|
هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#31
|
||||
|
||||
رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد
__________________
|
#32
|
||||
|
||||
رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد
تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي سُورَةُ الْبَقَرَةِ الحلقة (32) صــ175 إلى صــ 180 قوله تعالى: إنما حرم عليكم الميتة . قرأ أبو جعفر "الميتة" هاهنا ، وفي المائدة ، والنحل: و (بلدة ميتا) [ ق: 11 ] . بالتشديد ، حيث وقع . والميتة في عرف الشرع: اسم لكل حيوان خرجت روحه بغير ذكاة . وقيل إن الحكمة في تحريم الميتة أن جمود الدم فيها بالموت يحدث ، أذى للآكل ، وقد يسمى المذبوح في بعض الأحوال: ميتة حكما ، لأن حكمه حكم الميتة ، كذبيحة المرتد . فأما الدم; فالمحرم منه: المسفوح ، لقوله تعالى: أو دما مسفوحا [ الأنعام: 145 ] . قال القاضي أبو يعلى: فأما الدم الذي يبقى في خلل اللحم بعد الذبح ، وما يبقى في العروق; فهو مباح . فأما لحم الخنزير; فالمراد: جملته ، وإنما خص اللحم ، لأنه معظم المقصود . قال الزجاج: الخنزير يشتمل على الذكر والأنثى . ومعنى وما أهل به لغير الله [ البقرة: 173 ] . ما رفع فيه الصوت بتسمية غير الله ، ومثله الإهلال بالحج ، إنما هو رفع الصوت بالتلبية . قوله تعالى: (فمن اضطر) أي: ألجئ بضرورة . وقرأ أبو جعفر : (فمن اضطر) بكسر الطاء حيث كان . وأدغم ابن محيصن الضاد في الطاء . قوله تعالى: (غير باغ) قال الزجاج: البغي: قصد الفساد ، يقال: بغى الجرح: إذا ترامى إلى الفساد . وفي قوله: (غير باغ ولا عاد) أربعة أقوال . أحدها: أن معناه غير باغ على الولاة ، ولا عاد يقطع السبيل ، هذا قول سعيد بن جبير ، ومجاهد . والثاني: غير باغ في أكله فوق حاجته ، ولا متعد بأكلها وهو يجد غيرها ، هذا قول الحسن ، وعكرمة ، وقتادة ، والربيع . والثالث: غير باغ ، أي: مستحل ، ولا عاد: غير مضطر ، روي عن سعيد بن جبير ، ومقاتل . والرابع: غير باغ شهوته بذلك ، ولا عاد بالشبع منه ، قاله السدي . فصل معنى الضرورة في إباحة الميتة: أن يخاف على نفسه أو بعض أعضائه . سئل أحمد ، [ ص: 176 ] رضي الله عنه ، عن المضطر إذا لم يأكل الميتة ، فذكر عن مسروق أنه قال: من اضطر فلم يأكل فمات دخل النار . فأما مقدار ما يأكل; فنقل حنبل: يأكل مقدار ما يقيمه عن الموت . ونقل ابن منصور: يأكل بقدر ما يستغني . فظاهر الأولى: أنه لا يجوز له الشبع ، وهو قول أبي حنيفة والشافعي ، وظاهر الثانية: جواز الشبع ، وهو قول مالك . إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم . قوله تعالى: إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب . قال ابن عباس: نزلت في اليهود ، كتموا اسم النبي صلى الله عليه وسلم ، وغيروه في كتابهم . والثمن القليل: ما يصيبونه من اتباعهم من الدنيا . أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار قال الزجاج: معناه: إن الذين يأكلونه يعذبون به ، فكأنهم يأكلون النار . (ولا يكلمهم) هذا دليل على أن الله لا يكلم الكفار ولا يحاسبهم . قوله تعالى: (ولا يزكيهم) [فيه ] ثلاثة أقوال . أحدها: لا يزكي أعمالهم ، قاله مقاتل . والثاني: لا يثني عليهم ، قاله الزجاج . والثالث: لا يطهرهم من دنس كفرهم وذنوبهم ، قاله ابن جرير . أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار . قوله تعالى: أولئك الذين اشتروا الضلالة أي: اختاروها على الهدى . قوله تعالى: فما أصبرهم على النار فيه أربعة أقوال . أحدها: أن معناه: فما أصبرهم على عمل يؤديهم إلى النار! قاله عكرمة ، والربيع . والثاني: ما أجرأهم على النار; قاله الحسن ، ومجاهد . وذكر الكسائي أن أعرابيا حلف له رجل كاذبا ، فقال الأعرابي: ما أصبرك على الله ، يريد: ما أجرأك . والثالث: ما أبقاهم في النار ، كما تقول: ما أصبر فلانا على الحبس ، [ ص: 177 ] أي: ما أبقاه فيه ، ذكره الزجاج . والرابع: أن المعنى: فأي شيء صبرهم على النار؟! قاله ابن الأنباري . وفي "ما" قولان . أحدهما: أنها للاستفهام ، تقديرها: ما الذي أصبرهم؟ قاله عطاء ، والسدي ، وابن زيد ، وأبو بكر بن عياش . والثاني: أنها للتعجب ، كقولك: ما أحسن زيدا ، وما أعلم عمرا . وقال ابن الأنباري: معنى الآية التعجب ، والله يعجب المخلوقين ، ولا يعجب هو كعجبهم . ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد قوله تعالى: ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق الإشارة بذلك إلى ما تقدم من الوعيد بالعذاب ، فتقديره: ذلك العذاب بأن الله نزل الكتاب بالحق ، فكفروا به واختلفوا فيه . وفي "الكتاب" قولان . أحدهما: أنه التوراة . والثاني: القرآن . وفي "الحق" قولان . أحدهما: أنه العدل ، قاله ابن عباس . والثاني: أنه ضد الباطل ، قاله مقاتل . قوله تعالى: وإن الذين اختلفوا في الكتاب فيه قولان . أحدهما: أنه التوراة . ثم في اختلافهم فيها ثلاثة أقوال . أحدها: أن اليهود والنصارى اختلفوا فيها ، فادعى النصارى فيها صفة عيسى ، وأنكر اليهود ذلك . والثاني: أنهم خالفوا ما في التوراة من صفة محمد صلى الله عليه وسلم . والثالث: أنهم خالفوا سلفهم في التمسك بها . والثاني: أنه القرآن ، فمنهم من قال: شعر ، ومنهم من قال: إنما يعلمه بشر . والشقاق: معاداة بعضهم لبعض . وفي معنى "بعيد" قولان . أحدهما: أن بعضهم متباعد في مشاقة بعض ، قاله الزجاج . والثاني: أنه بعيد من الهدى . ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم [ ص: 178 ] إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون . قوله تعالى: ليس البر أن تولوا وجوهكم . قال قتادة: ذكر لنا أن رجلا سأل عن "البر" فأنزلت هذه الآية ، فدعاه رسول الله ، فتلاها عليه . وفيمن خوطب بها قولان . أحدهما: أنهم المسلمون . والثاني: أهل الكتابين . فعلى القول الأول; معناها: ليس البر كله في الصلاة ، ولكن البر ما في هذه الآية . وهذا المعنى مروي عن ابن عباس ، ومجاهد ، وعطاء ، والضحاك ، وسفيان . وعلى القول الثاني; معناها: ليس البر صلاة اليهود إلى المغرب ، وصلاة النصارى إلى المشرق ، ولكن البر ما في هذه الآية ، وهذا قول قتادة ، والربيع ، وعوف الأعرابي ، ومقاتل . وقرأ حمزة ، وحفص عن عاصم: (ليس البر) بنصب الراء . وقرأ الباقون برفعها ، قال أبو علي: كلاهما حسن ، لأن كل واحد من الاسمين; اسم "ليس" وخبرها ، معرفة ، فإذا اجتمعا في التعريف تكافآ في كون أحدهما اسما ، والآخر خبرا ، كما تتكافأ النكرتان . وفي المراد بالبر ثلاثة أقوال . أحدها: الإيمان . والثاني: التقوى . والثالث: العمل الذي يقرب إلى الله . قوله تعالى: ولكن البر من آمن بالله فيه قولان . أحدهما: أن معناه: ولكن البر بر من آمن بالله . والثاني: ولكن ذا البر من آمن بالله ، حكاهما الزجاج . وقرأ نافع ، وابن عامر: (ولكن البر) بتخفيف نون (لكن) ورفع (البر) وإنما ذكر اليوم الآخر ، لأن عبدة الأوثان لا يؤمنون بالبعث . وفي المراد بالكتاب هاهنا قولان . أحدهما: أنه القرآن . والثاني: أنه بمعنى الكتب ، فيدخل في هذا اليهود ، لتكذيبهم بعض النبيين وردهم القرآن . قوله تعالى: وآتى المال على حبه في هاء "حبه" قولان . أحدهما: أنها ترجع إلى المال . والثاني: إلى الإيتاء . وكان الحسن إذا قرأها قال: سوى الزكاة المفروضة . [ ص: 179 ] قوله تعالى: (ذوي القربى) يريد: قرابة المعطي . وقد شرحنا معنى: (اليتامى والمساكين) عند رأس ثلاث وثمانين آية من هذه السورة . فأما (ابن السبيل) ففيه ثلاثة أقوال . أحدها: أنه الضيف ، قاله سعيد بن جبير ، والضحاك ، ومقاتل ، والفراء ، وابن قتيبة ، والزجاج . والثاني: أنه الذي يمر بك مسافرا ، قاله الربيع بن أنس ، وعن مجاهد ، وقتادة كالقولين . وقد روي عن الإمام أحمد أنه قال: هو المنقطع به يريد بلدا آخر . وهذا اختيار ابن جرير الطبري ، وأبي سليمان الدمشقي ، والقاضي أبو يعلى ، ويحققه: أن السبيل الطريق ، وابنه: صاحبه الضارب فيه ، فله حق على من يمر به إذا كان محتاجا . ولعل أصحاب القول الأول أشاروا إلى هذا لأنه إن كان مسافرا ، فإنه ضيف لم ينزل . والقول الثالث: أنه الذي يريد سفرا ، ولا يجد نفقة ، ذكره الماوردي وغيره عن الشافعي . قوله تعالى: (وفي الرقاب) أي: في فك الرقاب . ثم فيه قولان . أحدهما: أنهم المكاتبون يعانون في كتابتهم بما يعتقون به ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وهو مروي عن علي بن أبي طالب ، والحسن ، وابن زيد ، والشافعي . والثاني: أنهم عبيد يشترون بهذا السهم ويعتقون ، رواه مجاهد عن ابن عباس ، وبه قال مالك بن أنس ، وأبو عبيد ، وأبو ثور . وعن أحمد كالقولين . فأما البأساء; فهي: الفقر . والضراء: المرض . وحين البأس: القتال ، قاله الضحاك . (أولئك الذين صدقوا) قال أبو العالية: تكلموا بالإيمان وحققوه بالعمل . يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم . قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص [ ص: 180 ] روى شيبان عن قتادة أن أهل الجاهلية كان فيهم بغي وطاعة للشيطان ، وكان الحي منهم إذا كان فيهم عدة ومنعة ، فقتل عبدهم عبد قوم آخرين; قالوا: لن نقتل به إلا حرا ، تعززا لفضلهم على غيرهم . وإذا قتلت امرأة منهم امرأة من آخرين; قالوا: لن نقتل بها إلا رجلا; فنزلت هذه الآية . ومعنى "كتب" فرض ، قاله ابن عباس وغيره . والقصاص: مقابلة الفعل بمثله ، مأخوذ من: قص الأثر . فإن قيل: كيف يكون فرضا والولي مخير بينه وبين العفو؟ فالجواب: أنه فرض على القاتل للولي ، لا على الولي . قوله تعالى: فمن عفي له من أخيه شيء أي: من دم أخيه ، أي: ترك له القتل ، ورضي منه بالدية: ودل قوله: (من أخيه) على أن القاتل لم يخرج عن الإسلام ، (فاتباع بالمعروف) أي: مطالبته بالمعروف ، بأمر آخذ الدية بالمطالبة الجميلة التي لا يرهقه فيها: (وأداء إليه بإحسان) يأمر المطالب بأن لا يبخس ولا يماطل ذلك تخفيف من ربكم قال سعيد بن جبير : كان حكم الله على أهل التوراة أن يقتل قاتل العمد ، ولا يعفى عنه ، ولا يؤخذ منه دية ، فرخص الله لأمة محمد ، فإن شاء ولي المقتول عمدا ، قتل وإن شاء عفا ، وإن شاء ، أخذ الدية . قوله تعالى: (فمن اعتدى) أي: ظلم ، فقتل قاتل صاحبه بعد أخذ الدية; (فله عذاب أليم) قال قتادة: يقتل ولا تقبل منه الدية . فصل ذهب جماعة من المفسرين إلى أن دليل خطاب هذه الآية منسوخ ، لأنه لما قال: (الحر بالحر) اقتضى أن لا يقتل العبد بالحر ، وكذلك لما قال: (والأنثى بالأنثى) اقتضى أن لا يقتل الذكر بالأنثى من جهة دليل الخطاب ، وذلك منسوخ بقوله تعالى: وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس قال شيخنا علي بن عبد الله: وهذا عند الفقهاء ليس بنسخ ، لأن الفقهاء يقولون: دليل الخطاب حجة ما لم يعارضه دليل أقوى منه .
__________________
|
#33
|
||||
|
||||
رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد
__________________
|
#34
|
||||
|
||||
رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد
__________________
|
#35
|
||||
|
||||
رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد
تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي سُورَةُ الْبَقَرَةِ الحلقة (35) صــ193 إلى صــ 198 قوله تعالى: وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض قال عدي بن حاتم: لما نزلت هذه الآية ، عمدت إلى عقالين ، أبيض وأسود ، فجعلتهما تحت وسادتي ، فجعلت أقوم في الليل ولا أستبين الأسود من الأبيض ، فلما أصبحت; غدوت على رسول الله فأخبرته ، فضحك وقال: "إن كان وسادك إذا لعريض ، إنما ذاك بياض النهار من سواد الليل" وقال سهل بن سعد: نزلت هذه الآية: حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ولم ينزل: (من الفجر) فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأسود [ ص: 193 ] والخيط الأبيض ، فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له زيهما ، فأنزل الله بعد ذلك (من الفجر) فعلموا أنما يعني بذلك الليل والنهار . فصل إذا شك في الفجر ، فهل يدع السحور أم لا؟ فظاهر كلام أحمد يدل على أنه لا يدع السحور ، بل يأكل حتى يستيقن طلوع الفجر . وقال مالك: أكره له أن يأكل إذا شك في طلوع الفجر ، فإن أكل فعليه القضاء . وقال الشافعي: لا شيء عليه . قوله تعالى: ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد في هذه المباشرة قولان . أحدهما: أنها المجامعة ، وهو قول الأكثرين . والثاني: أنها ما دون الجماع من اللمس والقبلة ، قاله ابن زيد . وقال قتادة: كان الرجل المعتكف إذا خرج من المسجد ، فلقي امرأته باشرها إذا أراد ذلك ، فوعظهم الله في ذلك . فصل الاعتكاف في اللغة: اللبث ، يقال: فلان معتكف على كذا ، وعاكف . وهو فعل مندوب إليه ، إلا أن ينذره الإنسان ، فيجب . ولا يجوز إلا في مسجد تقام فيه الجماعات ، ولا يشترط في حق المرأة مسجد تقام فيه الجماعة ، إذ الجماعة لا تجب عليها . وهل يصح بغير صوم؟ فيه عن أحمد روايتان . قوله تعالى: (تلك حدود الله) قال ابن عباس: يعني: المباشرة (فلا تقربوها) قال الزجاج: الحدود ما منع الله من مخالفتها ، فلا يجوز مجاوزتها . وأصل الحد في اللغة: المنع ، ومنه: حد الدار ، وهو ما يمنع غيرها من الدخول فيها . والحداد في اللغة: الحاجب والبواب ، وكل من منع شيئا فهو حداد . قال الأعشى: فقمنا ولما يصح ديكنا إلى جونة عند حدادها [ ص: 194 ] أي: عند ربها الذي يمنعها إلا بما يريده . وأحدت المرأة على زوجها وحدت ، فهي حاد ، ومحد: إذا قطعت الزينة ، وامتنعت منها ، وأحددت النظر إلى فلان: إذا منعت نظرك من غيره . وسمي الحديد حديدا ، لأنه يمتنع به الأعداء . قوله تعالى: كذلك يبين الله أي: مثل هذا البيان الذي ذكر . ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون . قوله تعالى: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل . سبب نزولها: أن امرأ القيس بن عابس ، وعبدان الحضرمي ، اختصما في أرض ، وكان عبدان هو الطالب ولا بينة له ، فأراد امرؤ القيس أن يحلف ، فقرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم: إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا [ آل عمران: 77 ] . فكره أن يحلف ، ولم يخاصم في الأرض ، فنزلت هذه الآية . هذا قول جماعة ، منهم سعيد بن جبير . ومعنى الآية: لا يأكل بعضكم أموال بعض ، كقوله: فاقتلوا أنفسكم قال القاضي أبو يعلى: والباطل على وجهين أحدهما: أن يأخذه بغير طيب نفس من مالكه ، كالسرقة ، والغصب ، والخيانة . والثاني: أن يأخذه بطيب نفسه ، كالقمار ، والغناء ، وثمن الخمر ، وقال الزجاج: الباطل: الظلم . "وتدلوا" أصله في اللغة من: أدليت الدلو: إذا أرسلتها لتملأها ، ودلوتها: إذا أخرجتها . ومعنى أدلى فلان بحجته: أرسلها ، وأتى بها على صحة . فمعنى الكلام: تعملون على ما يوجبه إدلاء الحجة ، وتخونون في الأمانة ، وأنتم تعلمون أن الحجة عليكم في الباطن . وفي ها "بها" قولان . أحدهما: أنها ترجع إلى الأموال ، كأنه قال: لا تصانعوا ببعضها جورة الحكام . والثاني: أنها ترجع إلى الخصومة ، فإن قيل: كيف أعاد ذكر [ ص: 195 ] الأكل فقال: "ولا تأكلوا" "لتأكلوا" فالجواب: أنه وصل اللفظة الأولى بالباطل ، والثانية بالإثم ، فأعادها للزيادة في المعنى ، ذكره ابن الأنباري . يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون . قوله تعالى: يسألونك عن الأهلة . هذه الآية من أولها إلى قوله: "والحج" نزلت على سبب ، وهو أن رجلين من الصحابة قالا: يا رسول الله! ما بال الهلال يبدو دقيقا ، ثم يزيد ويمتلئ حتى يستدير ويستوي ، ثم لا يزال ينقص ويدق حتى يعود كما كان؟ فنزلت: يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج هذا قول ابن عباس . ومن قوله تعالى: وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها إلى آخرها ، يدل على سبب آخر ، وهو أنهم كانوا إذا حجوا ، ثم قدموا المدينة ، لم يدخلوا من باب ، ويأتون البيوت من ظهورها ، فنسي رجل ، فدخل من باب ، فنزلت: وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها هذا قول البراء بن عازب . وفيما كانوا لا يدخلون البيوت من أبوابها لأجله أربعة أقوال . أحدها: أنهم كانوا يفعلون ذلك لأجل الإحرام ، قاله ابن عباس ، وأبو العالية ، والنخعي ، وقتادة ، وقيس النهشلي . والثاني: لأجل دخول الشهر الحرام ، قاله البراء بن عازب . والثالث: أن أهل الجاهلية كانوا إذا هم أحدهم بالشيء فاحتبس عنه; لم يأت بيته من بابه حتى يأتي الذي كان [ ص: 196 ] هم به ، قاله الحسن . والرابع: أن أهل المدينة كانوا إذا رجعوا من عيدهم فعلوا ذلك ، رواه عثمان بن عطاء عن أبيه . فأما التفسير; فإنما سألوه عن وجه الحكمة في زيادة الأهلة ونقصانها ، فأخبرهم أنها مقادير لما يحتاج الناس إليه في صومهم وحجهم وغير ذلك . والأهلة: جمع هلال . وكم يبقى الهلال على هذه التسمية؟ فيه للعرب أربعة أقوال . أحدها: أنه يسمى هلالا لليلتين من الشهر . والثاني: لثلاث ليال ، ثم يسمى: قمرا . والثالث: إلى أن يحجر ، وتحجيره: أن يسير بخطة دقيقة ، وهو قول الأصمعي . والرابع: إلى أن يبهر ضوؤه سواد الليل . حكى هذه الأقوال ابن السري ، واختار الأول ، قال: واشتقاق الهلال من قولهم: استهل الصبي: إذا بكى حين يولد . وأهل القوم بالحج: إذا رفعوا أصواتهم بالتلبية ، فسمي هلالا ، لأنه حين يرى يهل الناس بذكره . قوله تعالى: ولكن البر من اتقى مثل قوله تعالى: ولكن البر من آمن بالله وقد سبق بيانه ، واختلف القراء في البيوت وما أشبهها ، فقرأ ابن كثير ، وابن عامر ، والكسائي بكسر باء "البيوت" وعين "العيون" وغين "الغيوب" وروي عن نافع أنه ضم باء "البيوت" وعين "العيون" وغين "الغيوب" وجيم "الجيوب" وشين "الشيوخ" وروى عنه قالون أنه كسر باء "البيوت" وقرأ أبو عمر ، وأبو جعفر بضم الأحرف الخمسة ، وكسرهن جميعا حمزة ، واختلف عن عاصم . قال الزجاج: من ضم "البيوت" فعلى أصل الجمع: بيت وبيوت ، مثل: قلب وقلوب ، وفلس وفلوس . ومن كسر ، فإنما كسر للياء التي بعد الباء ، وذلك عند البصريين رديء ، لأنه ليس في الكلام فعول بكسر الفاء . وسمعت شيخنا أبا منصور اللغوي يقول: إذا كان الجمع على فعول ، وثانيه ياء; جاز فيه الضم والكسر ، تقول: بيوت وبيوت ، وشيوخ وشيوخ ، وقيود وقيود . [ ص: 197 ] وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين . قوله تعالى: وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم . سبب نزولها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لما صد عن البيت ، ونحر هديه بالحديبية ، وصالحه المشركون على أن يرجع من العام المقبل; رجع ، فلما تجهز في العام المقبل; خاف أصحابه أن لا تفي لهم قريش بذلك ، وأن يصدوهم ويقاتلوهم ، وكره أصحابه القتال في الشهر الحرام; فنزلت هذه الآية ، قاله ابن عباس . قوله تعالى: ولا تعتدوا أي: ولا تظلموا . وفي المراد بهذا الاعتداء أربعة أقوال . أحدها: أنه قتل النساء والولدان ، قاله ابن عباس ، ومجاهد . والثاني: أن معناه: لا تقاتلوا من لم يقاتلكم قاله سعيد بن جبير ، وأبو العالية ، وابن زيد . والثالث: أنه إتيان ما نهوا عنه ، قاله الحسن . والرابع: أنه ابتداؤهم بالقتال في الحرم في الشهر الحرام ، قاله مقاتل . فصل اختلف العلماء: هل هذه الآية منسوخة أم لا؟ على قولين . أحدهما: أنها منسوخة . واختلف أرباب هذا القول في المنسوخ منها على قولين . أحدهما: أنه أولها ، وهو قوله: وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم قالوا: وهذا يقتضي أن القتال يباح في حق من قاتل من الكفار ، ولا يباح في حق من لم يقاتل ، وهذا منسوخ بقوله: واقتلوهم حيث ثقفتموهم . والثاني: أن المنسوخ منها: (ولا تعتدوا) ولهؤلاء في هذا الاعتداء قولان . أحدهما: أنه قتل من لم يقاتل . والثاني: أنه ابتداء المشركين بالقتال ، وهذا منسوخ بآية السيف . والقول الثاني: أنها محكمة ، ومعناها عند أرباب هذا القول: وقاتلوا في سبيل الله [ ص: 198 ] الذين يقاتلونكم وهم الذين أعدوا أنفسهم للقتال ، فأما من ليس بمعد نفسه للقتال ، كالرهبان والشيوخ الفناة ، والزمنى ، والمكافيف ، والمجانين ، فإن هؤلاء لا يقاتلون ، وهذا حكم باق غير منسوخ . فصل واختلف العلماء في أول آية نزلت في إباحة القتال على قولين . أحدهما: أنها قوله تعالى: أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا [ الحج: 39 ] . قاله أبو بكر الصديق ، وابن عباس ، وسعيد بن جبير ، والزهري . والثاني: أنها هذه الآية: وقاتلوا في سبيل الله قاله أبو العالية ، وابن زيد .
__________________
|
#36
|
||||
|
||||
رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد
تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي سُورَةُ الْبَقَرَةِ الحلقة (36) صــ199 إلى صــ 204 واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين . قوله تعالى: واقتلوهم حيث ثقفتموهم . أي: وجدتموهم يقال: ثقفته أثقفه: إذا وجدته . قال القاضي أبو يعلى: قوله تعالى: واقتلوهم حيث ثقفتموهم عام في جميع المشركين ، إلا من كان بمكة ، فإنهم أمروا بإخراجهم منها ، إلا من قاتلهم ، فإنهم أمروا بقتالهم ، يدل على ذلك قوله في نسق الآية: ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه وكانوا قد آذوا المسلمين بمكة حتى اضطروهم إلى الخروج ، فكأنهم أخرجوهم . أما الفتنة ، ففيها قولان . أحدهما: أنها الشرك ، قاله ابن مسعود ، وابن عباس ، وابن عمر ، وقتادة في آخرين . والثاني: أنها ارتداد المؤمن إلى عبادة الأوثان . قاله مجاهد . فيكون معنى الكلام على القول الأول: شرك القوم أعظم [ ص: 199 ] من قتلكم إياهم في الحرم . وعلى الثاني: ارتداد المؤمن إلى الأوثان أشد عليه من أن يقتل محقا . قوله تعالى: (ولا تقاتلوهم) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم : ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم وقرأ حمزة ، والكسائي ، وخلف: ولا تقتلوهم حتى يقتلوكم فإن قتلوكم بحذف الألف فيهن . وقد اتفق الكل على قوله: (فاقتلوهم) واحتج من قرأ بالألف بقوله: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة واحتج من حذف الألف بقوله: (فاقتلوهم) . فصل واختلف العلماء في قوله: ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه : هل هو منسوخ أم لا؟ فذهب مجاهد في جماعة من الفقهاء إلى أنه محكم ، وأنه لا يقاتل فيه إلا من قاتل ، ويدل على ذلك الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه خطب يوم فتح مكة ، فقال: "يا أيها الناس! إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض ، ولم تحل لأحد قبلي ، ولا تحل لأحد بعدي . وإنما أحلت لي ساعة من النهار ، ثم عادت حراما إلى يوم القيامة" فبين صلى الله عليه وسلم أنه خص في تلك الساعة بالإباحة على سبيل التخصيص ، لا على وجه النسخ ، فثبت بذلك خطر القتال في الحرم ، إلا أن يقاتلوا فيدفعون دفعا ، وهذا أمر مستمر ، والحكم غير منسوخ ، وقد ذهب قتادة إلى أنه منسوخ بقوله تعالى: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم [ التوبة: 5 ] . فأمر بقتالهم في الحل والحرم وعلى كل حال . وذهب الربيع بن أنس ، وابن زيد . إلى أنه منسوخ بقوله تعالى: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة وزعم [ ص: 200 ] مقاتل أنه منسوخ بقوله تعالى: واقتلوهم حيث ثقفتموهم [ البقرة: 191 ] . والقول الأول أصح . قوله تعالى: فإن قاتلوكم فاقتلوهم قال مقاتل: أي: فقاتلوهم . فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم . قوله تعالى: (فإن انتهوا) . فيه ثلاثة أقوال . أحدها: أن معناه: فإن انتهوا عن شركهم وقتالكم . والثاني: عن كفرهم . والثالث: عن قتالكم دون كفرهم . فعلى القولين الأولين تكون الآية محكمة ، ويكون معنى: فإن الله غفور رحيم غفور لشركهم وجرمهم ، وعلى القول الأخير يكون في معنى قوله غفور رحيم قولان . أحدهما: غفور لكم حيث أسقط عنكم تكليف قتالهم . والثاني: أن معناه: يأمركم بالغفران والرحمة لهم . فعلى هذا تكون الآية منسوخة بآية السيف . وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين . قوله تعالى: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة . قال ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، وقتادة في آخرين: الفتنة هاهنا: الشرك . قوله تعالى: (ويكون الدين لله) قال ابن عباس: أي: يخلص له التوحيد . والعدوان: الظلم ، وأريد به هاهنا: الجزاء ، فسمي الجزاء عدوانا مقابلة للشيء بمثله ، كقوله: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه والظالمون هاهنا: المشركون ، قاله عكرمة ، وقتادة في آخرين . [ ص: 201 ] فصل وقد روي عن جماعة من المفسرين ، منهم قتادة ، أن قوله تعالى: فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين منسوخ بآية السيف ، وإنما يستقيم هذا إذا قلنا: إن معنى الكلام: فإن انتهوا عن قتالكم مع إقامتهم على دينهم ، فأما إذا قلنا: إن معناه: فإن انتهوا عن دينهم; فالآية محكمة . الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين . قوله تعالى: الشهر الحرام بالشهر الحرام . هذه الآية نزلت على سبب ، واختلفوا فيه على قولين . أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم ، أقبل هو وأصحابه معتمرين في ذي القعدة ومعهم الهدي ، فصدهم المشركون ، فصالحهم نبي الله على أن يرجع عنهم ثم يعود في العام المقبل ، فيكون بمكة ثلاث ليال ، ولا يدخلها بسلاح ، ولا يخرج بأحد من أهل مكة ، فلما كان العام المقبل; أقبل هو وأصحابه فدخلوها ، فافتخر المشركون عليه إذ ردوه يوم الحديبة ، فأقصه الله منهم وأدخله مكة في الشهر الذي ردوه فيه ، فقال: الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص وإلى هذا المعنى ذهب ابن عباس ، ومجاهد ، وعطاء ، وأبو العالية ، وقتادة ، في آخرين . والثاني: أن مشركي العرب قالوا للنبي ، عليه السلام: أنهيت عن قتالنا في الشهر الحرام؟ قال: "نعم" وأرادوا أن يفتروه في الشهر الحرام ، فيقاتلوه فيه ، فنزلت هذه الآية ، يقول: إن استحلوا منكم شيئا في الشهر الحرام ، فاستحلوا منهم مثله ، هذا قول الحسن ، واختاره إبراهيم بن السري والزجاج . فأما أرباب القول الأول; فيقولون معنى الآية: الشهر الحرام [ ص: 202 ] الذي دخلتم فيه الحرم بالشهر الحرام الذي صدوكم فيه عام أول . (والحرمات قصاص): اقتصصت لكم منهم في ذي القعدة كما صدوكم في ذي القعدة . وقال الزجاج: الشهر الحرام ، أي: قتال الشهر الحرام بالشهر الحرام ، فأعلم الله تعالى أن أمر هذه الحرمات لا تجوز للمسلمين إلا قصاصا ، ثم نسخ ذلك بآية السيف ، وقيل: إنما جمع الحرمات ، لأنه أراد الشهر الحرام بالبلد الحرام ، وحرمة الإحرام . قوله تعالى: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه قال ابن عباس: من قاتلكم في الحرم فقاتلوه . وإنما سمى المقابلة على الاعتداء اعتداء ، لأن صورة الفعلين واحدة ، وإن كان أحدهما: طاعة والآخر معصية . قال الزجاج: والعرب تقول: ظلمني فلان فظلمته ، أي: جازيته بظلمه . وجهل فلان علي ، فجهلت عليه . وقد سبق بيان هذا المعنى في أول السورة . قوله تعالى: (واتقوا الله) قال سعيد بن جبير : واتقوا الله ، ولا تبدؤوهم بقتال في الحرم . وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب . قوله تعالى: (وأنفقوا في سبيل الله) . هذه الآية نزلت على سبب ، وفيه قولان . [ ص: 203 ] أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بالتجهز إلى مكة ، قال ناس من الأعراب: يا رسول الله! بماذا نتجهز؟ فوالله ما لنا زاد ولا مال! فنزلت ، قاله ابن عباس . والثاني: أن الأنصار كانوا ينفقون ويتصدقون ، فأصابتهم سنة ، فأمسكوا; فنزلت ، قاله أبو جبيرة بن الضحاك . والسبيل في اللغة: الطريق . وإنما استعملت هذه الكلمة في الجهاد ، لأنه السبيل الذي يقاتل فيه على عقد الدين . والتهلكة: بمعنى الهلاك ، يقال: هلك الرجل يهلك هلاكا وهلكا وتهلكة . قال المبرد: وأراد بالأيدي: الأنفس; فعبر بالبعض عن الكل . وفي المراد بالتهلكة هاهنا أربعة أقوال . أحدها: أنها ترك النفقة في سبيل الله ، قاله حذيفة ، وابن عباس ، والحسن ، وابن جبير ، وعكرمة ، ومجاهد ، وقتادة ، والضحاك . والثاني: أنها القعود عن الغزو شغلا بالمال ، قاله أبو أيوب الأنصاري . والثالث: أنها القنوط من رحمة الله قاله البراء ، والنعمان بن بشير ، وعبيدة . والرابع: أنها عذاب الله ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس . قوله تعالى: (وأحسنوا) فيه ثلاثة أقوال . أحدها: أن معناه: أحسنوا الإنفاق ، وهو قول أصحاب القول الأول . والثاني: أحسنوا الظن بالله ، قاله عكرمة ، وسفيان ، وهو يخرج على قول من قال: التهلكة: القنوط . والثالث: أن معناه: أدوا الفرائض ، رواه سفيان عن أبي إسحاق . [ ص: 204 ] قوله تعالى: وأتموا الحج والعمرة لله قال ابن فارس: الحج في اللغة: القصد ، والاعتمار في الحج أصله: الزيارة . قال ثعلب: الحج بفتح الحاء: المصدر ، وبكسرها: الاسم قال: وربما قال الفراء: هما لغتان . وذكر ابن الأنباري في العمرة قولين . أحدهما: الزيارة . والثاني: القصد . وفي إتمامها أربعة أقوال . أحدها: أن معنى إتمامها: أن يفصل بينهما ، فيأتي بالعمرة في غير أشهر الحج ، قاله عمر بن الخطاب ، والحسن ، وعطاء . والثاني: أن يحرم الرجل من دويرة أهله ، قاله علي بن أبي طالب ، وطاووس ، وابن جبير . والثالث: أنه إذا شرع في أحدهما لم يفسخه حتى يتم ، قاله ابن عباس . والرابع: أنه فعل ما أمر الله فيهما ، قاله مجاهد . وجمهور القراء على نصب "العمرة" بإيقاع الفعل عليها . وقرأ الأصمعي عن نافع والقزاز عن أبي عمرو ، والكسائي عن أبي جعفر برفعها ، وهي قراءة ابن مسعود ، وأبي رزين ، والحسن ، والشعبي . وقراءة الجمهور تدل على وجوبها . وممن ذهب إلى أن العمرة واجبة علي ، وابن عمر ، وابن عباس ، والحسن ، وابن سيرين ، وعطاء ، وطاووس ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وأحمد ، والشافعي . وروي عن ابن مسعود ، وجابر ، والشعبي ، وإبراهيم ، وأبي حنيفة ، ومالك ، أنها سنة وتطوع .
__________________
|
#37
|
||||
|
||||
رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد
تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي سُورَةُ الْبَقَرَةِ الحلقة (37) صــ205 إلى صــ 209 قوله تعالى: (فإن أحصرتم) قال ابن قتيبة: يقال: أحصره المرض والعدو: إذا منعه من السفر ، ومنه هذه الآية . وحصره العدو: إذا ضيق عليه . وقال الزجاج: يقال للرجل: إذا حبس: قد حصر ، فهو محصور . وللعلماء في هذا الإحصار قولان . أحدهما: أنه لا يكون إلا بالعدو ، ولا يكون المريض محصرا . وهذا مذهب ابن عمر ، وابن عباس ، وأنس ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد . ويدل عليه قوله: (فإذا أمنتم) . والثاني: أنه يكون بكل حابس من مرض أو عدو أو عذر ، وهو قول عطاء ، ومجاهد ، وقتادة ، وأبي حنيفة . وفي الكلام اختصار وحذف ، والمعنى: فإن أحصرتم دون تمام الحج والعمرة فحللتم; فعليكم [ ص: 205 ] ما استيسر من الهدي . ومثله: أو به أذى من رأسه ففدية تقديره: فحلق ، ففدية . والهدي: ما أهدي إلى البيت . وأصله: هدي مشدد ، فخفف ، قاله ابن قتيبة . وبالتشديد يقرأ الحسن ، ومجاهد . وفي المراد ( بما استيسر من الهدي ) ثلاثة أقوال . أحدها: أنه شاة ، قاله علي بن أبي طالب ، وابن عباس ، والحسن ، وعطاء ، وابن جبير ، وإبراهيم ، وقتادة ، والضحاك . والثاني: أنه ما تيسر من الإبل والبقر لا غير ، قاله ابن عمر ، وعائشة ، والقاسم . والثالث: أنه على قدر الميسرة ، رواه طاوس عن ابن عباس . وروي عن الحسن ، وقتادة قالا: أعلاه بدنه ، وأوسطه بقرة ، وأخسه شاة . وقال أحمد: الهدي من الأصناف الثلاثة ، من الإبل والبقر ، والغنم ، وهو قول أبي حنيفة ، رحمه الله ، ومالك ، والشافعي ، رحمهما الله . قوله تعالى: (حتى يبلغ الهدي محله) قال ابن قتيبة: المحل: الموضع الذي يحل به نحره ، وهو من: حل يحل . وفي المحل قولان . أحدهما: أنه الحرم ، قاله ابن مسعود ، والحسن ، وعطاء ، وطاووس ، ومجاهد ، وابن سيرين ، والثوري ، وأبو حنيفة . والثاني: أنه الموضع الذي أحصر به فيذبحه ويحل ، قاله مالك ، والشافعي ، وأحمد . قوله تعالى: فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية هذا نزل على سبب ، وهو أن كعب بن عجرة كثر قمل رأسه حتى تهافت على وجهه ، فنزلت هذه الآية فيه ، فكان يقول: في نزلت خاصة . فصل قال شيخنا علي بن عبيد الله: اقتضى قوله: ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله تحريم حلق الشعر ، سواء وجد به الأذى ، أو لم يجد ، حتى نزل: فمن كان منكم [ ص: 206 ] مريضا أو به أذى من رأسه ففدية فاقتضى هذا إباحة حلق الشعر عند الأذى مع الفدية ، فصار ناسخا لتحريمه المتقدم . ومعنى الآية: فمن كان منكم - أي: من المحرمين ، محصرا كان أو غير محصر - مريضا ، واحتاج إلى لبس أو شيء يحظره الإحرام ، ففعله ، أو به أذى من رأسه فحلق ، ففدية من صيام . وفي الصيام قولان . أحدهما: أنه ثلاثة أيام ، روي في حديث كعب بن عجرة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول الجمهور . والثاني: أنه صيام عشرة أيام ، روي عن الحسن وعكرمة ، ونافع . وفي الصدقة قولان . أحدهما: أنه إطعام ستة مساكين ، روي في حديث كعب ، وهو قول من قال الصوم ثلاثة أيام . والثاني: أنها إطعام عشرة مساكين ، وهو قول من أوجب صوم عشرة أيام . والنسك: ذبح شاة ، يقال: نسكت لله ، أي: ذبحت له . وفي النسك لغتان . ضم النون والسين ، وبها قرأ الجمهور ، وضم النون مع تسكين السين ، وهي قراءة الحسن . قوله تعالى: (فإذا أمنتم) ، أي: من العدو . إذ المرض لا تؤمن معاودته وقال علقمة في آخرين: فإذا أمنتم من الخوف والمرض . فمن تمتع بالعمرة إلى الحج معناه: من بدأ بالعمرة في أشهر الحج ، وأقام الحج من عامه ذلك ، فعليه ما استيسر من الهدي . وهذا قول ابن عمر ، وابن المسيب ، وعطاء ، والضحاك . وقد سبق الكلام فيما استيسر من الهدي . فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج قال الحسن: هي قبل التروية بيوم و [يوم ] التروية ، و [يوم ] عرفة ، وهذا قول عطاء ، والشعبي ، وأبي العالية ، وابن جبير ، وطاووس ، وإبراهيم ، وقد نقل عن علي رضي الله عنه . وقد روي عن الحسن ، وعطاء قالا: في أي العشر شاء صامهن . ونقل عن طاوس ، ومجاهد ، وعطاء ، أنهم قالوا: في أي أشهر الحج شاء فليصمهن . ونقل عن ابن عمر أنه قال: من حين يحرم إلى يوم عرفة . [ ص: 207 ] فصل فإن لم يجد الهدي ، ولم يصم الثلاثة أيام قبل يوم النحر ، فماذا يصنع؟ قال عمر بن الخطاب ، وابن عباس ، وابن جبير ، وطاووس ، وإبراهيم: لا يجزئه إلا الهدي ولا يصوم . وقال ابن عمر وعائشة: يصوم أيام منى . ورواه صالح عن أحمد ، وهو قول مالك . وذهب آخرون إلى أنه لا يصوم أيام التشريق ، بل يصوم بعدهن . روي عن علي . ورواه المروذي عن أحمد ، وهو قول الشافعي . فصل فإن وجد الهدي بعد الدخول في صوم الثلاثة أيام ، لم يلزمه الخروج منه ، وهو قول مالك ، والشافعي . وقال أبو حنيفة: يلزمه الخروج ، وعليه الهدي . وقال عطاء: إن صام يومين ثم أيسر; فعليه الهدي . وإن صام ثلاثة أيام ثم أيسر; فليصم السبعة ، ولا هدي عليه . وفي معنى قوله: (في الحج) قولان . أحدهما: أن معناه: في أشهر الحج . والثاني: في زمان الإحرام بالحج . وفي قوله تعالى: (وسبعة إذا رجعتم) قولان . أحدهما: إذا رجعتم إلى أمصاركم ، قاله ابن عباس ، والحسن ، وأبو العالية ، والشعبي ، وقتادة . والثاني: إذا رجعتم من حجكم ، وهو قول عطاء ، وسعيد بن جبير ، وأبي حنيفة ، ومالك . قال الأثرم: قلت لأبي عبيد الله ، يعني: أحمد بن حنبل: فصيام السبعة أيام إذا رجع متى يصومهن؟ أفي الطريق ، أم في أهله؟ قال: كل ذلك قد تأوله الناس . قيل لأبي عبد الله: ففرق بينهن ، فرخص في ذلك . قوله تعالى: تلك عشرة كاملة فيه خمسة أقوال . أحدها: أن معناه: كاملة في قيامها مقام الهدي ، وإلى هذا المعنى ذهب ابن عباس ، والحسن . قال القاضي أبو يعلى: وقد كان يجوز أن يظن ظان أن الثلاثة قد قامت مقام الهدي في باب استكمال الثواب ، فأعلمنا الله تعالى أن العشرة بكمالها هي القائمة مقامه . [ ص: 208 ] . والثاني: أن الواو قد تقوم مقام "أو" في مواضع ، منها قوله: فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فأزال الله ، عز وجل احتمال التخيير في هذه الآية بقوله: (تلك عشرة كاملة) وإلى هذا المعنى ذهب الزجاج . والثالث: أن ذلك للتوكيد وأنشدوا للفرزدق: ثلاث واثنتان فهن خمس وسادسة تميل إلى شمامي وقال آخر: هلا سألت جموع كندة يوم ولوا أين أينا وقال آخر: كم نعمة كانت له كم كم وكم والقرآن نزل بلغة العرب ، وهي تكرر الشيء لتوكيده . والرابع: أن معناه: تلك عشرة كاملة في الفصل ، وإن كانت الثلاثة في الحج ، والسبعة بعد ، لئلا يسبق إلى وهم أحد أن السبعة دون الثلاثة ، قاله أبو سليمان الدمشقي . والخامس: أنها لفظة خبر ومعناها: الأمر ، فتقديره: تلك عشرة فأكملوها . قوله تعالى: ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام في المشار إليه بذلك قولان . أحدهما: أنه التمتع بالعمرة إلى الحج . والثاني: أنه الجزاء بالنسك والصيام . واللام من "لمن" في هذا القول بمعنى: "على" . فأما حاضروا المسجد الحرام; فقال ابن عباس ، وطاووس ، ومجاهد: هم أهل الحرم . وقال عطاء: من كان منزله دون المواقيت . قال ابن الأنباري: ومعنى الآية: أن هذا الفرض لمن كان من الغرباء ، وإنما ذكر أهله وهو المراد بالحضور ، لأن الغالب على الرجل أن يسكن حيث أهله ساكنون . الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في [ ص: 209 ] الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب . قوله تعالى: (الحج أشهر معلومات) . في الحج لغتان . فتح الحاء ، وهي لأهل الحجاز ، وبها قرأ الجمهور . وكسرها ، وهي لتميم ، وقيل: لأهل نجد ، وبها قرأ الحسن . قال سيبويه: يقال: حج حجا ، كقولهم: ذكر ذكرا . وقالوا: حجة ، يريدون: عمل سنة . قال الفراء: المعنى: وقت الحج هذه الأشهر . وقال الزجاج: معناه: أشهر الحج أشهر معلومات .
__________________
|
#38
|
||||
|
||||
رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد
__________________
|
#39
|
||||
|
||||
رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد
__________________
|
#40
|
||||
|
||||
رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 0 والزوار 4) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |