|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#21
|
||||
|
||||
رد: سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن )
حديث القرآن عن القرآن ـ 20 ـ د / محمد الراوي ومن حديث القرآن عن القرآن ما تضمنه قوله تعالى في النساء : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً ﴾ [ النساء : 56] ففي حديث القرآن في هذه الآية بيان لموقف فريق من الناس منه وذكر للجزاء المترتب على الكفر به ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً ﴾ ﴿ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ﴾ [النور :25 ] ومن رحمة الله بالخلق أن يخبرهم بالجزاء قبل وقوعه وأن يبصرهم بما يجب أن يكونوا عليه . ﴿ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ﴾[لأنفال:42] . وآيات الله تتلى على الناس صباحَ مساءَ ، والقرآن محفوظ بحفظ الله ما بقيت الأرض والسماء . ليجد كل جيل تبصرته وهدايته . والقرآن يهدي للتي هى أقوم في جميع شئون الحياة . والله على كل شئ شهيد . والكل مسئول عما دُعي إليه واؤتمن عليه . ولا عذر بعد بيان ولا حجة بعد إعذار وإنذار . وتلك عاقبة من كفر ومن آمن . فليتدبر من شاء هذه العاقبة وليختر لنفسه ما يشاء ﴿ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ ﴾ [ق :45] ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً *وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً ﴾ [ النساء : 56 ـ 57 ] ومن تدبر حكمة الثواب والعقاب وأدرك النتائج والعواقب علم أن حديث القرآن لدنيا الناس صلاح وإصلاح . فالذين يصليهم الله في الآخرة ناراً لم تر الدنيا منهم إلا فسادا وإفسادا والذين يدخلهم الله جنات قد آمنوا وعملوا الصالحات , فالإيمان بالآخرة وما فيها من حساب وجزاء داعٍ إلى عمل الخير في الدنيا والكف عن الشر والإفساد فيها . فليس الإيمان بمعزل عن شئون الحياة ، بل هو مصلح لها بارٌّ بها . إن إرادة الآخرة والسعي لها تمكين لمكارم الأخلاق وفضائل الأعمال في الدنيا . إن من أحسنت إلى كلب فسقته ابتغاء مرضاة ربها شكر اللهُ لها فغفر لها ، ومن أساءت إلى هرة حبستها فلم تطعمها ولم تتركها تأكل من خشخاش الأرض دخلت النار. دلالة ذلك أن الله يطلب منا أن نحسن في الدنيا ولا نسئ وأن يرحم بعضنا بعضا حتى نُرحم والراحمون يرحمهم الرحمن . ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء . ومن لا يَرحم لا يُرحم . ألا وإن الكفر بآيات الله كفر بما تضمنته من الإيمان بالآخرة وما فيها من حساب وجزاء ومن كفر بالآخرة أفسد في الدنيا وأساء . ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن أصلح في سعيه وأحسن وأولئك كان سعيهم مشكورا . إن إرادة الدنيا دون سواها تدمير في الدنيا وخسران في الآخرة , لأن إيثار الدنيا يوقع أهلها في التنافس المسعور عليها دون مبالاة بظلم أو غدر . ولسان حال هؤلاء يقول مرحبا بالظلم إن حقّق لذة بل مرحبا بالغدر إن أحرز غنيمة . بل واحسراتاه عند هؤلاء إن فات مطلوبهم منها أو بُعد المرغوب . وعندئذ يكون التنافس على المغانم لا على المكارم ، والصراع على سلب أقوات الجياع دون وازع . كل يريد دنياه ولو هلك الناس من حوله . إن ظمأ اللهو بالتكاثر لا يطفئه مزيد من التكاثر وإنما يطفئه يقين صادق باليوم الآخر . وباليقين يتحقق التعادل والاعتدال الذي تنهزم معه الأثرة ويتحقق الإيثار . ويكون ذلك عندما يوقن الناس أنهم يمرون بالحياة الدنيا ولا يقيمون فيعملون لآخرتهم ما يصلح أمر دنياهم ويحقق الأمن والسلام فيها . ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ *أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ [ المؤمنون : 60 ـ 61 ] أرأيت أخي المسلم أن الجزاء على كفرٍ أو إيمان دعوة لاستقامة الإنسان لينعم الناس فيما بينهم بالتعارف والتعاون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان . ويخطئ من يظن أن إهمال الآخرة وما فيها من حساب وجزاء يحقق التفوق والسبق في الدنيا . إنه سبقٌ ـ إن وقع ـ مفتون مدمر لأهله إن لم يُصَن بإيمان ﴿ فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ ﴿41﴾ أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ ﴿42﴾ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴿43﴾ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴾ [ الزخرف : 41 ـ 44 ] فلن يفلت أحد من جزاء أو يفر من عاقبة ومصير . ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾ [ الزلزلة : 7 ـ 8 ] ﴿ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [ المائدة : 105 ]
__________________
|
#22
|
||||
|
||||
رد: سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن )
حديث القرآن عن القرآن ـ 21 ـ د / محمد الراوي ومن حديث القرآن عن القرآن ما تضمنه قوله تعالى في النساء : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾ [ النساء : 59 ] . والرد إلى الله رد إلى كتابه ، والرد إلى الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] رد إليه في حياته وإلى سنته بعد وفاته . ذاك هو السبيل لاستقامة الحياة وتراحم الأحياء وقيام الناس بالقسط على شرعة ومنهاج . وذاك هو الحق فماذا بعد الحق إلاّ الضلال ؟ وإذا أراد الناس الخير لأنفسهم في عاجل أمرهم وآجله فما لهم من سبيل سوى الرضا بالحق والتسليم له والعمل به . وليس من بعد ذلك إلاّ اتباع الهوى من بعد ما تبين الهدى . والرد إلى الله والرسول ردٌّ إلى الحق وبعد عن الهوى والضلال . وعدم الرضا بالرد إلى الله والرسول إيثار للباطل واتباع له ، بل وقوع فيما لا تحمد عقباه من ضياعٍ واضطراب وشقاء وخسران . ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً ﴿60﴾ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً ﴾ [ النساء : 60 ـ 61 ] . وهؤلاء لن يفلتوا من حساب وعقاب . ومن أبى الطاعة لله في دنياه لقى ما يلقاه في دنياه وآخرته . وما أرسل الرسول إلا ليطاع وطاعته طاعة لله والله يعلم ما تبديه النفوس وما تخفيه الصدور فلا بد من الصدق في الطاعة وإخلاص النية لله في الرد إلى الله وإلى الرسول والسمع الطاعة لما جاء في الكتاب والسنة . فذاك دليل الإيمان ولا إيمان لمن صد عن ذلك أو أبى ﴿ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيم ﴾ [ النساء : 65 ]إن القرآن الكريم قد أنزل ليكون منهج حياة وهدى للناس ، على رسول من البشر لتحسن القدوة والأسوة . ويُرى القرآن عملاً وخلقا ومنهجا وسلوكاً في رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] . وقد سئلت أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن خلق رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فقالت : كان خلقه القرآن يرضى برضاه ويسخط بسخطه . ولا فلاح للناس ولا نجاة لهم إلا باتباع الصراط المستقيم الذي أنزل من أجله القرآن وأرسل الرسول ، به تسمو النفوس بتجردها للحق ، وخضوعها للعدل . وتنمو الروابط بتغليب أمر الله على هوى النفس وتحيا النفوس بحسن استجابتها لله وللرسول . وتتحرر الإرادة من أسر الأهواء والشهوات . إن الحكم بما أنزل الله والردّ إلى الله والرسول برهان إيمان ويقين ، وإن الإعراض عن حكم الله في أي شأن من الشئون ينبئ عن مرض في القلوب وفساد في النفوس ولا نجاة من ظلم وظلام وسوء عاقبة ومصير إلا بالإذعان لحكم الله وإعلان السمع والطاعة لما نزل من الحق . بهذا يتحقق الفوز والفلاح وبغيره تدمِّر الإنسانية ما عمَّرت وتسوق الفناء بمعاصيها وآثامها إلى ما شيَّدت من بناء . أخي المسلم : إن آيات الله ـ وهى تتلى عليك ـ لا تخاطبك بأحداث ماضية لا صلة لها بحاضرك ومستقبلك ، وإنما تخاطبك بسنن باقية لا تتبدل ولا تتحول ﴿ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيل ﴾ [ فاطر : 43 ] فإذا رأيت الناس في مرج واضطراب وفتن وشقاء فاعلم أنهم قد بعدوا عما يجب أن يكونوا من اتباع الحق وطريق مستقيم ، ولم يرضوا بحكم الله ورسوله فتحكمت فيهم الشياطين , وماذا يكون من الإعراض عما قضى الله ورسوله إلاّّ الضلال والخسران والضياع . وماذا يُجنى من ثمار ذلك إلا الظلم والفساد . ولا فلاح ولا فوز إلا بالسمع والطاعة والرضا بما قضى الله ورسوله ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿51﴾ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ [ النور : 51 ـ 52]
__________________
|
#23
|
||||
|
||||
رد: سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن )
حديث القرآن عن القرآن ـ 22 ـ د / محمد الراوي ومن حديث القرآن عن القرآن ما تضمنه قوله تعالى في النساء : ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً ﴾ [النساء:105]والكتاب هو القرآن . والله هو الذي أنزل الكتاب بالحق ليتحاكم الناس في كل شأن بما قضى الله ورسوله . وذلك هو مقتضى الإيمان ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً ﴾ [ الأحزاب : 36] والآية وإن كان لها سبب خاص فإن العبرة فيه بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . فالحكم بين الناس جميعا بما أرى اللهُ ورسولَه لا بما يرى الناس . لأن ما يراه الناس غير معصوم من هوى والله هو الحق لا يحكم بين الناس إلا بالحق ، والحق لا يتبع أهواء الناس ﴿ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ﴾ [المؤمنون : 71]. والنبي [ صلى الله عليه وسلم ] ـ وهو يحكم بين الناس بما أراه الله ـ معصوم بعصمة ربه ﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ﴿3﴾ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم : 3 ـ 4] فإذا بعد الناس عن الحكم بما أنزل الله ـ وهو الحق ـ تقاذفتهم الأهواء ، واقتادهم الباطل ، وعمَّت الفوضى وكثر الفساد وضيعت الأمانة وتطاولت الخيانة . والحكم بين الناس بالحق ، وهو يقام مقام الإيمان وبدافع من يتنزه عن المؤثرات التي تميل بالناس من حبهم لأنفسهم ، أو ميلهم لذوي قرباهم ، أو انعطافهم لصديق وجفائهم من عدو . الحكم بالحق يتنزه عن المؤثرات التي تميل بالناس عما يقتضيه الحق وتوحي به دلائله ومعالمه والله جل وعلا يأمر المؤمنين أن يكونوا قوامين بالقسط غير متبعين لهوى أنفسهم أو أهواء غيرهم ومن تخلص من هوى نفسه كان قادرا ـ بعون الله ـ على التخلص من هوى غيره . ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً ﴾ [ النساء : 135] ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة : 8] والتحذير من الميل أو اتباع الهوى في تحقيق العدل وإقامة الحق لا يُلقى على الناس موعظةً بلا حساب أو جزاء . لا . بل لابد من حساب عليه وجزاء لمن أحسن أو أساء . والآيتان كما ترى تُخْتًمان بقوله ﴿ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً ﴾ وقوله ﴿ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ . وفيهما من الدلالة على العلم والإحاطة ما يجعل المؤمن يخشى حتى من وسوسة نفسه ومن نيته وعزيمة قلبه . فإن من تولى عن حكم الحق أو أعرض عنه مأخوذ بنيته محاط بخطيئته ﴿ وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ﴾ [ المائدة: 49] إن الله قد أنزل الكتاب ليحكم به بين الخلق ، وذلك من مقتضيات الحق أن يكون حكما بين الناس ولا يكون غيره . ومصالح الناس لا تستقيم بل لا تتحقق إلا بحكم الحق والعدل . والحاكم بما أنزل الله ـ وهو الحق ـ متبع يحكم بشرع الله لا بهواه . واجتهاد المجتهد لتطبيق حكم الله هو اتباع للحق يجعل الله له به فرقانا ونوراً ومغفرة وأجراً ويهديه إلى سواء السبيل . فمقصد الشرع هو إقامة الحق والعدل بين الناس . والكتاب وهو حق هدى للناس إلى الحق . والرسول [ صلى الله عليه وسلم ]هادٍ إليه . والناس لا يتراحمون إلا بإقامة الحق والعدل . ولا تراحم بظلم وجور وإنما الرحمة في إحقاق الحق وإقامة العدل بين الناس جميعا بلا تفرقة ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً ﴾ [ النساء : 105] وقد ذكرت الآية من قبل أن هذه الآية وإن كان لها سبب خاص فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . أي أن الحكم بين الناس بما أنزل الله وبما أوحى إلى نبيه عامٌ لا يَخص ناسًا دون آخرين وإنما هو حكم رب العالمين للناس أجمعين . ولكن السبب قد يعطي دلالة خاصة وهى أن الحكم بالحق أعزُّ من الصلات بين الناس ، صلات القرابة والصحبة . فمهما كانت العداوة بينك وبين غيرك فأنت مطالب بتنفيذ حكم الله ـ وهو الحق ـ لصالح عدوك إن كان الحقُّ له ، وأن تنصفه وإن عاداك وأبغضك ﴿ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [ المائدة : 8] إنه الحق الذي لا مجاملة فيه ولا محاباة . وإذا عرفنا أن هذه الآيات ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً ﴿105﴾ وَاسْتَغْفِرِ اللّهَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً ﴿106﴾ وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً ﴾ [ النساء : 105ـ 107] إذا عرفنا أنها أنزلت أنزلت لتنصف رجلا يهوديا اتّهم ظلما في سرقة ـ هو منها برئ ـ كادت التهمة تلصق به لوجود المسروق عنده . نزلت الآيات لتبرئه وتدين الذين تآمروا عليه وهم أهل بيت من الأنصار . إذا عرفنا ذلك أدركنا أن الحق أعزُّ من أن يخضع للأهواء أو يستدرج أو يستمال لصالح من ظلم أو خان لأي سبب أو أي اعتبار . نزلت الآيات لتكون تبصرة للمؤمنين في كل زمان ومكان لكي يرتفعوا إلى المستوى الذي يقتضيه الإيمان . وأن يكونوا قوامين لله شهداء بالقسط وأن لا تحملهم العداوات مهما كانت ضراوتها على مجاوزة العدل أو مجافاة الحق . حُكمٌ صدر لصالح اليهودي وإدانة الأنصاري الذي تآمر عليه في الوقت الذي كان اليهود فيه لا يدعون سهما مسموما يملكونه إلا أطلقوه في حرب الإسلام وأهله ، ولكنّ الوحي الذي عُلِّمُوه وحكموا به جعلهم جندا للحق في كل حال دون اعتبار لأي شئ سواه ؛ لأن الحقَّ أكبر وأعلى وأغلى وأبقى شئ في الوجود ، فلا اعتبار عندهم لشئ سواه ، وهم بالحق ولن يكونوا بغيره . والنفوس المؤمنة حين تؤمر به تطيع وترتفع بإيمانها وصدقها عن الخلود إلى الأرض ، فتقيم العدل وتحكم بالحق دون تفرقة بين قريب أو بعيد أو عدو وصديق ومن أجل ذلك أرسل الله الرسل وأنزل معهم الكتاب والميزان ، فقام الرسل بما أمروا به دون ميل أو استدراج وجعلوا حكم الله نافذا لا تقبل من شفاعة ولا يحول دون إمضائه أن يكون على شريف أو وضيع « وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها » يذكر الرسول [ صلى الله عليه وسلم ]أقرب الناس منه وأحبهم إليه ليعلم الناس أن ميزان الحق لا يفرق بين قريب أو بعيد فالناس جميعا أمام العدل سواء . والحق دائما أحق أن يتبع . وحكم العدل حري أن يمضى وأن يقبل دون شعور بحرج . إنه حكم الله رب العالمين ، ولا يقبل في حكم الله أن يساء إلى برئ لوضاعته أو عداوته ، وأن يترك ظالم أو خائن لشرفه ومكانته دون تطبيق حكم الله عليه . فإن ذلك مجلبة للفساد ومدعاة للدمار والهلاك « إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها » كما جاء في الحديث المتفق عليه عن عائشة رضي الله عنها . إن الحكم بما أنزل الله هو الحكم بالحق والرضوان به هم طلاب حق وعدل والمعرضون عنه ـ من بعد ما تبين لهم ـ هم أرباب شقاق ونفاق وعبيد هدى ومنفعة . وأسرى شكوك وريب . هؤلاء لا يرضون بالحق إلا إذا كان لهم أما إذا كان عليهم فهم عنه معرضون وله منكرون ﴿ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ ﴿48﴾ وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ ﴿49﴾ أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [ النور: 48 ـ 50] ،﴿ إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ ﴾ وسواء كان المراد بقوله ﴿ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ ﴾ بالذي علَّمه أو بما يؤدي إليه اجتهاده فإن الحكم في الحالين حكم بما أنزل الله فإن الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] معصوم بعصمة ربه من الهوى الذي يُضلُّ عن سبيل الله . وما يكون من اجتهاد من غيره فيما لم يرد فيه نص قاطع ـ محكوم بضوابط وقواعد ـ فلا ينشئ المجتهد حكما من عند نفسه دون نظر في سند أو دليل وإنما يعتمد في اجتهاده على معرفته بشرع الله وإدراكه لعلل الأحكام ومقاصد الشرع وحصوله على شروط الاجتهاد . فما يكون عليه المجتهد من صفات تحول بينه وبين الركون إلى الهوى أو التعمد أن يحيد عن الحق وتعينه على أن يتحرى العدل مجتنبا ما استطاع المؤثرات التي تميل به ولذا فإن التربية الإيمانية أصل أصيل في إعداد النفوس التي تقوم بالقسط وتحكم بالعدل . إن إنزال الكتاب بالحق داع إلى الحكم به وعدم مجاورته والحيدة عنه ﴿ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ ﴾ [ المائدة : 48] فمقتضى نزوله أن يُتبع وأن تحذر الفتنة عن شئ منه . فإن الفتنة عن بعض ما أنزل الله مفضية إلى الفساد والفسوق ﴿ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ﴾ [ المائدة : 49] إن كثيرا من الناس يقودهم هواهم إلى الخروج عن حكم الله طمعا في العاجلة ورغبة عن الآخرة مع أنهم تاركون لما طمعوا فيه ، مقبلون إلى ما رغبوا عنه ، محاسبون على الحق الذي خالفوه ، مأخذون بالباطل الذي اتبعوه . ومن رغب عن الحق لم تسلم له منافعه . ولن تبقى له مطامعه ، ومن آثر الباطل خسر دنياه وآخرته وعاش في الدنيا ظمآن يحسب السراب ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه . الحق هو الذي يجده الطالب ولا يجده غيره . فهو الحياة وهو المرجع والمصير. فمن استهان به أو أعرض عنه أو آثر سواه في سلوك أو معاملة أو اعتقاد حوسب بالحق علي اتباع الباطل . ووجد الحق ولم يجد شيئا سواه . لأن ما سواه هالك . وما عداه باطل وضلال يقود إلى الدمار والهلاك والعذاب والخسران ﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ﴾ [ ص : 26] يقول الإمام ابن كثير في تفسيره القرآن العظيم : « وهذه وصية من الله عز وجل لولاة الأمور أن يحكموا بين الناس بالحق المنزل من عنده تبارك وتعالى ولا يعدلوا عنه فيضلوا عن سبيل الله . وقد توعد تبارك وتعالى من ضل عن سبيله وتناسى يوم الحساب بالوعيد الأكيد والعذاب الشديد ». أخي المسلم ، إن لليوم شأناً أيَّ شأن في استقامة النفس وخضوعها للحق وإيثارها ما يبقى على ما يفنى . وإن نسيانه والغفلة عنه وترك العمل به يبعد عن الحق ويوقع في الضلال . ومصالح الناس لا تستقيم إلا بالعدل وروابطهم لا تحسن إلا بإقامة الحق . إن الحكم بالحق اتساق مع فطرة الإنسان وحقيقة الوجود في حسن الاستجابة لله والتسبيح بحمده ﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾ [ الإسراء : 44] والحكم بالحق ليس نافلة يخير الإنسان بين فعلها وتركها . بل هو فريضة محكمة لا يعذر تاركها ولا يسلم من ريبة أو جحود . وأهل الإيمان أوفياء للحق ولا يخلو منهم زمن وإن قل عددهم وكثر عدوهم ﴿ وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ﴾ [ الأعراف : 181]
__________________
|
#24
|
||||
|
||||
رد: سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن )
حديث القرآن عن القرآن ـ 23 ـ د / محمد الراوي ومن حديث القرآن عن القرآن ما جاء في قوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً ﴾ [النساء : 136]والكتاب الذي نزل على رسوله [صلى الله عليه وسلم ]هو القرآن نزّله على عبده ورسوله محمد [صلى الله عليه وسلم ]ليكون للعالمين نذيرا . والكتاب الذي أنزل من قبل على الرسل بمعنى الكتب فـ«أل » فيه للجنس والكتب المنزَّلة يصدق بعضها بعضا . وقد جاء خاتمها مهيمنا عليها محفوظا بحفظ الله لتظل كلمة الحق على ألسنة الرسل جميعا مصونة من التلبيس والافتراء والكذب . جاء القرآن الكريم ليعلم الناس حقيقة الرسالة ويصدع بالحق الذي جاءت به الرسل وأنزلت به الكتب . ويرد كلَّ باطل أُلبس عليهم وكل ضلال نسب إليهم . فلم يعد هناك سبيل لكتمان ما جاء به الرسل والكتاب المحفوظ مهيمن وأمين وشاهد . ولا مهرب للمفرقين بين الرسل من حساب وجزاء . والقرآن يتلى عليهم ويبين حقيقة ما جاءوا به من الدين وأنه واحد . ولا حجة بعد بيان ، ولا معذرة بعد تبليغ وإنذار ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً ﴾ [النساء : 150 ـ 151] إن التفرقة بينهم وهم يدعون إلى دين واحد ـ كفر بهم جميعا وتكذيب أحدهم تكذيب لهم جميعا . وعداوة أحدهم عداوة للحق الذي بعثوا به . والحق واحدٌ لا يتعدد . وهو ما دعوا إليه جميعا ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء : 25] إن رسالات الرسل جميعا منبعها واحد وأصلها واحد . وهذه الحقيقة ذات تأثير بليغ في سلوك الفرد وراوبط المجتمع . وشتان بين من يؤمن بالرسل جميعا والكتب جميعا ولا يفرق . وبين من يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض ﴿ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً ﴾ شتان ما بينهما في الصفات والسلوك والأخلاق . شتان بين من يوحد ولا يفرق وبين من يفرِّق ويرى ذلك دينًا يدين به ﴿ وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ﴾ [الشورى : 14] إن رسول الله [صلى الله عليه وسلم ] كرَّم الأنبياء جميعا وآمن بهم وطلب الإيمان بهم جميعا وعد الإيمان بهم أصلاً في رسالته والتفريق بينهم إنكارًا لدعوته . وذاك هو إيمانه وتلك دعوته ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ﴾ [البقرة : 285] وكان من فضل الله على الناس أن يضمن لهذا الكتاب الذي ضم الاعتراف بالأنبياء جميعا الحفظ والبقاء وهو يسجل الصفحات البيضاء لهم جميعا ويضعهم في موضعهم إذ يردُّ ما افترت الأهواء عليهم . وهو بهذا يقول للإنسانية جميعا تلك هى الحقيقة الماضية على يد الداعين إليها من رسل الله وأنبيائه . وتلك هى الحقيقة محفوظة باقية في كتاب عزيز﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت : 42] وذاك هو النداء في هذا الكتاب ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً ﴾ [النساء : 136] أخي المسلم ، ومع إنزال الكتاب وحفظه وهداه وتبصرته لا عذر لمن فرط في جَنب الله أو أساء الظن بالله . والكتاب الكريم يخبرنا في ثقة وحق عن مصير هؤلاء وأولئك وعاقبة من أحسن أو أساء ﴿ لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً * وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً * وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً * وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطاً ﴾ [النساء : 123 ـ 126]
__________________
|
#25
|
||||
|
||||
رد: سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن )
حديث القرآن عن القرآن ـ 24 ـ د / محمد الراوي ومن حديث القرآن عن القرآن ما تضمنه قوله تعالى في سورة النساء ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا ﴿174﴾ فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِالله وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴾ [النساء:174 ـ 175]والبرهان : الحجَّةُ الفاصلة البينة . وبرهن عليه : أقام الحجة . الظاهر في نفسه المُظْهِرُ لغيره يُسمَّى نوراً . والنور من صفات الله عز وجل . قال الله تعالى ﴿ الله نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [النور: 35] ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا ﴾ وهو القرآن الكريم سمَّاه نورا ، لأنه يُهتَدَى به من ظلمات الضلال والباطل . وهذا القرآن يحمل برهانه للناس من رب العالمين . وهو نور كاشف للظلمات والشبهات . فمن اهتدى به فاز ونجا ومن أبى وأعرض شَقِي وخسر ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا ﴾ تنكشف به حقائق الأشياء ويُفرق بين الحق والباطل في داخل النفس وواقع الحياة . حيث تجد النفس من هذا النور ما ينير حياتها وللقرآن أثره البالغ في لين القلوب وسكون النفوس وزيادة الإيمان واستقامة السلوك ﴿ الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ الله ذَلِكَ هُدَى الله يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الزمر : 23] وللقرآن أثره في روابط الناس وصلاتهم . فهو هدى ونور مبين . والنور المبين تتحدد به المعالم ويُعرف به الطريق ويهتدى به للوصول إلى الغاية والمصير بلا تعسر أو التباس ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ الله نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ﴿15﴾ يَهْدِي بِهِ الله مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة : 15 ـ 16] إن هذا الكتاب الذي جعله الله نورا كما جعل الشمس ضياء قد حفظه ليكون الناس على بينة من أمرهم ولا حياة بلا نور ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام : 122] إن للحق نوره وبرهانه , وإن له نفعا وبقاء . ﴿ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ﴾ [الرعد : 17] وأنعم بنور لا يكشف لك دُرُوبَ في دنياك فحسب ، بل يبين لك ما أنت صائر إليه ومنته عنده . ولا يدع مرحلة من مراحل السير بغير كشف وبيان . ومن تدبر القرآن عرف نفسه من أين جاء ؟ وإلى أين يصير ؟ والقرآن يذكره بالبداية والنهاية ، ويبصره بما يجب أن يكون عليه للفوز بالعاقبة وحسن المصير ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ﴿12﴾ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ﴿13﴾ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴿14﴾ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ﴿15﴾ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ ﴿16﴾ وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ ﴾ [المؤمنون : 12 ـ 17] هكذا في ثقة ويسر تقدم الحقائق للناس ويقام البرهان ويتضح المسير في غير لَبْسِ أو غموض . الناس يمرون بالحياة ولا يقيمون . « والله لا تموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون . ولتحاسبن عما تعملون » حقائق لها تأثيرها البالغ في تربية الإنسان وتبصرته وإعداده للفوز برحمة الله ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِالله وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴾ [النساء : 175] أخي المسلم : إن رحلة الحياة الدنيا عميقة الدلالة . يظفر السعيد بدلالتها وينعم بتبصرتها . ويفتن الشقي بزينتها ويؤخذ بزهرتها . ومن رحمة الله بالخلق أن تكون دلائل الحق فيهم وفيما خلق لهم من شئ ، وأن يجيئهم الحق من ربهم بإرسال الرسول وإنزال الكتاب ليكون العلم بالحق فطريا لا تكلف فيه . تقرأ آيات الله فيما أنزل وتجد صدقها في نفسك وفي الأفاق من حولك . والحق نور تقوم به الحاة , وحبل واصل من السماء ، يعتصم به الأحياء ، ويرتفعون عن الخلود إلى الأرض واتباع الأهواء . ومن آمن بالله اهتدى بهداه ﴿ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِالله يَهْدِ قَلْبَهُ وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [التغابن : 11]
__________________
|
#26
|
||||
|
||||
رد: سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن )
حديث القرآن عن القرآن ـ 25 ـ د / محمد الراوي ومن حديث القرآن عن القرآن ما تضمنه قوله تعالى في سورة المائدة : ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ﴿15﴾ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة : 15ـ 16]نور وكتاب مبين ، وصفان لما جاء به الرسول [ صلى الله عليه وسلم ]، يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ، ذاك هو السبيل لمن ينشد السلام في أي زمان ومكان . السلام بمعناه الواسع الممتد في حياة الفرد والمجتمع والعالم بأسره . سلام البيت والأسرة . وسلام المجتمع والأمة ، بل سلام البشر والإنسانية جميعا في العاجلة والآخرة . السلام القائم على الحق والعدل . الذي تنتصر فيه الفضائل وينعم الناس بالأمن والتراحم . ولا أمن مع ظلم وجور ، ولا سلام يرجى مع كفر وجحود . فإن الأمن والسلام يرتبطان بصفات النفس ويتصلان بالقيم والأخلاق . ولا بد للقيم من منهج يهتدي الناس به ، وللأخلاق من أسوة تكون أمام الناس في كل شأن . وقد اختار الله الأسوة وأنزل الكتاب . ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ﴿15﴾ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ ﴾[المائدة : 15 ـ 16] ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب :21] وليس من يرجو اليوم الآخر بمعزل عن شئون الحياة , بل هو مصلح فيها محقق لما ترجوه من خير وما تنشده من بر . إن العدل والحق . والأمانة والصدق والوفاء والبر والرحمة والحب . صفات لا بد منها لتحقيق الأمن الصادق والسلام الآمن . وهى صفات من يرجو الله واليوم الآخر فيتأسى برسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ويتخلق بما تخلق به وقد كان خلقه القرآن يرضى برضاه ويسخط بسخطه . ذاك هو النور الذي تُرى به الأمور على حقيقتها دون غبش أو التباس . ويعرف الإنسان ما له وما عليه دون تعدِّ أو انتقاص . وبغير هذا النور يتخبط الناس في الظلمات وتُساء المعاملة ولا تصان الحرمات . والإنسانية ـ وقد غدت بوسائل العصر وكأنها بيت واحد ـ تحتاج في سلامها العالمي إلى دين عالمي يكون العالم أمام عدله سواء . لا يفرق بين جنس وجنس أو لون ولون . كما لا يفرق في عدله بين عدوٍّ وصديق وقريب وبعيد وشريف ووضيع . دين يحترم قيمة الإنسان ويقدِّر كرامته ويحوطه بسياج اليقين ويطبعه على البر والرحمة ، دين يبدد بنوره ظلام الخوف ويحقق أسباب السلام ويقيم دعائم الثقة . يقيم العدل في ذات الإنسان أولا بين مطالب جسده وفضائل روحه ليتحقق العدل في الخارج وتقوم عليه حراسة ذاتية من قبل الإنسان وضميره . دين يبقى على الإنسان مكرَّما في الأرض وخليفة لمالك الملك وأمينا على شرائع العدل وقد ارتضى الله لنا هذا الدين وأتم لنا به النعم وحفظ لنا النور والكتاب المبين . ولا إنقاذ للبشرية كلها إلا بما حفظ الله ولا هداية لها إلاّ بهداه . دين يدعو إلى الإيمان بالرسل جميعا لا يفرِّق ويدعو إلى كلمة سواء تنصف المظلوم حيث كان وتأخذ على يد الظالم من أي جنس كان . هو دين السلام والإسلام وبه أرسل الله الرسل جميعا وأنزل الكتاب وحفظ ما أنزله على رسله في كتاب عزيز لا يقترب الباطل من ساحته . دين رب العالمين للناس أجمعين ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان : 1] ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء:107] ﴿ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [الأعراف:158] والمسلمون جميعا مسئولون بين يدي الله عن إدراك هذه الحقيقة والعمل بها ودعوة الناس إليها ﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴾ [الزخرف:44] فعليهم أن يدركوا أن دينهم يدعو إلى السلام . وللسلام أسسه ومقوماته ، وله قواعده وغاياته . واتباع الكتاب والاقتداء بالرسول هو سبيل السلام فليستمسكوا بما أُمروا به من ربهم وما دعوا إليه وليعلموا أن دوافع الماديين ترتبط بمنافعهم لا بمرضاة ربهم . فلا يستخفنهم من يزهو بدنياه ولا يوقن بأخراه , وليجعلوا من نور هذا الكتاب المبين هدًى لهم في كل شأن وليعتصموا به حيث كانوا . فإنه حجة لهم أو عليهم . وليخاطبوا وليأخذوا بالأسباب في نصرته والدعوة إليه . فإنه الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال ؟ وليكونوا على علمٍ بعصرهم وزمنهم حتى يأخذوا بالأسباب على بصيرة وليخلصوا النية في جميع أعمالهم ؛ فإن إعلاء كلمة الله عز لمن ابتغاه ، وقد أعزهم الله بالإسلام فمن ابتغى العز في غيره أذله الله . وذاك هو الطريق إلى السلام لهم ولغيرهم ، وهذا ما جاء من ربهم الذي له القوة جميعا والعزة جميعا ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ﴿15﴾ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة :15ـ 16]
__________________
|
#27
|
||||
|
||||
رد: سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن )
حديث القرآن عن القرآن ـ 26 ـ د/ محمد الراوي ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴿48 ﴾ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ﴾ [المائدة : 48 ـ 49]﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ﴾ والكتاب هو القرآن الكريم وهذه الآية لها دلالتها فيما تؤديه كلُّ كلمة بذاتها أو متعاونة مع أخواتها في بيان شأن القرآن الكريم في ذاته ، وبالنسبة لما بين يديه من الكتب ، وما يجب من عمل به ، واتباع له ، وتسليم بحكمه . وتدبر أخي المسلم دلالة هذه الكلمات في هذه الآية من حديث القرآن عن القرآن . ﴿ وَأَنْزَلْنَا ﴾ والمنزِّل هو الله تعالى . وكفى بذلك دلالة على الحق وما يجب من حرص عليه وتمسك به وقد اتصل الفعل أنزل بنون العظمة « نَا » في الحديث عن الكتاب المحفوظ المعجز المهيمن ، كما نرى ذلك في الحديث عن تنزيل الذكر وحفظه في قوله تعالى في الحجر ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ « إِلَيْكَ » : هكذا بكاف الخطاب دون ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم ، فيه ما فيه من تكريم لنبيه وتنويه بعلو مكانته واختصاصه بانتهاء التنزيل إليه دون سواه صلى الله عليه وسلم ، وجلَّ من أنزل واصطفى من أُنزل عليه و ﴿ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾ « الْكِتَابَ » : دون وصفٍ له لأنه الجدير بان يُسمَّى وحده بالكتاب فهو الفرد الكامل الحقيق بأن يُسمّى كتابا على الإطلاق لحيازته جميع الأوصاف الكمالية لجنس الكتاب السماوي وتفوقه على بقية أفراده وهو القرآن الكريم فاللاِّم فيه للعهد. « بِالْحَقِّ »: وكل ما سبق هذه الكلمة يدل عليها . فالمنزِّل هو الله . والمنزل عليه هو رسول الله صلى الله عليه وسلم . والمنزَّل هو ذلك الكتاب . والنَّازل به هو الروح الأمين . فأيُّ دلالة على الحق وصونه وحفظه أوفي وأكمل من ذلك﴿ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ . وقوله ﴿ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾ مع ما فيه من دلالة على تصديق الكتب المنزلة قبله فإن كلمة « لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ » تكاد تجعلك تنطق بهيمنته قبل أن تسمع : « وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ » وأنه حاكم عليها ومؤتمن وحافظ وشهيد . والقرآن الكريم أمين على الكتب المتقدمة قبله يعرض ما فيها من الحق ويرد ما ينسب إليها من باطل . ﴿ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴾ والمقصود الحكم بين أهل الكتاب بما بيَّن الله في هذا الكتاب ولكن لم يأت القول على هذا النحو الذي ذكرتُ ، وإنما جاء بما يدعو إلى وجوب الخضوع والرضا والتسليم حيث قال: ﴿ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴾ فلا مجال للمراوغة أو التفلت والإعراض . فإن الحكم بما أنزل الله ليس منسوبا إلى غيره فمن عارضه أو أباه فقد عارض الله ومن أعرض عنه فقد أعرض عن الحق ﴿ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ﴾ ولا مفر من عَوْدٍ إلى الله وحساب بين يديه ﴿ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ إن الحكم بما أنزل الله واجب الطاعة والرسول صلى الله عليه وسلم يبلِّغ ما نزل إليه من ربه ، فطاعته طاعةٌ لله ومعصيته معصيةٌ لله ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [ النور : 63]﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [ الأحزاب : 36]. والرسول صلى الله عليه وسلم مأمور أن يتبع الحق الذي أنزل إليه منهيّ عن مجاوزته أو الانحراف عنه ﴿ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ﴾. إن الحكم بما أنزل الله يتنافى مع اتباع الأهواء ، لأنه الحق ، واتباع الأهواء ضلال وباطل تفسد به أحوال الناس , والحق ثابت مستقيم ، لا تجوز مجاوزته أو الميل عنه ، فلا تتزحزح أو تنحرف عما جاءك من الحق ـ وهو القرآن ـ متَّبِعًا أهواءهم كما قال الله عز وجل ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴿18 ﴾ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ﴿19 ﴾ هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [ الجاثية : 18 ـ20] إن إنزال الكتاب بالحق داع إلى حسن اتباعه والاستمساك به . ومما يعين الناس على اتباع الحق في كل شأن من شئونهم تطبيق ما جاء من الحق في الاعتقاد والتربية وإقامة الفرائض التعبدية والفضائل والأخلاق . فإن الإنسان هو محور الإصلاح وهو المخاطب بالتطبيق فلا بد من صلاحه واستقامته ، والمسلمون مطالبون دائما أن يعالجوا الأحداث المتجددة بفطرة الدين مستعينين بقواعده وأصوله . فإن من الخطأ بل من الخطيئة أن تثار قضايا الدين بعيدا عن الواقع أو يعالج الواقع بغير فطرة الدين . إن الناس إذا لم يُسعفهم البيان الحق في الأحداث المتجددة والقضايا المتلاحقة تخطفتهم أندية الباطل وأبعدتهم عن أصول دينهم بتذليل شئون دنياهم . ولأن يخطئ المسلمون في الاجتهاد السليم الصحيح خير لهم من التبعية والمطاوعة لغيرهم . ولأن يعيشوا بأجر الخطأ في الاجتهاد خير من العيش بوزر القصد في المطاوعة ، مطاوعة من يردهم عن دينهم ويبعدهم عن أصوله ﴿ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [ آل عمران : 101]إن الأمر ميسور لمن تحرَّى العدل ورغب فيه . وطلب الحق واجتهد في الحرص عليه والتمسك به . والدين هو الحق والعدل كل ما جاء به ودعا إليه . وهذه الكلية من أمر الدين تحث المسلمين على مواجهة الأحداث المتجددة في ثقة وبينة فمقصد الدين هو إقامة العدل بين جميع الخلق . فليثق المسلمون في أنفسهم مع ثقتهم في دينهم وليُعَالِجُوا ـ في غير حرج ـ قضايا عصرهم بفطرة دينهم ، وليخضوا معركة الحياة وفي طريقهم نوران : كتابٌ وسنة . فمهما اتسعت الحياة وتعددت أحداثها فإن معهم الثابت في أمر دينهم ما ينير طريق المتغير في حياتهم . معهم من القواعد والأصول ما يتسع لجزئيات الأحداث واختلافها باختلاف الزمان أو المكان وما يجعل شريعتهم صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان . وبذلك تكون صلتهم بالحق الذي أنزله الله دائمة ومتجددة ، راشدة ومثمرة ، ويستمد كل جديد في دنياهم أسباب حياته من شمس دينهم ونور كتابهم ، فلا تنفصل قضايا عصرهم عن الحق الذي أنزله الله وأمر أن يُحكم به . بل تتصل به اتصال النبت المتجدد بأسباب الحياة واتصال الحياة بمصدرها فلا تُحْكَمُ إلا بما أراها الله . وبذلك تحقق الأمة الإسلامية ما أمر الله به وحذَّر من مخالفته أو الميل عنه﴿ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ﴾ [ المائدة : 48]. وهل تسلم دنيانا من سيطرة الأهواء وغلبة الأعداء إلاَّ باتباع هدى الله ؟ وهل تتحرر نفوسنا من المؤثرات التي تميل بها عن الحق وتبعدها عن الصراط المستقيم إلا بصدق الإخلاص لله وحسن التوجه إليه ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [ العنكبوت : 69]﴿ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [ التغابن : 11]
__________________
|
#28
|
||||
|
||||
رد: سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن )
حديث القرآن عن القرآن ـ 27 ـ د / محمد الراوي ﴿ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ﴾ [المائدة : 49] إن الحكم بما أنزل الله ـ وهو الحق ـ ليس نافلة في حياة الناس ، بل هو الواجب الذي لا يُعْفَى أحدٌ من السؤال عنه والتمسك به . إن ما أنزل الله من الحق لا تستقيم الحياة إلا به ولا يتحقق بدونه سلام ولا أمن . وواجب على المؤمنين في كل زمان ومكان أن يعرفوا سنن الله في خلقه وأن يدركوا أنها سننٌ لا تجامل ولا تحابي ولا تتبدل ولا تتحول . فلكل عمل جزاؤه ، ولكل سعي عاقبته ومن مقتضيات الإيمان تحكيم شرع الله والتسليم به وإيثاره على كل ما سواه. ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء : 65] فليحذر أهل الإيمان في كلِّ زمان ومكان ما يبعدهم عن شريعة الله والحكم بما أنزل. فليحذروا المؤثرات التي تميل بهم عن الحق وتصرفهم عنه وتبعدهم عن استحباب الهدى والرشاد فالحسد والبغي والظلم والكبر والعناد . واتباع الهوى ، والغلو. والاستهزاء بدين الله والقول على الله بغير حق، واتباع الشيطان . وكراهة الحق. وإرضاء الناس في سخط الله، واتباع الظن، والجهل وعدم العلم، والنفاق، وتكذيب الحق من أول وهلة دون تدبر أو نظر ، والغرور بالحياة الدنيا، وسوء الظن بالله وطول الأمد وقسوة القلب ، واتخاذ أعداء الله أولياء توهما لتحقيق منفعةٍ أو دفع مضرة. واتباع الباطل والركون إلى أهله .. كل ذلك وغيره من الشرور والمفاسد والعلل التي تصرف الناس عن الحق وتبعدهم عن استحباب الهدى والرشاد . وهذه المؤثرات تميل بالناس عن الحق ـ وإن تعددت أو تداخلت ـ فإنها جميعا ظلم للنفس وظلمات يوم القيامة ﴿ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾[آل عمران:117] إنها ذنوب وآثام تدمر أصحابها وتسوقهم إلى أسوأ مصير . وكم من نداء للعباد أن يفيئوا إلى رشدهم وأن يتبعوا ما أنزل إليهم من ربهم من قبل أن يأتيهم الموت. كم من نداء يحذرهم من التكذيب بالحق والإعراض عنه. وما أنزل الله من الحق هو لمصلحتهم في دنياهم وآخرتهم والله غني عن العالمين. وآيات الله تتلى عليهم وتدعوهم إلى الإنابة إليه والإسلام له واتباع ما أنزل من قبل أن يأتي الموت أويقع العذاب ﴿ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴿54﴾ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ﴿55﴾ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴿56﴾ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴿57﴾ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴿58﴾ بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آَيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ [الزمر : 54 ـ 59] إن من أنزل الحق سيحاسب عليه والخلق جميعا عائدون إليه ومحاسبون بين يديه. وسيكون شاهد الإنسان عليه من نفسه وإدانته بعمله . ﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿24﴾ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ﴾ [النور : 24 ـ 25] فطوبى لمن استمسك بالحق ولم يمت إلا عليه . وطوبى لمن رضي بحكمه واتبع هداه ولم يفرط في جنب الله. طوبى لمن آمن ولم يلبس إيمانه بظلم ﴿ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾[الأنعام:82].
__________________
|
#29
|
||||
|
||||
رد: سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن )
حديث القرآن عن القرآن ـ 28 ـ د / محمد الراوي ومن حديث القرآن عن القرآن ما تضمنه قوله تعالى في المائدة ﴿ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [ المائدة : 83 ـ 85 ]القرآن حق . وللحق سلطان على النفوس ، وهو يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم . نعم ، للحق سلطانه وتأثيره في النفوس وانتصاره فيها . وانتصار الحق في النفوس تراه في صور متعددة : تراه في صبر مجاهد ، وفي توبة تائب ، وفي سخاء جواد ، وعفة فقير . تراه في خضوع النفس لدوافعه وانقيادها لأوامره ، وفي وجل القلب لحديثه ويقينه بوعده ووعيده . وانتصار الحق في النفوس يحقق لها فوزًا وفلاحًا . وتلك ميزة لا تكون إلا للحق ومنفعة لا تقوم إلا به . تخضع له النفوس فتعز . وتستجيب لأوامره فتسمو . وتعتصم به فتبرأ من الآثام وتسلم من النقائص . وتلجأ إلى غيره فلا تأمن إلا باللجوء إليه . إنه الحق . والحقُّ خير كلُّه . وبر وصدق وعدل ورحمة . يذنب المذنب فيتوب فلا يعيِّره بذنبه ويُعرض من يعرض عنه ثم يئوب فَيَبَرُّ به ويكرمه . تتحول به النفس من ضلال إلى هدى ، ومن فجور إلى تُقًى . ومن ظلامٍ إلى نور، ومن خوف إلى أمن ، ومن خسران إلى فوز ، ومن جهل إلى علم ، ومن سفاهة إلى حلم ، ومن ابتغاء غير الله إلى الإخلاص لله ، ومن الخلود إلى الأرض إلى رجاء من في السماء ، ومن الإساءة إلى الخلق إلى الإحسان إليهم والبرِّ بهم ، ومن الظلم للنفس والغير إلى العدل مع النفس ومع الغير ، ومن نصرة القريب مهما ظَلَم إلى الأخذ على يده إذا ظلم ، ومن وأد البنات إلى تكريمهن وحسن تربيتهن ، ومن الخصومة والتباغض إلى الأخوة والتراحم ، ومن التناكر والتقاطع إلى التعارف والتعاون . ذاك هو الحق وتلك بعض آثاره وانتصاره في النفس وإيثاره . ﴿ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ ( الحج : 54 ) إيمان بالحق نشأ عن علم ومعرفة وَجِلَت له القلوب وفازت بهدايته ـ هداية الله ـ واستقامت على صراطه المستقيم . ومن آمن بالحق أبصر نتائجه وأدرك عواقبه . ومن لم يؤمن أيقظته طلائعه وصحبته قوارعه . والمؤمن يتعهد قلبه بذكر الله وما نزل من الحق كما تُتَعَهَّد جنةٌ بوابلٍ أو طلّ فتؤتي أكلها وثمارها كل حين بإذن ربها . وإحياء النفوس بالحق لا يتوقف ، وعطاؤه لا ينقطع ، بل يتجدد تجدُّدَ الماء في السماء فيصيب به من يشاء ، ويصرفه عمن يشاء وهُوَ هو من قبل ومن بعد . لا تنبت الأرض بغيره ولا تحيا بسواه . والماء هو الماء في ماض وحاضر . والحق هو الحق في سابق ولاحق . من آمن به اليوم وجد نفسه مع السابقين من المؤمنين يحسُّ بإحساسهم ويشعر بشعورهم ولا يجد فارق زمن بينه وبينهم ، بل يقول في ثقة ، ذاك هو الحق الذي آمن به السابقون وجاء به النبيون . كما قال ورقة بن نوفل لرسول الله صلى الله عليه وسلمحين جاءه الوحي . هذا الناموس الذي أنزله الله على موسى ليتني أكون حيًّا إذ يخرجك قومك . قال : أو مخرجي هم ؟ قال : نعم . ما جاء رجل بمثل ما جئت إلا عودي . وكما قال من آمن من أهل الكتاب حين تُلي عليهم ما أُنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم﴿ قَالُوا آَمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ ﴾ [ القصص : 53 ] وذاك تأثيره في نفوسهم أثره في أقوالهم وأعمالهم ﴿ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ ﴾ [ المائدة : 83 ـ 84 ] وهذا ثوابهم وجزاؤهم عند ربهم ﴿ فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [ المائدة : 85 ] إن للحق خصائصه وآثاره وله نبته وثماره التي لا تستند إلى غيره ولا تكون لسواه ، ومن رأى النخل باسقات لها طلع نضيد لم يغب عنه في التربة ماءً وأن الحياة لا تكون بدونه . وأهل العلم والإيمان في كل زمان ومكان يعرفون ما للحق من حياة ولا تخفى عليهم آثاره وثماره ، والحقُّ في نفوس هؤلاء ينتصر على ما سواه ، ويرون بنوره ما هم مقبلون عليه وصائرون إليه . يرون أخراهم في دنياهم ويعملون لها ويشفقون منها . ينتصر الحق في النفوس فيطوعها لعمل الخير ويجعلها تنظر ما قدَّمت لغد . فلا ترى غير الحق أصلا للحياة وسبباً للنجاة . ولا تماري في وقائع الحق وآياته . وهى تؤمن أن الساعة آتية لا ريب فيها ـ وهى حق ـ فتعمل لها وتشفق منها . إن الذين آمنوا بالحق ينتصر الحق في نفوسهم فلا تلهيهم العاجلة عن الآخرة ولا تشغلهم الرغائب عن العواقب . بل يمشون في الأرض يبتغون من فضل الله وهم يحذرون الآخرة ويرجون رحمة ربهم ﴿ اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ﴾ [ الشورى : 17 ـ 18 ] والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق وأنها تكون بالحق للفصل بين من اتبع الحق وبين من اتبع الباطل ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ ﴾ [ الروم : 14 ] ذاك ما يحققه إيمانهم بالحق يخلصهم من الركون لدنياهم ولا يجعل لها سلطانا عليهم . بل تكون بسبب الحق الذي آمنوا به خادمة لغاياتهم خاضعة لمقاصدهم ، يريدون بها الآخرة فيصلحون ولا يفسدون ، ولا يريدونها في ذاتها فيفسدون ولا يصلحون .. وإشفاقهم من الساعة نصرٌ للحق وإعلاءٌ للصدق وإشاعة للبر وإمساك عن الشر . وتلك ـ وربي ـ دعائم السلم لمن طلب السلم وأسباب الأمن لمن ابتغى الأمن . وليس انتصار الحق في النفوس وإيثاره في معركة طارئة من معارك الحياة فحسب . بل هو انتصار يقود إلى ملازمة واتباع . اتباع للحق في كل شأن وطاعة له في كل أمر ﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2) ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ ﴾ [ محمد : 2 ـ 3 ] وليست هذه الملازمة في الاتباع ترتبط بمعنى يقف عند حدود الدنيا ولا يزيد ، بل هو اتباع يتجاوز حدود الدنيا إلى غيرها وينشد ما وراءها . وشتان بين اتباع واتباع . بين اتباع الباطل في بطلانه واتباع الحق في ثباته وبقائه . وشتان بين النتائج في الحالين . وشتان ما بين الفريقين ﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [ العصر ] تواصٍ بالحق يدل على إيثاره وتواصٍ بالصبر يدل على دوامه ، وتآزر يدل على الإصرار على الثبات حتى الممات . وقد يتواصى الذين يتبعون الباطل فيما بينهم لحظة من نهار . وتراهم فيما بينهم وعند تبدُّل الأحوال اشدَّ الناس نكراناً لباطلهم . وما يبدو غير ذلك إنْ هو إلا ركون لزهرة الحياة الدنيا في إملاء واستدراج ينتهي بدمار وخسران . ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ ﴾ [ الجاثية : 37 ] اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه ، وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها إنك نعم المولى ونعم النصير
__________________
|
#30
|
||||
|
||||
رد: سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن )
حديث القرآن عن القرآن ـ 29 ـ د / محمد الراوي ومن حديث القرآن عن القرآن ما تضمنه قوله تعالى في سورة الأنعام : ﴿ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آَلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام : 19]وقد ذكر المفسرون أن هذه الآية نزلت لما قال كفار مكة للنبي صلى الله عليه وسلم أرِنَا من يشهد أنك رسول الله فإنا لا نرى أحداً نُصدِّقه . ولقد سألنا اليهود والنصارى فزعموا أنه ليس لك عندهم ذكر . وقد جاء بعد هذه الآية قوله تعالى : ﴿ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام : 20]. وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وأسلم عبد الله بن سلام وهو من بين اليهود شرفاً وعلما ، فهو حبرهم وابن حبرهم وعالمهم وابن عالمهم . فلما أسلم قال له عمر بن الخطاب : إن الله قد أنزل على نبيه بمكة ﴿ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ ﴾ فكيف هذه المعرفة ؟ قال عبد الله بن سلام : يا عمر لقد عرفته حين رأيته كما أعرف ابني ولأنا أشدُّ معرفة بمحمد مني بابني . فقال عمر : كيف ذلك ؟ قال : أشهد أنه رسول الله حقا ولا أدري ما تصنع النساء. وَاَعَجبًا أن تُطْلَبَ الشهادة على نبوة محمد من كفار مكة والقرآن يتلى عليهم . وفي القرآن شهادة من الله له ، وما كان يتلو من قبله من كتاب ﴿ وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49) وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [العنكبوت : 48 ـ 52] ﴿ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ﴾ والقرآن الذي أوحى الله به إلى نبيه قد حفظه ليكون بلاغا للناس ونذيرا للعالمين فهو للأجيال كلها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها . ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان : 1]﴿ قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ﴾ [الأعراف : 158] رسالة عامة شاملة ينذر كتابُها ويبشر وهو يتلى على الناس ﴿ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴾ [النمل : 92] وقد بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم ما أنزل إليه من ربه وبشر وأنذر كما أمر ولم يعد لأحد عذرٌ بعد ولا حجة بعد إعذار وإنذار ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء : 115] إن هذا القرآن بيان للناس وإنذار لهم قبل يوم الحساب . وهو كتاب مقروء محفوظ تبلَّغ به الأجيال إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها . ولا يقترب الباطل من ساحته . وبه يعرف ما ينسب إلى الحق وما يخالفه وتكشف أوثان الباطل وأصنامه ، وأولياء الشيطان وأعوانه . وتبقى به مصابيح النور على الصراط المستقيم مشرقة مضيئة هادية فلا يُلبَس الحق بالباطل ولا تلتبس على الناس السبل . إنه صراط واحد مستقيم يقف القرآن الكريم داعيا وهاديا إليه . وما عداه سبلٌ يتخبط أهلها في الظلمات وتفضي بهم إلى فرقة ضالة وعذاب مهين ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام : 153]
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |