|
رمضانيات ملف خاص بشهر رمضان المبارك / كيف نستعد / احكام / مسابقات |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#231
|
||||
|
||||
![]() اغتنام وقت السحر ـ 1 ـ - وقت السحر وضرورة اغتنامه اغتنام وقت السحر ـ 1 ـ الشيخ : أحمد شريف النعسان بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد: مقدمة الدرس فنحن نعلم بأن الله عز وجل اختصَّ بعض الأزمنة وبعض الأمكنة وبعض الأشخاص, وصدق إذ يقول: {وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء}. فمن الأزمنة التي اختصها برحمته وقتُ السحر, وفيه خصوصية لم تكن في سائر الزمن, ألا وهي نزول ربنا عز وجل إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله وجماله, نزولاً خلاف الذي يتصوره البعض أو يتوهَّمه, لأن الله تعالى يقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير}. جاء في الحديث الصحيح: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ, يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ, مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ, مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ) رواه البخاري. المطلوب منا نحو هذا الحديث وأمثاله من الآيات: وتجدر الإشارة هنا إلى جانب عَقَدِيٍّ, ألا وهو نزول ربنا عز وجل في كل ليلة إلى السماء الدنيا, فأقول: إياك أن يخطر في بالك مقارنة بين فعل من أفعال الله تعالى مع فعل من أفعال العباد, الله تعالى خالق والعبد مخلوق, ولا يمكن أن يكون فعل المخلوق كفعل الخالق جلَّت قدرته. علينا أن نؤمن بأفعال الله تعالى وصفاته من حيث هو جلَّ جلاله, فلا نشبِّه ولا نمثِّل ولا نعطَّل, ونقول كما قال تعالى في كتابه العظيم: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير}. لأن هذا من الأحاديث المتشابهة التي يجب علينا أن نؤمن بها كما نؤمن بالآيات المتشابهة, قال تعالى: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَاب}. فالآيات المتشابهات والأحاديث المتشابهة المطلوب منا نحوها الإيمان فقط, أما الآيات المُحْكَمَة والأحاديث المُحْكَمَة فالمطلوب منا العمل بها, ففي القيامة لن يسألنا الله عز وجل عن الآيات المتشابهات والأحاديث المتشابهة هل عرفنا كيفيتها أم لا؟ فأقرب ما يكون الرب من عبده في جوف الليل الآخر, وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد, كما روى عن عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنْ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الآخِرِ, فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ) رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ) رواه مسلم. اغتنام وقت السحر: فالصائم في شهر رمضان المبارك يغتنم فرصة السحر, وذلك بالقيام, وتلاوة القرآن, وذكر الله عز وجل, والدعاء, متأسياً في ذلك بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قيام الليل في وقت السحر: يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّل * قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً}. وهذه الآية كانت في ابتداء الوحي, والبدايات تدلُّ على النهايات, فإذا كانت هذه بداية النبي صلى الله عليه وسلم فكيف نهايته؟ اغتنام فترة القوة والشباب والحيوية, فكان صلى الله عليه وسلم يقوم من الليل حتى تورَّمت قدماه [رواه البخاري], حتى قام صلى الله عليه وسلم آخراً قاعداً [رواه البخاري]. فترة شبابك أين تقضيها؟ اسمع يا أخي قول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: (اغتنم خمساً قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك) رواه البيهقي. فبداية النبي صلى الله عليه وسلم {قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً}. وقيام الليل كان فرضاً على سيدنا رسول صلى الله عليه وسلم, وهذا ما يؤكِّده قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا}. فصلاة التهجد {نَافِلَةً لَّكَ} أي فريضة زائدة لك على الصلوات المفروضة, وهذا من خصوصيات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم, أما في حق الأمة فمسنون, فهل نحافظ على هذه السُّنة المهجورة؟ مشكلة هجر السُّنة: مشكلة هذا العصر هجر السُّنة إلا من رحم الله تعالى, وكأنه صارت عند الناس قاعدة: السُّنة يجب تركها, والمكروه يجب فعله, وقطعاً هذا ليس من شأن المحب, فشأن المحب الاتباع والتأسِّي, وهذا ما كان عليه أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين سمعوا قول الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}. وقد شهد الله عز وجل لهم بذلك بقوله: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ}. هل عندنا اتباع لسلف هذه الأمة؟ هل نحن ينطبق علينا قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيم}. هؤلاء الذين جاؤوا من بعد الصحابة من المهاجرين والأنصار صفتهم الاتباع لهم, قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم}. سلفنا الصالح حالهم التأسي بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, وشهد الله عز وجل لهم بذلك كما عرفنا في الآية التي سبقت من سورة الفتح, وكما قال الله عز وجل عنهم في سورة المزمل: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ}. قد تقول: قال الله تعالى: { وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ}. يعني ليسوا جميعاً, أقول: صحيح, لأن فيهم الضعيفَ والمريضَ والهرمَ والمسافرَ وأصحاب الأعذار الأخرى. أما نحن فما عُذرنا في تركنا للسنة, كلُّنا يعرف السنة المؤكَّدة وغير المؤكَّدة, ولكن أكثرنا لا يحافظ على السنة غير المؤكدة, والمؤكدة. أحياناً يدعها, نقول له: صل سنة الظهر البعدية أربع ركعات يقول لك: سنة غير مؤكدة, نقول له: صل سنة العصر القبلية أربع ركعات يقول لك: سنة غير مؤكدة, نقول له: صل سنة العشاء القبلية أربع ركعات يقول لك: سنة غير مؤكدة, هذا فضلاً عن صلاة الأوابين وقيام الليل وصلاة التهجد إلى غيرها من السنن. وبعد كل هذا التقصير يقول كل واحد منا إن سئل: هل تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدق؟ يقول: نعم وروحي الفداء له صلى الله عليه وسلم, أرجو الله عز وجل أن لا نكون أصحاب دعاوى بدون بينات, لأن نبينا صلى الله عليه وسلم ما كان يرضى لواحد من أصحابه أن يدعي دعوى بدون بينة, فهذا سيدنا حارثة رضي الله عنه, عندما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فاستقبله حارثة بن النعمان، فقال له: (كيف أصبحت يا حارثة؟ قال: أصبحت مؤمنا حقاً، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انظر ما تقول، فإنَّ لكل قول حقيقة فما حقيقة إيمانك؟ قال: فقال: عزفت نفسي عن الدنيا، فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزاً، وكأني أنظر إلى أهل الجنة كيف يتزاورون فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار كيف يتعادون فيها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : عرفت فالزم) رواه البيهقي. أحيوا هذه السُّنة قيام الليل, فمن أحياها فقد أحيا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحبَّه, ومن أحيا السُّنة وأحبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معه في الجنة. الإسلام يكره السهر بعد العشاء: وسبب هجر سنة القيام هو طول السهر الذي اعتاده الناس اليوم, والإسلام ينهى عن السهر بعد العشاء, فقد روى الإمام أحمد وابن ماجه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (جَدَبَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّمَرَ بَعْدَ الْعِشَاءِ. يَعْنِي زَجَرَنَا). وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا سَمَرَ بَعْدَ الصَّلاةِ ـ يَعْنِي الْعِشَاءَ الآخِرَةَ ـ إِلا لأَحَدِ رَجُلَيْنِ: مُصَلٍّ أَوْ مُسَافِرٍ), وروى البخاري ومسلم عن أبي برزة رضي الله عنه (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا). قال الإمام النووي رحمه الله في رياض الصالحين: والمُرادُ بِهِ الحَديثُ الذي يَكُونُ مُبَاحاً في غَيرِ هذا الوَقْتِ، وَفِعْلُهُ وَتَرْكُهُ سواءٌ. فَأَمَّا الحَديثُ المُحَرَّمُ أو المَكرُوهُ في غير هذا الوقتِ، فَهُوَ في هذا الوقت أشَدُّ تَحريماً وَكَرَاهَةً. وأَمَّا الحَديثُ في الخَيرِ كَمُذَاكَرَةِ العِلْمِ وَحِكايَاتِ الصَّالِحِينَ، وَمَكَارِمِ الأخْلاَقِ، والحَديث مع الضَّيفِ، ومع طالبِ حَاجَةٍ، ونحو ذلك، فلا كَرَاهَة فيه، بل هُوَ مُسْتَحَبٌّ، وكَذَا الحَديثُ لِعُذْرٍ وعَارِضٍ لا كَراهَةَ فِيه. وقد تظاهَرَتِ الأحَاديثُ الصَّحيحةُ على كُلِّ ما ذَكَرْتُهُ. اهـ. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ مَا يَلْهُو بِهِ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ بَاطِلٌ إِلا رَمْيَهُ بِقَوْسِهِ, وَتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ, وَمُلاعَبَتَهُ أَهْلَهُ, فَإِنَّهُنَّ مِنْ الْحَقِّ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وهذا السهر سببٌ كبيرٌ من أسباب الخلافات الزوجية, نعم أكثر الخلافات الزوجية سببها سهر الرجل الطويل بعد صلاة العشاء مع أصدقائه وخلاَّنه, ويا حبذا لو أنه في طاعة الله عز وجل, أكثر السهر في اللعب بالورق والطاولة ومشاهدة المسلسلات, أوقات تقضى في اللهو وفي الغفلة, ثم بعد ذلك ينام, لا أقول ينام عن صلاة القيام بل ينام عن صلاة الفجر, لا أقول ينام عنها في جماعة, بل ينام عنها إلى ما بعد طلوع الشمس. لقد خالف الكثيرُ السنةَ حيث ينام قبل المغرب, ويسهر بعد العشاء إلى منتصف الليل, ولا شك أن المخالف يدفع الثمن, وثمن هذه المخالفات هي الخلافات الزوجية, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. علينا أن نحيي سنة النبي صلى الله عليه وسلم التي هجرها أكثر الناس اليوم, ألا وهي سنة قيام الليل سنة التهجد اللهم اجعلنا كذلك آمين. اجعل من شهر رمضان دورة تدريبية لك: فاجعل يا أخي الكريم من شهر رمضان دورةً تدريبية لك على القيام بالأسحار, لينطبق عليك قوله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُون * فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون}. ولتكون من أهل الجنات والعيون التي أعدها الله لعباده المتقين, قال تعالى:{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُون * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِين * كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُون * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُون * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُوم}. هؤلاء هم أهل الأسحار الذين ما اقتصروا على الفرائض فقط, بل زادوا عليها, لأنهم أحبوا الله تعالى فأحبهم تبارك وتعالى, فانطبق عليهم قول الله تعالى في الحديث القدسي الذي يرويه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَة َرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ, وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ, فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ, وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ, وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا, وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا, وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ, وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ). ولعلنا أن نتعرف على فوائد قيام الليل في السحر في الدرس القادم, وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم, سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
__________________
|
#232
|
||||
|
||||
![]() اغتنام وقت السحر ـ 2 ـ 3 ـ - الأسباب المؤدية إلى اغتنام وقت السحر اغتنام وقت السحر ـ 2 ـ الشيخ : أحمد شريف النعسان بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد: مقدِّمة الدرس: فقد عرفنا في الدرس الماضي بأنه ينبغي علينا أن نستغلَّ وقت السحر, هذا الوقت العظيم المبارك الذي غفل عنه أكثر الناس, هذا الوقت الذي ينزل فيه ربنا عز وجل إلى السماء الدنيا في كل ليلة في الثلث الأخير منها, وهو الغني, الغني عن عباده وعباداتهم, الغني عن العالمين, ينادينا من قدسه الأعلى: (مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ, مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ, مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ). ينادي هذا العبدَ الفقير العاجز السقيم المسكين بتلك الكلمات. ولكن هذا العبد الفقير العاجز المسكين نائمٌ غافل, كأنه مستغنٍ عن مولاه, كأنه ليس بحاجة إلى الله تعالى, مع أن الله تعالى خاطب الجميع بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيد}. السجود سبب من أسباب دخول الجنة: علينا أن نستغلَّ هذا السحر بقيام الليل بصلاة التهجد, لأن الله تعالى يكون أقرب ما يكون من عبده في الثلث الأخير من الليل, فلتكن أنت قريباً منه في هذا الوقت, كن ذاكراً لله تعالى, وعلى رأس الأذكار الصلاة, قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي}. أكثر من السجود في هذا الوقت لأنه سبب من أسباب دخولك الجنة, فقد روى الإمام مسلم عن ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه قال: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ, فَقَالَ لِي: (سَلْ), فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ, قَالَ: (أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ)؟ قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ, قَالَ: (فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ). وروى الإمام مسلم عن معدان بن أبي طلحة اليعمري قال: لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْخِلُنِي اللَّهُ بِهِ الْجَنَّةَ, أَوْ قَالَ: قُلْتُ: بِأَحَبِّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ, فَسَكَتَ, ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَسَكَتَ, ثُمَّ سَأَلْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ, فَإِنَّكَ لا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً إِلا رَفَعَكَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً, وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً). قَالَ مَعْدَانُ: ثُمَّ لَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ لِي مِثْلَ مَا قَالَ لِي ثَوْبَانُ. هذه السنة المهجورة ينبغي علينا أن نحييها وأن نجاهد أنفسنا للالتزام بها, فهي سر من أسرار سعادتنا في الدنيا والآخرة. فوائد صلاة قيام الليل: نعم لصلاة قيام الليل فوائد عظيمة لا تعد ولا تحصى, من جملة هذه الفوائد: أولاً: فيها تشبُّه بالصالحين: من كلام الشافعي رحمه الله تعالى: . لا خير فيمن لا يتشبَّه بالصالحين, ولا خير في حياة لا سَحَر فيها, كلُّ واحد منا يقلِّد آخر, فإذا كنت مقلِّداً فقلِّد الكُمَّل من الرجال, قَلِّد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, قَلِّد التابعين الذين اتبعوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, كما قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ}. اتبعوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, الذين اتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم بالقيام بشهادة الله عز وجل حيث قال: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ}. إن لم تكونوا مثلَهم فتشبَّهوا *** إنَّ التَّشَبُّه بالكرام فلاح روى الإمام الترمذي عن أبي أمامة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ, فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ, وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ, وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ, وَمَنْهَاةٌ لِلإِثْمِ). وفي رواية: (وَمَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عَنْ الْجَسَدِ). هذا الحديث الشريف ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم فوائد عدة من قيام الليل: 1ـ هو دأب الصالحين. 2ـ هو قربة إلى الله تعالى, ومن أصبح قريباً من الله تعالى صار مُسَدَّداً بسمعه وبصره ويده ورجله, وصار دعاؤه مستَجاباً كما جاء في الحديث الصحيح: (وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ, فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ, وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ, وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا, وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا, وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ, وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ) رواه البخاري. 3ـ هو منهاة عن الإثم: قيام الليل ينهاك عن الآثام في المستقبل, لأن العبد الذي يقف بين يدي ربه عز وجل عند كل فريضة, وهو محافظ على السُّنن القبلية والبعدية والنوافل ويتوِّج ذلك بصلاة قيام الليل, ثم بصلاة التهجُّد كيف يجترئ على معصية الله عز وجل, لذلك صدق الله القائل: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون}. 4ـ وهو مُكفِّر للسيئات, لأن العبد قد يقول: إذا كان قيام الليل منهاة عن الإثم هذا في المستقبل, أما فيما مضى من العمر وهو مليء بالآثام, فما علاجه؟ يبيِّن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قيام الليل تكفير للسيئات الماضية, فهو إذاً أمان لك بإذن الله في المستقبل بأنه ينهاك عن الإثم, ومكفِّر لسيِّئاتك الماضية. 5ـ وهو مطردة للداء عن الجسد, فهو صحة وعافية لجسدك. ثانياً: هي أفضل صلاة بعد الفريضة: صلاة قيام الليل والتهجُّد أفضل صلاة بعد الفريضة, السنن كثيرة بعد الفرائض وقبلها, ولكن أفضلها هي صلاة القيام والتهجُّد, وذلك لما رواه مسلم عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ, وَأَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ). فهل نحافظ على أفضل صلاة بعد صلاة الفريضة؟ اللهم وفِّقنا لذلك. ثالثاً: هي سبب من أسباب دخول الجنة: هي سبب من أسباب دخول الجنة, ومن منا لا يحتاج إلى جنة عرضها السماوات والأرض؟ ومن منا لا يحتاج إلى نعيم ما رأته عين وما سمعته أذن وما خطر على قلب بشر, من منا لا يحتاج إلى نعيم خالد؟ ومن منا لا يحتاج إلى نعيم مُتوَّجٍ بقوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَة * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة}؟ هذا النعيم يحتاج إلى ثمن, فمن ثمنه صلاة قيام الليل وصلاة التهجُّد, أحدُنا يستقيم على عمله ويحافظ عليه لينال بعض الدريهمات لعمارة دنياه, أفلا يستقيم على صلاة قيام الليل والتهجُّد لعمارة آخرته. لو نظرت إلى الموظَّف وإلى العامل, في كل يوم يجاهد نفسه بالالتزام بأوقات العمل صباحاً ومساءً صيفاً وشتاء صحةً ومرضاً, لينال شيئاً من حُطام الدنيا, أفلا نجاهد أنفسنا للالتزام بصلاة قيام الليل والتهجُّد في أنفاس حياتنا لننال هذا الأجر العظيم, لننال جنةَ الله تعالى؟ وترى الواحد منا إذا قصَّر في عمله قدَّم اعتذاراً لصاحب العمل حتى لا يفوت عليه أجره, فهلاَّ قدَّنا اعتذارنا لله تعالى إن قصرنا؟ النبي صلى الله عليه وسلم يؤكِّد لنا في حديث الشريف بأن صلاة قيام الليل سببٌ من أسباب دخول الجنة, روى الترمذي عن سيدنا عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ, وَقِيلَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لأَنْظُرَ إِلَيْهِ, فَلَمَّا اسْتَثْبَتُّ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ, وَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ: (أَيُّهَا النَّاسُ: أَفْشُوا السَّلامَ, وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ, وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ, تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ). من فوائد هذا الحديث الشريف: 1ـ لنعلم أن الطاعة لها أثر في وجه العبد, كما أن المعصية لها أثر في وجهه, لقد سمعنا بأن سيدنا عثمان رضي الله عنه قال لرجل دخل على مجلسه وقد نظر إلى امرأة: يدخل عليَّ أحدكم وأثر الزنا ظاهر على عينيه, أما علمت أن زنا العينين النظر؟ لتتوبنَّ أو لأعزِّرنَّك, فقال: أوَحْيٌ بعد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا, ولكن بصيرة وبرهان وفراسة صادقة [أوردها الغزالي في إحياء علوم الدين]. نعم السريرةُ إذا صَفَتْ ترى النورَ في وجه الطائع, والظلمةَ في وجه العاصي, ولا تستغرب من ذلك, فلقد قال صاحبا سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام لسيدنا يوسف عليه السلام بعد أن حدَّثاه عن الرؤيا التي رآها كلُّ واحد منهما: {نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِين}, أثر الإحسان ظاهر في وجهه, أثر الطاعة لا يمكن إخفاؤه كما لا يمكن إخفاء رائحة الطيب. لا تستغرب من رؤية أثر الطاعة في وجه العبد, أما سمعنا عن أول سفير للإسلام سيدنا مصعب بن عمير رضي الله عنه الذي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ليعلِّم الناس القرآن العظيم, فكان يأتيه الرجل المشرك بوجه مظلم يريد قتله, فإذا جلس إلى سيدنا مصعب رضي الله عنه وسمع منه دخل نور الإيمان إلى قلبه, فيرجع إلى قومه, فينظرون إليه ويقولون: والله لقد رجع إليكم بوجه غير الوجه الذي ذهب به. هذا إذا كان في حق أهل الطاعة, فكيف إذا كان النظر إلى وجه سيد الخلق وحبيب الحق صلى الله عليه وسلم؟ لذلك قال سيدنا عبد الله بن سلام ـ وكان حبراً من أحبار اليهود ـ: فَلَمَّا اسْتَثْبَتُّ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ. 2ـ من فوائد هذا الحديث الترغيب في إفشاء السلام بيننا, لأن السلام سبب من أسباب التحابب بيننا, الذي هو سبب من أسباب دخول الجنة, ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (لا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا, وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا, أَوَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ) رواه مسلم. ليكن المسلم سليماً من يدك ولسانك, كلُّ المسلم على المسلم حرام, كما جاء في الحديث الشريف: (كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ) رواه مسلم. 3ـ ومن فوائد هذا الحديث الترغيب في إطعام الطعام, وخاصة في شهر رمضان, لا تكن بخيلاً, فمن يبخل فإنما يبخل عن نفسه, كن جواداً كريماً كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم, حيث كان أجود ما يكون في رمضان. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ, وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ, وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ. فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ) رواه البخاري ومسلم. 4ـ ومن فوائد هذا الحديث الشريف الترغيب في قيام الليل الذي هو موضوع درسنا في هذا اليوم. خاتمة نسأل الله حسنَها: فمن فوائد صلاة قيام الليل والتهجُّد أنها تجعلك تتشبَّه بالصالحين, وتقربك إلى الله عز وجل, وتحفظك من الآثام, وتكفِّر عنك السيئات, وتطرد الداء عن جسدك, وهي أفضل صلاة بعد الفريضة, وسبب من أسباب دخولك الجنة. لنحافظ على صلاة قيام الليل, وأقلُّها ركعتان, وأكثرها ثمان ركعات, وهي بعد صلاة العشاء وقبل الوتر, ولا حرج من صلاتها بعد الوتر, أما صلاة التهجُّد فأقلُّها ركعتان وأكثرها اثنتا عشرة ركعة. حافظ عليها وحوِّل الناس إليها إذا أردت لهم السعادة. أسأل الله تعالى أن يوفِّقنا للمحافظة على صلاة قيام الليل والتهجُّد ولو على أقلِّها, وأن نحوِّل الناس إلى باب الله عز وجل الذي ينادي عباده كل ليلة: (مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ, مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ, مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ). وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. سبحان ربك رب العزة عما يصفون, وسلام على المرسلين, والحمد لله رب العالمين ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
__________________
|
#233
|
||||
|
||||
![]() اغتنام وقت السحر ـ 3 ـ الشيخ : أحمد شريف النعسان بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد: مقدمة الدرس: فقد ذكرنا في الدرسين الماضيين بأن من آداب الصائم اغتنام وقت السحر بأمرين اثنين, الأمر الأول بطعام السَّحور, والأمر الثاني بصلاة القيام صلاة التهجد. أعط لكل ذي حق حقه: ربنا عز وجل خلق الإنسان من روح وجسد, وجعل ربُّنا عز وجل لجسدنا غذاء ولأرواحنا غذاءً, فغذاء الجسد من طعام وشراب, وغذاء الأرواح والقلوب من ذكر وصلاة وقيام وتلاوة للقرآن العظيم وذكر لله عز وجل, وطَلَبَ منا ربُّنا عز وجل أن نعطي كلَّ ذي حق حقه. أمرنا بالطعام والشراب لنعطي الجسد حقه, وأمرنا بذكر الله تعالى وتلاوة القرآن والعبادات بجميع أنواعها لنعطي الروح والقلب حقه, فقال تعالى: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ}. هذا غذاء للجسد, وقال جلَّت قدرته: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا}. هذا غذاء للروح. لو دقَّقنا في الآيتين الكريمتين, الآية التي تأمرنا بإعطاء الجسد حقه, قال فيها تعالى: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ}. قيَّد ذلك بعدم الإسراف, لماذا؟ الفارق بين الطعام في الدنيا والآخرة: تناول الطعام والشراب في الدنيا قيَّده الله تعالى بعدم الإسراف, لأن الإسراف فيهما مضرَّة للجسد, والسبب في ذلك هو: أن طعام الدنيا وشرابها إنما هو في الحقيقة دواء لداء اسمه الجوع, ولا يجوز للإنسان أن يأخذ من الدواء إلا بمقدار, فإن زاد انقلب الدواء إلى داء, ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (بِحسْبِ ابن آدمَ أُكُلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبُهُ، فإِنْ كَانَ لا مَحالَةَ، فَثلُثٌ لطَعَامِهِ، وثُلُثٌ لِشرابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ) رواه الترمذي. وقال صلى الله عليه وسلم: (مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ, بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ, فَإِنْ كَانَ لا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ, وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ, وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ) رواه الترمذي. فعندما كان الطعام في الدنيا دواء لداء قيَّده ربنا عز وجل بقوله: {وَلاَ تُسْرِفُواْ}. أما الطعام في الآخرة فليس لداء اسمه الجوع, لأن العبد المؤمن في الجنة لا يجوع فيها ولا يعرى, ولا يظمأ فيها ولا يضحى كما قال تعالى: {إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَى * وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَى}. الطعام في الآخرة نعيم وليس دواء لداء الجوع, يأكل الإنسان ويشرب, ولا يبول ولا يتغوط, كما جاء في الأحاديث الشريفة عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ وَلا يَتْفُلُونَ وَلا يَبُولُونَ وَلا يَتَغَوَّطُونَ وَلا يَمْتَخِطُونَ, قَالُوا: فَمَا بَالُ الطَّعَامِ؟ قَالَ: جُشَاءٌ وَرَشْحٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ, يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ كَمَا تُلْهَمُونَ النَّفَسَ) رواه مسلم. فعندما كان طعام أهل الجنة نعيماً, قال الله تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون}. لم يقيِّد ذلك بقوله: {وَلاَ تُسْرِفُوا}. لأنه نعيم, فأكثر من طعام الجنة ما شئت لأنه نعيم, ولا تكثر من طعام الدنيا وشرابها لأنه دواء, فخذ منه بمقدار حاجتك. وقت السحر غذاء للروح والجسد: لذلك وجدنا السَّحر وقتاً لغذاء الروح والجسد, أما غذاء الجسد فهو السَّحور, وهو غذاء مبارك, كما جاء في الحديث الشريف, عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (عَلَيْكُمْ بِغِذَاءِ السَّحَرِ, فَإِنَّهُ هُوَ الْغِذَاءُ الْمُبَارَكُ) رواه أحمد. وأما غذاء الروح فهو القيام, هو صلاة التهجد, هو ذكر الله تعالى, هو الاستغفار, هو تلاوة القرآن العظيم, هو الصلاة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فخُذْ لغذاء الجسد لُقَيْمات ولا تكثر, وخُذْ لغذاء الروح الكثير, وأكثر ما استطعت إلى ذلك سبيلاً, لأن الله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا}. كيف حالنا في هذين الغذاءين؟ ولكن العجيب فينا نحو هذين الغذاءين أننا في الذي أُمِرْنا أن لا نسرف فيه أَسْرَفْنا, وفي الذي أُمِرْنا أن نُكْثِرَ منه أقللنا, حياتنا في تناقض, ما يؤذينا نُكثِر منه, وما ينفعنا نُقلِّل منه, في طعام الجسد نكثر حتى نصل إلى حد الإسراف, كما كان يقول شيخنا سيدي الشيخ عبد القادر عيسى رحمه الله تعالى: تأكل بالأرطال, وتشرب بالأسطال, وتنام الليل مهما طال, وتزعم أنك من الأبطال, هذا كلام بطَّال. وفي طعام الروح والقلب نقلِّل حتى يكاد أحدنا أن يهلك, فلا تبقى عنده طاقة لفعل الطاعة, ولم تبق عنده طاقة لترك المعصية, ضعف الإيمان حتى هانت المعصية وثقلت الطاعة, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. بل الأكثر من ذلك شاع بين كثير من المسلمين: لا تكثر من ذكر الله وتلاوة القرآن الكريم والتسبيح والتهليل حتى لا تجنَّ (بتروِّح عقلك, بتصير أجدب, بتسيح, بتصير بهلول) يا سبحان الله, ربنا يقول: {اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا}. والبعض يقول: لا, يذهب عقلك بكثرة ذكر الله, نعم لقد ذهبت عقولنا بسبب قلة ذكرنا لله تعالى, كما قال تعالى: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِير}. اغتنم وقت السحر بالقيام بعد السَّحور: فالمؤمن يغتنم وقت السحر بلُقَيْمات يقيم فيها صلبه, ويغتنم الوقت في القيام, وقد عرفنا بأن النبي صلى الله عليه وسلم حرَّضَنا على قيام الليل, وكلما نشطت الروح خفَّ البدن للطاعة, وهذا ما يراه الإنسان إذا كان حاجَّاً أو معتمراً, طعام قليل وطاعة كثيرة. تتمة فوائد صلاة قيام الليل: وقد عرفنا في الدرس الماضي بعض فوائد قيام الليل, والتي منها, أن القائم يتشبَّه بالصالحين, وأنه يتقرَّب إلى الله تعالى بالقيام, وأنه يحفظ نفسه من الوقوع في الآثام, وأنه تكفَّر ذُنُوبه بإذن الله تعالى, وأنه يطرد الداء عن جسده بهذا القيام, وبه يدخل الجنة بإذن الله تعالى كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم. رابعاً: هي سبب لدخول الجنة بغير حساب: كل مؤمن يطمع بدخول الجنة, بل يطمع أن يدخل جنة الله عز وجل بدون حساب, ولذلك عندما يسمع أحدنا بأن فلاناً مبشَّرٌ بدخول الجنة بغير حساب يغبطه ويتمنى أن يكون معه. روى الإمام البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ, فَأَخَذَ النَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الأُمَّةُ, وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ النَّفَرُ, وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الْعَشَرَةُ, وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الْخَمْسَةُ, وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ وَحْدَهُ, فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ هَؤُلاءِ أُمَّتِي؟ قَالَ: لا, وَلَكِنْ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ, فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ, قَالَ: هَؤُلاءِ أُمَّتُكَ, وَهَؤُلاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا قُدَّامَهُمْ لا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلا عَذَابَ, قُلْتُ: وَلِمَ؟ قَالَ: كَانُوا لا يَكْتَوُونَ, وَلا يَسْتَرْقُونَ, وَلا يَتَطَيَّرُونَ, وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. فَقَامَ إِلَيْهِ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ, قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ, ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ قَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ, قَالَ: سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ) فما من مؤمن إلا ويطمع بدخول الجنة بغير حساب, ومن صدق منا في طلبه هذا فعليه بقيام الليل, لأن أهل القيام بالأسحار يدخلون الجنة بغير حساب, كما روى البيهقي عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يحشر الناس في صعيد واحد يوم القيامة, فينادي مناد فيقول: أين الذين كانوا تتجافى جنوبهم عن المضاجع؟ فيقومون وهم قليل فيدخلون الجنة بغير حساب, ثم يؤمر بسائر الناس إلى الحساب). خامساً: هي سبب لأن يكتب عند الله من الشاكرين: نعم قيام الليل يجعل صاحبه عند الله من الشاكرين, فقد جاء في الحديث الصحيح عن السيدة عائشة رضي الله عنها أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ مِنْ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ, فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: (أَفَلا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا) رواه البخاري ومسلم. والشاكرون قِلَّة من الناس, كما قال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُور}. لذلك نرى القليل ممن يقوم الليل. العاقل هو الذي يقابل نعمة الله تعالى بالشكر, والذي من مظاهره القيام بالليل, والأحمق هو الذي يقابل نعمة الله تعالى بالظلم وكفران النعمة, وصدق الله تعالى القائل: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّار}. من لم يشكر الله تعالى على نعمه ظلم نفسه وكفر بنعمة الله عز وجل, وهذا هو الخاسر, أما الشاكر فهو الرابح في الدنيا والآخرة. سادساً: هي سبب لاستجابة الدعاء: من فوائد قيام الليل أن القائم يكون دعاؤه مستجاباً بإذن الله تعالى, كما جاء في الحديث الشريف عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (إِنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةً لا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إِلا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ, وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ) رواه مسلم. خاتمة نسأل الله تعالى حسنها: بعد هذا أقول: فوائد القيام كثيرة وكثيرة جداً تجلب لك خير الدنيا الفانية وخير الآخرة الباقية, فهل أنت راغب في القيام أم لا؟ كم رغَّبنا النبي صلى الله عليه وسلم في القيام؟ فلماذا لا نستجيب؟ فوائد القيام كثيرة, فكم هو قيامك في شهر رمضان؟ وأريد منك أن تعرِّفني على فوائد كثرة الطعام ما هي؟ هل كثرة الطعام لها فوائد أم مضار؟ لا شك مضارُّها كثيرة, ومع ذلك نكثر منه, وفوائد القيام لا تعدُّ ولا تُحصى ومع ذلك نقلِّل منه, لماذا؟ نعم أيها الإخوة علينا أن نجعل من شهر رمضان دورة تدريبية لنا للقيام بالأسحار من أجل سعادتنا في الدنيا والآخرة, اللهم أكرمنا والحاضرين والمسلمين عامة بذلك. آمين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, سبحان ربك رب العزة عما يصفون, وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
__________________
|
#234
|
||||
|
||||
![]() الدعاء الشيخ : أحمد شريف النعسان الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد: مقدمة الدرس: فقد عرفنا في الدرس الماضي بأن من آداب الصائم التعجيل بالفطر, وذلك إذا تيقَّن مغيب الشمس, وعرفنا بأن التعجيل بالفطر يجب أن يكون بنية الاتباع حتى ينال الأجر على تعجيله بالفطر, وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّات، وإَنمَا لكل امْرِئٍ مَا نَوَى) رواه البخاري, فمن عجَّل بالفطر بدون نية الاقتداء فلا أجر له على تعجيله بالفطر, ومن عجَّل فيه بنية الاقتداء كتب له الأجر على تعجيله بهذه النية. الدعاء بعد الفطر: ومن آداب الصائم بعد فطره الدعاء, ودعاؤه مستجاب بإذن الله تعالى, وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَا تُرَدُّ) رواه ابن ماجه. وهذا من كرم الله عز وجل على خلقه, وقد يسأل أحدنا: لماذا للصائم دعوة لا ترد؟ الجواب: لأنه استجاب لله تعالى عندما أمره بالصيام, وطبعاً هذا من باب الفضل, فالله تعالى هو القائل: {هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَان}, فهو سبحانه يحبُّ التبادل بينه وبين خلقه: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}, {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}, {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي}, استجب له يستجبْ لك, وكما قلت هذا من باب الفضل لا من باب العدل. فالصائم عندما سمع قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} واستجاب له, فالله عز وجل قابل استجابة العبد لأمره باستجابته لدعائه, لذلك قال عقب آيات الصيام: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي}. فمن هذا المنطلق قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَا تُرَدُّ), فاغتنم هذه الفرصة بالدعاء لله عز وجل, فإنَّ دعاءك مستجابٌ عنده بوعده الذي لا يُخلَف. (وأشركْنا في دعائك يا أخي عند فطرك). ثلاثة لا تُرَدُّ دعوتهم: ويؤكِّد ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر رواه الإمام أحمد في مسنده والترمذي في سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثَلاثَةٌ لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الإِمَامُ الْعَادِلُ, وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ, وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ). الصنف الأول: (الإمام العادل): الصنف الأول من الذين لا تُرَدُّ دعوتهم: (الإمام العادل), ونحن عندما نسمع هذه الكلمة ينصرف ذهننا مباشرة إلى الحُكَّام وهذا صحيح لا غُبار عليه, ولكن ننسى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ, فَالأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ, وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُمْ, وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ, وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُ, أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) رواه البخاري ومسلم واللفظ له. فما منا إلا وهو راعٍ وإمام في دائرته التي هو فيها, فإما أن تكون دائرتها واسعة إما أن تكون ضيِّقة, وأوسع هذه الدوائر دائرة الإمام الأعلى المسؤول عن وطنه وأمته, ثم تضيق هذه الدائرة حتى تصبح الدائرة ضيِّقة لا تتسع إلا صاحبها, فيكون مسؤولاً عن نفسه, وهذا المسؤول عن نفسه يجب عليه أن يكون عادلاً مع جوارحه. الإمام العادل محبوب والجائر مبغوض, هلاَّ فكَّرنا في هذا الكلام جيداً؟! نكره الإمام الجائر ونحبُّ العادل, ولكن لماذا لا نطبِّق هذا على أنفسنا في أسرتنا؟ أين العدل فينا في دائرة الأسرة؟ هل تعدل بين أولادك؟ في القُبلة, وفي المعاملة, وفي العطية؟ روى البيهقي عن أنس رضي الله عنه، أن رجلاً كان جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء بُنَيٌّ له، فأخذه فقبَّله وأجلسه في حِجره، ثم جاءت بُنَيَّةٌ له، فأخذها وأجلسها إلى جنبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «فما عدلت بينهما». فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال له هذا لأنه لم يسوِّ بينهما في القُبلة والمكان, ولم يرض بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم, فكيف يرضى هذا عندما تعطي من تشاء وتحرم من تشاء من أولادك بدون مبرِّر, إلا أن هذا ذكر وتلك أنثى, وهو صلى الله عليه وسلم يقول لك: «فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلادِكُمْ» رواه البخاري؟ والعطيَّة غير الميراث, الميراث يكون بعد الموت, وهذا تولى الله قسمته فقال: {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ}. أما في حال الحياة فالعطاء يجب أن يكون بالتساوي بين الذكر والأنثى, أين العدل في نطاق الأسرة؟ روى الطبراني عن الحسن البصري أنه سمع رجلاً يدعو على الحجاج فقال له: لا تفعل, إنكم من أنفسكم أُتيتم, إنما نخاف إن عُزِل الحجاج أو مات أن يتولَّى عليكم القردة والخنازير, فقد روي أن أعمالكم عُمَّالكم, وكما تكونوا يُوَلَّى عليكم. فكن يا أخي عادلاً إن كنت إماماً في دائرة ضيقة, أم واسعة, فالكلُّ سيسأل يوم القيامة, فمن كان عادلاً كان دعاؤه مستجاباً مهما كان هذا الإمام ومهما كان هذا الراعي, ومن أيِّ دائرة كان. الصنف الثاني: (والصائم حتى يفطر): الصنف الثاني من الذين لا تُرَدُّ دعوتهم: الصائم حتى يفطر, وفي هذا الحديث إشارة لطيفة بأن الصائم دعاؤه مستجاب ما دام صائماً, فما دمتَ صائماً فدعاؤك مستجاب بإذن الله تعالى, لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ), لم يقل في هذا الحديث الشريف حين يفطر, بل قال: (حَتَّى يُفْطِرَ). وهذا من كرم الله عز وجل, فالصائم دعاؤه مستجاب, لأن روحه خفَّت بسبب الصيام والقيام, وصار الصائم القائم قريباً من مولاه, وهذا ما عرفناه من الحديث الشريف الذي رواه البيهقي والطبراني وغيرهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوماً فاستقبله شاب من الأنصار يقال له: حارثة بن النعمان، فقال له: «كيف أصبحت يا حارثة»؟ قال: أصبحت مؤمناً حقاً، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انظر ما تقول، فإن لكل حق حقيقة , فما حقيقة إيمانك»؟ قال: فقال: عزفت نفسي عن الدنيا، فأسهرت ليلي, وأظمأت نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزاً، وكأني أنظر إلى أهل الجنة كيف يتزاورون فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار كيف يتعادون فيها، فقال: فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أبصرت فالزم، مرتين، عبد نوَّر الله الإيمان في قلبه» قال: فنودي يوماً في الخيل: يا خيل الله اركبي، فكان أول فارس ركب، وأول فارس استشهد، فجاءت أمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، أخبرني عن ابني حارثة، أين هو؟ إن يكن في الجنة لم أبك ولم أحزن، وإن يكن في النار بكيت ما عشت في الدنيا، قال: فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أم حارثة، إنها ليست بجنة ولكنها جنان، وحارثة في الفردوس الأعلى»، قال: فانصرفت وهي تضحك وتقول: بخ بخ لك يا حارثة. الصائم القائم قد يطلعه الله عز وجل على بعض مغيَّباته, ولا غرابة في ذلك, لأن الله عز وجل يجعل من هذا العبد الصائم القائم الذي خفَّت روحه يرى ما لا يراه الناظرون, ويسمع ما لا يسمعه السامعون. عن عمرو بن الحارث قال: بينما عمر يخطب يوم الجمعة إذ ترك الخطبة فقال: يا سارية الجبل مرتين أو ثلاثاً، ثم أقبل على خطبته، فقال بعض الحاضرين: لقد جُنَّ، إنه لمجنون، فدخل عليه عبد الرحمن بن عوف وكان يطمئن إليه, فقال: إنك لتجعل لهم على نفسك مقالاً، بينا أنت تخطب إذ أنت تصيح: يا سارية الجبل، أي شيء هذا؟ قال: والله إني ما ملكت ذلك! رأيتهم يقاتلون عند جبل يؤتون من بين أيديهم ومن خلفهم, فلم أملك أن قلت: يا سارية الجبل! ليلحقوا بالجبل. فلبثوا إلى أن جاء رسول سارية بكتابه أن القوم لقونا يوم الجمعة فقاتلناهم, حتى إذا حضرت الجمعة سمعنا منادياً ينادي: يا سارية الجبل مرتين، فلحقنا بالجبل، فلم نزل قاهرين لعدونا إلى أن هزمهم الله وقتلهم. فقال أولئك الذين طعنوا عليه: دعوا هذا الرجل، فانه مصنوع له. رواه أبو نعيم في الدلائل. إذاً الصائم القائم قريب من الله تعالى, وما دام قريباً منه تعالى فإن حوائجه مقضيَّة بإذن الله تعالى, وأنا أضرب مثلاً ولله المثل الأعلى, لو أن إنساناً صار قريباً من ملك من ملوك الدنيا, ألا ترى حوائجه مقضية, وخاصة إذا صار في خلوة مع الملك. إذا صار في خلوة معه فإنه يستغلُّ ذلك بعرض حوائجه وحوائجه أهله ومن يلوذ به, وأكثرها تُقضى, ولكن قد يتضايق الملك من كثرة الطَّلبات لأنه مخلوق, أما الله تعالى فلا, بل يحبُّ العبد اللحوح فيقضي له حوائجه وحوائج من يسأله. فاغتنم يا أخي فترة صيامك بكثرة الدعاء, فإن دعاءك مستجاب بإذن الله تعالى, وذلك من خلال بشارة النبي صلى الله عليه وسلم القائل: (وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ), وأشركني في دعاءك وجزاك الله عني خيراً. الصنف الثالث: (ودعوة المظلوم): والصنف الثالث من الذين لا تُرَدُّ دعوتهم دعوة المظلوم, فدعوته تُحمَل على الغمام, وتُفتح لها أبواب السماء, ويُقسِم ربُّ العزَّة بأنه ناصر للمظلوم ولو بعد حين, لذلك كن عبد الله المظلوم ولا تكن الظالم, لأن الله تعالى بجانب المظلوم وليس بجانب الظالم, فالظالم خاسر وليس برابح. ولذلك ربُّنا عز وجل يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتلو على الأمة نبأ ابني آدم فقال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِين * لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِين * إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِين * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِين}. القاتل هو الخاسر, والمقتول هو الرابح, لأن الله بجانبه, وسوف ينتقم من الظالم, يقول تبارك وتعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَار}. فيا أيها المظلوم: اصبر ولا تتعجَّل فإن الله أقسم بعزَّته وجلاله أنه ناصرك ما دمت على الحق, وما دمت كاظماً لغيظك, ولا أدلَّ على ذلك من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم, لقد ظلمه المشركون في مكة حتى أخرجوه منها, وقاتلوه وهو في المدينة حتى جاء عام الفتح, وذلك في العام الثامن من الهجرة, يعني مضى على ظلمهم للنبي صلى الله عليه وسلم واحد وعشرون عاماً, دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة فاتحاً, وهؤلاء هم الذين ظلموه, فقال عفا عنهم لأن قلبه تقي نقي, لا غلَّ فيه ولا إثم ولا حسد, ولماذا الغلُّ والحسد والإثم والله تعالى معه؟ فاعلم يا أيها المظلوم بأن الله معك, وبأن دعوتك مستجابة مع الإمام العادل والصائم, ولا يضيق صدرك فإن الفرَج قريب بإذن الله تعالى. خاتمة نسأل الله حسنَها: وأخيراً أقول أيها الإخوة: من آداب الصائم في شهر رمضان الدعاء, ودعاؤه مستجاب بإذن الله تعالى, لأنه استجاب لأمر الله تعالى الذي أمره بالصيام بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون}, ووعده باستجابة الدعاء بقوله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون}. ومع هذه الآية الكريمة في الدرس القادم إن شاء الله تعالى, اللهمَّ لا تحرمنا خير ما عندك بسوء ما عندنا, وإن كنت لم تقبل تعبنا ونصبنا فلا تحرمنا أجر المصاب على مصيبته. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون, وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ـــــــــــــــــــــــــ
__________________
|
#235
|
||||
|
||||
![]() الدعاء ـ 2 ـ الشيخ : أحمد الشريف النعسان بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد: مقدمة الدرس: فقد عرفنا في الدرس الماضي بأن من آداب الصائم الدعاء, وبأن دعاءه مستجاب ما دام صائماً وعند فطره, وذلك لما رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (ثَلاثَةٌ لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الإِمَامُ الْعَادِلُ, وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ, وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ, وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ). ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَا تُرَدُّ) رواه ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما. ووقفنا عند قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون}. وقفة مع هذه الآية الكريمة: وجدير بنا أيها الإخوة أن نقف مع هذه الآية الكريمة وقفة المتدبِّر لكلام الله عز وجل, وخاصة قد عرفنا بأنها جاءت عقب آيات الصوم, قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون}. والله نرى فيها الرقة والعطف والإيناس وشدة القرب من حضرة مولانا عز وجل. وعن الصلت بن الحكيم ، عن أبيه ، عن جده رضي الله عنهم، قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله: أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون}. إذا أمرتهم أن يدعوني فدعوني استجبت لهم) أخرجه ابن جرير وأبو حاتم. أولاً:فيها إضافة تشريف للخلق: قال ربنا عز وجل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي}. أضافهم مولانا عز وجل إلى نفسه إضافة تشريف وتكريم, ما قال: (وإذا سألك العبيد), بل قال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي}. هؤلاء الذين تحقَّقوا بالعبودية لله عز وجل, فاختاروا الانقياد لأمر الله تعالى باختيارهم, فتركوا مرادهم لمراد الله, وهواهم لما جاء به الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم , واختيارهم لاختيار الله عز وجل. وعبوديَّتك لله عز وجل فخرٌ لك, وأما عبوديَّتك لغيره تبارك وتعالى فهل ذلٌّ واحتقار وازدراء لك, لو كان الإنسان عبداً للدينار والدرهم فهو مذموم, ولو كان عبداً لزيد أو عمرو فهو مذموم, لأن الإنسان يكره العبودية لغير الله تعالى, فمن رضي أن يكون عبداً لغير الله فقد ذلَّ نفسه وتعس وانتكس, كما جاء في الحديث الشريف: (تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ, إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ, تَعِسَ وَانْتَكَسَ وَإِذَا شِيكَ فَلا انْتَقَشَ) رواه البخاري, فأنت لست عبداً لزوجة ولا لولد ولا لمال ولا لجاه ولا لشهرة ولا لسمعة, أنت عبد لله, وهذا هو عِزُّك وشرفك, لأن عبد الله يأكل من خير سيِّده ومولاه, وأما العبد لغير الله فالسيد هو الذي يأكل خير وجهد عبده. من منَّا يسأل عن الله تعالى؟ من منَّا يريد أن يتعرَّف على الله تعالى؟ من شقاء العبد أن يدخل الدنيا ويخرج منها ولم يذق أطيب نعيم فيها, وأطيب نعيم فيها هو معرفةُ الله عز وجل, هل سألت عن الله تعالى؟ هل تعرَّفت عليه وعلى أسمائه وصفاته؟ الصحابة رضي الله عنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل, سألوه لأنه العارف بالله تعالى, فعرَّفهم على الله تعالى, وعندما عرفوا الله عز وجل استقاموا على شريعة الله عز وجل, أما الجاهل بربه والعياذ بالله تعالى فيقع في المعصية دون أن يبالي, وصدق الله القائل: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}. إذاً يجب علينا أن نتعرَّف على الله تعالى, ومعرفته لا تكون إلا عن طريق القرآن العظيم, وعن طريق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما صحَّ عنه من الحديث الشريف, لأن هذا أمر عقَدي, والأمر العقَدي لا يكون إلا على أساس من القرآن العظيم والسنة الصحيحة حصراً. والذي عرف الله تعالى هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, لأن الله عز وجل هو الذي علَّمه, كما قال تعالى: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}, فنحن نتعرَّف على الله تعالى من خلال هذين المصدرين حصراً, فلا نصف ربنا عز وجل إلا بما وصف به ذاته من صفات وأفعال بدون تشبيه منا ولا تمثيل ولا تكييف ولا تعطيل, ونقول ما علَّمنا إياه ربُّنا عز وجل في القرآن العظيم: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير}. ثانياً: لا واسطة بينك وبينه أثناء الدعاء: كلُّ سؤال وُجِّه للنبي صلى الله عليه وسلم وذُكر في القرآن, جاء جوابه من الله جلَّت قدرته مصدَّراً بكلمة قل, كما في قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا}. وقولِه تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ}. وقولِه تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}. وقولِه تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}. وهكذا, فكلُّ سؤال كان يُصَدَّر جوابه بقول:{قُلْ}, إلا في هذه الآية الكريمة: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ}. جاء الجواب مباشرة عليهم منه تبارك وتعالى, فلم يقل له: فقل لهم إني قريب, حتى تعلم أنه لا واسطة بينك وبين الله تعالى في دعائك, فادع الله تعالى باللسان الذي تريد, وباللغة التي تريد, وفي الساعة التي تريد, ادع الله بلسانك, وادع الله عز وجل بحالك, ادع الله تعالى بكلِّ أريحيَّة لأنه ليس بينك وبينه حجاب, فاجعل حوائجك كلَّها على باب مولاك, فهو مولاك وأنت عبده. ثالثاً: أقرب إليك من حبل الوريد: يعلِّمك الله تعالى بأن ربك الذي تدعوه هو قريب منك, بل هو أقرب إليك من حبل الوريد, قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيد}. فإذا كان أقرب إليك من حبل الوريد فناجه بصوت خفيٍّ فإنه يسمعك ويراك. وهذا القُرب لمصلحتك حيث أنك تناجيه في خلوتك وفي جلوتك, وفي سائر أحوالك, ومع قربه منك فهو حيٌّ قيوم لا تأخذه سِنَة ولا نوم, فناجه في سرِّك وعلانيتك, في ليلك ونهارك, في سائر أحوالك. لا أحد يستطيع أن يحول بينك وبينه, لأنه معك أينما كنت, وهذا سيدنا يونس عليه السلام ناجاه وهو في ظلمات ثلاث, كما قال تعالى عنه: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِين}. وإذا كان مولاك قريباً منك وهو غنيٌّ عنك, وأنت فقير إليه, وهو يدعوك لأن تسألَه, بل يأمرك أن تسألَه, قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}, فهل يليق بك أن تعصيه وهو أقرب إليك من حبل الوريد؟ بل كيف تجترئ على معصية الله تعالى إذا كنت تعتقد أنه يراك؟ هل رأيت عبداً يخالف حاكماً إذا كان يراه؟ قطعاً لا يجترئ على مخالفته إذا كان يراه, وإذا أراد مخالفته فإنه يخالفه في خفاء عنه, وأنت إذا أردت أن تعصيه فاعصِه في مكان لا يراك فيه. وإذا كان العبد لا يرى مولاه فإنه يجب عليه أن يعتقد اعتقاداً جازماً بأن الله تعالى يراه, كما جاء في الحديث الشريف: (الإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ, فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ) رواه البخاري ومسلم. رابعاً: دعاؤك مستجاب بإذنه تعالى: يعلِّمك مولاك بأن دعاءك مستجاب, وإياك أن تشكَّ في ذلك, فهو أكرم من أن يرد سؤالك ودعاءك, كما جاء في الحديث الشريف, عَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَسْتَحِي أَنْ يَبْسُطَ الْعَبْدُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ يَسْأَلُهُ فِيهما خَيْرًا فَيَرُدَّهُمَا خَائِبَتَيْنِ) رواه أبو داود والترمذي. وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِت ِرضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: (مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِدَعْوَةٍ إِلا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا، أَوْ كَفَّ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ) رواه الإمام أحمد. وعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا بْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلا أُبَالِي, يَا بْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلا أُبَالِي, يَا بْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً) رواه الترمذي. فاحذر أن تشكَّ بأن الله لا يستجيب دعاء عبده, لأن الله تعالى أصدق القائلين, قال تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً}, ومما قاله مولانا عز وجل: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}. فإن لم ترَ استجابةً فالمشكلة عندك حصراً, وهذا مؤكَّد ومحقَّق, واسمع إلى هذا الحديث الشريف الذي يرويه الإمام البخاري ومسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَخِي يَشْتَكِي بَطْنَهُ فَقَالَ: (اسْقِهِ عَسَلاً), ثُمَّ أَتَى الثَّانِيَةَ فَقَالَ: (اسْقِهِ عَسَلاً), ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: (اسْقِهِ عَسَلاً) ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: قَدْ فَعَلْتُ, فَقَالَ: (صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ, اسْقِهِ عَسَلاً), فَسَقَاهُ فَبَرَأَ. فإن قال العبد: ما استجاب الله لدعائي, نقول له: كذبت وصدق الله القائل: {أَسْتَجِبْ لَكُمْ}, فإنه لا يُخلِف الميعاد. خامساً: حكم الدعاء: ذهب الفقهاء وجماهير العلماء سَلَفاً وخَلَفاً إلى أن الدعاء مُستحبٌّ, وخاصة بالنسبة للصائم, وبالأخصِّ عند فطره, وهو عبادةٌ لله عز وجل يتقرب بها العبد إلى الله تعالى, لذلك جاء في الحديث الشريف عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ) رواه أحمد. وفي حديث آخر عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الدُّعَاءِ) رواه الترمذي. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: (من فُتِحَ له باب الدُّعاءِ، فُتِحَتْ له أبوابُ الرَّحمةِ، وما سُئِلَ اللهُ شيئاً أحبَّ إليه مِنْ أن يُسألَ العافيةَ) رواه أحمد. وعنه أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الدُّعاء يَنْفَعُ مما نَزَلَ ومما لم يَنْزِلْ, ولا يردُّ القضاءَ إلا الدُّعاءُ ، فعليكم عباد الله بالدُّعاء) أخرجه الترمذي. وعن علي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدعاء سلاح المؤمن، وعماد الدين، ونور السماوات والأرض) رواه الحاكم. والسعيد حقاً من أُلهم الدعاء, فهذا سيدنا عمر رضي الله عنه يقول: (إني لا أحمل هَمَّ الإجابة، ولكن أحمل هَمَّ الدعاء، فإن ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه). كلمات عارف بالله عز وجل أدرك أن الله تعالى حين يقدِّر الاستجابة يقدِّر معها الدعاء, فنسأل الله تعالى أن يلهمنا الدعاء, وأن يكرمنا بالإجابة. احمل همَّ الدعاء: وكلمة سيدنا عمر رضي الله عنه كلمة رائعة, فإنه لا يحمل همَّ الإجابة, لأن الإجابة من الله تعالى, وهي مُحقَّقة, ولكنَّه يحمل همَّ الدعاء, لأن الدعاء تكليف, والتكليف يجب أن يكون موافقاً لما طلبه المكلِّف, ولأن الدعاء عبادة, والعبادة يجب أن تكون موافقة لما طلبه المعبود, فإذا كان التكليف غير موافق لما طلبه الله تعالى, وكانت العبادة غير موافقة لما طلبه المعبود, فإن العبد يكون قد أتى بالطاعة شكلاً ولم يأت بها حقيقة. على سبيل المثال: الصلاة, الصلاةُ تكليف ولها ثمرة, وثمرتها أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر, قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ}, يصلي الرجل وهو يرتشي, ويصلي وهو يسرق, ويصلي وهو يكذب, ويصلي وهو ينظر إلى النساء, وتصلي المرأة وهي سافرة متبرِّجة, وتصلي وهي عاصية لأمر زوجها في غير معصية الله, هذا العبد صلى وما صلى, كما جاء في الحديث الشريف عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ, فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى, فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ, وَقَالَ: (ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ), فَرَجَعَ يُصَلِّي كَمَا صَلَّى, ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ) ثَلاثًا, فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي, فَقَالَ: (إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاةِ فَكَبِّرْ, ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ, ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا, ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا, ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا, ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا, وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا). وفي موضوعنا اليوم, نحن ندعو الله لا شك في ذلك, لأنه تكليف لنا, وثمرة الدعاء الاستجابة, وهي على الله تعالى, فنحن لا نحمل همَّ الإجابة, لأنها على الله تعالى, ولكن يجب علينا أن نحمل همَّ الدعاء, فهل ندعو الله تعالى كما أمرنا الله تعالى, وهل حقَّقْنا شروط الدعاء؟ فما هي شروط الدعاء وآدابه؟ هذا موضوع درسنا القادم إن أحيانا الله عز وجل. أسأل الله تعالى أن يُلهِمَنا الرُّشد في كل أمورنا, وأن يرزقنا الإخلاص مع القبول, إنه خير مسؤول ومأمول. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم, سبحان ربك رب العزة عما يصفون, وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ـــــــــــــــــــ
__________________
|
#236
|
||||
|
||||
![]() الدعاء ـ 3 ـ الشيخ : أحمد الشريف النعسان بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد: مقدمة الدرس: فقد انتهينا في الدرس الماضي بأن من آداب الصائم كثرة الدعاء لله عز وجل ووقفنا عند كلام سيدنا عمر رضي الله عنه: (إني لا أحمل هَمَّ الإجابة، ولكن أحمل هَمَّ الدعاء، فإن ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه). وقلنا: إنه يجب على العبد المكلَّف أن يحمل همَّ ما كُلِّف به, لا أن يحمل همَّ الجزاء على عمله, التكليف علينا, والأجر وثمرة هذا التكليف على الله تعالى, فلا تنشغل بالجزاء والثمرة, ولكن انشغل بإتقان ما كُلِّفت به. الدعاء تكليف وعبادة: يجب علينا أن نعلم أولاً بأن الدعاء عبادة وتكليف من الله تعالى, قال تبارك وتعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين}. ففي هذه الآية الكريمة إشارة لطيفة بأن الذي تولَّى تربيتنا هو ربُّنا وربُّ كل شيء, يأمرنا جميعاً بدون استثناء أحد أن ندعوَه في سائر أحوالنا, في المنشط والمكره, وفي الغنى والفقر, وفي العِزِّ والذُّل, وفي الصحة والمرض, وفي السفر والحضر, وعلى سائر الأحوال, ولم يستَثْنِ أحداً من البشر في هذا التكليف. بل وصف ربُّنا عز وجل الصَّفوةَ من البشر الذين جعلهم الله أنبياء ومرسلين بقوله: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِين}. وقال تبارك وتعالى: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِين * وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِين}. وروى أبو داود والترمذي عنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}). وروى الترمذي كذلك عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ). وروى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ, فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ). وروى الطبراني عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ فِي الدُّعَاءِ, وَأَبْخَلُ النَّاسِ مَنْ بَخِلَ بِالسَّلامِ). وروى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الدُّعَاءِ). وروى الطبراني عَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (لا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلا الدُّعَاءُ). شروط وآداب الدعاء: وما دام الدعاء عبادةً وتكليفاً فلا بدَّ من أن نحقِّق شروطه وآدابه, فمن جملة شروط الدعاء وآدابه حتى تُعطى الإجابة: أولاً: أن يكون رزقك من حلال: فهذا هو الشرط الأول والأدب الأول لاستجابة الدعاء, فلا بدَّ للداعي من أن يكون مطعمه ومسكنه وملبسه وكلُّ ما معه حلالاً, لما أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا, وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}. وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}. ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ, يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ, وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ, وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ, وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ, وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ, فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ). هذا الحديث الشريف هو أحد الأحاديث التي هي قواعد الإسلام ومباني الإحكام, لأن فيه الحثَّ على الإنفاق من الحلال, والنهي عن الإنفاق من غيره. وفيه أن المشروب والمأكول والملبوس ونحو ذلك ينبغي أن يكون حلالاً خالصاً لا شُبهة فيه, وأن من أراد الدعاء كان أولى بالاعتناء بذلك من غيره. وفيه أن العبد قد يطيل السفر في وجوه الطاعات كحجٍّ وعُمرة وزيارة مستحبَّة وصلة رحم وهو يتغذَّى بالحرام, فمن أين يُستجاب لهذا العبد, بل وكيف يُستجاب له؟ وهذا على سبيل الاستبعاد, ولكن يجوز أن يستجيب الله له فضلاً وكرماً, وقد تكون استجابة الدعار له من باب الاستدراج والعياذ بالله تعالى. كيف يمدُّ العبد يديه إلى الله تعالى بالدعاء, وهو مخالف لأمر الله الذي حرَّم عليه الخبائث وأكل أموال الناس بالباطل؟ بل كيف يستجيب الله تعالى لعبد لا يستجيب هو لأمر الله تعالى؟ إذا عرفنا الشرط الأول من شروط استجابة الدعاء وهو أن يكون الرزق من حلال, عرفنا معنى كلام سيدنا عمر رضي الله عنه عندما قال: (إني لا أحمل هَمَّ الإجابة، ولكن أحمل هَمَّ الدعاء، فإن ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه), نحن قبل هذا كنا نحمل همَّ الإجابة, ونفكِّر هل يستجيب ربُّنا أم لا؟ وهذا من سوء الأدب مع الله تعالى القائل: {أَسْتَجِبْ لَكُمْ}. ولكن الآن عرفنا أن الهمَّ يجب أن يكون في الدعاء, فهل نستطيع أن نحقِّق الشرط الأول من شروط الدعاء أم لا؟ لو وضعنا أنفسنا الآن في هذا الميزان لرأيت كم وكم من يتساقط عند الشرط الأول, حيث تجد الكثير الذي لا يبالي بمسألة الرزق, ثم يطول لسانه بعد الدعاء فيقول: لماذا لا يستجيب الله الدعاء؟ هل يفكِّر أحدُنا في مسألة رزقه أن يكون من حلال مشروع لا شُبهة فيه؟ هل يبتعد الواحد منا عن الشبهات حتى لا يقع في الحرام, لأن من وقع في الشبهات وقع في الحرام, كما جاء في الحديث الشريف: (إِنَّ الْحَلالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ, وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ, فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ, وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ, كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ, أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى, أَلا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ) رواه البخاري ومسلم. أين الذي يتَّقي الشبهات إذا كان حريصاً على أداء هذه العبادة العظيمة ألا وهي عبادة الدعاء؟ الواقع المشاهد هو انتشار أكل الحرام بدون مبالاة والعياذ بالله تعالى, ولو أردنا أن نعدِّد صور أكل الحرام الصِّرْف الذي وقع فيه الكثير من الناس لضاق الوقت, هذا فضلاً عن الشُّبُهات, ومن صور أكل الحرام الصِّرْف: أولاً: الرِّبا وبصور متعدِّدة: أ ـ القروض الربوية الواضحة وضوحاً تاماً في أنها كبيرة من الكبائر, وإن دائرة الربا تتوسَّع بين الأغنياء قبل الفقراء, وهؤلاء يريدون استجابة الدعاء, (فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ)؟ ب ـ القروض التي تكون للمزارعين وأصحاب الحليب, وذلك ليقوم المزارع والجبَّان (المستدين) بإنزال مزروعاته ومشتقات الحليب عند الدائن ليبيعها ويأخذ الأجر عليها, والقاعدة الفقهية تقول: (كلُّ قرض جرَّ نفعاً فهو رباً), وهؤلاء يريدون استجابة الدعاء, (فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ)؟ ج ـ قاعدة: (ضع وتعجَّل) التي انتشرت انتشاراً واسعاً بين التُّجار في الديون المؤجَّلة, حيث يقول أحدهما للآخر: أضع عنك وتعجَّل في الدَّفع قبل حلول الأجل, أو يقول أحدهما للآخر: كم تضع عني لأتعجَّل في الدفع؟ وهذا باتِّفاق الأئمة الأربعة من أصحاب المذاهب المتَّبعة هو الربا بعينه, وهؤلاء يريدون استجابة الدعاء, (فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ)؟ ثانياً: المُقامرة وبصور متعدِّدة: وما أكثر المقامرة والميسر التي هي من عمل الشيطان, كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون}, وصور المقامرة كثيرة جداً منها: أ ـ عن طريق الهاتف المحمول تأتيك رسالة وتقول لك: اتصل على رقم كذا أو أرسل رسالة فارغة واربح ليرة ذهبية, أليس هذا هو الميسر والمقامرة بحدِّ ذاته؟ وهؤلاء يريدون استجابة الدعاء, (فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ)؟ ب ـ عن طريق القسائم التي تكون مع سلعة من السلع, يأخذ المشتري سلعة (ما) ومعها قسيمة ليقام بالسحب عليها, حيث تضرب القرعة بين المشترين لأخذ الجائزة, وهذه القسيمة هي جزء من المبيع, لذلك كانت من الميسر, وهؤلاء يريدون استجابة الدعاء, (فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ)؟ ثالثاً: السرقة من الأموال العامة: وما أكثر صور السرقة من الأموال العامة بحجة أن الدولة ظالمة, وأنها تأخذ أموال الناس بالباطل عن طريق الضرائب, فإذا بالبعض يسرق الكهرباء, والبعض الآخر يسرق الماء, والبعض الآخر يسرق الهاتف, والبعض الآخر يسرق من الخزينة العامة, وهكذا... ونسي هؤلاء السارقون قول النبي صلى الله عليه وسلم: (سَتَكُونُ أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا, قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَأْمُرُنَا: قَالَ: تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ) رواه البخاري. يسرقون الأموال العامة ويريدون استجابة الدعاء, (فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ)؟ أما عن أكل أموال الناس بالباطل عن طريق الرشوة, والاختلاس, وشهادة الزور, والأيمان الكاذبة, فحدِّث بدون حرج, وهؤلاء يريدون استجابة الدعاء, (فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ)؟ فسيِّدنا عمر رضي الله عنه عندما قال: (إني لا أحمل هَمَّ الإجابة، ولكن أحمل هَمَّ الدعاء، فإن ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه) كان مُحِقّاً في ذلك, لأن الدعاء عبادة, والعبادة يجب أن تكون موافقة للكتاب والسنة بشروطها المذكورة فيهما. مَثَل رائع من سيدنا عمر رضي الله عنه: لذلك كان سيدنا عمر رضي الله عنه المثل الرائع في تحرِّي لقمة الحلال, لا في حقِّ نفسه فحسب, بل في حقِّ ذرِّيَّته ورعيَّته, روى الإمام مالك في الموطأ وغيره عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ ابْنَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي جَيْشٍ إِلَى الْعِرَاقِ, فَلَمَّا قَفَلا مَرَّا عَلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ وَهُوَ أَمِيرُ الْبَصْرَةِ, فَرَحَّبَ بِهِمَا وَسَهَّلَ ثُمَّ قَالَ: لَوْ أَقْدِرُ لَكُمَا عَلَى أَمْرٍ أَنْفَعُكُمَا بِهِ لَفَعَلْتُ, ثُمَّ قَالَ: بَلَى, هَاهُنَا مَالٌ مِنْ مَالِ اللَّهِ أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَ بِهِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ, فَأُسْلِفُكُمَا هُ فَتَبْتَاعَانِ بِهِ مَتَاعًا مِنْ مَتَاعِ الْعِرَاقِ, ثُمَّ تَبِيعَانِهِ بِالْمَدِينَةِ, فَتُؤَدِّيَانِ رَأْسَ الْمَالِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ, وَيَكُونُ الرِّبْحُ لَكُمَا, فَقَالا: وَدِدْنَا ذَلِكَ, فَفَعَلَ, وَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمَا الْمَالَ. فَلَمَّا قَدِمَا بَاعَا فَأُرْبِحَا, فَلَمَّا دَفَعَا ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ قَالَ: أَكُلُّ الْجَيْشِ أَسْلَفَهُ مِثْلَ مَا أَسْلَفَكُمَا؟ قَالا: لا, فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: ابْنَا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأَسْلَفَكُمَا , أَدِّيَا الْمَالَ وَرِبْحَهُ. فَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ فَسَكَتَ, وَأَمَّا عُبَيْدُ اللَّهِ فَقَالَ: مَا يَنْبَغِي لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا, لَوْ نَقَصَ هَذَا الْمَالُ أَوْ هَلَكَ لَضَمِنَّاهُ, فَقَالَ عُمَرُ: أَدِّيَاهُ, فَسَكَتَ عَبْدُ اللَّهِ, وَرَاجَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ, فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَاءِ عُمَرَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ, لَوْ جَعَلْتَهُ قِرَاضًا, فَقَالَ عُمَرُ: قَدْ جَعَلْتُهُ قِرَاضًا, فَأَخَذَ عُمَرُ رَأْسَ الْمَالِ وَنِصْفَ رِبْحِهِ, وَأَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ ابْنَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ نِصْفَ رِبْحِ الْمَالِ. كُل ما شِئت فمثله تعمل: لذلك علماؤنا جزاهم الله تعالى خير الجزاء جعلوا لنا قاعدة فقالوا فيها: (كُلْ ما شئت فمثلَه تعمل), فمن أكل حلالاً وُفِّق للطاعة, ومن أكل الحرام سيقَ للمعصية, وصدق الله القائل: {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}. وقد يقول أحدُنا: فلان وفلان يأكل الحرام ويفعل الطاعات, فهو صائم مصلٍّ حاجٌّ معتمر قارئ للقرآن إلى آخر الطاعات, فهو لم يُصرَف عن الطاعات! نعم قد يفعل آكل الحرام الطاعات, ولكن جميع طاعاته مضروبة في وجهه ولا تكون مقبولة, لأن جسد نبت من سُحت, وكلُّ جسم نبت من سحت فالنار أولى به, فأمثال هؤلاء يقومون بالطاعات رياء وسُمعة والله تعالى أعلم, حتى إذا جاؤوا بهذه الطاعات جعلها الله تعالى يوم القيامة هباءً منثوراً. هؤلاء الذين غذَّوا أجسادهم بالحرام لا يقبل الله منهم صرفاً ولا عدلاً بسبب الحرام, وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا). خاتمة نسأل الله تعالى حسنها: تعالوا أيها الإخوة لنعاهد الله تعالى على أن نأكل طيباً ونشرب طيباً ونلبس طيباً ونتغذى طيباً, رجاء أن يقبل الله دعاءنا, اللهم وفِّقنا لذلك يا أرحم الراحمين. ومع تتمة شروط وآداب الدعاء في الدرس القادم إن أحيانا الله عز وجل. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, سبحان ربِّك ربِّ العزة عما يصفون, وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
__________________
|
#237
|
||||
|
||||
![]() الدعاء ـ 4 ـ الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد: مقدمة الدرس: فقد ذكرنا في الدرس الماضي قول سيدنا عمر رضي الله عنه: (إني لا أحمل هَمَّ الإجابة، ولكن أحمل هَمَّ الدعاء، فإن ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه), وقلنا بأنه يجب علينا أن نحمل همَّ الدعاء, لأنه عبادة, وكلُّ عبادة حتى تكون مقبولة عند الله ونرى آثارها يجب علينا أن نحقِّق شروطها, وأعظم شرط وأهمُّه هو الرزق الحلال, بحيث يكون المطعم والمشرب والملبس والمسكن من حلال, لا من حرام, واليوم نتابع حديثنا عن شروط وواجبات الدعاء حتى يكون مقبولاً عند الله تعالى ويعطي ثماره لنا في الدنيا والآخرة. ثانياً: الدعاء في الرخاء قبل الشدائد: أن يكون دعاؤك في الرخاء قبل الشدائد, وفي العطاء قبل المنع, وفي الرفع قبل الخفض, وفي العزِّ قبل الذُّلِّ, وفي الغنى قبل الفقر, وفي الصحة قبل المرض, وفي الشباب قبل الهرم. روى الترمذي والحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالْكَرْبِ فَلْيُكْثِرْ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ). دعاؤك لله عز وجل في الرخاء دليلٌ على تحقُّقك بالفقر لله عز وجل, أما دعاء العبد عند الشدائد والكَرب فقد يكون عبودية لله عز وجل, وقد يكون دعاء عبد مضطر دفعه اضطراره لذلك, ولولا الاضطرار ما دعاه. ثالثاً: الدعاء بقلب حاضر لا غافل: إذا أردت استجابة الدعاء فليكن دعاؤك من قلب حاضر مع
__________________
|
#238
|
||||
|
||||
![]() نظرات نفسية في الصيام الدكتور محمد كمال الشريف 1 - "لعلـكم تتقون" قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون" (البقرة 183).. إذن التقوى هي الثمرة المرجوة من الصيـام. ولكن كيف يؤدي الصيام إلى التقوى؟ إن التقوى اتقاء لغضب الله، والسبيل إلى اتقاء غضبه هي اجتناب ما حرم، والامتناع عن الوقوع فيما نهى عنه، لكن أهواء النفوس ودواعي الانحراف عن هدي الله تحيط بالمؤمن وتغريه بالوقوع فيما حـرم الله، والشيطان قد كرس حياته ليزين للناس معصية الله، ويجعلهم يشتهونها، لما يظنون فيها من متعة أو منفعة.. والتقوى تتطلب قدراً كبيراً من التحكُّم بالنفس ومقاومة هواها: "وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، فإن الجنة هي المأوى" (النازعات 40 – 41). والإنسان لا يولد متحكماً بنفسه ومسيطراً على أهوائه، بـل الطفل الصغير لا يكاد يصبر عن شهوة أو حاجة، إنما يطلب إشباع رغباته على الفور، ويزعجه ألاّ يحصل على ما اشتهاه، فيصرخ ويبكي ويصر على ما أغراه وحرك هواه، لكن هذا الصغير الذي تتحكم به أهواء نفسه وشهواتها يكبر ويتعلم من والديه والآخرين من حوله أن عليه أن يتحكم بأهوائه ويمنع نفسه عن شهواتها أحياناً، وأنـه لا يمكنه أن يفعل ما يشاء دائماً، ولا أن يتمتع بكل ما ترغب به نفسه، بل هنالك ممنوعات إذا وقع فيها وقعت عليه العقوبة وناله الألم النفسي أو الجسدي أو كلاهما معاً.. لذا كان الطفل المدلل الذي يغرقه والداه بكل ما يشتهيه من متع وأشياء، كان هذا الطفل أضعف الناس من حيث التحكم بأهوائه وضبط نفسه أمام المغريات. وعلماء النفس المعاصرون يرون أن التحكم بالنفس (Self *******) يتركب من مكوّنتين الأولى هي مقاومة الإغراء (Resistance to Temptation)، والثانية هي تأجيل الإشباعDelay of Gratification) )، حيث تعني مقاومة الإغراء أن يمتنع الإنسان عن فعل ما حُرِّم عليه رغم قدرته على ذلك وتوفر الفرصة أمامه للوقوع فيه، ويعني تأجيل الإشباع أن يحرم الإنسان نفسه من رغبة ومتعة عاجلة كي يحصل على متعة آجلة أعظم منها .. فالذي يمتنع عن أخذ ما ليس له رغم سنوح الفرصة لذلك مع أَمْنِ العقوبة فإنه يكون قد قاوم الإغراء، وأما الطالب الذي يحرم نفسه من اللعب والتسليـة كي يدرس أملاً في نجاح مشرِّف يستطيع بعده أن يلعب ويتسلى وهو يتمتع بالنجاح في الوقت نفسه، هذا الطالب يكون قد أجّل إشباع رغبته في اللعب والتسلية.. وبالتمرس على مقاومة الإغراء وتأجيل الإشباع تنمو قدرة الإنسان على التحكم بنفسه ومقاومة هواه. والذي يتأمل صيامنا في رمضان يجد فيه دورة سنوية مكثفة على مقاومة الإغراء وتأجيل الإشباع وبالتالي على التحكم بـالنفس الذي يشكل أساساً هاماً للتقوى . اللهم آتِ نفوسنا تقواها وزَكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
__________________
|
#239
|
||||
|
||||
![]() نظرات نفسية في الصيام (2) الدكتور محمد كمال الشريف إن الله مبتليكم بِنَهَر قال تعالى: "يا أيها النبي حرِّض المؤمنين على القتال، إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون" (الأنفال 65) ، إذن بالصبر تتضاعف قدرة المؤمن على القتال وقوته في الحرب والبأس عشر مرات.. هذا هو الحال المثالي الذي يتحقق فيه للمؤمن أقصى درجات الصبر وأعلاها، ويبقى المثال فوق الواقع ، ولا عيب في ذلك، إذ المثال هو القمة التي يصبو إليها الإنسان ويسعى لبلوغها، والإنسان على الطريق الصحيحة ما دام متجهاً صوب المثال مهما تعثر وقام وتكرر تعثره وقيامه، ويبقى للضعف البشري أثره في جعل الواقع دون مستوى المثال.. لذا فإن المولى تعالى بعد أن حدثنا عن المؤمن الذي بلغ صبره مستوى المثال والكمال فتضاعفت قوته وقدرته على التغلب على عدوه عشر مرات، بعدها يحدثنا عن الواقع وعن رضاه منا وقبوله بما هو دون المثال بكثير، يقول تعالى: "الآن خفف الله عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفاً، فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله، والله مع الصابرين" (الأنفال 66)، فبالصبر تتضاعف قوة المؤمن أمام عدوه مرتين رغم الضعف الذي يمنع من بلوغ الصبر المثالي. ولنتفكر في ضوء ذلك بقصة بني إسرائيل الذين بعث الله لهم طالوت ملكاً عليهم يقودهم في القتال في سبيل الله، وكان ذلك إجابة لطلبهم "فلما كتب عليهم القتال تولَّوْا إلاّ قليلاً منهم" (البقرة 246).. وبعد أن شكل طالوت جيشاً من بني إسرائيل، وانطلق بهم مجاهداً في سبيل الله أراد له الله ألاّ يصحبه في جهاده إلاّ الصابرون منهم، فاختبرهم اختباراً بسيطاً يُظهر مدى صبرهم وبالتالي كفاءتهم المتوقعة في القتال الذي هم مقبلون عليه.. لقد كانوا عطاشاً وكان الاختبار هو أن يمتنعوا عن شرب الماء من نهر يمرون عليه في طريقهم، وكان في عذوبة ماء النهر إغراء لهم بالشرب منه، لكن كان مطلوباً منهم مقاومة الإغراء وتأجيل الإشباع إلى أن يأذن الله لهم بذلك بعد أن يجتازوا هذا الاختبار لصبرهم، ورحمة بهم رخص لهم أن يغترفوا من النهر غرفة باليد تبل الريق وترطب الفم.. قال تعالى: "فلما فصل طالوت بالجنود قال إنَّ الله مبتليكم بِنَهَر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنّه مني إلاّ من اغترف غرفة بيده.. فشربوا منه إلاّ قليلاً منهم" (البقرة 249) ، ولم يرغب طـالوت إلاّ بهذه الفئة القليلة الصابرة كي تكمل معه مسيرة الجهاد والقتال في سبيل الله: "فلمـا جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده، قـال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، والله مع الصابرين، ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفْرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنـا على القوم الكافرين، فهزموهم بإذن الله .." (البقرة 249 – 251) . ألا يذكرنا اختبار الصبر الذي اختار طالوت جنوده على أساسه، ألا يذكرنا بصومنا في رمضان حيث نتدرب فيه كل عام على مقاومة الإغراء وتأجيل الإشباع والتحكم بالنفس عموماً، وبالتالي على الصبر؟ والصبر على الطاعات وعلى حرمـان النفس من هواها الذي لا يتفق مع أمر الله، هذا الصبر من عناصر التقوى التي لا تقوم إلاّ بها، فالصوم في رمضان درس في الصبر وتربية للنفوس المؤمنة على تقوى الله.
__________________
|
#240
|
||||
|
||||
![]() نظرات نفسية في الصيام (3) الدكتور محمد كمال الشريف فإنــه له وجـــاء روى البخاري في صحيحه عن عبد الرحمن بن يزيد قال: دخلت مع عَلْقَمَة والأسودِ على عبد الله، فقال عبد الله: كُنّا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم شباباً لا نجد شيئاً، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشرَ الشباب، من استطاع الباءَةَ فليتزوج، فإنَّهُ أًغَضُّ للبصر، وَأَحْصَنُ للفرجِ، ومن لم يستطعْ فعليه بالصومِ فإنّهُ له وجاءٌ " (ورواه مسلم أيضاً في صحيحه) . إن تفوق الإنسان على جميع الحيوانات التي خلقت قبله يكمن في تحرره من الغرائز إلى حد كبير يكاد يكون تاماً، والرغبة الجنسية لدى الإنسان تنبني على أساس عضوي مرتبط بالهرمون الذكري الذي يزيد هذه الرغبة عند الرجال وعند النساء على السواء، وإن كانت النساء تحتاج إلى مقدار العشر مما يحتاج إليه الرجال من الهرمون الذكري لهذا الغرض، كما يرتبط بنشاط النواقل العصبية في المخ مع أهمية خاصة للناقل المسمى "الدوبامين"، وتنبني هذه الرغبة أيضاً على خبرات الحياة منذ الطفولة وطيلة العمر، وعلى مشاعر أخرى حيث يمكن أن يعبر اللقاء الجنسي عن قمة المودة أو على النقيض يمكن أن يعبر عن أشد العداوة والبغضاء. والصوم وِجاء لمن لا يستطيع الباءة، أي لا يملك القدرة المالية على الزواج، وكثيرون يظنون أن الصوم يضعف الرغبة الجنسية من خلال إضعافه للجسد عموماً بتجويعه وتعطيشه، لكن هذا ليس صحيحاً، فالصوم وجاءٌ حتى لو تسحر الصائم سحوراً طيباً بحيث لا ينقص من غذائه ذلك اليوم شيئاً، والصوم وجاء حتى لو أفطر الصائم متعجلاً للفطر على أشهى الطعام وأفضله من حيث القيمة الغذائية.. والصوم لا يقتل الرغبة الجنسية عند الصائم، فقد كان الجماع محرماً في شهر الصوم حتى في الليل فوقع كثير من الصحابة في المخالفة لعدم قدرتهم على منع أنفسهم فقال تعالى لهم: "أحل لكم ليلة الصيام الرفثُ إلى نسائكم، هن لباس لكم وأنتم لباس لهن، علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم، فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم .." (البقرة 187) . إن الزواج بما يتيحه من فرصة لإشباع الرغبة الجنسية عند الرجل والمرأة يجعل من اليسير عليهما أن يغضا البصر عن الحرام وأن يحصنا الفرج عن الزنا، لكن الإحباط الذي تتعرض له هذه الشهوة الفطرية عند الأعزب والعزباء اللذين لا يقعان في الحرام، هذا الحرمان والإحباط مع ما في أبدانهما من عنفوان وهرمونات خلقت لتحث الناس في عمر الشباب على الانجذاب والتزاوج ليستمر التناسل والتكاثر ولتتعمق المودة بين الزوجين، هذا كله يمكن أن يسبب للشاب أو الفتاة انشغالاً وسواسياً للفكر بهذه الشهوة، يجدان صعوبة بالغة في إيقافه والتحرر منه كي يتفرغا إلى ما يريدان من درس أو تحصيل أو عمل أو عبادة.. إن هذا الانشغال الوسواسي بالشهوة الجنسية يشبه انشغال فكر العاشق بمعشوقه، وانشغال فكر الجائع المحروم بالطعام حتى إنه يحلم في نومه بوجبات شهية ويكثر حديثه عن المأكولات كما بينت ذلك الدراسات النفسية، وكما يلاحظ الموظفون عند اقتراب الدوام من نهايته حيث من السهولة توريطهم بحديث لا يكاد ينتهي عن الطعام وأصنافه. والصوم وجاء من حيث قدرته على إيقاف هذا الانشغال الوسواسي بالشهوة الجنسية، وقد لا يظهر أثره من أول يوم صيام لكن مع مرور بضعة أيام يشعر الشاب والفتاة أن بمقدورهما إبعاد الموضوع عن الذهن والتركيز على ما لديهما من مهمات، إذ لم تعد الخيالات الجنسية تقتحم عليهما الذهن والخاطر، هذا بشرط أن يترافق الصوم مع الابتعاد عن المثيرات الجنسية، إذ إن وجد المثير وجدت الشهوة حتى في حال الصوم، وهذا ما يجعل عامة الناس لا يحبذون زواج الشباب قبيل رمضان أو خلاله لصعوبة ضبط النفس مع وجود المثير وعدم وصول هذين الشابين إلى قدر من الإشباع الذي يتمتع به المتزوجون عادة، أما الآلية التي يقوم الصوم من خلالها بتأثيره هذا فما زالت تنتظر الباحثين المسلمين كي يكتشفوها. ثم إن الصوم وجاء من حيث هو عبادة مستمرة من الفجر إلى الغروب، إن نسي الصائم أنه متلبس بها للحظات، ما يلبث أن يتذكر ليعود إلى جو العبادة وغض البصر وحفظ اللسان. ويبقى للزواج الأفضلية، إذ لم يخلق الله فينا الشهوة ليعذبنا بها، لكنه أمرنا أن لا نشبعها بالحرام.. فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجـــاء ..
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |