|
هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#21
|
||||
|
||||
رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد
__________________
|
#22
|
||||
|
||||
رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد
تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي سُورَةُ الْبَقَرَةِ الحلقة (22) صــ115 إلى صــ 120 فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ هَذَا جَوَابُ قَوْلِهِمْ: نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ ، جَاءُوا بِتَأْيِيدِ التَّوْرَاةِ . وَإِنَّمَا نَسَبَ الْقَتْلَ إِلَى الْمُتَأَخِّرِينَ لِأَنَّهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى رَأْيِ الْمُتَقَدِّمِينَ . [ ص: 115 ] وَتَقْتُلُونَ بِمَعْنَى: قَتَلْتُمْ ، فَوَضَعَ الْمُسْتَقْبَلَ فِي مَوْضِعِ الْمَاضِي ، لِأَنَّ الْوَهْمَ لَا يَذْهَبُ إِلَى غَيْرِهِ . وَأَنْشَدُوا فِي ذَلِكَ: شَهِدَ الْحَطِيئَةَ حِينَ يَلْقَى رَبَّهُ أَنَّ الْوَلِيدَ أَحَقُّ بِالْعُذْرِ وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فِيهَا قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: مَا فِي الْأَلْوَاحِ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ . وَالثَّانِي: الْآَيَاتُ التِّسْعُ ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ . وَفِي هَاءِ "بَعْدَهُ" قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا تَعُودُ إِلَى مُوسَى ، فَمَعْنَاهُ: مِنْ بَعْدِ انْطِلَاقِهِ إِلَى الْجَبَلِ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُقَاتِلٌ . وَالثَّانِي: أَنَّهَا تَعُودُ إِلَى الْمَجِيءِ ، لِأَنَّ "جَاءَكُمْ" يَدُلُّ عَلَى الْمَجِيءِ وَفِي ذِكْرِ عِبَادَتِهِمُ الْعِجْلَ تَكْذِيبٌ لِقَوْلِهِمْ: نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا . قَوْلُهُ تَعَالَى: قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانُوا إِذَا نَظَرُوا إِلَى الْجَبَلِ ، قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ، وَإِذَا نَظَرُوا إِلَى الْكِتَابِ; قَالُوا: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا . قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ أَيْ: سُقُوا حُبَّ الْعِجْلِ ، فَحَذَفَ الْمُضَافَ ، وَهُوَ الْحُبُّ ، وَأَقَامَ الْمُضَافَ إِلَيْهِ مَقَامَهُ ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ [ الْبَقَرَةِ: 197 ] [أَيْ: وَقْتَ الْحَجِّ ] وَقَوْلُهُ: أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ [ التَّوْبَةِ: 19 ] [أَيْ: أَجَعَلْتُمْ صَاحِبَ سِقَايَةِ الْحَاجِّ ] . وَقَوْلُهُ: وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ [ يُوسُفَ: 82 ] [أَيْ: أَهْلُهُا ] وَقَوْلُهُ: إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ [ الْإِسْرَاءِ: 75 ] . أَيْ: ضِعْفُ عَذَابِ الْحَيَاةِ . وَقَوْلُهُ: لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ [ الْحَجِّ: 40 ] . أَيْ: بُيُوتُ صَلَوَاتٍ . وَقَوْلُهُ: بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ [ سَبَإِ: 30 ] . أَيْ: مَكْرُكُمْ فِيهِمَا . وَقَوْلُهُ: فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ [ الْعَلَقِ: 17 ] أَيْ: أَهْلُهُ . [ ص: 116 ] وَمِنْ هَذَا قَوْلُ الشَّاعِرِ: أُنْبِئَتُ أَنَّ النَّارَ بَعْدَكَ أُوقِدَتْ وَاسْتَبَّ بَعْدَكَ يَا كُلَيْبُ الْمَجْلِسُ أَيْ: أَهْلُ الْمَجْلِسِ . وَقَالَ الْآَخَرُ وَشَرُّ الْمَنَايَا مَيِّتٌ بَيْنَ أَهْلِهِ أَيْ: وَشَرُّ الْمَنَايَا مَنِيَّةُ مَيِّتٍ بَيْنَ أَهْلِهِ . قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ أَيْ: أَنْ تُكَذِّبُوا الْمُرْسَلِينَ ، وَتَقْتُلُوا النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَتَكْتُمُوا الْهُدَى . قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فِي "إِنْ" قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا بِمَعْنَى: الْجَحْدِ ، فَالْمَعْنَى: مَا كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ إِذْ عَصَيْتُمُ اللَّهَ ، وَعَبَدْتُمُ الْعِجْلَ . وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ "إِنْ" شَرْطًا مُعَلَّقًا بِمَا قَبْلَهُ ، فَالْمَعْنَى: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ; فَبِئْسَ الْإِيمَانُ إِيمَانٌ يَأْمُرُكُمْ بِعِبَادَةِ الْعِجْلِ ، وَقَتْلُ الْأَنْبِيَاءِ ، ذَكَرَهُمَا ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ . قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ . قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ كَانَتِ الْيَهُودُ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَخْلُقِ الْجَنَّةَ إِلَّا لِإِسْرَائِيلَ وَوَلَدِهِ ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآَيَةُ . وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى عِلْمِهِمْ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَادِقٌ ، أَنَّهُمْ مَا تَمَنَّوُا الْمَوْتَ ، وَأَكْبَرُ الدَّلِيلِ عَلَى صِدْقِهِ أَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ لَا يَتَمَنَّوْنَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ فَمَا تَمَنَّاهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ . وَالَّذِي قَدَّمَتْهُ أَيْدِيهِمْ: قَتْلُ الْأَنْبِيَاءِ وَتَكْذِيبُهُمْ ، وَتَبْدِيلُ التَّوْرَاةِ . قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَتَجِدَنَّهُمْ) اللَّامُ: لَامُ الْقَسَمِ ، وَالنُّونُ تَوْكِيدٌ لَهُ ، وَالْمَعْنَى: وَلَتَجِدَنَّ الْيَهُودَ فِي حَالِ دُعَائِهِمْ إِلَى تَمَنِّي الْمَوْتِ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ ، وَأَحْرَصَ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا . وَفِي "الَّذِينَ أَشْرَكُوا" قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمُ الْمَجُوسُ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَابْنُ قُتَيْبَةَ ، [ ص: 117 ] وَالزَّجَّاجُ . وَالثَّانِي: مُشْرِكُو الْعَرَبِ ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ . قَوْلُهُ تَعَالَى: يَوَدُّ أَحَدُهُمْ فِي الْهَاءِ وَالْمِيمِ مِنْ "أَحَدِهِمْ" قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا تَعُودُ عَلَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ . وَالثَّانِي: تَرْجِعُ إِلَى الْيَهُودِ ، قَالَ مُقَاتِلٌ . قَالَ الزَّجَّاجُ: وَإِنَّمَا ذَكَرَ "أَلْفَ سَنَةٍ" لِأَنَّهَا نِهَايَةٌ مَا كَانَتِ الْمَجُوسُ تَدْعُو بِهَا لِمُلُوكِهَا ، كَانَ الْمَلِكُ يَحْيَا بِأَنْ يُقَالَ: لَهُ عِشْ أَلْفَ نَيْرُوزَ ، وَأَلْفَ مَهْرَجَانَ . قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَا هُوَ) فِيهِ قَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا الزَّجَّاجُ ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ أَحَدِهِمُ الَّذِي جَرَى ذِكْرُهُ ، تَقْدِيرُهُ: وَمَا أَحَدُهُمْ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ تَعْمِيرُهُ . وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ هُوَ كِنَايَةٌ عَمَّا جَرَى مِنَ التَّعْمِيرِ ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: وَمَا تَعْمِيرُهُ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ ، ثُمَّ جَعَلَ "أَنْ يُعَمَّرَ" مُبَيِّنًا عَنْهُ ، كَأَنَّهُ قَالَ: ذَلِكَ الشَّيْءُ الدَّنِيءُ لَيْسَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ . قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلا الْفَاسِقُونَ . قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَقْبَلَتِ الْيَهُودُ إِلَى النَّبِيِّ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: مَنْ يَأْتِيكَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ ، فَقَالُوا: ذَاكَ يَنْزِلُ بِالْحَرْبِ وَالْقِتَالِ ، ذَاكَ عَدُوُّنَا ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآَيَةُ وَالَّتِي تَلِيهَا . وَفِي جِبْرِيلَ إِحْدَى عَشْرَةَ لُغَةً . إِحْدَاهَا: جِبْرِيلُ ، بِكَسْرِ الْجِيمِ وَالرَّاءِ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ ، وَهِيَ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ ، وَبِهَا قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ ، وَأَبُو عَمْرٍو . قَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ: وَجِبْرِيلُ يَأْتِيهِ وَمِيكَالُ مَعَهُمَا مِنَ اللهِ وَحْيٌ يَشْرَحُ الصَّدْرَ مُنْزَلَ [ ص: 118 ] وَقَالَ عِمْرَانُ بْنُ حَطَّانٍ: وَالرُّوحُ جِبْرِيلُ فِيهِمْ لَا كَفَاءَ لَهُ وَكَانَ جِبْرِيلُ عِنْدَ اللَّهِ مَأْمُونًا وَقَالَ حَسَّانُ: وَجِبْرِيلُ رَسُولُ اللَّهِ فِينَا وَرُوحُ الْقُدُسِ لَيْسَ لَهُ كَفَاءُ وَاللُّغَةُ الثَّانِيَةِ: جَبْرِيلُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ ، وَبَعْدَهَا يَاءٌ سَاكِنَةٌ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ عَلَى وَزْنِ: فَعْلِيلٍ ، وَبِهَا قَرَأَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ، وَابْنُ كَثِيرٍ ، وَابْنُ مُحَيْصِنٍ . وَقَالَ الْفَرَّاءُ: لَا أَشْتَهِيهَا ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ فِعْلِيلٌ ، وَلَا أَرَى الْحَسَنَ قَرَأَهَا إِلَّا وَهُوَ صَوَابٌ ، لِأَنَّهُ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ . وَالثَّالِثَةُ: جَبْرَئِيلُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالرَّاءِ ، وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَكْسُورَةٌ عَلَى وَزْنِ: جَبْرَعِيلَ ، وَبِهَا قَرَأَ ، الْأَعْمَشُ ، وَحَمْزَةُ ، وَالْكِسَائِيُّ . قَالَ الْفَرَّاءُ: وَهِيَ لُغَةُ تَمِيمٍ وَقَيْسٍ ، وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ . وَقَالَ الزَّجَّاجُ: هِيَ أَجْوَدُ اللُّغَاتِ ، وَقَالَ جَرِيرٌ: عَبَدُوا الصَّلِيبَ وَكَذَّبُوا بِمُحَمَّدٍ وَبَجَبْرَئِيلَ وَكَذَّبُوا مِيكَالَا وَالرَّابِعَةُ: جَبْرَئِلُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالرَّاءِ وَهَمْزَةٌ بَيْنَ الرَّاءِ وَاللَّامِ ، مَكْسُورَةٌ مِنْ غَيْرِ مَدٍّ عَلَى وَزْنِ: جَبْرَعِلِ ، رَوَاهَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ . وَالْخَامِسَةُ جَبْرَئِلُّ ، بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ ، وَهِيَ قِرَاءَةُ أَبَانَ عَنْ عَاصِمٍ ، وَيَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ . وَالسَّادِسَةُ: جِبْرَائِيلُ ، بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ بَعْدَهَا يَاءٌ مَعَ الْأَلِفِ . وَالسَّابِعَةُ: جِبْرَايِيلُ بِيَائَيْنِ بَعْدَ الْأَلِفِ أَوَّلَهُمَا مَكْسُورَةٌ . وَالثَّامِنَةُ: جَبْرِينُ ، بِفَتْحِ الْجِيمِ وَنُونٍ مَكَانَ اللَّامِ . وَالتَّاسِعَةُ: جِبْرِينُ ، بِكَسْرِ الْجِيمِ وَبَنُونٍ ، قَالَ الْفَرَّاءُ: هِيَ لُغَةُ بَنِي أَسَدٍ . وَقَرَأْتُ عَلَى شَيْخِنَا أَبِي مَنْصُورٍ اللُّغَوِيِّ عَنِ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ قَالَ: فِي جِبْرِيلَ تِسْعُ لُغَاتٍ ، فَذَكَرَهُنَّ . [ ص: 119 ] وَذَكَرَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي كِتَابِ "الرَّدِّ عَلَى مَنْ خَالَفَ مُصْحَفَ عُثْمَانَ" جِبْرَائِلَ ، بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِثْبَاتٍ الْأَلِفِ مَعَ هَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ لَيْسَ بَعْدَهَا يَاءٌ . وَجَبْرَئِينُ ، بِفَتْحِ الْجِيمِ مَعَ هَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ بَعْدَهَا يَاءٌ وَنُونٌ . فَأَمَّا مِيكَائِيلُ ، فَفِيهِ خَمْسُ لُغَاتٍ . إِحْدَاهُنَّ: مِيكَالُ ، مِثْلُ: مِفْعَالُ بِغَيْرِ هَمْزٍ ، وَهِيَ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ ، وَبِهَا قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ . وَالثَّانِيَةُ: مِيكَائِيلَ بِإِثْبَاتِ يَاءٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَ الْهَمْزَةِ ، مِثْلُ: مِيكَاعِيلُ ، وَهِيَ لُغَةُ تَمِيمٍ وَقَيْسٍ ، وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ، وَبِهَا قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ ، وَحَمْزَةُ ، وَالْكِسَائِيُّ ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ . وَالثَّالِثَةُ: مِيكَائِلُ بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ بَعْدَ الْأَلِفِ مِنْ غَيْرِ يَاءٍ ، مِثْلُ مِيكَاعِلُ ، وَبِهَا قَرَأَ نَافِعٌ ، وَابْنُ شَنَبُوذَ ، وَابْنُ الصَّبَاحِ ، جَمِيعًا عَنْ قُنْبُلٍ . وَالرَّابِعَةُ: مِيكَئِلُ ، عَلَى وَزْنِ: مِيكَعِلُ ، وَبِهَا قَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ . وَالْخَامِسَةُ: مِيكَائِينُ بِهَمْزَةٍ مَعَهَا يَاءٌ وَنُونٌ بَعْدَ الْأَلِفِ ، ذَكَرَهَا ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ . قَالَ الْكِسَائِيُّ: جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ ، اسْمَانِ لَمْ تَكُنِ الْعَرَبُ تَعْرِفُهُمَا ، فَلَمَّا جَاءَا عَرَّبَتْهُمَا . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ ، كَقَوْلِكَ: عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ، ذَهَبَ إِلَى أَنَّ "إِيلَ" اسْمُ اللَّهِ ، وَاسْمُ الْمَلِكِ ، "جَبْرَ" وَ"مِيكَا" . وَقَالَ عِكْرِمَةُ: مَعْنَى جِبْرِيلَ: عَبْدُ اللَّهِ ، وَمَعْنَى مِيكَائِيلَ: عُبَيْدُ اللهِ ، وَقَدْ دَخَلَ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ فِي الْمَلَائِكَةِ ، لَكِنَّهُ أَعَادَ ذِكْرَهُمَا لِشَرَفِهِمَا ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ [ الرَّحْمَنِ: 68 ] . وَإِنَّمَا قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ وَلَمْ يَقُلْ: لَهُمْ ، لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّهُمْ كَافِرُونَ بِهَذِهِ الْعَدَاوَةِ . أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ [ ص: 120 ] قَوْلُهُ تَعَالَى: أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا الْوَاوُ وَاوُ الْعَطْفِ ، أُدْخِلَتْ عَلَيْهَا أَلِفُ الِاسْتِفْهَامِ . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: وَالْمُشَارُ إِلَيْهِمُ: الْيَهُودُ . وَقِيلَ: الْعَهْدُ الَّذِي عَاهَدُوهُ ، أَنَّهُمْ قَالُوا: وَاللَّهِ لَئِنْ خَرَجَ مُحَمَّدٌ لَنُؤْمِنَنَّ بِهِ . وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهَا الْعُهُودُ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَهُمْ ، فَنَقَضُوهَا ، كَفِعْلِ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ . وَمَعْنَى نَبَذَهُ: رَفَضَهُ . قَوْلُهُ تَعَالَى: نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَعْنِي الْيَهُودَ . وَالْكِتَابُ: التَّوْرَاةُ . وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كِتَابَ اللَّهِ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: الْقُرْآَنُ . وَالثَّانِي: أَنَّهُ التَّوْرَاةُ ، لِأَنَّ الْكَافِرِينَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَبَذُوا التَّوْرَاةَ . وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانَ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينُ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْـزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يُعَلِّمُونَ . قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ . فِي سَبَبِ نُزُولِهَا قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا لَا يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ عَنْ شَيْءٍ مِنَ التَّوْرَاةِ إِلَّا أَجَابَهُمْ ، فَسَأَلُوهُ عَنِ السِّحْرِ وَخَاصَمُوهُ بِهِ ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآَيَةُ ، قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَةِ . وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا ذُكِرَ سُلَيْمَانُ فِي الْقُرْآَنِ قَالَتْ يَهُودُ الْمَدِينَةَ: أَلَا تَعْجَبُونَ لِمُحَمَّدٍ يَزْعُمُ أَنَّ ابْنَ دَاوُدَ كَانَ نَبِيًّا؟! وَاللَّهِ مَا كَانَ إِلَّا سَاحِرًا ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآَيَةُ . قَالَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ . و"تَتْلُوَا" بِمَعْنَى: تَلَتْ ، وَ"عَلَى" بِمَعْنَى: فِي ، قَالَهُ الْمُبَرِّدُ . قَالَ الزَّجَّاجُ: وَقَوْلُهُ: عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ أَيْ: عَلَى عَهْدِ سُلَيْمَانَ . وَفِي كَيْفِيَّةِ مَا تَلَتِ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ سِتَّةُ أَقْوَالٍ .
__________________
|
#23
|
||||
|
||||
رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد
تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي سُورَةُ الْبَقَرَةِ الحلقة (23) صــ121 إلى صــ 126 [ ص: 121 ] أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ سُلَيْمَانُ عَنْ مُلْكِهِ; كَتَبَتِ الشَّيَاطِينُ السِّحْرَ ، وَدَفَنَتْهُ فِي مُصَلَّاهُ ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ اسْتَخْرَجُوهُ ، وَقَالُوا: بِهَذَا كَانَ يَمْلِكُ الْمُلْكَ ، ذَكَرَ هَذَا الْمَعْنَى أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَهُوَ قَوْلُ مُقَاتِلٍ . وَالثَّانِي: أَنْ آَصَفَ كَانَ يَكْتُبُ مَا يَأْمُرُ بِهِ سُلَيْمَانُ ، وَيَدْفِنُهُ تَحْتَ كُرْسِيِّهِ ، فَلَمَّا مَاتَ سُلَيْمَانُ اسْتَخْرَجَتْهُ الشَّيَاطِينُ ، فَكَتَبُوا بَيْنَ كُلِّ سَطْرَيْنِ سِحْرًا وَكَذِبًا ، وَأَضَافُوهُ إِلَى سُلَيْمَانَ ، رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَالثَّالِثُ: أَنَّ الشَّيَاطِينَ كَتَبَتِ السِّحْرَ بَعْدَ مَوْتِ سُلَيْمَانَ ، ثُمَّ أَضَافَتْهُ إِلَيْهِ ، قَالَهُ عِكْرِمَةُ . وَالرَّابِعُ: أَنَّ الشَّيَاطِينَ ابْتَدَعَتِ السِّحْرَ ، فَأَخَذَهُ سُلَيْمَانُ ، فَدَفَنَهُ تَحْتَ كُرْسِيِّهِ لِئَلَّا يَتَعَلَّمَهُ النَّاسُ ، فَلَمَّا قُبِضَ اسْتَخْرَجَتْهُ ، فَعَلَّمَتْهُ النَّاسَ وَقَالُوا: هَذَا عِلْمُ سُلَيْمَانَ ، قَالَهُ قَتَادَةُ . وَالْخَامِسُ: أَنَّ سُلَيْمَانَ أَخَذَ عُهُودَ الدَّوَابِّ ، فَكَانَتِ الدَّابَّةُ إِذَا أَصَابَتْ إِنْسَانًا طَلَبَ إِلَيْهَا بِذَلِكَ الْعَهْدِ ، فَتَخَلَّى عَنْهُ ، فَزَادَ السَّحَرَةُ السَّجْعَ وَالسِّحْرَ ، قَالَهُ أَبُو مِجْلَزٍ . وَالسَّادِسُ: أَنَّ الشَّيَاطِينَ كَانَتْ فِي عَهْدِ سُلَيْمَانَ تَسْتَرِقُ السَّمْعَ ، فَتَسْمَعُ مِنْ كَلَامِ الْمَلَائِكَةِ مَا يَكُونُ فِي الْأَرْضِ مِنْ مَوْتٍ أَوْ غَيْثٍ أَوْ أَمْرٍ ، فَيَأْتُونَ الْكَهَنَةَ فَيُخْبِرُونَهُمْ ، فَتُحَدِّثُ الْكَهَنَةُ النَّاسَ ، فَيَجِدُونَهُ كَمَا قَالُوا ، حَتَّى إِذَا أَمِنَتْهُمُ الْكَهَنَةُ كَذَبُوا لَهُمْ [وَأَدْخَلُوا فِيهِ غَيْرَهُ ] فَزَادُوا مَعَ كُلِّ كَلِمَةٍ سَبْعِينَ كَلِمَةً ، فَاكْتَتَبَ النَّاسُ ذَلِكَ الْحَدِيثَ فِي الْكُتُبِ ، وَفَشَا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّ الْجِنَّ تَعْلَمُ الْغَيْبَ ، فَبَعَثَ سُلَيْمَانُ فِي النَّاسِ ، فَجَمَعَ تِلْكَ الْكُتُبَ فِي صُنْدُوقٍ ، ثُمَّ دَفَنَهَا تَحْتَ كُرْسِيِّهِ ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الشَّيَاطِينِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدْنُوَ مِنَ الْكُرْسِيِّ إِلَّا احْتَرَقَ [وَقَالَ: لَا أَسْمَعُ أَحَدًا يَذْكُرُ أَنَّ الشَّيَاطِينَ يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ إِلَّا ضَرَبْتُ عُنُقَهُ ] ، فَلَمَّا مَاتَ سُلَيْمَانُ; جَاءَ شَيْطَانٌ إِلَى نَفَرٍ مَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَدَلَّهُمْ عَلَى تِلْكَ الْكُتُبِ وَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ سُلَيْمَانُ يَضْبِطُ أَمْرَ الْخَلْقِ بِهَذَا ، فَفَشَا فِي النَّاسِ أَنَّ سُلَيْمَانَ كَانَ سَاحِرًا ، وَاتَّخَذَ [ ص: 122 ] بَنُوا إِسْرَائِيلَ تِلْكَ الْكُتُبَ ، فَلَمَّا جَاءَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، خَاصَمُوهُ بِهَا ، هَذَا قَوْلُ السُّدِّيُّ . وَسُلَيْمَانُ: اسْمٌ عِبْرَانِيٌّ ، وَقَدْ تَكَلَّمَتْ بِهِ الْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَقَدْ جَعَلَهُ النَّابِغَةُ سَلِيمًا ضَرُورَةً ، فَقَالَ: وَنَسَجَ سَلِيمُ كُلَّ قَضَاءٍ ذَائِلٍ وَاضْطَرَّ الْحَطِيئَةُ فَجَعَلَهُ: سَلَامًا ، فَقَالَ: فِيهِ الرِّمَاحُ وَفِيهِ كُلُّ سَابِغَةٍ جَدْلَاءُ مَحْكَمَةٌ مَنْ نَسْجَ سَلَامٍ وَأَرَادَا جَمِيعًا: دَاوُدَ أَبَا سُلَيْمَانَ ، فَلَمْ يَسْتَقِمْ لَهُمَا الشِّعْرُ ، فَجَعَلَاهُ: سُلَيْمَانَ وَغَيَّرَاهُ . كَذَلِكَ قَرَأْتُهُ عَلَى شَيْخِنَا أَبِي مَنْصُورٍ اللُّغَوِيِّ . وَفِي قَوْلِهِ: وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ دَلِيلٌ عَلَى كُفْرِ السَّاحِرِ ، لِأَنَّهُمْ نُسِبُوا إِلَى السِّحْرِ ، لَا إِلَى الْكُفْرِ . قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا . وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ ، وَنَافِعٌ ، وَأَبُو عَمْرٍو ، وَعَاصِمٌ بِتَشْدِيدِ نُونِ (وَلَكِنْ) وَنُصْبِ نُونِ (الشَّيَاطِينَ) . وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ ، وَحَمْزَةُ ، وَالْكِسَائِيُّ بِتَخْفِيفِ النُّونِ مِنْ (لَكِنْ) وَرَفْعِ نُونِ (الشَّيَاطِينَ) . قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَالْحَسَنُ ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالزُّهْرِيُّ (الْمَلِكَيْنِ) بِكَسْرِ اللَّامِ ، وَقِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ أَصَحُّ . وَفِي "مَا" قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى "مَا" الْأُولَى ، فَتَقْدِيرُهُ" وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ . وَالثَّانِي: أَنَّهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى السِّحْرِ ، فَتَقْدِيرُهُ: يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ، وَيُعَلِّمُونَهُمْ مَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ . فَإِنْ قِيلَ: إِذَا كَانَ السِّحْرُ نَزَلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ ، فَلِمَاذَا كَرِهَ؟ فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ ، ذَكَرَهُمَا ابْنُ السَّرِيِّ ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمَا كَانَا يُعَلِّمَانِ النَّاسَ: مَا السِّحْرُ ، وَيَأْمُرَانِ بِاجْتِنَابِهِ ، وَفِي ذَلِكَ حِكْمَةٌ; لِأَنَّ سَائِلًا لَوْ قَالَ: مَا الزِّنَا؟ لَوَجَبَ [ ص: 123 ] أَنْ يُوقَفَ عَلَيْهِ ، وَيَعْلَمَ أَنَّهُ حَرَامٌ . وَالثَّانِي: أَنَّهُ مِنَ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى امْتَحَنَ النَّاسَ بِالْمَلَكَيْنِ ، فَمَنْ قَبِلَ التَّعَلُّمَ كَانَ كَافِرًا ، وَمَنْ لَمْ يَقْبَلْهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ، كَمَا امْتُحِنَ بِنَهْرِ طَالُوتَ . وَفِي الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ السِّحْرُ ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَالْحَسَنِ ، وَابْنِ زَيْدٍ . وَالثَّانِي: أَنَّهُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ، لَا السِّحْرُ ، رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ ، وَقَتَادَةَ ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَالْقَوْلَيْنِ . قَالَ الزَّجَّاجُ: وَهَذَا مِنْ بَابِ السِّحْرِ أَيْضًا . الْإِشَارَةُ إِلَى قِصَّةِ الْمَلَكَيْنِ . ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْمَلَكَيْنِ إِنَّمَا أُنْزِلَا إِلَى الْأَرْضِ لِسَبَبٍ ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا كَثُرَتْ خَطَايَا بَنِي آَدَمَ; دَعَتْ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَوْ أُنْزِلَتِ الشَّهْوَةُ وَالشَّيَاطِينُ مِنْكُمْ مَنْزِلَتَهُمَا مِنْ بَنِي آَدَمَ ، لَفَعَلْتُمْ مِثْلَ مَا فَعَلُوا ، فَحَدَّثُوا أَنْفُسَهُمْ أَنَّهُمْ إِنِ ابْتُلُوا ، اعْتَصَمُوا ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِمْ [ ص: 124 ] [أَنِ ] اخْتَارُوا مِنْ أَفْضَلِكُمْ مَلَكَيْنِ ، فَاخْتَارُوا هَارُوتَ وَمَارُوتَ . وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ . وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ: مَاذَا فَعَلَا مِنَ الْمَعْصِيَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا: أَنَّهُمَا زَنَيَا ، وَقَتَلَا ، وَشَرِبَا الْخَمْرَةَ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ . وَالثَّانِي: أَنَّهُمَا جَارَا فِي الْحُكْمِ ، قَالَهُ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُتْبَةَ . وَالثَّالِثُ: أَنَّهُمَا هُمَا بِالْمَعْصِيَةِ فَقَطْ . وَنُقِلَ عَنْ عَلَيٍّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ الزُّهْرَةَ كَانْتِ امْرَأَةً جَمِيلَةً ، وَأَنَّهَا خَاصَمَتْ إِلَى الْمَلَكَيْنِ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ، فَرَاوَدَهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى نَفْسِهَا ، وَلَمْ يَعْلَمْ صَاحِبَهُ ، وَكَانَا يَصْعَدَانِ السَّمَاءَ آَخِرَ النَّهَارِ ، فَقَالَتْ لَهُمَا: بِمَ تَهْبِطَانِ وَتَصْعَدَانِ؟ قَالَا: بِاسْمِ اللَّهِ الْأَعْظَمِ ، فَقَالَتْ: مَا أَمَّا بِمُوَاتِيَتِكُمَا إِلَى مَا تُرِيدَانِ حَتَّى تُعَلِّمَانِيهِ ، فَعَلَّمَاهَا إِيَّاهُ ، فَطَارَتْ إِلَى السَّمَاءِ ، فَمَسَخَهَا اللَّهُ كَوْكَبًا . وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَعَنَ الزُّهْرَةَ ، وَقَالَ: إِنَّهَا فَتَنَتْ مَلَكَيْنِ" إِلَّا أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ بَعِيدٌ عَنِ الصِّحَّةِ وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ ، هَذَا فَقَالَ: إِنَّهُ لَمَّا رَأَى الْكَوْكَبَ ، ذَكَرَ تِلْكَ الْمَرْأَةَ ، [ ص: 125 ] لَا أَنَّ الْمَرْأَةَ مُسِخَتْ نَجْمًا . وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ عَذَابِهِمَا; فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُمَا مُعَلَّقَانِ بِشُعُورِهِمَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِنْ جُبًّا مُلِئَ نَارًا فَجُعِلَا فِيهِ . فَأَمَّا بَابِلُ; فَرُوِيَ عَنِ الْخَلِيلِ أَنَّ أَلْسُنَ النَّاسِ تَبَلْبَلَتْ بِهَا . وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا: أَنَّهَا: الْكُوفَةُ وَسَوَادُهَا ، قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ . وَالثَّانِي: أَنَّهَا مِنْ نَصِيبَيْنِ إِلَى رَأْسِ الْعَيْنِ ، قَالَهُ قَتَادَةُ . وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا جَبَلٌ فِي وَهْدَةٍ مِنَ الْأَرْضِ ، قَالَهُ السُّدِّيُّ . قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ أَيِ: اخْتِبَارٌ وَابْتِلَاءٌ . قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ يُرِيدُ: بِقَضَائِهِ . وَلَقَدْ عَلِمُوا : إِشَارَةٌ إِلَى الْيَهُودِ لَمَنِ اشْتَرَاهُ يَعْنِي: اخْتَارَهُ ، يُرِيدُ: السِّحْرَ . وَاللَّامُ لَامُ الْيَمِينِ . فَأَمَّا الْخَلَاقُ; فَقَالَ الزَّجَّاجُ: هُوَ النَّصِيبُ وَالْوَافِرُ مِنَ الْخَيْرِ . وَلَهُ تَعَالَى: وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَيْ: بَاعُوهَا بِهِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْعِقَابَ فِيهِ . [ ص: 126 ] فَصْلٌ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ السَّاحِرِ; فَمَذْهَبُ إِمَامِنَا أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَكْفُرُ بِسِحْرِهِ ، قَتَلَ بِهِ ، أَوْ لَمْ يَقْتُلْ ، وَهَلْ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَكْفُرُ بِسِحْرِهِ ، فَإِنْ قَتَلَ بِسِحْرِهِ وَقَالَ: سِحْرِي يَقْتُلُ مِثْلَهُ ، وَتَعَمَّدْتَ ذَلِكَ ، قُتِلَ قَوْدًا . وَإِنْ قَالَ: قَدْ يَقْتُلُ ، قَدْ يُخْطِئُ ، لَمْ يَقْتُلْ ، وَفِيهِ الدِّيَةُ . فَأَمَّا سَاحِرُ أَهْلِ الْكِتَابِ ، فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ عِنْدَ أَحْمَدَ إِلَّا أَنْ يَضُرَّ بِالْمُسْلِمِينَ ، فَيَقْتُلُ لِنَقْضِ الْعَهْدِ ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: حُكْمُ سَاحِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ حُكْمُ سَاحِرِ الْمُسْلِمِينَ فِي إِيجَابِ الْقَتْلِ ، فَأَمَّا الْمَرْأَةُ السَّاحِرَةُ ، فَقَالَ: تُحْبَسُ ، وَلَا تُقْتَلُ . وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا يَعْنِي: الْيَهُودَ ، وَالْمَثُوبَةُ: الثَّوَابُ . لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ قَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ: يُعَلِّمُونَ بِعِلْمِهِمْ . قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِلَا تَنْوِينٍ ، وَقَرَأَ الْحَسَنُ ، وَالْأَعْمَشُ ، وَابْنُ مُحَيْصِنٍ بِالتَّنْوِينِ ، "وَرَاعِنَا" بِلَا تَنْوِينٍ مِنْ رَاعَيْتُ ، وَبِالتَّنْوِينِ مِنَ الرُّعُونَةِ ، قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: رَاعِنَا بِالتَّنْوِينِ: هُوَ اسْمٌ مَأْخُوذٌ مِنَ [الرَّعْنِ ] وَالرُّعُونَةِ ، أَرَادَ: لَا تَقُولُوا جَهْلًا وَلَا حُمْقًا . وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَرَادَ اسْتِنْصَاتَ صَاحِبِهِ ، قَالَ: أَرْعِنِي سَمْعَكَ ، فَكَانَ الْمُنَافِقُونَ يَقُولُونَ: رَاعِنَا ، يُرِيدُونَ: أَنْتَ أَرْعَنُ . وَقَوْلُهُ: (انْظُرْنَا) بِمَعْنَى: انْتَظِرْنَا ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: انْظُرْنَا: اسْمَعْ مِنَّا ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: لَا تُعَجِّلْ عَلَيْنَا . مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مِنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ . قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمْ يَهُودُ الْمَدِينَةِ ، وَنَصَارَى نَجْرَانَ ، فَالْمُشْرِكُونَ مُشْرِكُو أَهْلِ مَكَّةَ . أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ أَيْ: عَلَى رَسُولِكُمْ . مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَرَادَ: النُّبُوَّةَ وَالْإِسْلَامَ .
__________________
|
#24
|
||||
|
||||
رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد
__________________
|
#25
|
||||
|
||||
رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد
تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي سُورَةُ الْبَقَرَةِ الحلقة (25) صــ133 إلى صــ 138 قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اخْتَصَمَ يَهُودُ الْمَدِينَةِ وَنَصَارَى نَجْرَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتِ الْيَهُودَ: لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ يَهُودِيًّا ، وَكَفَرُوا بِالْإِنْجِيلِ وَعِيسَى . وَقَالَتِ النَّصَارَى: لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ ، وَكَفَرُوا بِالتَّوْرَاةِ وَمُوسَى; فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْآَيَةِ مُجْمَلٌ ، وَمَعْنَاهُ: قَالَتِ الْيَهُودَ: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا ، وَقَالَتِ النَّصَارَى: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا . وَالْيَهُودُ ، جَمْعُ: هَائِدٍ . (تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ) أَيْ: ذَاكَ شَيْءٌ يَتَمَنَّوْنَهُ ، وَظَنٌّ يَظُنُّونَهُ ، هَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَمُجَاهِدٍ . قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ أَيْ: حُجَّتُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بِأَنَّ الْجَنَّةَ لَا يُدْخُلُهَا إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى . ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى بِأَنَّهُ لَيْسَ كَمَا زَعَمُوا فَقَالَ: بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ وَأَسْلَمَ ، بِمَعْنَى: أَخْلَصَ . وَفِي الْوَجْهِ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ الدِّينُ . وَالثَّانِي: الْعَمَلُ . قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهُوَ مُحْسِنٌ أَيْ: فِي عَمَلِهِ; فَلَهُ أَجْرُهُ قَالَ الزَّجَّاجُ: يُرِيدُ: فَهُوَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ . قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ أَيْ: كُلٌّ مِنْهُمْ يَتْلُوا كِتَابَهُ بِتَصْدِيقِ مَا كَفَرَ بِهِ ، قَالَهُ السُّدِّيُّ ، وَقَتَادَةُ . كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ وَفِيهِمْ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ مُشْرِكُوا الْعَرَبِ قَالَهُ لِمُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ: لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ ، قَالَهُ السُّدِّيُّ عَنْ أَشْيَاخِهِ . وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ أُمَمٌ كَانُوا قَبْلَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ، كَقَوْمِ نُوحٍ ، وَهُودٍ ، وَصَالِحٍ ، قَالَهُ عَطَاءٌ . قَوْلُهُ تَعَالَى: فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ الزَّجَّاجُ: يُرِيدُ حُكْمَ الْفَصْلِ بَيْنَهُمْ ، فَيُرِيهِمْ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَيَانًا [وَمَنْ يَدْخُلُ النَّارَ عَيَانًا ] فَأَمَّا الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ فِي الْعَقَدِ فَقَدْ بَيَّنَهُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا بِمَا أَقَامَ عَلَى الصَّوَابِ مِنَ الْحُجَجِ . وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ . قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ نَزَلَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ . [ ص: 134 ] أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الرُّومِ ، كَانُوا ظَاهَرُوا بُخْتِنْصَّرَ عَلَى خَرَابِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَتَلُوا يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا ، فَخَرَّبَ وَطُرِحَتِ الْجِيَفُ فِيهِ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي آَخَرِينَ . وَالثَّانِي: أَنَّهَا فِي الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ حَالُوا بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ وَبَيْنَ مَكَّةَ يَوْمَ الْحُدَيْبَيةَ ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ . وَفِي الْمُرَادِ بِخَرَابِهَا قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ نَقَضَهَا ، . وَالثَّانِي: مَنَعَ ذِكْرَ اللَّهِ فِيهَا . قَوْلُهُ تَعَالَى: أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلا خَائِفِينَ فِيهِ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إِخْبَارٌ عَنْ أَحْوَالِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ . قَالَ السُّدِّيُّ: لَا يَدْخُلُ رُومِيٌّ بَيْتَ الْمَقْدِسِ إِلَّا وَهُوَ خَائِفٌ أَنْ يُضْرَبَ عُنُقُهُ ، أَوْ قَدْ أُخِيفَ بِأَدَاءِ الْجِزْيَةِ . وَالثَّانِي: أَنَّهُ خَبَرٌ فِي مَعْنَى الْأَمْرِ ، تَقْدِيرُهُ: عَلَيْكُمْ بِالْجِدِّ فِي جِهَادِهِمْ كَيْ لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ إِلَّا وَهُوَ خَائِفٌ . لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا: أَنَّ خِزْيَهُمُ الْجِزْيَةُ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ . وَالثَّانِي: أَنَّهُ فَتَحَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ ، قَالَهُ السُّدِّيُّ . وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ طَرَدَهُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، فَلَا يَدْخُلُهُ مُشْرِكٌ أَبَدًا ظَاهِرًا ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ . وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهِ وَاسِعٌ عَلِيمٌ . قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ . فِي نُزُولِهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا: أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فِي غَزْوَةٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ ، فَلَمْ يَعْرِفُوا الْقِبْلَةَ ، فَجَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَسْجِدًا بَيْنَ يَدَيْهِ وَصَلَّى ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا إِذَا هُمْ عَلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآَيَةَ . رَوَاهُ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ . وَالثَّانِي: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي التَّطَوُّعِ بِالنَّافِلَةِ ، قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ . وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [ غَافِرِ: 60 ] قَالُوا إِلَى أَيْنَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآَيَةُ ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ . وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ النَّجَاشِيُّ ، وَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ; قَالُوا إِنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّي إِلَى الْقِبْلَةِ; فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآَيَةُ ، قَالَهُ قَتَادَةُ . قَوْلُهُ تَعَالَى: فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ فِيهِ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: فَثَمَّ اللَّهُ يُرِيدُ: عِلْمَهُ مَعَكُمْ أَيْنَ كُنْتُمْ ، [ ص: 135 ] وَهُوَ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَمُقَاتِلٌ . وَالثَّانِي: فَثَمَّ قِبْلَةُ اللَّهِ ، قَالَهُ عِكْرِمَةُ ، وَمُجَاهِدٌ . وَالْوَاسِعُ: الَّذِي وَسِعَ غِنَاهُ مَفَاقِرَ عِبَادِهِ ، وَرَزَقَهُ جَمِيعَ خَلْقِهِ . وَالسِّعَةُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْغِنَى . فَصْلٌ وَهَذِهِ الْآَيَةُ مُسْتَعْمَلَةُ الْحُكْمِ فِي الْمُجْتَهِدِ إِذَا صَلَّى إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ ، وَفِي صَلَاةِ الْمُتَطَوِّعِ عَلَى الرَّاحِلَةِ ، وَالْخَائِفِ . وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى نَسْخِهَا ، فَقَالُوا: إِنَّهَا لَمَّا نَزَلَتْ; تَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [ الْبَقَرَةِ: 144 ] . وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . قَالَ شَيْخُنَا عَلِيُّ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ: وَلَيْسَ فِي الْقُرْآَنِ أَمْرٌ خَاصٌّ بِالصَّلَاةِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وَقَوْلُهُ: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ لَيْسَ صَرِيحًا بِالْأَمْرِ بِالتَّوَجُّهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، بَلْ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجِهَاتِ كُلِّهَا سَوَاءٌ فِي جَوَازِ التَّوَجُّهِ إِلَيْهَا ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا; دَلَّ عَلَى أَنَّهُ وَجَبَ التَّوَجُّهُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِالسُّنَّةِ ، ثُمَّ نُسِخَ بِالْقُرْآَنِ . وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ . قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا . اخْتَلَفُوا فِيمَنْ نَزَلَتْ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ إِذْ جَعَلُوا عُزَيْرًا ابْنَ اللَّهِ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ . وَالثَّانِي: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي نَصَارَى نَجْرَانَ حَيْثُ قَالُوا: عِيسَى ابْنُ اللَّهِ ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ . وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا فِي النَّصَارَى وَمُشْرِكِي الْعَرَبِ ، لِأَنَّ النَّصَارَى قَالَتْ: عِيسَى ابْنُ اللَّهِ ، وَالْمُشْرِكِينَ قَالُوا: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ ، ذَكَرَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ . وَالرَّابِعُ: أَنَّهَا فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَمُشْرِكِي الْعَرَبِ ، ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ . فَأَمَّا الْقُنُوتُ; فَقَالَ الزَّجَّاجُ: هُوَ فِي اللُّغَةِ بِمَعْنَيَيْنِ . أَحَدُهُمَا: الْقِيَامُ . وَالثَّانِي: الطَّاعَةُ . وَالْمَشْهُورُ فِي اللُّغَةِ وَالِاسْتِعْمَالِ أَنَّ الْقُنُوتَ: الدُّعَاءُ فِي الْقِيَامِ ، فَالْقَانِتُ: الْقَائِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ . وَيَجُوزُ أَنْ يَقَعَ فِي جَمِيعِ الطَّاعَاتِ ، لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ قِيَامٌ عَلَى الرِّجْلَيْنِ; فَهُوَ قِيَامٌ بِالنِّيَّةِ ، وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: لَا أَرَى أَصْلَ الْقُنُوتِ [ ص: 136 ] إِلَّا الطَّاعَةَ ، لِأَنَّ جَمِيعَ الْخِلَال مِنَ الصَّلَاةِ ، وَالْقِيَامِ فِيهَا وَالدُّعَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ يَكُونُ عَنْهَا . وَلِلْمُفَسِّرِينَ فِي الْمُرَادِ بِالْقُنُوتِ هَاهُنَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا: أَنَّهُ الطَّاعَةُ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَابْنُ جُبَيْرٍ ، وَمُجَاهِدٌ ، وَقَتَادَةُ . وَالثَّانِي: أَنَّهُ الْإِقْرَارُ بِالْعِبَادَةِ ، قَالَهُ عِكْرِمَةُ ، وَالسُّدِّيُّ . وَالثَّالِثُ: الْقِيَامُ ، قَالَهُ الْحَسَنُ ، وَالرَّبِيعُ . وَفِي مَعْنَى الْقِيَامِ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ الْقِيَامُ لَهُ بِالشَّهَادَةِ بِالْعُبُودِيَّةِ . وَالثَّانِي: أَنَّهُ الْقِيَامُ بَيْنَ يَدَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ عَمَّ بِهَذَا الْقَوْلِ وَكَثِيرٌ مِنَ الْخَلْقِ لَيْسَ لَهُ بِمُطِيعٍ؟ فَعَنْهُ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ . أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ ظَاهِرُهَا ظَاهِرَ الْعُمُومِ ، وَمَعْنَاهَا مَعْنَى الْخُصُوصِ . وَالْمَعْنَى: كُلُّ أَهْلِ الطَّاعَةِ لَهُ قَانِتُونَ . وَالثَّانِي: أَنَّ الْكُفَّارَ تَسْجُدُ ظِلَالُهُمْ لِلَّهِ بِالْغَدَوَاتِ وَالْعَشِيَّاتِ ، فَنُسِبَ الْقُنُوتُ إِلَيْهِمْ بِذَلِكَ . وَالثَّالِثُ: أَنَّ كُلَّ مَخْلُوقٍ قَانِتٍ هَلْ بِأَثَرِ صُنْعِهِ فِيهِ ، وَجَرْيِ أَحْكَامِهِ عَلَيْهِ ، فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى ذُلِّهِ لِلرَّبِّ . ذَكَرَهُنَّ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ . بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ . قَوْلُهُ تَعَالَى: بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ الْبَدِيعُ: الْمُبْدِعُ ، وَكُلُّ مَنْ أَنْشَأَ شَيْئًا لَمْ يُسْبَقْ إِلَيْهِ قِيلَ لَهُ: أَبْدَعْتَ . قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْبَدِيعُ ، فَعِيلٌ بِمَعْنَى: مُفْعِلٍ ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ فَطَرَ الْخَلَقَ مُخْتَرِعًا لَهُ لَا عَلَى مِثَالٍ سَبَقَ . قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذَا قَضَى أَمْرًا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَعْنَى الْقَضَاءِ: الْإِرَادَةُ . وَقَالَ مُقَاتِلٌ: إِذَا قَضَى أَمْرًا فِي عِلْمِهِ ، فَإِنَّ مَا يَقُولُ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ . وَالْجُمْهُورُ عَلَى ضَمِّ نُونِ (فَيَكُونُ) ، بِالرَّفْعِ عَلَى الْقَطْعِ . وَالْمَعْنَى: فَهُوَ يَكُونُ . وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ بِنَصْبِ النُّونِ . قَالَ مَكِّيُّ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ: النَّصْبُ عَلَى الْجَوَابِ ، لَكِنَّ فِيهِ بُعْدٌ . فَصْلٌ وَقَدِ اسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا عَلَى قِدَمِ الْقُرْآَنِ بِقَوْلِهِ: (كُنْ) فَقَالُوا: لَوْ كَانَتْ "كُنْ" مَخْلُوقَةً; لَافْتَقَرَتْ إِلَى إِيجَادِهَا بِمِثْلِهَا وَتَسَلْسُلُ ذَلِكَ ، وَالْمُتَسَلْسِلُ مُحَالٌ . فَإِنْ قِيلَ: هَذَا خِطَابٌ لِمَعْدُومٍ; [ ص: 137 ] فَالْجَوَابُ أَنَّهُ خِطَابُ تَكْوِينٍ يُظْهِرُ أَثَرَ الْقُدْرَةِ ، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الْمُخَاطَبُ مَوْجُودًا ، لِأَنَّهُ بِالْخِطَابِ كَانَ ، فَامْتَنَعَ وَجُودُهُ قَبْلَهُ أَوْ مَعَهُ . وَيُحَقِّقُ هَذَا أَنَّ مَا سَيَكُونُ مُتَصَوِّرَ الْعِلْمِ ، فَضَاهَى بِذَلِكَ الْمَوْجُودَ ، فَجَازَ خِطَابُهُ لِذَلِكَ . وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ . قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ فِيهِمْ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا: أَنَّهُمُ الْيَهُودُ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ . وَالثَّانِي: النَّصَارَى ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ . وَالثَّالِثُ: مُشْرِكُو الْعَرَبِ ، قَالَهُ قَتَادَةُ ، وَالسُّدِّيُّ عَنْ أَشْيَاخِهِ . وَلَوْلَا بِمَعْنَى: هَلَّا . وَفِي الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا: أَنَّهُمُ الْيَهُودُ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَمُجَاهِدٌ . وَالثَّانِي: الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ، قَالَهُ السُّدِّيُّ عَنْ أَشْيَاخِهِ . وَالثَّالِثُ: الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْكُفَّارِ ، قَالَهُ قَتَادَةُ . تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ أَيْ: فِي الْكُفْرِ . إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ . قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ . فِي سَبَبِ نُزُولِهَا قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمًا: "لَيْتَ شِعْرِي مَا فَعَلَ أَبَوَايَ!" فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآَيَةُ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ . وَالثَّانِي: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَوْ أَنْزَلَ اللَّهُ بَأْسَهُ بِالْيَهُودِ لَآَمَنُوا" فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآَيَةُ ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ . وَفِي الْمُرَادِ (بِالْحَقِّ) هَاهُنَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا: أَنَّهُ الْقُرْآَنُ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ . وَالثَّانِي: الْإِسْلَامُ ، قَالَهُ ابْنُ كِيسَانَ . وَالثَّالِثُ: الصِّدْقُ . قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تُسْأَلُ عَنْ : الْأَكْثَرُونَ بِضَمِّ التَّاءِ عَلَى الْخَبَرِ ، وَالْمَعْنَى: لَسْتُ بِمَسْؤُولٍ عَنْ أَعْمَالِهِمْ . وَقَرَأَ نَافِعٌ ، وَيَعْقُوبُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ ، عَلَى النَّهْيِ عَنِ السُّؤَالِ عَنْهُمْ . [ ص: 138 ] وَجَوَّزَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَخْفَشِ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ: لَا تَسْأَلُ عَنْهُمْ فَإِنَّهُمْ فِي أَمْرٍ عَظِيمٍ . فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ لِمَا هُمْ فِيهِ . فَأَمَّا الْجَحِيمُ; فَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْجَحِيمُ: النَّارُ ، وَالْجَمْرُ عَلَى الْجَمْرِ . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْجَحِيمُ: النَّارُ الْمُسْتَحْكِمَةُ الْمُتَلَظِّيَةُ . وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْجَحِيمُ: النَّارُ الشَّدِيدَةُ الْوَقُودِ ، وَقَدْ جَحَمَ فَلَانٌ النَّارَ: إِذَا شَدَّدَ وَقُودَهَا ، وَيُقَالُ: لَعَيْنِ الْأَسَدِ: جُحْمَةٌ لِشِدَّةِ تُوَقُّدِهَا . وَيُقَالُ: لِوَقُودِ الْحَرْبِ ، وَهُوَ شِدَّةُ الْقِتَالِ فِيهَا: جَاحِمٌ . وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ: الْجَاحِمُ: الْمَكَانُ الشَّدِيدُ الْحُرِّ . قَالَ الْأَعْشَى: يُعِدُّونَ لِلْهَيْجَاءِ قَبْلَ لِقَائِهَا غَدَاةَ اخْتِضَارِ الْبَأْسِ وَالْمَوْتُ جَاحِمٌ وَلِذَلِكَ سُمِّيَتِ الْجَحِيمُ . وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ: إِنَّمَا سُمِّيَتِ النَّارُ جَحِيمًا ، لِأَنَّهَا أُكْثِرَ وُقُودُهَا ، مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: جَحَمْتُ النَّارَ أَجْحَمُهَا: إِذَا أَكْثَرْتَ لَهَا الْوَقُودَ . قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حِطَّانَ: يَرَى طَاعَةَ اللَّهِ الْهُدَى وَخِلَافَهُ الضَّلَالَةُ يُصْلِي أَهْلَهَا جَاحِمُ الْجَمْرِ
__________________
|
#26
|
||||
|
||||
رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد
__________________
|
#27
|
||||
|
||||
رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد
__________________
|
#28
|
||||
|
||||
رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد
__________________
|
#29
|
||||
|
||||
رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد
تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي سُورَةُ الْبَقَرَةِ الحلقة (29) صــ157 إلى صــ 162 سَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كَانَ يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ ، قَالَهُ الْبَرَاءُ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ ، وَابْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ ، وَقَتَادَةُ . وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ هَذِهِ الْآَيَةَ مُقَدِّمَةٌ فِي النُّزُولِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ وَاخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ اخْتِيَارِ النَّبِيِّ الْكَعْبَةَ عَلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ عَلَى قَوْلَيْنِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا كَانَتْ قِبْلَةَ إِبْرَاهِيمَ ، رَوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَالثَّانِي: لِمُخَالَفَةِ الْيَهُودِ ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ . وَمَعْنَى تَقَلُّبَ وَجْهِهِ: نَظَرُهُ إِلَيْهَا يَمِينًا وَشِمَالًا . و "فِي" بِمَعْنَى: "إِلَى" وَ "تَرْضَاهَا" بِمَعْنَى: تُحِبُّهَا وَ "الشَّطْرُ": النَّحْوُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ . قَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَتَى النَّاسَ [ ص: 157 ] آَتٍ وَهُمْ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ بِقِبَاءٍ ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآَنٌ ، وَأُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ ، أَلَا فَاسْتَقْبَلُوهَا [وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ ] فَاسْتَدَارُوا وَهُمْ فِي صَلَاتِهِمْ . فَصْلٌ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ أَيُّ: وَقْتٍ حُوِّلَتِ الْقِبْلَةَ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا: أَنَّهَا حُوِّلَتْ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِلنِّصْفِ مِنْ رَجَبٍ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ الْمَدِينَةَ ، قَالَهُ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ ، وَمَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ . وَالثَّانِي: أَنَّهَا حُوِّلَتْ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ لِلنِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ ، قَالَهُ قَتَادَةُ . وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا حُوِّلَتْ فِي جُمَادَى الْآَخِرَةَ ، حَكَاهُ ابْنُ سَلَامَةَ الْمُفَسِّرُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ . وَفِي الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: الْيَهُودُ ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ . وَالثَّانِي: الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ، قَالَهُ أَبُو سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ . قَوْلُهُ تَعَالَى: لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ يُشِيرُ إِلَى مَا أَمَرَ بِهِ مِنَ التَّوَجُّهِ إِلَى الْكَعْبَةِ ، ثُمَّ تَوَعَّدَهُمْ بِبَاقِي الْآَيَةِ عَلَى كِتْمَانِهِمْ مَا عَلِمُوا . وَمِنْ أَيْنَ عَلِمُوا أَنَّهُ الْحَقُّ؟ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا: أَنَّ فِي كِتَابِهِمُ الْأَمْرُ بِالتَّوَجُّهِ إِلَيْهَا ، قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَةِ . وَالثَّانِي: يَعْلَمُونَ أَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ قِبْلَةُ إِبْرَاهِيمَ . وَالثَّالِثُ: أَنَّ فِي كِتَابِهِمْ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولٌ صَادِقٌ ، فَلَا يَأْمُرُ إِلَّا بِحَقٍّ . وَالرَّابِعُ: أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ جَوَازَ النَّسْخِ . وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ [ ص: 158 ] قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ . سَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّ يَهُودَ الْمَدِينَةِ وَنَصَارَى نَجْرَانَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ: ائْتِنَا بِآَيَةٍ كَمَا أَتَى الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَكَ ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآَيَةُ ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ . قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ يُرِيدُ: الْكَعْبَةَ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ لِأَنَّ الْيَهُودَ يُصَلُّونَ قِبَلَ الْمَغْرِبِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وَالنَّصَارَى قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ فَصَلَّيْتَ إِلَى قِبْلَتِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ قَالَ مُقَاتِلٌ: يُرِيدُ بِالْعِلْمِ: الْبَيَانَ . الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ . قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ فِي هَاءِ "يَعْرِفُونَهُ" قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا تَعُودُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ . وَالثَّانِي: تَعُودُ عَلَى صَرْفِهِ إِلَى الْكَعْبَةِ ، قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَةِ ، وَقَتَادَةُ ، وَالسُّدِّيُّ ، وَمُقَاتِلٌ . وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا . وَفِي الْحَقِّ الَّذِي كَتَمُوهُ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ . وَالثَّانِي: أَنَّهُ التَّوَجُّهُ إِلَى الْكَعْبَةِ ، قَالَهُ السُّدِّيُّ ، وَمُقَاتِلٌ فِي آَخَرِينَ . وَفِي قَوْلِهِ: وَهُمْ يَعْلَمُونَ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ حَقٌّ . وَالثَّانِي: وَهُمْ يَعْلَمُونَ مَا عَلَى مُخَالِفِهِ مِنَ الْعِقَابِ . الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ . قَوْلُهُ تَعَالَى: الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ . قَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ: هَذَا الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ . وَالْمُمْتَرُونَ: الشَّاكُّونَ ، وَالْخِطَابُ عَامٌّ . وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ ص: 159 ] قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ أَيْ: لِكُلِّ أَهْلٍ دِينٌ وَجِهَةٌ . الْمُرَادُ بِالْوِجْهَةِ: الْقِبْلَةُ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي آَخَرِينَ . قَالَ الزَّجَّاجُ: يُقَالُ: جِهَةٌ ، وَوِجْهَةٌ . وَفِي "هُوَ" ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا: أَنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، فَالْمَعْنَى: اللَّهُ مُوَلِّيهَا إِيَّاهُمْ ، أَيْ: أَمَرَهُمْ بِالتَّوَجُّهِ إِلَيْهَا . وَالثَّانِي: تَرْجِعُ إِلَى الْمُتَوَلَّى ، فَالْمَعْنَى: هُوَ مُوَلِّيهَا نَفْسَهُ ، فَيَكُونُ "هُوَ" ضَمِيرُ كُلٍّ . وَالثَّالِثُ: يَرْجِعُ إِلَى الْبَيْتِ ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ: أَمَرَ كُلَّ قَوْمٍ أَنْ يَصِلُوا إِلَى الْكَعْبَةِ . وَالْجُمْهُورُ يَقْرَؤُونَ: (مُوَلِّيهَا) وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ ، وَالْوَلِيدُ عَنْ يَعْقُوبَ: "هُوَ مَوْلَاهَا" بِأَلِفٍ بَعْدَ اللَّامِ ، فَضَمِيرُ "هُوَ" لِكُلِّ ، وَمَعْنَى الْقِرَاءَتَيْنِ مُتَقَارِبٌ . قَوْلُهُ تَعَالَى: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْ: بَادَرُوهَا . وَقَالَ قَتَادَةُ: لَا تَغْلِبُوا عَلَى قِبْلَتِكُمْ ، أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: هَذَا فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ . فَأَمَّا إِعَادَةُ قَوْلِهِ: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ . قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَإِنَّهُ تَكْرِيرُ تَأْكِيدٍ ، لِيَحْسِمَ طَمَعَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي رُجُوعِ الْمُسْلِمِينَ أَبَدًا إِلَى قِبْلَتِهِمْ . قَوْلُهُ تَعَالَى: لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ فِي النَّاسِ قَوْلَانِ ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ ، وَقَتَادَةُ ، وَمُقَاتِلٌ ، . وَالثَّانِي: مُشْرِكُوا الْعَرَبِ ، رَوَاهُ السُّدِّيُّ عَنْ أَشْيَاخِهِ . فَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ; قَالَ: احْتِجَاجُ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهُمْ قَالُوا لِلنَّبِيِّ: مَا لَكَ تَرَكْتَ قِبْلَةَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟! إِنْ كَانَتْ ضَلَالَةً; فَقَدْ دِنْتَ بِهَا اللَّهَ ، وَإِنْ كَانَتْ هُدًى; فَقَدْ نَقَلْتَ عَنْهَا . وَقَالَ قَتَادَةُ: قَالُوا اشْتَاقَ الرَّجُلُ إِلَى بَيْتِ أَبِيهِ وَدِينِ قَوْمِهِ . وَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي; قَالَ: احْتِجَاجُ الْمُشْرِكِينَ [ ص: 160 ] أَنَّهُمْ قَالُوا: قَدْ رَجَعَ إِلَى قِبْلَتِكُمْ ، وَيُوشِكُ أَنْ يَعُودَ إِلَى دِينِكُمْ . وَتَسْمِيَةُ بَاطِلِهِمْ حُجَّةٌ عَلَى وَجْهِ الْحِكَايَةِ عَنِ الْمُحْتَجِّ بِهِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ [ الشُّورَى: 16 ] . وَقَوْلُهُ: فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ [ غَافِرِ: 83 ] . قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ: إِلَّا مَنْ ظَلَمَ بِاحْتِجَاجِهِ فِيمَا قَدْ وُضَحَ لَهُ ، كَمَا تَقُولُ: مَا لَكَ عَلِيَّ حُجَّةٌ إِلَّا الظُّلْمُ ، أَيْ: إِلَّا أَنْ تَظْلِمَنِي . أَيْ: مَا لَكَ عَلِيَّ الْبَتَّةَ ، وَلَكِنَّكَ تَظْلِمُنِي . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (فَلا تَخْشَوْهُمْ) فِي انْصِرَافِكُمْ إِلَى الْكَعْبَةِ (وَاخْشَوْنِي) فِي تَرْكِهَا . كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمُ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ . قَوْلُهُ تَعَالَى: كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِنْكُمْ قَالَ الزَّجَّاجُ: "كَمَا" لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ جَوَابًا لِمَا قَبْلَهَا ، وَالْأَجْوَدُ أَنْ تَكُونَ مُعَلَّقَةً بِقَوْلِهِ: (فَاذْكُرُونِي) وَقَدْ رُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ عَلَيٍّ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ ، وَمُجَاهِدٍ ، مُقَاتِلٍ . وَالْآَيَةُ خِطَابٌ لِمُشْرِكِي الْعَرَبِ . وَفِي قَوْلِهِ: (وَيُزَكِّيهِمْ) ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ، قَدْ سَبَقَ ذِكْرُهَا فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ . وَالْكِتَابُ: الْقُرْآَنُ . وَالْحِكْمَةُ: السُّنَّةُ . فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ . قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَاذْكُرُونِي) . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَابْنُ جُبَيْرٍ: اذْكُرُونِي بِطَاعَتِي أَذْكُرْكُمْ بِمَغْفِرَتِي . وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ: كَمَا أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ بِالرِّسَالَةِ ، فَاذْكُرُونِي بِتَوْحِيدِي وَتَصْدِيقِ نَبِيِّي . قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ جَوَابُ: (كَمَا أَرْسَلْنَا): (فَاذْكُرُونِي)؟ فَإِنَّ قَوْلَهُ: (فَاذْكُرُونِي) أَمْرٌ . وَقَوْلُهُ: (أَذْكُرْكُمْ) جَزَاؤُهُ; فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْمَعْنَى: إِنْ تَذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ . قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاشْكُرُوا لِي الشُّكْرُ: الِاعْتِرَافُ بِحَقِّ الْمُنْعِمِ ، مَعَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ . [ ص: 161 ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ . قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ . سَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا: سَيَرْجِعُ مُحَمَّدٌ إِلَى دِينِنَا ، كَمَا رَجَعَ إِلَى قِبْلَتِنَا ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآَيَةُ ، قَالَهُ قَتَادَةُ . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اسْتَعِينُوا عَلَى طَلَبِ الْآَخِرَةِ بِالصَّبْرِ عَلَى أَدَاءِ الْفَرَائِضِ ، بِالصَّلَاةِ ، وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ فِي الصَّبْرِ ، وَبَيَانِ الِاسْتِعَانَةِ بِهِ وَبِالصَّلَاةِ . وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ) . سَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ لِقَتْلَى بَدْرٍ وَأُحُدٍ: مَاتَ فُلَانٌ بِبَدْرٍ ، مَاتَ فُلَانٌ بِأُحُدٍ ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآَيَةُ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ . وَرَفَعَ الْأَمْوَاتَ بِإِضْمَارِ مُكَنَّى مِنْ أَسْمَائِهِمْ ، أَيْ: لَا تَقُولُوا: هُمْ أَمْوَاتٌ ، ذَكَرَ نَحْوَهُ الْفَرَّاءُ . فَإِنْ قِيلَ: فَنَحْنُ نَرَاهُمْ مَوْتَى ، فَمَا وَجْهُ النَّهْيِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَعْنَى: لَا تَقُولُوا: هُمْ أَمْوَاتٌ لَا تَصِلُ أَرْوَاحَهُمْ إِلَى الْجَنَّاتِ ، وَلَا تَنَالُ مِنْ تُحَفِ اللَّهِ مَا لَا يَنَالُهُ الْأَحْيَاءُ بَلْ هُمْ أَحْيَاءٌ ، أَرْوَاحُهُمْ فِي حَوَاصِلِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ ، فَهُمْ أَحْيَاءٌ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ ، وَإِنْ كَانُوا أَمْوَاتًا مِنْ جِهَةِ خُرُوجِ الْأَرْوَاحِ ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ . فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ جَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ مُنَعَّمِينَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ؟ فَلِمَ خَصَصْتُمُ الشُّهَدَاءَ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ الشُّهَدَاءَ فُضِّلُوا عَلَى غَيْرِهِمْ بِأَنَّهُمْ مُرْزَقُونَ مِنْ مَطَاعِمِ الْجَنَّةِ وَمَآَكِلِهَا ، وَغَيْرُهُمْ مُنَعَّمٌ بِمَا دُونَ ذَلِكَ ، ذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ . وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [ ص: 162 ] قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ . قَالَ الْفَرَّاءُ: "مَنْ" تَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا شَيْئًا مُضْمَرًا ، فَتَقْدِيرُهُ: بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ ، وَشَيْءٍ مِنَ الْجُوعِ ، وَشَيْءٍ مِنْ نَقْصِ الْأَمْوَالِ . وَفِيمَنْ أُرِيدَ فِي هَذِهِ الْآَيَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا: أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّبِيِّ خَاصَّةً ، قَالَهُ عَطَاءٌ . وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ أَهْلُ مَكَّةَ . وَالثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا يَكُونُ فِي آَخِرِ الزَّمَانِ . قَالَ كَعْبٌ: يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا تَحْمِلُ النَّخْلَةُ إِلَّا ثَمَرَةً . وَالرَّابِعُ: أَنَّ الْآَيَةَ عَلَى عُمُومِهَا . فَأَمَّا الْخَوْفُ; فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَهُوَ الْفَزَعُ فِي الْقِتَالِ . وَالْجُوعُ: الْمَجَاعَةُ الَّتِي أَصَابَتْ أَهْلَ مَكَّةَ سَبْعَ سِنِينَ . وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ: ذَهَابُ أَمْوَالِهِمْ ، وَالْأَنْفُسِ بِالْمَوْتِ وَالْقَتْلِ الَّذِي نَزَلَ بِهِمْ ، وَالثَّمَرَاتُ لَمْ تُخْرُجْ كَمَا كَانَتْ تَخْرُجُ . وَحَكَى أَبُو سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ الْخَوْفَ فِي الْجِهَادِ ، وَالْجُوعِ فِي فَرْضِ الصَّوْمِ ، وَنَقْصِ الْأَمْوَالِ: مَا فُرِضَ فِيهَا مِنَ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَالْأَنْفُسِ: مَا يُسْتَشْهَدُ مِنْهَا فِي الْقِتَالِ ، وَالثَّمَرَاتُ: مَا فُرِضَ فِيهَا مِنَ الصَّدَقَاتِ . (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) عَلَى هَذِهِ الْبَلَاوِي بِالْجَنَّةِ . وَاعْلَمْ أَنَّهُ إِنَّمَا أَخْبَرَهُمْ بِمَا سَيُصِيبُهُمْ ، لِيُوَطِّنُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى الصَّبْرِ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ أَبْعَدَ بِهِمْ مِنَ الْجَزَعِ . (قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ) يُرِيدُونَ: نَحْنُ عَبِيدُهُ يَفْعَلُ بِنَا مَا يَشَاءُ (وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) يُرِيدُونَ: نَحْنُ مُقِرُّونَ بِالْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ عَلَى أَعْمَالِنَا ، وَالثَّوَابِ عَلَى صَبْرِنَا . قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : لَقَدْ أُعْطِيَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ شَيْئًا لَمْ يُعْطَهُ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَهُمْ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَلَوْ أُعْطِيهَا الْأَنْبِيَاءُ لَأُعْطِيهَا يَعْقُوبُ ، أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى قَوْلِهِ: (يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ) قَالَ الْفَرَّاءُ: وَلِلْعَرَبِ فِي الْمُصِيبَةِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ: مُصِيبَةٌ ، وَمُصَابَةٌ ، وَمُصْوِبَةٌ ، زَعَمَ الْكِسَائِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ أَعْرَابِيًّا يَقُولُ: جَبَرَ اللَّهُ مُصْوِبَتَكَ .
__________________
|
#30
|
||||
|
||||
رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |