|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#31
|
||||
|
||||
رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية سُورَةُ الْفَاتِحَةِ المجلد الثانى الحلقة (31) من صــ 451 الى صــ 457 ولا لملك ولا لنبي ولا صالح ولا لقبر نبي ولا صالح هذا في جميع ملل الأنبياء وقد ذكر ذلك في شريعتنا حتى نهي أن يتنفل على وجه التحية والإكرام للمخلوقات ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم معاذا أن يسجد له. وقال: {لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها}. ونهى عن الانحناء في التحية ونهاهم أن يقوموا خلفه في الصلاة وهو قاعد. وكذلك الزكاة العامة من الصدقات كلها والخاصة لا يتصدق إلا لله كما قال تعالى: {وما لأحد عنده من نعمة تجزى} {إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى} وقال: {إنما نطعمكم لوجه الله} وقال: {ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم} وقال: {وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون} فلا يجوز فعل ذلك على طريق الدين لا لملك ولا لشمس ولا لقمر ولا لنبي ولا لصالح كما يفعل بعض السؤال والمعظمين كرامة لفلان وفلان يقسمون بأشياء: إما من الأنبياء وإما من الصحابة وإما من الصالحين كما يقال: بكر وعلي ونور الدين أرسلان والشيخ عدي والشيخ جاليد. وكذلك الحج لا يحج إلا إلى بيت الله فلا يطاف إلا به ولا يحلق الرأس إلا به ولا يوقف إلا بفنائه لا يفعل ذلك بنبي ولا صالح ولا بقبر نبي ولا صالح ولا بوثن وكذلك الصيام لا يصام عبادة إلا لله فلا يصام لأجل الكواكب والشمس والقمر ولا لقبور الأنبياء والصالحين ونحو ذلك. وهذا كله تفصيل الشهادتين اللتين هما أصل الدين: شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدا عبده ورسوله والإله من يستحق إن يؤلهه العباد ويدخل فيه حبه وخوفه فما كان من توابع الألوهية فهو حق محض لله وما كان من أمور الرسالة فهو حق الرسول. ولما كان أصل الدين الشهادتين: كانت هذه الأمة الشهداء ولها وصف الشهادة. والقسيسون لهم العبادة بلا شهادة ولهذا قالوا: {ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين} ولهذا كان المحققون على أن الشهادتين أول واجبات الدين كما عليه خلص أهل السنة وذكره منصور السمعاني والشيخ عبد القادر وغيرهما وجعله أصل الشرك وغيروا بذلك ملة التوحيد التي هي أصل الدين كما فعله قدماء المتفلسفة الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله. ومن أسباب ذلك: الخروج عن الشريعة الخاصة التي بعث الله بها محمدا صلى الله عليه وسلم إلى القدر المشترك الذي فيه مشابهة الصابئين أو النصارى أو اليهود وهو القياس الفاسد المشابه لقياس الذين قالوا: {إنما البيع مثل الربا} فيريدون أن يجعلوا السماع جنسا واحدا والملة جنسا واحدا ولا يميزون بين مشروعه ومبتدعه ولا بين المأمور به والمنهي عنه. فالسماع الشرعي الديني سماع كتاب الله وتزيين الصوت به وتحبيره كما قال صلى الله عليه وسلم {زينوا القرآن بأصواتكم} وقال أبو موسى: لو علمت أنك تستمع لحبرته لك تحبيرا. والصور والأزواج والسراري التي أباحها الله تعالى. والعبادة: عبادة الله وحده لا شريك له {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال} {رجال}. وهذا المعنى يقرر قاعدة اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم. وينهى أن يشبه الأمر الديني الشرعي بالطبيعي البدعي لما بينهما من القدر المشترك كالصوت الحسن ليس هو وحده مشروعا حتى ينضم إليه القدر المميز كحروف القرآن فيصير المجموع من المشترك والمميز هو الدين النافع. وقال - رحمه الله -: فصل: في ألا يسأل العبد إلا الله قال الله تعالى: {فإذا فرغت فانصب} {وإلى ربك فارغب} قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس: {إذا سألت فاسأل الله. وإذا استعنت فاستعن بالله}. وفي الترمذي: {ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله إذا انقطع فإنه إن لم ييسره لم يتيسر} وفي الصحيح أنه قال لعدي بن مالك والرهط الذين بايعهم معه: {لا تسألوا الناس شيئا} فإن سوط أحدهم يسقط من يده: فلا يقول لأحد ناولني إياه وفي الصحيح في حديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب: {هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون} والاسترقاء طلب الرقية وهو نوع من السؤال. وأحاديث النهي عن مسألة الناس الأموال كثيرة كقوله: {لا تحل المسألة إلا لثلاثة} وقوله: {لأن يأخذ أحدكم حبله} الحديث وقوله {لا تزال المسألة بأحدهم}. وقوله: {من سأل الناس وله ما يغنيه}. وأمثال ذلك. وقوله: {من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس: لم تسد فاقته} الحديث. فأما سؤال ما يسوغ مثله من العلم: فليس من هذا الباب لأن المخبر لا ينقص الجواب من علمه بل يزداد بالجواب والسائل محتاج إلى ذلك قال صلى الله عليه وسلم {هلا سألوا إذ لم يعلموا؟ فإن شفاء العي السؤال} ولكن من المسائل ما ينهى عنه. كما قال تعالى: {لا تسألوا عن أشياء} الآية. وكنهيه عن أغلوطات المسائل ونحو ذلك. وأما سؤاله لغيره أن يدعو له: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: {لا تنسنا من دعائك} وقال: {إذا سمعتم المؤذن: فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي مرة صلى الله عليه عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا ذلك العبد فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له شفاعتي يوم القيامة} وقد يقال في هذا: هو طلب من الأمة الدعاء له لأنهم إذا دعوا له حصل لهم من الأجر أكثر مما لو كان الدعاء لأنفسهم كما قال للذي قال: أجعل صلاتي كلها عليك؟ فقال: {إذا يكفيك الله ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك} فطلبه منهم الدعاء له لمصلحتهم كسائر أمره إياهم بما أمر به وذلك لما في ذلك من المصلحة لهم فإنه قد صح عنه أنه قال: {ما من رجل يدعو لأخيه بظهر الغيب بدعوة: إلا وكل الله به ملكا كلما دعا دعوة قال الملك الموكل به: آمين ولك مثله}. وقال شيخ الإسلام - رحمه الله -: فصل: العبادات مبناها على الشرع والاتباع لا على الهوى والابتداع فإن الإسلام مبني على أصلين: أحدهما: أن نعبد الله وحده لا شريك له. والثاني: أن نعبده بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم لا نعبده بالأهواء والبدع قال الله تعالى: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون} {إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا} الآية. وقال تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله}. فليس لأحد أن يعبد الله إلا بما شرعه رسوله صلى الله عليه وسلم من واجب ومستحب لا يعبده بالأمور المبتدعة كما ثبت في السنن من حديث العرباض بن سارية " قال " الترمذي ": حديث حسن صحيح. وفي مسلم " أنه كان يقول في خطبته: {خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة}. وليس لأحد أن يعبد إلا الله وحده فلا يصلي إلا لله ولا يصوم إلا لله ولا يحج إلا بيت الله ولا يتوكل إلا على الله ولا يخاف إلا الله ولا ينذر إلا لله ولا يحلف إلا بالله. وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت}. وفي السنن: {من حلف بغير الله فقد أشرك} وعن ابن مسعود " لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا " لأن الحلف بغير الله شرك والحلف بالله توحيد. وتوحيد معه كذب خير من شرك معه صدق ولهذا كان غاية الكذب أن يعدل بالشرك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم {عدلت شهادة الزور الإشراك بالله مرتين أو ثلاثا} وقرأ قوله تعالى {ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق} وإذا كان الحالف بغير الله قد أشرك فكيف الناذر لغير الله؟. والنذر أعظم من الحلف ولهذا لو نذر لغير الله فلا يجب الوفاء به باتفاق المسلمين. مثل أن ينذر لغير الله صلاة أو صوما أو حجا أو عمرة أو صدقة.
__________________
|
#32
|
||||
|
||||
رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
__________________
|
#33
|
||||
|
||||
رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
__________________
|
#34
|
||||
|
||||
رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
__________________
|
#35
|
||||
|
||||
رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
__________________
|
#36
|
||||
|
||||
رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية سُورَةُ الْفَاتِحَةِ المجلد الثانى الحلقة (36) من صــ 486 الى صــ 492 والغلو في الأمة وقع في طائفتين: طائفة من ضلال الشيعة الذين يعتقدون في الأنبياء والأئمة من أهل البيت الألوهية وطائفة من جهال المتصوفة يعتقدون نحو ذلك في الأنبياء والصالحين فمن توهم في نبينا أو غيره من الأنبياء شيئا من الألوهية والربوبية فهو من جنس النصارى وإنما حقوق الأنبياء ما جاء به الكتاب والسنة عنهم. قال تعالى في خطابه لبني إسرائيل: {وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار} والتعزير: النصر والتوقير والتأييد. وقال تعالى: {إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا} {لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه} فهذا في حق الرسول ثم قال في حق الله تعالى: {وتسبحوه بكرة وأصيلا} وقال تعالى {ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون} {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون}. وقال تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم}. {قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين}. وقال تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما}. وقال تعالى: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا}. وذكر طاعة الرسول في أكثر من ثلاثين موضعا من القرآن وقال: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} وقال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} وقال تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} وقال تعالى: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون} {ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون} فجعل الطاعة لله والرسول وجعل الخشية والتقوى لله وحده. كما قال: {فإياي فارهبون}. وقال: {وإياي فاتقون} وقال: {فلا تخشوا الناس واخشون}. وقال: {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم} وقال تعالى: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا} وقال تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم}. وقال صلى الله عليه وسلم {لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين. وقال له عمر: والله يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل أحد إلا من نفسي فقال: لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك فقال: فأنت أحب إلي من نفسي قال: الآن يا عمر}. فقد بين الله في كتابه حقوق الرسول من الطاعة له ومحبته وتعزيره وتوقيره ونصره وتحكيمه والرضى بحكمه والتسليم له واتباعه والصلاة والتسليم عليه وتقديمه على النفس والأهل والمال ورد ما يتنازع فيه إليه وغير ذلك من الحقوق. وأخبر أن طاعته طاعته فقال: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} ومبايعته مبايعته فقال: {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله} وقرن بين اسمه واسمه في المحبة فقال: {أحب إليكم من الله ورسوله}. وفي الأذى فقال: {إن الذين يؤذون الله ورسوله} وفي الطاعة والمعصية فقال: {ومن يطع الله ورسوله}. {ومن يعص الله ورسوله} وفي الرضا فقال: {والله ورسوله أحق أن يرضوه} فهذا ونحوه هو الذي يستحقه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي. (فصل: المستكبر عن الحق يبتلى بالانقياد للباطل) قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: (فصل: قد ذكرت فيما تقدم من القواعد: أن " الإسلام " الذي هو دين الله الذي أنزل به كتبه؛ وأرسل به رسله؛ وهو أن يسلم العبد لله رب العالمين؛ فيستسلم لله وحده لا شريك له ويكون سالما له بحيث يكون متألها له غير متأله لما سواه كما بينته أفضل الكلام ورأس الإسلام: وهو شهادة أن لا إله إلا الله. وله ضدان: الكبر والشرك ولهذا روي {أن نوحا عليه السلام أمر بنيه بلا إله إلا الله وسبحان الله ونهاهم عن الكبر والشرك} في حديث قد ذكرته في غير هذا الموضع فإن المستكبر عن عبادة الله لا يعبده فلا يكون مستسلما له والذي يعبده ويعبد غيره يكون مشركا به فلا يكون سالما له بل يكون له فيه شرك. ولفظ " الإسلام " يتضمن الاستسلام والسلامة التي هي الإخلاص وقد علم أن الرسل جميعهم بعثوا بالإسلام العام المتضمن لذلك كما قال تعالى: {يحكم بها النبيون الذين أسلموا} وقال موسى: {إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين} وقال تعالى: {بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه} وقال الخليل لما قال له ربه: {أسلم قال أسلمت لرب العالمين} {ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب} - أيضا وصى بها بنيه - {يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون}وقال يوسف: {توفني مسلما} ونظائره كثيرة. وعلم أن إبراهيم الخليل هو إمام الحنفاء المسلمين بعده كما جعله أمة وإماما وجاءت الرسل من ذريته بذلك فابتدعت اليهود والنصارى ما ابتدعوه مما خرج بهم عن دين الله الذي أمروا به وهو الإسلام العام ولهذا أمرنا أن نقول: {اهدنا الصراط المستقيم} {صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون} وكل من هاتين الأمتين خرجت عن الإسلام وغلب عليها أحد ضديه فاليهود يغلب عليهم الكبر ويقل فيهم الشرك والنصارى يغلب عليهم الشرك ويقل فيهم الكبر. وقد بين الله ذلك في كتابه فقال في اليهود: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله}. وهذا هو أصل الإسلام. إلى قوله: {وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون}. وهذا اللفظ الذي هو لفظ الاستفهام؛ هو إنكار لذلك عليهم. وذم لهم عليه وإنما يذمون على ما فعلوه فعلم أنهم كانوا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم استكبروا فيقتلون فريقا من الأنبياء ويكذبون فريقا؛ وهذا حال المستكبر الذي لا يقبل ما لا يهواه؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد فسر الكبر في الحديث الصحيح بأنه بطر الحق وغمط الناس ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود. قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم {لا يدخل النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر فقال رجل: يا رسول الله الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا أفمن الكبر ذاك؟ فقال: لا إن الله جميل يحب الجمال ولكن الكبر بطر الحق وغمط الناس} وبطر الحق جحده ودفعه وغمط الناس احتقارهم وازدراؤهم. وكذلك ذكر الله " الكبر " في قوله بعد أن قال: {وكتبنا له في الألواح من كل شيء} إلى أن قال: {سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا}. وهذا حال الذي لا يعمل بعلمه بل يتبع هواه وهو الغاوي كما قال: {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين} {ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه} الآية وهذا مثل علماء السوء وقد قال لما رجع موسى إليهم: {ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون} فالذين يرهبون ربهم؛ خلاف الذين يتبعون أهواءهم كما قال تعالى: {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى} {فإن الجنة هي المأوى}. فأولئك المستكبرون المتبعون أهواءهم مصروفون عن آيات الله لا يعلمون ولا يفهمون لما تركوا العمل بما علموه استكبارا واتباعا لأهوائهم عوقبوا بأن منعوا الفهم والعلم؛ فإن العلم حرب للمتعالي كما أن السيل حرب للمكان العالي والذين يرهبون ربهم عملوا بما علموه فأتاهم الله علما ورحمة إذ من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم ولهذا لما وصف الله النصارى: {بأن منهم قسيسين ورهبانا}. والرهبان: من الرهبنة {وأنهم لا يستكبرون} كانوا بذلك أقرب مودة إلى الذين آمنوا. كما قال: {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون}. فلما كان فيهم رهبة وعدم كبر كانوا أقرب إلى الهدى فقال في حق المسلمين منهم: {وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين}.
__________________
|
#37
|
||||
|
||||
رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية سُورَةُ الْفَاتِحَةِ المجلد الثانى الحلقة (37) من صــ 493 الى صــ 499 قال ابن عباس: مع محمد وأمته وهم الأمة الشهداء فإن النصارى لهم قصد وعبادة وليس لهم علم وشهادة؛ ولهذا فإن كان اليهود شرا منهم؛ بأنهم أكثر كبرا وأقل رهبة وأعظم قسوة فإن النصارى شر منهم فإنهم أعظم ضلالا وأكثر شركا وأبعد عن تحريم ما حرم الله ورسوله. وقد وصفهم الله بالشرك الذي ابتدعوه كما وصف اليهود بالكبر الذي هووه فقال تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} وقال تعالى: {وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق} إلى قوله: {أن اعبدوا الله ربي وربكم} الآية وقد ذكر الله قولهم إن الله هو المسيح ابن مريم وإن الله ثالث ثلاثة وقولهم: اتخذ الله ولدا؛ في مواضع من كتابه وبين عظيم فريتهم وشتمهم لله وقولهم " الإد " الذي: {تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا} ولهذا يدعوهم في غير موضع إلى ألا يعبدوا إلا إلها واحدا كقوله: {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق}إلى قوله: {ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد} إلى قوله {لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا} وهذا لأن المشركين بمخلوق من البشر أو غيرهم يصيرون هم مشركون. ويصير الذي أشركوا به من الإنس والجن مستكبرا كما قال: {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا} فأخبر الله أن عباده لا يستكبرون عن عبادته وإن أشرك بهم المشركون. وكذلك قال تعالى: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد} إلى قوله: {ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة} الآية وقال تعالى: {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة} فأخبر أنه أمرهم بالتوحيد ونهاهم عن أن يشركوا به أو بغيره كما فعلوه. ولما كان أصل دين اليهود الكبر عاقبهم بالذلة: {ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا}. ولما كان أصل دين النصارى الإشراك لتعديد الطرق إلى الله أضلهم عنه؛ فعوقب كل من الأمتين على ما اجترمه بنقيض قصده {وما ربك بظلام للعبيد}. كما جاء في الحديث: {يحشر الجبارون والمتكبرون يوم القيامة في صور الذر يطؤهم الناس بأرجلهم}. وكما في الحديث عن عمر بن الخطاب موقوفا ومرفوعا: {ما من أحد إلا في رأسه حكمة فإن تواضع قيل له: انتعش نعشك الله وإن رفع رأسه قيل له: انتكس نكسك الله}. وقال سبحانه وتعالى: {إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} وقال تعالى: {بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين} {ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين} {وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم}. ولهذا استوجبوا الغضب والمقت. والنصارى لما دخلوا في البدع: أضلهم عن سبيل الله فضلوا عن سبيل الله وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل وهم إنما ابتدعوها ليتقربوا بها إليه ويعبدوه فأبعدتهم عنه وأضلتهم عنه وصاروا يعبدون غيره. فتدبر هذا والله تعالى يهدينا صراطه المستقيم صراط الذين أنعم عليهم غير المغضوب عليهم والضالين. وقد وصف بعض اليهود بالشرك في قوله: {وقالت اليهود عزير ابن الله} وفي قوله: {قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت} ففي اليهود من عبد الأصنام وعبد البشر؛ وذلك أن المستكبر عن الحق يبتلى بالانقياد للباطل فيكون المستكبر مشركا كما ذكر الله عن فرعون وقومه: أنهم كانوا مع استكبارهم وجحودهم مشركين فقال عن مؤمن آل فرعون: {ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار} {تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار} {لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة}. وقال: {ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات} الآية. وقال يوسف الصديق لهم: {يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار} {ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون} وقد قال تعالى:{وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون}. فإن قيل: كيف يكون قوم فرعون مشركين؟ وقد أخبر الله عن فرعون أنه جحد الخالق فقال: {وما رب العالمين} وقال: {ما علمت لكم من إله غيري} وقال: {أنا ربكم الأعلى} وقال عن قومه: {فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين} {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا} والإشراك لا يكون إلا من مقر بالله وإلا فالجاحد له لم يشرك به. قيل: لم يذكر الله جحود الصانع إلا عن فرعون موسى وأما الذين كانوا في زمن يوسف فالقرآن يدل على أنهم كانوا مقرين بالله وهم مشركون به ولهذا كان خطاب يوسف للملك وللعزيز ولهم: يتضمن الإقرار بوجود الصانع كقوله: {أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار} {ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة} إلى قوله {إن ربي بكيدهن عليم} {وأن الله لا يهدي كيد الخائنين} إلى قوله: {إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم} وقد قال مؤمن آل - حم - {ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا} فهذا يقتضي: أن أولئك الذين بعث إليهم يوسف كانوا يقرون بالله. ولهذا كان إخوة يوسف يخاطبونه قبل أن يعرفوا أنه يوسف ويظنونه من آل فرعون بخطاب يقتضي الإقرار بالصانع كقولهم: {تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين} وقال لهم: {أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون} وقال: {معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده} وقالوا له: {يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين} وذلك أن فرعون الذي كان في زمن يوسف أكرم أبويه وأهل بيته لما قدموا إكراما عظيما مع علمه بدينهم واستقراء أحوال الناس يدل على ذلك.
__________________
|
#38
|
||||
|
||||
رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية سُورَةُ الْفَاتِحَةِ المجلد الثالث الحلقة (38) من صــ 1 الى صــ 7 فإن جحود الصانع لم يكن دينا غالبا على أمة من الأمم قط وإنما كان دين الكفار الخارجين عن الرسالة هو الإشراك وإنما كان يجحد الصانع بعض الناس وأولئك كان علماؤهم من الفلاسفة الصابئة المشركين الذين يعظمون الهياكل والكواكب والأصنام والأخبار المروية من نقل أخبارهم وسيرهم كلها تدل على ذلك؛ ولكن فرعون موسى: {فاستخف قومه فأطاعوه} وهو الذي قال لهم - دون الفراعنة المتقدمين -؛ {ما علمت لكم من إله غيري} ثم قال لهم بعد ذلك: {أنا ربكم الأعلى} {فأخذه الله نكال الآخرة والأولى} نكال الكلمة الأولى. ونكال الكلمة الأخيرة وكان فرعون في الباطن عارفا بوجود الصانع وإنما استكبر كإبليس وأنكر وجوده ولهذا قال له موسى: {لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر} فلما أنكر الصانع وكانت له آلهة يعبدها بقي على عبادتها ولم يصفه الله تعالى بالشرك وإنما وصفه بجحود الصانع وعبادة آلهة أخرى. والمنكر للصانع منهم مستكبر كثيرا ما يعبد آلهة؛ ولا يعبد الله قط؛ فإنه يقول: هذا العالم واجب الوجود بنفسه. وبعض أجزائه مؤثر في بعض ويقول إنما انتفع بعبادة الكواكب والأصنام ونحو ذلك ولهذا كان باطن قول هؤلاء الاتحادية المنتسبة إلى الإسلام هو قول فرعون. وكنت أبين أنه مذهبهم وأبين أنه حقيقة مذهب فرعون حتى حدثني الثقة: عن بعض طواغيتهم أنه قال: نحن على قول فرعون؛ ولهذا يعظمون فرعون في كتبهم تعظيما كثيرا. فإنهم لم يجعلوا ثم صانعا للعالم خلق العالم ولا أثبتوا ربا مدبرا للمخلوقات وإنما جعلوا نفس الطبيعة هي الصانع ولهذا جوزوا عبادة كل شيء وقالوا من عبده فقد عبد الله ولا يتصور عندهم أن يعبد غير الله فما من شيء يعبد إلا وهو الله وهذه الكائنات عندهم أجزاؤه أو صفاته كأجزاء الإنسان أو صفاته فهؤلاء إذا عبدوا الكائنات فلم يعبدوها لتقربهم إلى الله زلفى؛ لكن لأنها عندهم هي الله أو مجلى من مجاليه أو بعض من أبعاضه أو صفة من صفاته أو تعين من تعيناته وهؤلاء يعبدون ما يعبده فرعون وغيره من المشركين لكن فرعون لا يقول: هي الله ولا تقربنا إلى الله والمشركون يقولون: هي شفعاؤنا وتقربنا إلى الله وهؤلاء يقولون هي الله كما تقدم وأولئك أكفر من حيث اعترفوا بأنهم عبدوا غير الله أو جحدوه؛ وهؤلاء أوسع ضلالا من حيث جوزوا عبادة كل شيء وزعموا أنه هو الله وأن العابد هو المعبود وإن كانوا إنما قصدوا عبادة الله. وإذا كان أولئك كانوا مشركين كما وصفوا بذلك. وفرعون موسى هو الذي جحد الصانع وكان يعبد الآلهة ولم يصفه الله بالشرك. فمعلوم أن المشركين قد يحبون آلهتهم كما يحبون الله أو تزيد محبتهم لهم على محبتهم لله؛ ولهذا: يشتمون الله إذا شتمت آلهتهم. كما قال تعالى: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم}. فقوم فرعون قد يكونون أعرضوا عن الله بالكلية بعد أن كانوا مشركين به واستجابوا لفرعون في قوله: {أنا ربكم الأعلى} و {ما علمت لكم من إله غيري}. ولهذا لما خاطبهم المؤمن ذكر الأمرين فقال: {تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم} فذكر الكفر به الذي قد يتناول جحوده وذكر الإشراك به أيضا؛ فكان كلامه متناولا للمقالتين والحالين جميعا. فقد تبين: أن المستكبر يصير مشركا إما بعبادة آلهة أخرى مع استكباره عن عبادة الله لكن تسمية هذا شركا نظير من امتنع مع استكباره عن إخلاص الدين لله كما قال تعالى: {إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون} {ويقولون أئنا لتاركو آلهتنا لشاعر مجنون} فهؤلاء مستكبرون مشركون؛ وإنما استكبارهم عن إخلاص الدين لله فالمستكبر الذي لا يقر بالله في الظاهر كفرعون أعظم كفرا منهم وإبليس الذي يأمر بهذا كله ويحبه ويستكبر عن عبادة ربه وطاعته أعظم كفرا من هؤلاء وإن كان عالما بوجود الله وعظمته كما أن فرعون كان أيضا عالما بوجود الله. وإذا كانت البدع والمعاصي شعبة من الكفر وكانت مشتقة من شعبه. كما أن الطاعات كلها شعبة من شعب الإيمان ومشتقة منه وقد علم أن الذي يعرف الحق ولا يتبعه غاو يشبه اليهود؛ وأن الذي يعبد الله من غير علم وشرع: هو ضال يشبه النصارى؛ كما كان يقول من يقول من السلف: من فسد من العلماء ففيه شبه من اليهود؛ ومن فسد من العباد ففيه شبه من النصارى. فعلى المسلم أن يحذر من هذين الشبهين الفاسدين؛ من حال قوم فيهم استكبار وقسوة عن العبادة والتأله؛ وقد أوتوا نصيبا من الكتاب وحظا من العلم؛ وقوم فيهم عبادة وتأله بإشراك بالله وضلال عن سبيل الله ووحيه وشرعه وقد جعل في قلوبهم رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها وهذا كثير منتشر في الناس؛ والشبه تقل تارة وتكثر أخرى؛ فأما المستكبرون المتألهون لغير الله الذين لا يعبدون الله. وإنما يعبدون غيره للانتفاع به؛ فهؤلاء يشبهون فرعون. [فصل: رد دعوى النصارى أنهم هم الذين أنعم الله عليهم] ثم قالوا: مع الأمر له في فاتحة الكتاب أن يسأل الهداية إلى الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فإنه عنى بقوله: المنعم عليهم والمغضوب عليهم والضالين الثلاث أمم الذين كانوا في عصره، وهم: النصارى، واليهود وعباد الأصنام، ولم يكن في زمانه غير هؤلاء الثلاث أمم. فالمنعم عليهم نحن النصارى والمغضوب عليهم فلا - يشك أنهم - اليهود، الذين غضب الله عليهم في كتب التوراة والأنبياء وهذا الكتاب، والضالين فهم عباد الأصنام الذين ضلوا عن الله، فهذا أمر واضح بين ظاهر عند كل أحد، ولا سيما عند ذوي العقول والمعرفة والصراط: هو المذهب، أي الطريق، وهذه اللفظة رومية، لأن الطريق بالرومية اسطراطا. والجواب: أما قولهم: المنعم عليهم نحن النصارى، فمن العجائب التي تدل على فرط جهل صاحبها، وأعجب من ذلك قولهم إن هذا شيء بين واضح عند كل أحد، لا سيما عند ذوي العقل والمعرفة، فيا سبحان الله! ألم يعرف العام والخاص علما ضروريا لا تمكن المنازعة فيه من دين محمد - صلى الله عليه وسلم -، ودين أمته الذي تلقوه عنه من تكفير النصارى وتجهيلهم وتضليلهم واستحلال جهادهم وسبي حريمهم وأخذ أموالهم، ما يناقض كل المناقضة أن يكون محمد وأمته في كل صلاة يقولون: اللهم اهدنا صراط النصارى. وهل ينسب محمدا - صلى الله عليه وسلم - وأمته إلى أنهم في كل صلاة يطلبون من الله أن يهديهم صراط النصارى إلا من هو من أكذب الكذابين وأعظم الخلق افتراء ووقاحة وجهلا وضلالا؟ ولو كانوا يسألون الله هداية طريق النصارى، لدخلوا في دين النصارى، ولم يكفروهم ويقاتلوهم، ويضعوا عليهم الجزية التي يؤدونها عن يد وهم صاغرون، ولم يشهدوا عليهم بأنهم من أهل النار، وأمته أخذوا ذلك جميعه عنه منقولا عنه بالنقل المتواتر بإجماعهم، لم يبتدعوا ذلك، كما ابتدعت النصارى من العقائد والشرائع ما لم يأذن به الله، فلا يلام المسلمون في اتباعهم لرسول الله الذي جاء بالبينات والهدى. ومحمد - صلى الله عليه وسلم - إن كان رسولا صادقا، فقد كفر النصارى، وأمر بجهادهم، وتبرأ منهم ومن دينهم، وإن كان كاذبا لم يقبل شيء مما نقله عن الله عز وجل. وقد تقدم غير مرة قوله - تعالى -: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة} [المائدة: 73]. {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم} [المائدة: 17]. {وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون} [التوبة: 30] (30) {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} [التوبة: 31]. فمن يقول عن النصارى مثل هذه الأقوال هل يأمر أمته في كل صلاة أن يقولوا: اهدنا طريقهم؟ ثم يقال: أي شيء في الآية مما يدل على أن قوله: صراط الذين أنعمت عليهم، هم النصارى. وإنما المنعم عليهم هم الذين ذكرهم الله في قوله - تعالى -: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا} [النساء: 69].
__________________
|
#39
|
||||
|
||||
رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية سُورَةُ الْفَاتِحَةِ المجلد الثالث الحلقة (39) من صــ 8 الى صــ 14 فهؤلاء هم الذين أمر الله عباده أن يسألوا هداية صراطهم. وأما النصارى الذين كانوا على دين المسيح قبل النسخ والتبديل فهم من المنعم عليهم، كما أن اليهود الذين كانوا على دين موسى قبل النسخ والتبديل كانوا من المنعم عليهم. وأما النصارى بعد النسخ والتبديل فهم من الضالين، لا من المنعم عليهم عند الله ورسوله، كما قال - تعالى -: {قل ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل} [المائدة: 77]. وقال - تعالى -: {أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين} [مريم: 38]. وعباد الأصنام من الضالين المغضوب عليهم، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون رواه الإمام أحمد والترمذي عن عدي بن حاتم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال الترمذي: هذا حديث صحيح. وسبب ذلك أن اليهود يعرفون الحق ولا يعملون به، والنصارى يعبدون بلا علم، وقد وصف الله اليهود بأعمال، والنصارى بأعمال، فوصف اليهود بالكبر والبخل والجبن والقسوة وكتمان العلم وسلوك سبيل الغي وهو سبيل الشهوات والعدوان. وذكر عن النصارى الغلو والبدع في العبادات والشرك والضلال واستحلال محارم الله، فقال - تعالى -: {ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا} [النساء: 171] (171) {لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا} [النساء: 172] (172) {فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا} [النساء: 173]. وقال - تعالى -: {ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها} [الحديد: 27]. أي لكن كتبنا عليهم ابتغاء رضوان الله، لم نكتب عليهم الرهبانية، بل هم ابتدعوها ومع ابتداعهم إياها فما رعوها حق رعايتها، وكل بدعة ضلالة فهم مذمومون على ابتداع الرهبانية وعلى أنهم لم يرعوها حق رعايتها. وأما ما كتب عليهم من ابتغاء رضوان الله فيحصل بفعل ما شرعه الله لهم من واجب ومستحب، فإن ذلك هو الذي يرضاه، ومن فعل ما يرضاه الله فقد فعل ما كتب عليه، ويحصل رضوان الله أيضا بمجرد فعل الواجبات، وهذا هو الذي كتب على العباد، فإذا لم يكتب عليهم إلا ابتغاء رضوان الله كان ابتغاء رضوانه واجبا، فما ليس بواجب لا يشترط في حصول ما كتب عليهم. ولهذا ضعف أحمد بن حنبل وغيره الحديث المروي: أول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله، فإن من صلى في آخر الوقت كما أمر فقد فعل الواجب، وبذلك يرضى الله عنه وإن كان فعل المستحبات والمسابقة إلى الطاعات أبلغ في إرضاء الله، ويحصل له بذلك من رضوان الله ومحبته ما لا يحصل بمجرد الواجبات. كما قال موسى - عليه السلام -. {وعجلت إليك رب لترضى} [طه: 84]. وفي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «يقول الله - تعالى -: من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي فلئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض روح عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته»، ولا بد له منه فقوله حتى أحبه يريد المحبة المطلقة الكاملة. وأما أصل المحبة: فهي حاصلة بفعل الواجبات، فإن الله يحب المتقين والمقسطين، ومن أدى الواجبات فهو من المتقين المقسطين. وقال - تعالى - فيهم: {وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون} [التوبة: 30] (30) {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} [التوبة: 31]. وقال - تعالى -: {قل ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل} [المائدة: 77]. وهو - سبحانه - خاطب النصارى بهذا لأن النصارى يعتمدون في دينهم على ما يقوله كبراؤهم الذين وضعوا لهم القوانين والنواميس ويسوغون لأكابرهم الذين صاروا عندهم عظماء في الدين أن يضعوا لهم شريعة وينسخوا بعض ما كانوا عليه قبل ذلك، لا يردون ما يتنازعون فيه من دينهم إلى الله ورسله، بحيث لا يمكنون أحدا من الخروج عن كتب الله المنزلة كالتوراة والإنجيل وعن اتباع ما جاء به المسيح، ومن قبله من الأنبياء - عليهم السلام -. ولهذا قال - تعالى -: {قل ياأهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم} [المائدة: 68]. بل ما وضعه لهم أكابرهم من القوانين الدينية والنواميس الشرعية بعضها ينقلونه عن الأنبياء، وبعضها عن الحواريين، وكثير من ذلك ليس منقولا، لا عن الأنبياء، ولا عن الحواريين، بل من وضع أكابرهم وابتداعهم.
__________________
|
#40
|
||||
|
||||
رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية سُورَةُ الْفَاتِحَةِ المجلد الثالث الحلقة (40) من صــ 15 الى صــ 21 المحرمات، وابتدعوا لهم الصوم وقت الربيع، وجعلوه خمسين يوما، وابتدعوا لهم أعيادهم، كعيد الصليب، وغيره من الأعياد. وكذلك «قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعدي بن حاتم لما سمعه يقرأ هذه الآية: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} [التوبة: 31]. فقال: لم يعبدوهم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إنهم أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم، وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم، فكانت تلك عبادتهم» ولهذا قال - تعالى -: {ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل} [المائدة: 77]. فإنهم يتبعون أهواء أكابرهم الذين مضوا من قبلهم، وأولئك ضلوا من قبل هؤلاء وأضلوا أتباعهم، وهم كثيرون، وضلوا عن سواء السبيل، وهو وسط السبيل، وهو الصراط المستقيم، فإن كانوا هم وأتباعهم ضالين عن الصراط المستقيم، فكيف يجوز أن يأمر الله عباده أن يسألوه أن يهديهم الصراط المستقيم، ويعني به صراط هؤلاء الضالين المضلين عن سواء السبيل، وهو الصراط المستقيم. وقد قال - سبحانه -: ولا تتبعوا أهواء هؤلاء لأن أصل ابتداعهم هذه البدعة من أنفسهم مع ظن كاذب، فكانوا ممن قيل فيهم: {إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى} [النجم: 23]. وممن قيل فيه. {ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله} [القصص: 50]. وسبب ذلك أن المسيح - صلى الله عليه وسلم - لما رفع إلى السماء وعاداه اليهود، وعادوا أتباعه عداوة شديدة، وبالغوا في أذاهم وإذلالهم وطلب قتلهم ونفيهم، صار في قلوبهم من بغض اليهود، وطلب الانتقام منهم ما لا يوصف، فلما صار لهم دولة وملك مثل ما صار لهم في دولة قسطنطين، صاروا يريدون مقابلة اليهود. كما جرت العادة في مثل ذلك بين الطوائف المتقابلة المتنازعين في الملك، والمتنازعين في البدع كالخوارج، والروافض،والجبرية مع القدرية والمعطلة مع الممثلة، وكالدولتين المتنازعتين على الملك والأهواء بمنزلة قيس ويمن، وأمثال ذلك. إذا ظهرت طائفة على الأخرى بعدما آذتها الأخرى وانتقمت منها تريد أن تأخذ بثأرها، ولا تقف عند حد العدل، بل تعتدي على تلك كما اعتدت تلك عليها. فصار النصارى يريدون مناقضة اليهود فأحلوا ما يحرمه اليهود كالخنزير وغيره، وصاروا يمتحنون من دخل في دينهم بأكل الخنزير، فإن أكله وإلا لم يجعلوه نصرانيا. وتركوا الختان، وقالوا: إن المعمودية عوض عنه، وصلوا إلى قبلة غير قبلة اليهود. وكان اليهود قد أسرفوا في ذم المسيح - عليه السلام - وزعموا أنه ولد زنا، وأنه كذاب ساحر. فغلوا هؤلاء في تعظيم المسيح، وقالوا: إنه الله وابن الله، وأمثال ذلك، وصار من يطلب أن يقول فيه القول العدل مثل كثير من علمائهم وعبادهم، يجمعون له مجمعا ويلعنونه فيه على وجه التعصب، واتباع الهوى، والغلو فيمن يعظمونه، كما يجري مثل ذلك لأهل الأهواء، كالفلاة في بعض المشايخ، وبعض أهل البيت، وبعض العلماء وبعض الملوك، وبعض القبائل وبعض المذاهب، وبعض الطرائق، فإنما كان مصدر ضلالهم أهواء نفوسهم، قال - تعالى - للنصارى الذين كانوا في وقت النبي صلى الله عليه وسلم، ومن بعدهم: {قل ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل} [المائدة: 77]. وأما قولهم إن الصراط هو المذهب أي الطريق، وهذه لفظة رومية لأن الطريق بالرومية اسطراطا. فيقال لهم: الصراط في لغة العرب: هو الطريق يقال هو الطريق الواضح ويقال هو الطريق المحدود بجانبين الذي لا يخرج عنه، ومنه الصراط المنصوب على جهنم، وهو الجسر الذي يعبر عليه المؤمنون إلى الجنة، وإذا عبر عليه الكفار سقطوا في جهنم، ويقال فيه: معنى الاستواء والاعتدال الذي يوجب سرعة العبور عليه، وفيه ثلاث لغات، هي ثلاث قراءات: الصراط، والسراط، والزراط، وهي لغة عربية عرباء ليست من المعرب، ولا مأخوذة من لغة الروم كما زعموا. ويقال أصله من قولهم: سرطت الشيء أسرطه سرطا، إذا ابتلعته واسترطته ابتلعته، فإن المبتلع يجري بسرعة في مجرى محدود. ومن أمثال العرب: لا تكن حلوا فتسترط، ولا مرا فتعفى، من قولهم: أعفيت الشيء، إذا أزلته من فيك لمرارته، ويقال فلان يسترط ما يأخذ من الدين. وحكى يعقوب بن السكيت: الأخذ سريط، والقضاء ضريط، والسرطاط: الفالوذج، لأنه يسترط استراطا، وسيف سراطي، أي قاطع فإنه ماض سريع المذهب في مضربه. فالصراط: هو الطريق المحدود المعتدل الذي يصل سالكه إلى مطلبه بسرعة، وقد ذكر الله لفظ الصراط في كتابه في غير موضع، ولم يسم الله سبيل الشيطان سراطا، بل سماها سبلا، وخص طريقه باسم الصراط، كقوله - تعالى -:{وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} [الأنعام: 153]. وفي السنن عن عبد الله بن مسعود قال: «خط لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطا، وخط خطوطا عن يمينه وشماله، ثم قال: هذا سبيل الله وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه من أجابه قذفه في النار ثم قرأ: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} [الأنعام: 153]». فسمى - سبحانه - طريقه صراطا، وسمى تلك سبلا، ولم يسمها صراطا كما سماها سبيلا، وطريقه يسميه سبيلا كما يسميه صراطا. وقال - تعالى -: عن موسى وهارون:{وآتيناهما الكتاب المستبين} [الصافات: 117] (117) {وهديناهما الصراط المستقيم} [الصافات: 118]. وقال - تعالى -: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا} [الفتح: 1] (1) {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما} [الفتح: 2] (2) {وينصرك الله نصرا عزيزا} [الفتح: 3]. وهذه الهداية الخاصة التي أعطاه إياها بعد فتح الحديبية أخص مما تقدم فإن السالك إلى الله لا يزال يتقرب إليه بشيء بعد شيء، ويزيده الله هدى بعد هدى، وأقوم الطريق وأكملها الطريق التي بعث الله بها نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم كما قال - تعالى -: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} [الإسراء: 9].
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |