وإذا مر المصلي بآية فيها ذكر الجنة فوقف عندها وسأل، أو بآية فيها ذكر النار فوقف عندها وتعوذ بالله منها فهو حسن في التطوع إذا كان وحده) لحديث «حذيفة - رضي الله تعالى عنه - أنه صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال فما مر بآية فيها ذكر الجنة إلا وقف وسأل الله الجنة، وما مر بآية فيها ذكر النار إلا وقف وتعوذ بالله جل وعلا، وما مر بآية فيها مثل إلا وقف وتفكر»، فأما إذا كان إماما كرهت له ذلك؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفعله في المكتوبات، والأئمة بعده إلى يومنا هذا، فكان من جملة المحدثات، وربما يمل القوم بما يصنع وذلك مكروه، ولكن لا تفسد صلاته لأنه لا يزيد في خشوعه، والخشوع زينة الصلاة، وكذلك إن كان خلف الإمام، فإنه يستمع وينصت؛ لأن القوم بالاستماع أمروا وإلى الإنصات ندبوا وعلى هذا وعدوا الرحمة لقوله تعالى {، وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون} [الأعراف: 204] . ويترتب هذا الفصل على اختلاف العلماء في قراءة المقتدي خلف الإمام، فالمذهب عند أهل الكوفة أنه لا يقرأ في شيء من الصلوات، وعند أهل المدينة منهم مالك - رحمه الله تعالى - يقرأ في صلاة الظهر والعصر ولا يقرأ في صلاة الجهر، وعند الشافعي - رحمه الله تعالى - يقرأ في كل صلاة إلا أن في صلاة الجهر أوان قراءة الفاتحة بعد فراغ الإمام منها، فإن الإمام ينصت حتى يقرأ المقتدي الفاتحة، واستدل بقول النبي - صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة إلا بقراءة» وفي حديث «عبادة بن الصامت - رحمه الله تعالى - قال: صلينا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح فلما فرغ قال: لعلكم تقرؤن خلفي، فقلنا: نعم، فقال: لا تقرؤن إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة إلا بها، وفي رواية لا صلاة لمن لم يقرأها» والمعنى فيه أن القراءة ركن من أركان الصلاة، فلا تسقط بسبب الاقتداء عند الاختيار كالركوع والسجود، بخلاف ما إذا أدرك الإمام في الركوع؛ لأن تلك الحالة حالة الضرورة، فإنه يخاف فوت الركعة بسبب الضرورة قد تسقط بعض الأركان، ألا ترى أن القيام بعد التكبير ركن، وقد يسقط هذا للضرورة. (ولنا) قوله تعالى {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون} [الأعراف: 204] وأكثر أهل التفسير على أن هذا خطاب للمقتدي ومنهم من حمله على حال الخطبة ولا تنافي بينهما ففيه بيان الأمر بالاستماع والإنصات في حالة الخطبة لما فيها من قراءة القرآن قال - صلى الله عليه وسلم: «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» وقال في الحديث المعروف، وإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا ومنع المقتدي من القراءة خلف الإمام مروي عن ثمانين نفرا من كبار الصحابة، وقد جمع أساميهم أهل الحديث. وقال سعد بن أبي وقاص من قرأ خلف الإمام فسدت صلاته، والمعنى فيه أن القراءة غير مقصودة لعينها بل للتدبر والتفكر والعمل به قال ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أنزل القرآن ليعمل به، فاتخذ الناس تلاوته عملا، وحصول هذا المقصود عند قراءة الإمام وسماع القوم، فإذا اشتغل كل واحد منهم بالقراءة لا يتم هذا المقصود، وهذا نظير الخطبة فالمقصود منها الوعظ والتدبر، وذلك بأن يخطب الإمام ويستمع القوم لا أن يخطب كل واحد منهم لنفسه، دل عليه إذا أدرك الإمام في حالة الركوع، فإن خاف فوت الركعة سقط عنه فرض القراءة، ولو كان من الأركان في حق المقتدي لما سقط بهذا العذر كالركوع والسجود ولا يقال إن ركن القيام يسقط، فإنه لا بد من أن يكبر قائما، وفرض القيام يتأدى بأدنى ما يتناوله الاسم ولا حجة لهم في الحديث، فإنه بقراءة الإمام تصير صلاة القوم بالقراءة، كما أن بخطبة الإمام تصير صلاتهم جميعا بالخطبة، وحديث عبادة بن الصامت - رضي الله تعالى عنه - يحمل على أنه كان ركنا في الابتداء، ثم منعهم عن القراءة خلفه بعد ذلك، ألا ترى أنه لما سمع رجلا يقرأ خلفه قال مالي أنازع في القرآن. والقراءة مخالفة لسائر الأركان فما هو المقصود بها لا يحصل بفعل الإمام، بخلاف القراءة على ما مر، ومذهب مالك - رضي الله تعالى عنه - مروي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -، فإن رجلا سأله أأقرأ خلف الإمام.؟ فقال له: أما في الظهر والعصر فنعم. قال: (وإذا مرت الخادم بين يدي المصلي فقال: سبحان الله أو أومأ بيده ليصرفها لم تقطع صلاته) لما روينا «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أشار على زينب فلم تقف وقال - صلى الله عليه وسلم - إذا نابت أحدكم نائبة فليسبح، فإن التسبيح للرجال والتصفيق للنساء» قال في الكتاب وأحب إلي أن لا يفعل معناه ولا يجمع بين التسبيح والإشارة باليد، فإن له بأحدهما كفاية فمنهم من قال: المستحب أن لا يفعل شيئا من ذلك، وتأويل قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان في وقت كان العمل فيه مباحا في الصلاة، فإن أستأذن عليه إنسان فسبح وأراد إعلامه أنه في الصلاة لحديث «علي - رضي الله عنه - كان لي مدخلان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كل يوم بأيهما شئت دخلت، فكنت إذا أتيت الباب، فإن لم يكن في الصلاة فتح الباب فدخلت، وإن كان في الصلاة رفع صوته بالقراءة فانصرفت» ولأنه قصد بهذا صيانة، ولو لم يفعل ربما يلح المستأذن حتى يبتلى هو بالغلط في القراءة، وإن أخبر بخبر يسوءه فاسترجع لذلك، فإن أراد جوابه قطع صلاته، وإن لم يرد جوابه لم يقطع؛ لأن مطلق الكلام محمول على قصد التكلم، فإذا أراد به الجواب كان جوابا، ومعنى استرجاعه أعينوني فإني مصاب، ولو صرح بهذا لم يشكل فساد صلاته فكذلك إذا أراده بالاسترجاع، وإذا أخبر بخبر يسره فقال: الحمد لله، أو أخبر بما يتعجب منه فقال: سبحان الله، وأراد جواب المخبر فقد قطع صلاته عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - وقال أبو يوسف التحميد وأشباه ذلك لا يقطع الصلاة، وإن أراد به الجواب؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنما هي للتسبيح والتهليل وقراءة القرآن» فما تلفظ به شرعت الصلاة لأجله، فلو فسدت صلاته إنما تفسد بنيته، ومجرد نية الكلام غير مفسد. ولم يذكر خلاف أبي يوسف في مسألة الاسترجاع، والأصح أن الكل على الخلاف، ومن سلم قال: الاسترجاع إظهار المصيبة وما شرعت الصلاة لأجله، والتحميد إظهار الشكر والصلاة شرعت لأجله. ![]()
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |