|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصلاة شرح سنن أبي داود [183] الحلقة (214) شرح سنن أبي داود [183] للدعاء موقعه الخاص من العبادات، لذا شرع لكل الناس وحثوا عليه، واختص الله تعالى من العباد أناساً لهم دعوة مستجابة لما يشتمل عليه حالهم كالمسافر والوالد لولده والدعوة بظهر الغيب. النهي عن أن يدعو الإنسان على أهله وماله شرح حديث: (لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب النهي عن أن يدعو الإنسان على أهله وماله. حدثنا هشام بن عمار ويحيى بن الفضل وسليمان بن عبد الرحمن قالوا: حدثنا حاتم بن إسماعيل حدثنا يعقوب بن مجاهد أبو حزرة عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم؛ لا توافقوا من الله تبارك وتعالى ساعة نيل فيها عطاء فيستجيب لكم). قال أبو داود : هذا الحديث متصل الإسناد؛ فإن عبادة بن الوليد بن عبادة لقي جابراً ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله: [ باب النهي عن أن يدعو الرجل على أهله وماله ]. يعني: هذا النهي يشمل الرجل والمرأة، والأهل يطلق على الزوج والأولاد، والمال يطلق على الرقيق والحيوان الذي يملكه الإنسان وما إلى ذلك. أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله تبارك وتعالى ساعة نيل فيها عطاء فيستجيب لكم) ] فالحديث يدل على النهي عن كون الإنسان يدعو على أهله وماله، وذلك عندما يحصل له غضب فيحصل منه الدعاء، وهو مشتمل أيضاً على بيان العلة والحكمة في ذلك، وأنه قد يكون هذا الدعاء يوافق ساعة إجابة فيستجاب للإنسان فيما سأل من الشر أو من الشيء الذي لا ينبغي لأهله وماله. تراجم رجال إسناد حديث: (لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم...) قوله: [ حدثنا هشام بن عمار ]. هشام بن عمار صدوق، أخرج أحاديثه البخاري وأصحاب السنن. [ ويحيى بن الفضل ]. يحيى بن الفضل مقبول أخرج له أبو داود . [ وسليمان بن عبد الرحمن ]. هو سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي وهو صدوق يخطئ، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا حاتم بن إسماعيل ]. حاتم بن إسماعيل صدوق يهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يعقوب بن مجاهد أبو حزرة ]. يعقوب بن مجاهد أبو حزرة صدوق أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم و أبو داود . [ عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ]. عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن جابر بن عبد الله ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم . [ قال أبو داود : هذا الحديث متصل الإسناد؛ فإن عبادة بن الوليد بن عبادة لقي جابراً ]. وهذا الحديث أخرجه مسلم وأبو داود، وهو متصل الإسناد؛ لأن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت لقي جابراً . أما ما يحصل إذا غضب الأب أو الأم على الأبناء فتراهم يدعون عليهم عند الغضب وهم لا يريدون ذلك، والغالب أن من يدعو لا يريد ذلك، ولهذا يقول الله عز وجل: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ [يونس:11]، لكن ينبغي للإنسان عند الغضب أن يحرص على أن يمنع نفسه من هذا الشيء. حكم الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم شرح حديث: (أن امرأة قالت للنبي: صل علي وعلى زوجي...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم. حدثنا محمد بن عيسى حدثنا أبو عوانة عن الأسود بن قيس عن نبيح العنزي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما (أن امرأة قالت للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: صل علي وعلى زوجي، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: صلى الله عليك وعلى زوجك) ]. أورد أبو داود رحمه الله: [ باب: الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم ]. الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هي من أفضل القربات والطاعات؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام ساق الله تعالى على يديه إلى المسلمين أعظم وأجل نعمة وهي نعمة الإسلام، التي فيها الهداية إلى الصراط المستقيم، والخروج من الظلمات إلى النور، فكان من حقه على أمته أن يصلوا عليه صلى الله عليه وسلم، وأن يكثروا من الصلاة والسلام عليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وأما غيره فيصلى عليه تبعاً، كأن يقال: صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن سلك سبيله واهتدى بهديه إلى يوم الدين. هذا تبع، فيصلى على غير النبي صلى الله عليه وسلم تبعاً للنبي صلى الله عليه وسلم، لما جاء: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد...). وأما أن يصلي المسلم على غيره على سبيل الاستقلال والانفراد فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في هذا الحديث الذي أورده أبو داود عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما [ (أن امرأة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: صل علي وعلى زوجي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صلى الله عليك وعلى زوجك) ] فهذا دعاء مستقل على غير النبي صلى الله عليه وسلم، وكما جاء في آل أبي أوفى في الصدقة، قال: (اللهم صل على آل أبي أوفى) ، فهذه صلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم، وهي من النبي صلى الله عليه وسلم. لكن هل يصلي أحد على غير النبي صلى الله عليه وسلم استقلالاً؟ المعروف من طريقة السلف أنه يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم استقلالاً وغيره تبعاً له، ويترضى عن الصحابة، ويترحم على من بعدهم، هذه الطريقة المتبعة، وقد يصلى على غير النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يترحم ويترضى على غير الصحابة، ولكن التبعية هي الأغلب في الاستعمال. وقد جاءت الأحاديث الكثيرة الدالة على أنه يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع منها: عند دخول المسجد والخروج منه، وعند الأذان وبعده، وغير ذلك من المواضع التي جاء التخصيص فيها على أنه يصلى عليه صلى الله عليه وسلم، وكذلك عند ذكره يصلى عليه صلى الله عليه وسلم بالصيغة التي درج عليها السلف وهي: صلى الله عليه وسلم، أو عليه الصلاة والسلام، هاتان هما العبارتان المختصرتان اللتان درج عليهما السلف، ولاسيما المحدثون كما نجد في الأحاديث عندما تنتهي بالرسول عليه الصلاة والسلام يقول الصحابي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كذا .. إلى آخره. ويجوز أن يصلى على غير النبي صلى الله عليه وسلم استقلالاً إذا لم يكثر، كما قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه في أدب المشي إلى الصلاة: وتجوز الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يكثر ولم يتخذ شعاراً لبعض الناس، أو يقصد بها بعض الصحابة دون بعض. ولهذا يأتي في بعض الكتب إذا جاء ذكر علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أو الحسن و الحسين ، أو فاطمة رضي الله تعالى عنهم أجمعين، يأتي قولهم: عليه السلام، أو عليها السلام، هكذا. وقد ذكر الحافظ ابن كثير في تفسيره قول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56] أنه يأتي في بعض الكتب: عليه السلام عندما يأتي ذكر علي أو ذكر فاطمة أو الحسن و الحسين ، قال: وهذا إنما هو من عمل نساخ الكتب. يعني: عندما يأتي إلى الكتاب لينسخه فإنه إذا مر ذكر علي كتب بعد علي : عليه السلام. قال: وهذا لا يصلح أن يطلق على أحد بعينه وأن يخص به أحد بعينه، وإنما الذي يناسب أن يترضى عن الصحابة جميعاً، وهو الذي درج عليه سلف هذه الأمة في حق الصحابة، وفي مقدمتهم أبي بكر و عمر، وعثمان و علي رضي الله تعالى عن الجميع. إذاً: هذا الذي يوجد في بعض الكتب ليس من عمل المؤلفين وإنما هو من عمل نساخ الكتب كما ذكر ذلك الحافظ ابن كثير في تفسيره عند تفسير هذه الآية الكريمة من سورة الأحزاب. أما معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فأحسن ما فسرت به الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أنها الثناء عليه عند الملائكة، فإذا قال الإنسان: اللهم صل على محمد، فهو يسأل الله أن يثني عليه، وأن يشيد به، وأن يعلي منزلته، وأن يذكره عند الملائكة، فهذا هو أحسن ما قيل في معنى الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكذلك أيضاً في حق الصلاة على غيره تبعاً له أو استقلالاً أن الله تعالى يثني عليه عند الملائكة، وقد جاء في الحديث: (من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي...) . تراجم رجال إسناد حديث: (أن امرأة قالت للنبي: صل علي وعلى زوجي...) قوله: [حدثنا محمد بن عيسى ]. محمد بن عيسى الطباع، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبي عوانة ]. هو أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأسود بن قيس ]. الأسود بن قيس ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نبيح العنزي ]. نبيح العنزي مقبول أخرج له أصحاب السنن. [ عن جابر بن عبد الله ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري قد مر ذكره. الدعاء بظهر الغيب شرح حديث: (إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الدعاء بظهر الغيب. حدثنا رجاء بن المرجى حدثنا النضر بن شميل أخبرنا موسى بن ثروان حدثني طلحة بن عبيد الله بن كريز حدثتني أم الدرداء أنها قالت: حدثني سيدي أبو الدرداء : (أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة: آمين. ولك بمثل) ]. أورد أبو داود رحمه الله باباً في الدعاء بظهر الغيب، يعني: كون الإنسان يدعو لأخيه في غيبته وهو غير حاضر، يعني: ليس عنده، وقد يكون عنده ولكنه يدعو بينه وبين نفسه ولا يسمعه، فهذا أيضاً من الغيب، وأما إذا دعا له وهو يسمع فهذا ليس دعاء بظهر الغيب، فالدعاء بظهر الغيب غير مسموع وغير معلوم للإنسان المدعو له، إما لكونه غائباً ليس معه في المكان أو هو معه في مكان ولكنه يدعو لغيره بينه وبين نفسه. قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دعا الرجل لأخيه) الرجل هنا لا مفهوم له، فكذلك المرأة لو دعت لأختها أو لأحد من الناس بظهر الغيب فإن الحكم واحد، ويأتي كثيراً في الأحاديث ذكر الرجل ولا مفهوم له، بمعنى أن المرأة تكون مثله كذلك، بل الأحكام في الغالب تأتي عامة للرجال والنساء، ولا يميز الرجال عن النساء إلا إذا جاءت نصوص تدل على أن هذا الحكم خاص بالرجال، وهذا الحكم خاص بالنساء، فعند ذلك يصار إلى النصوص المفرقة، أما إذا لم تأت النصوص للتفريق بين الرجال والنساء فإن الأحكام تعم الرجال والنساء، وعلى هذا فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دعا الرجل لأخيه) فمثله المرأة لو دعت، ومثل ذلك حديث: (لا تتقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه) وكذلك المرأة، وكذلك حديث: (إذا وجد الرجل متاعه عند رجل قد أفلس فهو أحق به) أي: أحق به من غيره من الغرماء، إلى غير ذلك من نصوص كثيرة يأتي التعبير بها بلفظ الرجل أو الرجال ولا يقصد أن هذا الحكم يخص الرجال، بل الحكم للرجال والنساء، ولكن يذكر الرجال لأنهم هم المخاطبون في الغالب. وقوله: (قالت الملائكة: آمين) آمين معناها: اللهم استجب، وقوله: (ولك بمثل) يعني: ولهذا الداعي مثلما دعا به لغيره، فيقول: اللهم استجب دعاءه لغيره، وأيضاً حقق له مثلما دعا به لغيره. تراجم رجال إسناد حديث: (إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب...) قوله:[ حدثنا رجاء بن المرجى ]. رجاء بن المرجى ثقة أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ حدثنا النضر بن شميل ]. النضر بن شميل ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا موسى بن ثروان ]. وهو ثقة أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثني طلحة بن عبيد الله بن كريز ]. وهو ثقة أخرج له مسلم و أبو داود . [ حدثتني أم الدرداء ]. أم الدرداء هي هجيمة أو جهيمة ، وهي أم الدرداء الصغرى ، وهي تابعية ثقة أخرج لها أصحاب الكتب الستة، وأما أم الدرداء الكبرى فهي صحابية، ولكن ليس لها أحاديث في الكتب الستة. وأبو الدرداء هو عويمر بن زيد وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة. حكم قول سيدي قول أم الدرداء : حدثني سيدي أبو الدرداء . فيه إطلاق السيد على الزوج، وهذا يدلنا على أن المحدثين يأتون بالألفاظ التي تأتي من الرواة كما هي، فهنا لما جاء في الرواية سيدي نقلوها، والنبي صلى الله عليه وسلم هو سيد الخلق، ولم يأت في الأحاديث أنهم كلما ذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، وهو سيدنا وسيد البشر، ولكن الملازمة والإتيان بهذا التسييد كلما ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم ليس من منهج أهل السنة والجماعة، وليس من منهج سلف الأمة، والدليل على هذا: أن الأحاديث التي في صحيح البخاري ومسلم وأبي داود والكتب الأخرى بالآلاف، وفي مسند الإمام أحمد فقط أربعين ألف حديث، وعندما ينتهي الإسناد فيها يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، ولو كان أحد الصحابة يقول: سيدي أو سيدنا لنقلت، ولهذا أحياناً إذا عبر شخص بالنبي والثاني عبر بالرسول فيقول: قال فلان أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال كذا، وقال فلان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا، فيأتون بالشيء الذي لا يترتب عليه شيء؛ لأن الرسول والنبي معناها واحد هنا، فإذا قال: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال كذا أو قال: إن رسول الله قال كذا، فلا فرق بينهما. فالمحدثون يحافظون على الألفاظ، فلو جاءت مثل هذه الأشياء لما تركوها، فاستعمال ذلك بصفة دائمة من عمل أهل البدع، ومن عمل المتصوفة الذين كلما ذكروا شخصاً قالوا: قال سيدنا فلان، قال سيدنا فلان، فأي رجل من الصحابة يقولون عنه: سيدنا، وهذا ما وجد في كتب المتقدمين، وإنما وجد عند المتأخرين، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم له في صدورهم وفي قلوبهم المنزلة العظيمة، ولا يدانيهم ولا يماثلهم في ذلك أحد رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. فالحاصل: أن التزام ذكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم بالتسييد ليس من عمل السلف، والدليل على هذا هذه الكتب التي فيها آلاف الأحاديث وفيها: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، ولما قالت أم الدرداء : حدثني سيدي أتوا بكلمة سيدي؛ لأنها قالت هذه الكلمة، فلو جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم لكانوا على ذكرها أشد محافظة، لكن منهجهم وطريقتهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم عدم التزامها، وهذا اللفظ عن أم الدرداء جاء أيضاً في صحيح مسلم .
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() شرح حديث: (إن أسرع الدعاء إجابة دعوة غائب لغائب) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا ابن وهب حدثني عبد الرحمن بن زياد عن أبي عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو بن العاص (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أسرع الدعاء إجابة دعوة غائب لغائب) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أسرع الدعاء إجابة دعوة غائب لغائب)، يعني: أسرع من تجاب دعوته دعاء الغائب للغائب، والحديث ضعيف، في إسناده رجل ضعيف وهو عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي . تراجم رجال إسناد حديث: (إن أسرع الدعاء إجابة دعوة غائب لغائب) قوله:[ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح ]. هو أحمد بن عمرو بن السرح المصري ثقة أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني عبد الرحمن بن زياد ]. هو عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي وهو ضعيف أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن أبي عبد الرحمن ]. هو أبو عبد الرحمن الحبلي قال الحافظ ابن حجر : بضم الحاء والباء، وهو ثقة مات بإفريقية، وهو غير عبد الرحمن الإفريقي الضعيف، وفي هذا العصر يوجد شخص مشهور بعبد الرحمن الإفريقي وهو من المحدثين الكبار، وقد توفي رحمة الله عليه سنة ألف أو ثلاثمائة وسبعة وسبعين أو ستة وسبعين، وكان محدثاً عالماً، وقد درست عليه في معهد الرياض العلمي في الحديث وفي المصطلح، وكان رجلاً فاضلاً، وهو شيخ الشيخ عمر محمد فلاتة رحمه الله، وقد كنت طلبت منه أن يكتب محاضرة عن الشيخ عبد الرحمن الإفريقي ، وقد كتبها وهي محاضرة مطولة، وقد نشرت في كتاب في محاضرات الجامعة الإسلامية، وكانت سنة (1395 أو 1396هـ)، وفي الكتاب خمس عشرة محاضرة، ومنها محاضرة عن الشيخ عبد الرحمن الإفريقي للشيخ عمر محمد فلاتة رحمه الله. وأبو عبد الرحمن الحلبي مشهور بكنيته، وهو عبد الله بن يزيد وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]. عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم: عبد الله بن عمر و عبد الله بن عمرو و عبد الله بن عباس و عبد الله بن الزبير ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهو أكبر أولاد عمرو بن العاص رضي الله عنه، ويقال: كان بينهما اثنتا عشرة سنة، يعني عمرو ولد له عبد الله وعمره ثلاث عشرة سنة. شرح حديث: (ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام الدستوائي عن يحيى عن أبي جعفر عن أبي هريرة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة الوالد، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم) ]. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث دعوات مستجابات لاشك فيهن: دعوة الوالد، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم) يعني: دعوة الوالد على ولده، وكذلك دعوته له، ومثل ذلك الأم؛ لأن الأم أعظم حقاً من الوالد، وقد جاء في الحديث الصحيح التنصيص على النهي عن عقوق الأمهات، وهو حديث: (وينهاكم عن ثلاث: عن عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعاً وهات)، فنص على الأمهات مع أن العقوق سواءً للأب أو للأم كله خطير وعظيم، ولكن عقوق الأم أعظم وأشد؛ ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل: (من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أباك) وذلك لعظم حقها، فهي مقدمة على الأب في الحق لكثرة ما حصل لها بسبب الابن من التعب والنصب والمشقة. وقوله:[ (ودعوة المسافر) ]. لكونه في سفر وتعب ونصب، فإذا أوذي مع ما يحصل له من النصب والمشقة في سفره، ومع ما في قلبه من الضيق فإذا دعا على أحد فإن ذلك يكون من أسباب استجابة دعوته، والثالثة دعوة المظلوم على من ظلمه، وكذلك دعوته لمن أحسن إليه لكونه خلصه من الظلم، أو مكنه من الوصول إلى حقه. تراجم رجال إسناد حديث: (ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن) قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام الدستوائي ]. هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى ]. هو ابن أبي كثير اليمامي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي جعفر ]. قيل: هو أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين المشهور بالباقر أحد أئمة أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. غلو الرافضة في الأئمة يعتبر الباقر من الأئمة الاثني عشر عند الرافضة، وهم يدعون فيهم العصمة، ويقولون فيهم من المبالغة ما لا يجوز أن يطلق عليهم ولا على أحد من البشر، بل يطلقون عليهم أموراً عظيمة وخطيرة كما جاء في كتاب الكافي -وهو من أعظم كتب الرافضة- : (باب أن الأئمة يعلمون ما كان وما سيكون وأنهم يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون إلا باختيارهم!) وكذلك: (باب أنه ليس شيء من الحق إلا ما خرج من عند الأئمة وأن كل شيء لم يخرج من عند الأئمة فهو باطل)، وهكذا الأبواب في كتاب الكافي، وتحتها أحاديث مكذوبة من نوع هذه الترجمة، وأما أهل السنة والجماعة فيعرفون لأهل البيت قدرهم وفضلهم، لا سيما من كان منهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثل علي وأولاده، والعباس وأولاده، وقد جاءت نصوص عن أهل السنة تدل على تعظيم آل البيت وبيان قدرهم، فقد أورد البخاري أثرين في صحيحه عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أحدهما قوله: الله! لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي). يعني: أن صلة قرابة آل محمد أحب إليه من أن يصل آل أبي بكر ، وفي الأثر الآخر يقول: (ارقبوا محمداً في أهل بيته). يعني: راعوا وصيته في أهل بيته صلى الله عليه وسلم. وكذلك عمر جاء عنه ما يدل على معرفة قدر أهل البيت، فلما أصابهم القحط والجدب خرج بالناس للاستسقاء، وطلب من العباس أن يدعو للناس؛ لأنه عم الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال -كما في صحيح البخاري -: (اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا -يعني: طلبنا منه أن يدعو لنا فتسقينا- وإنا نتوسل إليك بعم نبينا -يعني: بدعائه- قم يا عم نبينا فادع الله، وما قال: يا عباس ؛ لأن المقصود هو قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا منهج أهل السنة والجماعة وطريقتهم، وأما الرافضة فهم يغلون في الأئمة الاثني عشر، ومنهم أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين رحمة الله عليه، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة). وقيل: إنه أبو جعفر المؤذن ، قال المزي في تحفة الأشراف: ويقال: إنه أبو جعفر المؤذن ، وهو مقبول أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و النسائي في عمل اليوم والليلة و ابن ماجة ، وقال في التقريب في الكنى: أبو جعفر المؤذن الأنصاري المدني مقبول من الثالثة، ومن زعم أنه محمد بن علي بن حسين فقد وهم، ولعله يقصد المزي فإنه قال: يقال: هو محمد بن علي بن حسين . [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب، وهو أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً على الإطلاق. هذا الحديث سبق أن مر في باب ما يقوله الرجل إذا سلم، وفي حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا انصرف من صلاته قال: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت) رواه مسلم وغيره، وأبو داود رحمه الله ذكره في (باب ما يقوله إذا سلم) يعني: بعد السلام، وقد جاء بالروايات الكثيرة التي فيها الذكر بعد السلام، مثل: (اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام) لكن الإمام مسلم رحمه الله، وكذلك بعض الذين خرجوا الحديث غير مسلم ذكروا أنه كان يقول ذلك بين التشهد والتسليم، أي: في آخر الصلاة قبل السلام، والحديث مخرجه واحد، فيمكن أن يحمل قوله: (إذا سلم من صلاته): إذا أراد أن يسلم، يعني: قبل السلام، وبذلك يتفق هذا اللفظ مع رواية مسلم وغيره التي فيها: (كان من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم)، لكن الدعاء بعد السلام ثابت، ومنه: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله. ما يقول الرجل إذا خاف قوماً شرح حديث: (كان إذا خاف قوماً قال: اللهم إنا نجعلك في نحورهم...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يقول الرجل إذا خاف قوماً. حدثنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن أبي بردة بن عبد الله أن أباه رضي الله عنه حدثه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خاف قوماً قال: اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم) ]. معنى: (اللهم إنا نجعلك في نحورهم) يعني: أنت الذي تلقاهم وتقابلهم بالشيء الذي يستحقونه، فنطلب منك أن تنصرنا عليهم، وأن توقع فيهم الهزيمة، وتوقع فيهم ما يستحقونه من العذاب، وذكر النحور في مقابل من يريد أن يفتك، فهو يلقي بنحره ويقابل بخلاف الذي يكون مجبراً أو مولياً ظهره، ولكن الذي يكون مصمماً وحريصاً على الإيقاع بمن يريد الإيقاع به فإنه يلقي بنحره ويقبل في وجهه، وفي البيت المنقول: ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن على أقدامنا تقطر الدما أي: أن الجروح تقع فيهم لأنهم مقبلون، وليست جروحهم من الخلف لأنهم غير مدبرين؛ لأن الذي يكون هارباً إذا لحقه أحد جرحه من ورائه، فهو يصف إقبالهم وعدم انهزامهم وانصرافهم، بأنهم على أقدامهم تقطر الدماء، وإذا حصلت لهم جروح فهي من جهة الأمام لأنهم مقبلون. تراجم رجال إسناد حديث: (كان إذا خاف قوماً قال: اللهم إنا نجعلك في نحورهم...) قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ]. هو محمد بن المثنى العنزي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا معاذ بن هشام ]. معاذ بن هشام صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني أبي ]. هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ثقة، مر ذكره. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بردة عن أبيه ]. هو أبو بردة بن عبد الله بن قيس الأشعري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأبوه هو عبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري رضي الله عنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. الاستخارة شرح حديث جابر في الاستخارة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الاستخارة . حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي و عبد الرحمن بن مقاتل خال القعنبي و محمد بن عيسى المعنى واحد قالوا: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الموال حدثني محمد بن المنكدر أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلمنا الاستخارة كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول لنا: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة وليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب. اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر -يسميه بعينه الذي يريد- خيراً لي في ديني ومعاشي ومعادي وعاقبة أمري؛ فاقدره لي، ويسره لي، وبارك لي فيه. اللهم وإن كنت تعلمه شراً لي -مثل الأول- فاصرفني عنه، واصرفه عني، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به، أو قال: في عاجل أمري وآجله). قال ابن مسلمة و ابن عيسى عن محمد بن المنكدر عن جابر ]. أورد أبو داود رحمه الله باباً في الاستخارة، والاستخارة هي: طلب خير الأمرين اللذين يستخير الإنسان فيهما ربه، فيطلب منه الخير فيما يختاره له من الأمرين الذي هو الإقدام على الشيء أو الإحجام عنه، كأن يستخيره في زواجه من امرأة معينة، أو في سفر لتجارة، أو لأمر من الأمور، فيستخير ربه بأن يجعله يقدم على ذلك الشيء الذي أراده إن كان فيه الخير له أو يجعله يحجم عنه، ويصرف نفسه عنه إذا كان فيه الشر أو لعدم وجود الخير له فيه. هذا هو المقصود بالاستخارة. وحديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما في الاستخارة حديث عظيم، ومشتمل على دعاء عظيم، والنبي صلى الله عليه وسلم اهتم بهذا الدعاء حيث بين جابر رضي الله عنه أنه كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن؛ وذلك لشدة العناية والاهتمام به، وهذا مثلما جاء في التشهد أنه كان يعلمهم التشهد كما يعلمهم السورة من القرآن، فهذا التعبير يدل على الاعتناء، حيث أنه يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم القرآن. قوله : [ (إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة) ]، يعني: إذا هم أحدكم بأمر من الأمور مثل الزواج من امرأة معينة أو سفر أو دخول في تجارة معينة أو غير ذلك من الأعمال، فيستخير الله عز وجل ويطلب منه الخير في أن يقدم أو يحجم، وذلك بأن يصلي ركعتين نافلة يقصد بهما الاستخارة بعدهما، والاستخارة تكون بعد السلام. تفسير دعاء الاستخارة قال: (اللهم إني أستخيرك بعلمك) يعني: أطلب منك الخير، فأنت تعلم كل شيء، ولا يخفى عليك خافية في الأرض ولا في السماء، تعلم أن هذا خير أو ليس بخير. وقوله: (وأستقدرك بقدرتك) يعني: أسألك أن تقدرني على الشيء الذي يكون خيراً لي بقدرتك. وقوله: (وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب) فبعد أن أثنى على الله عز وجل بين ضعفه، وأن الله يقدر وهو لا يقدر، والله يعلم وهو لا يعلم، وأنه سبحانه وتعالى علام الغيوب. وقوله:[ (اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر) ]. ويسميه فيقول: اللهم إن كنت تعلم أن زواجي بفلانة خيراً لي في ديني ودنياي، وإن كنت تعلم أن زواجي بفلانة شر لي في ديني ودنياي، أو يقول: اللهم إن كنت تعلم أن دخولي في هذه التجارة خيراً لي في ديني ودنياي، اللهم إن كنت تعلم أن في سفري لهذا الأمر أو لهذا الغرض خيراً لي في ديني ودنياي؛ فيسميه بعينه، يعني: يسمي ذلك الشيء الذي يستخير الله فيه. قوله: [ (اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خيراً لي في ديني ومعاشي) ] بدأ بالدين لأنه كل شيء، وهو أهم شيء، وهو أعظم شيء للإنسان، فالخير كل الخير في سلامة الدين، والشر كل الشر في خلاف ذلك، والعياذ بالله! وقوله: (ومعاشي) يعني: في هذه الحياة الدنيا. قوله:[ (ومعادي) ] يعني الحياة الآخرة. قوله:[ (وعاقبة أمري) ] وهذا يشمل العاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة، ويدخل في ذلك سعادة الدنيا والآخرة. قوله: [ (فاقدره لي ويسره لي) ] يعني: اقدر لي هذا الذي طلبته ويسره لي وهيئه لي، ومكني منه، واجعلني أحصل عليه، واجعل هذا العمل الذي أردته ميسراً. قوله: [ (وبارك لي فيه) ] يعني: بعد أن حققته لي ويسرته لي بارك لي فيه بعد حصولي عليه. قوله: [ (اللهم وإن كنت تعلمه شراً لي .. مثل الأول) ] يعني: ويسميه مثل الكلام الذي مضى، والراوي بدلاً من تكرار هذه الكلمات قال: مثل الأول، يعني: مثلما قال عند كونه خيراً له، وكذلك إذا كان شراً له في دينه ومعاشه في حياته، ومعاده في آخرته، وعاقبة أمره في دنياه وفي آخرته. قوله: [ (فاصرفني عنه واصرفه عني) ] يعني: حيل بيني وبينه، واجعل نفسي تنصرف عنه وتعزف عنه، واصرفه عني بأن تحول بيني وبينه. قوله:[ (واقدر لي الخير حيث كان) ] يعني: وفق لي الخير الذي تعلمه حيث كان، فإنه لما سأل الله عز وجل أنه إذا كان يعلم أنه شراً له يصرفه عنه، سأل الله عز وجل أن يحقق له الخير حيث كان في الأمور الأخرى التي هي غير هذا الشيء. قوله:[ (ثم رضني به) ] يعني: ذلك الذي تقدره لي من الخير رضني به، واجعلني به راضياً. قوله: [ (أو قال: في عاجل أمري وآجله) ] لعله بدلاً من قوله: (وعاقبة أمري) حصل الشك بين هذه أو هذه هل قال: عاقبة أمري أو قال: عاجل أمري وآجله. ويشرع أن تكرر الاستخارة إذا استخار ولم يتبين له شيء، وإن استخار وتبين له وترجح له أحد الأمرين فيقدم أو يحجم، ولا أعرف عدداً ينتهى إليه. حديث موضوع في الاستخارة هناك حديث موضوع وهو مشهور عند الناس (ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار، ولا عال من اقتصد)، وهذا الحديث ذكره الشيخ الألباني في الضعيفة وقال: إنه موضوع، ورقمه (611) في الضعيفة، ومعناه صحيح؛ لأن الاستخارة فيها خير، سواء كان في الإقدام أو الإحجام، وكذلك الاستشارة فيها خير، وكذلك الاقتصاد فيه خير، ولكن ليس كل كلام جميل يكون حديثاً؛ لأن الوضاعين يأتون بحكم ويركبون لها أسانيد، فليس كل كلام جميل أضيف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يقال: هذا كلام الرسول، فكم من حكم جميلة يركب لها الوضاعون أسانيد، ويضيفونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أسباب الوضع: أن بعض الوضاعين لجهله يقول: وضع الأحاديث في الترغيب والترهيب لا بأس به، كما قال بعضهم: نحن نكذب للرسول ولا نكذب عليه! الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بحاجة إلى أن تكمل شريعته بالكذب، فهي كاملة بدون كذب الكذابين، لا في ترغيب ولا ترهيب ولا غير ذلك. تراجم رجال إسناد حديث جابر في الاستخارة قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ و عبد الرحمن بن مقاتل ]. عبد الرحمن بن مقاتل خال القعنبي وهو صدوق أخرج له أبو داود . [ و محمد بن عيسى ]. هو محمد بن عيسى بن الطباع مر ذكره. قوله: [ المعنى واحد قالوا: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الموال ]. عبد الرحمن بن أبي الموال صدوق ربما أخطأ أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثني محمد بن المنكدر ]. محمد بن المنكدر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن جابر بن عبد الله ]. جابر بن عبد الله مر ذكره. قوله: [ قال ابن مسلمة و ابن عيسى : عن محمد بن المنكدر عن جابر ]. هذا من الدقة والمحافظة على الألفاظ، ومعلوم أن كلمة عن وسمعت من الراوي غير المدلس معناها واحد، فمحمد بن المنكدر غير مدلس، لكن المقصود من ذلك هو المحافظة على الألفاظ في الأسانيد، ولهذا ميز بينهما أبو داود رحمه الله بأن ذكر الإسناد على سياق عبد الرحمن بن مقاتل ، ثم نبه على أن السياق عند الشيخين الآخرين -وهما القعنبي و محمد بن عيسى الطباع - عن محمد بن المنكدر عن جابر ."
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصلاة شرح سنن أبي داود [184] الحلقة (215) شرح سنن أبي داود [184] أعظم العبادة الدعاء، وهو مفتاح كل خير، والاستعاذة بالله نوع من الدعاء، وقد جاءت عن نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في تعليم أمته استعاذات مباركات من الشرور الدنيوية والأخروية فينبغي تعلمها والحرص على تردادها بين الوقت والآخر. الاستعاذة شرح حديث (كان النبي يتعوذ من خمس...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الاستعاذة. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من خمس: من الجبن والبخل وسوء العمر وفتنة الصدر وعذاب القبر) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي باب في الاستعاذة، والاستعاذة هي نوع من أنواع الدعاء، فالدعاء يشمل الاستعاذة، فقولك: أعوذ بالله يعني: أنك تسأل الله عز وجل وتدعوه أن يعيذك، فالدعاء أعم من الاستعاذة وأعم من الاستغفار، و أبو داود رحمه الله لما ذكر الاستغفار ذكر أحاديث لا علاقة لها بالاستغفار وإنما هي دعاء، وكل الأحاديث التي أوردها في باب الاستعاذة هي استعاذة وفق الترجمة. أورد هنا حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من خمس: من الجبن، والبخل، وسوء العمر، وفتنة الصدر، وعذاب القبر) هذه الخمس كان يستعيذ منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالجبن ضد الشجاعة، سواء كان جبناً في الجهاد في سبيل الله أو في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو غير ذلك، فالجبن ضعف وخور ومهابة تجعل الإنسان يتأخر عن فعل الخير. والبخل ضد الجود والكرم، يعني: أن يبخل الإنسان بالمال. وسوء العمر يعني كونه يرد إلى أرذل العمر بأن يتقدم به السن بحيث يرجع إلى أرذل العمر فيكون مثل الطفل، وهذا هو الهرم. وفتنة الصدر هي ضيقه أو ما يعلق بالقلب من السوء ومن الشر، وسيأتي حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه: (اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي، ومن شر بصري، ومن شر قلبي)، فهو يماثل هذا، والصدر هو موضع القلب كما جاء في القرآن: فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46]. فإما أن يراد بفتنة الصدر ما يحصل من الضيق للإنسان، أو يراد ما يحصل للقلب الذي هو في الصدر من الفتن التي تعرض على القلوب، كما جاء في الحديث أن الفتن تعرض على القلوب، وقد وردت الاستعاذة من وسوسة الصدر، يعني: وسوسة القلب. وعذاب القبر تواترت به الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أنكر المعتزلة عذاب القبر وأن الناس يعذبون في قبورهم. تراجم رجال إسناد حديث (كان النبي يتعوذ من خمس...) قوله:[ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا وكيع ]. وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا إسرائيل ]. وهو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي إسحاق ]. أبو إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله الهمداني، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن ميمون ]. عمرو بن ميمون ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمر بن الخطاب ]. عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. والحديث ذكره الألباني في الضعيفة، ولا أدري وجه هذا التضعيف؛ لأن رجال الإسناد كلهم ثقات معروفون، وأيضاً الألفاظ التي وردت فيه كلها جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فتنة الصدر، فالحديث صحيح. شرح حديث (اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد أخبرنا المعتمر قال: سمعت أبي قال: سمعت أنس بن مالك يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل والهرم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات) ]. مر في باب الاستعاذة حديث رقم (1539) عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وذكره الشيخ الألباني في الضعيفة، مع أن رجاله ثقات، ومعناه جاء في الأحاديث الأخرى، فلا أدري وجه ذلك التضعيف، مع أنه سبق أن مر الحديث رقم (1517) الذي فيه: (من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر له وإن كان قد فر من الزحف) وفيه أربعة رجال من المقبولين، وكتب عنه: صحيح. يعني: لطرق أخرى، فلا أدري لماذا لم يصحح هذا الحديث مع أن ألفاظه جاءت في أحاديث صحيحة! بعد ذلك أورد أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من العجز والكسل) والعجز هو مقابل القدرة، والمقصود به العجز عن الإتيان بما هو خير، والكسل هو الخمول وعدم النشاط الذي هو مقابل الجد. قوله: (والجبن والبخل) الجبن ضد الشجاعة، فيدخل فيه الجبن في الجهاد في سبيل الله، وكذلك الجبن فيما يتعلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. البخل هو الشح، أو الشح أشد البخل، وهو مقابل الكرم والجود والإحسان. قوله: والهرم الهرم هو الشيخوخة التي يكون معها الضعف، ويكون معها الرد إلى أرذل العمر. قوله: (وأعوذ بك من عذاب القبر) عذاب القبر هو ما يحصل بين الموت والبعث من القبور، فإن الناس يعذبون في قبورهم أو ينعمون، والقبر يعتبر من الدار الآخرة؛ لأن الحد الفاصل بين الدنيا والآخرة الموت، فمن مات قامت قيامته، وانتقل من دار العمل إلى دار الجزاء، ويجازى في قبره على ما قدم إن خيراً فخير وإن شراً فشر. قوله: [ (وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات) ] هذا تعميم بعد التخصيص؛ لأن فتنة المحيا تعم كل ما يحصل في الحياة من الفتن، وفتنة الممات عامة في كل ما يحصل بعد الموت من البلاء والشر، فإن ذلك من فتنة الممات، فهذا من ذكر العام بعد الخاص. تراجم رجال إسناد حديث (اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل...) قوله:[ حدثنا مسدد ]. الشيخ: مسدد بن مسرهد البصري ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ أخبرنا المعتمر ]. المعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت أبي ]. وهو سليمان بن طرخان ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ]. وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه رضي الله عنه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد من رباعيات أبي داود التي هي أعلى ما يكون عند أبي داود من الأسانيد، فبينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم أربعة رجال، وهم في هذا الحديث: مسدد و المعتمر وأبوه سليمان و أنس بن مالك رضي الله تعالى عنهم. شرح حديث (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سعيد بن منصور و قتيبة بن سعيد قالا: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن -قال سعيد : الزهري - عن عمرو بن أبي عمرو عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم فكنت أسمعه كثيراً يقول: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وضلع الدين وغلبة الرجال)، وذكر بعض ما ذكره التيمي ]. ذكر أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم وكان يسمعه يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وضلع الدين، وقهر الرجال)، وذكر بعض ما ذكره التيمي يعني في الحديث السابق، والتيمي هو أبو المعتمر سليمان بن طرخان التيمي يعني: ذكر العجز والكسل والهرم والبخل وفتنة المحيا وفتنة الممات، وهنا ذكر الهم والحزن. والهم هو ما يهم الإنسان في أمر يشغل باله، ويكون الهم غالباً في شيء مستقبل أو حاضر، والحزن في أمر فات ومضى، فيصيبه حزن عليه، وضلع الدين هو شدته، وكون الإنسان عليه الدين وليس عنده سداد، فيهمه ويشغله، وقهر الرجال غلبتهم وقهرهم. تراجم رجال إسناد حديث (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن...) قوله: [ حدثنا سعيد بن منصور ]. سعيد بن منصور ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ]. يعقوب بن عبد الرحمن الزهري وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ قال سعيد : الزهري ]. يعني الشيخ الأول الذي هو سعيد بن منصور أضاف إلى يعقوب بن عبد الرحمن كلمة: الزهري ، والشيخ الثاني الذي هو قتيبة بن سعيد اقتصر على يعقوب بن عبد الرحمن . [ عن عمرو بن أبي عمرو ]. عمرو بن أبي عمرو ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه قد مر ذكره . شرح حديث (كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزبير المكي عن طاوس عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات). ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن، وهذا يدل على الاهتمام والعناية بهذا الدعاء، وجاء في بعض الروايات أن ذلك بعد التشهد وقبل السلام، وقد مر بنا قريباً حديث الاستخارة، وأنه كان يعلمهم الاستخارة كما يعلمهم السورة من القرآن، وكذلك مر في حديث التشهد أنه كان يعلمهموه كما يعلمهم السورة من القرآن. وهذا الحديث يدل على الاهتمام والعناية من رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الدعاء الذي يعلمهم إياه، وهذا الدعاء هو: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات). وعذاب جهنم هو عذاب النار، وجهنم اسم من أسماء النار، وعذاب القبر داخل في عذاب الآخرة، وهو عذاب البرزخ الذي يكون بين الموت وبين البعث، ولكنه تابع للدار الآخرة؛ لأنه في دار الجزاء، والمسيح الدجال هو الرجل الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بفتنته، وما يحصل منه من الأمور المدهشة التي يغتر بها كثير من الناس، وذكر فتنة المحيا والممات وهو تعميم بعد تخصيص. تراجم رجال إسناد حديث (كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن...) قوله: [ حدثنا القعنبي ]. القعنبي هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المحدث الفقيه أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة . [ عن أبي الزبير المكي ]. هو محمد بن مسلم بن تدرس ، وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن طاوس ]. طاوس بن كيسان وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار وعذاب النار...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عيسى حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهؤلاء الكلمات: (اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار وعذاب النار، ومن شر الغنى والفقر) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهؤلاء الكلمات: (اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار ومن عذاب النار ومن شر الغنى والفقر) وفتنة النار قيل: المقصود بذلك ما يحصل من التوبيخ والتقريع الذي يحصل لهم في النار كما قال الله عز وجل: كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ [الملك:8]، وعذاب النار هو حصول العذاب فيها. وفتنة الغنى هو الغنى الذي يكون معه الطغيان، وفتنة الفقر هو الذي يكون معه عدم الصبر أو الأمور التي لا تحمد عقباها، كأن يقدم الإنسان على أن يحصل المال عن طريق حرام بسبب الفقر الذي قد حصل له، فالغنى يمكن أن يكون نعمة أو يكون نقمة، وهو بلاء كما قال الله عز وجل: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء:35]، فإن البلوى تكون بالخير وتكون بالشر، والإنسان إذا أعطي المال ولم يشكر الله عز وجل على هذه النعمة، وحصل له الطغيان والإفساد بالمال، وصرفه في الأمور التي لا تجوز؛ يكون الغنى وبالاً عليه، والله تعالى يقول: كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6-7] فيحصل بسبب الغنى الطغيان من بعض الناس، يقول الله عز وجل: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ [الشورى:27]. ومن الناس من يستعمل المال في طاعة الله، ومن الناس من يستعمله فيما يعود عليه بالخير كما كان الصحابة رضي الله عنه وأرضاهم، مثل عثمان بن عفان و عبد الرحمن بن عوف وغيرهما من أثرياء الصحابة الذين كانوا يصرفون أموالهم في سبيل الله عز وجل، فانتفعوا بذلك دنيا وأخرى، ونفعوا غيرهم، ويعود ثواب ذلك عليهم حيث ينفقون أموالهم في سبيل الله عز وجل. والفقر وهو قلة ذات اليد فتنة، فقد يجعل الإنسان يقدم على سرقة أو يقدم على تسخط أو تألم وعدم صبر وما إلى ذلك من الأمور التي تترتب على الفقر الذي لا يكون معه صبر، فإن الشكر مع الغنى والصبر مع الفقر من الصفات المحمودة. تراجم رجال إسناد حديث (اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار وعذاب النار...) قال المصنف رحمه الله تعالى:[ حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي ]. إبراهيم بن موسى الرازي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا عيسى ]. عيسى بن يونس بن أبي إسحاق ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا هشام ]. هشام بن عروة بن الزبير ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. وهو عروة بن الزبير ، ثقة من فقهاء أهل المدينة السبعة في عصر التابعين أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. ورجال هذا الإسناد كلهم ممن خرج لهم أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقلة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا إسحاق بن عبد الله عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقلة والذلة، وأعوذ بك من أن أظلم أو أظلم) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقلة والذلة، وأعوذ بك أن أظلم أو أظلم) قيل: المقصود بالقلة هي قلة المال، وعلى هذا فهو يماثل الفقر، وقيل: هي القلة في العدد التي لا تحصل معها نصرة، فهي تتعلق بقلة المال أو بقلة العدد. والذلة: كون الإنسان يحصل له الذل والخوف والذعر ويكون ذليلاً. وقوله: (وأعوذ بك أن أظلم أو أظلم) يعني: أن يلحق الضرر بغيره أو غيره يحلق الضرر به، فهو يتعوذ بالله أن يكون ظالماً يظلم غيره أو مظلوماً يظلمه غيره. تراجم رجال إسناد حديث (اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقلة...) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. الشيخ: موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. حماد بن سلمة ، وقد عرفنا أنه إذا جاء موسى بن إسماعيل عن حماد فالمراد به ابن سلمة ، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ أخبرنا إسحاق بن عبد الله ]. إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن يسار ]. سعيد بن يسار ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. شرح حديث (اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن عوف حدثنا عبد الغفار بن داود حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك). ]. زوال النعمة ذهابها وسلبها، وكون الإنسان يكون في نعمة فيسلبها، فيتحول مثلاً من الغنى إلى الفقر. والنعمة أعم من الغنى؛ لأن نعم الله عز وجل لا تحصى، فيدخل فيها الصحة والعافية ويدخل فيها المال، ويدخل فيها أنواع النعم؛ لأن النعمة هنا من المفرد المضاف إلى معرفة فتعم كقوله تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34]، وقوله: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ [النحل:53]. وتحول العافية من الصحة إلى المرض، ومن الخير إلى الشر. قوله: (وفجاءة نقمتك) يعني البغتة، حيث يكون الإنسان آمناً فيحصل له انتقام فجأة؛ لأن البغتة قد تحصل بها للإنسان أمور تضره. وقوله: (وجميع سخطك) هذا عام يعم كل ما يسخط الله عز وجل. تراجم رجال إسناد حديث (اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك...) قوله: [ حدثنا ابن عوف ]. هو محمد بن عوف ثقة أخرج له أبو داود و النسائي في مسند علي . [ حدثنا عبد الغفار بن داود ]. عبد الغفار بن داود وهو ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبة ]. يعقوب بن عبد الرحمن مر ذكره، و موسى بن عقبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن دينار ]. عبد الله بن دينار ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن ابن عمر ]. عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا بقية حدثنا ضبارة بن عبد الله بن أبي السليك عن دويد بن نافع حدثنا أبو صالح السمان قال: قال أبو هريرة: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو ويقول: (اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق)، الشقاق: هو المشاقة والمخاصمة بالباطل في مقابلة صاحب الحق. والنفاق: هو إظهار الإيمان وإبطان الكفر، وهو النفاق الاعتقادي، وكذلك النفاق العملي الذي منه الكذب وغير ذلك. وسوء الأخلاق: تعميم بعد تخصيص؛ لأن سوء الأخلاق لفظ عام يشمل الأخلاق السيئة. هذا الحديث لا يثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأن في إسناده راوياً مجهولاً، ولكن إذا دعا أحد بهذا الدعاء لا على أنه من قول الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن لكونه دعاءً مشتملاً على أمر عظيم جامع، فلا بأس بأن يدعو به، لكن لا على اعتبار أنه حديث، وأن هذا دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ لم يثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكن معناه صحيح، والمسلم يسأل الله السلامة من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق، لكن لا يضيفه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ويقول: هذا كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وهو لم يثب عنه عليه الصلاة والسلام. تراجم رجال إسناد حديث (اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق...) [ حدثنا عمرو بن عثمان ]. عمرو بن عثمان الحمصي صدوق أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا بقية ]. بقية بن الوليد الحمصي وهو صدوق كثير التدليس عن الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم و أصحاب السنن. [ حدثنا ضبارة بن عبد الله ]. ضبارة بن عبد الله بن أبي السليك وهو مجهول أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن دويد بن نافع ]. دويد بن نافع وهو مقبول أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبي صالح السمان ]. اسمه ذكوان ولقبه السمان ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ] وقد مر ذكره. شرح حديث (اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء عن ابن إدريس عن ابن عجلان عن المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة) ]. قوله: (اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع). الضجيع هو الذي يلازم الإنسان، فيكون معه يلازمه إذا اضجطع، فيكون مشوش الذهن والفكر لخلو معدته من الطعام. وقوله: (وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة) الخيانة ضد الأمانة، وهي عامة تكون في حقوق الله عز وجل كالصلاة والصيام والصدقة والزكاة والحج وغسل الجنابة وغير ذلك، وتكون في حقوق الناس فيما بينهم. والبطانة في الأصل هي اللباس الداخلي، أو بطانة الشيء ما يكون من الداخل؛ لأن الثوب له بطانه وظهاره، فالبطانة ما تكون من الداخل، ومعنى هذا أنها بئس الصفة للإنسان أن يتصف بها، وينطوي عليها، وبطانة الشخص هم خاصته الذين يلازمونه، ويحصل منهم له إما الدلالة على الخير أو الدلالة على الشر.
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() تراجم رجال إسناد حديث (اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع) قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن ابن إدريس ]. عبد الله بن إدريس الأودي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن ابن عجلان ] محمد بن عجلان المدني صدوق أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن . [ عن المقبري ]. يحتمل أن يكون أبا سعيد المقبري أو سعيد بن أبي سعيد ؛ لأن كلاً منهما يروي عن أبي هريرة ، وكل منهما ثقة خرج له أصحاب الكتب الستة، لكن قد نص المزي على أنه هنا سعيد بن أبي سعيد . [ عن أبي هريرة ] هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومر ذكره. شرح حديث (اللهم إني أعوذ بك من الأربع) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أخيه عباد بن أبي سعيد أنه سمع أبا هريرة يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الأربع: من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعاء لا يسمع). ]. هذا الدعاء فيه سؤال الغاية والنهاية الحسنة في هذه الأمور، فالقلب يكون فيه الخشوع، وإذا فقد فإن هذا مما يتعوذ منه. (وعلم لا ينفع)؛ لأن فائدة العلم في العمل، والعلم بدون العمل يكون وبالاً على الإنسان، فالإنسان إذا علم وعمل يكون عمله على بصيرة، واهتدى إلى بصيرة، وعبد الله على بصيرة، وإذا كان بخلاف ذلك كان العلم وبالاً عليه، وكان الجاهل أحسن حالاً منه كما قال الشاعر: إذا كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم لا يستوي من يعصي الله وهو جاهل، ومن يعص الله وهو عالم (ومن نفس لا تشبع): فالنفس التي لا تشبع يكون عندها الفقر ولو امتلأت اليدان، فالغنى هو غنى النفس، وإذا وجد غنى النفس فما وراء ذلك يكون تبعاً له، وإذا فقد غنى النفس فإن اليد ولو كانت غنية فإن الفقر يكون موجوداً. (ومن دعاء لا يسمع) يعني: لا يستجاب، والإمام يقول: سمع الله لمن حمده، فيقول المصلي وراءه: ربنا ولك الحمد، وسبق أن ذكرنا الفائدة العظيمة التي ذكرها بعض العلماء في بيان منزلة معاوية بن أبي سفيان لما قيل له: ماذا تقول في معاوية بن أبي سفيان ؟ قال: ماذا أقول في رجل صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة: سمع الله لمن حمده، فقال معاوية وراءه: ربنا ولك الحمد؟! تراجم رجال إسناد حديث (اللهم إني أعوذ بك من الأربع) قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. مر ذكره. [ حدثنا الليث ]. الليث بن سعد المصري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ]. سعيد بن أبي سعيد المقبري مر ذكره. [ عن أخيه ]. عباد بن أبي سعيد وهو مقبول أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة مر ذكره. فائدة: سعيد بن أبي سعيد يروي عن أبيه عن أبي هريرة ، ويروي عن أخيه عن أبي هريرة ، ويروي عن أبي هريرة مباشرة. هذا الحديث صححه الألباني ، وله شاهدان عند مسلم وعند الترمذي وقال: حسن صحيح غريب، وكلمة (غريب) هذه لا تؤثر؛ لأن الترمذي يستعملها أحياناً في أحاديث في الصحيحين، فمثلاً آخر حديث في صحيح البخاري : (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)، قال الترمذي عنه: حسن صحيح غريب، وقصده بغريب تفرد بعض الرواة به. شرح حديث (اللهم إني أعوذ بك من صلاة لا تنفع) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المتوكل حدثنا المعتمر قال: قال أبو المعتمر أرى أن أنس بن مالك حدثنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من صلاة لا تنفع) . وذكر دعاء آخر ]. أورد أبو داود حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من صلاة لا تنفع)، وذكر دعاء آخر، يعني مع ذلك، وهذه غير الأربع المذكورة؛ ففي الحديث السابق الاستعاذة من قلب لا يخشع، وقد تدخل فيه الصلاة التي لا خشوع فيها، ولا إقبال فيها، ولاشك أن الخشوع أهم شيء مطلوب فيها. تراجم رجال إسناد حديث (اللهم إني أعوذ بك من صلاة لا تنفع) قوله: [ حدثنا محمد بن المتوكل ]. صدوق له أوهام كثيرة أخرج له أبو داود وحده. [ حدثنا المعتمر ]. المعتمر يروي هنا عن أبيه وهو سليمان بن طرخان ، وقد مر ذكرهما. [ عن أنس بن مالك ]. أنس بن مالك قد مر ذكره، و أبو المعتمر سمع من أنس ، وهنا قال: أراه. يعني: أنه شك في أن الصحابي الذي حدثه هو أنس . شرح حديث (اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت ومن شر ما لم أعمل) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن هلال بن يساف عن فروة بن نوفل الأشجعي أنه قال: سألت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو به قالت: كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت، ومن شر ما لم أعمل) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت، ومن شر ما لم أعمل)، ففيه التعوذ من شر ما عمل الإنسان في الماضي، ومن شر ما لم يعمله في المستقبل، وهذا الدعاء من الأدعية الجامعة. تراجم رجال إسناد حديث (اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت ومن شر ما لم أعمل) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا جرير ]. جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور ]. منصور بن المعتمر الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن هلال بن يساف ]. هلال بن يساف ثقة أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن . [ عن فروة بن نوفل الأشجعي ]. قال في التقريب: مختلف في صحبته، والصواب أن الصحبة لأبيه، أخرج له مسلم وأصحاب السنن، فيفهم من هذا أنه ثقة، ولو كان فيه ضعف لأشار إليه، وأحياناً ينص على توثيق من اختلف في صحبته، فيقول: بل تابعي ثقة. [ عن عائشة أم المؤمنين ]. مر ذكرها. شرح حديث (اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير ح وحدثنا أحمد حدثنا وكيع -المعنى- عن سعد بن أوس عن بلال العبسي عن شتير بن شكل عن أبيه قال في حديث أبي أحمد : شكل بن حميد رضي الله عنه أنه قال: (قلت: يا رسول الله! علمني دعاء قال: قل: اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي، ومن شر بصري، ومن شر لساني، ومن شر قلبي، ومن شر منيي) ]. قوله: (ومن شر سمعي) يعني كونه يسمع به ما لا يجوز سماعه، وهذا هو الشر الذي يقع عن طريق السمع. (ومن شر بصري) يعني: كونه ينظر إلى محرم. (ومن شر لساني) يعني: كونه يتكلم بكلام شر وفسوق، وقد جاء في الحديث: (من يضمن لي ما بين رجليه وما بين لحييه أضمن له الجنة)، وجاءت الأحاديث الكثيرة في بيان خطر اللسان، ومنها حديث معاذ : (ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ كف عليك هذا -وأشار إلى لسان نفسه- فقال: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به! قال: ثكلتك أمك يا معاذ ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم -أو قال: على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم؟!). (ومن شر قلبي) يعني: ما يكون فيه من الحقد ومن كل شر وبلاء. (ومن شر منيي) يعني: كونه يضعه في موضع لا يحل له أن يضعه فيه، قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المؤمنون:5-7]، فإذا وضع منيه في غير هذين الموضعين -وهما الأزواج وملك اليمين- فإنه من العدوان والاعتداء، وصاحبه ملوم، وفي الحديث الذي أشرت إليه: (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة) يعني: يحفظ فرجه. تراجم رجال إسناد حديث (اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي...) قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل ]. أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن عبد الله بن الزبير ]. محمد بن عبد الله بن الزبير أبو أحمد الزبيري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا أحمد حدثنا وكيع المعنى ]. ثم قال: ح وحدثنا أحمد أي: ابن حنبل عن وكيع وهو ابن الجراح الرؤاسي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقوله: (المعنى) يعني أن المعنى واحد. [ عن سعد بن أوس ]. سعد بن أوس وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن بلال العبسي ]. بلال العبسي وهو صدوق أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن شتير بن شكل ]. شتير بن شكل وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. شكل بن حميد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم له هذا الحديث فقط، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ قال في حديث أبي أحمد : شكل بن حميد ]. يعني: الشيخ الأول وهو أبو أحمد محمد بن عبد الله بن الزبير ذكر نسب الصحابي فقال: شكل بن حميد ، ولم يقتصر على قوله: عن أبيه. شرح حديث (اللهم إني أعوذ بك من الهدم..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن عمر حدثنا مكي بن إبراهيم حدثني عبد الله بن سعيد عن صيفي مولى أفلح مولى أبي أيوب عن أبي اليسر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو: اللهم إني أعوذ بك من الهدم، وأعوذ بك من التردي، وأعوذ بك من الغرق والحرق، وأعوذ بك من الهرم، وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت، وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبراً، وأعوذ بك أن أموت لديغاً) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي اليسر رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الهدم) يعني: سقوط جدار أو بنيان؛ لما يحصل بسبب ذلك من الأضرار التي تلحق الجسم، فيصير مقعداً أو يحصل له ضرر كبير في صحته، فلا يتمكن من أن يأتي بالأمور التي كان يستطيعها قبل أن يحصل له ذلك الضرر. وقوله: [ (وأعوذ بك من التردي) ] يعني: السقوط من شاهق، سواء من جبل، أو من عمارة، أو أي مكان عال، فيحصل له بسببه التكسر والضرر. قوله: [ (وأعوذ بك من الغرق) ] يعني: كون الإنسان يحصل له الغرق. قوله: [ (والحرق)] يعني: كونه يحترق بالنار، فيتضرر بذلك. قوله: [ (والهرم)] وهو كون الإنسان يتقدم به السن، ويرد إلى أرذل العمر. قوله: [ (وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت) ] يعني: أن يستولي عليه الشيطان عند الموت، ويصرفه عما ينبغي أن يكون عليه من الخاتمة الحسنة. قوله: [ (وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبراً) ] يعني: فاراً من الزحف غير متحرفاً لقتال أو متحيز إلى فئة كما استثناهما الله تعالى. قوله: [ (وأعوذ بك أن أموت لديغاً)] يعني: من ذوات السموم. وقد جاء أن الغريق والمحروق واللديغ شهداء، لكن إذا بقي في قيد الحياة فقد يحصل له أمور لا يستطيع أن يصبر معها، فيصير عنده تحسر وضجر. والاستعاذة من هذه الأشياء عامة، سواء مات منها أو لم يمت، فيستعاذ منها. تراجم رجال إسناد حديث (اللهم إني أعوذ بك من الهدم..) قوله: [ حدثنا عبيد الله بن عمر ] . عبيد الله بن عمر القواريري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا مكي بن إبراهيم ] . مكي بن إبراهيم ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني عبد الله بن سعيد ] . عبد الله بن سعيد وهو صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن صيفي مولى أفلح مولى أبي أيوب ] . صيفي مولى أفلح مولى أبي أيوب ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي . [ عن أبي اليسر ] . وهو كعب بن عمرو رضي الله عنه، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن. شرح حديث الاستعاذة من الغم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عيسى عن عبد الله بن سعيد قال: حدثني مولى لأبي أيوب عن أبي اليسر رضي الله عنه: زاد فيه (والغم) ] . أورد أبو داود حديث أبي اليسر من طريق ثان، وفيه بالإضافة إلى ما تقدم (والغم) يعني: ما يصيب الإنسان من الغم. تراجم رجال إسناد حديث الاستعاذة من الغم قوله: [ حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عيسى عن عبد الله بن سعيد ] . قد مر ذكر الثلاثة. [ عن مولى لأبي أيوب ] . مولى أبي أيوب هو صيفي ، وذكر أبي أيوب هنا فيه تجوز؛ لأنه مولى أفلح مولى أبي أيوب . شرح حديث (اللهم إني أعوذ بك من البرص..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا قتادة عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من البرص، والجنون، والجذام، ومن سيئ الأسقام) ] . أورد أبو داود هذا الحديث عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من البرص، والجذام، والجنون، وسيئ الأسقام) البرص: عاهة تكون دائمة ومستمرة مع الإنسان، وليست من العاهات الطارئة التي تأتي وتذهب مثل الزكام وغير ذلك، وإنما هو شيء ملازم، ومنظر ليس بمستحسن. والجذام: علة يذهب معها شعور الأعضاء، وربما ينتهي إلى تآكل الأعضاء وسقوطها. والجنون: هو زوال العقل. وسيئ الأسقام: أي الأمراض التي تكون من هذا النوع الذي فيه تشويه وضرر يلحق بالإنسان. تراجم رجال إسناد حديث (اللهم إني أعوذ بك من البرص..) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا قتادة عن أنس ] . تقدم ذكر موسى و حماد و قتادة هو ابن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهذا الإسناد من رباعيات أبي داود . شرح حديث (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن عبيد الله الغداني أخبرنا غسان بن عوف أخبرنا الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له: أبو أمامة فقال: يا أبا أمامة ! ما لي أراك جالساً في المسجد في غير وقت الصلاة؟! قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله! قال: أفلا أعلمك كلاماً إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك، وقضى عنك دينك؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله! قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال. قال: ففعلت ذلك فأذهب الله عز وجل همي، وقضى عني ديني) ] . هذه الألفاظ كلها جاءت في أحاديث صحيحة مرت بنا، ولكن هذه القصة جاءت من هذا الطريق، وفيه من لا يصح الاحتجاج به، و الألباني رحمه الله ضعف هذا الحديث، ولعل التضعيف يتعلق بالقصة، وأما بالنسبة لمتن الحديث وما فيه من ألفاظ فكل الألفاظ التي فيه جاءت في أحاديث صحيحة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن..) قوله: [ حدثنا أحمد بن عبيد الله الغداني ] . أحمد بن عبيد الله الغداني صدوق، أخرج له البخاري وأبو داود . [ عن غسان بن عوف ] . وهو لين الحديث، وهذا هو الذي ضعف به الحديث، أخرج له أبو داود وحده. [ عن الجريري ] . سعيد بن إياس الجريري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي نضرة ] . أبو نضرة هو المنذر بن مالك بن قطعة ، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي سعيد ] . أبو سعيد هو سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. نبذة عن تبويبات الكتب الستة وإلى هنا ينتهي كتاب الصلاة الذي هو الكتاب الثاني من كتب أبي داود رحمه الله، والإمام أبو داود رحمه الله ذكر بعده الزكاة، وبعد الزكاة المناسك، وذكر بعد ذلك النكاح والطلاق، ثم أتى بكتاب الصيام، فترتيبه يختلف عن غيره، لا سيما أنه أخر الصيام إلى ما بعد النكاح، وقد جرت عادة المؤلفين من المحدثين والفقهاء غالباً أن يذكروا كتاب الجنائز في آخر الصلاة، وأبو داود ما ذكره هنا وإنما أورده في كتاب مستقل، وهو في الكتاب الخامس عشر، ومعلوم أن كتاب الجنائز يشتمل على الصلاة وغير الصلاة، لكن كثير من العلماء يغلبون جانب الصلاة فيوردونه في آخر كتاب الصلاة، وأما أبو داود رحمه الله فقد أورده بعد أربعة عشر كتاباً، أي في الباب الخامس عشر. ثم إن أبا داود رحمه الله قليل ذكر الكتب؛ ولهذا نجد أنه جعل الطهارة كلها في كتاب، وجعل الصلاة كلها في كتاب، بخلاف غيره من المؤلفين، فبعضهم يجعل تحت الصلاة عدة كتب، وتحت الطهارة عدة كتب، وأما أبو داود فالكتب عنده قليلة، وهو أقل أصحاب الكتب الستة كتباً، ولكنه أحياناً يطول في الكتب وأحياناً يقصر، فكل ما مضى لنا كتابان فقط: كتاب الطهارة وكتاب الصلاة، فهما كتابان طويلان، ولكنه يأتي أحياناً بكتب قصيرة، وكتبه كلها خمسة وثلاثون كتاباً في كتابه السنن، ومن جملة كتبه كتاب المهدي، أورد فيه أحاديث قليلة تتعلق بالمهدي . ويلي أبا داود في قلة عقد الكتب ابن ماجة ، فإن كتبه سبعة وثلاثون كتاباً، ويليهما الترمذي فإن كتبه خمسون كتاباً في كتابه السنن أو الجامع، ويليه النسائي فيه واحد وخمسون كتاباً، ثم مسلم فيه أربعة وخمسون كتاباً، ثم البخاري فيه سبعة وتسعون كتاباً، وعلى هذا فأصحاب الكتب الستة منهم من يكثر من الكتب كالبخاري ، ومنهم من يقللها كأبي داود ، وأكثر الكتب الستة كتباً هو صحيح البخاري حيث بلغت كتبه سبعة وتسعين، وأقلها كتباً سنن أبي داود حيث بلغت كتبه خمسة وثلاثين."
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصلاة شرح سنن أبي داود [185] الحلقة (216) شرح سنن أبي داود [185] الأسئلة أحاديث المهدي السؤال: هل يوجد حديث صحيح عن المهدي المنتظر ؟ الجواب: أبو داود رحمه الله عقد كتاباً من جملة كتبه الخمسة والثلاثين، وكان شيخنا الشيخ الأمين الشنقيطي رحمة الله عليه عندما يأتي ذكر المهدي يقول: أبو داود خصه بكتاب، وأفرد فيه أحاديثه. والأحاديث الواردة في المهدي كثيرة تبلغ حد التواتر المعنوي، وقد جاءت عن أربعة وعشرين أو خمسة وعشرين صحابياً، كلهم يروون الأحاديث المتعلقة بالمهدي ، وقد نص العلماء على ذلك، وألف بعض العلماء كتباً في الأحاديث المتواترة، وذكروا أن أحاديث المهدي متواترة، وألفوا مؤلفات خاصة فيها. معنى شعائر الله السؤال: ما معنى قول الله تعالى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32] وهل يدخل في شعائر الله القرآن؟ الجواب: لا شك أن القرآن من شعائر الله، فيجب أن يعظم، لكن الآية جاءت فيما يتعلق بالحج والمناسك وما إلى ذلك، لكن لا شك أن تعظيم القرآن من تقوى القلوب. حكم من حل من إحرامه ولم يشترط السؤال: رجل أحرم ولم يشترط، ولسبب حل إحرامه، فهل يجب عليه أن يأتي بعمرة قضاء؟ الجواب: الإنسان إذا دخل في إحرام عليه أن يكمله، ولا يجوز له أن يتخلى عنه، إلا إذا حصل أمر قاهر بأن حيل بينه وبين البيت فإنه معذور، ولكن كونه يحصل له ظرف من الظروف فليس له أن يترك العمرة، وكان قبل أن يدخل في الإحرام بإمكانه أن يدخل أو لا يدخل، لكن بعد أن دخل فلا بد من الإكمال، لأن الله عز وجل يقول: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196] ، فالإنسان قبل أن يحرم هو في سعة، ولكنه بعدما يحرم يجب عليه أن يتم، وعلى هذا فإن الذي أحرم عليه أن يتم أو يعود إلى إحرامه ويكمل عمرته. الصبر على البلاء السؤال: بم تنصح من ابتلي بمرض فطال أمده، وترك عمله، وتبعثرت أمانيه وأمله، فأصبح بعد العز ذليلاً، وبعد الغنى فقيراً؟ الجواب: عليه أن يصبر على ما حصل له، وألا ييئس، وإذا كان الشيء الذي فقده خيراً فليحاول أن يحصله، وأن يبتهل إلى الله عز وجل في أن يحقق له ما يريد من خير الدنيا والآخرة. السجع في الدعاء السؤال: بعض الأدعية والاستعاذات المأثورة جاء فيها سجع، وقد ذكر العلماء أن من الأمور المكروهة في الدعاء السجع، فما وجه الجمع؟ الجواب: المكروه هو السجع الذي يأتي عن طريق التكلف، وأما السجع الذي لا يأتي عن طريق تكلف فلا بأس به. حكم الكلام حال الخطبة السؤال: ما حكم من يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والإمام يخطب، ويجلس ولا يصلي تحية المسجد، ثم يسأل من بجواره عن شيء لا يعنيه؟ الجواب: الأمور الثلاثة كلها لا تجوز: كونه يتخطى، وكونه يجلس ولا يصلي، وكونه أيضاً يكلم الناس. الدعاء بعد الصلاة السؤال: هل تقال الأدعية التي بعد الصلاة عقب التسبيح والانتهاء من الذكر أو قبله؟ الجواب: الشيء الوارد من الذكر يأتي به الإنسان، وبعد ذلك يدعو. التقديم والتأخير في ألفاظ الأدعية المأثورة السؤال: الأدعية الواردة هل يمكن أن يقدم الإنسان أو يؤخر في ألفاظها؟ الجواب: يوجد في بعضها تقديم وتأخير بالنسبة للراويات، وكون الإنسان يحفظ نصاً من أصح ما ورد ويأتي به كما ورد هو الذي ينبغي، ولكنه إذا قدم وأخر فلا بأس بذلك. خير صفوف النساء آخرها السؤال: في الحديث: (خير صفوف النساء آخرها)، فهل معنى هذا أنه ينبغي للمرأة أن تجلس في الصف الأخير؟ الجواب: إذا كان الرجال قريبين من النساء فكونها تكون في الآخر هو الأفضل لها، وأما إذا كان هناك جدار ساتر، والرجال لا يرون النساء، والنساء لا ترى الرجال، والأصوات لا تصل من النساء إلى الرجال، ولا من الرجال إلى النساء؛ فإنهن يتقدمن للصف الأول. عدة الحامل السؤال: امرأة توفي زوجها وهي حامل في الشهر الأول، فمتى تبدأ عدتها ومتى تنتهي؟ الجواب: كل حامل تنتهي عدتها عند وضع الحمل، سواء كانت عدتها عدة وفاة أو عدة طلاق، وسواء طالت المدة أو قصرت، فقد تكون عدتها ليلة واحدة أو ساعة، وقد تكون تسعة أشهر. التدرج في دعوة الكفار لا يعني الكذب على شرع الله السؤال: إذا سأل من هو حديث عهد بالإسلام عن حكم الغناء مثلاً فهل نقول له: هو مكروه، من باب التدرج؟ الجواب: لا تقل إنه مكروه، بل قل: هو من الأمور التي منعها الإسلام، وإذا كان يخشى عليه النفور فيمكن أن يقال له: اتركه أو ابتعد عنه أو أقبل على الشيء الذي ينفعك، دون أن يأتي بخلاف الحقيقة. حكم من نسي سجدة في الصلاة السؤال: إذا نسي المصلي سجدة واحدة في الركعة الثانية، ثم تذكر بعد السلام أو في الركعة الرابعة، فهل يعيد الركعة كلها؟ الجواب: إذا نسى سجدة فإنه يعيد الركعة كلها إذا ذكر بعد السلام أو قبل السلام؛ لأن الركعة التي نسي منها سجدة لاغية، والتي بعدها تقوم مقامها. حكم من أنكر خروج المهدي السؤال: هل يبدع من أنكر خروج المهدي ؟ الجواب: لا شك أن هذا من الأمور المنكرة، فقد جاءت فيه الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن هل يكون مبتدعاً؟ الله أعلم. الحكم للغريق بالشهادة السؤال: جاء في الحديث أن من مات غريقاً فهو شهيد، فهل يعتبر شهيداً رغم ما كان عليه من الفسوق والعصيان قبل غرقه؟ الجواب: الشهادة هذه هي في حكم الآخرة، وأمر ذلك إلى الله عز وجل، والعاصي إن شاء الله أن يتجاوز عن ذنوبه ومعاصيه فإنه يكون له تلك الدرجات، وإن شاء الله تعالى أن يعذبه فهو يستحق العذاب. الاستعاذة من الغرق والحرق لا ينافي كونهما شهادة السؤال: كيف نجمع بين كون الغريق والحريق شهيدين، والنبي صلى الله عليه وسلم تعوذ من الغرق والحرق؟ الجواب: أنا ذكرت في الدرس أن هذه الأشياء يحصل بها مصائب وحالات تغير وضع الإنسان من حال إلى حال، في صحته وفي جسمه، ولا شك أن هذه أمور يترتب عليها أضرار عظيمة لاسيما الهدم والتردي من شاهق والحرق، فيبقى الإنسان -إن عاش- على حالة فيها تشويه، ولا يتمكن من أداء العبادة، ولا شك أن هذا ضرر كبير عليه. الجلوس في المسجد خير وبركة السؤال: هل في استفسار النبي صلى الله عليه وسلم عن جلوس أبي أمامة رضي الله عنه في المسجد دليل على عدم استحسان الجلوس في المسجد في غير وقت الصلاة؟ الجواب: الحديث ما صح، فإنه جاء من طريق رجل مجهول، ولا شك أن الجلوس في المسجد في أي وقت فيه خير وبركة؛ لأنه جلوس في خير البقاع كما قال عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أحب البقاع إلى الله مساجدها، وأبغض البقاع إلى الله أسواقها) رواه مسلم . حكم الإتيان بالاستعاذة في بداية كل ركعة من الصلاة السؤال: هل التعوذ والبسملة في الصلاة في كل ركعة أم في الركعة الأولى فقط؟ الجواب: البسملة عند كل سورة يبدأ بها الإنسان، والاستعاذة في أول الصلاة أمر مطلوب، وإذا أتى بها في بدء كل ركعة فهو الذي ينبغي. حكم لبس الحزام للمحرم السؤال: ما حكم لبس الحزام المصنوع من قماش (الكمر) فوق الإحرام؟ الجواب: لا بأس بلبس المحرم للكمر، سواء كان من قماش أو من جلد أو غير ذلك. الاستخارة في العبادات السؤال: هل تشرع الاستخارة في الأمور التعبدية كالاستخارة في الإتيان بعمرة في هذا الأسبوع أو لا؟ الجواب: الاستخارة لا تكون في العبادات، فلا يستخير في أن يعتمر هذا الأسبوع أو لا، بل يعقد العزم ويتوكل على الله عز وجل، وإذا كان عنده مشاغل هذا الأسبوع فيعقد العزم على أن يذهب في الأسبوع الذي بعده.
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]() حكم صوت الموسيقى في الهواتف السؤال: نرجو منكم توجيه نصيحة لأصحاب الجوالات الذين يتركون جوالاتهم ترن في المسجد ومعها صوت الموسيقى؟ الجواب: وضع صوت الموسيقى في الجوالات سواء كان في المسجد أو في غير المسجد لا يصح ولا يليق، وأما صوت المنبه الذي لا بد منه في استعمال الجوال فالإنسان إذا دخل المسجد يقفله حتى لا يشوش على نفسه وعلى الناس، وبعض الناس إذا لم يغلق الجوال وجعل يدق يتركه يستمر في الدق ولا يوقفه، مع أن كونه يوقفه أخف من كونه يتركه يرن وقتاً والناس يسمعون هذا الصوت الذي يزعج ويلفت الأنظار. فالذي ينبغي على الإنسان الذي يحمل الجوال أن يقفله إذا دخل المسجد ولا يتركه مفتوحاً، وإذا نسي وتركه مفتوحاً فإذا دق فليغلقه، ولا يتركه يواصل الدقات والناس يتشوشون، وأما الموسيقى فلا يجوز وضعها فيه دائماً وأبداً لا في المسجد ولا في غير المسجد، ولكنه إذا وجد في المسجد فإنه شر على شر. معنى قوله تعالى (أن الأرض لله يورثها من يشاء) السؤال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء..) الحديث، وقال الله: إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ [الأعراف:128] ، فكيف ستقوم الساعة على الأشرار والأرض لله يورثها ربنا جل وعلا من يشاء؟ الجواب: أين الإشكال؟! فإن الله تعالى سيجعل أولئك في الأرض في آخر الدنيا وهم شرار الناس. معنى الذكر دبر الصلاة السؤال: حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول دبر كل صلاة: (اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) هل معنى الدبر هنا كما جاء في سورة يوسف وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ [يوسف:25] ؟ الجواب: ذكرنا أن كلمة الدبر تأتي ويراد بها ما قبل الصلاة ويراد بها ما بعد الصلاة، وقد تأتي قرينة على أنه بعد الصلاة، مثل: (تسبحون وتهللون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثة وثلاثين) فهذه ليست قبل السلام، بل محلها بعد السلام، ويقول تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له... إلخ. حكم من نسي قراءة الفاتحة خلف الإمام في الصلاة الجهرية السؤال: ما حكم من لم يقرأ بفاتحة الكتاب في الركعات الجهرية خلف الإمام ناسياً؟ الجواب: ليس عليه شيء إن شاء الله إذا لم يقرأها ناسياً، والشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه ذكر ذلك في بعض فتاواه المطبوعة. حكم صيام النافلة قبل قضاء الفرض السؤال: ما حكم من كان عليه قضاء من رمضان فصام ستاً من شوال قبل القضاء؟ الجواب: يصح ذلك إن شاء الله، وكان الأولى به أن يبدأ بالفرض قبل النفل. طلاب الجامعة الإسلامية ليسوا مسافرين السؤال: هل طلاب الجامعة الإسلامية في حكم المسافرين؟ الجواب: ليسوا في حكم المسافرين، فالمسافر إذا دخل بلداً وعزم على أن يمكث فيه أكثر من أربعة أيام فإن حكمه حكم المقيم؛ لأن أكثر شيء عرف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مكث في مكان وهو عازم على مكث مدة أربعة أيام، وذلك عام حجة الوداع، لأنه دخل مكة في اليوم الرابع وخرج إلى منى في اليوم الثامن، فهي أربعة أيام، وأما في عام الفتح وخيبر وتبوك فالمدة التي مكثها فيها تزيد على عشرة أيام، ولا يوجد دليل على أنه قصد أن يبقى هذه المدة عند الوصول، ومن المعلوم أن الإنسان إذا مكث في بلد وهو غير عازم على مدة معينة، وإنما هو متردد وإذا انتهت حاجته انصرف، فإنه يأخذ بأحكام السفر ولو طالت المدة. إذاً: ليس هناك دليل واضح جلي عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أنه كان مقيماً إقامة محققة أكثر من هذه الأربعة الأيام التي كانت في حجة الوداع من اليوم الرابع إلى اليوم الثامن حين خرج إلى منى. والحاصل أن من ينوي أن يقيم في بلد أكثر من أربعة أيام فإن حكمه حكم المقيمين، وليس حكمه حكم المسافرين. حكم التحاكم إلى الأعراف القبلية السؤال: في بلادنا تتحاكم القبائل إلى الأعراف القبلية المخالفة للشرع، فهل يحكم عليهم بالكفر بعد تعريفهم بأن هذا كفر؟ الجواب: إذا تحاكموا إليها مستحلين لذلك فلا شك أنه كفر، وأما إذا كانوا يعرفون أنهم مخطئون، وأن الحق على خلاف ما يحكمون به فإنه لا يكون كفراً. المصالح المرسلة السؤال: ما هي ضوابط المصالح المرسلة؟ وهل هي داخلة في أمور العبادة أو في الأمور الدنيوية فقط؟ الجواب: ليست خاصة بأمور الدنيا، فبعض العلماء يقول: جمع أبي بكر ثم عثمان رضي الله عنهما للقرآن هو من المصالح المرسلة، لكن هذا يدخل تحت قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [ الحجر:9] ، فهذا من حفظ القرآن، فهذا العمل الذي عمله أبو بكر ثم عثمان هو من حفظ الله عز وجل لكتابه، وما أذكر شيئاً غير هذا يتعلق بالعبادات. وأما المصالح المرسلة في أمور الدنيا فهي كثيرة مثل كتابة الجيوش في ديوان، ومثل بناء الأربطة، وإيجاد الجامعات، وإيجاد دور العلم، وما إلى ذلك، فهذه من الأمور التي ما جاء شيء يدل على إثباتها ولا على نفيها فهي سائغة، ولشيخنا الشنقيطي رحمة الله عليه محاضرة في المصالح المرسلة مطبوعة، وكان قد ألقاها رحمة الله عليه في دار الحديث قبل أن توجد صالة المحاضرات في الجامعة الإسلامية. حكم التيمم لشدة البرد السؤال: رجل احتلم في الليل، وجاءت صلاة الفجر ولم يغتسل لشدة برودة الماء، فهل يصلي الفجر بوضوء فقط؟ الجواب: ليس له أن يصلي إذا كان في البلد، وعنده يعني شيء يسخن به الماء، وأما إذا كان في فلاة، وليس عنده شيء يسخن به وخشي أن يضره الماء؛ فله أن يتيمم. رجل يبكي عند قراءة السيرة ولا يبكي عند قراءة القرآن السؤال: شخص يصلي جميع الفروض، ويسمع القرآن ولكن لا يبكي كما يبكي الإمام، ولكن عندما يقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه تدمع عينه لما أصابهم من أذى، فما رأيكم؟ الجواب: البكاء شيء من عند الله عز وجل لا يملكه الإنسان، والإنسان ليس له أن يجلب لنفسه البكاء، وإنما هو شيء يأتي به الله، فإن حصل خوفاً من الله فهذا شيء طيب، وأحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسواء كان بذكر الله أو بذكر سيرة الصحابة أو بذكر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم أو بقراءة القرآن. حكم الاعتمار دون الحج في أشهر الحج السؤال: من أدى العمرة في أشهر الحج، ولم يرد أن يحج، فهل يلزمه الحج وعليه دم؟ الجواب: لا، فالإنسان له أن يعتمر في أشهر الحج ولو لم يرد أن يحج، فلا تلازم بين العمرة والحج، فله أن يعتمر ويرجع إلى بلده ولا يلزمه أن يحج، وإن أراد الحج فإنه يعتمر أولاً ثم يحج ثانياً، ولا يرجع إلا بعد أن يؤدي الحج بعد العمرة. والحاصل أنه لا تلازم بين الحج والعمرة، فللإنسان أن يعتمر في أشهر الحج، ويرجع إلى بلده ولا يحج، وإن أراد أن يجمع بين الحج والعمرة ويكون متمتعاً فإنه يحرم من الميقات للعمرة، وإذا دخل مكة طاف وسعى وحلق للعمرة، ثم يحل منها، ويبقى في مكة أو يخرج منها إلى أماكن أخرى لكنه لا يرجع إلى بلده، أما إذا رجع إلى بلده فإنه لا يكون متمتعاً إذا أراد الحج إلا أن يحرم بعمرة أخرى. حكم قول لفظي بالقرآن مخلوق السؤال: ما صحة ما ذكر عن الإمام أحمد أن من قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع؟ وهل صحيح أن الإمام البخاري كان يقول: لفظي بالقرآن مخلوق؟ الجواب: اللفظ بالقرآن له معنيان: يراد به الملفوظ، ويراد به التلفظ، مثل القراءة والتلاوة، والمقروء والمتلو، فهو من الألفاظ المجملة المحتملة للحق والباطل، فلا تثبت بإطلاق، ولا تنفى بإطلاق، وإنما يفصل فيها فيقال: إن أريد باللفظ التلفظ الذي هو التلاوة والقراءة فهي مخلوقة، وإن أريد باللفظ المتلو والمسموع فهو كلام الله وهو غير مخلوق. حكم ستر الجدران بالأوراق السؤال: قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تستروا الجدر) هل يدخل فيه تعليق الأوراق على الجدر وعليها أشكال ورسومات ليست فيها ذوات أرواح؟ الجواب: إذا كانت الأوراق ليس لها قيمة، وليس لها أهمية، وتصير مثل جنس الدهان أو الرخام، فلا بأس بها، وإنما المحذور أن يعلق السجاد والقماش ونحوها. حكم تصوير القباب السؤال: واجهة القبر النبوي تصور وتوضع في الجدر كصورة، ويقولون: هذه ليست صورة ذوات أرواح، فما حكم تعليقها؟ الجواب: تصوير القباب والأشياء المحدثة لا يصلح ولا ينبغي. حكم نظر الطالب في كتاب أخيه حال الدرس السؤال: حديث: (من نظر في كتاب أخيه بغير إذنه فإنما ينظر في النار)، هل يدخل فيه النظر في كتاب الطالب حال التدريس؟ الجواب: الحديث المذكور ضعيف، وللطالب أن ينظر من كتاب زميله، ولا مانع من ذلك، وإنما المحذور أن يضايقه ويزاحمه، أما إذا طلب منه أنه ينظر أو قرب صاحب الكتاب الكتاب إليه مشعراً له في رغبته بمشاركته فهذا إذن. حكم الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام ألف مرة يومياً السؤال: إذا أراد الإنسان أن يتخذ لنفسه ورداً معيناً يلزم نفسه به أكثر مما ورد، كأن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم كل يوم ألف مرة، بل وإذا فاته قضاه، فهل له ذلك؟ الجواب: لا يصلح هذا، بل يلتزم بما جاءت به السنة عن الرسول صلى الله عليه وسلم من الأذكار والأدعية، ويأتي بالشيء الذي يؤتى به مرة مرة، والذي يؤتى به ثلاثاً يأتي به ثلاثاً، والذي يؤتى به أربعاً يأتي به أربعاً، وما عدا ذلك يذكر الله بدون حساب، ويذكر الله في جميع أحيانه من غير أن يعد ويلتزم شيئاً معيناً، فلا يلتزم إلا ما ورد، والشيء الذي ما ورد عدُّه لا يلتزم بعدِّه، وإنما يذكر الله في جميع أحيانه، ولا يزال لسانه رطباً من ذكر الله، ويكثر من الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، لاسيما في يوم الجمعة وليلة الجمعة، وأما كونه يلزم نفسه بعدد ألف وخمسين ألف وما إلى ذلك، ويذهب وقته كله وهو يعد هذا التسبيح، ويترك الوارد المشروع؛ فهذا لا يصلح. معنى الاستواء في اللغة السؤال: هل الاستواء في اللغة يلزم منه أن المستوي متصل بما يستوي عليه؟ الجواب: الاستواء للمخلوقين لا بد فيه من الاتصال، وأما بالنسبة لله عز وجل فالكيفية لا نعقلها، فالله تعالى فوق العرش، وهو عال عليه، وقضية اتصال وعدم اتصال لا نتكلم فيها. حكم تعليق صورة الكعبة السؤال: هل يجوز تعليق صورة الكعبة على الجدار؟ الجواب: ما هي الفائدة من وراء ذلك؟ فهذا من جنس تعليق الآيات والأحاديث، وتكون حجة على الإنسان، حيث تكون أمام عينه العبر والعظات ومع ذلك لا يعتبر ولا يتعظ، وترك ذلك هو الأولى. حكم دعاء الله في السجود بأبيات شعرية السؤال: ذكر ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية في ترجمة المتنبي أنه قال: يا من ألوذ به فيما أؤمله ومن أعوذ به مما أحاذره لا يجبر الناس عظماً أنت كاسره ولا يهيضون عظماً أنت جابره قال ابن كثير : وقد بلغني عن شيخنا العلامة شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله أنه كان ينكر على المتنبي هذه المبالغة في مخلوق، ويقول: إنما هذا لجناب الله سبحانه وتعالى وأخبرني العلامة ابن القيم رحمه الله أنه سمع الشيخ تقي الدين ابن تيمية يقول: ربما قلت هذين البيتين في السجود أدعو الله بما تضمناه من الذل والخضوع، والسؤال: هل هذا الفعل جائز وهو أن يدعو الإنسان في سجوده بأبيات شعرية؟ الجواب: الإنسان يحرص على أن يأتي بالأدعية الشرعية مما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وكون الإنسان يدعو الله بما شاء من غير أن يكون فيه محذور لا بأس به، لكن كون الإنسان لا يأتي بألفاظ الوحي وألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم فهو على خطر الزلل، ولا شك أنه ينبغي للإنسان أن يحرص على أن يأتي بدعاء مأمون الجانب ومأمون العاقبة وفيه العصمة، وهو دعاء المعصوم صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن هذا هو الذي فيه السلامة، وكون الإنسان يدعو الله عز وجل بما يريد من خير الدنيا والآخرة بألفاظ يقولها من نفسه لا بأس به، لكن كونه يحافظ على ألفاظ الشرع أولى من هذا. وإذا كان هذا الكلام قاله المتنبي في مخلوق فهذا من أعظم الباطل، وهذا الكلام لا يليق إلا بالله سبحانه وتعالى، وهو يشبه قول البوصيري : يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم إن لم تكن آخذاً بيدي فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم فهذا كلام لا يليق إلا بالله سبحانه وتعالى، وأنا ذكرت هذه الأبيات عند شرح حديث: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم) في كتابي: عشرون حديثاً من صحيح البخاري ، وقلت: لو قال مخاطباً ربه: يا خالق الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم لكان مصيباً، وكان أتى بما هو الحق، بدلاً من أن يقول: يا أكرم الخلق؛ لأن هذا الكلام لا يليق إلا بالله سبحانه وتعالى، فهو الذي من جوده الدنيا والآخرة سبحانه وتعالى. ولعل شيخ الإسلام أراد أن يبين أن مثل هذا الكلام الذي قيل في مخلوق لا يقال إلا في حق الله سبحانه وتعالى. تكرار العمرة للنفس أولى من تكرار إهداء ثوابها للوالدين السؤال: إذا كان الإنسان مقيماً بين مكة والمدينة، وبإمكانه أن يكرر العمرة عدة مرات، فهل هذا الأفضل له أن يعتمر عن والديه اللذين توفيا أو عن نفسه؟ الجواب: الأفضل أن يكرر العمرة عن نفسه، والوالدان يكثر من الدعاء لهما ولغيرهما. حكم استئجار الطالب رجلاً لكتابة بحث باسم الطالب السؤال: ما حكم كتابة البحث لطالب مع أخذ النقود وجعل البحث باسم الطالب؟ الجواب: هذا غش، ثم يأخذ على الغش أجرة، حتى ولو لم يأخذ أجرة فإنه لا يجوز، لأنه من الغش. زوج المرأة محرم لبناتها من الزوج الثاني السؤال: امرأة تزوجت من رجل ثم طلقها ولم تنجب له، ثم تزوجت من آخر وأنجبت له، فهل بنات المرأة محرمات على الزوج الأول وهو محرم لهن؟ الجواب: نعم، هو محرم لهن؛ لأنه كان زوج أمهن، فما دام أنه دخل بأمهن فهو محرم لهن، ولا يجوز له أن يتزوج منهن، قال الله: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ [النساء:23] ، وكلمة (حجوركم) ليس لها مفهوم، وإنما جاءت على ما هو الغالب من أن بنت الزوجة تكون مع أمها في حجر زوجها، فبنات الزوجات المدخول بهن سواء ولدن قبل أو بعد هن محارم لذلك الرجل، وإنما لا يحرمن عليه إذا لم يدخل بأمهن كما قال الله: فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [النساء:23] يعني: أن تنكحوهن لأنهن أجنبيات، وأما إذا حصل الدخول بالأم فإن البنت تكون محرمة عليه، ويكون هو محرماً لها. معنى كون الحديث أزلياً في الماضي السؤال: ذكر شارح الطحاوية أن الحدث أزلي في الماضي كما هو أزلي في المستقبل، ومثاله نعيم الجنة، أرجو منكم أن تشرحوا لي هذه الجملة. الجواب: هذه مسألة معروفة بتسلسل الحوادث في الماضي، وبعض أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره يقولون: الله تعالى لم يكن معطلاً عن الفعل ثم فعل، وإنما هو فاعل بالابتداء، والمفعولات التي فعلها تعتبر أزلية، لكن ليس معنى ذلك أنه لا بداية لها، فإنه لا بد لها من بداية؛ لأن كل مخلوق لا بد له من بداية، ولكن المراد أن الله تعالى لم يكن غير فاعل ثم فعل، وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من القائلين بهذا يقولون: ما من مخلوق إلا وله أول، والله لم يكن معطلاً عن الفعل، بل هو فاعل بالأزل كما أنه فاعل في المستقبل، ومثاله بالنسبة للمستقبل نعيم الجنة، فإنه مخلوق لا نهاية له، يعني تسلسل إلى ما لا نهاية له، لكن لا أعرف مثالاً على ذلك الماضي بأن يقال: هذا مخلوق لم يكن قبله مخلوق، والله تعالى أعلم. حكم الانتفاع بمال الربا السؤال: هل يجوز للإنسان أن ينتفع بمال أصله ربا حصل عليه من بعض إخوانه، وهو يحتاج إلى هذا المال؟ الجواب: كيف يأخذه وهو يعلم أنه ربا؟! فالذي ينبغي أن يتنزه عن هذا المال الحرام. حكم صرف الزكاة لشراء الكتب وتوزيعها السؤال: هل يجوز صرف الزكاة لشراء كتب وتوزيعها على المسلمين؟ الجواب: لا يجوز، الزكاة لا تصرف في شراء الكتب، ولا في بناء المدارس، ولا في بناء المساجد، وإنما تصرف في المصارف الثمانية التي ذكرها الله عز وجل في قوله: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ [التوبة:60]، وكلمة (في سبيل الله) بعض الناس يتصور أنها تعم كل شيء، ولو كان الأمر كذلك فلماذا عدد الله هذه الأشياء والكل في سبيل الله، بالمعنى العام؟! لكن المقصود بقوله: (في سبيل الله) الجهاد وقتال الأعداء، ولا شك أن بناء المساجد وبناء الأربطة وطباعة الكتب وتوزيعها داخلة في سبيل الله بالمعنى العام، لكن المقصود بسبيل الله في آية قسمة الصدقات هو الجهاد في سبيل الله."
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الزكاة شرح سنن أبي داود [186] الحلقة (217) شرح سنن أبي داود [186] الزكاة ركن من أركان الإسلام وشعيرة من شعائره، وجاحدها كافر، ومانعها يقاتل حتى تؤخذ منه، كما قاتل الصحابة المرتدين وقاتلوا مانعي الزكاة في خلافة الصديق رضي الله عنه. كتاب الزكاة شرح حديث (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ كتاب الزكاة. حدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي حدثنا الليث عن عقيل عن الزهري أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واستخلف أبو بكر رضي الله عنه بعده وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لـ أبي بكر : كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله عز وجل) فقال أبو بكر : والله! لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله! لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقاتلتهم على منعه، فقال عمر بن الخطاب : والله! ما هو إلا أن رأيت الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال. قال: فعرفت أنه الحق ]. الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، وكثيراً ما يقرن الله عز وجل في القرآن بين الصلاة والزكاة، والزكاة في اللغة مأخوذة من النماء، والزكاة الشرعية موجود فيها هذا المعنى؛ لأنها سبب في نماء المال وكثرته، وقد جاء في الحديث: (ما نقص مال من صدقة، بل تزده، بل تزده، بل تزده)، وفي الاصطلاح هي: حق معلوم في أموال الأغنياء يصرف في جهات مخصوصة. وهذه الجهات المخصوصة هي التي ذكرها الله عز وجل في آية مصارف الزكاة: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابن السَّبِيلِ [التوبة:60]، ويأتي في بعض النصوص ذكر الفقراء خاصة كما في حديث معاذ : (فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) والفقراء صنف من أصناف الزكاة الثمانية الذين جاء ذكرهم في آية: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ [التوبة:60]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قتال أبي بكر رضي الله عنه للمرتدين ومانعي الزكاة، وقد ذكر الخطابي رحمه الله أن الذين قاتلهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه صنفان: صنف أهل كفر وردة، وصنف أهل بغي، والصنف الأول نوعان: من ادعى النبوة وتوبع على ذلك مثل مسيلمة الكذاب و الأسود العنسي وغيرهما ممن ادعى النبوة وتبعهم من تبعهم على دعواهم الباطلة. والنوع الآخر: الذين تركوا الدين، وخرجوا من الدين، وكفروا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من غير دعوى نبوة، ومن غير اتباع لمتنبئ، والكل مرتدون. أما الصنف الآخر فقال الخطابي : هم مانعو الزكاة، وهم أهل بغي، وذلك لأنهم متأولون، حيث فهموا أن الزكاة إنما تعطى للنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره؛ لقول الله عز وجل: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ [التوبة:103] قالوا: هذه الأمور التي تترتب على الأخذ إنما تنطبق على النبي صلى الله عليه وسلم، فهو الذي يصلي عليهم، والتطهر والتزكيه إنما تكون لمن دفع الزكاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لأصحابه. وهذا قول باطل، وفهم خاطئ، فإن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خطاب للأمة ما لم يأت دليل يدل على تخصيص ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم، مثل قوله تعالى في الواهبة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم: خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [الأحزاب:50]، فإن هذا نص يدل على خصوصية هذا الحكم بالرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يتعداه إلى غيره. أما ما يتعلق بدفع الزكاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإن الزكاة حق المال، وهي واجبة، وحكمها مستمر وليس خاصاً بزمن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا قال الخطابي : من جحد وجوب الزكاة في غير وقت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يكون كافراً بالإجماع قال: وإنما الإشكال في الذين فهموا هذا الفهم الخاطئ بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فاعتبروا أهل بغي، وقد قاتلهم أبو بكر على أنهم أهل بغي، ومعلوم أن من امتنع من أمر من أمور الإسلام فإنه يقاتل عليه وإن لم يخرج بذلك من الإسلام. فالخطابي رحمه الله اعتبر مانعي الزكاة الذين فهموا هذا الفهم الخاطئ متأولين وأنهم قوتلوا على بغيهم، ومن المعلوم أن البغاة يقاتلون إذا حصل منهم القتال أو امتنعوا من شعيرة من شعائر الإسلام، فإنهم يقاتلون على ذلك حتى يحصل منهم ذلك الشيء الذي امتنعوا منه. والامتناع من دفع الزكاة له حالتان: حالة جحد وحالة بخل وتهاون، فحالة الجحد كفر، وكل ما علم في الإسلام ضرورة إيجابه أو تحريمه فإن اعتقاد عدم وجوبه كفر، وإذا كان من المنهيات فاعتقاد حله يكون كفراً وردة عن الإسلام. فضل أبي بكر أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه لما استخلف كان من أجل أعماله الوقفة الشجاعة التي قام بها في إرجاع الناس إلى ما كانوا عليه في زمن النبوة، سواء من خرجوا من الدين أو امتنعوا من دفع الزكاة، فكان موقفه رضي الله تعالى عنه وأرضاه شجاعاً قوياً مع أنه معروف بلينه وبسهولته، وكانت جهوده منصبة ومتجهة إلى إصلاح الخلل الذي حصل في المسلمين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم؛ حتى يعود الأمر إلى ما كان عليه في زمن النبوة، ثم بعد ذلك يتجه إلى الفتوحات وإلى الجهاد في سبيل الله لإدخال الناس في الدين. وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه يرى خلاف رأيه فقال: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا -لا إله إلا الله، فمن قال- لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله عز وجل)؟ فقال أبو بكر : والله! لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله! لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقاتلتهم على منعه. ثم إن عمر رضي الله عنه وأرضاه اتضح له فيما بعد أن هذا الذي شرح الله له صدر أبي بكر هو الحق. هذا و عمر معروف بشدته وقوته في دين الله عز وجل، فسبقه الصديق رضي الله عنه إلى القوة والشدة في هذا الموطن، فقاتل الناس حتى يرجعوا إلى ما كانوا عليه في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد جاء عن ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله عز وجل)، ففيه ذكر المقاتلة على الصلاة وعلى الزكاة، وأنه لا بد من مجموع هذه الأمور: أن يؤتى بالشهادتين، وأن يؤتى أيضاً بأهم وأعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين وهما الصلاة والزكاة. الزكاة حق المال من فهم أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: الزكاة حق المال، والحديث الذي ذكره عمر رضي الله عنه فيه: (إلا بحقها) فبين أن الزكاة من جملة الحق الذي يندرج تحت هذا الحديث، فمن امتنع من الزكاة فإنه يقاتل، وإذا كان جحدها واعتقد أنها ساقطة الوجوب فإن ذلك ردة وكفر، وكذلك جحود غيرها كالصيام والحج وغير ذلك من الأمور، فإن جحد وجوبها يكون كفراً. وأما إذا ترك الزكاة على سبيل التهاون لا على سبيل الجحود فإن هذا لا يكون كفراً، وقد جاء ما يدل على ذلك، وهو الحديث الذي فيه: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي زكاتها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فيكوى به جنبه وظهره وجبينه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار)، فإن قوله صلى الله عليه وسلم: (إما إلى الجنة) يدل على عدم كفره؛ لأن الكافر لا سبيل له إلى الجنة، بل ليس أمامه إلا النار. والذي يترك الزكاة تهاوناً تؤخذ منه قهراً، ولا يكون كافراً، وأما من يجحد وجوبها فإن هذا يكون مرتداً، ويقتل على ردته. والذي قاله عمر أخيراً ليس تقليداً لأبي بكر كما يقوله بعض المخذولين، بل بين له أبو بكر معنى الحديث، وأن الزكاة من حق الشهادتين، وأن من تركها يستحق المقاتلة، فعند ذلك فهم عمر رضي الله عنه وأرضاه، وتابع أبا بكر لا تقليداً له، ولكن تابعه بعد أن اتضح له أن الذي أقدم عليه أبو بكر هو الحق. وقوله: (والله! لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقاتلتهم على منعه) قيل: المراد به عقال البعير، والمقصود من ذلك ليس العقال، وإنما المقصود البعير الذي يعقل بالعقال، وكان البعير إذا زكي به يعطى معه عقاله. وقيل: المقصود بالعقال زكاة عام، وقد جاء عن بعض أئمة اللغة تفسير العقال بزكاة عام، ولكن جاء في حديث أبي هريرة أنه قال: (لو منعوني عناقاً كان يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها) فبعض أهل العلم قال: ذكر العقال شاذ، والمحفوظ هو العناق، ومنهم من قال: إن كلا الروايتين صحيحة، ولكن يحمل العقال على أن المقصود به البعير الذي يعقل بالعقال أو أن المقصود به زكاة عام. والعناق هي التي لم تبلغ سنة، ولا يصح أن يزكى بها، والذي يعطى في الزكاة لا بد أن يكون مما أكمل سنة، ففسر بأن المقصود إذا بلغت الغنم نصاباً، وكانت كباراً وصغاراً، وبدأ الحول من حين بلغت نصاباً، ولكن ماتت الأمهات أثناء الحول وعند انتهاء الحول لم تبلغ نصاباً كباراً، وإنما كانت سخالاً، فيكون أخذ العناق من جملة العدد الذي وجبت فيه الزكاة؛ لأن الزكاة تؤخذ من المال الذي وجبت فيه. تراجم رجال إسناد حديث (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله...) قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي ] قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف الثقفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الليث ] الليث بن سعد المصري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عقيل ]. عقيل بن خالد بن عقيل المصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ] محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة فيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله ] عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ] عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وأرضاه. حديث ابن عمر (أمرت أن أقاتل الناس..) حديث ابن عمر الذي أشرت إليه أخرجه البخاري و مسلم ، وذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري أنه من غرائب الصحيح، يعني أنه جاء بإسناد واحد، وهو صحيح، فالصحيحان فيهما غرائب عن ثقات يحتمل تفردهم، ومن ذلك حديث: (إنما الأعمال بالنيات) فهو حديث غريب، وكذلك آخر حديث في البخاري وهو (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن) فهو حديث غريب جاء من طريق واحد، وحديث ابن عمر من هذا القبيل، قال الحافظ ابن حجر : هو من غرائب الصحيح، وقد خلا منه مسند الإمام أحمد على سعته، فهو يبلغ أربعين ألف حديث، وأما حديث أبي هريرة هذا فإنه موجود في المسند. مناسبة الحديث لباب الزكاة وقد فرضت الزكاة في السنة الثانية من الهجرة، في السنة التي فرض فيها الصيام. ومناسبة إيراد الحديث هنا لأن القتال على الزكاة يدل على وجوبها، وأنها متعينة، هذا هو المقصود من إيراد هذا الحديث، وليس المقصود ذكر التاريخ، وإنما المقصود دلالته على أن الزكاة واجبة ولازمة؛ ولهذا يقاتل عليها. مشروعية قتال مانعي الزكاة مانع الزكاة تؤخذ منه بالقوة، وإذا امتنع يطلب منه أن يترك ما هو عليه من الباطل، وأن يدفع الزكاة، فإن عاند وقاتل فإنه يقاتل عليها، وقتاله للحاكم لا يدل على كفر، لأن البغاة إذا حصل منهم حمل السلاح على الحكام لا يكفرون بذلك. وبالنسبة لمانعي الزكاة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قال عنهم الخطابي : إنهم بغاة، فهم مسلمون امتنعوا من أداء شيء متعين عليهم، فقوتلوا على منعه، وكونهم امتنعوا منها واستعدوا للقتال فهم أهل بغي، وقال الخطابي : ولو حصل منع الزكاة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وانتفاء الشبهة فإن الذي يقول بعدم وجوب الزكاة أو ينكر وجوبها يكون كافراً مرتداً، ويقتل مرتداً، ولا يقال عنه باغ أو ممتنع من الزكاة فقط، ففرق الخطابي بين الذين منعوها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وبين من بعدهم؛ لأن لهم شبهة، أما بعد أن استقرت الأحكام وعرفت الأحكام فجحدها كفر وردة. شرح حديث (أمرت أن أقاتل الناس ..) من طرق أخرى وتراجم رجالها [ قال أبو داود : ورواه رباح بن زيد و عبد الرزاق عن معمر عن الزهري بإسناده، قال بعضهم: (عقالاً) ]. أورد أبو داود رحمه الله طرقاً فيها ذكر العقال وذكر العناق. قوله: [رباح بن زيد ]. رباح بن زيد القرشي وهو ثقة أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ و عبد الرزاق ]. عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معمر ]. معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري بإسناده ]. يعني: عن عبيد الله عن أبي هريرة . [ وقال بعضهم: (عقالاً) ]. يعني: كالرواية السابقة. [ ورواه ابن وهب عن يونس قال: (عناقاً) ]. ابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. و يونس بن يزيد الأيلي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. والعناق هي التي لم تبلغ سنة من أولاد المعز. [ قال أبو داود : قال شعيب بن أبي حمزة و معمر و الزبيدي عن الزهري في هذا الحديث: (لو منعوني عناقاً)، وروى عنبسة عن يونس عن الزهري في هذا الحديث قال: (عناقاً) ]. ذكر المصنف جملة من الذين رووه عن الزهري وقالوا: (عناقاً). وشعيب بن أبي حمزة الحمصي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. و معمر مر ذكره. و الزبيدي هو محمد بن الوليد الزبيدي الحمصي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . قوله: [ عن الزهري في هذا الحديث: (لو منعوني عناقاً) ]. في هذا الحديث يعني: في الإسناد المتقدم، وقال: (عناقاً) بدل (عقالاً). و عنبسة بن خالد الأيلي صدوق أخرج حديثه البخاري وأبو داود . والعناق غير العقال؛ لأن العقال فسر بالعقال الذي يعقل به البعير، وأن المقصود به البعير، فعبر عن البعير بعقاله، أو المقصود بذلك زكاة عام، وهو إما روي هذا اللفظ أو هذا اللفظ، وقد يكون كلٌ من اللفظين محفوظاً أو يكون أحدهما محفوظاً والثاني شاذاً، والذي قيل إنه راجح هو العناق. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن السرح و سليمان بن داود قالا: أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن الزهري هذا الحديث قال: قال أبو بكر رضي الله عنه: (إن حقه أداء الزكاة، وقال: عقالاً )]. أورد المصنف الحديث من طريق أخرى عن أحمد بن عمرو بن السرح وهو ثقة أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . وسليمان بن داود المهري المصري ثقة أخرج حديثه أبو داود والنسائي . [ عن ابن وهب عن يونس عن الزهري ]. وقد مر ذكرهم. [ قالا: قال أبو بكر : (إن حقه أداء الزكاة) ]. يعني أن فيه مخالفة لما تقدم أنه قال أبو بكر الصديق : (إن حقه أداء الزكاة) وقال: (عقالاً) كالرواية الأولى. ما تجب فيه الزكاة شرح حديث (ليس فيما دون خمس ذود صدقة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما تجب فيه الزكاة. حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: قرأت على مالك بن أنس عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه قال: سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ليس فيما دون خمس ذود صدقة، وليس فيما دون خمس أواق صدقة، وليس فيما دون خمسة أوسقٍ صدقة) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: (باب ما تجب فيه الزكاة) يعني: الأموال التي تجب فيها الزكاة، وذكر مقادير الأنصبة التي تجب فيها الزكاة. قوله: (ليس فيما دون خمس ذود صدقة) يعني: ليس فيما دون خمس من الإبل صدقة، فإذا ملك الإنسان أربعاً من الإبل وكانت سائمة فلا زكاة فيها؛ لأنها ما بلغت نصاباً، ولكنها إذا بلغت خمساً وحال عليها الحول فإنها تزكى، وقد جاء أن مقدار الزكاة في الخمس شاة كما سيأتي، فزكاة الخمس من الإبل من غير جنسها؛ لأنه لو أخرج الزكاة من جنسها -أي: واحدة من الإبل- لكانت الزكاة الخمس، وفي ذلك ضرر على أصحاب الأموال، فوجبت الزكاة فيها من نوع آخر وهو الغنم، فتجب شاة عن خمس من الإبل، والشاة عن خمس من الإبل لا تضر الغني، وتنفع الفقير، ولكن الغني يتضرر لو أخذت منه الناقة. وهذا الحديث بيان لنصاب الإبل وغيرها من الأموال الزكوية، وبيان المقدار الذي إذا نقص المال عنه فلا زكاة فيه، وهو الخمس من الإبل، فما نقص عن خمس منها فلا زكاة فيه، وما بلغ خمساً فأكثر ففيه الزكاة، وعلى هذا فالحد الأدنى الذي لا زكاة فيه من الإبل هو الأربع، فإن الأربع لا زكاة فيها ولو بقيت سنين، أما الخمس ففيها الزكاة إذا حال عليها الحول، والذود المقصود به الإبل. قوله: [ (وليس فيما دون خمس أواق صدقة) ]. هذا فيه بيان نصاب الورق وهي الفضة، والأوقية أربعون درهماً، والخمس أواق مائتا درهم، فنصاب الفضة مائتا درهم، وهي تعادل بالريالات السعودية الفضية (56 ريالاً سعودياً) فما دون خمس أواق لا زكاة فيه يعني: ما نقص عن مائتي درهم ولو درهماً واحداً بأن كانت مائة وتسعة وتسعين درهماً فلا زكاة فيه، وكذلك بالنسبة لما يقابلها من العملة السعودية التي هي (56 ريالاً) فما نقص عن (56 ريالاً) فلا زكاة فيها، فـ (55 ريالاً) لا زكاة فيها. قوله: [ (وليس فيما دون خمس أوسقٍ صدقة) ]. الوسق ستون صاعاً، والخمسة أوسق ثلاثمائة صاع، والصاع (3 كيلو جرام) فالنصاب تسعمائة كيلو جرام تقريباً، فما خرج من الأرض من الحبوب والثمار فإن نصابه خمسة أوسق. وقوله: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) يدلنا على أن الفواكه والخضروات لا زكاة فيها؛ لأنها ليست مما يكال كالحبوب والثمار، وأيضاً ليست مما يدخر ويتخذ قوتاً، والزكاة إنما تجب في الأقوات التي تخرج من الأرض كالتمر والزبيب والبر والشعير والأرز والذرة، وغير ذلك. تراجم رجال إسناد حديث (ليس فيما دون خمس ذود صدقة) قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ قرأت على مالك ]. مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه الإمام، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن يحيى المازني ]. عمرو بن يحيى المازني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد ]. أبو سعيد الخدري هو سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مشهور بكنيته ونسبته، كنيته أبو سعيد ، ونسبته الخدري ، واسمه سعد بن مالك بن سنان . شرح حديث (ليس فيما دون خمسة أوسق زكاة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أيوب بن محمد الرقي حدثنا محمد بن عبيد حدثنا إدريس بن يزيد الأودي عن عمرو بن مرة الجملي عن أبي البختري الطائي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ليس فيما دون خمسة أوسق زكاة) والوسق ستون مختوماً. قال أبو داود : أبو البختري لم يسمع من أبي سعيد . أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي سعيد وليس فيه ذكر الأمور الثلاثة التي تقدمت في الرواية السابقة، وقوله: والوسق ستون مختوماً يعني: ستون صاعاً. تراجم رجال إسناد حديث (ليس فيما دون خمسة أوسق زكاة) قوله: [حدثنا أيوب بن محمد الرقي ]. أيوب بن محمد الرقي أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا محمد بن عبيد ]. محمد بن عبيد الطنافسي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا إدريس بن يزيد الأودي ]. إدريس بن يزيد الأودي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن مرة الجملي ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي البختري الطائي ]. وهو سعيد بن فيروز ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد ]. مر ذكره. [ قال أبو داود : أبو البختري لم يسمع من أبي سعيد ] وهذا لا يؤثر؛ لأن هذه الرواية ثابتة في الرواية السابقة وفي غيرها من الروايات، فلا يؤثر الانقطاع إلا إذا جاء من هذا الطريق فقط، ولكن ما دام الحديث ثابتاً من طريق أخرى فيكون هذا صحيحاً لكونه جاء من طرق أخرى صحيحة. وأما هذا السند فمنقطع لأن أبا البختري لم يسمع من أبي سعيد . شرح أثر النخعي (الوسق ستون صاعاً مختوماً بالحجاجي) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن قدامة بن أعين حدثنا جرير عن المغيرة عن إبراهيم أنه قال: (الوسق ستون صاعاً مختوماً بالحجاجي) ]. أورد المصنف أثراً عن إبراهيم بن يزيد النخعي الكوفي رحمة الله عليه أنه قال: الوسق ستون صاعاً مختوماً بالحجاجي، والمقصود من ذلك بيان مقدار الوسق، وقوله: بالحجاجي نسبة للحجاج، وهو -كما سبق- ثلاثمائة صاع، لأن 60×5=300 صاع، وهو 900 كيلو، لأن الصاع يساوي 3كيلو. وهذا الأثر مقطوع؛ لأنه انتهى إلى التابعي، وهو غير المنقطع، فالمقطوع من صفات المتن، والمنقطع من صفات الإسناد، كأن يسقط من إسناده واحد أو أكثر. تراجم رجال أثر النخعي (الوسق ستون صاعاً مختوماً بالحجاجي) قوله: [ حدثنا محمد بن قدامة بن أعين ]. محمد بن قدامة بن أعين ثقة أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا جرير ]. جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المغيرة ]. المغيرة بن مقسم الكوفي الضبي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم ]. إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح أثر عمران بن حصين في الاحتجاج بالسنة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن بشار حدثني محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا صرد بن أبي المنازل قال: سمعت حبيباً المالكي قال: قال رجل لعمران بن حصين رضي الله عنهما: يا أبا نجيد ! إنكم لتحدثوننا بأحاديث ما نجد لها أصلاً في القرآن، فغضب عمران وقال للرجل: أوجدتم في كل أربعين درهماً درهم، ومن كل كذا وكذا شاةً شاة، ومن كل كذا وكذا بعيراً كذا وكذا، أوجدتم هذا في القرآن؟ قال: لا. قال: فعمن أخذتم هذا؟ أخذتموه عنا، وأخذناه عن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم، وذكر أشياء نحو هذا ]. أورد المصنف حديث عمران بن حصين رضي الله عنه أنه قال له رجل: إنكم تحدثوننا بأشياء لا نجدها في كتاب الله، فغضب عمران رضي الله عنه، وذلك لأن هذا فهم خاطئ، والسنة تلقاها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرسول كما تلقوا القرآن عنه، وهم الذين أدوا إلينا الكتاب والسنة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إني أوتيت القرآن ومثله معه) يعني: السنة، فالسنة وحي من الله كما أن القرآن وحي من الله، إلا أن القرآن وحي معجز، ومتعبد بتلاوته وبالعمل به، والسنة متعبد بالعمل بها كما يتعبد بالقرآن، ولا فرق بين السنة والقرآن في العمل. وأيضاً السنة داخلة في القرآن، ومأمور بها في القرآن، قال الله عز وجل: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7] فالسنة كلها داخلة تحت هذه الآية؛ ولهذا جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه أنه لما لعن النامصة والمتنمصة وقال: ما لي لا ألعن من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو موجود في كتاب الله، فقالت له امرأة: يا أبا عبد الرحمن ! إنك قلت كذا وكذا، وإنني قرأت المصحف من أوله إلى آخره فما وجدت فيه ذكر النامصة والمتنمصة! فقال: إن كنت قرأته فقد وجدته، قال الله عز وجل: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]. عمران رضي الله عنه لما سأله هذا السائل غضب وقال: أين وجدتم في القرآن أن في كل أربعين درهماً درهم؟! يعني أن مقادير الزكاة ما وجدت في القرآن، بل وجدت في السنة، ففيها مقدار زكاة الدراهم والإبل والغنم، وهذا لا يوجد في القرآن، ولكن السنة مفسرة للقرآن ومبينة له ودالة عليه، وهي شقيقة القرآن، ويتعبد الله بالعمل بها كما يتعبد بالقرآن، وآيات القرآن جاءت بالأمر بالعمل بما في السنة، بل إن إنكار السنة إنكار للقرآن، وجحد السنة جحد للقرآن، وكيف يتعبد الناس لو اقتصروا على القرآن ولم يلتفتوا إلى السنة؟! فالصلاة التي هي عمود الإسلام من أين عرف الناس أن صلاة الظهر أربع ركعات، وأن العصر أربع ركعات، وأن المغرب ثلاث ركعات، وأن العشاء أربع ركعات، وأن الفجر ركعتان، ولا وجود لهذا في القرآن، وهذا إنما وجد في السنة، فالسنة موضحة للقرآن، وشارحة له، ودالة عليه، والكفر بالسنة كفر بالقرآن، ومن أنكر السنة فهو منكر للقرآن، لأن السنة كلها داخلة تحت قول الله عز وجل: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، وكذلك قول الله عز وجل: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا [الأحزاب:36]. والحاصل أن الذي قاله عمران رضي الله عنه كلام عظيم، وإن كان في الإسناد من هو متكلم فيه، فإن المعنى صحيح لا إشكال فيه، ولا خلاف فيه، فتوجد أمور كثيرة يعمل الناس بها ويتعبدون الله بها ولا وجود لها في القرآن، وهذا أمر واضح لا إشكال فيه ولا خلاف فيه بين أهل العلم. وقد جاء نحو هذا من طريق الحسن البصري عن عمران بن حصين وهو عند الحاكم في المستدرك وغيره، فالمعنى صحيح، فالسنة لا بد من العمل بها، وكثير من الأحكام الشرعية إنما تؤخذ من السنة، ولا تؤخذ من القرآن، والسنة يحتج بها كما يحتج بالقرآن، ويعول عليها كما يعول على القرآن، ولا يفرق المسلم بين السنة والقرآن. تراجم رجال إسناد أثر عمران بن حصين في الاحتجاج بالسنة [حدثنا محمد بن بشار ]. محمد بن بشار الملقب ببندار البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثني محمد بن عبد الله الأنصاري ]. محمد بن عبد الله الأنصاري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا صرد بن أبي المنازل ]. صرد بن أبي المنازل وهو مقبول أخرج له أبو داود . [ سمعت حبيباً المالكي ]. حبيب المالكي هو حبيب بن أبي فضلان أو فضالة، وهو مقبول أخرج له أبو داود . [ عن عمران ]. عمران بن حصين أبو نجيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة."
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الزكاة شرح سنن أبي داود [187] الحلقة (218) شرح سنن أبي داود [187] تعتبر عروض التجارة من أوسع الأموال وأكثرها غناء، ولذا فإنها من الأموال الزكوية، وأما الحلي فقد ورد في الأحاديث الأمر بإخراج زكاتها، وذلك هو الأحوط للمؤمن على كل حال. زكاة عروض التجارة شرح حديث (كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعد للبيع) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب العروض إذا كانت للتجارة هل فيها من زكاة. حدثنا محمد بن داود بن سفيان حدثنا يحيى بن حسان حدثنا سليمان بن موسى أبو داود حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب قال: حدثني خبيب بن سليمان عن أبيه سليمان عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: (أما بعد؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعد للبيع) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله: (باب العروض إذا كانت للتجارة هل فيها من زكاة) والمقصود من هذه الترجمة بيان أن عروض التجارة من الأموال الزكوية، والعروض هي ما يعرض ويعد للبيع، سواء كان حيواناً أو مأكولاً أو ملبوساً أو مركوباً أو أي شيء من الأشياء المباحة التي تعرض للبيع والشراء، ويتجر بها الناس، وتتخذ للتجارة وتنمية المال وتحصيل الربح، هذه هي عروض التجارة، وهي جمع عرض، وهو ما يعرض ويعد للبيع والشراء، وهذه المسألة اختلف فيها أهل العلم على قولين: فجماهيرهم على أن فيها الزكاة، بل هي أوسع الأموال الزكوية وأكثرها، فإن أكثر الأموال إنما هي للتجارة، فالزراعة دونها، والنقود التي تدخر دونها، وكذلك المواشي دونها؛ لأن التجارة هي أوسع الأموال التي يتعامل بها الناس. والجماهير من أهل العلم ومنهم الفقهاء السبعة والأئمة الأربعة على القول بإيجاب الزكاة فيها، وبعض أهل العلم قال بعدم وجوبها فيها، ونقل بعض أهل العلم الإجماع على وجوبها من حيث كثرة القائلين، وقد ورد في وجوبها أحاديث وآثار، وأورد أبو داود رحمه الله حديثاً واحداً تحت هذه الترجمة، وهو حديث سمرة بن جندب ، وفي إسناده لين، فهو حديث ضعيف لا يعول عليه، ولكن النصوص الأخرى العامة التي جاءت في الزكاة في الأموال، وأن الأموال فيها حق معلوم للسائل والمحروم؛ تشمل هذا النوع من المال الذي هو أكثر وأوسع الأموال. وأي تجارة فيها تنمية للمال، ومعلوم أن الزكاة في الغالب هي في الأموال التي فيها نماء مثل السائمة والحبوب والثمار التي ينميها الناس ويحصل الناس على فوائدها وعلى ثمارها، فعروض التجارة من هذا القبيل، بل هي أوسع الأموال وأكثرها انتشاراً، فإن الكثير من الناس يشتغلون بهذا النوع من الأموال الزكوية ألا وهو عروض التجارة. تراجم رجال إسناد حديث (كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعد للبيع) قوله: [ حدثنا محمد بن داود بن سفيان ]. محمد بن داود بن سفيان مقبول أخرج أحديثه أبو داود . [ حدثنا يحيى بن حسان ]. يحيى بن حسان وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا سليمان بن موسى أبو داود ]. سليمان بن موسى أبو داود فيه لين، وأخرج حديثه أبو داود . [ حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة ]. جعفر بن سعد بن سمرة وهو ليس بالقوي، أخرج حديثه أبو داود . [ حدثني خبيب بن سليمان ]. خبيب بن سليمان مجهول أخرج حديثه أبو داود . [ عن أبيه ]. أبوه سليمان وهو مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن سمرة بن جندب ]. سمرة بن جندب رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. هذا الإسناد فيه خمسة ممن انفرد بالتخريج لهم أبو داود من بين أصحاب الكتب، وهم: محمد بن داود بن سفيان و سليمان بن موسى و جعفر بن سعد ، و خبيب بن سليمان وأبوه. وبقي سمرة أخرج له أصحاب الكتب الستة ويحيى بن حسان أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . والإجماع على وجوب الزكاة في عروض التجارة حكاه بعض أهل العلم، ولكن يوجد خلاف في الحقيقة، والجمهور على وجوب الزكاة في عروض التجارة، وخالف الظاهرية. زكاة الحلي شرح حديث (أتعطين زكاة هذا) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الكنز ما هو وزكاة الحلي. حدثنا أبو كامل و حميد بن مسعدة المعنى أن خالد بن الحارث حدثهم قال: حدثنا حسين عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه: (أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب، فقال لها: أتعطين زكاة هذا؟ قالت: لا. قال: أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟! قال: فخلعتهما فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقالت: هما لله عز وجل ولرسوله) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: (باب الكنز ما هو والزكاة الحلي) والمقصود بهذه الترجمة شيئان: أحدهما: ما المراد بالكنز؟ ولعل الترجمة إشارة إلى قول الله عز وجل: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [التوبة:34]، يعني: ما هو الكنز الذي توعد الله صاحبه؟ وما الذي يسلم من ذلك؟ والمقصود من الترجمة أن ما أخرج منه الزكاة ليس بكنز، وأنه ليس في المال حق واجب إلا الزكاة، وما سوى ذلك فهو تطوع كما أن الصلوات الخمس هي المفروضة وما زاد عليها تطوع، والحج مرة وما زاد على ذلك تطوع، وكذلك الأموال التي يجمعها الإنسان ويزكيها لا يقال لها كنز، وإنما يكون كنزاً ويعذب عليه صاحبه هو ما لا يخرج منه الزكاة، ولا يؤدي زكاته، ولهذا يعذب عليه، وأما إذا أخرج زكاته فليس بكنز. الأمر الثاني: زكاة الحلي، هل فيها زكاة أو ليس فيها زكاة؟ وقد اختلف العلماء فيها على قولين: القول الأول: فيها زكاة، ويستدل بهذا الحديث وغيره من الأحاديث الدالة على أن الحلي يزكى، ويستدل كذلك بالعمومات التي جاءت في زكاة الذهب والفضة، فإن الحلي يطلق على الذهب والفضة، فكل ذهب وفضة يزكى، فتوجد أحاديث عامة وأحاديث خاصة تدل على وجوب الزكاة في الحلي. القول الثاني: لا زكاة في الحلي، ويعتبرون ذلك مثل الأشياء التي تعد للاستعمال، فالإنسان الذي عنده دواب لاستعماله لا زكاة فيها، وفي الحديث: (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) فالإنسان الذي عنده خيل أو سيارة ونحوها يقتنيها ولا يعدها للبيع والشراء، وإنما هي للقنية؛ ليس فيها زكاة، قالوا: وكذلك الحلي هي من هذا القبيل، وتوجد آثار عن السلف تدل على ذلك، ولكن هذا الحديث حسن، وتوجد غيره من الأحاديث الصحيحة الثابتة التي تدل على ما دل عليه، فالقول بوجوب الزكاة في الحلي هو الأظهر، وهو الذي تبرأ به الذمة، وهو الذي فيه الاحتياط في الدين. وهذا الحديث الذي أورده أبو داود حديث حسن يحتج به، وتوجد غيره من الأحاديث في معناه، فالقول بوجوب الزكاة في الحلي هو الأظهر وهو الأولى وهو الذي فيه الاحتياط في الدين. عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: (جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها ابنةٌ لها عليها مسكتان -وهما سواران- من ذهب فقال: أتؤدين زكاة هذا)، ومعلوم أن هذا حلي مستعمل كان على يديها، والمقصود أنه إذا كان يبلغ نصاباً فإنه يزكى، وإن كان لا يبلغ نصاباً فإنه يضم إلى الذهب الذي عندها، فإن بلغ مجموعة نصاباً وجب فيه الزكاة، وإن كان لا يبلغ نصاباً لا تجب فيه الزكاة، فالرسول صلى الله عليه وسلم بين أنه يعاقب على ترك زكاة الحلي، بأن تعذب بالنار، ويكون لها سواران من نار؛ لأنها ما قامت بأداء الزكاة عن هاتين المسكتين، (فألقتهما وقالت: هما لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم). هما لله تخرجهما لوجه الله، ولرسوله: يتصرف فيهما كيف يشاء، ويضعهما حيث يريد، وليس المقصود أنهما قربة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن القرب إنما تكون لله عز وجل. تراجم رجال إسناد حديث (أتعطين زكاة هذا) قوله: [ حدثنا أبو كامل ]. أبو كامل الفضيل بن الحسين الجحدري وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي . [ و حميد بن مسعدة ]. حميد بن مسعدة صدوق أخرج له مسلم وأصحاب السنن. قوله: [ المعنى ]. يعني: أنهما متفقان في المعنى، وإن اختلفا في اللفظ. [ عن خالد بن الحارث ]. خالد بن الحارث البصري وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حسين ]. حسين بن ذكوان المعلم وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن شعيب ]. عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص وهو صدوق أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. شعيب بن محمد وهو صدوق أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وجزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن جده ]. جده هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحديث رجاله ثقات إلى عمرو بن شعيب ، و عمرو بن شعيب إذا صح الحديث إليه واستقام الإسناد إليه فحديثه حسن؛ لأنه صدوق وأبوه صدوق. شرح حديث (ما بلغ أن تؤدى زكاته فزكي فليس بكنز) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عيسى حدثنا عتاب -يعني: ابن بشير - عن ثابت بن عجلان عن عطاء عن أم سلمة رضي الله عنها قالت (كنت ألبس أوضاحاً من ذهب فقلت: يا رسول الله! أكنزٌ هو؟ فقال: ما بلغ أن تؤدى زكاته فزكي فليس بكنز) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أم سلمة أنها كانت تلبس أوضاحاً من ذهب فقالت: يا رسول الله! أكنز هو؟ فقال: (ما بلغ أن تؤدى زكاته فزكي فليس بكنز) وهذا يدل على وجوب الزكاة في الذهب مطلقاً، ويدخل في ذلك الحلي؛ لأن سبب الحديث يتعلق بالحلي، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (ما بلغ أن تؤدى زكاته فزكي فليس بكنز) ] يعني إذا بلغ نصاباً وجبت فيه الزكاة إذا حال عليه الحول، فإذا زكي فإنه لا يعتبر كنزاً، ولا يكون صاحبه متوعداً بالعذاب الأليم المذكور في آية سورة التوبة. إذاً: الكنز الذي لا تؤدى زكاته هو الذي يعذب عليه صاحبه، وأما إذا كان عنده مال يؤدي زكاته فإنه لا يعتبر كنزاً كما جاء ذلك مبيناً في هذا الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وقولها: [ كنت ألبس أوضاحاً ]. الأوضاح هي الحلي، وهنا قالت: (أوضاحاً من ذهب) والأصل في الأوضاح أنها من الفضة؛ لأنها بيض واضحة، لكن هنا ذكرت أنها كانت من ذهب، وليست من فضة. تراجم رجال إسناد حديث (ما بلغ أن تؤدى زكاته فزكي فليس بكنز) قوله: [ حدثنا محمد بن عيسى ]. محمد بن عيسى هو الطباع وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا عتاب يعني: ابن بشير ]. عتاب بن بشير صدوق يخطئ أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن ثابت بن عجلان ]. ثابت بن عجلان صدوق أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن عطاء ]. عطاء بن أبي رباح ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أم سلمة ]. أم سلمة هند بنت أبي أمية أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحديث حسن الألباني المرفوع منه، ومعنى هذا أن القصة غير ثابتة. شرح حديث (دخل علي رسول الله فرأى في يدي فتخات من ورق) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن إدريس الرازي حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق حدثنا يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن أبي جعفر أن محمد بن عمرو بن عطاء أخبره عن عبد الله بن شداد بن الهاد أنه قال: دخلنا على عائشة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: (دخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرأى في يدي فتخات من ورق فقال: ما هذا يا عائشة ؟! فقلت: صنعتهن أتزين لك يا رسول الله! قال: أتؤدين زكاتهن؟ قلت: لا، أو ما شاء الله. قال: هو حسبك من النار) ]. هذا الحديث يدل على ما دل عليه الحديث السابق من وجوب الزكاة في الحلي، والفتخات من الفضة ليست نصاباً، لكن المقصود أنها تضمها إلى غيرها من الأموال الزكوية، وكل ذهب وفضة يزكى سواء كان حلياً أو غير حلي، وإذا لم يبلغ نصاباً فلا زكاة فيه، لكن إذا كان هناك فضة أخرى معه وبلغ المجموع نصاباً فإنه تجب فيه الزكاة، وأما إذا كان لا يبلغ النصاب فإنه لا زكاة فيه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس فيما دون خمس أواق صدقة)، يعني: أواقي الفضة، فلا بد من اعتبار النصاب، وهذه الفتخات تضم إلى غيرها. تراجم رجال إسناد حديث (دخل علي رسول الله فرأى في يدي فتخات من ورق..) قوله: [ حدثنا محمد بن إدريس الرازي ]. محمد بن إدريس الرازي هو أبو حاتم الرازي الإمام المشهور الحافظ المحدث الذي يأتي ذكره كثيراً في الجرح والتعديل، وكثيراً ما يقرن مع أبي زرعة الرازي في الجرح والتعديل، وهو ثقة من الأئمة الحفاظ أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة في التفسير . [ حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق ]. عمرو بن الربيع بن طارق ثقة أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود . [ حدثنا يحيى بن أيوب ]. يحيى بن أيوب وهو صدوق ربما أخطأ أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن أبي جعفر ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن عمرو بن عطاء ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن شداد بن الهاد ]. عبد الله بن شداد بن الهاد ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره العجلي في كبار التابعين الثقات، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها الصديقة بنت الصديق وهي واحدةٌ من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (دخل علي رسول الله فرأى في يدي فتخات) من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا صفوان بن صالح حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا سفيان عن عمر بن يعلى ، فذكر الحديث نحو حديث الخاتم. قيل لسفيان : كيف تزكيه؟ قال: تضمه إلى غيره ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهو نحو الحديث المتقدم فيما يتعلق بالخاتم أو الخواتيم، وفيه: (قيل لسفيان : كيف تزكيه؟ قال: تضمه إلى غيره). يعني: أن الخاتم لا زكاة فيه؛ لأنه قليل، فقال: تضمه إلى غيره، لأن الفضة تضم إلى الفضة سواء كان ملبوساً أو مسبوكاً أو مصكوكاً عملة، فكل ذلك يضم بعضه إلى بعض ويزكى زكاة الفضة، أي: يخرج منه ربع العشر إذا بلغ مائتي درهم أو ما يساوي مائتي درهم، وذلك النصاب. تراجم رجال إسناد حديث (دخل علي رسول الله فرأى في يدي فتخات) من طريق ثانية قوله: [ حدثنا صفوان بن صالح ]. صفوان بن صالح ثقة كان يدلس تدليس التسوية، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة في التفسير. [ حدثنا الوليد بن مسلم ]. الوليد بن مسلم وهو أيضاً ثقة يدلس تدليس التسوية، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمر بن يعلى ]. عمر بن عبد الله بن يعلى وهو ضعيف أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ فذكر الحديث نحو حديث الخاتم ]. يعني: نحو الحديث المتقدم. جواز لبس الذهب المحلق وفي هذه الأحاديث دلالة على جواز لبس الذهب المحلق، والأحاديث وردت فيه عامة وخاصة، والأحاديث التي جاء فيها النهي عن الذهب المحلق تعتبر في مقابل هذه الأحاديث شاذة لا يعول عليها."
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الزكاة شرح سنن أبي داود [188] الحلقة (219) شرح سنن أبي داود [188] أنعم الله على العباد بأن سخر لهم الأنعام لهم فيها منافع، وفرض عليهم فيها الزكاة وقد جاءت السنة بتحديد أنصبة الزكاة ومقاديرها. ما جاء في زكاة السائمة شرح حديث (هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في زكاة السائمة. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخذت من ثمامة بن عبد الله بن أنس كتاباً زعم أن أبا بكر رضي الله عنه، كتبه لأنس رضي الله عنه، وعليه خاتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين بعثه مصدقاً وكتب له، فإذا فيه: ( هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المسلمين التي أمر الله عز وجل بها نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، فمن سألها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعطه: فيما دون خمس وعشرين من الإبل الغنم في كل خمس ذود شاة، فإذا بلغت خمساً وعشرين ففيها بنت مخاض إلى أن تبلغ خمساً وثلاثين، فإن لم يكن فيها بنت مخاضٍ فابن لبون ذكر، فإذا بلغت ستاً وثلاثين ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين، فإذا بلغت ستاً وأربعين ففيها حقة طروقة الفحل إلى ستين، فإذا بلغت إحدى وستين ففيها جذعة إلى خمس وسبعين، فإذا بلغت ستاً وسبعين ففيها بنتا لبون إلى تسعين، فإذا بلغت إحدى وتسعين ففيها حقتان طروقتا الفحل إلى عشرين ومائة، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة. فإذا تباين أسنان الإبل في فرائض الصدقات فمن بلغت عنده صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه، وأن يجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده حقة وعنده جذعة فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهماً أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليس عنده حقة وعنده ابنة لبون فإنها تقبل منه). قال أبو داود : ههنا لم أضبطه عن موسى كما أحب: (ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة بنت لبون وليس عنده إلا حقة فإنها تقبل منه). قال أبو داود : إلى ههنا ثم أتقنته: (ويعطيه المصدق عشرين درهماً أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون وليس عنده إلا بنت مخاض فإنها تقبل منه وشاتين أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة ابنة مخاض وليس عنده إلا ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه وليس معه شيء، ومن لم يكن عنده إلا أربع فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها. وفي سائمة الغنم إذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت على عشرين ومائة ففيها شاتان إلى أن تبلغ مائتين، فإذا زادت على مائتين ففيها ثلاث شياه إلى أن تبلغ ثلاثمائة، فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة شاة، ولا يؤخذ في الصدقة هرمة، ولا ذات عوار من الغنم، ولا تيس الغنم إلا أن يشاء المصدِّق، ولا يجمع بين مفترق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية، فإن لم تبلغ سائمة الرجل أربعين فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها. وفي الرقة ربع العشر، فإن لم يكن المال إلا تسعين ومائة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها ) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي (باب في السائمة) والسائمة هي بهيمة الأنعام التي ترعى أكثر الحول ، أي: لا يتعب صاحبها عليها بالعلف، ولا يتكلف لها علفاً، وإنما ترعى في البر وفي المراعي دون أن يحصل عليه كلفة بعلفها. وهذا يدل على أن صاحب الغنم أو الإبل إذا كان يعلفها أكثر الحول فإنه لا زكاة فيها؛ لأنه قد تعب وخسر عليها، ونماؤها إنما حصل بإنفاقه وبتعبه، فلا زكاة في الأنعام إلا أن تكون سائمة ترعى ولا يتكلف عليها بشيء. وقد أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الذي فيه كتاب أبي بكر إليه لما جعله مصدقاً على البحرين -يعني: عاملاً على الصدقات في البحرين- فأعطاه هذا الكتاب الذي عليه خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه بيان فرائض الصدقة، أي: مقاديرها وتحديدها. قوله: [ هذه فريضة الصدقة ] يعني: هذا بيان فريضة الصدقة، أي: بيان مقاديرها والنصاب والحد الأدنى والأوقاص التي لا زكاة فيها بين المقدارين من بهيمة الأنعام، ففي ذلك الكتاب بيان ما يستحق عند كل مقدار. وقوله: [ التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم ] المراد بذلك أنه قدرها وبين مقاديرها، ومعلوم أنه جاء في القرآن إيجاب الزكاة دون تحديد وتقدير، وجاء بيان تحديد ذلك وتقديره في السنة، ومعلوم أن البيان الذي حصل من رسول صلى الله عليه وسلم ليس هو من عنده، وإنما هو من عند الله؛ لأن السنة وحي من الله، كما أن القرآن وحي من الله كما قال الله عز وجل وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]. قوله: [ والتي أمر الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم ] يحتمل أن يكون المراد: أمر الله بها رسوله في قوله: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً [التوبة:103]، ويحتمل أن يكون المراد أن هذا التفصيل من الله: ولا شك أن هذه التفاصيل من الله، وليست من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه مبلغٌ عن الله، والسنة هي وحيٌ من الله مبينة وموضحة للقرآن، ودالة على القرآن. قوله: [ فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها ] يعني: على هذا التقدير وعلى هذا البيان الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث المفصل لبيان المقادير، فيعطيها إذا سئلها على وجهها، أما إذا سئل أكثر من ذلك فإنه لا يعطي ما لم يجب عليه، وإنما يعطي ما وجب عليه. وهذا مثل ما جاء في حديث ابن عباس من قصة معاذ بن جبل عندما بعث إلى اليمن فقال: (فإن هم أجابوك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم، فإن هم أجابوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم)يعني: لا تأخذ الكرائم النفيسة التي تكبر وتعظم في عيون أهلها، فإن أخذها ظلم، ولذلك قال: (واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) يعني: عليه أن يخشى أن يدعو عليه من ظلمه بأخذ شيء أكثر مما يجب عليه؛ فتصيبه الدعوة، ويستجيب الله عز وجل دعاءه على هذا الذي ظلمه. بيان زكاة الإبل وأنصبتها قوله: [ فيما دون خمس وعشرين من الإبل الغنم ] بدأ ببيان هذه التفاصيل، فبين عليه الصلاة والسلام أن زكاة الإبل تنقسم إلى قسمين: قسم قليل تخرج زكاته من غير نوعه وهو الغنم؛ لأنه لو أخرج من نوعه لكان في ذلك ضرر على أصحاب الأموال، ولو لم يؤخذ منهم شيء مع أن المال فيه خير كثير، وبلغ مبلغ النصاب؛ فإنه يفوت على الفقراء شيء من الحقوق التي يستحقونها في أموال الأغنياء، فجاءت الشريعة ببيان المقادير على وجهٍ ينفع الفقير ولا يضر الغني. فإذا بلغت الإبل خمساً وعشرين وحال عليها الحول فيبدأ بإخراج الزكاة من جنسها، وإذا كانت أقل من خمس وعشرين فإن الزكاة فيها تكون من الغنم، في كل خمس ذود شاة، يعني أن الخمس من الإبل فيها شاة وقد مر في الحديث (ليس فيما دون خمس ذود صدقة). يعني: ما نقص عن الخمس لا زكاة فيه، والخمس هي أقل مقدار يزكى، ولكن زكاته تكون من غير جنسه أي: من الغنم وليس من الإبل؛ لأنه لو أخرج ناقة من الخمس لصارت الزكاة خُمُس المال، وفي ذلك ضررٌ على صاحب المال. فإذا بلغت تسعاً فليس فيها إلا شاة، فإذا بلغت عشراً صار فيها شاتان إلى أربع عشرة، فإذا صارت خمس عشرة ففيها ثلاث شياه، وإذا بلغت تسع عشرة فليس فيها إلا ثلاث شياه، فإذا بلغت عشرين صار فيها أربع شياه إلى أربع وعشرين، فإذا بلغت خمساً وعشرين بدأ يخرج من جنسها، وهي ابنة مخاض. قوله: [ فيما دون خمس وعشرين من الإبل الغنم ] أي: الزكاة فيما دون خمس وعشرين -أي: من أربع وعشرين فما دون- الغنم، وبين ذلك بقوله: (في كل خمس ذود شاة) ثم إلى أربع وعشرين فيها أربع شياه، الوقص، وهو ما بين الفريضتين، ولا زكاة فيه، وإنما الزكاة في مقدار الفريضة. والأربع التي فوق العشرين ليس فيها شيء، فإذا بلغت خمساً وعشرين فيخرج الزكاة من جنسها بنت مخاض. وبنت المخاض هي التي أكملت من عمرها سنة ودخلت في السنة الثانية، فأمها غالباً تكون قد حملت، فيقال لها: بنت مخاض لأن أمها ذات مخاض، وهذا في الغالب، وقد تكون أمها ما حملت وليس في بطنها حمل، ولكن جرياً على الغالب قيل لها: بنت مخاض. ففي خمس وعشرين إلى خمس وثلاثين بنت مخاض، فإذا زادت واحدة وصارت ستاً وثلاثين ففيها بنت لبون، وإذا لم تكن عنده بنت المخاض في المقدار الذي من خمس وعشرين إلى خمس وثلاثين فإنه يخرج ابن لبون ذكر، فالكبر في الذكر مقابل النفاسة التي في الإناث؛ لأن الإناث في الصدقة مفضلة على غيرها؛ لأنها تلد وتنمى، فإذا زاد واحدة عن خمس وثلاثين فصارت ستاً وثلاثين من الإبل ففيها بنت لبون، وهي التي أكملت سنتين من عمرها ودخلت في السنة الثالثة. وقيل لها: بنت لبون؛ لأن أمها تكون قد ولدت رضيع لبن، لأنها في السنة الأولى صارت ذات حمل، ثم بعد ذلك عندما تبلغ بنتها سنتين تكون قد ولدت، فقيل لها: ابنة لبون، يعني: أمها ذات لبن. ومن ستة وثلاثين إلى خمس وأربعين فيها ابنة لبون، فإذا زادت واحدة صارت ستةً وأربعين وفيها حقة، والحقة هي التي أكملت ثلاث سنين من عمرها ودخلت في السنة الرابعة. ومن ست وأربعين إلى ستين ليس فيها إلا حقة، فإذا زادت واحدة وصارت إحدى وستين ففيها جذعة، وهي التي أكملت أربع سنوات من عمرها ودخلت في السنة الخامسة، وهذا هو أعلى مقدار سن يخرج في الزكاة، وبعد ذلك يأتي التضعيف والتكرار. والأموال التي تخرج في الزكاة ليست مما يحصل به الهدي والأضحية؛ لأن الأضحية والهدي لا يكون إلا بالثني الذي أكمل خمس سنوات، لكن كل الأسنان التي في زكاة الإبل هي دون السن الذي يجزئ في الأضحية والهدي؛ لأن المقصود بذلك أن ينمى، ولا يتجاوز فيه الجذعة، فإذا زاد المال على ذلك فينتقل إلى تضعيف الحقة، وتضعيف بنت اللبون، وأما بنت المخاض والجذعة فلا تضاعفان، وإنما الذي يضاعف هو الوسط: ابنة اللبون والحقة. فمن واحد وستين إلى خمس وسبعين ليس فيها إلا جذعة، فإذا زادت واحدة وصارت ستة وسبعين ففيها بنتا لبون إلى تسعين، فإذا زادت واحدة وصارت إحدى وتسعين ففيها حقتان إلى عشرين ومائة، فإذا زادت ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، فإذا وصلت المائتين حصل التساوي إما بإخراج خمس بنات لبون أو أربع حقاق؛ لأن المائتين هو العدد الذي ينقسم على خمسين وعلى أربعين، وهو الذي يسمى في الحساب: المضاعف المشترك البسيط، وهو أقل عدد ينقسم على عددين بدون باق. أحكام تباين أسنان الإبل في الزكاة قوله: [ (فإذا تباينت أسنان الإبل) ] بمعنى: أن الذي بلغت إبله إحدى وستين، وليس عنده جذعة، فإنه يؤخذ منه حقة، ويضاف إلى ذلك شاتين أو عشرين درهماً جبراً للنقص الذي بين الحقة والجذعة. وقوله: [ (إن استيسرتا له) ] يعني: إن كانتا عنده وتيسرتا له، وهو مخير بين عشرين درهماً أو شاتين. قوله: [ (ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده حقة وعنده جذعة فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهماً أو شاتين) ] هذا عكسه، فتؤخذ منه الجذعة ويعطى الفرق وهو شاتان أو عشرون درهماً. قوله: [ (ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليس عنده حقة وعنده ابنة لبون فإنها تقبل منه) ] أي: يقال في الحقة مع بنت اللبون مثلما قيل في الجذعة والحقة، فإذا كان عنده الحد الأعلى فإنه يؤخذ منه ويعطى الفرق، وإن لم يكن عنده إلا الحد الأدنى فإنه يؤخذ منه ويعطي هو الفرق. ولا يخرج من الذكور إلا ابن اللبون. [ قال أبو داود : من هاهنا لم أضبطه عن موسى كما أحب: (ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما، ومن بلغت عنده صدقة بنت لبون وليس عنده إلا حقة فإنها تقبل منه) قال أبو داود : إلى هاهنا ثم أتقنته: (ويعطيه المصدق عشرين درهماً أو شاتين) ]. يعني: إن كان عنده السن الأعلى أخذ منه وأعطي الفرق، وإن كان عنده السن الأدنى فإنه يعطي السن الأدنى ويدفع الفرق، وفي ذلك الوقت كانت الشاة الواحدة قيمتها عشرة دراهم. قوله: [ (ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون وليس عنده إلا بنت مخاض فإنها تقبل منه وشاتين أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة ابنة مخاض وليس عنده إلا ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه وليس معه شيء) ] يعني: أن الذكر إذا أخذ مكان بنت المخاض فلا يعطى شيئاً؛ لأن الفرق في سن الذكر الزائد يقابل نقص كونه ليس أنثى. وإخراج صدقة الإبل نقداً فيه خلاف بين أهل العلم، ومعلوم أن الزكاة كانت تنمى، وكان لها رعاة، وتحصل الاستفادة منها، وهذا لا يتأتى في القيمة، لكن إذا احتيج إلى القيمة، واضطر الناس إلى أن يأخذوها فلا بأس؛ لأن الدولة قد لا تستطيع تنميتها، فيمكن أن تؤخذ القيمة إذا احتيج إلى ذلك، وهذا راجع للمصدق الذي يأخذ الصدقات، فهو الذي يرى المصلحة. قوله: [ (ومن لم يكن عنده إلا أربع فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها) ] هذا رجوع إلى ما تقدم وهو (في كل خمس ذود شاة، والأربع ليس فيها شيء؛ لأنها دون النصاب، إلا إذا شاء صاحبها أن يخرج شيئاً تطوعاً فلا بأس بذلك، وأما كونه يؤخذ منه بغير رضاه فلا يجوز، ولكن هذا يرجع إليه، فإن أراد أن يتطوع وقال: أنا أدفع هذا تطوعاً فإنه يؤخذ منه). بيان زكاة الغنم وأنصبتها قوله: [ (وفي سائمة الغنم إذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت على عشرين ومائة ففيها شاتان إلى أن تبلغ مائتين، فإذا زادت على مائتين ففيها ثلاث شياة إلى أن تبلغ ثلاثمائة، فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة شاة) ]. جاء في الحديث ذكر زكاة سائمة الغنم، فليس فيها شيء حتى تبلغ أربعين، فإن كانت تسعاً وثلاثين فليس فيها شيء، فإذا بلغت أربعين بدأ يحسب الحول من حين بلوغها أربعين، فالحد الأدنى الذي يزكى هو أربعين شاة، وفيها شاة واحدة إلى مائة وعشرين، فإذا زادت واحدة على مائة وعشرين وصارت مائة وإحدى وعشرين ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة، فإذا زادت عن ثلاثمائة ففي كل مائة شاة، وأكبر وقص في زكاة الغنم هو من مائتين وواحدة إلى ثلاثمائة وتسع وتسعين؛ لأن الثلاث شياه تبدأ من مائتين وواحدة إلى ثلاثمائة وتسع وتسعين، فإذا زادت واحدة وبلغت أربعمائة ففيها أربع شياه، ففي كل مائة شاة، فخمسمائة شاة فيها خمس شياه، وستمائة فيها ست شياه، وألف فيها عشر شياه.. وهكذا. ما لا يؤخذ في زكاة الغنم قوله: [ (ولا يؤخذ في الصدقة هرمة) ] وهي الكبيرة التي طعنت في السن وبلغت الهرم؛ لأن لحمها لا يكون طيباً، ولأنها لا يحصل إنتاجها والاستفادة منها كما يستفاد من الصغيرة. قوله: [ (ولا ذات عوار من الغنم) ] قيل: هي التي فيها نقص، فإن العَوار هو العيب، والعُوار: هو فقد أحد العينين. قوله: [ (ولا تيس الغنم) ] وهو فحلها. قوله: [ (إلا أن يشاء المصدق) ] أي: صاحب الغنم؛ لأن صاحب الغنم بحاجة إلى فحله، فلا يؤخذ منه فيتضرر بسبب ذلك، ولكنه إذا شاء أن يخرج الفحل فلا بأس، فقوله: (إلا أن يشاء المصدق) يرجع إلى فحل الغنم. وأما الهرمة وذات العوار فلا تؤخذ إلا إذا كانت الغنم كلها من هذا القبيل، فإنه يؤخذ واحدة منها، فإذا كانت كلها معيبة فتؤخذ واحدة معيبة، وإذا كانت كلها هرمة فتؤخذ هرمة، ولكن الذي يحتاج إلى مشيئة المالك هو تيس الغنم الذي يحتاج إليه، فأخذه إضرار به، والمصَّدِّق المراد به المالك، وأما العامل فيقال له: المصَدِّق. والأنثى أنفع للفقير من حيث التنمية في الإبل، وأما بالنسبة للغنم فيجوز أن يخرج ذكراً أو أنثى، وقد يكون الذكر أنفع للفقير؛ لأنه قد يحتاج للفحل من أجل أن ينزو على غنمه. تحريم الحيل في إخراج الزكاة قوله: [ (ولا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة) ]. هذا فيه دليل على أن الخلطة تصير المالين كالمال الواحد إذا اشتركت الغنم في المرعى والراعي والمراح والفحل، فتزكى زكاة مال واحد، وجاء في هذا الحديث أنه لا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين مفترق خشية الصدقة؛ لأنه أحياناً يكون بجمع المال أو بتفريقه قلة الصدقة أو كثرتها، والخشية قد تكون من العامل وقد تكون من المالك، فالمالك قد يفرق المجتمع أو يجمع المفترق حتى تقل الزكاة، والعامل قد يجمع المتفرق أو يفرق المجتمع من أجل أن تكثر الزكاة. فمثلاً: إذا كان لثلاثة أشخاص مائة وعشرون شاة، فإذا جمعت تكون الزكاة فيها شاة واحدة، لكن لو كان عند كل رجل منهم أربعون شاة ففيها ثلاث شياه، فكون العامل يجد خلطة في مائة وعشرين فيفرقها على الثلاثة ويقول: آخذ من كل واحد شاة لا يجوز، وهذا قد يكون من العامل من أجل تكثير الصدقة. ومثال تفريق المجتمع أن يكون لرجلين أربعون شاة، فيفرقانها فيجعلان عند كل واحد منهما عشرين، فيكون ليس فيها زكاة، لكن إذا جمع بينها فتكون أربعين وفيها شاة. قوله: [ (وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية) ] فإذا كان أحدهما عنده عشرون شاة، والآخر عنده عشرون، وأخذت شاة واحدة منهما، فالذي أخذت شاته يرجع على صاحبه بنصف الشاة؛ لأن الشاة الواحدة هي عن المجموعتين من الغنم، فيتراجعان بينهما بالسوية، بمعنى: أن هذا عليه نصف شاة، وهذا عليه نصف شاة. قوله: [ (فإن لم تبلغ سائمة الرجل أربعين فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها) ] وهذا مثلما مر أن الأربع من الإبل ليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها، وكذلك ما دون الأربعين من الغنم ليس فيها زكاة إلا أن يشاء ربها تطوعاً، لأنها دون النصاب. زكاة الفضة قوله: [ (وفي الرقة ربع العشر) ] الرقة هي الفضة، وفيها ربع العشر. قوله: [ (فإن لم يكن المال إلا تسعين ومائة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها) ] هنا ذكر أعلى عقد من العقود، وهو مائة وتسعون، ولا يعني ذلك أنه إذا كان المال مائة وتسعة وتسعين يكون فيه شيء، بل ما بين المائة والتسعين والمائة والتسعة والتسعين ليس فيها شيء؛ لأن قوله: (ليس فيما دون خمس أواق صدقة) يدخل فيه مائة وتسعة وتسعون؛ لأن الخمس الأواقي هي مائتا درهم، فإذا نقص درهم واحد عن المائتين فلا زكاة فيها. تراجم رجال إسناد حديث (هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله...) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. حماد بن سلمة ثقة أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ قال: أخذت من ثمامة بن عبد الله بن أنس كتاباً ]. ثمامة بن عبد الله بن أنس صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو يروي عن جده أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي سنن النسائي إسناد لهذا الحديث فيه أن ثمامة يروي عن أنس . الأسئلة حكم من أعد الزكاة ليخرجها فسرقت منه السؤال: رجل أعد المقدار الذي عليه من ماله للزكاة، ثم سرق منه ذلك القدر، فهل عليه إعادة إخراجه مرة أخرى؟ الجواب: مادام أنه كان في حوزته ولم يصل إلى الفقراء فإن عليه أن يخرجه، ومجرد كونه خصصه أو هيأه لأن يخرجه ولم يصل إلى مستحقيه لا يكفي، فعليه أن يخرج بدله، حتى لو نقص المال المتبقي عن النصاب، لأن الزكاة وجبت عليه قبل أن يسرق منه هذا المال، فالوجوب قد استقر قبل ضياع شيء منه، فتجب عليه الزكاة وإن نقص المال. حكم دفع الزكاة لطلبة العلم السؤال: هل يصلح أن يدفع المزكي زكاة ماله لطلبة العلم إذا لم يكونوا من الأصناف الثمانية المذكورين في الآية؟ الجواب: إذا كانوا فقراء فيعطيهم لفقرهم، أما أن يعطيهم ليطلبوا العلم وهم ليسوا فقراء فليس له ذلك؛ لأن مصارف الزكاة بينها الله عز وجل في كتابه العزيز، فلا تتجاوز إلى غيرها. كيفية إخراج زكاة المال المستمر في النماء السؤال: أعمل سائقاً في سيارة أجرة، وبعد مرور عام من عملي هذا يكون عندي مال كثير يبلغ النصاب، ولكن لا أستطيع أن أفرق فيه بين ما أكتسبه اليوم أو قبل عام؛ لذلك يصعب علي تقدير المال الواجب علي من الزكاة، فكيف أصنع؟ الجواب: المناسب للإنسان أن يخصص شهراً يخرج فيه الزكاة، فإذا لم يستطع أن يضبط دخله في كل وقت وحوله بمفرده ليزكيه بمفرده؛ فإنه يخصص شهراً معيناً من السنة يزكي فيه المال المتوافر، سواء كان قد مضى عليه سنة كاملة أو مضى عليه أقل. كفر الطائفة الممتنعة عن إخراج الزكاة السؤال: إذا امتنعت طائفة من الناس عن أداء الزكاة، وكان لها شوكة وقاتلت الحاكم على ذلك، فهل يحكم بكفرها؟ وما صحة نقل الإجماع على كفرها؟ الجواب: إذا جحدوا وجوب الزكاة يكونون كفاراً، وأما إذا لم يجحدوا وجوب الزكاة، ولكنهم عندهم بخل، ولا يريدون أن يؤخذ منهم شيء، فهذا ليس كفراً. حكم زكاة الغنم التي ترعى نهاراً وتعلف ليلاً السؤال: عندي غنم بلغت النصاب، لكنها ترعى صباحاً وأعلفها ليلاً طوال العام، فهل فيها زكاة؟ الجواب: المعول عليه هو الغالب عليها، فإذا كانت ترعى ويعلفها شيئاً يسيراً فهذا لا يؤثر، ولكن إذا كانت معتمدة على العلف، ولا ترعى إلا شيئاً يسيراً، فلا زكاة فيها، فالمعول عليه هو الغالب. لا مجال للرأي في الزكاة السؤال: كيف تجب الزكاة على من يملك ستة وخمسين ريالاً فقط، ولا تجب على من يملك تسعاً وثلاثين شاة؟ الجواب: هكذا جاءت الشريعة في تحديد المقادير بالنسبة للفضة وبالنسبة للغنم، والشريعة إذا جاءت بشيء فإنه يعمل بما جاءت به ولا يسأل عن الفرق وعن المقادير والتفاوت بينها، وإنما يؤخذ بما جاءت به الشريعة، ولا يعترض عليها، ولا مجال للرأي فيها، والواجب اتباع النص. حكم زكاة السيارات المستخدمة لنقل بضائع الشركات السؤال: أنا صاحب مؤسسة، ولي عتاد متنوع يساهم في تنمية رأس المال، فهل تجب الزكاة على هذا العتاد؟ الجواب: إن كان المقصود بالعتاد أشياء تستعمل لتنمية المال مثل السيارات التي يستخدمها في النقل، فليس فيها زكاة. حكم زكاة صاحب الأنعام السائمة التي يباع لبنها السؤال: إذا كان صاحب الأنعام يعلفها ويخسر فيها، ولكنه يستفيد منها بأن يبيع لبنها وفحولها، فيربح ويغطي الخسارة، فهل عليه زكاة؟ الجواب: إذا كانت ترعى أكثر الحول ففيها زكاة، سواء ربح أو لم يربح. حكم بيع الغنم وإعطاء ثمنها للفقراء في الزكاة السؤال: عندي مائة رأس غنم، وأعرف مستحقين للزكاة أكثر من ستة، فهل يجوز لي بيع الصدقة الواجب إخراجها من الغنم وأعطي المستحقين الزكاة نقوداً لا غنماً؟ الجواب: يجوز أن تخرج قيمتها المحققة التي ليس فيها نقص وتوزعها عليهم، ولا بأس بذلك. حكم طاعة الإمام إذا ظهر فسقه السؤال: قول الخطابي : وفي هذا دليل على أن الإمام والحاكم إذا ظهر فسقهما بطل حكمهما، هل هذا الكلام صحيح؟ الجواب: ليس بصحيح اللهم إلا إذا أمر الحاكم بمعصية الله، فلا يطاع في معصية الله، أما الخروج على الحاكم فلا يجوز إذا حصل منه الفسق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان)، أما إذا كان قصده أنه لا يجوز تنفيذ شيء من معصية الله عز وجل فهو صحيح، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله. حكم إعطاء الزكاة للأخت الفقيرة السؤال: هل يجوز لي أن أعطي الزكاة لأختي، علماً بأن زوجها متوفى، وليس هناك من ينفق عليها؟ الجواب: إذا كانت فقيرة فلك أن تخرج الزكاة لها، لكن ليعلم أن القريب له حق غير الزكاة، وبعض الناس يتخلص من الحقوق التي عليه بالزكاة، فيقول: إذا لم أعطها من الزكاة فسأعطيها من مالي، فيجعل الزكاة وقاية للمال، فهذا لا يجوز، وأما إذا لم يكن في إعطائه لأخته الزكاة حيلة لوقاية ماله فلا بأس بذلك. معنى الآيات المكية التي فيها ذكر الزكاة السؤال: ما تفسير الآيات المكية التي فيها الأمر بالزكاة؟ الجواب: تشريع الزكاة ومقاديرها جاء في المدينة، وكانت الزكاة في مكة غير محددة، فالتحديد جاءت به السنة، والإجمال جاء في القرآن المكي، وجاءت السنة ببيان ذلك، ولكن هذا البيان وتفصيله إنما جاء في المدينة. حديث (هما لله ولرسوله) لا يدل على عدم وجوب زكاة الحلي السؤال: استدل بعض أهل العلم بقول صاحبة المسكتين: (هما لله ولرسوله) على عدم وجوب الزكاة، فما توجيهكم؟ الجواب: هي أعطت المال الذي عندها كله لله عز وجل متقربة به إليه، ويكون ذلك على نظر الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فليس هذا زكاة، فلما سمعت أن فيه عذاباً أرادت أن تتخلص منه، ولم تخرجه على أنه زكاة، فليس فيه دليل على عدم وجوب زكاة الحلي. من يتولى توزيع الزكاة على الفقراء السؤال: هل صاحب المال هو الذي يتولى توزيع زكاة ماله، أم يجب عليه أن يعطيها لمن تولى أمره من حاكم أو أمير منطقة؟ الجواب: الأموال الظاهرة كالمواشي والحبوب والثمار يرسل الوالي المصدق ليجمعها، وأما الأمور الخفية كالنقود التي تكون في حوزة الإنسان وليست أموراً ظاهرة فهو الذي يتولى توزيعها، وكذلك أموال التجارة التي لا يعلم مقاديرها إلا المالك فهو الذي يتصرف فيها، وأما المواشي والزروع والثمار التي ترى، فيرسل الوالي خارصاً يخرص الزرع أو الثمار، ثم يخرج المقدار الذي حدد له إخراجه عند استواء الثمار والجذاذ. إذاً: هناك أموال ظاهرة، وهناك أموال خفية، فالأموال الظاهرة إذا أرسل الإمام عاملاً ليأخذها تدفع له، وإذا لم يرسل الإمام العامل فنفس المالك يتولى توزيعها، وأما الأموال الخفية فيتولاها المالك. رواية البخاري في صحيحه عن بعض المبتدعة الثقات السؤال: هل الإمام البخاري روى عن بعض المبتدعة في صحيحه؟ الجواب: نعم هذا موجود، والحافظ ابن حجر ذكر في مقدمة الفتح أسماء رجال البخاري الذين قدح فيهم ببدعة أو بسوء حفظ أو بأي شيء قادح، وأجاب عن الإمام البخاري بأن بعض الذين نسب إليهم بدعة معينة إنما أخرج لهم في الشواهد أو في شيء لا يتعلق ببدعتهم أو ما إلى ذلك. ومقدمة الفتح المسماة هدي الساري فيها فوائد عظيمة تتعلق بالبخاري وبرجال البخاري وبأحاديث البخاري المتكلم فيها، وقد عقد فصلاً خاصاً بالرجال الذين تكلم فيهم من رجال البخاري ، وبين الكلام عن كل واحد منهم، والإيراد الذي أورد عن كل واحد منهم، والكلام عنه، وذكر من رمي ببدعة ولم يثبت ذلك عنه، أو ثبت ولكنه ما روى عنه فيما يتعلق ببدعته، وهذه المقدمة لا يستغني عنها طالب العلم. كلام الرسول عليه الصلاة والسلام منه ما هو وحي ومنه ما هو اجتهاد السؤال: هل كل ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حياته هو من الوحي أو قد يكون اجتهاداً من نفسه؟ الجواب: منه ما قد يكون اجتهاداً، ولكنه لا يقر على الخطأ، مثل قوله في مسألة التأبير: (أنتم أعلم بدنياكم). قصر المريض للصلاة السؤال: المريض الذي يجوز له الجمع بين الصلاتين، هل يحل له أن يقصر الرباعية؟ الجواب: المريض لا يقصر فإنما، رخص له في الجمع، ولم يرخص له في القصر. حكم المنامات والهواتف في اليقظة السؤال: لم أكن أقوم بفرائض الإسلام، وبينما أنا وحدي سمعت صوتاً باللغة العربية يقول: عليك بالصلاة! ثم أمرني بالتسبيح، ثم بحفظ القرآن، وأي خطأ أقوم به يلومني عليه، ولقد رأيت في منامي نوراً عظيماً يقترب مني وهو يقول: شفع فيك محمد صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: الإنسان لا ينبغي له أن يسلم نفسه للمنامات وللهواتف التي تهتف به أو يخيل إليه ذلك، وإنما عليه أن يستقيم على طاعة الله وطاعة رسوله، ويبحث عن الحق والهدى ويتبعه، ولا يعول على الهواتف ولا على المنامات. حكم التصوير بالكاميرا السؤال: حديث: (لعن الله المصورين)، هل المقصود صاحب المهنة أم أي إنسان يستخدم الكاميرا؟ الجواب: اللعن مطلق كما هو معلوم، لكن صاحب المهنة الموغل في المعصية، والمشتغل فيها باستمرار؛ جرمه أشد وأعظم؛ لأن المعصية كلما كثرت وتعددت زادت المصيبة فيها، واللعن يصدق عل كل من يندرج تحت هذا اللفظ، لكن صاحب المهنة أشد؛ لأنه مستمر على هذا البلاء."
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الزكاة شرح سنن أبي داود [189] الحلقة (220) شرح سنن أبي داود [189] أمر الله تعالى المؤمنين بإخراج الزكاة، وبين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في سنته، فبين أنصبة زكاة الإبل والغنم والبقر، وأنصبة الذهب والفضة، وبين أسنان ما يخرج في زكاة الأنعام، ونهى عن جمع المفترق أو تفريق المجتمع منها من أجل الزكاة، كما بين نصاب الحبوب التي تخرج من الأرض، فعلى من يملك المال أن يتفقه في ذلك حتى يؤدي حق الله كما أمره الله. تابع ما جاء في زكاة السائمة شرح حديث (كتب رسول الله كتاب الصدقة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا عباد بن العوام عن سفيان بن الحسين عن الزهري عن سالم عن أبيه رضي الله عنه قال: (كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب الصدقة فلم يخرجه إلى عماله حتى قبض، فقرنه بسيفه فعمل به أبو بكر رضي الله عنه حتى قبض، ثم عمل به عمر رضي الله عنه حتى قبض، فكان فيه: في خمس من الإبل شاة، وفي عشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياة، وفي عشرين أربع شياة، وفي خمس وعشرين ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين، فإن زادت واحدة ففيها ابنة لبون إلى خمس وأربعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقة إلى ستين، فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس وسبعين، فإذا زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى تسعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقتان إلى عشرين ومائة، فإن كانت الإبل أكثر من ذلك ففي كل خمسين حقة، وفي كل أربعين ابنة لبون. وفي الغنم في كل أربعين شاة شاة إلى عشرين ومائة، فإن زادت واحدة فشاتان إلى مائتين، فإن زادت واحدة على المائتين ففيها ثلاث شياة إلى ثلاثمائة، فإن كانت الغنم أكثر من ذلك ففي كل مائة شاة شاة، وليس فيها شيء حتى تبلغ المائة. ولا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق مخافة الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية، ولا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عيب). قال: قال الزهري : إذا جاء المصدق قسمت الشاء أثلاثاً: ثلثاً شراراً، وثلثاً خياراً، وثلثاً وسطاً، فأخذ المصدق من الوسط، ولم يذكر الزهري البقر ]. سبق حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الذي فيه كتاب أبي بكر إلى أنس لما استعمله على صدقات البحرين، وهو مطابق لحديث ابن عمر الذي أورده المصنف هنا، فإنه مماثل له في كثير من الأمور التي اشتمل عليها في بيان مقادير زكاة الإبل ومقادير زكاة الغنم، وكون الخلطة في المالين تصير المالين كالمال الواحد، وأنه لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وأنه لا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار، وتقدم الكلام على حديث أنس ، والكلام على حديث ابن عمر كالكلام على حديث أنس فلا نعيده. قوله: [ قال الزهري : إذا جاء المصدق قسمت الشاء أثلاثاً ] المصدق هو العامل، فيقسم الغنم ثلاثة أثلاث: ثلثاً خياراً، وثلثاً وسطاً، وثلثاً شراراً، يعني: رديئة، فالزكاة لا تؤخذ من الخيار ولا من الرديئة وإنما تؤخذ من الوسط؛ لأنها لو أخذت من الخيار لكان في ذلك إضرار بأصحاب الأموال، وقد جاء في حديث ابن عباس في قصة بعث معاذ بن جبل إلى اليمن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (وإياك وكرائم أموالهم) أي: خيارها وحسانها، ولا تؤخذ الشرار أو الرديئة؛ لأن هذا فيه إضرار بالفقراء، وإذا أخذ الوسط صار في ذلك مصلحة في حق الجميع. وقوله: [ (كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب الصدقة فلم يخرجه إلى عماله حتى قبض، فقرنه بسيفه) ] هذا فيه زيادة على ما تقدم، وهو أنه صلى الله عليه وسلم كتب كتاب الصدقة، ولم يخرجه إلى عماله حتى قبض، وقد مر في حديث أنس رضي الله عنه أن هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بين فيه فرائض الزكاة كما أمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم، وفي هذا الحديث: أن هذا الكتاب كان مع سيفه صلى الله عليه وسلم، وأن أبا بكر والصحابة عملوا به من بعده، وقد مر في الحديث السابق أن أبا بكر كتب بهذا إلى أنس لينفذه ويعمل بما فيه. تراجم رجال إسناد حديث (كتب رسول الله كتاب الصدقة...) قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي هو ثقة أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ عن عباد بن العوام ] عباد بن العوام وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان بن حسين ]. سفيان بن حسين وهو ثقة إلا في الزهري أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن الزهري ]. الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهذه رواية سفيان عن الزهري ، وهو ثقة إلا في الزهري ، ففي روايته عن الزهري كلام، ولكن قد تابعه سليمان بن كثير فلم ينفرد بهذا عن الزهري . [ عن سالم ]. سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وهو تابعي ثقة أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (كتب رسول الله كتاب الصدقة ...) من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا محمد بن يزيد الواسطي أخبرنا سفيان بن حسين بإسناده ومعناه قال: (فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون) ولم يذكر كلام الزهري ]. أورد المصنف الحديث بإسناد آخر، ولكنه ذكر فيه أن ابن اللبون يؤخذ بدل ابنة المخاض إذا لم توجد ابنة المخاض، وابنة المخاض هي التي أكملت سنة واحدة من عمرها، ودخلت في السنة الثانية، وهي تجب في خمس وعشرين من الإبل إلى خمس وثلاثين، وإذا لم توجد بنت مخاض فإنه يخرج بدلها ابن لبون، وعلى هذا فتكون الزيادة في السن في الذكر مقابل الفضل والحسن الذي يكون في الأنثى؛ لأن الأنثى فيها مصلحة للفقراء. ولم يأت في الأحاديث التي بينت مقادير الزكاة أن الذكر الذي يكون سنه أعلى من سن الأنثى يؤخذ بدلها إلا في ابنة المخاض، فإنه يؤخذ بدلها ابن لبون ذكر، ولم يأت فيما يتعلق بابنة اللبون أنه يؤخذ بدلها حق، ولا في الحقة أنه يؤخذ بدلها جذع، وهو الذي أكمل أربع سنين ودخل في السنة الخامسة، وإنما جاء هذا في ابنة المخاض فقط، فإذا لم توجد فإنه يؤخذ مكانها ابن لبون ذكر. ولم يذكر الراوي هنا كلام الزهري الذي فيه ذكر الخيار والشرار والوسط. وقد ذكرنا في الدرس الماضي أن بنت المخاض سميت بذلك لأن أمها قد حملت، فهي دخلت في السنة الثانية وأمها صارت ذات حمل، وأما بنت اللبون فسميت بذلك لأن أمها قد ولدت فصارت ذات لبن. وهي التي أكملت سنتين ودخلت في السنة الثالثة من عمرها. والحقة سميت بذلك لأنها استحقت أن يطرقها الجمل، يعني: صارت أهلاً لأن يطرقها الجمل وأن يرغب فيها الجمل؛ لأنها أكملت ثلاث سنوات ودخلت في السنة الرابعة، ولذلك قال: (حقة طروقة الجمل) أي: استحقت أن يطرقها الجمل. والجذعة هي التي أكملت السنة الرابعة ودخلت في الخامسة. والثنية هي التي أكملت الخامسة ودخلت في السادسة، والذي يجزئ في الأضحية والهدي هو الثني، وعلى هذا فالأموال الزكوية في الإبل كلها لم تصل إلى الحد الذي يجزئ في الأضحية؛ لأن أسنانها صغيرة؛ لأنه يقصد منها تنميتها وتربيتها وتنشئتها، فهذه الأسنان الأربعة التي هي: بنت المخاض وبنت اللبون والحقة والجذعة كلها لم تصل إلى السن الذي يجزئ في الأضحية؛ لأنه لا يجزئ في الأضحية من الإبل إلا ما كان ثنياً أكمل خمس سنوات ودخل في السنة السادسة. تراجم رجال إسناد حديث (كتب رسول الله كتاب الصدقة ...) من طريق ثانية قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي في عمل اليوم والليلة و ابن ماجة . [ حدثنا محمد بن يزيد الواسطي ]. وهو ثقة أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ أخبرنا سفيان بن حسين بإسناده ومعناه ]. يعني: سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم عن أبيه بإسناد الحديث ومعناه، وليس بلفظه، فإذا قيل: (بمعناه) أي: أنه لم يتفق معه في الألفاظ تماماً، وإنما يتفق معه في المعنى. شرح حديث الزهري (هذه نسخة كتاب رسول الله الذي كتبه في الصدقة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء أخبرنا ابن المبارك عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: هذه نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي كتبه في الصدقة، وهي عند آل عمر بن الخطاب قال ابن شهاب : أقرأنيها سالم بن عبد الله بن عمر فوعيتها على وجهها، وهي التي انتسخ عمر بن عبد العزيز من عبد الله بن عبد الله بن عمر و سالم بن عبد الله بن عمر فذكر الحديث قال: (فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون حتى تبلغ تسعاً وعشرين ومائة، فإذا كانت ثلاثين ومائة ففيها بنتا لبون وحقة حتى تبلغ تسعاً وثلاثين ومائة، فإذا كانت أربعين ومائة ففيها حقتان وبنت لبون حتى تبلغ تسعاً وأربعين ومائة، فإذا كانت خمسين ومائة ففيها ثلاث حقاق حتى تبلغ تسعاً وخمسين ومائة، فإذا كانت ستين ومائة ففيها أربع بنات لبون حتى تبلغ تسعاً وستين ومائة، فإذا كانت سبعين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون وحقة حتى تبلغ تسعاً وسبعين ومائة، فإذا كانت ثمانين ومائة ففيها حقتان وابنتا لبون حتى تبلغ تسعاً وثمانين ومائة، فإذا كانت تسعين ومائة ففيها ثلاث حقاق وبنت لبون حتى تبلغ تسعاً وتسعين ومائة، فإذا كانت مائتين ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون، أي السنين وجدت أخذت وفي سائمة الغنم.. فذكر نحو حديث سفيان بن حسين وفيه: ولا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار من الغنم ولا تيس الغنم إلا أن يشاء المصدق) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وفيه بيان ما اشتمل عليه ذلك الكتاب، وهو مثل الذي قبله إلا أن فيه تفصيلاً فيما يتعلق بما زاد على العشرين ومائة، فإنه فيما مضى قال: في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، وهذا الحديث فيه تفصيل لما أجمل في الرواية السابقة من قوله: (فإذا زادت على مائة وعشرين ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة) فإذا كانت مائة وعشرين فليس فيها إلا حقتان، فإذا زادت على مائة وعشرين ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة. ومعنى هذا أنها إذا صارت مائة وثلاثين فتعدها أربعين وأربعين وخمسين، ففيها بنتا لبون وحقة واحدة، فإذا كانت مائة وأربعين، فتعدها خمسين وخمسين وأربعين ففيها حقتان وبنت لبون، وإذا صارت مائة وخمسين فتعدها خمسين وخمسين وخمسين ففيها ثلاث حقاق، وإذا صارت مائة وستين فتعدها أربعين وأربعين وأربعين وأربعين، ففيها أربع بنات لبون، وإذا صارت مائة وسبعين، ففيها ثلاث بنات لبون وحقة واحدة، فتعد أربعين ثلاث مرات ثم بعد ذلك تعد خمسين، فتكون مائة وسبعين, وإذا صارت مائة وثمانين ففيها حقتان وبنتا لبون؛ لأنك تعدها خمسين وخمسين وأربعين وأربعين، وإذا صارت مائة وتسعين ففيها ثلاث حقاق وبنت لبون؛ لأنك تعدها خمسين وخمسين وخمسين وأربعين، فإذا وصلت مائتين فتعدها أربعين خمس مرات أو تعدها خمسين أربع مرات، يعني: فيخرج أي السنين أحب، فإن كانت عنده خمس بنات لبون أخرجها، وإن كان عنده أربع حقاق أخرجها؛ لأنه تساوى العددان، وهو الذي يسمونه في الحساب (المضاعف المشترك البسيط) وهو أصغر عدد ينقسم على عددين بدون كسر؛ لأن أصغر عدد ينقسم على خمسين وينقسم على أربعين هو المائتان. ثم بعد ذلك كلما زادت الإبل عن المائتين فهو على هذا المنوال، في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، ولو بلغت ما بلغت، فالحساب يكون على اعتبار الأربعين والخمسين. فالحاصل: أن هذه الرواية تفصيل لما أجمل في الرواية السابقة: (فإذا زاد على مائة وعشرين ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة). قوله: [ (ولا يؤخذ في الصدقة هرمة، ولا ذات عوار من الغنم ولا تيس الغنم إلا أن يشاء المصدق) ] يعني: (إلا أن يشاء المصدق) فيما يتعلق بتيس الغنم، وقد تقدم شرح هذا. تراجم رجال إسناد حديث (هذه نسخة كتاب رسول الله الذي كتبه في الصدقة) قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا ابن المبارك ]. عبد الله بن المبارك المروزي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يونس بن يزيد ]. يونس بن يزيد الأيلي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. مر ذكره. [ قال: هذه نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتبه في الصدقة وهو عند آل عمر بن الخطاب، أقرأنيها سالم بن عبد الله بن عمر ]. فيه أنه قرأها على سالم بن عبد الله كما مر في الرواية السابقة أن الزهري يروي عن سالم ، وهنا يقول: أقرأنيها. [ وهي التي انتسخ عمر بن عبد العزيز من عبد الله بن عبد الله بن عمر و سالم بن عبد الله بن عمر ]. يعني: أنها عند آل عمر ، وقد انتسخها من هذين الأخوين: عبد الله بن عبد الله و سالم بن عبد الله . تفسير مالك لمعنى (لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: قال مالك : وقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع هو أن يكون لكل رجل أربعون شاة، فإذا أظلهم المصدق جمعوها لئلا يكون فيها إلا شاة ]. هذا مثال يوضح الجمع بين المفترق خشية الصدقة، وهو أن يكون اثنان لكل واحد منهما أربعون شاة، وليسا خليطين بل متفرقان، فكل واحد منهما عليه شاة، فيجمعان بين الأربعين والأربعين حتى لا يؤخذ منهما إلا شاة واحدة، فعندما يجيء المصدق يجمع هذا غنمه مع غنم هذا ويقولان: نحن خليطان، فيحسبها ثمانين، وليس عليهما فيها إلا شاة واحدة، بل لو كانوا ثلاثة وكل واحد له أربعون شاة، وصاروا خلطاء، فما عليهم إلا شاة واحدة، لكن لو كان كل واحد منهم غنمه على حدة، فكل واحد من الثلاثة عليه شاة. (ولا يفرق بين مجتمع) كأن يجيء المصدق ووجد غنم الثلاثة الخلطاء مائة وعشرين، فلا يفرق بينها ويقول: نأخذ من هذا واحدة، ومن هذا واحدة، ومن هذا واحدة، فيكون فيها ثلاث شياة؛ لأنهم خلطة، فلا يجوز الجمع بين المتفرق ولا التفريق بين المجتمع من أجل الصدقة. قوله: [ ولا يفرق بين مجتمع، أن الخليطين إذا كان لكل واحد منهما مائة شاة وشاة فيكون عليهما فيها ثلاث شياة، فإذا أظلهما المصدق فرقا غنمهما، فلم يكن على كل واحد منهما إلا شاة، فهذا الذي سمعت في ذلك ]. يعني: إذا كان خليطان لكل واحد منهما مائة شاة وشاة، فيكون المجموع مائتين وشاتين، فإذا كانت متفرقة فليس فيها إلا شاتان، فإذا كان مال هذا على حدة، ومال هذا على حدة، فكل واحد عليه شاة؛ لأنه إلى مائة وعشرين ليس فيها إلا شاة واحدة، لكن إذا كانت مختلطة وصارت مائتين وواحدة ففيها ثلاث شياه. وضابط الخلطة أن تختلط الإبل أو الغنم في المراح والمرعى والراعي والفحل، فترعى جميعاً، وتكون في المراح جميعاً، والراعي لها واحد، والفحل أو الفحول لها واحدة، فهذه خلطة، وهي تصير المالين كالمال الواحد. واختلفوا في المراح، فبعضهم يقول: إذا اختلف المراح فليست خلطة، وبعضهم يقول: اختلاف المراح لا يؤثر في الخلطة. وهذا في المواشي، فلا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة، وقد يكون هذا التفريق أو الجمع من جانب المصدق، وقد يكون من جانب المصّدق الذي هو المالك، فالخلطة هي التي تجتمع فيها هذه الأمور. تراجم رجال إسناد أثر مالك في تفسير الحديث قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ قال مالك ]. مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المحدث الفقيه أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث علي بن أبي طالب في الزكاة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق عن عاصم بن ضمرة وعن الحارث الأعور عن علي رضي الله عنه قال زهير : أحسبه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (هاتوا ربع العشور من كل أربعين درهماً درهم، وليس عليكم شيء حتى تتم مائتي درهم، فإذا كانت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم، فما زاد فعلى حساب ذلك. وفي الغنم في أربعين شاة شاة، فإن لم يكن إلا تسع وثلاثون فليس عليك فيها شيء. وساق صدقة الغنم مثل الزهري. وقال: وفي البقر في كل ثلاثين تبيع، وفي الأربعين مسنة، وليس على العوامل شيء. وفي الإبل: فذكر صدقتها كما ذكر الزهري قال: وفي خمس وعشرين خمس من الغنم، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض، فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر إلى خمس وثلاثين، فإذا زادت واحدة ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقة طروقة الجمل إلى ستين). ثم ساق مثل حديث الزهري قال: فإذا زادت واحدة -يعني: واحدة وتسعين- ففيها حقتان طروقتا الجمل إلى عشرين ومائة، فإن كانت الإبل أكثر من ذلك ففي كل خمسين حقة، ولا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين مفترق خشية الصدقة، ولا تؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس إلا أن يشاء المصدق. وفي النبات ما سقته الأنهار أو سقت السماء العشر، وما سقى الغرب ففيه نصف العشر. وفي حديث عاصم و الحارث: الصدقة في كل عام قال زهير : أحسبه قال: (مرة)، وفي حديث عاصم : إذا لم يكن في الإبل ابنة مخاض ولا ابن لبون فعشرة دراهم أو شاتان]. أورد أبو داود حديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه المتعلق ببيان مقادير الزكاة في المواشي وفي الدراهم وفي الحبوب والثمار، وبدأ فيما يتعلق بزكاة الفضة، وقوله: (من كل أربعين درهماً درهم) المقصود من ذلك بيان نسبة الصدقة إلى أصل المال، وليس المقصود أن الأربعين فيها زكاة؛ لأنه قال بعد ذلك: (وليس عليكم شيء حتى تتم مائتي درهم) فالمقصود بيان مقدار الزكاة بالنسبة إلى أصل المال، يعني أنها جزء من أربعين جزءاً، وهذا بالنسبة لما بلغ نصاباً فأكثر، وهذا معناه أنه يخرج ربع العشر. قوله: [ (وليس عليكم شيء حتى تتم مائتي درهم) ] يعني: حتى تبلغ النصاب، فالنصاب مائتا درهم، فلو نقص المال عن النصاب ولو درهماً واحداً فإنه لا زكاة فيه، وقد جاء في الحديث الذي سبق: (ليس فيما دون خمس أواق صدقة) والأوقية أربعون درهماً، والخمس الأواق مائتا درهم، وهي تساوي الآن ستة وخمسين ريالاً بالريال السعودي الفضي، وأما بالنسبة للريالات الورقية فنصابها بحسب قيمة ستة وخمسين ريالاً من الفضة، وقد تزيد القيمة وتنقص. قوله: [ (فإذا كانت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم) ]، هذا فيه بيان أقل النصاب وهو المائتان، ومقدار زكاتها خمسة دراهم من مائتين، وهي تعادل واحداً من أربعين. قوله: [ (فما زاد فعلى حساب ذلك) ] أي: يخرج من الجميع ربع العشر، من المائتين فما زاد. قوله: [ (وفي الغنم في أربعين شاة شاة) ] هذا بيان نصاب الغنم، وهو متفق مع ما تقدم من أن الأربعين شاة فيها شاة واحدة. قوله: [ (فإن لم يكن إلا تسع وثلاثون فليس عليك فيها شيء) ] يعني: إذا نقصت عن النصاب واحدة فصارت تسعة وثلاثين فلا زكاة فيها، ولو حال عليها الحول، لكن إذا ولدت له سخلة فصارت أربعين فيبدأ يحسب الحول. قوله: [ وساق صدقة الغنم مثل الزهري ] يعني: أحال على حديث الزهري المتقدم الذي فيه: (إلى مائة وعشرين، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان، إلى مائتين فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه..) إلخ. زكاة البقر قوله: [ (وفي البقر في كل ثلاثين تبيع) ]. نصاب زكاة البقر ثلاثون، فإذا كانت تسعاً وعشرين فليس فيها زكاة كما أن تسعاً وثلاثين من الغنم ليس فيها زكاة، فإذا بلغت البقر ثلاثين بدأ حساب الحول، فإذا حال عليها الحول فإنه يزكيها فيخرج منها تبيعاً، وهو الذي أكمل سنة من عمره ودخل في السنة الثانية، وهنا ذكر تبيعاً، وجاء في حديث معاذ الذي سيأتي: (تبيع أو تبيعة) فهو مخير بين الذكر والأنثى، إما تبيع وإما تبيعة، وسمي تبيعاً لأنه يتبع أمه. قوله: [ (وفي الأربعين مسنة) ] يعني: من ثلاثين إلى تسع وثلاثين ما فيها إما تبيع أو تبيعة كما جاء في حديث معاذ ، فإذا زادت واحدة وصارت أربعين ففيها مسنة، وهي التي أكملت سنتين ودخلت في السنة الثالثة، وهذا السن هو الذي يجزئ من البقر في الأضحية وفي الهدي، وهو ما تم له سنتان. ثم إذا بلغت ستين ففيها تبيعان كما سيأتي في حديث معاذ. قوله: [ (وليس على العوامل شيء) ] العوامل هي الإبل والبقر التي يعمل الإنسان عليها لإخراج الماء أو للحرث، فهذه لا زكاة فيها، وإنما الزكاة في السائمة التي ترعى الحول وتكون للنماء، أما إذا كانت يحرث عليها أو يخرج الماء بواسطتها بالدلاء والغرب فلا زكاة فيها. قوله: [ (وفي الإبل) فذكر صدقتها كما ذكر الزهري ]. وقد تقدم ذلك. شذوذ قوله (وفي خمس وعشرين خمس من الغنم) قوله: [ (وفي خمس وعشرين خمس من الغنم) ]. هذا مخالف لما جاء عن الزهري ، ولما في حديث أنس بن مالك المتقدم أن إخراج الغنم إلى أربع وعشرين، فإذا زادت واحدة فيبدأ يخرج من جنسها، وهي بنت مخاض، وهنا جعل في خمس وعشرين خمس شياة، فيكون المعتبر ما جاء في ذينك الحديثين، وما جاء هنا فهو من قبيل الشاذ. قوله: [ (فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض) ] هذا معناه أن بنت المخاض ما تخرج إلا من ست وعشرين، لكن في حديث أنس وحديث ابن عمر أن ابنة المخاض تخرج من خمس وعشرين، وهو المحفوظ. قوله: [ (فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر إلى خمس وثلاثين، فإذا زادت واحدة ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقة طروقة الجمل إلى ستين)، ثم ساق مثل حديث الزهري ، قال: (فإذا زادت واحدة -يعني صارت إحدى وتسعين- ففيها حقتان طروقتا الجمل إلى عشرين ومائة، فإن كانت الإبل أكثر من ذلك ففي كل خمسين حقة، ولا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين مفترق خشية الصدقة، ولا تؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس إلا أن يشاء المصدق) ] هذا كله موافق لما تقدم. زكاة النبات قوله: [ (وفي النبات ما سقته الأنهار أو سقت السماء العشر، وما سقى الغرب ففيه نصف العشر) ] قوله: (وفي النبات) يعني: زكاة الخارج من الأرض، فما سقته الأنهار أو المطر ففيه العشر؛ لأنه نما بدون تعب ومشقة، فحصلت الفائدة الكبيرة والتعب قليل، ففيه العشر. وإذا سقي بالغرب ففيه نصف العشر، والغرب هو الدلو الكبير الذي يستنبط به الماء بواسطة الإبل والبقر، ويقال: لها: السواني، ففيه نصف العشر؛ لأنه فيه تعب، فقلت الزكاة، بخلاف الذي ليس فيه تعب فزادت الزكاة، فروعي فيما قل فيه التعب زيادة الزكاة، وفيما كثر فيه التعب نقص الزكاة، فما سقي بكلفة ومشقة فيه نصف العشر، وما سقي بدون كلفة وبدون مشقة ففيه العشر. الصدقة في كل عام مرة قوله: [ وفي حديث عاصم و الحارث : (الصدقة في كل عام) ] يعني: في كل عام مرة، وذلك حتى يحول عليه الحول، فلا زكاة في مال إلا إذا حال عليه الحول، فيزكى مرة واحدة في كل سنة، لكن ما يتعلق بالنبات والخارج من الأرض لا يشترط له الحول؛ لأن حوله حصول الثمرة، وقد تكون مدته أربعة شهور، وقد تكون ثلاثة شهور، وقد تكون أكثر، ولا يقال: لابد أن تمضي عليه سنة كاملة؛ لأن السنة الكاملة إنما تكون في الذي ينمى كزكاة التجارة وزكاة المواشي وزكاة النقدين، وأما زكاة الثمار والحبوب فمرة في السنة، ولو تكرر الزرع في السنة فإنه كلما استوى وحصل استواؤه يزكيه إذا بلغ نصاباً. قوله: [ قال زهير : أحسبه قال: (مرة) ]. يعني: في كل عام مرة. ما يدفع جبراً للواجب في زكاة الإبل إن لم يوجد سنه قوله: [ وفي حديث عاصم : (إذا لم يكن في الإبل ابنة مخاض ولا ابن لبون فعشرة دراهم أو شاتان)]. ليس المقصود أنها عوض عن ابن اللبون أو ابنة المخاض، وإنما تؤخذ منه ابنة المخاض ويعطي الفرق إذا كان الواجب عليه ابنة لبون، أو العكس؛ فإذا كان الواجب عليه ابنة مخاض فتؤخذ منه ابنة لبون ويعطى الفرق، ولكن هذا فيه مخالفة لما تقدم في ذكر العشرة الدراهم؛ لأن الحديث المتقدم فيه عشرون درهماً أو شاتان، وهنا قال: (عشرة دراهم أو شاتان) وأما الشاتان فمطابق لما تقدم، وأما عشرة الدراهم فمخالف لما تقدم، فالمعول عليه ما تقدم في الأحاديث السابقة من أن الفرق شاتان أو عشرون درهماً. وذكر الشاتين والعشرة الدراهم هنا المقصود به الفرق، وليس المقصود العوض عن بنت المخاض أو ابن اللبون الذكر؛ لأننا عرفنا أن العشرين فيها أربع شياه، فكيف يكون في الخمس وعشرين شاتان أو عشرة دراهم؟! إذاً: القضية هي قضية ذكر الفرق، ولكن الحديث فيه اختصار، وفيه مخالفة لما تقدم فيما يتعلق بالعشرة الدراهم، فالمحفوظ أنها عشرون درهماً. تراجم رجال إسناد حديث علي بن أبي طالب في الزكاة قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي مر ذكره. [ حدثنا زهير ]. زهير بن معاوية ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا أبو إسحاق ]. أبو إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله الهمداني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عاصم بن ضمرة ]. عاصم بن ضمرة صدوق أخرج له أصحاب السنن. [ وعن الحارث الأعور ]. الحارث الأعور ضعيف أخرج له أصحاب السنن. [ عن علي رضي الله عنه ]. علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 5 ( الأعضاء 0 والزوار 5) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |