«عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله - الصفحة 4 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12934 - عددالزوار : 262809 )           »          عاقبة الترف والمترفين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          وانتهى موسم الحج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          السودان يشهد أسوأ أزمات العالم منذ عقود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          في الذكر بعد الصلوات المكتوبة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          أثر الذنوب والمعاصي على المجتمع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          نهج الرسول في الدعوة إلى الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          الفرقة كربة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          معاملة الرسول لأزواجه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          شكر النعمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #31  
قديم 06-06-2021, 08:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,681
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن»

الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

تفسير قوله تعالى: ( رَبِّ الْعَالَمِينَ )




ï´؟ رَبِّ الْعَالَمِينَ ï´¾ [الفاتحة: 2]: رب صفة أُولى للفظ الجلالة "الله"، أو بدل منه. وï´؟ رَبِّ ï´¾ مضاف وï´؟ الْعَالَمِينَ ï´¾ مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم.

وï´؟ رَبِّ الْعَالَمِينَ ï´¾: خالِقُهم ومالكهم والمتصرِّف فيهم.

وï´؟ رَبِّ ï´¾ في الأصل مأخوذ من التربية للشيء وتنميته، وتبليغه إلى كماله، كما قال تعالى: ï´؟ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ï´¾ [النساء: 23]؛ أي: اللاتي تُربُّونَهن في حجوركم.

وهو بمعنى المالك والسيد، كما قال تعالى: ï´؟ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا ï´¾ [يوسف: 41]؛ أي: مالكه وسيده، وفي الحديث: ((أن تَلِدَ الأَمَةُ ربَّتَها))[1] ؛ أي: مالكتها وسيدتها.

وبمعنى: المعبود حتى لو كان بغير حقٍّ، كما قال تعالى: ï´؟ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ï´¾ [يوسف: 39].

وقال أحد المشركين وقد وجد الثعلب قد بال على صنمه:
أَرَبٌّ يَبُولُ الثُّعْلُبَانُ بَرَأْسِه *** لَقَدْ هَانَ مَنْ بَالَتْ عَلَيْهِ الثَّعَالِبُ[2]


وبمعنى القائم على الشيء ومدبِّره ومُصلِحه ومتولِّيه، ومنه اسم الله عز وجل: "القيوم".

ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: ((هل لك عليه من نعمة ترُبُّها؟))[3]؛ أي: تقوم بها وتُصلِحُها.

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "لأنْ يَرُبَّني بنو عمي أحَبُّ إليَّ من أن يَرُبَّني غيرهم"[4]؛ أي: يكون عليَّ ربًّا؛ أي: أميرًا يقوم بأمره، ويملك تدبيره، ويدخل تحت طاعته.

ومنه قولهم: "أديم مربوب"[5] وقول النابغة الذبياني[6]:
تخُبُّ إلى النُّعمـانِ حتى تَنالَه *** فَدًى لك مِن رَبٍّ طَرِيفِي وتالِدِي


وبمعنى صاحب الشيء، كما قال تعالى: ï´؟ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ï´¾ [الصافات: 180]؛ أي: صاحب العزة.

وكل هذه المعاني حقٌّ بالنسبة له تعالى؛ فهو تعالى مربِّي الخلق؛ خالِقُهم ومالكهم، ومدبِّرهم، وسيدهم، وهو معبودهم بحقٍّ، وهو القيوم على كلِّ شيء ومدبِّرُه ومُصلِحه، وهو صاحب العزة سبحانه وتعالى؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية[7]: "الرَّبُّ: هو المربِّي الخالق الرازق الناصر الهادي".

واسمه تعالى: "الرب" يفيد أن الربوبية صفةٌ ذاتيَّة له تبارك وتعالى، وصفة فعليَّة[8].

وربوبية الله لخلقه نوعانِ: ربوبية خاصة، مقتضاها النصر والتأييد، واللطف والعناية، ونحو ذلك، وربوبية عامة، مقتضاها مطلَقُ التصرُّف.

فالربوبية العامة: هي خَلْقُه للمخلوقين ومُلكُه لهم، وتدبيره الكَونيُّ لهم، ورزقُه لهم، وهدايتهم لمصالح دنياهم، ونحو ذلك.

وهذه شاملة لجميع الخلق مؤمنِهم وكافرهم، ناطقهم وبهيمهم، حيِّهم وجمادهم، كما في قوله تعالى: ï´؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ï´¾ [الفاتحة: 2]، وقوله تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ï´¾ [البقرة: 21]، وقوله تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ï´¾ [النساء: 1].

والربوبية الخاصة: هي ربوبية الله تعالى لأوليائه بهدايتهم إلى الصراط المستقيم بالإيمان والعلم النافع، والعمل الصالح، وفعل الخيرات، وترك المنكَرات، وذلك ملاكُ الأمرِ مع توفيقهم وحفظهم.

كما قال إبراهيم عليه السلام: ï´؟ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا ï´¾ [البقرة: 126].


وقال موسى عليه السلام: ï´؟ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ï´¾ [المائدة: 25].

وكما في قول المؤمنين: ï´؟ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ï´¾ [البقرة: 285]، وغير ذلك.

ولما كان من أخَصِّ معاني الربِّ المالك والمدبر والقائم بما يصلح الخلق؛ كان أكثر دعاء الأنبياء والمؤمنين باسمه تعالى "الرب"؛ لأنه أحَقُّ باسم الاستعانة والمسألة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية[9]: "فعامة المسألة والاستعانة المشروعة باسم الربِّ".

و"الرب" بالتعريف لا يُطلَق إلا على الله تعالى، و"ربُّ كذا" - بالإضافة - يطلق عليه وعلى غيره، فلزم إذا أُريدَ به غيرُ الله أن يُقيَّد بالإضافة، فيقال: ربُّ الدارِ، ورب الإبل[10]، كما قال يوسف عليه السلام: ï´؟ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا ï´¾ [يوسف: 41]، وقال أيضًا: ï´؟ اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ ï´¾ [يوسف: 42]، وقال أيضًا: ï´؟ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ ï´¾ [يوسف: 50].

وفي الحديث: ((أن تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَها))[11].

ويظهر جليًّا من تعريف اسمه تعالى "الله"، و"رب العالمين" دخولُ اسم "الرب" في اسمه تعالى "الله"، وأن بينهما تداخُلًا وتلازُمًا.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية[12] عن هذين الاسمين: "فالاسم الأول - يعني "الله" - يتضمن غاية العبد ومصيره ومنتهاه، وما خُلِق له، وما فيه صلاحه وكماله، وهو عبادة الله. والاسم الثاني - يعني "رب العالمين" - يتضمن خلْقَ العبد ومبتداه، وهو أنه يَرُبُّه ويتولاه، مع أن الثاني يدخل في الأول دخولَ الربوبية في الإلهية، والربوبية تستلزم الألوهية أيضًا".

ï´؟ الْعَالَمِينَ ï´¾: جمع عالَم بفتح اللام، اسم جمع لا واحد له من لفظه؛ كرَهْطٍ وقوم.

والعالمين: كلُّ موجود سوى الله تعالى، وقد جُمِع ليشمل كلَّ جنس ممن سُمِّي به، فيعُم جميع المخلوقات في السموات والأرض، وما بينهما من الملائكة والإنس والجن والشياطين، والحيوانات والجمادات، وغير ذلك من سائر المخلوقات، كما دخلت عليه "أل" الدالة على الاستغراق؛ ليشمل كلَّ فرد من أفراد تلك الأجناس[13].

وهو مشتق من العلامة؛ لأن كل ما في الوجود من المخلوقات علامةٌ على وجود الله، وكماله بذاته وصفاته، كما قال تعالى: ï´؟ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ï´¾ [آل عمران: 190]، وقال تعالى: ï´؟ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ï´¾ [الروم: 22]، إلى غير ذلك من الآيات.

قال الشاعر[14]:
فواعجبًا كيف يُعصى الإلـ
ـهُ أم كيف يجحَدُه الجاحدُ

وفي كلِّ شيءٍ له آيةٌ
تدلُّ على أنه واحدُ

ويقال: إنه مشتق من "العِلم" بكسر العين[15].

والقول بأنه مشتق من "العِلم" إنْ أُريدَ به أنه تعالى خلَقَ "العالَمين" عن عِلم منه - جل وعلا - بهم، كما خلقهم - أيضًا - عن قدرة تامة، فصحيح، كما قال تعالى: ï´؟ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ï´¾ [الطلاق: 12].

وإن أُريدَ به أن هذه المخلوقات سمِّيت عوالم؛ لأن عندها شيئًا من العِلم المحدود الناقص القليل، أو عندها ما يخصها من العلم؛ كما قال تعالى: ï´؟ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ï´¾ [الإسراء: 44]، فهذا محتمل.

والقول بأنه مشتق من العلامة هو الأظهر، ويحتمل أنه مشتق منها ومن العلم[16]، والله أعلم.

وجمَعَ "العالمين" جمْعَ مَن يعقل، علمًا أنه يتناول العقلاء وغيرهم، مِن باب تغليب العقلاء على من سواهم؛ لأن العقلاء هم المعنيُّون بالخطاب والتكليف؛ لما ميَّزهم الله به عن الحيوان والجماد من العقل والإدراك، الذي هو مناط التكليف.

وهذا كقوله تعالى: ï´؟ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ï´¾ [البقرة: 31]، وكقوله تعالى: ï´؟ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ ï´¾ [النور: 45].

فقد غلَّب العقلاء على غيرهم في الآية الأولى بقوله: "عَرَضَهُمْ"، "هَؤُلَاءِ"، وفي الآية الثانية بقوله: "فَمِنْهُمْ".

أما قوله تعالى: ï´؟ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ï´¾ [الفرقان: 1] ونحوه، فالمراد به الإنس والجن فقط، فاستخدم لفظ: "العالمين" لبعض مدلوله.

وإنما حُمِل على أنه خاص بهم؛ لأنهم هم المعنيُّون بالنِّذارة دون غيرهم من سائر المخلوقات.

وهكذا فإن السياق نفسَه يحدِّد المراد بلفظة: "العالمين" أهو العموم لجميع المخلوقات، كما في أكثر المواضع الواردة في القرآن، أم الخصوص لبعضها، كما في آية الفرقان.

وكما في قوله: ï´؟ أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ ï´¾ [الشعراء: 165]، فالمراد بهذا الذكران من عالَمِي زمانِهم من الإنس، وهكذا.


[1] أخرجه من حديث طويل من رواية أبي هريرة - البخاري في الإيمان (50)، ومسلم في الإيمان (9)، وأخرجه أيضًا مسلم مطولًا من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه (8).

[2] ذكر صاحب "شرح مغني اللبيب" للبغدادي (2/ 304 -309): أنه يُروى لراشد بن عبدربه، ولغاوي بن ظالم السلمي، ولأبي ذر الغفاري، وللعباس بن مرداس.

[3] أخرجه مسلم في البر والصلة (2567)، وأحمد (2/ 262، 408) - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[4] أخرجه البخاري في التفسير (4666).

[5] انظر: "المحرر الوجيز" (1/ 65).

[6] انظر: "ديوانه" ص(92).

[7] انظر: "مجموع الفتاوى" (14/ 13).

[8] انظر: "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 137).

[9] انظر: "مجموع الفتاوى" (14/ 13)، "دقائق التفسير" (1/ 176 -177).

[10] انظر: "الصحاح" مادة: "رب"، "معالم التنزيل" (1/ 40)، "الكشاف" (1/ 8)، "تفسير ابن كثير" (1/ 48).

[11] سبق تخريجه قريبًا.

[12] انظر: "مجموع الفتاوى" (14/ 13)، "دقائق التفسير" (1/ 177).

[13] انظر: "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 133).

[14] البيتان لأبي العتاهية. انظر: "ديوانه" (ص104).

[15] انظر: "الكشاف" (1/ 8 -9).

[16] انظر: "معالم التنزيل" (1/ 40).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #32  
قديم 10-06-2021, 08:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,681
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن»

الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

تفسير قوله تعالى: ( الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )[الفاتحة: 3]



قوله: ï´؟ الرَّحْمَنِ ï´¾ صفةٌ ثانية للفظ الجلالة "الله"، وï´؟ الرَّحِيمِ ï´¾ صفة ثالثة له، وكلٌّ منهما مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، أو هما بدلانِ من لفظ الجلالة.








وهذا بعد قوله: ï´؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ï´¾ [الفاتحة: 2] ثناء على الله تبارك وتعالى؛ لقوله عز وجل في حديث أبي هريرة: ((فإذا قال العبد: ï´؟ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ï´¾، قال الله: أثنى عليَّ عبدي))[1].







وï´؟ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ï´¾: اسمانِ من أسماء الله تعالى يدلُّ كلٌّ منهما على إثبات صفة الرحمة وأثرها، وقد تقدَّم الكلام عليهما مستوفى في الكلام على البسملة.







قال شيخ الإسلام ابن تيمية[2] بعدما بيَّن أن اسم "الله" أحَقُّ بالعبادة، وأن اسم "الرب" أحَقُّ بالاستعانة - قال: "والاسم ï´؟ الرَّحْمَنِ ï´¾ يتضمن كمال التعلُّقين، وبوصف الحالين فيه تتم سعادته - يعني العبد - في دنياه وأخراه؛ ولهذا قال تعالى: ï´؟ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ ï´¾ [الرعد: 30]، فذكر هاهنا الأسماء الثلاثة: "الرَّحْمَن"، و"رَبِّي"، و"الإله"، وقال: ï´؟ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ ï´¾ [الرعد: 30] كما ذكر الأسماء الثلاثة في أم القرآن..".







[1] سبق تخريجه.



[2] انظر: "مجموع الفتاوى" (14/13)، "دقائق التفسير" (1 /177).









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #33  
قديم 10-06-2021, 08:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,681
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن»

الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم





تفسير قوله تعالى: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) [الفاتحة: 4]




قوله: ï´؟ مَالِكِ ï´¾ صفةٌ رابعة للفظ الجلالة "الله"، أو بدل منه مجرور مثله، وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، وهو مضاف وï´؟ يَوْمِ ï´¾ مضاف إليه مجرور، وï´؟ يَوْمِ ï´¾ مضاف وï´؟ الدِّينِ ï´¾ مضاف إليه مجرور، وعلامة جرِّ كل منهما الكسرة الظاهرة على آخره.







وهذا بعد قوله تعالى: ï´؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ï´¾ [الفاتحة: 2، 3] تمجيدٌ لله تعالى؛ لقوله تعالى في حديث أبي هريرة: ((فإذا قال العبد: ï´؟ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ï´¾، قال الله: مجَّدَني عبدي)).







قرأ عاصم والكسائي: (مالك) بالألف؛ اسم فاعل من "المِلك" بكسر الميم وسكون اللام؛ كقوله تعالى: ï´؟ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ ï´¾ [آل عمران: 26].







ومعنى "المالك": المتصرِّف في الأعيان المملوكة كيف يشاء.







وقرأ باقي السبعة: (مَلِك)، والملِك هو الحيُّ الذي يتصرف فيأمر وينهى ويطاع، مأخوذ من "المُلْك" بضم الميم؛ كقوله تعالى: ï´؟ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ï´¾ [البقرة:107، المائدة:40]، وقوله: ï´؟ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ï´¾ [المائدة: 18]، وقوله: ï´؟ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ ï´¾ [فاطر: 13، الزمر: 6]، وقوله: ï´؟ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ï´¾ [التغابن: 1]، وقوله: ï´؟ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ï´¾ [الملك: 1]، وقوله تعالى: ï´؟ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ ï´¾ [الحشر: 23، الجمعة: 1]، وقوله: ï´؟ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ ï´¾ [الناس: 1، 2].







و"مَلِك" على وزن "فَعِل" صفةٌ مشبَّهة تدل على ثبوت مُلكِه ودوامه، وأن له التصرف التام في الأمر والنهي.







وقراءة "مَلِك" أعم وأشمل من قراءة "مالك"؛ إذ إن كلَّ مَلِكٍ مالكٌ، وليس كل مالك ملكًا.







وقال بعضهم: بل قراءة (مالك) أعم وأشمل. قال في "لسان العرب"[1]: "روى المنذر عن أبي العباس أنه اختار ï´؟ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ï´¾، وقال: كل من يملك فهو مالك؛ لأنه بتأويل الفعل، مالك يوم الدين؛ أي: يملك إقامته، ومنه قوله تعالى: ï´؟ مَالِكَ الْمُلْكِ ï´¾ [آل عمران: 26]".







وكلٌّ من القراءتين سبعية وصحيحة ثابتة، نزل بها جبريل من عند الله على النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا صح في الآية أكثرُ من قراءة، فكل قراءة بمثابة آية، ولا تجوز المقارنة بين ألفاظ تلك القراءات من حيث الجودة والحسن؛ إذ ليس في كلام الله جيد وأجود، وحسن وأحسن، بل كل كلامه تعالى في غاية الجودة والحسن، وفي أعلى مراتب الفصاحة والبلاغة، قال تعالى: ï´؟ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ï´¾ [النساء: 82].







ï´؟ يَوْمِ الدِّينِ ï´¾: "اليوم" في الأصل هو القطعة من الزمن، قليلة كانت أو كثيرة؛ أي: مطلق الوقت.







فمن إطلاقه على الزمن وإن كان قليلًا قوله تعالى: ï´؟ إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ï´¾ [آل عمران: 155]؛ أي: ساعة التقى الجمعان.







وقوله تعالى: ï´؟ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ ï´¾ [الأنعام: 158]، وقوله تعالى: ï´؟ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ï´¾ [مريم: 15]، ويُقال: "شاهدتك يومًا، أو سمعتك يوم كذا"؛ أي: لحظة من يوم[2].







كما يطلق على الزمن الطويل؛ قال تعالى: ï´؟ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ï´¾ [الحج: 47].







وقال تعالى: ï´؟ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ï´¾ [المعارج: 4]، وهو اليوم الآخر، ويوم القيامة، كما ذكره الله تعالى في آيات عديدة من كتابه العزيز.







واليوم في الشرع: ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ومنه قوله تعالى: ï´؟ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ï´¾ [البقرة: 184]، وقوله: ï´؟ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ï´¾ [البقرة: 184]، وقوله: ï´؟ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ ï´¾ [البقرة: 196]، وقوله: ï´؟ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى ï´¾ [البقرة: 203]، وقوله تعالى: ï´؟ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ï´¾ [المائدة: 89].







ومنه قوله تعالى: ï´؟ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ï´¾ [يونس: 3].







لأن الصحيح من أقوال أهل العلم أن هذه الأيام الستة كأيام الدنيا؛ لأن الله خاطَبَ العرب بما يَعرِفون.







وأيام الله تعالى هي نِعَمُه تعالى، وثوابه للمطيعين، ووقائعه في العاصين، كما قال تعالى: ï´؟ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ï´¾ [إبراهيم: 5].







وقال تعالى: ï´؟ قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ï´¾ [الجاثية: 14].







وï´؟ الدِّينِ ï´¾ هو الحساب والجزاء على الأعمال خيرها وشرِّها، كما قال تعالى: ï´؟ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ï´¾ [النور: 25]؛ أي: جزاء أعمالهم، وقال تعالى: ï´؟ فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ï´¾ [الواقعة: 86، 87]؛ أي: غير مجزيِّين بأعمالكم ومحاسبين عليها.







وذكر الله عن الكفار قولهم: ï´؟ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ ï´¾ [الصافات: 53]؛ أي: لمجزيُّون، وقال تعالى: ï´؟ وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ ï´¾ [الذاريات: 6]؛ أي: إن الجزاء على الأعمال لَواقعٌ حقيقة.







وقال تعالى: ï´؟ كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ ï´¾ [الانفطار: 9]؛ أي: تكذِّبون بالحساب والجزاء على الأعمال، وقال تعالى: ï´؟ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ ï´¾ [الانفطار: 15]، وقال تعالى: ï´؟ وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ï´¾ [الانفطار: 17، 18]، وقال تعالى: ï´؟ فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ ï´¾ [التين: 7]؛ أي: فما يكذبك بالبعث والحساب والجزاء على الأعمال؟



وتفسير الدِّين بالمحاسبة والمجازاة معروفٌ مشهور في كلام العرب.







قال شهل بن شيبان من قصيدة له في حرب البسوس[3]:



ولم يَبْقَ سوى العُدْوا *** نِ دِنَّاهم كما دانُوا





وقال آخر:



واعلَمْ وأَيْقِنْ أن مُلْكَك زائلٌ *** واعلَمْ بأنك ما تَدينُ تُدانُ[4]





وقال آخر:



حصادك يومًا ما زرعتَ وإنما *** يُدانُ الفتى يومًا كما هو دائنُ[5]





وفي المثل أو الأثر: "كما تَدينُ تُدانُ"[6].







والمراد بـï´؟ يَوْمِ الدِّينِ ï´¾ يوم القيامة، يوم قيام الناس من قبورهم، وقيام الأشهاد من الرسل والأنبياء والصالحين والملائكة، ويوم قيام الحساب، وقيام العدل الحقيقي، يوم إدانة الخلائق ومحاسبتهم ومجازاتهم بأعمالهم إنْ خيرًا فخيرٌ، وإنْ شرًّا فشرٌّ، كما قال تعالى: ï´؟ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ï´¾ [غافر: 17]، وقال تعالى: ï´؟ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ï´¾ [الجاثية: 28].







قال عمر رضي الله عنه: "حاسِبوا أنفسكم قبل أن تحاسَبوا، وزِنوا أنفسَكم قبل أن تُوزَنوا، وتأهَّبوا للعِرْضِ الأكبر على من لا تخفى عليه أعمالكم ï´؟ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ï´¾ [الحاقة: 18]"[7].







ويطلَق الدِّين على المِلَّةِ والشريعة؛ كما قال تعالى: ï´؟ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ï´¾ [البقرة: 132]، وقال تعالى: ï´؟ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ï´¾ [البقرة: 256]، وقال تعالى: ï´؟ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ï´¾ [آل عمران: 19]، وقال تعالى: ï´؟ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ï´¾ [آل عمران: 85]، وقال تعالى: ï´؟ وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ï´¾ [المائدة: 3]، وقال تعالى: ï´؟ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ ï´¾ [التوبة: 33، الفتح: 28، الصف: 9]، وقال تعالى: ï´؟ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ï´¾ [التوبة: 36، يوسف:40، الروم:30]، وقال تعالى: ï´؟ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ï´¾ [التوبة: 33، الفتح: 28، الصف: 9].







ويطلَق على الحُكْم والقضاء الشرعي؛ قال تعالى: ï´؟ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ï´¾ [النور: 2]؛ أي: في حُكمه وقضائه الشرعي.







وقال تعالى: ï´؟ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ ï´¾ [يوسف: 76]؛ أي: في قضاء الملِك.







ويطلَق على العادة والشأن والحال والخلق[8].







قال امرؤ القيس[9]:



كدِينِك من أمِّ الحُوَيرثِ قبلَها *** وجارتِها أمِّ الرَّبابِ بمَأْسَلِ





وقال المُثَقِّبُ العَبْدِيُّ[10]:



تقول إذا دَرأتُ لها وَضِيني *** أهذا دِينُه أبدًا ودِيني





ويطلَق على الطاعة[11]؛ قال زهير[12]:



لئنْ حَلَلتُ بجوٍّ في بني أسد *** في دِينِ عمرٍو وحالتْ بيننا فَدَكُ





أي: في طاعة عمرو.







وفي السِّيَرِ أنه صلى الله عليه وسلم قال لقريش: ((كلمة واحدة تعطونيها تَملِكون بها العرب، وتَدِينُ لكم بها العَجَمُ))[13] ؛ أي: تطيعكم وتخضع لكم.







ويطلَق على القهر، ومنه: المدين للعبد، والمدينة للأَمَة[14]، ومنه قول عمرو بن كلثوم[15]:



وأيام لنا غرٌّ طِوال *** عصَيْنا المَلْكَ فيها أن نَدِينَا





أي: أن نُقهَر.







وقال ذو الإصبع العدواني[16]:



لاهِ ابنُ عمِّك لا أفضَلتَ في حَسَبٍ *** عني ولا أنت ديَّاني فتَخزُوني





والدَّين - بالفتح -: ما تَعلَّقَ بذِمَّةِ العبد من حقوق الله؛ كصيام نذر، أو من حقوق العباد؛ كثمن مبيع، أو ردِّ قرض، ونحو ذلك.







قال تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ï´¾ [البقرة: 282]، وقال تعالى: ï´؟ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ï´¾ [النساء: 11].







وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، أفأقضيه عنها؟ فقال: ((لو كان على أُمِّكَ دَيْنٌ، أكنتَ قاضيَه عنها؟))، قال: نعم، قال: ((فدَيْنُ اللهِ أحَقُّ أن يُقضى))[17].







وقال الشاعر:



تُعَيِّرُني بالدَّينِ قومي وإنما *** تَدَيَّنْتُ في أشياءَ تُكْسِبُهم حَمْدَا[18]





ومعنى ï´؟ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ï´¾:



أنه عز وجل مالكُ ذلك اليوم ومليكُه، لا مَلِك في ذلك اليوم ولا مالك سواه تبارك وتعالى؛ فهو تعالى المالك لجميع الأعيان، المتصرِّف فيها، لا ينازعه أحد في مملوكاته.







وهو المَلِك الذي أمرُه ونهيه نافذ في جميع مملكته جل وعلا، كما قال تعالى:



ï´؟ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ï´¾ [الأنعام: 73]، وقال تعالى: ï´؟ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ ï´¾ [الحج: 56]، وقال تعالى: ï´؟ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ ï´¾ [الفرقان: 26]، وقال تعالى: ï´؟ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ï´¾ [غافر: 16]، وقال تعالى: ï´؟ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ï´¾ [يس: 82]، وقال تعالى: ï´؟ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا ï´¾ [طه: 108]، وقال تعالى: ï´؟ يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ï´¾ [هود: 105]، وقال تعالى: ï´؟ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا ï´¾ [النبأ: 38].







وإنما أضاف "الملك" ليوم الدِّين، وخصَّه به، دون ملكِ أيام الدنيا، مع أنه تعالى مالكُ الدنيا والآخرة ومليكهما، كما قال تعالى: ï´؟ وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى ï´¾ [الليل: 13]، وقال تعالى: ï´؟ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ï´¾ [طه: 114، المؤمنون: 116]، وقال تعالى: ï´؟ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ ï´¾ [الإسراء: 111، الفرقان: 2]؛ لعظَمةِ ذلك اليوم، وتفرُّدِه تعالى بنفوذ الأمر فيه؛ حيث يظهر للخلائق تمامَ الظهور تفرُّدُه بالملك حقيقة، وتمام ملكه وعدله تعالى وحكمته، وانقطاع أملاك الخلائق الدنيوية، تلك الأملاك التي خوَّلها الله تعالى من شاء، كما قال تعالى: ï´؟ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ ï´¾ [آل عمران: 26]، وقال تعالى: ï´؟ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ ï´¾ [البقرة: 247].







وكما قال تعالى: ï´؟ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ï´¾ [البقرة: 247]، وقال تعالى: ï´؟ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ï´¾ [المائدة: 20].







وهذه الأملاك الدنيوية، ملوكُها وما ملَكوا ملْكٌ له جل وعلا.







ولهذا حرُم أن يتسمَّى بملك الأملاك؛ لأن الله عز وجل هو مالك الأملاك كلِّها؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((أخنعُ الأسماء عند الله رجلٌ تَسمَّى بملك الأملاك))[19].







وكثير من هؤلاء الملوك خارجون عن طاعته جل وعلا، مبارزون له في المعصية، كما قال تعالى: ï´؟ وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ï´¾ [الكهف: 79]؛ أي: ملِكٌ عاصٍ لله ظالم للعباد.







بل كثير منهم يحكمون ممالكهم بغير حكم الله، ويَظلِمون عباد الله، ويتخوَّضون في مال الله بغير ما يرضي الله.







وقد حكَمَ الله تبارك وتعالى وقضى بزوال هذه الأملاك، ورجوعِ الملكِ له وحده في ذلك اليوم، كما قال تعالى: ï´؟ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ï´¾ [مريم: 40]، وقال تعالى: ï´؟ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ ï´¾ [الحجر: 23].







وذلك هو الملك الحقيقي، كما قال تعالى: ï´؟ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ï´¾ [الأنعام: 73]، وقال تعالى: ï´؟ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ ï´¾ [الحج: 56]، وقال تعالى: ï´؟ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ ï´¾ [الفرقان: 26]، وقال تعالى: ï´؟ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ï´¾ [غافر: 16]، وقال تعالى: ï´؟ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ï´¾ [الانفطار: 19].







وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يَقبِضُ الله الأرض، ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا المَلِكُ، أين ملوك الأرض؟))[20].







وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يطوي الله عز وجل السمواتِ يومَ القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملِكُ، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين بشماله، ثم يقول: أنا الملِك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟))[21].







بل إن ذلك اليوم هو اليوم الحقيقي، قال تعالى: ï´؟ ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا ï´¾ [النبأ: 39].







فمجيئه حقٌّ، وفيه يظهر الحق تمام الظهور، وهو اليوم الذي يستحق أن يُعمَل له، وأن يُحسَبَ له كلُّ حساب، لا أيام الدنيا، بل ولا الدنيا كلها.







ولهذا نجد القرآن الكريم كثيرًا ما يقرن بين الإيمان بالله تعالى والإيمان بهذا اليوم "اليوم الآخر"؛ لأنه أكبر حافز على الاستعداد بالأعمال الصالحة[22].







وقد رُويَ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "لولا الإيمان باليوم الآخر لرأيتَ من الناس غير ما ترى"؛ أي: إن ذلك اليوم أعظمُ مانعٍ للناس من التهالك في الشر والمعاصي.







وتلك الدار هي الدار الحقة، وتلك الحياة هي الحياة الحقيقية؛ قال الله تعالى: ï´؟ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ï´¾ [العنكبوت: 64].







لهذا كله أضاف الله تبارك وتعالى المُلكَ إلى يوم الدين، إضافة إلى أن في قوله قبل هذا: ï´؟ رَبِّ الْعَالَمِينَ ï´¾ [الفاتحة: 2] ما يدل على أنه مالك الدنيا.







قال ابن كثير[23]: "وتخصيص الملك بيوم الدين لا ينفيه عما عداه؛ لأنه قد تَقدَّمَ الإخبار بأنه ربُّ العالمين، وذلك عام في الدنيا والآخرة...".







[1] مادة: "ملك".



[2] انظر: "البحر المحيط" (1/ 21).



[3] انظر: "شرح ديوان الحماسة" للمرزوقي (1/ 35)، "الكشاف" (1/ 9).



[4] انظر: "جامع البيان" (1/ 155). وقد نسب البيت ليزيد الكلابي في "الكامل" (1/ 191)، "جمهرة الأمثال" للعسكري (169)، "المخصص" (17/ 155)، ونسب في "اللسان" مادة: "دان" لخويلد بن نوفل الكلابي يخاطب الحارث بن أبي شمر الغساني، وكان اغتصبه ابنته. ونسب في "مجاز القرآن" (1/ 23) إلى ابن نفيل يزيد بن الصعق، واسم الصعق: عمرو بن خويلد بن نفيل.



[5] نسبه القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 143 -144) للبيد، وليس في ديوانه.



[6] انظر: "مجاز القرآن" (1/ 23)، "لسان العرب": مادة "دين"، "فتح الباري" (8/ 458).



[7] انظر: "تفسير ابن كثير" (1/ 51).



[8] انظر: "المحرر الوجيز" (1/ 72)، "البحر المحيط" (1/ 21).



[9] "ديوانه" ص(9).



[10] انظر: "المحرر الوجيز" (1/ 73)، وانظر: "اللسان" مادة: "وضن". والوضين: بطان منسوج بعضه على بعض يُشَدُّ به الرحل على البعير.



[11] انظر: "معالم التنزيل" (1/ 40)، "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 145).



[12] انظر: "المحرر الوجيز" (1/ 73).



[13] انظر: "سيرة ابن هشام" (2/ 59)، "اللسان" مادة: "دين".



[14] انظر: "البحر المحيط" (1/ 21)، وانظر: "اللسان" مادة: "دين".



[15] انظر: "شرح القصائد السبع الطوال" لأبي بكر بن الأنباري ص(388).



[16] انظر: "البحر المحيط" (1/ 21) وهو في "اللسان" مادة "دين" بلفظ:
لاه ابنُ عمِّك لا أفضلت في حسب = فينــا، ولا أنــت ديانــي فتخزونـــي
قال ابن منظور: "أي: لست بقاهر لي فتسوسَ أمري".



[17] أخرجه البخاري في الصوم - باب من مات وعليه صوم (1953)، ومسلم في الصيام - باب قضاء الصيام عن الميت (1148).



[18] انظر: "لسان العرب" مادة: "دين".



[19] أخرجه البخاري في الأدب - باب أبغض الأسماء إلى الله (6205، 6206)، ومسلم في الآداب - تحريم التسمي بملك الأملاك (2143).



[20] أخرجه البخاري في التفسير - باب {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر: 67] (4812)، ومسلم في صفات المنافقين وأحكامهم - كتاب صفة الجنة (2787).



[21] أخرجه مسلم في الموضع السابق (2788)، وابن ماجه - في المقدمة (198)، وأخرجه البخاري مختصرًا - في التوحيد (7413).



[22] انظر: "تيسير الكريم الرحمن" (1/ 44).




[23] في "تفسيره" (1/ 51).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #34  
قديم 10-06-2021, 08:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,681
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن»

الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

تفسير قوله تعالى: ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) [الفاتحة: 5]





هذه الآية هي الآية الرابعة من الفاتحة، نِصْفُها للرب جل وعلا، ونصفُها للعبد، كما قال الله عز وجل في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((فإذا قال العبد: ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾، قال الله: هذا بيني وبين عبدي نصفينِ، ولعبدي ما سأل...))، فقوله: ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ï´¾ للرب - تبارك وتعالى - مع ثلاث آيات قبلها، وقوله: ï´؟ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾ للعبد، مع ثلاث آيات بعدها.







قال شيخ الإسلام ابن تيمية[1] في قوله تعالى: ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾: "فهذا تفصيل لقوله: ï´؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ï´¾ [الفاتحة: 2]، فهذا يدل على أنه لا معبود إلا الله، وأنه لا يستحق أن يُعبَد أحد سواه، فقوله: ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ï´¾ إشارة إلى عبادته بما اقتضته إلهيته من المحبة والخوف والرجاء والأمر والنهي، ï´؟ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾ إشارة إلى ما اقتضته الربوبية من التوكُّل والتفويض والتسليم".







قوله: ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ï´¾:



ï´؟ إِيَّاكَ ï´¾ في الموضعين ضمير بارز منفصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به مقدَّم للفعل بعده، أو "إيا" ضمير مبني في محل نصب مفعول به، والكاف حرف خطاب لا محل له من الإعراب.







وهذا مذهب الأخفش، واختاره الزمخشري[2]، وقال: "وعليه المحققون".







وقُدِّم المفعول "إياك" على الفعل في الموضعين؛ للاهتمام، ولئلا يتقدم ذِكرُ العبد والعبادة على المعبود[3]؛ كقوله تعالى: ï´؟ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا ï´¾ [الأنعام: 164]، وقوله: ï´؟ قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ ï´¾ [الزمر: 64].







ولئلا يتقدم ذِكر الاستعانة والمستعين على المستعان به جل وعلا؛ كقوله تعالى: ï´؟ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ï´¾ [التوبة: 51].







وقُدِّم أيضًا لإفادة الحصر والاختصاص؛ لأن تقديم ما حقُّه التأخير يفيد الحصرَ والاختصاص؛ لأن في قوله: ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾ تحقيقًا لمعنى "لا إله إلا الله"، ففي تقديم المعمول "إياك" في الموضعين نفيٌ للعبادة عن غير الله، ونفي للاستعانة بغيره.







وفي قوله: "نعبد" و"نستعين" إثبات العبادة والاستعانة له سبحانه.







قال ابن القيم في "مدارج السالكين"[4]: "فهو في قوة لا نعبد إلا إياك، ولا نستعين إلا بك.. مع أن في ضمير "إياك" من الإشارة إلى نفس الذات والحقيقة ما ليس في الضمير المتصل، ففي "إياك قصدت وأحببت" من الدلالة على معنى حقيقتك وذاتك قصدي، ما ليس في قولك: "قصدتك وأحببتك..".







وكرر الضمير "إياك" مرة أخرى للاهتمام، ولأن ذلك أفصح[5].







قال ابن القيم[6]: "وفي إعادة "إياك" مرة أخرى دلالة على تعلُّق هذه الأمور بكل من الفعلين، ففي إعادة الضمير من قوة الاقتضاء لذلك ما ليس في حذفه، فإذا قلت لملك مثلًا: "إياك أحب، وإياك أخاف" كان فيه من اختصاص الحب والخوف بذاته والاهتمام بذكره، ما ليس في قوله: "إياك أحب وأخاف".







وفي قوله: ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾ بعد الآيات الثلاث الأولى التفاتٌ من الغَيبة إلى الخِطاب؛ كقوله تعالى: ï´؟ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا * إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا ï´¾ [الإنسان: 21، 22][7].







وعكسه قوله تعالى: ï´؟ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ ï´¾ [يونس: 22].







والغرض العام من الالتفات في جميع المواضع التي ورد فيها هو تنبيه القارئ والمستمع؛ لأن انتقال الكلام من الغَيبة إلى الخطاب أو التكلُّم أو العكس ونحو ذلك، مما ينبه القارئ والمستمع، وأدعى للإصغاء، وأبعث على النشاط[8]، بخلاف ما إذا جاء الكلام على وتيرة واحدة، فإن القارئ أو المستمع قد يغفل أو يمل.







وهناك غرض خاص في كل التفات بكل موضع بحسبه، وقد يكون هذا الغرض ظاهرًا كما في قوله تعالى: ï´؟ عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى ï´¾ [عبس: 1، 2]، ثم قال: ï´؟ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ï´¾ [عبس: 3]، فقوله: ï´؟ وَمَا يُدْرِيكَ ï´¾ التفات للخطاب بعد الغيبة في قوله: ï´؟ عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى ï´¾.







والغرض من مجيء الكلام أولًا بضمير الغيبة كراهيةُ مواجهة الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، فلم يقل: "عبست وتوليت أن جاءك الأعمى"، بينما خاطبه مواجهة بقوله: ï´؟ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ï´¾؛ إذ لا غضاضة ولا محذور في مواجهة الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الخطاب؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب؛ قال تعالى: ï´؟ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ï´¾ [النمل: 65].







واختلف في الغرض الخاص من الالتفات من الغيبة إلى الخطاب في قوله: ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾ بعد الآيات الثلاث قبلها.







فقد قيل: إنه لما أثنى على الله، فكأنه اقترب وحضر بين يدي الله تعالى؛ فلهذا قال: ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾[9].







وقيل: لما ذكر الحقيقَ بالحمد والثناء وصفاته العِظام، تعلَّق العلم بمعلوم عظيم الشأن حقيق بالثناء والعبادة والاستعانة، فخوطب ذلك المعلومُ المتميِّز بتلك الصفات، فقيل: ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾؛ أي: ï´؟ إِيَّاكَ ï´¾ يا من هذه صفاتُه نخص بالعبادة والاستعانة[10]، والله أعلم.







ï´؟ نَعْبُدُ ï´¾: العبادة في الأصل: التذلُّل والخضوع، ومنه سمي العبد عبدًا؛ لِذِلَّتِه وخضوعه، وسكينته وخشوعه، وانقياده لمولاه.







ومنه قولهم: بعير معبَّد؛ أي: مذلَّل بالركوب في الحوائج. قال طَرَفة بن العبد[11]:



إلى أن تحامَتْني العَشيرةُ كلُّها *** وأُفرِدتُ إفرادَ البعير المعبَّدِ



أي: المذلَّل.







ومنه قولهم: طريق معبَّد؛ أي: مذلَّل بكثرة وطئه بالأقدام.







قال طرفة بن العبد[12]:



تُباري عِتاقًا ناجياتٍ وأتبعت *** وظيفًا وظيفًا فوق مَوْر مُعَبـَّـدِ





فمعنى ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ï´¾ أي نخصك دون غيرك بأقصى غاية التذلل والخضوع لك محبةً وتعظيمًا وخوفًا.







والعبادة تُطلَق ويراد بها فعل العبادة؛ أي: التعبد، وهو التذلل والخضوع لله محبة وتعظيمًا، وتطلَق ويراد بها نفس العبادات، وهي بهذا الإطلاق: اسم جامعٌ لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة[13].








قال ابن القيم[14]: "وبني ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ï´¾ على أربع قواعد: التحقق بما يحبه الله ورسوله ويرضاه من قول اللسان والقلب وعمل القلب والجوارح، فالعبودية اسم جامع لهذه المراتب الأربع، فأصحاب ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ï´¾ حقًّا هم أصحابها.







فقول القلب هو اعتقاد ما أخبَر الله سبحانه به عن نفسه، وعن أسمائه وصفاته وأفعاله، وملائكته، ولقائه على لسان رسله.







وقول اللسان الإخبار عنه بذلك، والدعوة إليه، والذب عنه، وتبيين بطلان البدع المخالفة له، والقيام بذكره، وتبليغ أوامره.







وعمل القلب؛ كالمحبة له، والتوكل عليه، والإنابة إليه، والخوف منه، والرجاء له، وإخلاص الدين له، والصبر على أوامره، وعن نواهيه، وعلى أقداره، والرضا به وعنه، والموالاة فيه، والمعاداة فيه، والذل له والخضوع، والإخبات إليه، والطُّمأنينة به، وغير ذلك من أعمال القلوب التي فرضُها أفرض من أعمال الجوارح، ومستحَبُّها أحَبُّ إلى الله من مستحَبِّها، وعمل الجوارح بدونها إما عديم المنفعة، أو قليل المنفعة.







وأعمال الجوارح كالصلاة والجهاد، ونقل الأقدام إلى الجمعة والجماعات، ومساعدة العاجز، والإحسان إلى الخلق، ونحو ذلك، فـï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ï´¾ التزام لأحكام هذه الأربعة وإقرار بها".







وعلى هذا فكل ما أمر الله به، بل كل ما تعبد له به سبحانه وتعالى، فهو عبادة، سواء كان ذلك مما يجب فعله؛ كالصلاة والزكاة والحج والصيام ونحو ذلك، أو مما يجب تركه من المحرَّمات؛ كالربا والزنا والسرقة ونحو ذلك، أو مما يُستحَبُّ فعله؛ كالصدقة والإحسان وإماطة الأذى عن الطريق، أو مما يستحب تركه؛ كتدخل الإنسان فيما لا يعنيه.







كما يدخل في ذلك الأمورُ المباحة؛ كالأكل والشرب والنوم ونحو ذلك، فهذه المباحات مما يفعله الإنسان جِبِلَّةً، وهي مصلحة صرفة للنفس، إلا أن فعلها تقربًا إلى الله تعالى، وامتثالًا لأمره، وصيانة للنفس، وبهدف التقوِّي على طاعة الله تعالى، وإظهارًا لنعمته تعالى على العبد، كل ذلك عبادة لله تعالى.







عن عوف بن مالك بن نضلة الجشمي رضي الله عنه، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في ثوب دُونٍ، فقال: ((ألك مالٌ؟))، قال: نعم، قال: ((من أيِّ المال؟))، قال: آتاني اللهُ من الإبل والغنم والخيل والرقيق، قال: ((فإذا آتاك الله مالًا، فلْيُرَ أثرُ نعمة الله عليك وكرامتِه))[15].







وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يُحِبُّ أن يرى أثر نعمته على عبده))[16].







وبهذه النية والقصد الحسن تكون جميعُ أعمال العبد المباحة من عادات ونحوها عباداتٍ، بينما قد تصبح عبادات كثيرين أشبهَ شيء بالعادات؛ بسبب الغفلة، وعدم استحضار النية والقصد الحسن؛ ولهذا قال بعض أهل العلم: "المُوَّفقون عاداتُهم عبادات، والمخذولون عباداتُهم عادات".







ولا بد لصحة العبادة من توفر شرطين:



الأول: الإخلاص لله تعالى؛ كما دل على ذلك قوله تعالى: ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ï´¾: أي نخصك بالعبادة ونُخلِصها لك، ونتبرأ من الشرك وأهله ووسائله.







وقوله تعالى: ï´؟ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ï´¾ [الزمر: 2]، وقوله تعالى: ï´؟ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ï´¾ [البينة: 5]، وقوله تعالى: ï´؟ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ï´¾ [الزمر: 3].







وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرَكَ معي فيه غيري، ترَكتُه وشركه))[17].







وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات))[18].







والشرط الثاني: متابعة شرع الله؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((من أحدَثَ في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو ردٌّ))[19].







وقال صلى الله عليه وسلم: ((من عمل عملًا ليس عليه أمرنا، فهو رد))[20].







وذلك بأن تكون العبادة وفق ما شرع الله من حيث الجنس، والقدر، والصفة، والزمان، والمكان، والسبب؛ فمثلًا زكاة الفطر عبادة ولا بد أن يكون المُخرَجُ فيها من جنس ما أمَر الشرع بإخراجه، وهو الطعام، لا من الخضار، ولا بد من أن يكون المُخرَج عن الشخص الواحد بمقدار صاع على الصحيح.







وأما موافقة الشرع في الصفة، فبأن تكون العبادة على الصفة التي شرع الله؛ كالصلاة مثلًا ركوعها قبل سجودها، ولو عكس لَما صحَّت صلاته.







وأما الزمان، فبكون العبادة في وقتها كالصلاة مثلًا.







وأما المكان، فتكون العبادة في مكانها كذبح الهَدْي.







وأما السبب، فبأن يكون سبب العبادة قد وُجِد؛ كصلاة الكسوف لا تُصلى إلا عندما يحصل الكسوف أو الخسوف.







ويَنتظم الشرطينِ معًا في الدلالة قولُه تعالى: ï´؟ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ï´¾ [البقرة: 112]، وقوله تعالى: ï´؟ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ ï´¾ [النساء: 125]، وقوله تعالى: ï´؟ وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ï´¾ [لقمان: 22].







فالمراد بإسلام الوجه لله الإخلاص له في العبادة، والمراد بقوله: ï´؟ وَهُوَ مُحْسِنٌ ï´¾ أي: متَّبِع لما جاء عن الله، لا مبتدع.







وقال تعالى: ï´؟ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ï´¾ [الكهف: 110]، وقال تعالى: ï´؟ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ï´¾ [هود: 7، الملك: 2].







قال الفضيل بن عياض: "أي: أخلصه وأصوبه"[21].







وقد جعل الله تعالى العبودية وصفًا لأكمل خلقه وأحبهم إليه، وهم رسله وأنبياؤه عليهم السلام، كما جعلها وصفًا لمن اصطفاه من المؤمنين.







فوصف بها نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم أفضل خلقه وخاتم رسله، في أشرف مقاماته، وهو مقام إنزال الكتاب عليه، فقال تعالى: ï´؟ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ï´¾ [البقرة: 23]، وقال تعالى: ï´؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ï´¾ [الكهف: 1]، وقال تعالى: ï´؟ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ ï´¾ [الفرقان: 1].







ووصفه بها في مقام دعائه صلى الله عليه وسلم ربَّه، وعبادته له، ودعوته إليه، فقال تعالى: ï´؟ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ ï´¾ [الجن: 19].







وأرشَدَه إلى القيام بالعبادة في أوقات الشدة والضيق، وأمره بالاستمرار عليها حتى الموت فقال: ï´؟ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ï´¾ [الحجر: 97 - 99].







وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا تُطروني كما أَطْرَتِ النصارى ابنَ مريم؛ فإنما أنا عبدٌ، فقولوا: عبدُ الله ورسولُه))[22].







وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: "قرأت في التوراة صفة محمد صلى الله عليه وسلم: محمد رسول الله، عبدي ورسولي، سمَّيتُه المتوكل، ليس بفظٍّ ولا غليظ، ولا صخَّاب بالأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر"[23].







كما وصف الله بها سائر أنبيائه ورسله، فقال تعالى: ï´؟ وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ï´¾ [ص: 45]، وقال تعالى: ï´؟ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ï´¾ [ص: 17]، وقال عن سليمان: ï´؟ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ï´¾ [ص: 30]، وقال تعالى: ï´؟ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ ï´¾ [ص: 41]، وقال تعالى عن المسيح: ï´؟ إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ ï´¾ [الزخرف: 59]، وقال عنه وعن الملائكة: ï´؟ لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ï´¾ [النساء: 172]، وقال أيضًا عن الملائكة: ï´؟ إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ï´¾ [الأعراف: 206]، وقال عنهم: ï´؟ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ ï´¾ [الأنبياء: 19، 20]، وقال عنهم: ï´؟ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ ï´¾ [الأنبياء: 26].







كما وصف الله بها الصالحين من المؤمنين، فقال تعالى: ï´؟ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا ï´¾ [الفرقان: 63]، وقال تعالى: ï´؟ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ ï´¾ [الإنسان: 6].







وجعل لهم البشارة المطلقة، فقال تعالى: ï´؟ فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ï´¾ [الزمر: 17، 18].







كما جعل لهم الأمن المطلق، فقال تعالى: ï´؟ يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ï´¾ [الزخرف: 68، 69].







وعزل عنهم سلطان الشيطان، فقال تعالى: ï´؟ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ï´¾ [الحجر: 42].







وجعل صلى الله عليه وسلم إحسان العبودية أعلى مراتب الدين، فقال في حديث جبريل وقد سأله عن الإحسان، فقال: ((أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك))[24].







[1] انظر: "مجموع الفتاوى" (1/ 89).



[2] في "الكشاف" (1/ 9)، وانظر: "البحر المحيط" (1/ 23)، "أنوار التنزيل" (1/ 9)، "الجدول في إعراب القرآن" (1/ 19).



[3] انظر: "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 145)، "مدارج السالكين" (1/ 102).



[4] (1/ 102).



[5] انظر: "جامع البيان" (1/ 164).



[6] في "مدارج السالكين" (1/ 103).



[7] انظر: "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 145)، "البحر المحيط" (1/ 24).



[8] انظر: "الكشاف" (1/ 10).



[9] انظر: "تفسير ابن كثير" (1/ 52).



[10] انظر: "الكشاف" (1/ 10).



[11] انظر: "شرح القصائد السبع الطوال" لأبي بكر بن الأنباري ص(191).



[12] ديوانه ص(11).
ومعنى تباري: تجاري وتسابق، والعِتاق: جمع عتيق، وهو كريم الأصل، وناجيات: مسرعات. والوظيف: من رسغ البعير إلى ركبتيه في يديه، وأما في رجليه فمن رسغيه إلى عرقوبيه. والمراد بالوظيف هنا: الخف. والمور: الطريق.



[13] انظر: "مجموع الفتاوى" (10/ 149).



[14] في "مدارج السالكين" (1/ 126).



[15] أخرجه أبو داود في اللباس - باب في غسل الثوب وفي الخلقان (4063) وصححه الألباني.



[16] أخرجه الترمذي في الأدب - ما جاء أن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده (2819)، وقال: "حديث حسن".



[17] أخرجه مسلم في الزهد والرقائق - باب من أشرك في عمله غير الله (2985).



[18] أخرجه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه - البخاري في بدء الوحي (1)، ومسلم في الإمارة (1907).



[19] أخرجه من حديث عائشة رضي الله عنها - البخاري في الصلح - باب إذا اصطلحوا على صلح جَوْر فالصلح مردود (2697)، ومسلم في الأقضية - باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور (1718).



[20] أخرجه البخاري معلقًا في البيوع - باب النجش قبل الحديث (2142)، وأخرجه مسلم عن عائشة موصولًا في الأقضية (1718).



[21] انظر: "مجموع الفتاوى" (10/ 173). وقد ذكر ابن القيم أن الناس ينقسمون بالنسبة لهذين الأصلين، وهما الإخلاص والمتابعة، إلى أربعة أقسام: أحدها: أهل الإخلاص والمتابعة، وهم أهل ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ï´¾ [الفاتحة: 5] حقيقة، والضرب الثاني: من لا إخلاص له ولا متابعة، والضرب الثالث: من هو مخلص في أعماله لكنها على غير متابعة الأمر، والضرب الرابع: من أعماله على متابعة الأمر لكنها لغير الله. انظر: "مدارج السالكين" (1/ 107 -109).



[22] أخرجه البخاري في الأنبياء - باب ï´؟ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا ï´¾ [مريم: 16] (3445)، وأحمد (1/ 23، 24، 47) - من حديث عمر رضي الله عنه.



[23] أخرجه البخاري في التفسير - تفسير سورة الفتح (4838).



[24] أخرجه من حديث عمر بن الخطاب - البخاري في الإيمان - باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم (50)، ومسلم في الإيمان باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان (1)، وأخرجه مسلم - أيضًا - من حديث أبي هريرة - الحديث (9).









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #35  
قديم 10-06-2021, 08:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,681
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن»

الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

تفسير قوله تعالى
وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )




وقوله: ï´؟ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾ معطوف على ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ï´¾، وهو وما بعده من الآيات للعبد، كما سبق بيانه.







ومعنى ï´؟ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾: أي نخُصُّك بطلب العون منك في جميع أمورنا الدينية والدنيوية، في جميع الأوقات والأحوال، ونعتمد عليك في جلب المنافع ودفع المضار، مع تمام الثقة بك يا ربنا في تحصيل ذلك[1]، ونعلن لك عجزنا وضعفنا وبراءتنا من حَوْلِنا وقوتنا وحولِ كل مخلوق وقوته، فلا حول ولا قوة إلا بالله؛ ولهذا شُرِع للمسلم أن يقول عند قول المؤذن: حي على الصلاة حي على الفلاح: "لا حول ولا قوة إلا بالله"[2].







وفي الدعاء: ((اللهم لا تَكِلْني إلى نفسي طرَفةَ عين))[3].







قال ابن القيم[4]: "فإن قلت: فما معنى التوكل والاستعانة؟ قلت: هو حال للقلب ينشأ عن معرفته بالله، والإيمان بتفرُّده بالخلق والتدبير، والضر والنفع، والعطاء والمنع، وأنه ما شاء كان وإن لم يشأ الناسُ، وما لم يشأ لم يكن وإن شاءه الناسُ، فيوجب له هذا اعتمادًا عليه، وتفويضًا إليه، وطُمأنينة به، وثقة به، ويقينًا بكفايته لما توكل عليه فيه، وأنه مليّ به، ولا يكون إلا بمشيئته، شاءه الناس أم أبَوْه. فتُشبه حالته حالةَ الطفل مع أبويه فيما ينوبه من رغبة ورهبة هما مَليَّان بهما، فانظر في تجرُّد قلبه عن الالتفات إلى غير أبويه، وحبسه همَّه على إنزال ما ينوبه بهما، فهذه حال المتوكل، ومن كان هكذا مع الله، فالله كافيه ولا بد، قال الله تعالى: ï´؟ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ï´¾ [الطلاق: 3]؛ أي: كافيه، والحسْبُ: الكافي، فإن كان مع هذا من أهل التقوى، كانت له العاقبة الحميدة".







وذُكِرت الاستعانة بعد العبادة مع أن الاستعانة من العبادة، من باب ذكر الخاص بعد العام، وتقديم حقِّه تعالى على حق عباده وحاجتهم، ومن باب تقديم الغاية المقصودة على الوسيلة، وتقديم الأهم على المهم.







والعبادة والاستعانة متلازمتان: فلا تتحقَّق أحدهما دون الأخرى فالعبادة لا تتحقق بدون الاستعانة بالله، وعونه للعبد، ولا يحصل العون من الله بدون عبادته، وطلب العون منه[5].








وبهما معًا يتحقق الإيمان، فبالعبادة الخالصة لله براءةٌ من الشرك، وبالاستعانة بالله دون سواه براءةٌ من الحَوْل والقوة، وتمام التفويض إلى الله عز وجل، وهما كمال الطاعة، وبهما تحصل السعادة الأبدية، والنجاة من جميع الشرور.







قال ابن القيم[6]: "وتقديم العبادة على الاستعانة في الفاتحة من باب تقديم الغايات على الوسائل؛ إذ العبادة غاية العباد التي خُلِقوا لها، والاستعانة وسيلة إليها، ولأن ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ï´¾ متعلِّق بألوهيته واسمه "الله"، وï´؟ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾ متعلق بربوبيته واسمه "الرب"؛ فقدم ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ï´¾ على ï´؟ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾، كما تقدم اسم "الله" على "الرب" في أول السورة[7]، ولأن ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ï´¾ قسم الرب، فكان من الشطر الأول الذي هو الثناء على الله تعالى لكونه أولى به، وï´؟ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾ قسم العبد، فكان من الشطر الذي له وهو ï´؟ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ï´¾ [الفاتحة: 6] إلى آخر السورة؛ لأن العبادة المطلقة تتضمن الاستعانة من غير عكس، فكل عابد لله تعالى عبوديةً تامة مستعينٌ به، ولا ينعكس؛ لأن صاحب الأغراض والشهوات قد يستعين به على شهواته، فكانت العبادة أكمل وأتم؛ ولهذا كانت قسم الرب، ولأن الاستعانة جزء من العبادة، من غير عكس، ولأن الاستعانة طلب منه، والعبادة طلب له، ولأن العبادة لا تكون إلا من مخلص، والاستعانة تكون من مخلص ومن غير مخلص، ولأن العبادة حقُّه الذي أوجبه عليك، والاستعانة طلب العون على العبادة، وهو بيان صدقته التي تَصدَّق بها عليك، وأداء حقه أهمُّ من التعرض لصدقته، ولأن العبادة شكر نعمته عليك، والله يحب أن يُشكَر، والإعانة فعلُه بك، وتوفيقه لك.







فإذا التزمت بعبوديته، ودخلتَ تحت رِقِّها، أعانك عليها، فكان التزامها والدخول تحت رِقِّها سببًا لنيل الإعانة، وكلما كان العبد أتم عبودية، كانت الإعانة من الله له أعظم.







والعبودية محفوفة بإعانتين: إعانة قبلها على التزامها، والقيام بها، وإعانة بعدها على عبودية أخرى، وهكذا أبدًا حتى يقضي العبد نَحْبَه.







ولأن ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ï´¾ له، ï´؟ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾ به، وما له مقدَّمٌ على ما به؛ لأن ما له متعلقٌ بمحبته ورضاه، وما به متعلقٌ بمشيئته، وما تَعلَّقَ بمحبته أكمل مما تعلَّق بمجرد مشيئته، فإن الكون كله متعلِّق بمشيئته، والملائكة والشياطين، والمؤمنون والكفار، والطاعات والمعاصي، والمتعلق بمحبته طاعاتهم وإيمانهم؛ فالكفار أهل مشيئته، والمؤمنون أهل محبته؛ ولهذا لا يستقر في النار شيء لله أبدًا، وكل ما فيها فإنه به تعالى وبمشيئته، فهذه الأسرار يتبين بها حكمة تقديم ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ï´¾ على ï´؟ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾".







وقد قرن الله تعالى بين عبادته وبين الاستعانة به والتوكل عليه، وأكد ذلك في مواضع كثيرة من القرآن الكريم.







قال الله تعالى: ï´؟ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ï´¾ [هود: 123]، وقال تعالى: ï´؟ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ï´¾ [التوبة: 129]، وقال تعالى: ï´؟ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ ï´¾ [الرعد: 30]، وقال تعالى: ï´؟ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ ï´¾ [الفرقان: 58].







وقال شعيب عليه السلام: ï´؟ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ï´¾ [هود: 88].







وقال المؤمنون فيما ذكره الله عنهم: ï´؟ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ï´¾ [الممتحنة: 4].







وقال تعالى: ï´؟ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا ï´¾ [المزمل: 9]، وقال تعالى: ï´؟ كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ ï´¾ [الرعد: 30].







[1] انظر: "مدارج السالكين" (1/ 100)، "تيسير الكريم الرحمن" (1/ 1).



[2] أخرجه البخاري في الأذان (613) من حديث معاوية، ومسلم (385) في الصلاة من حديث عمر بن الخطاب.




[3] أخرجه أحمد (5/ 42) من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.



[4] في "مدارج السالكين" (1/ 106 -107).



[5] ولهذا قال الطبري في "جامع البيان" (1/ 163): "إنه يستوي تقديم أحدهما على الآخر".



[6] في "مدارج السالكين" (1/ 100 -102)، وانظر: "التفسير القيم" ص(66 -68)، "معالم التنزيل" (1/ 41)، "البحر المحيط" (1/ 25)، "تفسير ابن كثير" (1/ 53).



[7] انظر: "مجموع الفتاوى" (14/ 13)، "دقائق التفسير" (1/ 177).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #36  
قديم 10-06-2021, 08:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,681
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن»

الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم


تفسير قوله تعالى: ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) [الفاتحة: 6]




قوله: ï´؟ اهْدِنَا ï´¾: فعل أمر معناه الدعاء؛ لأن الأمر إذا صدر من الأعلى إلى الأدنى فهو أمرٌ، وأما إذا جاء من الأدنى إلى الأعلى فهو دعاء، وإن كان من المتساويينِ فهو التماسٌ.







والفاعل: ضمير مستتر وجوبًا تقديره: "أنت"، و"نا" ضميرٌ متصل في محل نصب مفعول أول للفعل "اهدِ"، والمفعول الثاني: ï´؟ الصِّرَاطَ ï´¾، والأصل في الفعل "هدى" أنه يتعدى إلى مفعولين الأول بنفسه، ويتعدى إلى المفعول الثاني تارةً بنفسه كما في قوله تعالى: ï´؟ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ï´¾، ومنه قوله تعالى: ï´؟ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ï´¾ [الفتح: 2]، وقوله تعالى: ï´؟ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ï´¾ [البلد: 10].







وتارة يتعدى إلى المفعول الثاني بحرف الجر، إما باللام؛ كقوله تعالى: ï´؟ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ï´¾ [الإسراء: 9]، وكقوله تعالى: ï´؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا ï´¾ [الأعراف: 43].







وإما بـ (إلى)؛ كقوله تعالى: ï´؟ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ï´¾ [البقرة: 213، النور: 46]، وقوله: ï´؟ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ï´¾ [الحج: 54]، وقوله: ï´؟ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ï´¾ [الأنعام: 87]، وقوله تعالى: ï´؟ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ï´¾ [الأنعام: 161]، وقوله تعالى: ï´؟ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ï´¾ [النحل: 121]، وقوله تعالى: ï´؟ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ï´¾ [الشورى: 52].







قال الطبري[1]: "والعرب تقول: هدَيتُ فلانًا الطريقَ، وهدَيتُه للطريق، وهدَيتُه إلى الطريق".







والهداية تنقسم إلى قسمين:



هداية البيان والدَّلالة والإرشاد، كما قال تعالى: ï´؟ أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ ï´¾ [طه: 128]؛ أي: أفلم يتبيِّن لهم، وقال تعالى: ï´؟ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ï´¾ [الأنعام: 97]؛ أي: لتستدلوا بها وتسترشدوا.







وهذه الهداية عامة؛ فالله تعالى هادٍ، بمعنى مبيِّن ومرشِد للعباد، كما قال تعالى: ï´؟ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ï´¾ [فصلت: 17]، وقال تعالى: ï´؟ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ï´¾ [الإنسان: 3]، وقال تعالى: ï´؟ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ï´¾ [البلد: 10]، وقال تعالى: ï´؟ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ï´¾ [الليل: 12].







والرسل هُداةٌ إلى الله تعالى، كما قال تعالى عن أفضلهم نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم: ï´؟ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ï´¾ [الشورى: 52]، وقال تعالى عن إبراهيم عليه السلام أنه قال لأبيه: ï´؟ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ï´¾ [مريم: 43]، وقال موسى عليه السلام مخاطبًا فرعون: ï´؟ وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى ï´¾ [النازعات: 19].







والدعاة إلى الله من المؤمنين هداةٌ، كما قال تعالى: ï´؟ وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ ï´¾ [غافر: 38].







والقسم الثاني: هداية التوفيق والإلهام، وهذه خاصة بالله تبارك وتعالى، كما قال تعالى: ï´؟ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ï´¾ [القصص: 56]، وقال تعالى: ï´؟ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ï´¾ [البقرة: 272]، فنفى عن رسوله صلى الله عليه وسلم هذه الهدايةَ التي بمعنى التوفيق، وأثبَتَها تعالى لنفسه، وقال تعالى: ï´؟ أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا ï´¾ [الرعد: 31]، وقال تعالى: ï´؟ وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ï´¾ [النحل: 9]، وقال تعالى: ï´؟ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ï´¾ [طه: 50]؛ أي: هدى كل شيء لما خُلق له وألهمه، كقوله: ï´؟ وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ï´¾ [الأعلى: 3]؛ أي: هدى كلَّ مخلوق لما قدّر له.







قال الشاعر:



ولا تُعجِلَنِّي هَداكَ المَلِيكُ *** فإنَّ لكلِّ مَقامٍ مَقالَا[2]





أي: وفَّقَك المليك، تبارك وتعالى.







وهذه الهداية الحقَّة التي مَن وُفِّق لها ظَفِر بخيرَيِ الدنيا والآخرة، قال تعالى: ï´؟ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي ï´¾ [الأعراف: 178]، ويجمع الهدايتين قولُه تعالى: ï´؟ وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى ï´¾ [الضحى: 7]؛ أي: وجدك ضالًّا لا تدري ما الكتاب ولا الإيمان، فعلَّمَك ما لم تكن تعلم، ووفَّقك لأحسن الأعمال والأخلاق[3].







وكذا قوله تعالى هنا: ï´؟ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ï´¾ يشمل الهدايتين، وينتظم القِسمين؛ لأن فعل الهداية إذا عُدِّي بحرف تَعيَّن معناه وتَخصَّص بحسب معنى الحرف؛ فإذا عُدِّيَ بـ(إلى) تَضمَّنَ الإيصال إلى الغاية المطلوبة، وإذا عُدِّي باللام تَضمَّن الاختصاص والتعيين، فإذا عُدِّي بنفسه كما في قوله تعالى: ï´؟ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ï´¾، تَضمَّن ما يجمع ذلك كلَّه؛ أي: بَيِّنْ لنا ودُلَّنا وأَرْشِدْنا إلى الصراط المستقيم، وأَلْهِمْنا ووفِّقْنا فيه وثبِّتْنا عليه[4].







وقد ذكر ابن القيم[5] أن للهداية عشرَ مراتب؛ الأولى: هداية العِلم والبيان للحق، والثانية: أن يُقْدِرَهُ الله عليه، والثالثة: أن يجعله مريدًا له، والرابعة: أن يجعله فاعلًا له، والخامسة: أن يثبِّتَه على ذلك، والسادسة: أن يَصرِف عنه الموانع والعوارض، والسابعة: أن يهديَه في الطريق نفسِها هدايةً خاصةً أخَصَّ من الأُولى، فإن الأولى هدايةٌ إلى الطريق إجمالًا، وهذه هداية فيها وفي منازلها تفصيلًا، والثامنة: أن يُشهِدَه المقصود في الطريق فلا يُحجَب عنه بالوسيلة، والتاسعة: أن يُشهِدَه فقرَه وضرورته إلى هذه الهداية فوق كل ضرورة، والعاشرة: أن يُشهِدَه الطريقينِ المنحرفينِ عن طريقِها، وهما طريق أهل الغضب، وطريقُ أهل الضلال.







ï´؟ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ï´¾: ï´؟ الصِّرَاطَ ï´¾ مفعولٌ ثانٍ لـï´؟ اهْدِنَا ï´¾ كما تَقدَّمَ، و"أل" في الصراط للعهد العلمي الذهني؛ أي: الصراط المعلوم المعهود؛ لأن اللام إذا دخلت على موصوف اقتضت أنه أحَقُّ بتلك الصفة من غيره.







وإنما جاء الصراط معرَّفًا؛ لأن المَقام مَقامُ دعاء وطلب.







ويأتي الصراط منكَّرًا إذا كان المقام مقامَ إخبار؛ كقوله تعالى: ï´؟ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ï´¾ [الفتح: 2]، وكقوله: ï´؟ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ï´¾ [الأنعام: 87]، وكقوله: ï´؟ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ï´¾ [الأنعام: 161][6].







قرأ ابن كثير: (السراط) بالسين في جميع القرآن، وقرأ حمزة بإشمام السين بين الزاي والصاد، وقرأ بقيةُ القراء (الصراط) بالصاد[7].







ومعنى الصراط: الطريق المسلوك، والسبيل الواضح؛ مأخوذ من الاستراط، وهو الابتلاع؛ لأنه يبتلع السائر فيه والماشي عليه؛ أي: يضمُّه بين جانبيه[8].







ï´؟ الْمُسْتَقِيمَ ï´¾: صفة للصراط منصوبة مثله.



والمستقيم: هو أقرب خطٍّ يصل بين نقطتين[9]. وهو المعتدل المستوي، الذي لا اعوجاج فيه ولا التواء.







قال جرير[10] يمدح هشام بن عبدالملك:



أميرُ المؤمنين على صراطٍ *** إذا اعوَجَّ المَوارِدُ مستقيمِ





وقال الآخر:



.................................. *** فصُدَّ عن نهجِ الصـراطِ القاصِدِ[11]








فالصراط المستقيم: هو الطريق المعتدل الواضح الذي لا اعوجاج فيه ولا التواء، وهو صراط الله، كما قال تعالى: ï´؟ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ï´¾ [الأنعام: 153]، وقال تعالى: ï´؟ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ï´¾ [الشورى: 53].







وهو الصراط الذي عليه ربُّنا تبارك وتعالى، كما قال هود عليه السلام: ï´؟ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ï´¾ [هود: 56].







وهو الصراط المؤدي إلى الله تعالى، قال تعالى: ï´؟ قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ ï´¾ [الحجر: 41]، وقال تعالى: ï´؟ وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ï´¾ [النحل: 9]؛ أي: إن السبيل القاصد، وهو المستقيم المعتدل، يرجع إلى الله تعالى ويوصِّل إليه، كما قال طُفَيْلٌ الغَنَوِيُّ:



مضَوْا سلفًا قصدُ السبيلِ عليهمُ *** وصَرْفُ المنايا بالرِّجالِ تَقَلَّبُ





أي: ممرنا عليهم، ووصولنا إليهم.







وقال الآخر:



فهنَّ المَنايا أيَّ وادٍ سلَكْته *** عليها طريقي أو عليَّ طريقُها[12]







قال ابن القيم[13]: "ولا تكون الطريق صراطًا حتى تتضمن خمسة أمور: الاستقامة، والإيصال إلى المقصود، والقُرب، وسَعَته للمارِّينَ عليه، وتعيُّنه طريقًا للمقصود، ولا يخفى تضمُّنُ الصراطِ المستقيم لهذه الأمور الخمسة:



فوصفه بالاستقامة يتضمن قُربه؛ لأن الخط المستقيم هو أقرب فاصل بين نقطتين، وكلما تعوَّجَ طال وبعُد، واستقامته تتضمَّن إيصاله إلى المقصود، ونصبه لجميع من يمر عليه يستلزم سَعَتَه، وإضافته إلى المنعَم عليهم ووصفه بمخالفة صراط أهل الغضب والضلال يستلزم تعينه طريقًا".







والمراد بالصراط المستقيم: طريقُ الحقِّ والإيمان، والدين القيِّم، ومعرفة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربِّه في الكتاب والسُّنة، والعمل به وفق ما جاء في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إخلاصًا لله، ومتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال الله تعالى: ï´؟ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ï´¾ [الكهف: 110].







وهو الطريق الموصِّل إلى ساحل النجاة، وإلى الغاية المنشودة والهدف المقصود، وهي السعادة في الدنيا والآخرة، والحصول على مرضاة الله وجنَّتِه، بأقلِّ وقت وأخصرِ طريق.







قال ابن القيم[14] بعد أن ذكر قِسمَي الهداية، وهما هداية البيان والدلالة، وهداية التوفيق والإلهام - قال: "وللهداية مرتبة أخرى - وهي آخر مراتبها - وهي الهداية يوم القيامة إلى طريق الجنة، وهو الصراط الموصِّل إليها، فمن هُدِيَ في هذه الدار إلى صراط الله المستقيم، الذي أرسَلَ به رسُلَه، وأنزَل به كتبه، هُدِيَ هناك إلى الصراط المستقيم الموصِّل إلى جنته ودار ثوابه، وعلى قدرِ ثبوت العبد على هذا الصراط الذي نصَبَه الله لعباده في هذه الدار، يكون ثبوتُ قدمِه على الصراط المنصوب على متنِ جهنم، وعلى قدرِ سيرِه على هذا الصراط، يكون سيرُه على ذلك الصراط".







كما ذكر في كتابه "بدائع الفوائد"[15] أن الهداية أربعة أنواع: الهداية العامة المشتركة، كما قال تعالى: ï´؟ الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ï´¾ [طه: 50]؛ أي: هداه لما خُلِق له من الأعمال، وهذه تشمل الحيوان والجماد. ثم ذكر هداية البيان والدلالة والتعريف لنَجْدَيِ الخيرِ والشر، وهداية التوفيق والإلهام، ثم قال:



"والرابع غاية هذه الهداية، وهي الهداية إلى الجنة والنار إذا سِيقَ أهلُهما إليهما، قال تعالى: ï´؟ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ï´¾ [يونس: 9]، وقال أهل الجنة: ï´؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا ï´¾ [الأعراف: 43]، وقال تعالى عن أهل النار: ï´؟ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ ï´¾ [الصافات: 22، 23]"[16].







فالمعنى العام لقوله تعالى: ï´؟ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ï´¾ أي: بيِّنْ لنا وأرشِدْنا ووفِّقْنا إلى سلوك الطريق المستقيم، بالعلم النافع، والعمل الصالح، بمعرفة الحق والعمل به، ووفِّقْنا فيه وثبِّتْنا عليه، وزِدْنا هدايةً وإيمانًا وعلمًا، كما قال تعالى: ï´؟ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ï´¾ [الكهف: 13]، وقال تعالى: ï´؟ وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ï´¾ [مريم: 76]، وقال تعالى: ï´؟ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى ï´¾ [محمد: 17]، وقال تعالى: ï´؟ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا ï´¾ [التوبة: 124].







فالعبد في كل لحظة، وفي كل حال، وعند كل مسألة - محتاجٌ أعظَمَ الحاجة إلى الهداية إلى الصراط المستقيم.







وذلك بأن يهتديَ لمعرفة الحق والحكم في كل مسألة، ويُوفَّق للعمل بما طُلِب منه، سواء كان ذلك فعلًا أو تركًا.







قال الطبري[17] في كلامه على قوله: ï´؟ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ï´¾: "ومعناه نظير معنى قوله: ï´؟ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾ [الفاتحة: 5] في أنه مسألةُ العبدِ ربَّه التوفيقَ للثَّبات على العمل بطاعته، وإصابة الحق والصواب فيما أمَرَه به ونهاه عنه فيما يَستقبل من عمره".







وقال شيخ الإسلام ابن تيمية[18]: "وأما سؤال من يقول: فقد هداهم الله فلا حاجة بهم إلى السؤال، وجواب من أجابه بأن المطلوب دوامُها - كلام من لا يعرف حقيقة الأسباب وما أمَرَ الله به؛ فإن ï´؟ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ï´¾ أن يفعل العبد في كل وقت ما أُمِر به في ذلك الوقت من علمٍ وعمل، ولا يفعل ما نُهِي عنه، وهذا يحتاج في كل وقت إلى أن يعلم ويعمل ما أُمِر به في ذلك الوقت، وما نُهِي عنه، وإلى أن يحصل له إرادة جازمة لفعل المأمور، وكراهةٌ جازمة لترك المحظور، فهذا العلم المفصل والإرادة المفصلة لا يُتصوَّرُ أن تحصل للعبد في وقت واحد، بل كل وقت يحتاج إلى أن يجعل الله في قلبه من العلوم والإرادات ما يهتدي به في ذلك الصراطِ المستقيم. نعم حصل له هُدًى مجمل بأن القرآن حقٌّ، والرسول حق، ودين الإسلام حق، وذلك حق، ولكن هذا المجمل لا يُغنيه إن لم يحصُل له هدى مفصَّلٌ في كل ما يأتيه ويذره من الجزئيات التي يحار فيها أكثرُ عقول الخلق، ويغلب الهوى والشهواتُ أكثرَ عقولِهم؛ لغلَبةِ الشهوات والشُّبهات عليهم".







وقال ابن القيم[19] بعد أن ذكَرَ قِسمَي الهداية: "وهما هدايتان مستقلتان، لا يحصل الفلاح إلا بهما، وهما متضمِّنتان تعريف ما لم نعلمه من الحقِّ تفصيلًا وإجمالًا، وإلهامنا له، وجعلنا مريدين لاتِّباعه ظاهرًا وباطنًا، ثم خلق القدرة لنا على القيام بموجب الهدى بالقول والعمل، ثم إدامة ذلك لنا وتثبيتنا عليه إلى الوفاة.







قال: ومن هنا يُعلَم اضطرار العبد إلى سؤال هذه الدعوة فوق كل ضرورة، وبطلان قول من يقول: إذا كنا مهتدين فكيف نسأل الهداية؟ فإن المجهول لنا من الحقِّ أضعافُ المعلوم، وما لا نريد فعله تهاونًا وكسلًا مثل ما نريده، أو أكثر منه، أو دونه، وما لا نقدر عليه مما نريده كذلك، وما نعرف جملته ولا نهتدي لتفاصيله فأمرٌ يفوت الحصر، ونحن محتاجون إلى الهداية التامة، فمن كملت له هذه الأمور كان سؤال الهداية له سؤالَ التثبيت والدوام".







وقال ابن كثير[20]: "فإن العبد مفتقر في كل ساعة وحالة إلى الله في تثبيته على الهداية، ورسوخه فيها، وتبصره وازدياده منها، واستمراره عليها، كما قال تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ ï´¾ [النساء: 136]".







وقال السعدي[21]: "اهدنا إلى الصراط المستقيم، واهدنا في الصراط، فالهداية إلى الصراط لزومُ دين الإسلام وترك ما سواه من الأديان، والهداية في الصراط تشمل الهدايةَ لجميع التفاصيل الدينية علمًا وعملًا".







[1] في "جامع البيان" (1/ 169).



[2] ذكره الطبري في "جامع البيان" (1/ 167) بدون نسبة. ونسبه المفضل في "الفاخر" ص(253) لطرفة بن العبد، وليس في ديوانه. ونسبه الشنقيطي في "الدرر اللوامع" (1/ 162) إلى الحطيئة، وليس في ديوانه. وهو بغير نسبة في "المقتضب" للمبرد (3/ 224)، "العقد الفريد" (5/ 493).



[3] انظر: "تيسير الكريم الرحمن" (7/ 642 -643).



[4] انظر: "جامع البيان" (1/ 166 -169)، "المحرر الوجيز" (1/ 77)، "بدائع الفوائد" (2/ 20)، "تفسير ابن كثير" (1/ 54)، "تيسير الكريم الرحمن" (1/ 36).



[5] في "مدارج السالكين" (3/ 553).



[6] انظر: "بدائع الفوائد" (2/ 12 -13).



[7] انظر: "معالم التنزيل" (1/ 41)، "الكشاف" (1/ 11)، "المحرر الوجيز" (1/ 79)، "أنوار التنزيل" (1/ 11).



[8] انظر: "مجاز القرآن" (1/ 24)، "المفردات في غريب القرآن" مادة: "سرط"، "الكشاف" (1/ 11)، "لسان العرب" مادة: "سرط"، "بدائع الفوائد" (2/ 16).



[9] انظر: "مدارج السالكين" (1/ 33)، "التفسير القيم" ص(60).



[10] انظر: "ديوانه"ص (218)، والموارد: طرق الماء.



[11] انظر: "جامع البيان" (1/ 171) تحقيق شاكر.



[12] انظر: "مدارج السالكين" (1/ 39)، "بدائع الفوائد" (2/ 44).



[13] في "مدارج السالكين" (1/ 32).



[14] في "مدارج السالكين" (1/ 32).



[15] (2/ 35 -37).



[16] كما ذكر ابن القيم في "مدارج السالكين" (1/ 62 -78): أن للهداية الخاصة والعامة عشر مراتب: مرتبة التكليم من الله لعبده، ومرتبة الوحي المختص بالأنبياء، ومرتبة إرسال الرسول الملَكي إلى الرسول البشري، ومرتبة التحديث، ومرتبة الإفهام، ومرتبة البيان العام، ومرتبة البيان الخاص والتوفيق، ومرتبة إسماع القلوب، ومرتبة الإلهام، ومرتبة الرؤيا الصادقة.



[17] في "جامع البيان" (1/ 166) تحقيق شاكر.



[18] انظر: "مجموع الفتاوى" (14/ 37 -38).



[19] في "مدارج السالكين" (1/ 31 -32).



[20] في "تفسيره" (1/ 56 -57).




[21] في "تيسير الكريم الرحمن" (1/ 36).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #37  
قديم 10-06-2021, 08:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,681
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن»

الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم


تفسير قوله تعالى: ( صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ... )[الفاتحة: 7]





قوله: ï´؟ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ï´¾: ï´؟ صِرَاطَ ï´¾ بدلُ كلٍّ من (الصراط) في قوله: ï´؟ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ï´¾ [الفاتحة: 6]، أو عطف بيان، وï´؟ الَّذِينَ ï´¾ مضاف إليه، وما بعده صلة الموصول.







وفائدة هذا التوكيدُ والإيضاح والبيان، فهو تفسير للصراط المستقيم، وبيان أنه صراط المنعم عليهم[1]، وفي ذلك شهادة له بالاستقامة على أبلغ وجه وآكده[2].







وإنما عرِّف الصراط في الموضع الأول "بأل"، وهنا بالإضافة؛ لأن طريق الحق واحد، أما طُرق الشر فهي كثيرة متعددة متشعبة، كما قال تعالى: ï´؟ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ï´¾ [الأنعام: 153].







وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ضرب الله مثلًا صراطًا مستقيمًا، وعلى جَنَبَتَيِ الصراط سُورانِ فيهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داعٍ يقول: يا أيها الناس، ادخلوا الصراط جميعًا ولا تعُوجوا، وداعٍ يدعو فوق الصراط، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئًا من تلك الأبواب، قال: ويحك، لا تفتحه، فإنك إن تفتحه تَلِجُه؛ فالصراطُ الإسلام، والسوران حدودُ الله، والأبواب المفتحة محارمُ الله، وذلك الداعي على الصراط كتابُ الله، والداعي من فوق الصراط واعظُ الله في قلب كل مسلم))[3].







وهكذا غالبًا ما يُذكَر طريق الحق بالإفراد، بينما يذكر طريق الباطل متعددًا، وقد يذكر أحيانًا طريق الخير بالتعدد، ويراد به فروع الشريعة.







ï´؟ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ï´¾، الإنعام: إيصال النعمة، والنعمة في الأصل الحالة التي يستلذها الإنسان من لِينِ العيش، والخفض والدعة، والمال، ونحوها[4].







والنعمة: اسم جنس يقع على القليل والكثير، وإذا أضيفت إلى معرفة دلَّت على الإنعام المطلق التام؛ أي: على عموم النِّعم الدينية والدنيوية والأخروية، كما في قوله تعالى: ï´؟ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ï´¾ [المائدة: 3]، وقوله تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ï´¾ [المائدة: 11]؛ ولهذا قال تعالى: ï´؟ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ï´¾ [إبراهيم: 34].







والإنعام خاص بإيصال النعمة والإحسان والخير إلى الغير من بني آدم، كما قال تعالى: ï´؟ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ ï´¾ [الأحزاب: 37].







ولا يسمَّى الإحسان إلى غير الناطقين إنعامًا، فلا تقول: أنعمت على الفرس.







ï´؟ عَلَيْهِمْ ï´¾ قرأ حمزة بضم الهاء ï´؟ عليهُم ï´¾، وقرأ الباقون بكسرها ï´؟ عليهِم ï´¾[5].







والمُنعَم عليهم: هم الذين وفَّقهم الله لسلوك الطريق المستقيم، للهدى ودين الحق، كما قال تعالى: ï´؟ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ ï´¾ [الفتح: 28]؛ أي: إلى العلم النافع والعمل الصالح، إلى معرفة الحق والعمل به، إلى الإيمان بالله تعالى، إلى طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتلك أجَلُّ نعمة وأعظمها؛ فهي سبب للسعادة في الدارين، والفوز بأعلى الدرجات في جنات النعيم.







وهم المذكورون في قوله تعالى: ï´؟ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا ï´¾ [النساء: 66 - 70].







وهم المذكورون في قوله تعالى في سورة مريم: ï´؟ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ï´¾ [مريم: 58].







أي: الذين أنعم الله عليهم بأجلِّ نعمةٍ وأعظَمِها، وهي نعمة الإيمان، كما قال تعالى ردًّا على الأعراب: ï´؟ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ï´¾ [الحجرات: 17].







وï´؟ النَّبِيِّينَ ï´¾ جمع نبي، ويدخل فيهم الرسل من باب أولى؛ لأن كل رسول نبيٌّ ولا عكس، ويأتي في مقدمتهم أولو العزم، كما قال تعالى: ï´؟ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ï´¾ [الأحقاف: 35].







وهم المذكورون في قوله تعالى: ï´؟ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ï´¾ [الأحزاب: 7].







ï´؟ وَالصِّدِّيقِينَ ï´¾: جمع صِدِّيق، يدخل فيهم من ثبَتَ بالكتاب أو السنة وصفُه أو تسميته بذلك، منهم مريم ابنة عمران التي قال الله عنها: ï´؟ مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ï´¾ [المائدة: 75].







ومنهم أبو بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم سماه "الصِّدِّيق"، وسيأتي الحديث في ذلك.







ï´؟ وَالشُّهَدَاءِ ï´¾ جمع شهيد، وهو مَن قُتِل في سبيل الله، ويأتي في مقدمة الشهداء عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان - رضي الله عنهما - حيث شهد لهما الرسولُ صلى الله عليه وسلم بذلك، كما روى أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صَعِدَ أُحُدًا وأبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فرجَفَ بهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اسكن أُحُدُ؛ فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان))[6].







ومنهم أيضًا: علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وطلحة بن عبيدالله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، رضي الله عنهم.







كما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على جبل حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص، فتحرَّكت الصخرة، وفي رواية "فتحرَّك"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اسكن حراءُ))، وفي رواية: ((اهدأ؛ فما عليك إلا نبي وصديق وشهيد))[7].







ومنهم أيضًا: حمزة عمُّ النبي صلى الله عليه وسلم، وأنسُ بن النضر، ومصعب بن عمير رضي الله عنهم، وغيرهم ممن قُتِل أو يُقْتَل في سبيل الله، وكذا كل من قُتِل دون ماله، كما في حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: ((مَن قُتِل دون ماله فهو شهيد))[8].







لكن ينبغي أن يُعلَم أنه لا تجوز الشهادة لشخص بعينه أنه شهيد، وإن قُتِل في المعركة؛ لأن النيات مغيَّبة عنا، لكن يرجى له ذلك، إلا من ثبت له الشهادة بذلك من النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد عقد البخاري: باب لا يُقال: فلان شهيد، وأخرج فيه عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتَتَلوا، فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره، ومال الآخرون إلى عسكرهم، وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ لا يَدَعُ لهم شاذَّةً ولا فاذَّةً إلا اتبعها يضربها بسيفه، فقالوا: ما أجزأ منا اليوم أَحَدٌ كما أجزأ فلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أمَا إنه من أهل النار)) الحديث، وفيه: أنه استعجل الموت لما جُرِح فقتَلَ نفسه[9].







وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "لما كان يوم خيبر قُتل نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: فلان شهيد، وفلان شهيد، حتى مَرُّوا على رجل، فقالوا: فلان شهيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلا! إني رأيته في النار في بُردة غَلَّها، أو عباءة))[10].







وروى أبو العجفاء أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب، فقال: "تقولون في مغازيكم: فلان شهيد، ومات فلان شهيدًا، ولعله يكون قد أوقر راحلته، ألا لا تقولوا ذلكم، ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من مات في سبيل الله أو قُتِل، فهو في الجنة))"[11].







[1] انظر: "جامع البيان" (1/ 177)، "بدائع الفوائد" (2/ 28 -29).



[2] انظر: "الكشاف" (1/ 11).



[3] أخرجه الترمذي في الأمثال باب (1) الحديث (2859)، وأحمد (4/ 182). قال ابن كثير في "تفسيره" (1/ 56): "إسناده حسن، وصححه الحاكم".



[4] انظر: "لسان العرب" مادة: "نعم"، "البحر المحيط" (1/ 26).



[5] انظر: "الإقناع في القراءات السبع" (2/ 595)، "المهذب في القراءات السبع" ص(46).



[6] أخرجه البخاري في "فضائل الصحابة" - فضل أبي بكر رضي الله عنه، والأبواب بعده (3675، 3686، 3699).



[7] أخرجه مسلم في "فضائل الصحابة" فضائل طلحة والزبير (2417).



[8] أخرجه البخاري في المظالم (2480)، ومسلم في الإيمان (141).



[9] أخرجه البخاري في الجهاد (2898)، ومسلم في الإيمان - باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه (112). وأخرج مسلم أيضًا نحوه من حديث أبي هريرة (111).



[10] أخرجه مسلم في الإيمان - باب غلظ تحريم الغلول، وأنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون (114).




[11] أخرجه النسائي في النكاح (3141)، وأحمد (1/ 41، 48)، وقال الحافظ ابن حجر: "وهو حديث حسن". وصححه الألباني.









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #38  
قديم 10-06-2021, 08:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,681
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن»

الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم


تفسير قوله تعالى: ( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ )[الفاتحة: 7]





ï´؟ غَيْرِ ï´¾ صفة للاسم الموصول ï´؟ الَّذِينَ ï´¾ مبيِّنة أو مقيدة، على معنى أنهم جمَعوا بين النعمة المطلقة، وهي نعمة الإيمان، وبين السلامة من الغضب والضلال، وقيل: هي بدل من الاسم الموصول، على معنى أن المنعَم عليهم هم الذين سَلِموا من الغضب والضلال، والتقدير: غير صراط المغضوب عليهم[1].







والصحيح أنها صفة، وإنما صح مجيء ï´؟ غَيْرِ ï´¾ صفةً لمعرفة وهو الاسم الموصول مع أن "غيرًا" لا تتعرف لشدة إبهامها - لما فيها من الإبهام ورائحة النكرة - لأنها أُضيفت إلى ï´؟ الْمَغْضُوبِ ï´¾، وهي معرفة، ووقعت بين ضدين منعَم عليهم ومغضوب عليهم، فضعُف إبهامها، كما قال ابن هشام[2]، أو زال إبهامها وتعرَّفت، كما قال ابن السراج، واختاره ابن القيم[3].







وï´؟ غَيْرِ ï´¾ ملازمة للإفراد والتذكير، وللإضافة لفظًا أو تقديرًا، وهي لا تعرَّف وإن أُضيفت إلى معرفة عند أكثر أهل اللغة، ولا تدخل عليها الألف واللام[4].







وقد روي عن ابن كثير أنه قرأها بالنصب "غيرَ" على الحال، وثبت عنه وعن بقية القراء السبعة قراءتُها بالكسر "غيرِ"[5].







وï´؟ غَيْرِ ï´¾ مضاف وï´؟ الْمَغْضُوبِ ï´¾ مضاف إليه مجرور، وï´؟ عَلَيْهِمْ ï´¾ متعلق بـï´؟ الْمَغْضُوبِ ï´¾، قرأها حمزة بالضم "عليهُم"، وقرأها بقية السبعة بالكسر "عليهِم"؛ كقراءة "عليهُـِم" في قوله: ï´؟ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ï´¾.







وإنما وصف الله تبارك وتعالى صراطَ المنعَم عليهم بقوله: ï´؟ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ï´¾؛ لتأكيد كمال صراط المنعم عليهم؛ لأن الصفات السلبية يؤتى بها لإثبات كمال ضدها، كما في قوله تعالى: ï´؟ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ï´¾ [الفرقان: 58].







فقوله: ï´؟ الَّذِي لَا يَمُوتُ ï´¾ صفة سلبية جيء بها لإثبات كمال ضدها، وهي الحياة.







وكقوله تعالى: ï´؟ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ï´¾ [البقرة: 255]، فهو لإثبات كمال قيُّوميَّتِه، تبارك وتعالى.







والغضب: ضد الرضا.







وفي الحديث: ((ألا وإن الغضب جمرة توقد في ابن آدم؛ ألا تَرَوْنَ إلى حُمرة عينيه وانتفاخ أوداجه))[6].







والغضب صفة من صفات الله تعالى يجب إثباتها لله، كما يليق بجلاله وعظمته، ولا تمثل بصفات المخلوقين.







قال تعالى: ï´؟ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى ï´¾ [طه: 81].



وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الشفاعة: ((إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مِثلَه))؛ متفق عليه[7].







والمراد بـï´؟ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ï´¾ مَن استوجَبوا غضب الله، ووُصِفوا به، ممن فسدت إرادتهم فعدَلوا عن الحق بعد أن عرَفوه وعَلِموه، وفي مقدمتهم اليهود.







قال عدي بن حاتم رضي الله عنه: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: ï´؟ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ï´¾ قال: ((هم اليهود))، ï´؟ وَلَا الضَّالِّينَ ï´¾ قال: ((هم النصارى))[8].







وقد وصف الله تعالى اليهود بالغضب، وحكم عليهم به في مواضعَ من كتابه؛ قال تعالى: ï´؟ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاؤُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ï´¾ [البقرة: 61]، وقال تعالى: ï´؟ بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاؤُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ ï´¾ [البقرة: 90]، وقال تعالى: ï´؟ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاؤُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ï´¾ [آل عمران: 112]، وقال تعالى: ï´؟ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ï´¾ [المائدة: 60]، وقال تعالى: ï´؟ إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ï´¾ [الأعراف: 152]، وقال تعالى: ï´؟ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ï´¾ [المجادلة: 14]، وقال تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ï´¾ [الممتحنة: 13].







وإنما وُصفوا بالغضب، ووُصموا به، واستوجبوه؛ لأنهم عرفوا الحق وتركوه كفرًا وحسدًا، كما قال تعالى: ï´؟ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ï´¾ [البقرة: 109]، وقال تعالى: ï´؟ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ï´¾ [البقرة: 146]، وقال تعالى: ï´؟ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ï´¾ [الأنعام: 20]، وقال تعالى: ï´؟ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ï´¾ [آل عمران: 71]، وقال تعالى: ï´؟ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ï´¾ [الجمعة: 5].







وعن زيد بن عمرو بن نفيل: "أنه خرج إلى الشام يَسأل عن الدِّين ويتبعه، فلقي عالمًا من اليهود، فسأله عن دينهم، فقال: إني لَعَلِّي أن أدين دينكم فأَخبِرْني، فقال: لا تكون على ديننا حتى تأخذ نصيبك من غضب الله، قال زيد: ما أفرُّ إلا من غضب الله، ولا أحمل من غضب الله شيئًا أبدًا، وأنَّى أستطيعه؟! فهل تدلُّني على غيره؟ قال: ما أعلمه إلا أن يكون حنيفًا، قال زيد: وما الحنيف؟ قال: دين إبراهيم، لم يكن يهوديًّا ولا نصرانيًّا ولا يعبد إلا الله، فخرج فلقي عالمًا من النصارى، فذكر مثله، فقال: لن تكون على ديننا حتى تأخذ نصيبك من لعنة الله، قال: ما أفرُّ إلا من لعنة الله..." الحديث[9].







[1] انظر: "معاني القرآن" للفراء (1/ 7)، "معاني القرآن" للأخفش (1/ 164 -165)، "جامع البيان" (1/ 180 -181، 184)، "الكشاف" (1/ 11).



[2] انظر: "مغني اللبيب" (1/ 158).



[3] انظر: "بدائع الفوائد" (2/ 23 -28).



[4] انظر: "البحر المحيط" (1/ 28).



[5] انظر: "الكشاف" (1/ 11).



[6] أخرجه الترمذي في الفتن باب ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بما هو كائن إلى يوم القيامة (2191). وقال: "حديث حسن صحيح"، وأحمد (3/ 19، 61) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.



[7] أخرجه البخاري عن أبي هريرة مطولًا في الأنبياء (3340)، ومسلم في الإيمان (194).



[8] إسناده صحيح. والحديث أخرجه الترمذي في تفسير سورة الفاتحة (2953، 2954)، وأحمد (4/ 378 -379)، والطبري في "جامع البيان" الأحاديث (193 -195، 207 -209)، والطيالسي (1040)، والطبراني في الكبير (7/ 98 -100).
وقد أخرج الطبري - الأحاديث (196 -199، 210 -213) عن عبدالله بن شقيق أنه أخبره من سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول نحو حديث عدي. قال ابن حجر في "الفتح" (8/ 159): "ورواه أحمد"، وأخرجه ابن مردويه فيما ذكر ابن كثير في "تفسيره" (1/ 59) من رواية عبدالله بن شقيق عن أبي ذر موصولًا، وقد أشار إلى رواية أبي ذر الحافظ ابن حجر في الموضع السابق وقال: "إسناده حسن".




[9] أخرجه البخاري في "مناقب الأنصار" - باب حديث زيد بن عمرو بن نفيل (3827).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #39  
قديم 10-06-2021, 08:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,681
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن»

الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

تفسير قوله تعالى: ( وَلَا الضَّالِّينَ)









ï´؟ وَلَا الضَّالِّينَ ï´¾: أي ولا صراط الضالين.



ف الواو: عاطفة، و"لا" زائدة إعرابًا عند البصريين، مؤكِّدة لمعنى النفي المفهوم من "غير"[1]؛ لئلا يُتوهَّم عطف ï´؟ الضَّالِّينَ ï´¾ على ï´؟ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ï´¾[2]، وليَدلَّ على أن ثم مسلكينِ فاسدين، وهما: طريق المغضوب عليهم وطريق الضالين[3]، ولرفع توهُّم أن الضالين وصف للمغضوب عليهم، وأن ذلك من عطف الصفات بعضها على بعض[4].







وقال الكوفيون: هي بمعنى "غير" مؤكِّدةٌ أيضًا[5]. ويؤيده قراءة عمر: "غير المغضوب عليهم وغير الضالين"[6].







قال الحافظ ابن كثير[7]: "والصحيح من مذاهب العلماء أنه يُغتفر الإخلال بتحرير ما بين الضاد والظاء؛ لقرب مخرجيهما.. لمن لا يميِّز ذلك".








والضالين: جمع ضالٌّ، والضلال: التِّيهُ، والجهل، والبُعد عن الحق، والعدول عن الطريق المستقيم، والانحراف عن المنهج القويم.







يقال: ضلَّ الطريق: أي تاهَ وانحرَفَ، كما يقال: ضال، بدون إضافة قرينة، وإذا أُطلق فالمراد به العدول عن الطريق المستقيم، طريقِ الحق.







ويُطلَق الضلال على النسيان، كما قال تعالى: ï´؟ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ï´¾ [البقرة: 282]؛ أي: أن تنسى إحداهما.







ويطلق على الاختفاء وغياب الشيء، كما قال تعالى: ï´؟ وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ï´¾ [السجدة: 10]؛ أي: غُيِّبنا فيها، وصرنا ترابًا.







ومنه قول الشاعر:



ألم تَسألْ فتُخبِرك الديارُ *** عن الرَّكْبِ المُضَلَّلِ أين سارُوا[8]







والمراد بالضالين: مَن فقَدوا العِلم، فتركوا الحق عن جهل، وعبَدوا الله على غير هدى، وعلى غير بصيرة، قال تعالى: ï´؟ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ï´¾ [يونس: 32].







ويأتي في مقدمة الضالِّينَ: النصارى[9]، كما في حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في قوله: ï´؟ وَلَا الضَّالِّينَ ï´¾ هم ((النصارى)).







وهكذا وصَف اللهُ النصارى بالضلال في غير هذا الموضع، قال تعالى: ï´؟ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ï´¾ [المائدة: 77].







قال ابن كثير[10] بعد أن ذكر تفسير المغضوب عليهم باليهود، والضالين بالنصارى: "وقال ابن أبي حاتم: لا أعلم بين المفسرين في تأويل ذلك اختلافًا".







وإذا كان سبب ضلال النصارى في الأصل هو الجهل، فلا يمنع أن يكون طرأ عليهم في هذا الزمن مع الجهل العنادُ والإصرار، واتباع الهوى، كما هو واقع الآن.







وكلٌّ من اليهود والنصارى مغضوبٌ عليهم وضالُّون، وكذا كل من حادَ عن منهج الله عن علم، أو عن جهل، إلا أن أخَصَّ أوصاف اليهود الغضبُ، ومِثلُهم من ترك الحق بعد معرفته، وأخص أوصاف النصارى الضلالُ، ومِثلُهم مَن عَبَدَ الله على جهل.








ولا يلزم من هذا ألا يوجد من بين اليهود من هو جاهل ضالٌّ، ومن بين النصارى من هو عالِم، ولا يمنع من هذا أن يكون نصرانيٌّ وهو يعرف الإسلام كما يعرف ابنه وزوجته.







ولما كان اليهود ترَكوا الحق بعد معرفته، وكانوا أجرأ على محارم الله تعالى، وأقسى قلوبًا، كانوا أحقَّ بوصف الغضب، وأَولى بأن يُقدَّم وصفهم على النصارى الضالين، مصداقُ ذلك قوله تعالى: ï´؟ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ï´¾ [المائدة: 82].







قال ابن القيم[11]: "والمغضوب عليه ضالٌّ عن هداية العمل، والضالُّ مغضوب عليه؛ لضلاله عن العلم الموجب للعمل، فكل منهما ضالٌّ مغضوب عليه، ولكنَّ تارك الحق بعد معرفته أَولى بوصف الغضب وأحَقُّ به، ومن هنا كان اليهود أحقَّ به، وهو متغلظ في حقهم.. والجاهل بالحق أحقُّ باسم الضلال، ومن هنا وُصِف النصارى به...".







وقد ذكر ابن القيم[12] من الوجوه في تقديم المغضوب عليهم على الضالين: أن اليهود متقدِّمون على النصارى من حيث الزمان، وأنهم كانوا هم الذين يَلُونَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم من أهل الكتابين؛ لأنهم كانوا في المدينة، أما النصارى فكانت ديارهم نائية، ولأنه تَقدَّمَ ذِكرُ المنعَم عليهم، والغضب ضد الإنعام، والسورة هي السبع المثاني يُذكَر فيها الشيء وضده.







وكل من كان عنده علم فلم يعمل به، بل اتبع هواه، وجانَبَ شرع الله عن علم وبصيرة ومعرفة، ففيه شبهٌ من اليهود، ومتوعَّدٌ بالغضب بقدر معصيته، وله منه نصيب بقدر شبهه فيهم.







وكل من عَبَدَ الله على جهل وضلال، ففيه شبه من النصارى، وموصوف بالضلال على قدر معصيته، وله نصيب منه بقدر شبهه فيهم.







ولهذا قال سفيان بن عُيينة رحمه الله: "من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود، ومن فسد من عُبَّادِنا ففيه شبه من النصارى"[13].







وما أكثَرَ مَن تَشَبَّهَ باليهود والنصارى من هذه الأمَّة، وصدق المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث قال: ((لَتتبعُنَّ سَنَنَ من كان قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جُحْرَ ضَبٍّ لاتبَعتُموهم))، قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: ((فمن؟!))[14].







وقال صلى الله عليه وسلم: ((افترقت اليهود على إحدى وسبعين فِرقةً، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمَّة على ثلاث وسبعين فرقة، كلُّها في النار إلا واحدة))، قلنا: من هي يا رسول الله؟ قال: ((من كان على مِثلِ ما أنا عليه وأصحابي))[15].







ومما يدلُّ على شمول الغضب لليهود وغيرهم، وشمول الضلال للنصارى وغيرهم: أن الله توعَّدَ بالغضب في القرآن الكريم مرتكبي بعض الكبائر والكفرة والمنافقين والمشركين من هذه الأمَّة، ووصف كثيرًا منهم بالضلال، كما وصفهم بذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.







قال تعالى: ï´؟ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ï´¾ [النساء: 93].







وقال تعالى: ï´؟ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ï´¾ [الأنفال: 16].







وقال تعالى: ï´؟ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ ï´¾ [النحل: 106]، وقال تعالى: ï´؟ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ï´¾ [النور: 9].







وقال تعالى: ï´؟ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ï´¾ [الفتح: 6].







وقال صلى الله عليه وسلم: ((من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئٍ مسلم، لقي الله وهو عليه غضبان))[16].







وقال صلى الله عليه وسلم: ((إذا باتت المرأة هاجرةً فراش زوجِها، بات الذي في السماء ساخطًا عليها))[17].







وقال الله تعالى: ï´؟ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ï´¾ [البقرة: 108]، وقال تعالى: ï´؟ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ï´¾ [النساء: 116]، وقال تعالى: ï´؟ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ ï´¾ [النساء: 113]، وقال تعالى: ï´؟ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ï´¾ [الكهف: 103، 104]، وقال تعالى: ï´؟ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ï´¾ [الأحقاف: 5].







وقال صلى الله عليه وسلم في حديث أبي بكرة رضي الله عنه: ((ألا فلا تَرجِعوا بعدي ضُلالًا يضرب بعضكم رقابَ بعض))[18].







قال ابن القيم[19]: "والغضبُ نتيجة فساد القصد، والضلالُ نتيجة فساد العلم، فاعتلال القلوب ومرضها نتيجةٌ لأحد هذين الفسادين، وبالهداية للصراط المستقيم الشفاءُ من مرض الضلال، وبالتحقق بï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾ علمًا ومعرفة وعملًا وحالًا الشفاءُ من مرض فساد القصد".







[1] انظر: "جامع البيان" (1/ 189)، "مشكل إعراب القرآن" (1/ 72)، "الكشاف" (1/ 12).



[2] انظر: "المحرر الوجيز" (1/ 87)، "البحر المحيط" (1/ 29).



[3] انظر: "تفسير ابن كثير" (1/ 57، 58).



[4] انظر: "بدائع الفوائد" (2/ 34 -35).



[5] انظر: "فتح الباري" (8/ 159).



[6] أخرجها أبو عبيد في "فضائل القرآن"، وسعيد بن منصور في "سننه" فيما نقل ابن كثير (1/ 58). قال ابن كثير: "هذا إسناد صحيح"، قال: "وكذلك حكي عن أُبَيِّ بن كعب أنه قرأ كذلك، وهو محمول على أنه صدر منهما على وجه التفسير".



[7] في "تفسيره" (1/ 59).



[8] انظر: "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 150).



[9] درج كثير من الكُتَّاب المسلمين متأثرين بغيرهم من كُتَّاب غير المسلمين على تسمية النصارى بالمسيحيين، وهذا خطأ؛ لأن القرآن سمَّاهم النصارى، ولم يُسمِّهم المسيحيين، لأن المسيح منهم بريء.



[10] في "تفسيره" (1/ 59).



[11] في "مدارج السالكين" (1/ 33 -34).



[12] انظر: "بدائع الفوائد" (2/ 33).



[13] المصدر السابق (2/ 32)، "تفسير ابن كثير" (4/ 8).



[14] أخرجه من حديث أبي سعيد الخدري: البخاري في الأنبياء - باب ما ذكر عن بني إسرائيل (3456)، ومسلم في العلم باب اتباع سنن اليهود والنصارى (2669).



[15] أخرجه أبو داود في السنة - باب شرح السنة (3842، 4596)، والترمذي في الإيمان - ما جاء في افتراق هذه الأمة (2640) وقال: "حديث صحيح"، وابن ماجه في الفتن وافتراق الأمم (3225، 3991) - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وقال الألباني: "حسن صحيح".



[16] أخرجه البخاري في الشهادات (2666، 2667)، ومسلم في الإيمان (138) - من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه.



[17] أخرجه مسلم في النكاح - تحريم امتناعها من فراش زوجها (1436).



[18] أخرجه البخاري في حديث طويل في خطبته صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع - في الأضاحي (5550)، ومسلم في القسامة - باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال (1679).



[19] في "مدارج السالكين" (1/ 79 -80).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #40  
قديم 10-06-2021, 08:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,681
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن»

الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

ما يؤخذ من سورة الفاتحة من فوائد وأحكام (1)





1 - مشروعية الابتداء بالبسملة في الكتب والرسائل والخطب والمواعظ ونحوها؛ تأسيًا بكتاب الله تعالى، حيث ابتدأ عز وجل كتابه بها، ومشروعيةُ الاستفتاح بها عند قراءة أي سورة من سور القرآن؛ لأن الله افتتح بها سورةَ الفاتحة وغيرها من السُّوَر، عدا سورة براءة فلا تُشرع البسملة معها.







2 - مشروعية حمد الله تبارك وتعالى في افتتاح الكتب والرسائل والخطب والمواعظ ونحوها؛ تأسيًا بكتاب الله؛ حيث افتتحه جل وعلا بالحمد.







3 - حمد الله تعالى لنفسه، وثناؤه عليها، وتمجيده لها؛ لما له من صفات الكمال، قال تعالى: ï´؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ ï´¾ [الفاتحة: 2]، وقد جاء هذا كثيرًا في القرآن الكريم، قال تعالى: ï´؟ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ ï´¾ [القصص: 70]، وقال تعالى: ï´؟ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ ï´¾ [الروم: 18].







ولم يأذن في ذلك لأحد من خلقه، بل نهاهم في محكم كتابه فقال: ï´؟ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ï´¾ [النجم: 32]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((احثُوا في وُجوهِ المداحين الترابَ))[1] ، وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا تُطرُوني كما أَطْرَتِ النصارى ابنَ مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله"[2].







4 - أمر الله تعالى عباده أن يَحمَدوه ويُثنوا عليه ويُمجِّدوه؛ لما له من صفات الكمال، وتعليمهم كيفية ذلك؛ لأن قوله: ï´؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ï´¾ [الفاتحة: 2] وإن كانت هذه جملة خبريَّة، فهي متضمِّنة لمعنى الطلب.







وهكذا جل الآيات التي حَمِد الله تعالى بها نفسه هي متضمِّنةٌ تعليمَ عباده وأمْرَهم أن يحمدوه.







ولهذا رغَّب المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحمد لله؛ فعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الطُّهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملأان - أو تملأ - ما بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حُجة لك أو عليك، كلُّ الناس يَغْدُو، فبائعٌ نفسه فمُعتِقُها أو مُوبِقُها))[3].







وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لَيَرْضى عن العبد أن يأكل الأكلةَ فيَحمَده عليها، أو يشرب الشَّربةَ فيحمده عليها))[4].







5 - أن الوصف بصفات الكمال مستحقٌّ لله على الدوام، وفي جميع الأحوال؛ لقوله تعالى: ï´؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ï´¾ [الفاتحة: 2]، فهي جملة اسمية تفيد الاستمرار والدوام والكمال، فهو المحمود على الدوام وبكل حال، كما قال تعالى: ï´؟ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ ï´¾ [القصص: 70].







6 - في قوله تعالى: ï´؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ ï´¾ [الفاتحة: 2] ردٌّ على الجبريَّة، الذين يقولون: إن الله جبر العبد على أفعاله، ومن ثم عاقَبَه عليها، تعالى الله عن قولهم علوًّا كبيرًا، ووجهُ الردِّ عليهم: أن في إثبات حمده ووصفه بصفات الكمال ما يقتضي أنه لا يعاقِب عبادَه على ما لا قدرة لهم عليه، ولا هو من فعلهم[5].







7 - أن الحمد لا ينبغي أن يكون إلا لمن هو أهلٌ له، ولمقتضٍ لذلك، وإلا فهو زُورٌ وباطل؛ لأن الله لما حمد نفسه ذكَرَ ما يقتضي ذلك، وأنه تعالى أهل لذلك؛ لكونه تعالى الله ï´؟ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ï´¾ [الفاتحة: 2 - 4][6].







قال ابن القيم[7]: "في ذِكر هذه الأسماءِ بعد الحمد، وإيقاع الحمد على مضمونها ومعناها - ما يدلُّ على أنه محمود في إلهيَّتِه، محمود في ربوبيته، محمود في رحمانيَّتِه، محمود في ملكه، وأنه إلهٌ محمود، وربٌّ محمود، ورحمن محمود، ومَلِكٌ محمود، فله بذلك جميع أقسام الكمال؛ كمال من هذا الاسم بمفرده، وكمالٌ من اقتران أحدهما بالآخر..".







8 - يؤخذ من قوله تعالى: ï´؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ï´¾ [الفاتحة: 2] الإقرار والاعتراف من العبد لله جل وعلا بالكمال من جميع الوجوه، وبالفضل والإنعام والإحسان، والإقرار من العبد على نفسه بضعفه وفقره وحاجته إلى ربِّه في أمور دينه ودنياه. وهذا من أجلِّ أنواع العبادة لله وأفضلها، بأن يعترف العبد لله بالكمال المطلق من جميع الوجوه، ويدخل على ربِّه من باب الذل والانكسار، ولا يُعجَب بعمله، وهذا هو أصل معنى العبادة لله تعالى، كما تقدم.







وقد كان هذا دأب الأنبياء والمرسَلين والصالحين من أممهم يدعون ربَّهم متذلِّلين خاضعين سائلين ربَّهم المغفرة؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((أنت ربي وأنا عبدُك، ظلَمتُ نفسي، واعترَفتُ بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعًا، إنه لا يغفر الذنوبَ إلا أنت))[8].







9 - إثبات توحيد الأسماء والصفات "توحيد العِلم"؛ لأن الله افتتح السورة بقوله تعالى: ï´؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ ï´¾ [الفاتحة: 2]، ومعناه - كما تقدم - وصفُه تعالى بصفات الكمال، كما ذكَرَ تعالى فيها خمسة من أسمائه، وهي: "الله"، و"الرب"، و"الرحمن"، و"الرحيم"، و"المَلِك"، وهذه الأسماء دالَّةٌ على بقية أسمائه تعالى، وكلٌّ منها يؤخذ منه إثبات صفة من صفاته تعالى؛ فاسمه تعالى "الله" يدل على إثبات صفة الألوهية له تبارك وتعالى، واسمه "الرب" يدلُّ على إثبات صفة الربوبية العامة له تعالى، صفة ذاتيَّة له تعالى وصفة فعليَّة، واسماه "الرحمن" "الرحيم" يدل الأول على إثبات صفة الرحمة الذاتية له تعالى، ويدل الثاني على إثبات صفة الرحمة الفعلية له عز وجل، كما قال تعالى: ï´؟ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ ï´¾ [العنكبوت: 21].







وقوله تعالى: ï´؟ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ï´¾ [الفاتحة: 4] على القراءتين يدل على أنه مالك يوم الدين ومليكه.







وأن من صفاته تعالى الذاتية والفعلية أنه مالك ومَلِكُ يوم الدين.







كما يدلُّ قوله تعالى: ï´؟ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ï´¾ [الفاتحة: 7] على إثبات صفة الغضب له تعالى، كما يليق بجلاله وعظَمتِه.








وفي إثبات أسمائه تعالى وصفاته ردٌّ على نُفاتِها من المعطِّلة وغيرهم.







وقد ذكر ابن القيم[9] اشتمال الفاتحة على أنواع التوحيد الثلاثة، ثم ذكر أنه دلَّ من هذه السورة على توحيد الأسماء والصفات شيئانِ مجمَلٌ ومفصَّلٌ، قال: "أما المجمل، فإثبات الحمد له سبحانه، وأما المفصَّل، فذِكر صفة الإلهيَّة والربوبيَّة والرحمة والمُلْك، وعلى هذا مدار الأسماء والصفات. فأما تضمن الحمد لذلك، فإن الحمد يتضمَّن مدح المحمود بصفات كماله ونعوت جلاله، مع محبَّتِه، والخضوع له، فلا يكون حامدًا من جحَد صفات المحمود، ولا من أعرَضَ عن محبته والخضوع له، وكلما كانت صفات كمال المحمود أكثرَ، كان حمدُه أكمل، وكلما نقَصَ من صفات كماله، نقَصَ من حمده بحسبها؛ ولهذا كان الحمد كلُّه لله حمدًا لا يُحصيه سواه؛ لكمال صفاته وكثرتها.. ثم ذكر دلالة هذه الأسماء الخمسة وغيرها من أسمائه تعالى على إثبات الذات والصفات له جل وعلا، ثم بيَّن دلالة اسمه تعالى "الله" على جميع أسمائه الحسنى وصفاته العليا؛ ولهذا تُضاف إليه جميعُ أسمائه، كما قال تعالى: ï´؟ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ï´¾ [الأعراف: 180]، ثم ذكر ما هو أخص من الصفات بكل اسم من هذه الأسماء.







10 - إثبات توحيد الألوهية (توحيد العبادة)؛ يؤخذ ذلك من اسمه تعالى "الله"؛ لأن معناه كما تقدم: المَألوهُ المعبود محبةً وتعظيمًا.







قال شيخ الإسلام ابن تيمية[10]: "والله هو الإله المعبود، فهذا الاسم أحَقُّ بالعبادة؛ ولهذا يقال: الله أكبر، والحمد لله، سبحان الله، لا إله إلا الله".







كما يؤخذ توحيد العبادة من قوله: ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾ [الفاتحة: 5]، كما سيأتي إن شاء الله.







11 - إثبات توحيد الربوبية بقسمَيْه: العامِّ لجميع الخلق، والخاصِّ بأولياء الله تعالى؛ لقوله تعالى: ï´؟ رَبِّ الْعَالَمِينَ ï´¾ [الفاتحة: 2]، وقوله: ï´؟ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾، فهو تعالى ربُّ جميع الخلق، خالقهم ومالكهم والمتصرِّف فيهم، ومربِّيهم بجميع النِّعم، وفي هذا ردٌّ على الملحدين الذين يُنكِرون وجود الله، تعالى الله عن قولهم علوًّا كبيرًا؛ إذ إن كلَّ ما في الكون من المخلوقات دليلٌ على وجوده وكماله في ذاته وصفاته، كما قيل:






فواعجبًا كيف يُعصى الإلـ

ـهُ أم كيف يجحده الجاحدُ




وفي كلِّ شيءٍ له آيةٌ

تدلُّ على أنه واحدُ








بل إنه تعالى دليلٌ على كل شيء؛ ولهذا قالت الرسل لأُمَمِهم: ï´؟ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ ï´¾ [إبراهيم: 10].







قال شيخ الإسلام ابن تيمية[11]: "كيف يُطلَب الدليل على من هو دليل على كل شيء؟!"، وكان كثيرًا ما يتمثل بهذا البيت:



وكيف يصحُّ في الأذهان شيءٌ *** إذا احتاج النهارُ إلى دليلِ







وهو تعالى مُرَبٍّ لأوليائه المتقين، وحزبه المفلحين، تربيةً خاصة؛ بتوفيقهم للإيمان والعمل الصالح، ودفعِ الصوارف عنهم، مما يبعث في قلوبهم الطُّمأنينةَ إلى رعاية الله الدائمة، وربوبيته القائمة، وحفظِه الذي لا يغيب.







وإذا ثبتت الربوبيَّةُ صفةً عامة له تبارك وتعالى: صفةً ذاتية، وصفةً فعليَّة، وجب توجُّهُ جميع الخلق إليه في جميع حوائجهم، وفي جميع عباداتهم؛ لأن مِن لازِمِ ربوبيتِه لجميع خلقه أن يكون هو الإلهَ المعبود؛ لأن توحيد الربوبية يستلزم توحيدَ الألوهية، كما أن توحيد الألوهية يتضمن توحيد الربوبية؛ ولهذا لما قال تعالى: ï´؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ ï´¾ [الفاتحة: 2]، أَتْبع ذلك بوصفه تعالى بقوله: ï´؟ رَبِّ الْعَالَمِينَ ï´¾ [الفاتحة: 2]؛ إشارة إلى أن المستحقَّ للعبادة هو المتفرِّد بالربوبية والمُلكِ والخلق والتدبير، وعلى هذا فما دلَّ من السورة على إثبات توحيد الألوهية، ففيه دلالة بالتضمُّن على توحيد الربوبية، وما دلَّ منها على توحيد الربوبية، ففيه دلالةٌ بالالتزام على توحيد الألوهية.







كما أن في إثبات ربوبيته ردًّا على المشركين معه في إلهيَّتِه، الذين يعبدون غيره مع إقرارهم بربوبيته.







كما أن في إثبات ربوبيته للعالمين دليلًا على مباينته لخلقه بذاته، وبربوبيته وصفاته وأفعاله، وفي هذا ردٌّ على من نفى مباينته لخلقه.







كما أن في إثبات ربوبيته أيضًا ردًّا على أهل الإشراك في ربوبيته من المجوس والقدَريَّة وغيرهم، الذين يُثبِتون مع الله خالقًا آخَرَ، فالقدَريَّةُ المجوسية يقولون: العبد يخلُقُ فعل نفسه، فلا تدخُلُ أفعالهم تحت ربوبيته، تعالى الله عن ذلك[12].







12 - إثبات علم الله تعالى الواسع، وقدرته التامة من قوله: ï´؟ رَبِّ الْعَالَمِينَ ï´¾ [الفاتحة: 2]؛ إذ إن مقتضى ربوبيته للعالمين وخلقِه لهم أن يكون عالمًا بهم وبأحوالهم، وأن يكون ذا قدرة تامة نافذة فيهم، كما قال تعالى: ï´؟ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ï´¾ [الطلاق: 12].







13 - إثبات أنه تعالى الأول بلا بداية؛ لأن قوله تعالى: ï´؟ رَبِّ الْعَالَمِينَ ï´¾ معناه أنه خالقهم وموجِدُهم من العدم بعد أن لم يكونوا شيئًا، كما قال تعالى: ï´؟ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ï´¾ [الإنسان: 1]؛ أي: قد أتى على الإنسان، وهذا يدل على أنه تعالى هو الأول بلا بداية والآخر بلا نهاية، كما قال تعالى: ï´؟ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ï´¾ [الحديد: 3].







14 - أن الأحقُّ بالاستعانة والمسألة هو اسم "الرب"؛ لأن من معانيه المربِّيَ الخالق المالكَ الرازق المدبِّر الناصرَ الهادي.







ولهذا كان جل دعاء الأنبياء والصالحين وسؤالهم بهذا الاسم.







كما قال الأبوان عليهما السلام: ï´؟ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ï´¾ [الأعراف: 23].







وقال نوح عليه السلام: ï´؟ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا ï´¾ [نوح: 28].







وقال الخليل عليه السلام: ï´؟ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ï´¾ [إبراهيم: 40، 41].







وقال موسى عليه السلام: ï´؟ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ï´¾ [القصص: 16].







وقال عيسى عليه السلام: ï´؟ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ï´¾ [المائدة: 114].







وقال تعالى لنبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم: ï´؟ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا ï´¾ [الإسراء: 80].







وقال نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم: ((اللهم أنت ربي وأنا عبدُك، ظلَمتُ نفسي، واعترَفتُ بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعًا، إنه لا يغفر الذنوبَ إلا أنت))[13].







وذكَرَ الله عن المؤمنين قولَهم: ï´؟ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ï´¾ [البقرة: 286].







وقولهم: ï´؟ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا ï´¾ [آل عمران: 147]، ï´؟ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ï´¾ [آل عمران: 193، 194].







15 - في قوله: ï´؟ رَبِّ الْعَالَمِينَ ï´¾ [الفاتحة: 2] إشارةٌ إلى تَساوي الخلق في الربوبية العامة التي بمعنى الخلق والملك والتدبير، وهذا يدل على أن البشر تَجمَعُهم الربوبيةُ؛ فربُّهم واحد كما أن أباهم واحد، لا فخر لجنس على جنس إلا بالتقوى.







وفي هذا ردٌّ على من يفتخر بحسَبِه ونَسَبِه، كما قال تعالى: ï´؟ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ï´¾ [الحجرات: 13].







وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله عز وجل قد أذهَبَ عنكم عُبِّيَّةَ[14] الجاهلية وفخرها بالآباء، مؤمنٌ تقي، وفاجرٌ شقي، أنتم بنو آدم، وآدمُ من تراب، لَيَدَعَنَّ رجال فخرَهم بأقوام إنما هم فحمٌ من فحم جهنمَ، أو ليكونُنَّ أهوَنَ على الله من الجِعْلانِ، التي تَدفَعُ بأنفِها النَّتْنَ))[15].







16 - في إثبات حمده وربوبيته للعالمين وتوحيده ردٌّ على من قال بقدم العالم؛ فإن في إثبات حمده ما يقتضي ثبوتَ أفعاله الاختيارية، والفعل متأخِّر عن فاعله، وفي إثبات ربوبيته للعالمين ما يقتضي أن كل ما سواه مربوبٌ مخلوق بالضرورة، وكل مخلوق حادث بعد أن لم يكن، وفي إثبات توحيده ما يقتضي عدم مشاركة شيء من العالم له في خصائص الربوبية، والقدرة من خصائص الربوبية، فالتوحيد ينفي ثبوته لغيره ضرورة، كما ينفي ثبوت الربوبية والإلهية لغيره[16].







17 - في إثبات رحمته تعالى ورحمانيته ردٌّ على الجبريَّة في أن الله يعاقِب العبدَ على ما لا قدرة له عليه، ولا هو مِن فعله، بل يكلِّفه ما لا يطيق ثم يعاقِبه عليه، وهذا باطل؛ فإن في ثبوت رحمته ورحمانيته ما يقتضي أنه تعالى لا يكلِّف العبدَ ما لا قدرة له عليه، ولا يعاقِبه بما ليس من فعله، وما لا قدرة له عليه[17]، بل إنه تعالى برحمته يعفو حتى عن بعض أو كلِّ ما فعَلَه العبد، كما قال تعالى: ï´؟ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ï´¾ [الشورى: 30].







كما أن في إثبات صفة الرحمة لله تعالى صفةً ذاتية وصفة فعلية، عامةً وخاصة: الردَّ على نُفاة صفة الرحمة من الأشاعرة وغيرهم، الذين يفسِّرون "الرحيم" بالمنعِم أو مريد الإنعام، ويفسِّرون الرحمة بالإنعام والإحسان، ويقولون: إن الرحمة رقة ولِينٌ لا تليق بالخالق القويِّ.







[1] أخرجه مسلم في الزهد (3302) من حديث المقداد بن الأسود رضي الله عنه.



[2] سبق تخريجه.



[3] أخرجه مسلم في الطهارة - باب فضل الوضوء (223).



[4] أخرجه مسلم في الذكر - باب استحباب حمد الله تعالى بعد الأكل والشرب (2734).



[5] انظر: "مدارج السالكين" (1/ 91 -93).



[6] انظر: "الكشاف" (1/ 9)، "أنوار التنزيل" (1/ 9).



[7] في "مدارج السالكين" (1/ 59 -61).



[8] أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (771) من حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه.



[9] انظر: "مدارج السالكين" (1/ 48 -59).



[10] انظر: "مجموع الفتاوى" (14/ 12).



[11] انظر: "مدارج السالكين" (1/ 87).



[12] انظر: "مدارج السالكين" (1/ 48، 86 -90).



[13] أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (771) من حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه.



[14] عبية الجاهلية: أي تكبُّرُها.



[15] أخرجه أبو داود في الأدب - باب التفاخر بالأحساب (5116)، والترمذي في المناقب - باب فضل الشام واليمن (3955)، وأحمد (2/ 361، 524)، وقال الترمذي: "حسن غريب"، ونُقل عن المنذري تصحيحه، و"حسنه الألباني".



[16] انظر: "مدارج السالكين" (1/ 96 -97).



[17] انظر: "مدارج السالكين" (1/ 92).









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 287.21 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 281.36 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (2.04%)]