|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الحج شرح سنن أبي داود [222] الحلقة (253) شرح سنن أبي داود [222] يستحب الدعاء في الطواف بأي نوعه من أنواع الأدعية، ولا يصح تخصيص دعاء بعينه في كل شوط من أشواط الطواف، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول بين الركنين: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. ويجوز الطواف بالبيت في أي وقت من ليل أو نهار، وليس على القارن إلا سعي واحد وطواف واحد، والسعي ركن عند الجمهور، ولا بأس بالالتزام، والملتزم هو ما بين الباب والحجر. الدعاء في الطواف شرح حديث الدعاء بين الركنين قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الدعاء في الطواف. حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس حدثنا ابن جريج عن يحيى بن عبيد عن أبيه عن عبد الله بن السائب رضي الله عنهما قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما بين الركنين: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) ]. قوله: [ باب الدعاء في الطواف ]. يعني: أن الإنسان يذكر الله عز وجل ويقرأ القرآن ويدعو في الطواف، وليس هناك أدعية مقيدة للأشواط في كل شوط يقول هذا الدعاء، كما يوجد في بعض الكتيبات التي فيها: الشوط الأول يقول فيه كذا والشوط الثاني كذا؛ كل هذا لا أساس له وإنما هو مما أحدثه الناس، والإنسان لا يخصص كل شوط بدعاء، وإنما يحرص على أن يكون على علم ومعرفة بالأدعية الجامعة التي وردت عن النبي عليه الصلاة والسلام فيدعو بها في طوافه، وأما كونه يخصص كل شوط بدعاء معين فهذا لا أساس له، ولكن كونه يكون على علم بشيء من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم في الدعاء فيدعو به في طوافه، أو يقرأ القرآن أو يذكر الله عز وجل، كل ذلك حق، وقد جاء في بعض الأحاديث ما يدل على أنه يدعو في الطواف، كما في حديث عبد الله بن السائب هذا الذي أورده أبو داود رحمه الله، وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقول بين الركنين: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار). وهذا دعاء عظيم من أدعية القرآن، وهو من جوامع الكلم؛ لأنه مشتمل على كل خير في الدنيا وكل خير في الآخرة؛ لأن حسنة الدنيا كل خير في الدنيا، فمن حسنة الدنيا المال الحلال والمرأة الصالحة والأولاد الصالحون والصحة والعافية وما إلى ذلك، كل هذا من خير الدنيا، وكل نعيم في الآخرة هو من حسنة الآخرة. إذاً: هذا الدعاء من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، ولكن بعض المفسرين عندما يفسرون مثل هذه الكلمة العامة يفسرونها بأمثلة أو ببعض الأمثلة التي تندرج تحتها، ولا تنافي بين تلك التفسيرات؛ لأنها من قبيل اختلاف التنوع، وليست من قبيل اختلاف التضاد، وكلها حق، فإذا فسرت حسنة الدنيا بالزوجة الصالحة فهو حق، وإذا فسرت بالولد الصالح فهو حق، وإذا فسرت بالمال الحلال فهو حق، وكلها تدخل تحت حسنة الدنيا، ولأن هذا تفسير بالمثال لا يقصد حصر المعنى بأنه في هذا المثال، ولكنه مثال من جملة الأمثلة التي تندرج تحت هذا اللفظ العام الذي هو حسنة الدنيا، فالإنسان إذا حصل على حسنة الدنيا، فحسنة الدنيا هل كل سعادة في الدنيا، وكذلك إذا حصل على حسنة الآخر فهي كل خير في الآخرة مع السلامة من عذاب النار، فهذا هو المبتغى وهذا هو المطلوب وهذا هو الخير العظيم الذي يحصل للإنسان في دنياه وفي أخراه. وقد سبق أن أنساً رضي الله عنه لما سئل عن أدعية النبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذا الدعاء، وأنه رضي الله عنه كان إذا دعا بدعوة واحدة دعا بهذا الدعاء، وإذا دعا بأدعية متعددة جعل هذا الدعاء من جملة ما يدعو به، فهو لا يخلي دعاءه من أن يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار؛ لأنه من جوامع الكلم، وقد سبق قول الإمام أحمد رحمة الله عليه حيث قال: أحب إلي أن يدعا بما جاء في القرآن. إذاً: هذا من أدعية القرآن التي جاء ذكرها فيما يتعلق بالحج، فمن الناس من يسأل الدنيا ولا تهمه الآخرة، ومنهم من يسأل الدنيا والآخرة بقوله: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. تراجم رجال إسناد حديث الدعاء بين الركنين قوله: [حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عيسى بن يونس ]. هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن عبيد ]. يحيى بن عبيد ثقة أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن أبيه ]. أبوه هو عبيد المخزومي ، وهو مقبول، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ عن عبد الله بن السائب ]. عبد الله بن السائب رضي الله عنهما، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. وهذا الحديث فيه هذا المقبول، ولكن له شواهد أشار إلى بعضها ابن كثير عند تفسير هذه الآية من سورة البقرة. شرح حديث الرمل في طواف القدوم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا طاف في الحج والعمرة أول ما يقدم فإنه يسعى ثلاثة أطواف ويمشي أربعاً، ثم يصلي سجدتين) ]. قوله: [ (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا طاف في الحج والعمرة أول ما يقدم فإنه يسعى ثلاثة أطواف ويمشي أربعاً، ثم يصلي سجدتين) ]. يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أول طواف يحصل منه إذا قدم مكة أن يسعى ثلاثاً ويمشي أربعاً، والسعي هنا هو الرمل الذي مر الكلام عليه في الدرس الماضي، وهو الإسراع مع مقاربة الخطا، وقد عرفنا أصله وأنه كان في عمرة القضية وأن الكفار كانوا يقولون: (يقدم عليكم قوم وهنتهم الحمى)، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الأشواط الثلاثة، وإذا جاءوا بين الركنين حيث يكونون متوارين عن الكفار فإنهم يمشون، ثم يمشون في الأشواط الأربعة الباقية، وجاء في الحديث أنه لم يمنعهم من أن يرملوا الأشواط كلها إلا من أجل الإبقاء عليهم وعدم المشقة عليهم من النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (أول ما يقدم فإنه يسعى ثلاثة أطواف) ] هذا يدل على أن هذه الهيئة التي هي الرمل إنما تكون في أول طواف، وهو طواف العمرة في حق من كان معتمراً وطواف القدوم في حق من كان قارناً أو مفرداً، فإنه يسن في هذا الطواف شيئان: أحدهما: الرمل، وذلك في الأشواط الثلاثة الأولى فقط، والثاني: الاضطباع، وهو جعل الرداء تحت الإبط الأيمن وسدله على الكتف اليسرى، فتكون اليد اليمنى مكشوفة كلها من المنكب إلى الأصابع، واليسرى مغطاة بالرداء الذي هو موضوع عليها في الأصل، والرداء الذي سدل فوق الرداء الذي كان عليها، فهاتان سنتان من سنن الطواف التي تحصل من الإنسان إذا قدم مكة، إن كان متمتعاً فطواف العمرة، وإن كان قارناً أو مفرداً فطواف القدوم. قوله:[ ثم يصلي سجدتين ]، يعني: ركعتي الطواف، والمقصود بالسجدتين الركعتين؛ لأنه يعبر عن الركعة بالسجدة، ويأتي كثيراً ذكر السجدة ويراد بها الركعة الكاملة. ووجه إيراد هذا الحديث في الدعاء في الطواف: هو أن ركعتي الطواف من الأمور المسنونة والتي هي مكملة للطواف، والدعاء في الصلاة مشروع، يعني: على اعتبار أن الركعتين التابعتين للطواف يكونان في نهاية الطواف، وهما يشتملان على الدعاء. تراجم رجال إسناد حديث الرمل في طواف القدوم قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يعقوب ]. هو يعقوب القاري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه . [ عن موسى بن عقبة ]. هو موسى بن عقبة المدني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. الطواف بعد العصر شرح حديث: ( لا تمنعوا أحداً يطوف بهذا البيت ويصلي ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الطواف بعد العصر . حدثنا ابن السرح و الفضل بن يعقوب وهذا لفظه، قالا: حدثنا سفيان عن أبي الزبير عن عبد الله بن باباه عن جبير بن مطعم يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تمنعوا أحداً يطوف بهذا البيت ويصلي أي ساعة شاء من ليل أو نهار)، قال الفضل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا بني عبد مناف! لا تمنعوا أحداً) ]. قوله: [ باب الطواف بعد العصر ]، يعني: أن الطواف ليس كالصلاة التي جاء النهي عنها بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس وبعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل الطواف يختلف، وكذلك الصلاة التي هي تابعة للطواف أيضاً حكمها حكم الطواف، يأتي بها الإنسان بعد الطواف في أي ساعة من ليل أو نهار؛ لأنها ذات سبب وهي متعلقة بالطواف، ومن العلماء من قال: إن الصلاة في المسجد الحرام في أوقات الكراهة تستثنى من أحاديث النهي، لكن الاستثناء غير واضح، والاحتمال الأقوى أن يكون المقصود هو الطواف والصلاة التي هي متعلقة به، وهما ركعتا الطواف؛ لأنهما تابعتان للطواف، وهي ذات سبب، أما كون الإنسان يكون جالساً في المسجد الحرام ويقوم يتنفل بعد العصر وبعد الفجر فلا نعلم دليلاً واضحاً يدل عليه. وقد ذكر الخطابي أن هذا الحديث تابع للترجمة السابقة التي هي: (الدعاء في الطواف)، وعلى هذا فيكون إيراده مثل إيراد الحديث السابق الذي فيه: (ثم يصلي سجدتين). قوله: [ عن جبير بن مطعم يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم ]. كلمة (يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم) هذه بمعنى المرفوع؛ لأن قول الراوي: يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم، أو ينميه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أو يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كل هذه تدل على أنه من قبيل المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (لا تمنعوا أحداً يطوف بهذا البيت ويصلي أي ساعة شاء من ليل أو نهار )] . يعني: لا تمنعوا أحداً يطوف بالبيت أو يصلي أي ساعة شاء من ليل أو نهار، فهذه تشمل ما بعد العصر وما بعد الفجر، والمصنف عقد الترجمة للطواف بعد العصر ومثله بعد الفجر؛ لأن الحكم واحد. قوله: [ وقال الفضل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا بني عبد مناف! لا تمنعوا أحداً) ]. يعني: أن الفضل الذي هو الشيخ الثاني لأبي داود قال: (يا بني عبد مناف) ففيه تعيين من خوطب بهذا الكلام. (لا تمنعوا أحداً) يعني: طاف بالبيت. تراجم رجال إسناد حديث: ( لا تمنعوا أحداً يطوف بهذا البيت ويصلي ...) قوله: [ حدثنا ابن السرح ]. هو أحمد بن عمرو بن السرح المصري ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجه . [ و الفضل بن يعقوب ]. الفضل بن يعقوب صدوق أخرج له أبو داود و ابن ماجه . [ قالا: حدثنا سفيان ] هو سفيان بن عيينة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزبير ]. هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن باباه ]. عبد الله بن باباه ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن جبير بن مطعم ]. هو جبير بن مطعم النوفلي رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. قرب نسب جبير بن مطعم من النبي صلى الله عليه وسلم جبير بن مطعم من بني نوفل و نوفل من أبناء عبد مناف ؛ لأن أولاد عبد مناف أربعة وهم: هاشم الذي ينتمي إليه النبي صلى الله عليه وسلم، و عبد شمس الذي ينتمي إليه عثمان رضي الله عنه، و المطلب الذي أولاده حكمهم حكم بني هاشم حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنا وبني المطلب شيء واحد) و نوفل الذي ينتمي إليه جبير بن مطعم . و هاشم و المطلب نسلهما لا يعطون الزكاة، ويكون لهم من الفيء، ولهذا جاء عثمان بن عفان -كما في الصحيح- و جبير بن مطعم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالا: (إنا وبنو المطلب شيء واحد -يعني: في القرب إليك سواء- وإنك أعطيت بني المطلب من الخمس، فقال: إنا وبني المطلب شيء واحد، أو إن هاشماً والمطلب لم يفترقا في جاهلية ولا في إسلام). طواف القارن شرح حديث: (لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب طواف القارن. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير قال: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: (لم يطف النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً، طوافه الأول) ]. قوله: [ باب طواف القارن ]. يراد بالطواف هنا السعي بين الصفا والمروة، ويراد به الطواف بالبيت، والقارن هو الذي يقرن بين الحج والعمرة ويلبي بهما، ويجب عليه هدي، وهذا ليس عليه إلا طواف واحد وسعي واحد، طواف للحج والعمرة، وسعي للحج والعمرة، فهذا وجه تسميته قراناً؛ لأنه قرن بين الحج والعمرة ووحدت أعمالهما ولم يتميز عمل العمرة من عمل الحج، الذي هو الطواف والسعي؛ فصار الطواف والسعي للحج والعمرة واحداً، الطواف الذي هو طواف الإفاضة، والسعي الذي يكون بعد طواف القدوم أو يكون بعد طواف الإفاضة؛ لأن طواف الإفاضة ركن في حق الحجاج جميعاً ومنهم القارنون، ولا يكون إلا بعد عرفة ومزدلفة، وهو الذي ذكره الله بقوله: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:29]. وكذلك السعي أيضاً يقال له: طواف، ولهذا أورد أبو داود رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يطوفوا بين الصفا والمروة إلا طوافهم الأول، أي: الذي مع طواف القدوم ولم يسعوا بعد طواف الإفاضة. فالقارن عليه سعي واحد وله محلان: بعد طواف القدوم، وبعد طواف الإفاضة، فإن فعله في المحل الأول لم يفعله في المحل الثاني، وإن لم يفعله في المحل الأول، أو لم يأت مكة إلا بعد الوقوف بعرفة فإن السعي يكون بعد طواف الإفاضة. إذاً: القارن عليه طواف واحد وهو طواف الإفاضة لحجه وعمرته، وعليه سعي لحجه وعمرته، والسعي له محلان: محل بعد القدوم ومحل بعد الإفاضة، إن فعل في المحل الأول لا يفعله في المحل الثاني، وإن لم يفعله في المحل الأول تعين أن يفعله في المحل الثاني. قوله: [ (لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً) ] يعني: أنه ليس عليهم سعي إلا الذي حصل مع طواف القدوم، وهذا في حق القارنين والمفردين الذين ساقوا الهدي، أما الذين لم يسوقوا هدياً فإنهم تحولوا إلى عمرة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فصاروا متمتعين، فيكون حكمهم حكم الذين كانوا متمتعين من الأصل من الميقات كأمهات المؤمنين؛ لأنهن كن متمتعات من الميقات أحرمن بعمرة، والذين دخلوا مكة ولم يكن معهم هدي وهم قارنون أو مفردون أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يفسخوا إحرامهم إلى عمرة وأن يكونوا متمتعين، ولم يبق على الإحرام إلا من كان قد ساق الهدي؛ لأن الذي ساق الهدي ليس له أن يتحلل إلا يوم النحر حيث يبلغ الهدي محله، ومعلوم أن القارن عليه هدي كما أن المتمتع عليه هدي، والمفرد لا هدي عليه. سوق الهدي وحكم التوكيل فيه بعض الناس قد يشكل عليه فما يتعلق بسوق الهدي، مع أن سوق الهدي لا وجود له في هذا الزمان؛ لأن الناس يركبون السيارات ولا يسوقون الإبل ولا الغنم مثلما كانوا قبل ذلك؛ فقد كانوا قديماً يمشون مع هديهم ويسوقونه، لكن هنا ليس إلا الحمل، فإن حمل أحد الهدي فحكمه حكم السوق، ولكن الأولى للإنسان ألا يحمل هدياً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له أصحابه: (إن الناس حلوا وأنت لم تحلل. قال: إنني سقت الهدي ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي، ولولا أن معي الهدي لأحللت ولجعلتها عمرة) فدل هذا على أن الأفضل للإنسان أن يكون متمتعاً، وأن يذبح هدياً، والهدي يذبحه بمنى أو بمكة، وما يفعله كثير من الناس من توكيل البنك الإسلامي هذا لا يقال له: سوق هدي؛ لأن هذه مجرد وكالة، كما لو أعطيت واحداً من أصحابك نقوداً وقلت له وأنت في المدينة: إذا وصلت مكة أريد منك أن تشتري ذبيحة وتذبحها عني على أنها هدي في يوم العيد أو في أيام التشريق فهذا مجرد توكيل. تراجم رجال إسناد حديث: (لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً) قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني أبو الزبير ]. هو محمد بن مسلم وقد مر ذكره. [ قال: سمعت جابر بن عبد الله ]. جابر بن عبد الله الأنصاري صحابي ابن صحابي رضي الله عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كانوا معه لم يطوفوا حتى رموا الجمرة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: (أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كانوا معه لم يطوفوا حتى رموا الجمرة) ]. قوله: [ (أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كانوا معه لم يطوفوا إلا حتى رموا الجمرة) ] يعني: طواف الإفاضة، وهذا في حق كل الحجاج، طوافهم للإفاضة إنما هو بعد عرفة ومزدلفة، والنبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر بدأ بالرمي ثم النحر ثم الحلق ثم الطواف والسعي بين الصفا والمروة، هذا لمن كان عليه سعي كالمتمتعين، أو القارنين والمفردين الذين لم يسعوا مع طواف القدوم. إذاً: طواف الإفاضة ركن من أركان الحج لا يتم الحج إلا به، ومحله بعد الوقوف بعرفة ومزدلفة، لكن لو قدم الطواف على الرمي جاز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رتب هذا الترتيب: رمى ثم نحر ثم حلق ثم طاف ولكنه ما سئل عن شيء قدم ولا أخر في ذلك اليوم إلا قال: (افعل ولا حرج)، فدل على جواز التقديم والتأخير بين أعمال يوم النحر، ولكن الترتيب كما رتب رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرمي ثم النحر ثم الحلق ثم الطواف، وهناك كلمة يذكرها بعض الناس من أجل أن تضبط بها الترتيب، وهي كلمة (رنحط) التي ذكرها الصاوي في تعليقه على الجلالين، يعني: رمي فنحر فحلق فطواف؛ حتى يستطيع الإنسان أن يحفظ ترتيبها بترتيب هذه الحروف، لكن التقديم والتأخير سائغ؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام ما سئل عن شيء قدم ولا أخر في ذلك اليوم إلا قال: (لا حرج)، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. تراجم رجال إسناد حديث: (أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كانوا معه لم يطوفوا حتى رموا الجمرة) قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا مالك بن أنس ]. مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه الإمام، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بنسبه الزهري ومشهور بنسبته إلى أحد أجداده وهو شهاب ، فيقال له: ابن شهاب ويقال له: الزهري . [ عن عروة ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وهي خالة عروة بن الزبير ؛ لأن عروة هو ابن أسماء بنت أبي بكر أخت عائشة ، فعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها هي الصديقة بنت الصديق ، وهي راوية السنة وحافظتها، وهي التي أنزل الله براءتها مما رميت به من الإفك في آيات تتلى في كتاب الله عز وجل، ومع هذا التشريف والتكريم الذي حصل لها حيث أُنزلت براءتها في قرآن يتلى في سورة النور، ومع ذلك تقول عن نفسها: (ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله فيّ آيات تتلى، كنت أتمنى أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه رؤيا يبرئني الله بها)، ورؤيا الأنبياء وحي، وما كانت تظن أنه ينزل فيها قرآن، وهذا هو كلام الكمل وأهل الكمال فهم يتواضعون لله عز وجل، رضي الله تعالى عن أم المؤمنين عائشة وعن الصحابة أجمعين. شرح حديث عائشة: (طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجتك وعمرتك) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن أخبرني الشافعي عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لها: (طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجتك وعمرتك) ]. قوله: [ (طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجتك وعمرتك) ]، يعني: طواف الإفاضة؛ لأن عائشة رضي الله عنها ما تمكنت من دخول البيت قبل الحج؛ لأن الحيض منعها من ذلك، وأمرها النبي عليه الصلاة والسلام أن تدخل الحج على العمرة فتكون قارنة، أما العمرة التي أحرمت بها من الميقات فهي باقية معها، ولكن لكونها لم تتمكن من الإتيان بأعمالها قبل الحج أمرها النبي عليه الصلاة والسلام أن تدخل الحج على العمرة فتكون قارنة، والقارن يكفيه طواف واحد وسعي واحد كما قال لها عليه الصلاة والسلام.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الحج شرح سنن أبي داود [223] الحلقة (254) شرح سنن أبي داود [223] حديث جابر رضي الله عنه في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم من أجمع الأحاديث وأحسنها في بيان صفة الحج، فقد كان جابر رضي الله عنه ملازماً للنبي صلى الله عليه وسلم منذ خروجه من المدينة إلى إتمامه أعمال الحج، وكان يراقب كل أعماله وحركاته وسكناته، فحفظ ذلك كله، وأداه كما سمعه ورآه، فجاء حديثاً كاملاً متكاملاً في بيان صفة الحج، ففيه من الأحكام والفوائد الجمة ما لا يوجد فيما سواه. صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم شرح حديث جابر الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب صفة حجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي و عثمان بن أبي شيبة و هشام بن عمار و سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي ، وربما زاد بعضهم على بعض الكلمة والشيء، قالوا: حدثنا حاتم بن إسماعيل حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه قال: (دخلنا على جابر بن عبد الله ، فلما انتهينا إليه سأل عن القوم حتى انتهى إلي، فقلت: أنا محمد بن علي بن حسين، فأهوى بيده إلى رأسي فنزع زري الأعلى، ثم نزع زري الأسفل، ثم وضع كفه بين ثديي وأنا يومئذ غلام شاب، فقال: مرحباً بك وأهلاً يا ابن أخي! سل عما شئت، فسألته وهو أعمى، فجاء وقت الصلاة فقام في نساجة ملتحفاً بها -يعني: ثوباً ملفقاً- كلما وضعها على منكبيه رجع طرفاها إليه من صغرها، فصلى بنا ورداؤه إلى جنبه على المشجب، فقلت: أخبرني عن حجة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال بيده فعقد تسعاً ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكث تسع سنين لم يحج، ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج، فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ويعمل بمثل عمله، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر رضي الله عنهم، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كيف أصنع؟ فقال: اغتسلي واستذفري بثوب وأحرمي، فصلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد، ثم ركب القصواء، حتى إذا استوت به ناقته على البيداء قال جابر : نظرت إلى مد بصري من بين يديه من راكب وماش وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن وهو يعلم تأويله، فما عمل به من شيء عملنا به، فأهلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوحيد: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، وأهل الناس بهذا الذي يهلون به، فلم يرد عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً منه، ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته. قال جابر : لسنا ننوي إلا الحج، لسنا نعرف العمرة، حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً، ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125] فجعل المقام بينه وبين البيت، قال: فكان أبي يقول: قال ابن نفيل و عثمان : ولا أعلمه ذكره إلا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال سليمان : ولا أعلمه إلا قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ في الركعتين بـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] وبـ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1]. ثم رجع إلى البيت فاستلم الركن، ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158] نبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا فرقِيَ عليه حتى رأى البيت فكبر الله ووحده، وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك وقال مثل هذا ثلاث مرات، ثم نزل إلى المروة، حتى إذا انصبَّت قدماه رمل في بطن الوادي، حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة، فصنع على المروة مثلما صنع على الصفا، حتى إذا كان آخر الطواف على المروة قال: إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليَحلل وليجعلها عمرة، فحل الناس كلهم وقصروا، إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي، فقام سراقة بن جعشم رضي الله عنه فقال: يا رسول الله! ألعامنا هذا أم للأبد؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه في الأخرى ثم قال: دخلت العمرة في الحج، هكذا مرتين: لا بل لأبد أبد، لا بل لأبد أبد. قال: وقدم علي رضي الله عنه من اليمن ببُدن النبي صلى الله عليه وسلم، فوجد فاطمة رضي الله عنها ممن حل ولبست ثياباً صبيغاً واكتحلت، فأنكر علي رضي الله عنه ذلك عليها، وقال: من أمرك بهذا؟ قالت: أبي، قال: وكان علي رضي الله عنه يقول بالعراق: ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محرشاً على فاطمة رضي الله عنها في الأمر الذي صنعته مستفتياً لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الذي ذكرت عنه، فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها، فقالت: إن أبي أمرني بهذا، فقال: صدقت صدقت، ماذا قلت حين فرضت الحج؟ قال: قلت: اللهم إني أهل بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: فإن معي الهدي فلا تحلل. قال: وكان جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن والذي أتى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المدينة مائة، فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي، قال: فلما كان يوم التروية ووجهوا إلى منى أهلوا بالحج، فركب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصلى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس، وأمر بقبة له من شعر فضربت بنمرة، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم واقف عند المشعر الحرام بالمزدلفة كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجاز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له، فركب حتى أتى بطن الوادي فخطب الناس فقال: إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وأول دم أضعه دماؤنا دم قال عثمان : دم ابن ربيعة وقال سليمان : دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وقال بعض هؤلاء: كان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هذيل-، وربا الجاهلية موضوع، وأول رباً أضعه ربانا، ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله، اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، وإن لكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وإني قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله، وأنتم مسئولون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، ثم قال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكبها إلى الناس: اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد، ثم أذن بلال رضي الله عنه، ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئاً، ثم ركب القصواء حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه، فاستقبل القبلة، فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً حين غاب القرص، وأردف أسامة خلفه، فدفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله، وهو يقول بيده اليمنى: السكينة أيها الناس! السكينة أيها الناس! كلما أتى حبلاً من الحبال أرخى لها قليلاً حتى تصعد، حتى أتى المزدلفة فجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، قال عثمان : ولم يسبح بينهما شيئاً، ثم اتفقوا: ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى طلع الفجر، فصلى الفجر حين تبين له الصبح، قال سليمان : بنداء وإقامة، ثم اتفقوا: ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فرقي عليه، قال عثمان و سليمان : فاستقبل القبلة فحمد الله وكبره وهلله، زاد عثمان : ووحده، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً، ثم دفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن عباس رضي الله عنهما، وكان رجلاً حسن الشعر أبيض وسيماً، فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مر بالظعن يجرين، فطفق الفضل ينظر إليهن، فوضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده على وجه الفضل، وصرف الفضل وجهه إلى الشق الآخر، وحول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده إلى الشق الآخر، وصرف الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر، حتى أتى محسراً فحرك قليلاً، ثم سلك الطريق الوسطى الذي يخرجك إلى الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها، بمثل حصى الخذف، فرمى من بطن الوادي، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المنحر فنحر بيده ثلاثاً وستين، وأمر علياً رضي الله عنه فنحر ما غبر، يقول: ما بقي، وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها، قال سليمان : ثم ركب، ثم أفاض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى البيت فصلى بمكة الظهر، ثم أتى بني عبد المطلب وهم يسقون على زمزم فقال: انزعوا بني عبد المطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم، فناولوه دلواً فشرب منه) ]. قوله: [ باب صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم ] هذه الترجمة عقدها المصنف رحمه الله وأورد تحتها حديث جابر رضي الله عنه الطويل المشتمل على وصف حجة النبي عليه الصلاة والسلام، وهو حديث عظيم مشتمل على صفة الحج من بدايته إلى نهايته، ولهذا أتى أبو مكانة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين هذا الحديث يدل على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من تعظيم أهل البيت ومعرفة قدرهم، وتمييزهم على غيرهم وإنزالهم منازلهم اللائقة بهم؛ لأن جابراً رضي الله عنه عندما عرفه محمد بن علي بن الحسين بنفسه اتجه إليه، وفتح زراريه، وجعل يده بين ثدييه، وذلك لتأنيسه لاسيما وهو شاب صغير، وفيه توقير له، ثم هذا الذي فعله جابر رضي الله عنه فيه بيان عظيم قدر منزلة محمد بن علي بن الحسين رحمة الله عليه، ومما يوضح هذا أن الخليفتين الراشدين أبا بكر و عمر رضي الله تعالى عنهما جاءت عنهما نصوص تدل على تعظيم أهل البيت، وعلى بيان منزلتهم وعظيم قدرهم، فقد ذكر الإمام البخاري في صحيحه أثرين عن أبي بكر رضي الله عنه: أحدهما أن أبا بكر قال: (والله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليّ أن أصل من قرابتي)، أي: أنه يحب أن يصل قرابة محمد عليه الصلاة والسلام أعظم مما يصل به قرابته. والأثر الثاني ذكره البخاري في صحيحه عن أبي بكر رضي الله عنه قال: (ارقبوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته)، أي: راعوا وصيته في أهل بيته. أما عمر الفاروق رضي الله عنه وأرضاه فقد ذكر البخاري عنه أثراً في صحيحه: (أنه حصل جدب فخرج رضي الله عنه بالناس يستسقي، وطلب من العباس أن يدعو، وتوسل بدعاء العباس ، وقال في دعائه: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فأسقنا، قم يا عباس فادع الله). يعني: أنهم كانوا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم يتوسلون بدعائه صلى الله عليه وسلم، ولماذا اختار عمر العباس ؟ لقرابته من رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأنه عم النبي عليه الصلاة والسلام؛ ولهذا قال: (وإنا نتوسل إليك بعم نبينا)، ولم يقل: وإنا نتوسل إليك بالعباس ، مع أن عمر بن الخطاب أفضل من العباس ، فهو في الفضل بعد أبي بكر ، ولكن من أجل قرابة العباس من رسول الله عليه الصلاة والسلام خصه بهذا التقديم وميزه على غيره. أما الأثر الثاني عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فذكره الحافظ ابن كثير في تفسيره عند قول الله عز وجل: قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [الشورى:23] في سورة الشورى وهي مكية، قال: إن عمر رضي الله عنه قال للعباس : (إن إسلامك يوم أسلمت أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على إسلامك)، فهو يحب أن يسلم العباس لحرص النبي صلى الله عليه وسلم على إسلامه. وقد ذكر ابن كثير عند تفسير هذه الآية هذه الآثار الأربعة كلها عن أبي بكر و عمر ؛ مبيناً أن هذه الآية ليس المقصود بها أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم الذين هم قرابته، وفي مقدمتهم علي و فاطمة و الحسن و الحسين رضي الله تعالى عن الجميع، وقد نقل ابن كثير أثراً عن ابن عباس ذكره البخاري في صحيحه، وفيه: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لكفار قريش وهو بمكة: (إن بيني وبينكم قرابة، وإذا لم تقوموا بنصرتي وتأييدي فلا أقل من أن تتركوني أبلغ رسالة ربي لما بيني وبينكم من القرابة). فقوله: قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [الشورى:23] يعني: أجر ما بيني وبينكم من القرابة أن تتركوني أبلغ رسالة ربي إذا لم تتقبلوا أنتم دعوتي، وهذا من جنس ما جاء في الآية: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ [النساء:1] فالإنسان القريب عندما يأتي إلى قريبه يقول له: للصلة التي بيني وبينك حقق لي كذا، أو لما بيني وبينك من قرابة ساعدني على كذا. هذا الأثر الصحيح الذي أورده البخاري في صحيحه عن ابن عباس يبين المراد بالآية، وأن المقصود بها كفار قريش، وليس المقصود بها علياً و فاطمة ونسلهما رضي الله تعالى عنهم، فإن زواج علي بفاطمة ووجود النسل إنما كان ذلك بالمدينة، والآية مكية؛ ولهذا جاء تفسيرها عن ابن عباس وهو حبر الأمة وترجمان القرآن رضي الله عنه وأرضاه بهذا المعنى الذي يتفق مع كونها مكية. وعلى هذا فإن هذا الذي حصل من جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما من توقير محمد بن علي بن الحسين رحمة الله عليه دال على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من توقير أهل البيت وإنزالهم منازلهم، وقد عرفنا من الآثار التي ذكرتها أن مقدمة الصحابة وخير الصحابة وأفضلهمأبا بكر و عمر رضي الله عنهما كانا يعظمان أهل البيت. مشروعية الترحيب بالقادم وكونه بعد السلام قوله: (قال: مرحباً بك وأهلاً يا ابن أخي). هذا فيه دليل على استعمال مثل هذه الألفاظ في الترحيب بالقادم ومن يرحب به، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عندما جاءه وفد عبد القيس قال لهم: (مرحباً)، وجاء ذلك أيضاً في مواضع عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يقول: مرحباً، وهذا إنما يكون بعد السلام، ليس كما يفعله بعض الناس الذين يتركون السلام ويقولون: مرحباً، أو مساء الخير وما إلى ذلك ويتركون السنة، بل السلام هو أول شيء، وإذا حصل السلام ورد السلام يأتي بعده الترحيب، ويأتي بعد ذلك الألفاظ التي يكرم بها الإنسان. قوله: (سل عما شئت). يعني: يسأله عما شاء. الأحكام المستنبطة من قوله (فسألته وهو أعمى فجاء وقت الصلاة..) قوله: [ (فسألته وهو أعمى، فجاء وقت الصلاة فقام في نساجة ملتحفاً بها -يعني: ثوباً ملفقاً- كلما وضعها على منكبيه رجع طرفاها إليه من صغرها، فصلى بنا ورداؤه إلى جنبه على المشجب) ]. لما جاء وقت الصلاة قام جابر وصلى بهم، وهذا دليل على أن صاحب البيت وصاحب المنزل أولى من غيره بالإمامة، ويدل أيضاً على جواز إمامة الأعمى، ويدل أيضاً على أن الإنسان له أن يصلي بالثوب الواحد إذا كان كافياً وساتراً ولو كان عنده غيره؛ لأنه استعمل هذه النساجة التي هي ملفقة، وعندما جعلها على منكبيه وسحبها من جهة تحركت إلى الجهة الأخرى لصغرها، مع أن معه ثوباً معلقاً على المشجب، وكان بإمكانه أن يضيف ذلك الثوب الذي على المشجب إليه، فدلنا هذا على كفاية الثوب الواحد حيث يكون ساتراً ولو كان معه غيره من الثياب ويمكن أن تضاف إليه. والمشجب: هو أعواد كانوا يحزمونها وتكون أطرافها بارزة من فوق يعلقون عليها الثياب؛ ولهذا يقولون: فلان كالمشجب، من أين أتيته وجدته. أيضاً هذا ما أن جابراً فتح الأزرار يدل على أن الثياب يكون لها زر، وأن الثياب تتخذ فيها الأزرة بحيث تكون مفتوحة الصدور، وقد جاء في بعض الأحاديث: (أن النبي عليه الصلاة والسلام جاءه وفد وكان إزراره محلولاً)، وبعض الشباب يتعلقون بهذا الحديث فيفتحون أزرتهم باستمرار، وهذا ليس بصحيح؛ لأن هذه الهيئة الخاصة والحالة الخاصة التي وجدت منه صلى الله عليه وسلم في حالة من الحالات ربما كانت في غرض من الأغراض، كتبرد أو نسيان زر من الأزرار أو ما إلى ذلك، أما أن تكون الأزرار موجودة ثم يترك الصدر مكشوفاً دون أن يزر فما فائدة الأزرار إذن؟! ولهذا كان مع محمد بن علي رحمة الله عليه هذان الزراران، وقد فكهما جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما وأدخل يده وجعلها بين ثدييه، وذلك تأنيساً له لكونه شاباً صبياً رحمة الله عليه. قوله: [ (فقلت: أخبرني عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. هذا السؤال من محمد بن علي بن الحسين رحمة الله عليه وجابر رضي الله عنه هو الذي طلب منه أن يسأل، وقدمه على غيره لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. حج النبي صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة قوله: [ (فقال بيده فعقد تسعاً) ]. كان العقد باليد عند العرب مشهور، وله هيئات تدل على الأعداد، فقد يقبض أصبعاً أو أصبعين، ويرفع أصبعاً أو أصبعين، وكل هيئة تدل على رقم معين، فعقد تسعاً. قوله: [ (ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج) ] يعني: مضى عليه تسعة أعوام في المدينة ولم يحج إلا في السنة العاشرة، وسبق أن عرفنا أن العلماء اختلفوا في فرض الحج متى كان؟ فمنهم من قال: في السنة السادسة، ومنهم من قال قبل ذلك، ومنهم من قال: إنما كان في السنة التاسعة؛ ولهذا أرسل النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر ليحج بالناس في السنة التاسعة، وينادي: (ألا يحج بعد العام مشرك، وألا يطوف بالبيت عريان) حتى إذا جاءت السنة التي حج فيها الرسول صلى الله عليه وسلم وإذا هذه الهيئات والصفات السيئة التي اعتادها بعض الناس قد قضي عليها وقد انتهي منها، فالكفار منعوا من الحج فلم يحجوا بعد ذلك العام، وكذلك العراة منعوا من العري، وأنه لا يطوف بالبيت عريان كما كان بعض الجاهليين يطوفون عراة، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يبلغ الناس ذلك. إعلام الناس في السنة العاشرة بحج النبي صلى الله عليه وسلم قوله: [ (ثم أذن في الناس في العاشرة) ]. يعني: في السنة العاشرة. قوله: [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج) ] إما أذن هو وأخبر بنفسه، أو أذن غيره بأمره، وإنما حصل الإخبار بحجه صلى الله عليه وسلم حتى يأتي الناس ليصحبوه في حجه ويتلقوا عنه الحج، ويعرفوا كيف يحجون وما هي صفة الحج، وحتى يتلقوا منه صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً؛ ولهذا قال عليه الصلاة و السلام: (خذوا عني مناسككم، فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا) فأعلن في الناس أنه حاج، فتوافد الناس على المدينة يريدون أن يصحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في رحلته إلى الحج. قوله: [ (فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ويعمل بمثل عمله) ]. يعني: بعدما أُعلن بأن النبي صلى الله عليه وسلم حاج، توافد إلى المدينة أعداد كبيرة من الناس؛ كل يريد أن يأتم برسول الله عليه الصلاة والسلام ويقتدي به في الحج، ويسير على نهجه، وينظر إلى حركاته وسكناته وأقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم، فيقتدي به، وهو نفسه عليه الصلاة و السلام حث بقوله: (خذوا عني مناسككم، فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا) صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. مكث النبي صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة يوماً وليلة بعد خروجه من المدينة للحج قوله: [ (فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة) ]. أخبر جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة، وكان خروجه بعد صلاة الظهر في هذا المسجد المبارك، صلى بالناس الظهر أربعاً، ثم خرج إلى ذي الحليفة وصلى فيها العصر ركعتين، ثم صلى فيها المغرب والعشاء والفجر والظهر، فيكون صلى فيها خمس صلوات، وجلس يوماً وليلة، ولعل جلوسه صلى الله عليه وسلم في ذلك المكان حتى يتوافد الناس إليه، وحتى يكونوا على علم بصفة حجه من بدايته؛ لأن الحج يبدأ من الميقات حيث يكون الإحرام منه. إذاً: مكثه صلى الله عليه وسلم يوماً وليلة في ذي الحليفة ليتوافد الناس إليه، وليكونوا معه من أول عمل من أعمال الحج، ومن حين إهلاله بالحج، فيقتدوا به ويأتسوا به صلى الله عليه وسلم، فصلى العصر بذي الحليفة ركعتين، وهذا يدلنا على أن المسافر إذا خرج من البلد وتجاوزها فإنه يبدأ بأحكام السفر ورخصه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج وقصر العصر في ذي الحليفة، ولا يلزم أن يسير المسافر مسافة طويلة جداً حتى يترخص برخص السفر، ولكنه إذا خرج وبدأ بالسفر بدأ بالترخص؛ ولهذا بدأ عليه الصلاة والسلام القصر بذي الحليفة في صلاة العصر، حيث صلى بالمدينة الظهر أربعاً، وصلى بذي الحليفة العصر ركعتين، ولكن إذا امتدت المدينة ودخل ذو الحليفة في البنيان واتصل العمران فإنه لا يجوز أن يقصر في ذي الحليفة؛ لأنها عند ذلك تكون من المدينة، وقد انتشر البنيان الآن وكاد أن يتصل بذي الحليفة، فإذا اتصل فإن ذا الحليفة تكون من جملة المدينة وليس من أطرافها، ولا يجوز القصر فيه، وإنما يقصر إذا تجاوز العمران نهائياً، عند ذلك يبدأ بالترخص؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قصر في ذي الحليفة؛ لأنه كان خارج المدينة، وبينه وبين المدينة مسافة قريبة من عشرة كيلو متر.
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجتك وعمرتك) قوله: [ حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن ]. الربيع بن سليمان المؤذن ثقة، أخرج له أصحاب السنن. [ أخبرني الشافعي ]. هو محمد بن إدريس الشافعي الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن. [ عن ابن عيينة ]. ابن عيينة مر ذكره. [ عن ابن أبي نجيح ]. هو عبد الله بن أبي نجيح وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء ]. هو عطاء بن أبي رباح المكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عائشة ]. وقد مر ذكرها. ذكر اختلاف سفيان في رفع الحديث ووقفه قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال الشافعي : كان سفيان ربما قال: عن عطاء عن عائشة ، وربما قال: عن عطاء أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعائشة رضي الله عنها ]. ذكر الشافعي أن سفيان بن عيينة شيخه ربما قال: عن عطاء عن عائشة ، فيكون مرفوعاً، وربما قال: عن عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة ، فيكون من قبيل المرسل؛ لأن عطاء تابعي لم يشهد ما حصل لعائشة وإنما شهده الصحابة. إذاً: على القول الأول يكون مرفوعاً متصلاً وليس فيه انقطاع، وعلى القول الثاني فيه انقطاع. ولكن أقول: إن الحديث ثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام. ما جاء في الملتزم شرح حديث استلام الملتزم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الملتزم. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير بن عبد الحميد عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن عبد الرحمن بن صفوان قال: (لما فتح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة قلت: لألبسن ثيابي -وكانت داري على الطريق- فلأنظرن كيف يصنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فانطلقت فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد خرج من الكعبة هو وأصحابه، وقد استلموا البيت من الباب إلى الحطيم، وقد وضعوا خدودهم على البيت ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسطهم) ]. قوله: [ باب الملتزم ]. الملتزم: هو المكان الذي يقع بين باب الكعبة والحجر الأسود هذا يقال له: الملتزم، وقال عنه هنا: الحطيم، يعني: الحجر الأسود، والحطيم يطلق ويراد به الحجر، وقيل: إنه يراد به الحجر الذي من جهة الشام الذي فيه الركنان الشاميان، وما يقوله بعض الناس أنه حجر إسماعيل فهذا لا أساس له، وليس حجراً لإسماعيل؛ لأن إبراهيم وابنه إسماعيل لما بنيا الكعبة لم يكن هناك حجر، وإنما كانت الكعبة كلها مبنية والحجر داخل فيها، لكن لما بنتها قريش قصرت بهم النفقة فلم يبنوها كاملة، بل تركوا جزءاً من جهة الشام هو هذا الحجر، ولهذا لا يطاف من داخل الحجر وإنما يطاف من وراء الجدار الدائري؛ لأن الإنسان لو طاف من داخل الحجر طاف ببعض الكعبة ولم يطف بكل الكعبة، والطواف لابد أن يكون بكل الكعبة. ومن العلماء من يقول: إن الحطيم هو من الحجر إلى الحجر وإلى المقام هذه المنطقة يقال لها: الحطيم، لكن الذي ورد في الحديث أن الحطيم يراد به الحجر؛ لأن الملتزم يقع بين الحجر الأسود وبين باب الكعبة، والالتزام هو كون الإنسان يأتي ويلصق نفسه بالملتزم ويضع خده ويديه على تلك المنطقة، وقد ورد فيه حديثان فيهما ضعف، في أحدهما يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف، وفي الثاني المثنى بن الصباح وهو ضعيف، والشيخ الألباني رحمه الله ضعف الأحاديث التي وردت في هذا الباب كلها، ولكنه ذكر في المنسك أن للإنسان أن يأتي الملتزم ويضع خده عليه على الصفة التي تحصل في الملتزم، وقال: إن الحديثين يحصل تقويتهما، والحقيقة أن الرجلين اللذين فيهما ضعيفان. وهناك شخص آخر متابع وهو علي بن عاصم وهو أحسن منهما، حيث قال فيه الحافظ في التقريب: صدوق يخطئ، وأما أولئك فقد قال عن كل واحد منهما: ضعيف. وأحال الشيخ الألباني إلى السلسلة الصحيحة رقم (2138) وذكر هذين الحديثين وذكر المتابعة التي من علي بن عاصم ، وذكر آثاراً عن بعض الصحابة ثابتة عنهم في الإتيان إلى الملتزم. وعلي بن عاصم لم يأت ذكره هنا في الأسانيد التي أوردها أبو داود ، لكن كونه جاء عن بعض الصحابة وثبت ذلك عنهم يمكن أن يكون له وجه، ولكن كما هو معلوم المنطقة الآن هي بجوار الحجر وذاك محل زحام، والقضية ليست قضية الاستلام، فالاستلام أمره سهل فيمكن للمرء أن يقبله أو يلمسه، ولكن المشكلة هذا الالتصاق الذي يكون فيه تزاحم، فإذا فعل الإنسان ذلك لكونه جاء عن بعض الصحابة فهذا له وجه، وإن تركه فإنه لا يترتب عليه ترك شيء واجب. قوله: [ (لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قلت: لألبسن ثيابي -وكانت داري على الطريق- فلأنظرن كيف يصنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فانطلقت فرأيت النبي صلى الله عليه آله وسلم قد خرج من الكعبة هو وأصحابه، وقد استلموا البيت من الباب إلى الحطيم، وقد وضعوا خدودهم على البيت ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسطهم) ]. هذا فيه وصف الالتزام، وفيه بيان مكان الملتزم وأنه بين الباب والحطيم الذي هو الحجر الأسود. وكون الرسول صلى الله عليه وسلم كان وسطهم يحتمل أن يكون ملتزماً، ويحتمل أن يكون وسطهم وهو غير ملتزم، وقال بعض أهل العلم: كان النبي صلى الله عليه وسلم وسط الجماعة الذين كانوا في هذه المنطقة. لكن كونهم يفعلونه وهو يقرهم فهو دليل على جوازه وإن لم يفعله صلى الله عليه وسلم، ولكن الشأن في الثبوت؛ لأن فيه يزيد بن أبي زياد الضعيف الذي مر ذكره في مواضع عديدة في أحاديث متعددة، وضعف الحديث بسببه. تراجم رجال إسناد حديث استلام الملتزم قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود ، و النسائي في عمل اليوم والليلة، و ابن ماجه . [حدثنا جرير بن عبد الحميد ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن أبي زياد ]. يزيد بن أبي زياد ضعيف، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن . [ عن مجاهد ]. هو مجاهد بن جبر المكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن صفوان ]. عبد الرحمن بن صفوان مختلف في صحبته، أخرج له أبو داود وابن ماجه ، قال عنه الحافظ : يقال: له صحبة، وقال البخاري : لا يصح . وعلى هذا يكون الحديث مرسلاً، لكن فيه التنصيص على أنه كان معهم وأنه رآهم، ولكن كون الإسناد فيه يزيد بن أبي زياد فيكون فيه شيء، وكذلك فيه علة ثانية من جهة أن الصحبة فيها إشكال، وإن كان الحديث نفسه فيه تنصيص على أنه صحابي، لكن الشأن في ثبوت هذا الكلام. شرح حديث استلام الملتزم من طريق ثانية وتراجم رجال الإسناد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس حدثنا المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال: (طفت مع عبد الله فلما جئنا دبر الكعبة قلت: ألا تتعوذ؟ قال: نعوذ بالله من النار، ثم مضى حتى استلم الحجر، وأقام بين الركن والباب فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا، وبسطهما بسطاً، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفعله) ]. هذا الحديث في إسناده المثنى بن الصباح وهو ضعيف. ودبر الكعبة هي الجهة التي خلف الباب. قوله: [حدثنا مسدد ]. مسدد مر ذكره . [ حدثنا عيسى بن يونس ]. مر ذكره. [حدثنا المثنى بن الصباح ]. المثنى بن الصباح ضعيف، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجه . [ عن عمرو بن شعيب ]. هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وهو صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو شعيب بن محمد ، وهو صدوق أيضاً، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [قال: طفت مع عبد الله ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. شرح حديث ابن عباس أنه كان يصلي في الملتزم حيث صلى النبي صلى الله عليه وسلم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا السائب بن عمر المخزومي حدثني محمد بن عبد الله بن السائب عن أبيه رضي الله عنه: (أنه كان يقود ابن عباس فيقيمه عند الشقة الثالثة مما يلي الركن الذي يلي الحجر مما يلي الباب، فيقول له ابن عباس : أنبئت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي هاهنا؟ فيقول: نعم، فيقوم فيصلي) ]. كان عبد الله بن السائب رضي الله عنه يقود ابن عباس لما عمي، وكان يفيء إلى ذلك المكان ويقول له: [ (أنبئت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي هاهنا؟ فيقول: نعم، فيقوم فيصلي) ] أي: كان ابن عباس يقوم فيصلي، ويحتمل أن يكون المقصود الصلاة التي هي ذات الركعات، ويحتمل أن يكون المقصود الدعاء، والحديث ليس فيه ذكر الالتزام، لكن فيه هذا العمل في هذه المنطقة التي هي منطقة الملتزم. قوله: [ عند الشقة الثالثة مما يلي الركن الذي يلي الحجر مما يلي الباب ]. الشقة الثالثة هي بين الباب والحجر. تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس أنه كان يصلي في الملتزم حيث صلى النبي صلى الله عليه وسلم قوله: [حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة ]. هو عبيد الله بن عمر بن ميسرة القواريري وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا السائب بن عمر المخزومي ]. السائب بن عمر المخزومي ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و أبو داود و النسائي . [ حدثني محمد بن عبد الله بن السائب ]. محمد بن عبد الله بن السائب مجهول، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن أبيه ]. أبوه هو عبد الله بن السائب رضي الله عنه، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. أمر الصفا والمروة شرح حديث سبب نزول قوله تعالى: (إن الصفا والمروة من شعائر الله) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب أمر الصفا والمروة. حدثنا القعنبي عن مالك عن هشام بن عروة (ح) وحدثنا ابن السرح حدثنا ابن وهب عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه قال: (قلت لعائشة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنا يومئذ حديث السن: أرأيت قول الله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158] فما أرى على أحد شيئاً ألا يطوف بهما، قالت عائشة : كلا، لو كان كما تقول كانت ( فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَلَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا ) إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار، كانوا يهلون لمناة وكانت مناة، حذو قديد، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة، فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك، فأنزل الله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158]) ]. قوله: [ باب أمر الصفا والمروة ]. يعني: شأن الصفا والمروة وما ورد في الصفا والمروة من الشعائر وهي السعي بينهما، والسعي بين الصفا والمروة ركن عند جمهور العلماء، وبعض أهل العلم قال: إنه واجب يجبر بدم، ولكن جمهور أهل العلم على أنه ركن وأنه لا يجبر بدم، وأنه على الإنسان إذا لم يأت به أن يرجع إلى مكة ليأتي به، كالشأن في طواف الإفاضة أو طواف العمرة. فقول أبي داود رحمه الله: [ باب أمر الصفا والمروة ] يعني: ما يتعلق بهما وما يتعلق بشأنهما. وحديث عائشة رضي الله عنها فيه أن عروة بن الزبير الذي هو ابن أختها فهم أنه لا حرج على من لم يطف بين الصفا والمروة، واستدل بقوله تعالى: فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة:158]. واعتذر رحمه الله لنفسه بكونه كان حديث السن، وتبين في النهاية أنه مخطئ في فهمه للآية، وأن المقصود أن الإنسان لا يترك السعي بين الصفا والمروة، فقالت عائشة : كلا، لو كان كما تقول لكانت: (فلا جناح عليه ألا يطوف بهما). إذاً: عروة رحمه الله اعتذر عن نفسه بكونه حديث السن، وهذا يدل على أن حدثاء الأسنان يحصل منهم أمور وأخطاء لا تنبغي؛ بسبب سوء الفهم، ولكن الكبار هم الذين يرجع إليهم ويعول على كلامهم، كما حصل من عائشة رضي الله عنها وأرضاها حيث بينت له أن الأمر ليس كما يفهم ولو كان الأمر كذلك لكانت الآية: (فلا جناح عليه ألا يطوف بهما)، ثم بينت له سبب نزول الآية، وأن الأنصار الذين هم أهل المدينة من الأوس والخزرج كانوا يعبدون صنماً يقال له: مناة التي جاء ذكرها في القرآن، وكانت عند قديد، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا أو يسعوا بين الصفا والمروة، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية: فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة:158] يعني: هذا الشيء الذي كانوا يعتقدونه في الجاهلية ويتحرجون منه في الإسلام، فقد جاء الإسلام بإذهاب هذا الشيء الذي كانوا يتحرجون منه، وأنه لا حرج أن يطوفوا بهما. إذاً: السعي بين الصفا والمروة جاءت الأحاديث فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي تدل على أنه واجب بل إنه فرض، ولهذا قال جمهور أهل العلم بفرضه وأنه ركن من أركان العمرة وركن من أركان الحج، لا يتم الحج إلا به ولا تتم العمرة إلا به. إن معرفة سبب النزول يعين على فهم المعنى، فعروة رحمه الله لما عرف من عائشة رضي الله عنها وأرضاها أن الأنصار كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية ويتحرجون بعد الإسلام، فجاء الإسلام بأنه لا حرج وأن الإنسان عليه أن يفعل ذلك الشيء، فهم معنى الآية فهماً صحيحاً. تراجم رجال إسناد حديث سبب نزول قوله تعالى: (إن الصفا والمروة من شعائر الله) قوله: [حدثنا القعنبي عن مالك عن هشام بن عروة ]. هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ (ح) وحدثنا ابن السرح حدثنا ابن وهب ]. ابن السرح مر ذكره، و ابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبيه قال: قلت لعائشة ]. عروة وعائشة قد مر ذكرهما. شرح حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر فطاف بالبيت وصلى خلف المقام ركعتين ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا خالد بن عبد الله حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن عبد الله بن أبي أوفى : (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اعتمر فطاف بالبيت وصلى خلف المقام ركعتين ومعه من يستره من الناس، فقيل لعبد الله رضي الله عنه: أدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة؟ قال: لا) ]. قوله: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر فطاف بالبيت وصلى خلف المقام ركعتين) ]. قيل: إن هذه العمرة هي عمرة القضاء. قوله: [ (أدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة؟ قال: لا) ] قيل: إن السبب في ذلك: أن الكعبة كان فيها الأصنام وكان ذلك قبل الفتح؛ لأن عمرة القضاء في السنة السابعة، أو أن دخولها لم يدخل في الشرط الذي بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش، وكان بينهم أنهم يأتون ويجلسون ثلاثة أيام ثم بعد ذلك يرجعون، فلم يدخل الكعبة في ذلك الوقت، ولكنه دخلها عام الفتح بعدما كسرت الأصنام التي فيها. قوله: [ (ومعه من يستره من الناس) ] يعني: كان في أناس من أصحابه يسترونه من غشيان الناس له حماية له. وهذا الحديث ليس فيه ذكر الصفا والمروة. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر فطاف بالبيت وصلى خلف المقام ركعتين ...) قوله: [حدثنا مسدد حدثنا خالد بن عبد الله ]. هو خالد بن عبد الله الواسطي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ]. إسماعيل بن أبي خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن أبي أوفى ]. عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (ثم أتى الصفا والمروة فسعى بينهما سبعاً ثم حلق رأسه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا تميم بن المنتصر أخبرنا إسحاق بن يوسف أخبرنا شريك عن إسماعيل بن أبي خالد قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه بهذا الحديث زاد: (ثم أتى الصفا والمروة فسعى بينهما سبعاً ثم حلق رأسه) ]. هذا حديث عبد الله بن أبي أوفى من طريق أخرى وفيه زيادة: [ (أنه أتى الصفا والمروة فسعى بينهما) ] وهذا هو محل الشاهد في الترجمة، يعني في أمر الصفا والمروة. قوله: [ (ثم حلق رأسه) ] هذا في عمرة القضاء، وقد سبق أن معاوية رضي الله عنه قصر للنبي صلى الله عليه وسلم عند المروة، وسبق أن الذي يناسب أن تكون تلك عمرة الجعرانة؛ لأنها هي التي كانت بعد الفتح، و معاوية رضي الله عنه أسلم عام الفتح، أما في عمرة القضاء فلم يكن معاوية قد أسلم، وهنا ذكر أنه حلق، فاحتمال الحلق ظاهر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحث على الحلق ويفضله على التقصير، وكان يقول: (رحم الله المحلقين، رحم الله المحلقين، رحم الله المحلقين، قالوا: والمقصرين، قال والمقصرين) فالحلق أفضل من التقصير؛ لأن الإنسان الذي يقصر يبقي شيء من شعره، وقد يكون بعض الناس يرغب في الشعر فيقصر بعضه ويحتفظ بالباقي لتحقيق رغبته، لكن من يزيله لله عز وجل ويحلقه حلقاً يكون أفضل، والنبي صلى الله عليه وسلم دعا للمحلقين ثلاث مرات أما المقصرين فمرة واحدة. فيحتمل أن يكون ذلك في عمرة القضية وأنه حلق؛ لأنه مطابق لما كان معروفاً عنه عليه الصلاة والسلام أنه حلق في حجته وحلق في الحديبية، وعمرة الجعرانة قصر له معاوية، وعمرة القضية الذي يغلب على الظن أن الذي حصل فيها هو الحلق. قال الألباني رحمه الله: إن الحديث صحيح بدون ذكر الحلق، لأن في الإسناد شريكاً القاضي وهو صدوق يخطئ كثيراً، لكن الأقرب إلى فعله صلى الله عليه وسلم هو الحلق؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يحث عليه ويرغب فيه، ودعا للمحلقين ثلاث مرات أما المقصرين فمرة واحدة؛ لأن الحلق أكمل وأبلغ في ترك الشيء من أجل الله وقربة إلى الله عز وجل. تراجم رجال إسناد حديث: (ثم أتى الصفا والمروة فسعى بينهما سبعاً ثم حلق رأسه) قوله: [ حدثنا تميم بن المنتصر ]. تميم بن المنتصر ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجه . [ أخبرنا إسحاق بن يوسف ]. هو إسحاق بن يوسف الأزرق وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا شريك ]. هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي وهو صدوق يخطئ كثيراً وتغير حفظه لما ولي القضاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن إسماعيل بن أبي خالد قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى ]. إسماعيل بن أبي خالد وابن أبي أوفى قد مر ذكرهما. شرح حديث: (إني أراك تمشي والناس يسعون ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا النفيلي حدثنا زهير حدثنا عطاء بن السائب عن كثير بن جمهان : (أن رجلاً قال لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما بين الصفا والمروة: يا أبا عبد الرحمن ! إني أراك تمشي والناس يسعون، قال: إن أمش فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمشي، وإن أسع فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسعى، وأنا شيخ كبير) ]. قوله: [ (إن أمش فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي، وإن أسع فقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسعى وأنا شيخ كبير) ] يعني: أن عدم سعيه كان بسبب الكبر والشيخوخة، ومعلوم للإنسان أن يمشي بين الصفا والمروة إلا عند المكان الذي فيه خطان أخضران يدلان على ذلك الموقع فإنه يسعى فيه ويسرع؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يسرع فيه، وما سوى ذلك فإنه كان يمشي عليه الصلاة والسلام. ولعل ابن عمر رضي الله تعالى عنهما لكونه شيخاً كبيراً لم يتمكن من أن يسعى في المنطقة التي فيها السعي، واعتذر بأن الرسول صلى الله عليه وسلم وجد منه السعي ووجد منه المشي، والمشي في غير مكان السعي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سعى في بطن الوادي، وكذلك أصحابه سعوا معه، واعتذر ابن عمر بكونه شيخاً كبيراً، وهذا يدل على أن الأمر في ذلك واسع، وأن الإنسان إذا كان عليه مشقة فإن السعي ليس بلازم الذي هو الإسراع في جزء من المسعى، وهو بين العلمين الأخضرين، وقد كان في الأول في بطن الوادي. تراجم رجال إسناد حديث: (إني أراك تمشي والناس يسعون ...) قوله: [ حدثنا النفيلي ]. هو عبد الله بن محمد النفيلي وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن . [ حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عطاء بن السائب ]. عطاء بن السائب صدوق اختلط، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن، ولكن زهيراً ممن روى عنه قبل الاختلاط، وهو أحد الأشخاص الذين سماعهم منه صحيح. [ عن كثير بن جمهان ]. كثير بن جمهان مقبول، أخرج له أصحاب السنن. [ أن رجلاً قال لعبد الله بن عمر ] عبد الله بن عمر مر ذكره. الأسئلة حكم طواف التطوع عن الميت السؤال: ما حكم طواف التطوع عن الميت؟ الجواب: لا أعلم شيئاً يدل عليه، الذي ورد هو أن الإنسان يحج عن غيره ويعتمر عن غيره، أما مسألة التطوع بالطواف وحده فلا أعلم شيئاً يدل عليه، وبعض أهل العلم يجيز ذلك بناء على أن أي قربة فعلها وجعل ثوابها لميت مسلم نفعه ذلك، لكن الأولى والأظهر في هذا أن يوقف عندما جاءت به الأدلة، وقد جاءت الأدلة بأنه يعتمر عنه ويحج، وجاءت أنه يتصدق عنه، وجاءت أنه إذا كان عليه صيام يصوم عنه وليه وهكذا. حكم الطواف بالبيت أثناء خطبة الجمعة السؤال: هل يطاف بالبيت أثناء خطبة الجمعة؟ الجواب: خطبة الجمعة كما هو معلوم هي تابعة لصلاة الجمعة، والاستماع إليها مطلوب، والإنسان لا يشتغل بشيء أثناء الخطبة وإنما عليه أن يسمع ويتهيأ للصلاة، فلا يطاف في حال الخطبة. حكم الدعاء الجماعي في الطواف والسعي السؤال: ما حكم الدعاء الجماعي في الطواف والسعي؟ الجواب: لا نعلم له دليلاً، ثم أيضاً هذه الأدعية التي يأتي بها الناس يكررونها ولا يفهمون معناها؛ لأنهم يأتون بالكلام مفككاً ومقطعاً، بحيث يقطعون الكلمة عن التي تليها فيختل المعنى، ولكن ينبغي للإنسان أن يدعو بما عنده من الأدعية؛ لأنه ليس هناك دعاء للشوط الأول، ودعاء للشوط الثاني إلى آخر الأشواط، بل للإنسان أن يقرأ ما يحفظ من القرآن ويذكر الله عز وجل ويكبر الله ويهلله، ويدعو بالأدعية التي كان يدعو بها في صلاته وفي جميع أحواله، ولا يحتاج إلى هذا الذي يفعله بعض الناس من كونه يطوف بهم ويدعو بدعاء في الشوط الأول والشوط الثاني والثالث والرابع والخامس فالسادس فالسابع وهكذا، فهو شيء لا أساس له. حكم الرمل للنساء السؤال: ما حكم الرمل بالنسبة للنساء؟ الجواب: ليس على النساء رمل؛ لأن هذا من شأن الرجال وليس من شأن النساء. وجه جعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الجعرانة ميقاتاً لهم السؤال: ما معنى قول ابن عباس : (اعتمروا من الجعرانة فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه جعلوها ميقاتاً لهم)؟ الجواب: لم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه الجعرانة ميقاتاً لهم، ولكنهم عندما رجعوا من حنين طرأت لهم العمرة في ذلك المكان أي الجعرانة، وليست بميقات لهم وهي على حدود الحرم، بل من أبعد الأماكن عن الحرم، بخلاف التنعيم فهو أقرب الحل للحرم، لكن ليس معنى ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم منها على أنها ميقات، بل كما هو معلوم أن الإنسان إذا جاء من خارج المواقيت وطرأت عليه العمرة فإنه يحرم من حيث أنشأ، وأما إذا مر بميقات فإنه يحرم من الميقات، فمثلاً: لو جاء من المدينة ولم يرد لعمرة، فلما وصل إلى وادي فاطمة طرأت عليه العمرة، فإنه يحرم من وادي فاطمة؛ لأنه المكان الذي طرأت عليه العمرة فيه. مذهب الشيخ في الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس السؤال: أُثر عنك يا شيخ أنك تقول: لا صلاة بعد العصر مطلقاً ولو كانت الشمس مرتفعة، فهل هذا صحيح؟ الجواب: لا، ما قلت هذا، هذا الذي يقوله الشيخ الألباني رحمه الله، وأنا أقول: إنه لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس) أن الإنسان لا يصلي بعد العصر حتى تغرب الشمس. حكم المرور بين يدي المصلي في المسجد الحرام السؤال: ما حكم المرور بين يدي المصلي في المسجد الحرام؟ الجواب: قال جماعة من أهل العلم: إن المسجد الحرام مكان يكثر فيه الزحام ويشق فيه عدم المرور بين يدي المصلي، لكن حتى لو قال ذلك بعض أهل العلم فالذي ينبغي أن يحرص الإنسان على أنه لا يمر بين يدي مصل إلا إذا كان مضطراً فليفعل، وإن كان في سعة فلا يمر بين يدي أحد وهو يصلي. حكم طواف الإفاضة قبل صلاة الفجر من يوم النحر السؤال: ما حكم طواف الإفاضة قبل صلاة الفجر من يوم النحر؟ الجواب: يصح؛ لأن أمهات المؤمنين حصل منهن ذلك."
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() ولادة أسماء بنت عميس في ذي الحليفة وحكم من كانت معها قوله: [ (فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر ، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أصنع؟ فقال: اغتسلي واستذفري بثوب وأحرمي) ]. ولدت أسماء رضي الله عنها بذي الحليفة، و أسماء بنت عميس هذه كانت زوجة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد استشهد في غزوة مؤتة، ثم تزوجها بعده أبو بكر رضي الله عنه، وبعد موت أبي بكر تزوجها علي، وولدت من الثلاثة، وهذا الذي ولدته في ذي الحليفة هو محمد بن أبي بكر ، ولا أدري هل ولدت له غيره أو لا؟ ولكنها ولدت من الثلاثة: من جعفر ومن أبي بكر ومن علي رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، فلما ولدت أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تسأل: كيف تصنع؟ وقد حصلت لها الولادة وحصل لها النفاس، فأمرها النبي عليه الصلاة والسلام أن تغتسل وأن تستذفر بثوب، وذلك بأن تجعل ثوباً على فرجها يمنع من نزول الدم، وأمرها أن تغتسل للإحرام، وهذا يدل على استحباب الاغتسال للإحرام، وأنه سنة حتى الحائض والنفساء يسن لهما أن يغتسلا للإحرام، وأن يحصل منهما النظافة والنزاهة لأجسامهما بهذه المناسبة. إحرام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في ذي الحليفة قوله: [ (فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، ثم ركب القصواء، حتى إذا استوت به ناقته على البيداء قال جابر : نظرت إلى مد بصري من بين يديه من راكب وماش، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن وهو يعلم تأويله، فما عمل به من شيء عملنا به) ]. يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالمسجد بذي الحليفة صلاة الظهر، ثم أحرم بعدها وانطلق في رحلته إلى الحج عليه الصلاة والسلام. إذاً: فهو صلى في ذي الحليفة خمسة أوقات: العصر والمغرب والعشاء والفجر والظهر، وبعد صلاة الظهر انطلق ومعه أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم للحج، ولما استوت ناقته على البيداء نظر جابر رضي الله عنه وإذا الناس منهم الراكب والماشي مد البصر، أمامه ويمينه وشماله وخلفه، والنبي صلى الله عليه وسلم وسطهم، وما فعله فعلوه، فهم يتابعونه ويسيرون على نهجه وعلى طريقته صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهو صلى الله عليه وسلم الذي ينزل عليه القرآن وهو الذي يعلم تأويله، ومن المعلوم أن خير ما يفسر به القرآن هو القرآن، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا فالسنة تبين القرآن وتشرحه وتوضحه وتدل عليه؛ ولهذا قال جابر رضي الله تعالى عنه: (وعليه ينزل القرآن وهو يعلم تأويله) يعني: وهو صلى الله عليه وسلم يعلم تفسيره وبيان معناه. وما عمله من شيء عمله أصحابه، ومن المعلوم أن النبي عليه الصلاة والسلام لما كان في ذي الحليفة خير الناس بين أنساك ثلاثة: خيرهم بين الإفراد، وهو أن يحرم بالحج وحده، وإذا وصل مكة طاف وسعى وبقي على إحرامه حتى يذهب إلى عرفة، ويرجع إلى مزدلفة، ثم يأتي إلى منى ويرمي الجمرة، ويحلق رأسه، ويطوف ويتحلل، وليس عليه هدي، وبين القران، وهو أن يحرم من الميقات بحج وعمرة يلبي بهما معاً، وإذا وصل مكة طاف وسعى وقصر وبقي على إحرامه حتى يأتي يوم النحر مثله مثل المفرد، وبين التمتع، وهو أن يحرم الإنسان بالعمرة من الميقات، فإذا وصل مكة طاف وسعى وقصر وتحلل، وإذا جاء اليوم الثامن أحرم بالحج، ثم أتى بالحج وأكمله، فخير عليه الصلاة والسلام الناس بين الأنساك الثلاثة، وقد كان عليه الصلاة والسلام ساق الهدي، وأحرم بالقران صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فجمع بين الحج والعمرة. إهلال النبي صلى الله عليه وسلم بالتوحيد ومعاني التلبية قوله: [ (فأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوحيد: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك) ]. أهل عليه الصلاة والسلام بالتوحيد، والتوحيد: هو إفراد الله بالعبادة، وهذه التلبية مشتملة على لا إله إلا الله، ومقتضى لا إله إلا الله أي: لا معبود بحق إلا الله؛ لأن لا إله إلا الله تشتمل على ركنين: نفي، وإثبات، نفي عام في أولها، وإثبات خاص في آخرها. وكلمة التوحيد (لا إله إلا الله) هي المفتاح للدخول في الإسلام، وهي مفتاح الجنة؛ ولهذا أول ما بعث الله تعالى الرسول صلى الله عليه وسلم كان يمشي في مكة ويقول: (يا أيها الناس! قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا) وأول شيء يدعى إليه هو التوحيد؛ ولهذا جاء في حديث معاذ بن جبل لما أرسله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال له: (إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) فأول شيء يدعى إليه هو التوحيد، الشهادة لله بالوحدانية ولنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة. فالتلبية مشتملة على التوحيد؛ لأن (لبيك) معناها: أنك يا رب! لما دعوتني لحج بيتك استجبت لدعوتك ولبيت نداءك، فلبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك. فالتلبية هي بمعنى لا إله إلا الله؛ لأن (لبيك اللهم لبيك) هي بمعنى (إلا الله)، و(لا شريك لك) بمعنى (لا إله)؛ ولهذا قال جابر رضي الله عنه: [ (فأهل بالتوحيد) ] يعني: أهل بإعلان إخلاص العبادة لله عز وجل؛ ولهذا كل عمل من الأعمال لا ينفع صاحبه عند الله إلا إذا توافر فيه أمران: الإخلاص لله وحده، والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم. فإذا فقد الشرطان أو أحدهما، فإن العمل لاغ ومردود على صاحبه، فمن فقد الإخلاص في العمل، وإن كان العمل على طبق السنة، مادام أن فيه رياء وصُرِفَ العمل لغير الله؛ فإنه يكون مردوداً على صاحبه؛ ولهذا يقول الله عز وجل: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23] يعني: كل عمل يعمله الكفار من الأعمال الطيبة التي فيها خير وفيها بر ومصلحة وفائدة وإحسان مردودة عليهم ولا تنفعهم عند الله عز وجل؛ لأنها لم تبن على التوحيد، ومن شرط العمل المقبول عند الله أن يكون خالصاً لوجه الله، هذا هو الشرط الأول. الشرط الثاني: أن يكون مطابقاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذان الشرطان هما مقتضى الشهادتين، مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله، ومقتضى شهادة أن محمداً رسول الله عليه الصلاة والسلام. إذاً: إنما يعبد الله طبقاً لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا فقد الإخلاص رد العمل وكان حابطاً، وإن وجد الإخلاص وكان مبنياً على بدعة ومبنياً على محدثات الأمور، فإنه أيضاً يكون مردوداً على صاحبه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وقال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، وقال: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) فرغب في اتباع السنة، ورهب من اتباع المحدثات التي هي البدع المنكرة؛ ولهذا فإن العمل ولو كان خالصاً لله لابد أن يكون مطابقاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قد يقول بعض الناس: إن الإنسان قد يأتي بعمل صالح يتقرب به إلى الله مع أنه لم يأت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن قصد الإنسان حسن، فهل يشفع له حسن قصده؟ وهل يكون عمله مقبولاً عند الله، مع أنه ليس مبنياً على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ الأمر كما قال عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: مردود عليه. ومما يدل على أن حسن القصد لا يكفي: أن النبي عليه الصلاة والسلام لما ذبح أحد أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم أضحيته قبل صلاة العيد، يريد من وراء ذلك أن يطبخ اللحم، حتى إذا جاء الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المصلى وهم بحاجة إلى اللحم يقدم لهم لحم أضحيته، فهذا قصد حسن وقصد طيب، لكن ماذا قال رسول الله عليه الصلاة والسلام بعد أن علم أنه ذبحها قبل صلاة العيد؟ قال: (شاتك شاة لحم) يعني: ليست أضحية؛ لأنها ما وقعت طبقاً للسنة في الوقت المحدد، فهي مثل الشاة التي تذبح في محرم وصفر وربيع، حينما يذبح الناس الشياه ويأكلون لحمها، هذه من جنسها، والأضحية هي التي تكون بعد صلاة العيد إلى آخر أيام التشريق، أربعة أيام: يوم العيد، وثلاثة أيام بعده، هذا هو وقت ذبح الأضاحي، فلا تذبح قبل الصلاة، وإذا غابت الشمس من آخر أيام التشريق انتهى وقت الذبح، فهذا الصحابي رضي الله عنه كان قصده حسناً، ومع ذلك قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (شاتك شاة لحم) يعني: ليست أضحية. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري نقلاً عن بعض أهل العلم: وفي هذا الحديث دليل على أن العمل لا يعتبر إلا إذا وقع طبقاً للسنة، وأنه لا يكفي حسن قصد الفاعل. ومما يدل على ذلك أيضاً: أن أبا عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن أناساً يتحلقون في المسجد، ومع كل واحد منهم حصى، وفيهم واحد يقول: هللوا مائة، فيهللون مائة ويعدون بالحصى، ثم يقول: كبروا مائة، فيكبرون مائة، ثم يقول: سبحوا مائة، فيسبحون مائة، فوقف على رءوسهم أبو عبد الرحمن رضي الله عنه وأرضاه وقال: ما هذا يا هؤلاء؟! قالوا: حصى نسبح به، فقال رضي الله عنه وأرضاه: إما أن تكونوا على طريقة أهدى مما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو أنكم مفتتحو باب ضلالة، فقالوا: سبحان الله يا أبا عبد الرحمن ! ما أردنا إلا الخير، فقال رضي الله عنه: وكم من مريد للخير لم يصبه. ولهذا يقول الله عز وجل: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110]. قال بعض السلف: العمل الصالح هو الذي يكون خالصاً صواباً، فالخالص ما كان لله وحده، والصواب ما كان على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم. إذاً: الرسول صلى الله عليه وسلم أهل بالتوحيد، والتوحيد: هو إفراد الله بالعبادة، والعبادة أنواع كثيرة: فالدعاء عبادة، والذبح عبادة، والنذر عبادة، والاستعانة عبادة، والاستغاثة عبادة، والاستعاذة عبادة، والرغبة عبادة، والرهبة عبادة، والخوف عبادة، والتوكل عبادة. وتوحيد الله تعالى في ألوهيته: هو توحيد الله تعالى في أفعال العباد بحيث تكون خالصةً لله، فلا يجعلون مع الله شريكاً في عباداتهم التي يتقربون بها إلى الله، وإنما يجعلونها خالصةً لوجه الله عز وجل، فعلى هذا الذي فعله هؤلاء الذين أنكر عليهم عبد الله بن مسعود مردود عليهم مع حسن قصدهم، فكم من مريد للخير لم يصبه. وبعدما أهل بالتوحيد صلى الله عليه وسلم وأعلن إخلاص العبادة لله عز وجل والناس يسمعون، وقد رفع صوته بذلك عليه الصلاة والسلام، أثنى على الله عز وجل بما هو أهله، وأنه المستحق للعبادة؛ لأنه المنعم بكل نعمة، والمحمود على كل حال، وهو مالك الملك ذو الجلال والإكرام، فقال: [ (إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك) ] يعني: أنت المتفرد بإسداء النعم إلى كل منعَم عليه، وأنت المحمود على كل حال، وأنت مالك الملك ذو الجلال والإكرام، فلا شريك لك في الملك، ولا شريك لك في العبادة، وأنت المتفرد بالخلق والإيجاد لا شريك لك في ذلك، فكما أنه لا خالق إلا الله، ولا رازق إلا الله، ولا محيي إلا الله، ولا مميت إلا الله، فلا يعبد إلا الله، ولا تصرف العبادة إلا لله عز وجل، فلا تصرف لملك مقرب ولا لنبي مرسل، وهذا هو مقتضى لا إله إلا الله، فلا يصرف من أنواع العبادة شيء لغير الله عز وجل، فلا يدعى إلا الله، ولا ينذر إلا لله، ولا يتوكل إلا على الله، ولا يستغاث إلا بالله، ولا يذبح إلا لله، ولا يحلف إلا بالله، ولا ينذر إلا لله: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163] ، وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]. فهذه تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كان يلبي بها: [ (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك) ]. عدم إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على من كانوا يزيدون في التلبية قوله: [ (وأهل الناس بهذا الذي يهلون به، فلم يرد عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً منه، ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته) ]. من الناس من كان يزيد على هذه التلبية، كما جاء عن ابن عمر رضي الله عنه فيما مضى أنه كان يقول: (لبيك وسعديك، والخير بيديك، والرغباء إليك والعمل)، وجاء عن بعض الصحابة أنه قال: (لبيك حقاً حقاً)، وهناك ألفاظ أخرى، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يسمعهم ولا ينكر عليهم، فدل ذلك على جواز الزيادة في التلبية، ولكن الأولى الاقتصار على تلبية النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ما كان يزيد عليها شيئاً، ولكنه أقر الذين كانوا يلبون ويضيفون إلى التلبية بعض الإضافات مثل: (لبيك وسعديك، والخير بيديك، والرغباء إليك والعمل). فإن أتى الإنسان بشيء مما جاء عن السلف وعن الصحابة، فلا بأس بذلك، لكن الأولى الاقتصار على ما اقتصر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. معنى قوله: (لسنا ننوي إلا الحج لسنا نعرف العمرة) قوله: [ (قال جابر : لسنا ننوي إلا الحج، لسنا نعرف العمرة) ]. يعني: أنهم ذهبوا من أجل الحج، وأنهم كانوا لا يعرفون العمرة، ولعل المقصود من ذلك العمرة التي تفسخ القران والإفراد مع عدم سوق الهدي، وإلا فإن العمرة موجودة، والنبي صلى الله عليه وسلم كان قد اعتمر في أشهر الحج، اعتمر عمرة الحديبية في ذي القعدة، التي صده المشركون عنها، واعتمر عمرة القضية في ذي القعدة من السنة السابعة، واعتمر في السنة الثامنة عمرة الجعرانة، وكانت في ذي القعدة، واعتمر مع حجته؛ لأنه كان قارناً، وكان الدخول في الإحرام في ذي القعدة، وأداء الحج والعمرة في وقت الحج. إذاً: المقصود من قوله: (ما كنا نعرف العمرة) أنهم ما كانوا يعرفون أن من يلبي بالحج أنه سيتحول من كونه حاجاً إلى كونه معتمراً، وقد كان في الصحابة من هو محرم بالعمرة، وأمهات المؤمنين كلهن كن محرمات بالعمرة متمتعات، والنبي صلى الله عليه وسلم خير أصحابه في الميقات بين الثلاثة الأنساك: بين التمتع والقران والإفراد، وأمهات المؤمنين كلهن أحرمن بالعمرة، وكلهن أكملن العمرة إلا عائشة فقد حصل لها الحيض، وجاء الحج وهي لم تطهر، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تدخل الحج على العمرة وتكون قارنة. استلام النبي صلى الله عليه وسلم للركن وطوافه بالبيت مع الرمل في الثلاثة الأشواط الأولى قوله: [ (حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثاً، ومشى أربعاً) ]. دخل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة، ولما وصلوا إلى البيت أول شيء بدأ به صلى الله عليه وسلم أن استلم الركن، أي: الحجر الأسود، والاستلام يكون بالتقبيل لمن يتمكن من ذلك، ومن لم يتمكن ومد يده ولمس الحجر، فإنه يقبل يده، وإذا كان راكباً يلمس الحجر بعصا ويقبلها، كما فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإنه كان قد ركب صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وكان يستلم الركن بمحجن. ثم رمل ثلاثة أشواط، والرمل: هو الإسراع مع مقاربة الخطا، فرمل في الأشواط الثلاثة كلها من الحجر إلى الحجر، وأصل الرمل كان في عمرة القضية كما سبق، لما اتفق النبي صلى الله عليه وسلم وكفار مكة على أن يرجعوا عام الحديبية ويعتمروا من العام القادم، كان جماعة من كفار مكة من جهة الحجر، وكانوا يتحدثون فيما بينهم ويقولون: إنه يقدم عليكم قوم وهنتهم حمى يثرب، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة أن يرملوا الأشواط الثلاثة الأول، وإذا كانوا بين الركنين يمشون؛ وذلك لأن الكعبة تحجب بينهم وبين الكفار، ولكنه في حجة الوداع رمل من الحجر إلى الحجر، فدل ذلك على أنه سنة، وأن الرمل يكون في الأشواط الثلاثة كلها من أولها إلى آخرها. قوله: (ومشى أربعاً) هذا يدل على أن الطواف بالبيت سبعة أشواط، وأن الثلاثة الأشواط الأول يرمل فيها، وذلك في حق من يدخل مكة أول طواف يطوفه إن كان متمتعاً أو معتمراً فطواف العمرة، وإن كان قارناً أو مفرداً فطواف القدوم. وبالنسبة للرمل فقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم طاف على بعير، لكن هذه الرواية عن جابر فيها أنه استلم الركن فرمل، لكنه جاء في بعض الأحاديث عن جابر : (أن الناس غشوه فركب البعير صلى الله عليه وسلم) ولعله صلى الله عليه وسلم استلم الحجر ثم بعد ذلك غشاه الناس فركب البعير؛ حتى يشرف وحتى يراه الناس صلى الله عليه وسلم، وقد أمر بالرمل، فيكون معنى قوله: (فرمل) أي: أمر أصحابه بالرمل، ويكون أضاف إليه الرمل لأنه الآمر به صلى الله عليه وسلم. صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ركعتي الطواف عند مقام إبراهيم قوله: [ (ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125]، فجعل المقام بينه وبين البيت، قال: فكان أبي يقول: قال ابن نفيل و عثمان : ولا أعلمه ذكره إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال سليمان : ولا أعلمه إلا قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ في الركعتين بـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وبـ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) ]. ذكر هنا الاختلاف بين الرواة الذين روى عنهم أبو داود رحمه الله فيما يتعلق بالركعتين، وفيما يتعلق بالقراءة في الركعتين، وأنه كان يقرأ فيهما: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ و قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ . و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ كما هو معلوم دالة على على توحيد الأسماء والصفات، وأن الله تعالى واحد في ذاته وأسمائه وصفاته، فهو سبحانه وتعالى الأحد الصمد الذي تصمد إليه الخلائق بحوائجها، وهو مستغن عن الأصول والفروع والنظراء، فهو: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:3-4]، وسورة الكافرون فيها توحيد العبادة: لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ [الكافرون:2-3] فهذه فيها توحيد العبادة، وتلك فيها توحيد الأسماء والصفات. استلام النبي صلى الله عليه وسلم للركن بعد ركعتي الطواف قوله: [ (ثم رجع إلى البيت فاستلم الركن) ]. يعني: ثم رجع إلى البيت بعدما صلى خلف المقام ركعتين، فاستلم الحجر الأسود، وهذا يدل على أنه يشرع للقادم إذا انتهى من الطواف بالبيت وصلى ركعتين أن يأتي إلى الحجر الأسود ويستلمه، وهذا استلام ليس متعلقاً بطواف وإنما هو استلام مستقل، فذلك جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن الاستلام الآن والذهاب إلى الحجر في غاية المشقة، ولا ينبغي للإنسان أن يستلم الحجر إذا كان هناك مشقة؛ بل إن تيسر له أن يستلمه بدون أن يؤذي أحداً فعل، وإن كان لا يصل إليه إلا بالإيذاء فإنه لا يفعل؛ لأن استلامه سنة وإيذاء الناس حرام، ولا يرتكب الأمر المحرم من أجل الوصول إلى أمر مستحب، بل يترك الأمر المستحب إذا لم يوصل إليه إلا بإيذاء الناس. والحاصل: أن الإنسان يستلم الحجر في كل طوفة، وأيضاً في هذا الموضع بعد ركعتي الطواف يأتي ويستلمه، أما ما يفعله بعض الناس عندما يأتي ويصلي قريباً من الحجر وما أن يسلم الإمام حتى يثب على الحجر ويقبله، فهذا ما جاءت به السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأن السنة جاءت بأنه يقبل ويستلم في حال الطواف، وفي هذا الموضع الذي هو بعد ركعتي الطواف. واستلام الحجر على ثلاث مراتب: أن يقبله، فإن لم يستطع فإنه يستلمه بشيء ويقبل ما استلمه به، فإن لم يستطع فإنه يشير إليه ويكبر، وفي هذا الموضع استلمه النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا تيسر للإنسان أن يستلم فهذا هو المطابق لفعله صلى الله عليه وسلم، وأما أن يشير إليه فمحتمل ولا أجزم بذلك، والله تعالى أعلم؛ لأن الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموطن بالذات هو الاستلام. خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصفا قوله: [ (ثم خرج من الباب إلى الصفا) ]. يعني: خرج من باب المسجد إلى الصفا؛ لأن الصفا والمروة كانتا خارج المسجد، وكان المسعى إلى وقت قريب في وسط السوق، والدكاكين عن يمينه وشماله، وكان الناس يسعون بين الدكاكين والناس يبيعون ويشترون، وكان ذلك موجوداً إلى سنة (1370هـ)، وكانت السيارات تمشي من بطن الوادي وتقطع المسعى، والناس يقفون وينتظرون حتى تمضي السيارات، فذكر أنه خرج من الباب لأن المسعى كان خارج المسجد. بداية النبي صلى الله عليه وسلم من الصفا قوله: [ (فلما دنا من الصفا قرأ: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158] نبدأ بما بدأ الله به) ]. يعني: أن الله تعالى بدأ بالصفا في الذكر، فنحن نبدأ بها فعلاً وعملاً، لا نبدأ من المروة، وإنما نبدأ بما بدأ الله به؛ لأن الله قال: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ [البقرة:158]، فقدم الصفا في الذكر على المروة، فنحن نبدأ بالصفا ونختم بالمروة، ولو أن إنساناً أخطأ وبدأ بالمروة فإنه يلغي الشوط الأول الذي بدأ فيه بالمروة، ويبدأ من الصفا؛ اقتداءً برسول الله عليه الصلاة والسلام، ولقوله: (نبدأ بما بدأ الله به). صعود النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا قوله: [ (فبدأ بالصفا فرقي عليه حتى رأى البيت فكبر الله ووحده، وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك وقال مثل هذا ثلاث مرات) ]. لما وصل صلى الله عليه وسلم إلى الصفا صعد عليه، واستقبل القبلة حتى رأى البيت، وجعل يهلل الله ويوحده ويكبره، ويقول: [ (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ويدعو بين ذلك) ] وهذا يدل على أن هذا الموطن فيه ذكر، وفيه الإشارة إلى الدعاء، فهذا ذكر لله عز وجل وثناء عليه وتعظيم له، وإعلان إفراد العبادة له وحده لا شريك له. فكلمة (لا إله إلا الله) هي كلمة التوحيد، وهي -كما ذكرنا- مفتاح الإسلام، وهي كذلك ختام الدنيا ونهايتها، والنبي صلى الله عليه وسلم -كما أسلفت- كان يقول لأهل مكة: (قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا) وقال عليه الصلاة والسلام: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله، فإنه من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة)، والتلقين يكون قبل الموت لا بعده كما يفعله بعض المبتدعة حينما يلقنون الميت بعد الدفن، ويقولون: يا فلان ابن فلانة اذكر كذا.. وقد وردت فيه أحاديث ضعيفة غير ثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكن الثابت هو التلقين ما دام الإنسان في الحياة الدنيا؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله، فإنه من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة)، والإنسان إنما ينتهي من الدنيا بالموت، فإذا قالها قبل أن يموت فقد ختم له بكلمة التوحيد. وقوله: (موتاكم) أي: الذين قاربوا الموت، وليس المقصود به الذي مات بالفعل، حتى تكون كلمة التوحيد آخر ما ينطقون به، وهي أيضاً مفتاح الجنة، قيل لوهب بن منبه : أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال: بلى، ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح. يعني: أن مجرد كلمة التوحيد بدون ما تقتضيه وبدون ما تتطلبه فهي مثل المفتاح الذي ليس له أسنان، والمفتاح إنما يفتح إذا كان له أسنان."
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الحج شرح سنن أبي داود [224] الحلقة (255) شرح سنن أبي داود [224] حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فكانت حجته تطبيقاً عملياً لجميع أعمال الحج، بأركانه وواجباته وسننه، وقد رواها جابر رضي الله عنه مفصلة في حديثه الطويل، فكان منسكاً متكاملاً لمن أراد أن يحج كما حج النبي صلى الله عليه وسلم. تابع صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم صفة سعيه صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب صفة حجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. قال جابر رضي الله عنه: (ثم نزل إلى المروة، حتى إذا انصبت قدماه رمل في بطن الوادي، حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة فصنع على المروة مثلما صنع على الصفا) ]. قد وصلنا إلى السعي بين الصفا والمروة، وأنه بعدما وقف على الصفا وذكر الله ووحده وقال: (لا إله إلا اله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده) وأنه كان يدعو بين ذلك، ويأتي بذلك ثلاثاً، وقد عرفنا أن هذا الدعاء مشتمل على التوحيد، وعلى إخلاص العبادة لله عز وجل، وذلك في قوله: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)، فإن قوله: (لا إله إلا الله)، هذه كلمة الإخلاص وكلمة التوحيد. وقوله: (وحده لا شريك له) تأكيد لكلمة التوحيد؛ فهي كلمة مؤكدة للنفي الذي هو (لا إله). ثم بعد ذلك الثناء على الله عز وجل بما هو أهله من أن له الحمد وله الملك، فهو مالك الملك، وهو المحمود على كل حال، وهو الذي يعبد وحده لا شريك له، وهو على كل شيء قدير. قوله: (لا إله إلا الله وحده) وهذا أيضاً تكرار لكلمة التوحيد، وتأكيد لقوله: (إلا الله). قوله: [ (أنجز وعده) ] أي: وعده لنبيه صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (ونصر عبده) ] وهو النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (وهزم الأحزاب وحده) ] إما أن يكون المراد بهم الأحزاب الذين تحزبوا على رسول الله عليه الصلاة والسلام يوم الأحزاب، وأرسل الله عليهم ريحاً وجنوداً لم يرها الناس، وهزمهم الله، وإما أن يكون المراد ما يحصل للمؤمنين من نصر على أعداء الله عز وجل، فهو الذي ينصر عباده، وهو الذي ينصر أولياءه، وهو سبحانه وتعالى على كل شيء قدير. ثم ذكر أنه دعا بين ذلك وكرر ذلك ثلاثاً، وأنه نزل من الصفا متجهاً إلى المروة، وصار يمشي صلى الله عليه وسلم مشياً حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي أسرع وسعى، حتى إذا ارتفع من بطن الوادي إلى جهة المروة صار يمشي حتى وصل إلى المروة، فتبين بهذا أن السنة في السعي أن يمشي ما بين الصفا والمروة إلا في المكان الذي هو بطن الوادي، والذي جعل له في هذا الزمان علامة، وهي طلاء أخضر وإضاءة خضراء تكون على الجوانب، فإذا كان بين هذه العلامة فإنه يسعى، وإذا تجاوزها فإنه يمشي، هكذا كان يفعل في سعيه صلى الله عليه وسلم، حتى إذا وصل إلى المروة فعل عليها مثل ما فعل على الصفا، حيث وقف يدعو ويذكر الله عز وجل ويهلله، وهو مستقبل القبلة، وفيه أيضاً أنه كان يرفع يديه عليه الصلاة والسلام وهو يدعو ويذكر الله ويهلله. أمر النبي صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدي أن يتحلل ويجعلها عمرة قوله: [ (حتى إذا كان آخر الطواف على المروة قال: إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فلْيَحْلُل وليجعلها عمرة، فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن كان معه هدي) ]. يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعدما انتهى من الطواف بين الصفا والمروة قال لأصحابه: [ (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة) ] فدل هذا على أن التمتع أفضل من القران والإفراد، وأنه في حالة سوق الهدي يبقى القارن والمفرد على إحرامه حتى يوم النحر، وإذا لم يكن معه هدي فإنه يتحول من كونه قارناً أو مفرداً إلى كونه متمتعاً، أي: محرماً بعمرة ويقصر ويتحلل، ثم في اليوم الثامن يحرم بالحج من مكة، ويذهب إلى منى ويكمل أعمال الحج. وهنا ذكر التقصير وأنهم قصروا، ومعلوم أن الحلق أفضل من التقصير، ولكن لكون الزمن متأخراً؛ لأنهم وصلوا في رابع ذي الحجة ولم يبق إلى الحج إلا أيام قليلة، فقصروا حتى يبقى شعر يحلق يوم العيد بعد رمي جمرة العقبة، وهذا يدل على أن الإنسان إذا أتى بعمرة وهو قريب من الحج وليس هناك وقت ينبت الشعر معه، فإن الأولى في حقه أن يقصر كما فعل الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فإنهم قصروا عند المروة، وأما إذا كان الإنسان جاء في وقت مبكر ويمكن أن ينبت الشعر كأن يكون جاء في أول ذي القعدة، أو جاء في أثناء ذي القعدة أو قبل ذلك في أشهر الحج، فإن الأولى في حقه أن يحلق؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام دعا للمحلقين ثلاث مرات وللمقصرين مرة واحدة، فدل على أن الحلق أفضل من التقصير، ولكن التقصير هنا من الذين فسخوا إحرامهم من الحج والعمرة إلى العمرة فصاروا متمتعين؛ لأن الحج قريب، وقصروا ليكون هناك شعر يبقى ليحلق يوم العيد. إذاً: الرسول صلى الله عليه وسلم قسم الناس قسمين: من كان معه هدي سواء كان قارناً أو مفرداً فيبقى على إحرامه إلى يوم النحر حيث يبلغ الهدي محله، ومن لم يكن معه هدي من القارنين والمفردين، فإنه ينتقل من كونه قارناً أو مفرداً إلى كونه معتمراً فيكون بذلك متمتعاً، وهذا -كما سبق أن أسلفت- يدل على أن التمتع أفضل من القران والإفراد، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد القارنين والمفردين الذين لم يسوقوا هدياً أن يكونوا متمتعين وأن يتحولوا إلى عمرة، ولو كان القران والإفراد أفضل لما أرشدهم النبي عليه الصلاة والسلام أن يتحولوا إلى العمرة وهي دون ذلك، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يرشد إلا إلى ما هو الأكمل والأفضل؛ لأنه عليه الصلاة والسلام هو أنصح الناس للناس. دخول العمرة في الحج للأبد قوله: [ (فقام سراقة بن جعشم رضي الله عنه فقال: يا رسول الله! ألعامنا هذا أم للأبد؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصابعه في الأخرى ثم قال: دخلت العمرة في الحج -هكذا مرتين- لا بل لأبد أبد، لا بل لأبد أبد) ]. لما أمرهم صلى الله عليه وسلم أن يتحللوا وتحللوا سأله سراقة بن مالك بن جعشم : أرأيت عمرتنا هذه ألعامنا هذا أم للأبد؟ يعني: هل هي خاصة بنا هذه السنة فقط أو أنها مستمرة ودائمة وباقية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [ (لا بل لأبد الأبد) ] يعني: أنها مستمرة، وليست خاصة بكم. قوله: [ (وشبك بين أصابعه، وقال: دخلت العمرة في الحج) ] وهذا بالنسبة للعمرة التي هي عمرة التمتع، والتي هي منفصلة عن الحج، يعني: دخلت العمرة في وقت أشهر الحج؛ لأن العمرة التي هي عمرة التمتع تكون في أشهر الحج. إذاً: العمرة التي تكون مستقلة عن الحج ليست مقرونةً معه، وهي التي سئل عنها وقال عليه الصلاة و السلام: (لأبد الأبد)، فدل ذلك على أن هذه ليست خاصة بأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه لما كان أهل الجاهلية يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بذلك، والنبي عليه الصلاة والسلام قبل ذلك كان قد اعتمر في السنة السادسة، وفي السنة السابعة، وفي السنة الثامنة، وكلها كانت في ذي القعدة وهي من أشهر الحج، فقد عرفوا الحكم في ذلك، وأيضاً هذه الحجة كان معهم من هو محرم بالعمرة فقط، والنبي صلى الله عليه وسلم خيرهم بين الإفراد والقران والتمتع، وكان أمهات المؤمنين متمتعات وكن محرمات بالعمرة والعمرة موجودة، ولكن إما أن العمرة المنفردة دخلت في الحج في وقته، وهي التي سئل عنها، أو أن العمرة التي مع الحج دخلت في أعمال الحج، لكن إذا كان الإنسان أحرم بحج وعمرة وساق الهدي، فإن العمرة موجودة مع الحج وهي داخلة في أعماله وليست منفصلةً عنه، ولكن الحديث والسؤال إنما جاء فيما يتعلق بالعمرة المنفصلة التي هي عمرة التمتع. إذاً: التمتع حكم مستمر وليس خاصاً بأصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم. تمتع فاطمة رضي الله عنها وإحرام علي رضي الله عنه بما أحرم به النبي صلى الله عليه وسلم قوله: [ (وقدم علي رضي الله عنه من اليمن ببدن النبي صلى الله عليه وآله سلم فوجد فاطمة رضي الله عنها ممن حل ولبست ثياباً صبيغاً واكتحلت، فأنكر علي ذلك عليها، وقال: من أمرك بهذا؟ قالت: أبي، فكان علي يقول بالعراق: ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محرشاً على فاطمة في الأمر الذي صنعت مستفتياً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الذي ذكرت عنه، فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها، فقالت: إن أبي أمرني بهذا، فقال: صدقت صدقت) ]. قدم علي رضي الله عنه من اليمن ومعه بدن للنبي صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم قدم ببدن من المدينة، ومجموع ذلك هو مائة كما سيأتي في حديث جابر هذا، ولما جاء كان قد أحرم بإحرام النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي كان قارناً وقد ساق الهدي، و علي أحرم بإحرام النبي صلى الله عليه وسلم ومعه هدي، إذاً يكون إحرامه كإحرام النبي عليه الصلاة والسلام، ولكنه لما جاء وجد فاطمة رضي الله عنها قد لبست ثياباً صبيغة واكتحلت فأنكر ذلك عليها، وقال: إن هذا ليس شأن الحجاج وشأن المتلبسين بالإحرام، ولم يعرف الحكم الذي قد حصل، فقال: من أمرك بهذا؟ قالت: أبي، فقام علي وذهب محرشاً بفاطمة رضي الله عنها ذاكراً ذلك الذي أنكره عليها للنبي عليه الصلاة و السلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (صدقت، صدقت) و فاطمة رضي الله عنها كانت متمتعة؛ لأنها تحللت من العمرة ولبست وفعلت ما يفعل المحلون، وعلي رضي الله عنه استغرب هذا منها؛ لأنه لم يعرف هذا الحكم، ولكنه لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله أخبره بذلك، ثم إنه سأله عن إحرامه وقال: إنه أحرم بما أحرم به النبي صلى الله عليه وسلم وقد ساق الهدي هو، فأمره أن يبقى على إحرامه. قوله: [ (ماذا قلت حين فرضت الحج؟ قال: قلت: اللهم إني أهل بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وآله سلم، قال: فإن معي الهدي فلا تحلل، قال: وكان جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن والذي أتى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المدينة مائة، فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وآله سلم ومن كان معه هدي) ]. سأل النبي صلى الله عليه وسلم علياً : ماذا فعلت في إحرامك؟ قال: إني أهللت بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني قد سقت الهدي، وهو أيضاً ساق الهدي، فأمره أن يبقى على إحرامه، وكان جملة الهدي الذي جاء من المدينة ومن اليمن مائة من الإبل، وليس هذا فرضاً، وإنما الفرض ما استيسر من الهدي، كما قال الله عز وجل: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196]، وهذا العدد الكبير من الإبل إنما هو تطوع وتقرب إلى الله عز وجل بنحر تلك البدن، والقارن عليه هدي وهو ما استيسر من الهدي وهو شاة، والمتمتع عليه شاة، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما نحر هذا المقدار تطوعاً صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وقد سبق حديث الرجل الذي جاء إلى عمر وقال: (إني كنت نصرانياً وإني أحب الجهاد، ووجدت أن العمرة والحج مكتوبان علي، فسألت رجلاً من عشيرتي، فقال: اجمعهما واذبح ما تيسر من الهدي). إذاً: القارن عليه ما تيسر، والله تعالى يقول: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196] وهي تشمل القارن والمتمتع؛ لأن القران تمتع بالمعنى العام الذي هو كون القارن أتى بنسكين في سفرة واحدة، فيشمل المتمتع ويشمل القارن، أي: كل منهما عليه هدي وهو ما استيسر من الهدي. فالنبي عليه الصلاة و السلام نحر مائة من الإبل، وقد نحر بيده الشريفة ثلاثاً وستين، ونحر علي الباقي. وعلي رضي الله عنه أراد أن يقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم، وهو لا يعرف إهلال الرسول، فأراد أن يهل بإهلاله، وقال: (اللهم إني أهل بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم) وعلي نفسه ساق الهدي، فآل أمره وانتهى إلى أن إهلاله يكون مثل إهلال النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قد ساق الهدي، لكن لو لم يسق الهدي وقد أهل بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم -وهو القران- فإنه يفسخ إلى عمرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر كل من لم يسق الهدي من القارنين والمفردين أن يتحولوا إلى عمرة. كذلك من جاء إلى الحج، ولكنه لم يعين النسك، فإنه يتحول إلى ما هو الأفضل الذي هو التمتع، فعليه أن يطوف ويسعى ويتحلل؛ لأنه مثل من لم يسق الهدي. إهلال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالحج يوم التروية قوله: [ (فلما كان يوم التروية ووجهوا إلى منى أهلوا بالحج) ]. يوم التروية هو اليوم الثامن من شهر ذي الحجة، وفيه توجه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى منى، فالذين كانوا قارنين ومفردين وتحولوا إلى عمرة، فهؤلاء في يوم التروية دخلوا في الحج، وأما الذين كانوا قارنين فبقوا على إحرامهم وهم النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان معه الهدي، وكل من ساق الهدي باق على إحرامه. والإهلال يكون في المكان الذي ينزل فيه الإنسان، والصحابة كانوا نازلين مع النبي صلى الله عليه وسلم في الأبطح، فأحرموا من الأبطح، وأهل مكة الذين يريدون الحج يحرمون من منازلهم، ولو كان الإنسان نازلاً في منى قبل اليوم الثامن فإنه يحرم من منزله في منى، ولا يلزمه أن يأتي إلى مكة ويحرم منها ثم يذهب إلى منى، بل يجوز له أن يحرم من منى من منزله. أما كون الإنسان يريد أن يدخل في الإحرام فيذهب ويطوف فليس له ذلك، وليس هناك طوافاً عند الإحرام، وإنما على الإنسان أن ينوي الإحرام من منزله ثم يذهب إلى منى، لا يذهب إلى البيت ولا يطوف به ولا يحرم من هناك وإنما يحرم من منزله كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح) ]. يعني: ذهب النبي صلى الله عليه وسلم ضحى إلى منى من الأبطح ونزل في منى، وصلى فيها خمسة أوقات: الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، وهذه سنة فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وليست واجبة، من تركها ليس عليه شيء، ولكن الأولى والأفضل للإنسان أن يأتي بهذا الذي جاء عن الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، بأن يصلي الصلوات الخمس في منى، يقصر الرباعية بدون جمع، كما فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام، كل صلاة يصليها في وقتها بدون أن يجمع بين الصلاتين. أما أهل مكة فحكمهم حكم الحجاج في قصر الصلوات الرباعية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لأهل مكة: أتموا فإنا قوم سفر، وقد قال ذلك لهم وهو عند الكعبة حينما صلى بهم قال: (أتموا فإنا قوم سفر) أما في منى فلم يقل لهم ذلك، بل صلى معه الحجاج كلهم من أهل مكة ومن غير أهل مكة، لكن لا يقال: إن هذا سفر، وإنما هذا من أجل النسك بالنسبة لأهل مكة، وأما بالنسبة للحجاج فهم مسافرون. ولهذا لو أن إنساناً من أهل مكة ذهب إلى منى أو ذهب إلى عرفات في غير الحج فليس له أن يقصر؛ لأن هذا ليس بسفر، ولكن بالنسبة للحجاج لهم أن يقصروا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس ومعهم أهل مكة، ولم يقل: إنا قوم سفر، كما قال ذلك وهو عند الكعبة صلى الله عليه وسلم. ذهاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى عرفة ووقوفه بها قوله: [ (ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس، وأمر بقبة له من شعر فضربت بنمرة) ]. مكث صلى الله عليه وسلم قليلاً بعد صلاة الفجر حتى طلعت الشمس، فدل هذا على أن السنة أن الناس ينطلقون من منى إلى عرفة بعد طلوع الشمس. قوله: [ (وأمر بقبة له من شعر فضربت بنمرة، فسار رسول الله صلى الله عليه وآله سلم، ولا تشك قريش أن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم واقف عند المشعر الحرام بالمزدلفة كما كانت قريش تصنع في الجاهلية) ]. يعني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بخيمة من شعر فنصبت في نمرة، ونمرة قريبة من عرفة، وليست في عرفة، وكانت قريش لا تشك أنه لا يتجاوز مزدلفة وأنه يقف بها، وهو الموقف الذي كانت تقف به قريش في الجاهلية، وذلك أنهم أرادوا أن يتميزوا عن الناس، فالناس كانوا يقفون بعرفة وهم يقفون بمزدلفة، ويقولون: نحن أهل الحرم فلا نخرج من الحرم. والوقوف بعرفة جاء عن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، فإنه تجاوز المزدلفة وذهب إلى عرفة؛ ولهذا جاء في القرآن: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ [البقرة:199] يعني: عموم الناس، وليس الذي أحدثته قريش وأتت به، بل الشريعة جاءت بالوقوف بعرفة وأن هذا الذي كان موجوداً في الجاهلية ومعمولاً به في الجاهلية من الوقوف بعرفة هو الحق، وأن ما أحدثته قريش من الاقتصار على الوقوف بمزدلفة دون الذهاب إلى عرفة أمر محدث، والنبي صلى الله عليه وسلم تجاوز وذهب إلى عرفة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. قوله: [ (فأجاز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له) ]. نزل النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القبة التي ضربت له بنمرة وهي قريبة من عرفة، ثم عندما جاء وقت الزوال أمر براحلته فرحلت. قوله: [ (فركب حتى أتى بطن الوادي) ]. يعني: فأتى بطن الوادي الذي هو وادي عرنة. خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في عرفة قوله: [ (فخطب الناس فقال: إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا) ]. صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالناس في ذلك الوادي جمعاً وقصراً، صلى الظهر والعصر جمعاً في أول وقت الظهر، صلى الظهر ركعتين، وصلى العصر ركعتين، وخطب الناس قبل الصلاة خطبة بين فيها كثيراً من الأمور العامة فقال: [ (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا) ] وهذا فيه بيان حرمة هذه الأمور التي ذكرت كحرمة اليوم والشهر والبلد، وأن تلك محرمة كحرمة هذه، وهذا يدل على أن شأنها عظيم وأن أمرها خطير، وأنه يجب الابتعاد عن سفك الدماء، وأخذ الأموال، وانتهاك الأعراض، وأنها محرمة كحرمة هذا الزمان والمكان؛ لأن مكة بلد حرام والشهر شهر حرام. قوله: [ (ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع) ]. يعني: أنه لا يتشبث بالأمور التي كانت في الجاهلية؛ مثل: الربا والزنا وسفك الدماء بغير حق، وغير ذلك من الأمور التي كانوا يتعلقون بها، فالنبي صلى الله عليه وسلم ألغاها وأبطلها. قوله: [ (ودماء الجاهلية موضوعة) ] يعني: التقاتل والمطالبة بالدماء التي كانت بينهم في الجاهلية موضوعة، وقد انتهت بما فيها من شر بعد أن جاء هذا الخير، فلا يتشبث أحد بشيء مما كان في الجاهلية. قوله: [ (وأول دم أضعه دماؤنا) ] كونه يبدأ بنفسه وبقرابته أدعى لأن تميل النفوس إلى هذا الشيء الذي وضعه النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يجعل الذين خوطبوا بهذا الخطاب يستسلمون لهذا الحكم العام؛ لأن أول من توضع دماؤهم قرابة النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (دم ابن ربيعة ، أو دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب) ]. قيل: إن ابن الحارث هو إياس ، كان مسترضعاً في هذيل فقتلته، فكان الدم عند هذيل، فوضعه النبي صلى الله عليه وسلم لأن كل ما كان في الجاهلية انتهى بعد أن جاء الإسلام، ثم تأتي الأحكام تبعاً لما يقع في الإسلام. قوله: [ (وربا الجاهلية موضوع) ]. يعني: وكذلك ربا الجاهلية موضوع، فلا يأت أحد يطالب أحداً بشيء من الربا. قوله: (وأول ربا أضعه ربانا ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله) ]. وهذا مثل الذي قبله، فقد بدأ بالتخلص من الشيء الذي يتعلق بأهله وقرابته صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (فاتقوا الله في النساء) ]. أوصى عليه الصلاة والسلام بالنساء خيراً لضعفهن. قوله: [ (فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله) ] أي: لأنكم تزوجتم بهن بشرع الله، وهن أمانات عندكم، فعليكم أن تقوموا برعاية هذه الأمانة، وعدم الإضرار بهن، وعدم الإساءة إليهن، وإنما تحسنون إليهن، وتعاشرونهن بالمعروف، وتعاملونهن بالمعروف. قوله: [ (وإن لكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح) ]. ليس المقصود من وطء الفرش ما يتعلق بالزنا، فإن هذا أمر خطير، ولا يكتفى فيه بالضرب غير المبرح الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ذلك يتعلق بما كان معروفاً في الجاهلية من أن المرأة كانت تكلم الرجل وتتحدث معه مع البعد عن الريبة، ولكن الإسلام جاء بمنع ذلك، وأمر بالحجاب، وحرم خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية، يقول صلى الله عليه وسلم: (لا يخلو رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما) فإذا حصل شيء من هذا الذي لا يليق ولا ينبغي، فإنكم تؤدبونهن التأديب الذي هو الضرب غير المبرح، أما ما يتعلق بالزنا فإن له حكماً يخصه إما الرجم وإما الجلد، ولا يجوز للزوج أن يتمسك بالمرأة العاهرة الزانية. قوله: [ (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) ]. يعني من حقهن عليكم أن ترزقوهن وتكسوهن بالمعروف. قوله: [ (وإني قد تركت فيكم ما لم تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله) ]. هنا لم يذكر سنة الرسول صلى الله عليه وسلم لأنها داخلة في كتاب الله؛ لأن الله تعالى يقول: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7] فهي داخلة في القرآن، والأمر بالاعتصام بالقرآن هو أمر بالاعتصام بالسنة؛ لأن الأخذ بالسنة أخذ بالقرآن، ولهذا كما في الحديث المشهور عن ابن مسعود رضي الله عنه في قصة المرأة التي اعترضت على قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله النامصة والمتنمصة)، فقال: ما لي لا ألعن من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله، فقالت المرأة: يا أبا عبد الرحمن ! إنك قلت كذا وكذا وإني نظرت في المصحف من أوله إلى آخره فما وجدت فيه: لعن الله النامصة والمتنمصة، فقال: إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه، قال الله تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]. إذاً: السنة كلها داخلة في هذه الآية وداخلة في هذه الجملة، وكذلك في قول الله عز وجل: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36]، وفي قوله عز وجل: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:59] والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه والرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو الرد إلى سنته صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (وأنتم مسئولون عني فما أنتم قائلون؟)]. المرسلون سوف يسألون والمرسل إليهم سوف يسألون، قال عز وجل: فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ [الأعراف:6] فالمرسلون يسألون عن التبليغ، والمرسل إليهم يسألون عن كونهم بلغوا. قوله: [ (قالوا: نشهد أنك بلغت وأديت ونصحت، ثم قال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكبها إلى الناس) ] يعني: قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فعند ذلك رفع أصبعه الشريفة إلى السماء ونكتها عليهم وقال: [ (اللهم اشهد) ] رفع أصبعه إلى السماء يشير إلى الله عز وجل ويستشهد الله عليهم، وينكتها عليهم قائلاً: [ (اللهم اشهد) ] أي: اشهد عليهم. ورفعه صلى الله عليه وسلم أصبعه إلى السماء يدل على علو الله، وأنه تعالى فوق العرش، وهذا من أدلة علو الله سبحانه وتعالى وفوقيته، وأنه فوق المخلوقات وأنه فوق العرش وهو مستو عليه. قوله: [ (ثم أذن بلال رضي الله عنه، ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئاً) ]. هذا يدل على أن الخطبة تكون واحدة في يوم عرفة، وتكون قبل الصلاة، وأن للإمام أو نائب الإمام أن يقوم بالخطبة ثم يصلي بالناس، فبلال بعدما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الخطبة أذن للصلاة ثم أقام للظهر وصلاها ركعتين، ثم أقام للعصر وصلاها ركعتين، وكان ذلك في يوم الجمعة الذي هو يوم عرفة، فهو صلى الله عليه وسلم صلى الظهر ولم يصل جمعة، ولهذا أسر في القراءة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه في الصلاتين.
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]() ركوب النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة وذهابه إلى الموقف في عرفة قوله: [ (ثم ركب القصواء حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه فاستقبل القبلة) ]. أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى المكان الذي وقف فيه وجعل بطن ناقته إلى الصخرات. وحبل المشاة هو الطريق الذي يمشي منه المشاة، فالنبي صلى الله عليه وسلم جعله أمامه بين يديه واستقبل القبلة وجعل يدعو الله عز وجل، وهذا هو الوقوف، ويكون بعد الزوال وبعد تأدية صلاة الظهر والعصر جمع تقديم، ولهذا يشرع الجمع جمع تقديم في أول وقت الظهر، لأنه بعد بذلك يبدأ الوقوف ويستمر إلى الغروب، وليس هناك صلاة تفصل، وإنما هي الظهر والعصر قد فرغ منهما في أول الوقت، فيمتد وقت الوقوف من وقت الفراغ من الصلاتين إلى أن تغرب الشمس، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم وقف في ذلك المكان وقال: (عرفة كلها موقف وارفعوا عن بطن عرنة) فليس معنى ذلك أن هذا الموقف الذي وقف فيه النبي صلى الله عليه وسلم هو مكان الوقوف، بل عرفة كلها موقف. قوله: [ (فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً حين غاب القرص) ]. هذا يدل على أن الإنسان يقف بعرفة حتى تغيب الشمس ويذهب القرص ويتحقق الغروب، وبعد ذلك يأتي وقت الانصراف والإفاضة من عرفات إلى مزدلفة، فيستمر الإنسان إلى الغروب، ولا يصلي المغرب والعشاء في عرفة وإنما يصليهما في مزدلفة إذا وصل إليها. إذاً: عندما تغرب الشمس ويتحقق الغروب يحصل الانطلاق والإفاضة من عرفة إلى مزدلفة، ولكن هناك أمر مهم للحجاج وهو أن الإنسان عليه أن يتحقق أنه في داخل حدود عرفة، ولا يكفي أن يرى الجبل الذي يسمى جبل الرحمة من مكان بعيد ويقول: هذه عرفة، فإنه يرى من أماكن بعيدة جداً خارج عرفة، ولكن المهم في الأمر هو الوقوف بعرفة وبأرض عرفة، وأرض عرفة قد جعل لها بنايات وعلامات وكتب عليها كتابات من مختلف اللغات، فإذا كان الإنسان يريد أن يخرج من عرفة يجد مكتوباً منتهى عرفة، وإذا كان مقبلاً على عرفة تجد مكتوباً عليها من الجهة الأخرى مبتدأ عرفة، فالإنسان عليه أن يتحقق من أنه في داخل هذه الحدود ولا يتهاون في الأمر؛ لأنه لو وقف خارج عرفة فلا يعتبر وقف بعرفة، والوقوف بعرفة ركن من أركان الحج لا يتم الحج إلا به، ولو حصل منه أن خرج من الحدود لأمر من الأمور قبل الغروب فعليه أن يرجع حتى تغرب عليه الشمس وهو بعرفة، وبعد أن تغرب الشمس ويتحقق الغروب ينطلق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعدما غابت الشمس وذهبت الصفرة انطلق صلى الله عليه وسلم وأفاض ومعه أصحابه متجهين إلى مزدلفة. والوقوف -كما هو معلوم- هو المكث بعرفة سواء كان الإنسان واقفاً أو راكباً أو جالساً، وليس معنى الوقوف بعرفة أن يكون الإنسان واقفاً على رجليه، بل يكون راكباً ويكون وافقاً ويكون جالساً كل ذلك يطلق عليه وقوف. دفع النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة إلى مزدلفة قوله: [ (وأردف أسامة رضي الله عنه خلفه، فدفع رسول صلى الله عليه وآله وسلم) ]. أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم أردف أسامة بن زيد رضي الله عنهما خلفه على دابته وعلى راحلته، وذلك في طريقه من عرفة إلى مزدلفة، وهذا يدل على جواز الإرداف على الدابة بشرط أن تكون مطيقة، وأما إذا كانت الدابة لا تطيق فإنه لا يردف عليها، بل ولا يركب الراكب عليها إذا كانت لا تطيق الركوب، كما لو كانت هزيلة ضعيفة مريضة. قوله: [ (وقد شنق للقصواء الزمام) ]. يعني: أنه ردها حتى لا يحصل منها إسراع؛ لأنه إذا مسك الخطام وجر رأسها إلى أن يكون عند مورك رحله عند رجليه التي هي متدلية من جهة الأمام، فهذا يمنعها من الحركة والسرعة والإقدام في المشي؛ حتى لا يحصل منها أذى للناس، وأمر الناس أن يمشوا؛ حتى لا يضر بعضهم بعضاً. قوله: [ (وهو يقول بيده اليمنى: السكينة أيها الناس! السكينة أيها الناس!) ]. يعني: وهو يشير إليهم السكينة السكينة، فقد قام بشنق زمام راحلته حتى يمنعها من الإسراع في المشي، وهو يشير للناس السكينة السكينة، أي: عليكم بالهدوء، عليكم بالسكينة؛ حتى لا يحصل ضرر، وهذا من رفقه بأمته صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهو رءوف رحيم بالمؤمنين كما وصفه الله عز وجل بذلك في كتابه العزيز. قوله: [ (كلما أتى حبلاً من الحبال) ]. الحبل: هو التل من الرمل. قوله: [ (أرخى لها قليلاً حتى تصعد) ] يعني: أرخى زمام ناقته؛ لأن السرعة لا تحصل مع الصعود، والصعود فيه تعب، لكن إذا كان هناك انحدار ونزول، أو كانت الأرض مستوية وترك الزمام لها فقد تسرع، فهو صلى الله عليه وسلم إذا لم يكن في صعود سحب رأسها بالخطام حتى يكون قريباً من الرحل، وإذا كان في صعود أرخى لها حتى تتمكن من الصعود. وصول النبي صلى الله عليه وسلم إلى مزدلفة ومبيته بها وما يفعل بمزدلفة قوله: [ (حتى أتى المزدلفة فجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين) ]. استمر صلى الله عليه وسلم سائراً حتى وصل إلى مزدلفة، وجمع فيها بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين. وأول عمل يعمله الحجاج إذا وصلوا إلى مزدلفة هو الصلاة، لكن بعض الحجاج يتصورون أن المهم في مزدلفة هو لقط الحصى لرمي الجمار، فتراهم حين يصلون إلى مزدلفة من أول الليل ينتشرون في الأرض لأجل لقط الحصى، وليس هذا من السنة، بل السنة أن يصلي المغرب والعشاء جمعاً، وسواء كان ذلك في وقت العشاء فيكون جمع تأخير، أو كان جمع تقديم في وقت المغرب كما يحصل الآن بالنسبة لسرعة السيارات، لكن إذا اشتد الزحام وتأخر في الطريق حتى انتصف الليل أو قارب الانتصاف، فلا يؤخر الإنسان الصلاة إلى أن يصل إلى مزدلفة؛ لأن الصلاة لا تؤخر عن وقتها بل يصليها في الطريق، وعلى هذا فالرسول صلى الله عليه وسلم جمع بين المغرب والعشاء لما وصل إلى مزدلفة، ومعلوم أن ذلك كان في وقت العشاء، ولكنه إذا حصل الوصول قبل العشاء فإن الحجاج يصلون حين يصلون، وأول عمل يعملونه هو الصلاة، فلا يشتغلون بلقط الحصى، والحصى لا يلزم أن يلقط من مزدلفة، ولا يلزم أن يكون من مكان معين، بل للإنسان أن يلقط من مزدلفة وله أن يلقط من منى، ويوم العيد لا يلقط إلا سبع حصيات فقط، فليس بلازم أن يجمع سبعين حصاة ويجعلها في كيس، وإنما يجمع سبع حصيات فقط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم وفي أثناء انصرافه من مزدلفة إلى منى أمر الفضل بن عباس أن ينزل وأن يلقط له سبع حصيات، فلقطهن ورمى بهن جمرة العقبة صلى الله عليه وسلم. قوله: [ قال عثمان ]. عثمان هو أحد الشيوخ الأربعة الذين روى عنهم أبو داود هذا الحديث الطويل وهو عثمان بن أبي شيبة . قوله: [ (ولم يسبح بينهما شيئاً) ] يعني: لم يتنفل بين المغرب والعشاء؛ لأنه جمع بينهما فلا يسبح بينهما، فالمراد بالتسبيح هو التنفل. قوله: [ (ثم اتفقوا: ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى طلع الفجر) ]. أي: اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلاة المغرب والعشاء حتى طلع الفجر، وهذا يدل على أن السنة في مزدلفة المبيت حتى يطلع الفجر. وهنا مسألة: هل أوتر صلى الله عليه وسلم أو لم يوتر؟ ليس في الحديث شيء يدل على هذا، لكن الأحاديث الأخرى الدالة على أن النبي عليه الصلاة والسلام ما كان يترك الوتر لا في حضر ولا في سفر، وكذلك ركعتي الفجر لم يتركها لا في حضر ولا في سفر، فهذا يدل على أن الإنسان عليه أن يوتر في تلك الليلة، ولا يترك الوتر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم المعروف عنه أنه كان يحافظ على الوتر وعلى ركعتي الفجر في الحضر والسفر، وهذا سفر، لكن لا يتهجد في تلك الليلة ولا يخصها بتهجد وعبادة، وإنما يكتفي بالوتر؛ لأن الوتر وركعتي الفجر هما آكد السنن. قوله: [ (فصلى الفجر حين تبين له الصبح) ]. صلى النبي صلى الله عليه وسلم الفجر في أول وقتها، وهذا بعد صلاته ركعتي الفجر. قوله: [ قال سليمان ]. سليمان هو سليمان بن عبد الرحمن أحد الشيوخ الأربعة الذين روى عنهم أبو داود هذا الحديث الطويل. قوله: [ (بنداء وإقامة) ]؛ وذلك لأنها صلاة واحدة، بخلاف الصلاتين فإنه يشرع لهما أذان واحد وإقامتان عند الجمع. ذهاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المشعر الحرام قوله: [ (ثم اتفقوا: ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فرقي عليه) ]. المشعر الحرام: هو جبل في مزدلفة، والنبي صلى الله عليه وسلم لما وقف هناك قال: (وقفت هاهنا وجمع كلها موقف) كما قال في عرفة: (وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف) يعني: أن هذا الموقف الذي أنا فيه لا يلزم الناس أن يقفوا فيه، بل أي مكان يوقف فيه من مزدلفة فإنه يحصل المقصود. قوله: [ قال عثمان وسليمان : (فاستقبل القبلة فحمد الله وكبره وهلله -زاد عثمان -: ووحده، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً) ]. يعني أنه صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الصبح جاء إلى المشعر الحرام الذي يطلق على ذلك المكان الذي وقف فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وأيضاً يطلق على مزدلفة كلها، فيقال لها: المشعر الحرام، وهي مشعر حرام؛ لأنها من المشاعر وهي داخل الحرم؛ لأن حدود الحرم وراءها بينها وبين عرفة، وأما عرفة فهي مشعر ولكنها ليست حراماً؛ لأنها في الحل وليست في الحرم. ثم إنه صلى الله عليه وسلم استقبل القبلة فحمد الله وهلله ووحده ودعا واستمر حتى أسفر جداً، يعني: حتى اتضح النهار وحصل الإسفار ولكن الشمس لم تطلع، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك يريد أن يخالف أهل الجاهلية؛ لأن أهل الجاهلية كانوا لا ينتقلون إلا بعد أن تطلع الشمس، فالنبي صلى الله عليه وسلم حصل منه المغادرة والانصراف قبل طلوع الشمس حين أسفر جداً. دفع النبي صلى الله عليه وسلم من مزدلفة إلى منى قوله: [ (ثم دفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن عباس رضي الله عنهما، وكان رجلاً حسن الشعر أبيض وسيماً، فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مر الظعن يجرين، فطفق الفضل ينظر إليهن، فوضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده على وجه الفضل ، وصرف الفضل وجهه إلى الشق الآخر، وحول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده إلى الشق الآخر، وصرف الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر) ]. يعني: أنه صلى الله عليه وسلم عند انصرافه من مزدلفة إلى منى أردف الفضل بن عباس، كما كان رديفه أسامة بن زيد من عرفة إلى مزدلفة، و الفضل بن عباس هو أكبر أولاد العباس رضي الله تعالى عنهم، وفي أثناء الطريق مرت الظعن -وهن النساء- فجعل ينظر إليهن والنبي صلى الله عليه وسلم يضع يده على وجهه، فالتفت إلى الشق الآخر ينظر؛ لأن الظعن من هنا ومن هنا، ثم إنه صلى الله عليه وسلم وضع يده على وجهه، فانصرف إلى الشق الآخر. قوله: [ (حتى أتى محسراً) ]. محسر: هو الوادي الذي يفصل بين مزدلفة وبين منى. قوله: [ (حرك قليلاً) ] يعني: أسرع. ووادي محسر قيل: إنه الوادي الذي حسر فيه الفيل الذي جاء لهدم الكعبة، وأنه حصل ما ذكره الله عز وجل في سورة الفيل في ذلك المكان الذي هو وادي محسر. فكونه أسرع قليلاً؛ لأن الإسراع مطلوب عند أماكن العذاب، والنبي صلى الله عليه وسلم لما ذهب إلى تبوك ومر بديار قوم صالح أسرع قليلاً وقنع رأسه حتى تجاوز صلى الله عليه وسلم تلك الديار. قوله: [ (ثم سلك الطريق الوسطى الذي يخرجك إلى الجمرة الكبرى) ]. يعني: أن هناك طرقاً متعددة، ولكنه بعدما دخل منى سلك الطريق الوسطى التي توصل إلى جمرة العقبة؛ لأن يوم العيد لا يرمى فيه إلا جمرة العقبة. رمي النبي صلى الله عليه وسلم جمرة العقبة قوله: [ (حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات) ]. وهي جمرة العقبة، وقيل لها: جمرة العقبة لأنها كانت موجودة في سفح جبل، وكان ذلك الجبل موجوداً إلى عام (1370هـ) والناس كانوا يأتون ويرمون هذه الجمرة من جهة واحدة التي هي من بطن الودي. قوله: [ (يكبر مع كل حصاة منها بمثل حصى الخذف) ]. يعني: الحصى الذي يخذف بالأصابع، وهو فوق الحمص ودون البندق فهو حصى متوسط. وقد جاء في بعض الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم لما كان في أثناء الطريق من مزدلفة إلى الجمرة -لا يدري هل هو في مزدلفة أو في منى- أمر الفضل بن عباس أن ينزل فيلقط له حصى، فلقط سبع حصيات مثل حصى الخذف، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقلبهن بيده والناس يرون، فقال عليه الصلاة والسلام: (بمثل هذا فارموا، وإياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين) يعني: لا ترموا بحصى كبيرة؛ لأن المعتبر هو السنة، وليس المعتبر كون الإنسان يكبر الحصى ويغلو ويزيد ويتجاوز، بل يقف عند السنة، والسنة في حصى الجمار أنها مثل حصى الخذف. قوله: [ (فرمى من بطن الوادي) ]. يعني: بحيث تكون مكة عن يساره ومنى عن يمينه إذا رماها من بطن الوادي. نحر النبي صلى الله عليه وسلم للهدي قوله: [ (ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المنحر فنحر بيده ثلاثاً وستين، وأمر علياً فنحر ما غبر، يقول: ما بقي، وأشركه في هديه) ]. يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى المنحر بعدما رمى جمرة العقبة ونحر بيده ثلاثاً وستين بدنه من المائة، وأمر علياً أن ينحر ما بقي منها. قوله: [ (وأشركه في هديه) ]. يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم أشرك معه علياً في الهدي الذي هو مائة من الإبل؛ لأنه الهدي مائة وبعضها من المدينة وبعضها من اليمن. قوله: [ (ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها) ]. هذا يدل على أن الحاج يأكل من هديه، والله تعالى يقول: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج:28]، والنبي صلى الله عليه وسلم أكل من هديه وشرب من المرق، فهو أكل وشرب من مجموع الهدي؛ لأن اللحم كان مائة بضعة، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما أكل شيئاً قليلاً، وأما المرق فإنه شرب من الجميع. ذهاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة لطواف الإفاضة قوله: [ قال سليمان : (ثم ركب ثم أفاض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى البيت فصلى بمكة الظهر) ]. يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعدما نحر وحلق أفاض إلى مكة لطواف الإفاضة، وعلى هذا فيكون عمل يوم النحر أربعة أمور: الرمي ثم النحر ثم الحلق ثم الطواف. فقوله: [ (ثم أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيت وصلى بمكة الظهر) ] يعني: أنه صلى الظهر في مكة صلى الله عليه وسلم، وطاف طواف الإفاضة فقط ولم يسع بين الصفا والمروة؛ لأنه كان قارناً وكان قد سعى مع طواف القدوم، وكذلك المفرد ليس عليه إلا سعي واحد إن كان قد سعى مع طواف القدوم، أما إن كان القارن والمفرد لم يسعيا مع القدوم، أو لم يقدما مكة إلا بعد عرفة ومزدلفة فإنهما بعدما يطوفان يسعيان؛ لأن القارن ليس عليه إلا سعي واحد وطواف واحد لحجه وعمرته، والمفرد كذلك عليه سعي واحد وطواف واحد لحجه. قوله: [ (ثم أتى بني عبد المطلب وهم يسقون على زمزم فقال: انزعوا بني عبد المطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم، فناولوه دلواً فشرب منه) ]. أي: أنه صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عبد المطلب وهم يخرجون الماء من بئر زمزم ليسقوا الحجاج، فقال لهم: (فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم) يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لاقتدى به الناس وعملوا مثلما يعمل. تراجم رجال إسناد حديث جابر الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ وعثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي في عمل اليوم والليلة، وابن ماجة . [ وهشام بن عمار ]. هو هشام بن عمار الدمشقي وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ وسليمان بن عبد الرحمن ]. هو سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي وهو صدوق يخطئ، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. قوله: [ وربما زاد بعضهم على بعض الكلمة أو الشيء ]. يعني: أنهم متفقون على أكثره وربما زاد بعضهم على بعض الكلمة أو الشيء. [ حدثنا حاتم بن إسماعيل ]. حاتم بن إسماعيل صدوق يهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا جعفر بن محمد ]. هو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين رحمة الله عليه وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. أبوه هو محمد بن علي بن الحسين وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث جابر في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم من طريق ثانية وتراجم رجال الإسناد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا سليمان -يعني ابن بلال - (ح) وحدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الوهاب الثقفي ، والمعنى واحد، عن جعفر بن محمد عن أبيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر بأذان واحد بعرفة ولم يسبح بينهما وإقامتين، وصلى المغرب والعشاء بجمع بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما) ]. أورد المصنف رحمه الله طريقاً أخرى لحديث جابر وهو مختصر وذكر فيه: أنه صلى الظهر والعصر بعرفة ولم يسبح بينهما وكان ذلك بأذان وإقامتين، وكذلك في المزدلفة صلى المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين. وهو حديث مرسل؛ لأنه انتهى إلى محمد ولم يذكر جابراً ، ولكنه قد جاء في الطريق السابقة المتصلة أنه صلى بأذان واحد وإقامتين. قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن سليمان يعني ابن بلال ] سليمان بن بلال ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ (ح) وحدثنا أحمد بن حنبل ]. أحمد بن حنبل الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الوهاب الثقفي ]. هو عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جعفر بن محمد عن أبيه ]. جعفر بن محمد وأبوه قد مر ذكرهما. شرح حديث جابر في صفة حجة النبي من طريق ثالثة وتراجم رجاله [ قال أبو داود : هذا الحديث أسنده حاتم بن إسماعيل في الحديث الطويل، ووافق حاتم بن إسماعيل على إسناده محمد بن علي الجعفي عن جعفر عن أبيه عن جابر رضي الله عنه إلا أنه قال: (فصلى المغرب والعتمة بأذان وإقامة) ]. هذا الذي ذكره في هذه الطريق أسنده حاتم بن إسماعيل في الحديث الطويل؛ لأنه ذكر جابراً وهنا ما ذكر جابراً ، وقد وافق حاتم بن إسماعيل محمد بن علي الجعفي إلا أنه قال: (بأذان وإقامة)، وهذا الذي جاء في هذا الطريق غير صحيح؛ لأن الثابت هو أذان واحد وإقامتان؛ لأنه في عرفة صلى بأذان واحد وإقامة للظهر ثم إقامة العصر، وكذلك في مزدلفة أذان واحد وإقامة للمغرب ثم إقامة للعشاء، فذكر الإقامة هنا غير صحيح؛ لأنه مخالف للرواية الأخرى. ووافق حاتم بن إسماعيل على إسناده محمد بن علي الجعفي ، حيث ذكر جابراً رضي الله عنه، لكنه خالف في هذه الفقرة التي هي غير صحيحة وهي أنه صلى المغرب والعتمة بأذان واحد وإقامة. قوله: [ محمد بن علي الجعفي ]. محمد بن علي الجعفي من أهل الكوفة، وهو أخ لحسين بن علي الجعفي ، يروي عن جعفر بن محمد عن أبيه وهو مترجم في التاريخ الكبير. شرح حديث: (... قد نحرت هاهنا ومنى كلها منحر...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا جعفر حدثنا أبي عن جابر رضي الله عنه قال: ثم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (قد نحرت هاهنا ومنى كلها منحر، ووقف بعرفة فقال: وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف، ووقف بالمزدلفة فقال: قد وقفت هاهنا ومزدلفة كلها موقف) ]. هذه طريق أخرى أيضاً في حديث جابر ، وهذه الطريق فيها: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بعرفة فقال: وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف) ] يعني: أنه لا يختص الوقوف بعرفة بالمكان الذي وقف فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الناس قد يظنون أن مكان وقوفه هو مكان الوقوف فقط، فبين عليه الصلاة والسلام أنه وقف هاهنا وعرفة كلها موقف، ولكن كما جاء في بعض الأحاديث: (يرفع عن بطن عرنة) فلا يوقف فيه. ومما ينبغي أن ينبه عليه: أن عرفة لها حدود وقد كتب عليها كتابات بمختلف اللغات، والحاج لا يستهين بهذا الأمر الذي هو الوقوف، بل يحرص على معرفة أن وقوفه في داخل الحدود، ولا يكتفي بأن ينظر إلى الجبل الذي يقال له: جبل الرحمة، فإنه يرى من مكان بعيد، والإنسان إذا لم يقف بأرض عرفة فإنه لا يكون قد وقف؛ لأن الوقوف إنما هو بعرفة، والوقوف بعرفة ركن من أركان الحج لا يتم الحج إلا به، فهذا أمر ليس بالهين وليس بالأمر السهل، بل يحتاج إلى انتباه ويقظة وحرص على معرفة أنه في داخل الحدود؛ لأن الإنسان قد يكون جاء من أماكن بعيدة، فكونه يتساهل في هذا الأمر ثم يكون وقوفه خارج عرفة فيكون قد تعب من غير فائدة، فعلى كل حاج أن يعرف أنه في داخل عرفة، ويستمر فيها حتى غروب الشمس ولا يخرج منها إلا بعد الغروب، وإن خرج منها قبل الغروب رجع إليها حتى يكون غروب الشمس وهو فيها، أو حتى لو رجع إليها بعد الغروب فإنه يكون قد أدى ما عليه. ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام وقف بمزدلفة وفي المكان الذي وقف فيه فقال: [ (وقفت هاهنا وجمع كلها موقف) ] جمع هي مزدلفة. ثم قال: [ (نحرت هاهنا - يعني في منى - ومنى كلها منحر) ] يعني: لا يختص النحر بالمكان الذي نحر فيه النبي عليه الصلاة والسلام، بل ينحر في أي مكان من منى، بل قد جاء كما سيأتي: (منى كلها منحر وفجاج مكة كلها طريق ومنحر) يعني: أن الإنسان يدخل إلى مكة من أي جهة أراد، وكذلك الحاج لو نحر هديه بمكة فنحره صحيح؛ لأنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن مكة أيضاً منحر كما أن منى منحر. تراجم رجال إسناد حديث: (... قد نحرت هاهنا ومنى كلها منحر...) قوله: [ قال: حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد القطان البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا جعفر ]. هو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا أبي ]. هو محمد بن علي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (... قد نحرت هاهنا ومنى كلها منحر...) من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا حفص بن غياث عن جعفر بإسناده زاد: (فانحروا في رحالكم) ]. ورد هذا الحديث من طريق أخرى وفيه مثل الذي قبله وزاد: (فانحروا في رحالكم)، والرحال هي المساكن التي يسكنها الناس، سواء كانت بيوتاً من شعر أو من قطن أو خياماً أو غير ذلك، وقد مر ذكر الحديث الذي فيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى بأصحابه ولما سلم رأى رجلين لم يصليا فدعا بهما، فأتي بهما ترتعد فرائصهما، فقال: ما لكما لا تصليا؟ قالا: صلينا في رحالنا، قال: إذا أتيتما والإمام يصلي فصليا معه وتكون لكما نافلة)، فالرحل هو منزل الإنسان. قوله: [ (نحرت هاهنا ومنى كلها منحر، فانحروا في رحالكم) ] أي: الأماكن التي أنتم ساكنون فيها في منى انحروا فيها، ولا يلزمكم أن تذهبوا إلى مكان معين، لكن الآن لما حصل من الناس إهمال وتساهل في أمر الأنساك، وأن الناس يأتون بالهدي ويذبحونه ويرمونه ثم ينتن ويلحق أذى بالناس صار هناك مكان معين للذبح؛ حتى لا يكون هذا الضرر الذي يلحق بالناس، وهذا فيه مصلحة، لكن لو أن كل إنسان ذبح في محله وأكل الذبيحة والسواقط هذه دفنها أو رماها في النفايات فلا بأس بذلك، لكن بعض الناس لا يراعون مثل هذه الأشياء بل تجده يذبحها ويتركها. تراجم رجال إسناد حديث: (قد نحرت هاهنا ومنى كلها منحر) من طريق أخرى قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي . [ حدثنا حفص بن غياث ]. حفص بن غياث ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جعفر ]. جعفر قد مر ذكره. شرح حديث (... فقرأ فيهما بالتوحيد وقل يا أيها الكافرون) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن جعفر حدثني أبي عن جابر رضي الله عنه فذكر هذا الحديث وأدرج في الحديث عند قوله: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125]قال: فقرأ فيهما بالتوحيد و قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1] وقال فيه: قال علي رضي الله عنه بالكوفة -قال أبي: هذا الحرف لم يذكره جابر -: فذهبت محرشاً، وذكر قصة فاطمة رضي الله عنها) ]. أورد المصنف رحمه الله الحديث من طريق أخرى، وفيه بعض الزيادات المدرجة في هذه الرواية، وأنه قرأ بالتوحيد، يعني: بسورة الإخلاص، و قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1]. لكن جاء في الروايات الأخرى التي سبق أن مرت أنه قرأ بسورتين. وأيضاً قال: هنا حرف لم يذكره في هذه الرواية، وأنه سبق أن مر في رواية حاتم بن إسماعيل . تراجم رجال إسناد حديث (... فقرأ فيهما بالتوحيد وقل يا أيها الكافرون) قوله: [ حدثنا يعقوب بن إبراهيم ]. هو يعقوب بن إبراهيم الدورقي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة أخرجوا عنه مباشرة وبدون واسطة. [ عن يحيى بن سعيد القطان عن جعفر عن أبيه عن جابر ]. وقد مر ذكرهم."
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الحج شرح سنن أبي داود [225] الحلقة (256) شرح سنن أبي داود [225] الوقوف بعرفة ركن من أركان الحج، بل هو ركن الحج الأعظم الذي إذا فات فقد فات الحج، فينبغي أن يحرص الحاج على الوقوف داخل حدود عرفة، حتى لا يبطل حجه إذا ما وقف خارج حدود عرفة، والنبي صلى الله عليه وسلم أتى عرفة فنزل بنمرة، حتى إذا كان عند صلاة الظهر قام صلى الله عليه وسلم فجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم، ثم خطب الناس، ثم وقف على الموقف من عرفة، فلما غابت الشمس دفع من عرفة جهة المزدلفة بالسكينة والوقار، فلما وصل المزدلفة بدأ بصلاة المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين. الوقوف بعرفة شرح حديث: (كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة، وكان سائر العرب يقفون بعرفة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الوقوف بعرفة. حدثنا هناد عن أبي معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة -وكانوا يسمون الحمْس- وكان سائر العرب يقفون بعرفة، قالت: فلما جاء الإسلام أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يأتي عرفات فيقف بها ثم يفيض منها، فذلك قوله تعالى ![]() تراجم رجال إسناد حديث: (كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة، وكان سائر العرب يقفون بعرفة...) قوله: [ حدثنا هناد ]. هو هناد بن السري وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي معاوية ]. هو محمد بن خازم الضرير الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام بن عروة ]. هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو عروة بن الزبير بن العوام وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. هي الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها وأرضاها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. الخروج إلى منى يوم التروية شرح حديث: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر يوم التروية والفجر يوم عرفة بمنى) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الخروج إلى منى. حدثنا زهير بن حرب حدثنا الأحوص بن جواب الضبي حدثنا عمار بن رزيق عن سليمان الأعمش عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الظهر يوم التروية والفجر يوم عرفة بمنى) ]. قوله: [ باب الخروج إلى منى ]. الخروج من مكة إلى منى يعتبر أول أعمال الحج في المشاعر، والذهاب إلى منى في يوم التروية والمبيت ليلة التاسع فيها من سنن الحج، والنبي صلى الله عليه وسلم كان نازلاً بالأبطح أربعة أيام؛ لأنه صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الرابع من شهر ذي الحجة ودخلها ضحى، فجلس فيها اليوم الرابع والخامس والسادس والسابع، وفي اليوم الثامن ضحى خرج منها وصلى الظهر بمنى، فدل هذا على أن السنة أن يصلي الناس الظهر بمنى وهم محرمون، وأن الذين كانوا متحللين وكذلك أهل مكة الذين يريدون الحج يحرمون من منازلهم في اليوم الثامن، ويذهبون إلى منى ويصلون بها الظهر، أما من كان نازلاً بمنى من الأصل فإنه يحرم من منزله في منى، وكونه نازلاً قبل اليوم الثامن بمنى هذا لا علاقة له بالحج، فهو مثل نزوله في محرم وفي صفر وفي ربيع، وإنما الذي له علاقة بالحج هواليوم الثامن، حيث يصلي بها الظهر وهو محرم كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإنه كان باقياً على إحرامه وكان في الأبطح، وأصحابه الذين كانوا قد أحلوا أحرموا في الأبطح ودخلوا في الإحرام، ثم ذهبوا إلى منى وصلوا بها الظهر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (والفجر يوم عرفة بمنى) ] يعني: أنه صلى خمس صلوات بمنى عليه الصلاة والسلام: الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، وخرج بعد طلوع الشمس من منى إلى عرفات. إذاً: السنة أن يكون الإنسان في منى من وقت صلاة الظهر وهو محرم. تراجم رجال إسناد حديث: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر يوم التروية والفجر يوم عرفة بمنى) قوله: [ حدثنا زهير بن حرب ]. زهير بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي. [ حدثنا الأحوص بن جواب الضبي ]. الأحوص بن جواب الضبي صدوق ربما وهم، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. [ حدثنا عمار بن رزيق ]. عمار بن رزيق لا بأس به، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن سليمان الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي لقبه الأعمش وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحكم ]. هو الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مقسم ]. هو مقسم مولى ابن عباس، وهو صدوق أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر يوم التروية بمنى والعصر يوم النفر بالأبطح قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا إسحاق الأزرق عن سفيان عن عبد العزيز بن رفيع قال: سألت أنس بن مالك رضي الله عنه قلت: (أخبرني بشيء عقلته عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أين صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الظهر يوم التروية؟ فقال: بمنى. قلت: فأين صلى العصر يوم النفر؟ قال: بالأبطح، ثم قال: افعل كما يفعل أمراؤك) ]. قوله: [ (أخبرني بشيء عقلته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أين صلى الظهر يوم التروية؟ فقال: بمنى، قلت: فأين صلى العصر يوم النفر؟...) ] أي: النفر الثاني؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تأخر إلى اليوم الثالث عشر؛ لأن أيام النحر أربعة: يوم العيد، واليوم الحادي عشر، ويقال له: يوم القر، أي: أن كل الحجاج قروا بمنى واستقروا بها لم ينفر أحد؛ لأنه لابد من المكث في منى، واليوم الثاني عشر هو يوم النفر الأول للمتعجل، واليوم الثالث عشر هو يوم النفر الثاني، وذلك لمن تأخر وأراد أن يجلس في منى ثلاثة أيام بعد يوم العيد ويرمي الجمار بعد الزوال ثم ينفر، والنبي صلى الله عليه وسلم صلى العصر في يوم النفر بعد رمي الجمار في الأبطح الذي هو المحصب الذي كان نازلاً فيه أولاً لما قدم من المدينة، فلما رجع بات به تلك الليلة، ثم سافر إلى المدينة بعد أن طاف طواف الوداع. قوله: [ (افعل كما يفعل امراؤك) ]. يعني: أن الإنسان يتابع الأمراء فيما هو سائغ وفيما هو مشروع، والإنسان له أن يتعجل ولا ينتظر إلى ذلك اليوم الذي مكث فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم أيضاً كون الناس ينزلون في الأبطح هذا ليس بلازم؛ لأن النزول في الأبطح -كما سيأتي- ليس من سنن الحج وليس من المناسك، وإنما نزل به صلى الله عليه وسلم لأنه أسمح لطريقه، وفي المسألة خلاف لكن الصحيح أنه ليس بنسك. تراجم رجال إسناد حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر يوم التروية بمنى والعصر يوم النفر بالأبطح قوله: [ حدثنا أحمد بن إبراهيم ]. هو أحمد بن إبراهيم الدورقي، وهو ثقة أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجه. [ حدثنا إسحاق الأزرق ]. هو إسحاق بن يوسف الأزرق وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد العزيز بن رفيع ]. عبد العزيز بن رفيع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. هو أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. الخروج إلى عرفة شرح حديث: (غدا رسول الله صلى الله عليه وسلم من منى حين صلى الصبح يوم عرفة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الخروج إلى عرفة. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (غدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من منى حين صلى الصبح صبيحة يوم عرفة، حتى أتى عرفة فنزل بنمرة -وهي منزل الإمام الذي ينزل به بعرفة- حتى إذا كان عند صلاة الظهر راح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مهجِّراً فجمع بين الظهر والعصر، ثم خطب الناس، ثم راح فوقف على الموقف من عرفة) ]. قوله: [ باب الخروج إلى عرفة ]. يعني: الخروج من منى إلى عرفة، ويكون في صبيحة يوم عرفة، ويكون ذلك بعد طلوع الشمس كما جاءت في ذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرسول عليه الصلاة والسلام نزل بنمرة وهي قريبة من عرفة، ولكن النزول بها ليس أمراً لازماً، فالناس يمكن أن يذهبوا إلى عرفة وينزلوا بها، ومن تيسر له أن يأتي ويحضر إلى المسجد ويصلي مع نائب الإمام الذي يصلي في مسجد نمرة ويستمع الخطبة فهذا حسن، وإلا فإن الإنسان يكون في أي مكان من عرفة ويستقر به، ويبقى حتى غروب الشمس، والنبي صلى الله عليه وسلم نزل بنمرة، ولما زالت الشمس تقدم وصلى بالناس ثم خطب بهم، وقد سبق في حديث جابر أنه خطبهم قبل الصلاة ولم يخطب بعد الصلاة، فيحتمل أن تكون هذه الخطبة الثانية غير محفوظة وأن الخطبة الأولى التي قبل الصلاة هي المحفوظة، أو أنه تحدث معهم بشيء يتعلق بالمناسك، فقيل له خطبة، وإلا فإنه ليس هناك خطبتان خطبة قبل الصلاة وخطبة بعد الصلاة، وإنما الخطبة قبل الصلاة، كما سبق في حديث جابر الطويل الذي ذكر فيه جملة مما اشتملت عليه الخطبة: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام.. إلخ). فإما أن تكون هذه الخطبة التي بعد الصلاة غير محفوظة، أو أن المقصود بها أنه تحدث معهم بشيء يتعلق بالمناسك فسمي خطبة. قوله: [ (ثم راح فوقف على الموقف بعرفة) ]. يعني: مشى صلى الله عليه وسلم بعد الزوال حتى وقف في المكان الذي وقف فيه، وقد قال عليه الصلاة والسلام كما سبق: (وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف). تراجم رجال إسناد حديث: (غدا رسول الله صلى الله عليه وسلم من منى حين صلى الصبح يوم عرفة...) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يعقوب ]. هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبي ]. أبوه هو إبراهيم بن سعد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن. [ حدثني نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. الرواح إلى عرفة شرح حديث: (لما أن قتل الحجاج ابن الزبير أرسل إلى ابن عمر أية ساعة كان رسول الله يروح في هذا اليوم...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الرّواح إلى عرفة. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا وكيع حدثنا نافع بن عمر عن سعيد بن حسان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (لما أن قتل الحجاج ابن الزبير أرسل إلى ابن عمر: أية ساعة كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يروح في هذا اليوم؟ قال: إذا كان ذلك رحنا، فلما أراد ابن عمر أن يروح قالوا: لم تزغ الشمس، قال: أزاغت؟ قالوا: لم تزغ أو زاغت، قال: فلما قالوا: قد زاغت ارتحل) ]. قوله: [ باب الرواح إلى عرفة ]. في الترجمة السابقة: [ باب الخروج إلى عرفة ] أي: الخروج من منى إلى عرفة، وهنا الرواح يعني: بعدما يصلي الظهر والعصر جمع تقديم والخطبة قبل ذلك فإنه يرتحل إلى عرفة بحيث يقف بها. فالحجاج لما قتل ابن الزبير وكان عبد الملك بن مروان قد أمره أن يتابع ويرجع إلى عبد الله بن عمر، ويسير في الحج وفقاً لتعليمه وإرشاده، فالحجاج سأل عن ساعة الذهاب والرواح، فقال له ابن عمر: (إذا كان ذلك رحنا) يعني: إذا جاءت الساعة التي يشرع لنا أن نمشي فيها مشينا. قوله: [ فلما أراد ابن عمر أن يروح. قالوا: لم تزغ الشمس، قال: أزاغت؟ قالوا: لم تزغ أو زاغت، قال: فلما قالوا: قد زاغت ارتحل ]. يعني: لما قالوا: زاغت الشمس ارتحل. تراجم رجال إسناد حديث: (لما أن قتل الحجاج ابن الزبير أرسل إلى ابن عمر: أية ساعة كان رسول الله يروح في هذا اليوم...) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا نافع بن عمر ]. نافع بن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن حسان ]. سعيد بن حسان مقبول، أخرج له أبو داود وابن ماجه. [ عن ابن عمر ]. ابن عمر قد مر ذكره. الخطبة على المنبر بعرفة شرح حديث: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر بعرفة) وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الخطبة على المنبر بعرفة. حدثنا هناد عن ابن أبي زائدة حدثنا سفيان بن عيينة عن زيد بن أسلم عن رجل من بني ضمرة عن أبيه أو عمه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو على المنبر بعرفة) ]. قوله: [ عن رجل من بني ضمرة عن أبيه أو عمه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر بعرفة) ] والحديث ضعيف؛ لأن فيه رجلاً مجهولاً، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما خطب على ناقته كما جاءت بذلك الأحاديث. إذاً: ذكر المنبر فيما يتعلق بعرفة غير ثابت؛ لأنه جاء عن طريق رجل مبهم غير معروف. قوله: [ حدثنا هناد عن ابن أبي زائدة ]. هو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان بن عيينة ]. سفيان بن عيينة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد بن أسلم ]. زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن رجل من بني ضمرة عن أبيه أو عمه ]. الرجل هذا مجهول وأبوه أو عمه وهو صحابي أيضاً غير معروف، لكن جهالة الصحابي لا تؤثر، وإنما الذي يؤثر جهالة غير الصحابة. شرح حديث: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم واقفاً بعرفة على بعير أحمر يخطب) وترجمة رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن داود عن سلمة بن نبيط عن رجل من الحي عن أبيه نبيط رضي الله عنه: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم واقفاً بعرفة على بعير أحمر يخطب) ]. حديث نبيط بن شريط رضي الله عنه: [ (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم واقفاً بعرفة على بعير أحمر يخطب) ] يعني: أنه كان يخطب على ناقته صلى الله عليه وسلم. قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن داود ]. مسدد بن مسرهد مر ذكره، و عبد الله بن داود الخريبي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن سلمة بن نبيط ]. سلمة بن نبيط ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي في الشمائل، والنسائي وابن ماجه. [ عن رجل من الحي عن أبيه نبيط ]. هو نبيط بن شريط، صحابي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجه. شرح حديث: (رأيت رسول الله يخطب الناس يوم عرفة على بعير قائم في الركابين) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد بن السري وعثمان بن أبي شيبة قالا: حدثنا وكيع عن عبد المجيد قال: حدثني العداء بن خالد بن هوذة رضي الله عنهما، قال هناد: عن عبد المجيد أبي عمرو قال: حدثني خالد بن العداء بن هوذة قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطب الناس يوم عرفة على بعير قائم في الرِّكابين) ]. قوله: [ (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم عرفة على بعير قائم في الرّكابين)] يعني: أنه صلى الله عليه وسلم كان جالساً على البعير، وليس معناه أنه واقف على البعير، فهو مثل الوقوف بعرفة بحيث يشمل الجالس والواقف. قوله: [ (في الركابين) ]. المقصود بالركابين: محل الرجلين، أو المقصود أنه قائم في الناس، ولا يلزم أن يكون الناس كلهم على إبل، ويمكن أن يكون معناه: أنه الركاب الذي يجلس الإنسان عليه ويضع رجليه عليه. تراجم رجال إسناد حديث: (رأيت رسول الله يخطب الناس يوم عرفة على بعير قائم في الركابين) قوله: [ حدثنا هناد بن السري و عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي في عمل اليوم والليلة، وابن ماجه. [ حدثنا وكيع ]. مر ذكره. [ عن عبد المجيد ]. عبد المجيد أبو عمرو وثقه ابن معين وأخرج له أصحاب السنن. [ حدثني العداء بن خالد بن هوذة ]. العداء بن خالد بن هوذة هو صحابي أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ قال هناد: عن عبد المجيد أبي عمرو ]. هناد هو أحد الشيخين زاد على كلمة عبد المجيد عن أبي عمرو ، وأبو عمرو هي كنية عبد المجيد . [ قال: حدثني خالد بن العداء بن هوذة ]. هنا قلب في الاسم، بدل العداء بن خالد خالد بن العداء . [ قال أبو داود: رواه ابن العلاء عن وكيع كما قال هناد ]. ابن العلاء هو محمد بن العلاء أبو كريب وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن وكيع كما قال هناد ]. هناد الذي قال: عن عبد المجيد أبي عمرو، وقال: خالد بن العداء ، لكن الصواب مع عثمان بن أبي شيبة الذي قال: العداء بن خالد . طريق أخرى لحديث: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم عرفة على بعير قائم في الركابين) وتراجم رجال الإسناد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عباس بن عبد العظيم حدثنا عثمان بن عمر حدثنا عبد المجيد أبو عمرو عن العداء بن خالد بمعناه ]. فيه تقديم العداء على خالد ، كما قال عثمان بن أبي شيبة، وفيه زيادة أبي عمرو كما قال هناد. قوله: [ حدثنا عباس بن عبد العظيم ]. هو عباس بن عبد العظيم العنبري وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا عثمان بن عمر ]. عثمان بن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد المجيد أبو عمرو عن العداء بن خالد بمعناه ]. وقد مر ذكرهما. موضع الوقوف بعرفة شرح حديث (... قفوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب موضع الوقوف بعرفة. حدثنا ابن نفيل حدثنا سفيان عن عمرو -يعني ابن دينار - عن عمرو بن عبد الله بن صفوان عن يزيد بن شيبان رضي الله عنه قال: (أتانا ابن مربع الأنصاري رضي الله عنه ونحن بعرفة في مكان يباعده عمرو عن الإمام فقال: أما إني رسول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليكم يقول لكم: قفوا على مشاعركم، فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم) ]. قوله: [ عن يزيد بن شيبان قال: (أتانا ابن مربع الأنصاري ونحن بعرفة) ]. يعني: أن ابن مربع الأنصاري أتاهم وهم بعرفة، ويزيد بن شيبان صحابي وابن مربع صحابي. قوله: [ (في مكان يباعده عمرو عن الإمام) ] أي: أنه بعيد عن المكان الذي وقف فيه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: [ (أما إني رسول رسول الله إليكم يقول لكم: قفوا في مشاعركم، فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم) يعني: هذه الأماكن التي أنتم فيها هي موقف، وليس الأمر مقصوراً على موقف الإمام، بل كل عرفة موقف، وأنتم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم، ولهذا لما وقف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة قال: (وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف)ولما جاء مزدلفة قال: (وقفت هاهنا ومزدلفة كلها موقف)ولما جاء منى قال: (نحرت هاهنا ومنى كلها منحر) يعني: أن الحكم لا يقتصر على المكان الذي هو فيه عليه الصلاة والسلام، بل هو شامل للبقعة التي هي عرفة ومزدلفة ومنى. ويدل أيضاً على أن هذه المشاعر موروثة عن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام.
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
![]() تراجم رجال إسناد حديث: (... قفوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم) قوله: [ حدثنا ابن نفيل ]. هو عبد الله بن محمد النفيلي وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن عيينة . [ عن عمرو يعني ابن دينار ]. عمرو بن دينار المكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن عبد الله بن صفوان ]. هو عمرو بن عبد الله بن صفوان الجمحي المكي صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجه . [ عن يزيد بن شيبان ]. يزيد بن شيبان صحابي، أخرج له أصحاب السنن. [ أتانا ابن مربع الأنصاري ]. ابن مربع هو زيد أو يزيد وحديثه أخرجه أصحاب السنن. أما كيف كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يسمعون خطبته مع هذا الجمع الغفير؟! فيبدو والله أعلم أنه كان يسمعه من حوله ويبلغ بعضهم بعضاً، أما أنه كان هناك شيء خارق للعادة فما علمناه. صفة الدفع من عرفة شرح حديث: (... أيها الناس! عليكم بالسكينة فإن البر ليس بإيجاف الخيل والإبل...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الدفعة من عرفة. حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان عن الأعمش (ح) وحدثنا وهب بن بيان حدثنا عبيدة حدثنا سليمان الأعمش المعنى، عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (أفاض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عرفة وعليه السكينة ورديفه أسامة رضي الله عنه، وقال: أيها الناس عليكم بالسكينة، فإن البر ليس بإيجاف الخيل والإبل، قال: فما رأيتها رافعة يديها عادية حتى أتى جمعاً، زاد وهب: ثم أردف الفضل بن العباس رضي الله عنهما وقال: أيها الناس إن البر ليس بإيجاف الخيل والإبل، فعليكم بالسكينة. قال: فما رأيتها رافعة يديها حتى أتى منى) ]. قوله: [ باب الدفعة من عرفة]. يعني: كيف يدفع الناس من عرفة إلى مزدلفة، وكما بينا سابقاً إذا غربت الشمس فإنه يحصل الدفع من عرفة إلى مزدلفة والاتجاه إليها، وكيفية الدفع وطريقته مثلما جاء في هذا الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: [ (أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة وعليه السكينة ورديفه أسامة، وقال: عليكم بالسكينة، فإن البر ليس بإيجاف الخيل والإبل) ] يعني: ليس البر بالإسراع. قوله: [ (فما رأيتها رافعة يديها عادية حتى أتى جمعاً) ]. يعني: أنه عليه الصلاة والسلام -كما جاء عنه- شنق زمام ناقته حتى إنه ليصيب مورك رحله، أي: موضع رجليه، وإذا جاء حبل من الحبال أرخى لها حتى تصعد، وما رآها رافعة يديها تعدو وتسرع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ بخطامها ومنعها من السرعة، وإنما كان يرخي لها إذا كان أمامها حبل من الحبال، أي: تل من التلال؛ لأنها لا تستطيع أن تسرع في ذلك المكان، ولهذا قال: [ ( فما رأيتها رافعة يديها عادية حتى أتى جمعاً) ] أي: حتى أتى مزدلفة، وكان الدفع بالسكينة والهدوء وعدم الإسراع، ولهذا قال: [ (ليس البر بإيجاف الخيل) ] وجاء في بعض الروايات: (ليس البر بالإيضاع) الذي هو الإسراع. تراجم رجال إسناد حديث: (... أيها الناس! عليكم بالسكينة فإن البر ليس بإيجاف الخيل والإبل...) قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران وقد مر ذكره. [ (ح) وحدثنا وهب بن بيان ]. وهب بن بيان ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي. [ حدثنا عبيدة ]. هو عبيدة بن حميد وهو صدوق ربما أخطأ، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا سليمان الأعمش عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس ]. سليمان الأعمش و الحكم و مقسم و ابن عباس قد مر ذكرهم. شرح حديث أسامة: (أخبرني كيف فعلتم عشية ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس حدثنا زهير (ح) وحدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان -وهذا لفظ حديث زهير - (حدثنا إبراهيم بن عقبة أخبرني كريب أنه سأل أسامة بن زيد رضي الله عنهما قلت: (أخبرني كيف فعلتم أو صنعتم عشية ردفت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: جئنا الشعب الذي ينيخ الناس فيه للمعرس، فأناخ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ناقته، ثم بال -وما قال زهير : أهراق الماء- ثم دعا بالوضوء فتوضأ وضوءاً ليس بالبالغ جداً، قلت: يا رسول الله! الصلاة؟ قال: الصلاة أمامك. قال: فركب حتى قدمنا المزدلفة فأقام المغرب، ثم أناخ الناس في منازلهم ولم يحلوا حتى أقام العشاء وصلى، ثم حل الناس) زاد محمد في حديثه: (قال: قلت: كيف فعلتم حين أصبحتم؟ قال: ردفه الفضل وانطلقت أنا في سباق قريش على رجلي) ]. قوله: [ (قلت: أخبرني كيف فعلتم أو صنعتم عشية ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟) ] يعني: عندما كنت رديفه من عرفة إلى مزدلفة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حين انطلاقه من عرفة إلى مزدلفة كان رديفه أسامة بن زيد، وحين انطلاقه من مزدلفة إلى منى كان رديفه الفضل بن العباس، وأخبر أنه صلى الله عليه وسلم لما جاء عند الشعب وهو في الطريق من عرفة إلى مزدلفة ويقال له: المعرس، نزل فبال. قوله: [ (وما قال زهير : أهراق الماء) ] يعني: أنه قال: بال ولم يقل: أهراق الماء، وأهراق الماء كناية عن البول، فهنا نص على أنه بال ولم يقل: أهراق المال. قوله: [ (ثم دعا بالوضوء فتوضأ وضوءاً ليس بالبالغ جداً) ]. يحتمل أن يكون وضوءاً لغوياً وهو كونه غسل يديه، ويحتمل أن يكون وضوءاً شرعياً الذي هو غسل أعضاء الوضوء، ولكن ليس فيه تكرار وليس فيه إسباغ. قوله: [ (قلت: يا رسول الله الصلاة؟) ]. فيه إشارة إلى أنه كان وضوءاً شرعياً؛ لأنه نبهه على الصلاة، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (الصلاة أمامك) ] يعني: ليست الصلاة هنا، وهذا يدل على أن الحجاج يؤخرون الصلاة إلى مزدلفة ولا يصلون لا بعرفة ولا في الطريق، إلا إن جاء نصف الليل ولم يصلُوا إلى مزدلفة فإنهم يصلون قبل أن ينتصف الليل في الطريق؛ لأن العشاء ينتهي وقتها بنصف الليل فلا تؤخر الصلاة عن وقتها، لكن حيث كان ممكناً أن يصلوا إلى مزدلفة قبل نصف الليل وأن يصلُّوا الصلاتين في مزدلفة قبل نصف الليل فهذا هو المشروع، ولكن حيث يغلب على ظنهم أنهم لا يصلون مزدلفة إلا بعد نصف الليل فإنهم يصلون في الطريق. قوله: [ (فركب حتى قدمنا المزدلفة فقام المغرب) ]. يعني: فركب حتى وصلنا إلى مزدلفة فأقيمت صلاة المغرب؛ وهنا ليس فيه ذكر الأذان، ولكن جاء في بعض الأحاديث أنه بأذان واحد وإقامتين، يعني: أذن للصلاة ثم أقيمت صلاة المغرب ثم بعد ذلك أقيمت صلاة العشاء وصلوا العشاء. قوله: [ (ثم أناخ الناس في منازلهم) ]. يعني: بين الصلاتين، وجاء في بعض الروايات (أنهم حلوا عن الرحال) وهذا يدلنا على المبادرة إلى الصلاة، وأن الإنسان إذا وصل إلى مزدلفة فأول شيء يفعله الصلاة، لا يشتغل بشواغل أخرى كأن يلقط الحصى مثلما يفعله بعض الناس، وكأن أهم شيء في مزدلفة هو لقط الحصى، بل ينبغي للإنسان حين يصل إلى مزدلفة أن يبدأ بالصلاة ثم ينام إلى طلوع الفجر، ثم بعد ذلك يقف ويدعو، وعند قرب طلوع الشمس يتجه إلى منى، هذا هو هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه: أنهم أناخوا أو حلوا عن الرحال بين الصلاتين، وهذا يدل على أن العمل اليسير بين الصلاتين المجموعتين الذي يحتاج إليه لا يؤثر على الجمع. قوله: [ زاد محمد في حديثه: (قال: قلت: كيف فعلتم حين أصبحتم؟ قال: ردفه الفضل وانطلقت أنا في سباق قريش على رجلي) ]. يعني أن أسامة بن زيد رضي الله عنه كان ردفه إلى مزدلفة، وبعد ذلك ردفه الفضل وانطلق أسامة رضي لله عنه في سباق قريش على رجليه. تراجم رجال إسناد حديث أسامة: (أخبرني كيف فعلتم عشية ردفت رسول الله؟...) قوله: [ حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ]. أحمد بن عبد الله بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ (ح) وحدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان وهذا لفظ حديث زهير حدثنا إبراهيم بن عقبة ]. إبراهيم بن عقبة ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه. [ أخبرني كريب ]. هو كريب مولى ابن عباس وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أنه سأل أسامة بن زيد ]. أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (... السكينة أيها الناس! ودفع حين غابت الشمس) قال المصنف رحمه اله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن آدم حدثنا سفيان عن عبد الرحمن بن عياش عن زيد بن علي عن أبيه عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي رضي الله عنه قال: (ثم أردف أسامة رضي الله عنه فجعل يعنق على ناقته، والناس يضربون الإبل يميناً وشمالاً لا يلتفت إليهم، ويقول: السكينة أيها الناس! ودفع حين غابت الشمس) ]. في هذا الحديث: أن النبي عليه الصلاة والسلام انصرف حين غابت الشمس، وهذا يدل على أن الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس، وأنه ليس للإنسان أن ينصرف منها قبل الغروب، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لما دفع كان يعنق على ناقته، يعني: يسير سيراً خفيفاً يقال له: العنق، وقد جاء في الحديث الصحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسير العنق، فإذا وجد فجوة نص) يعني: أسرع إسراعاً خفيفاً. قوله: [ (والناس يضربون الإبل يميناً وشمالاً) ]. يعني: يمشون يريدون أن يسرعوا، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يلتفت إليهم كما قال هنا، ولكن الصحيح أنه كان يلتفت إليهم كما جاء عند الترمذي وأشار إليه الألباني رحمه الله، وهذا هو الذي يناسب المعنى؛ لأنه كان يلتفت إليهم ويشير لهم: (السكينة السكينة). قوله: [ (ويقول: السكينة أيها الناس! ودفع حين غابت الشمس) ]. يعني: لا تسرعوا ولا تضربوا الإبل من أجل أن تسرع، بل سيروا بالسكينة والهدوء. وقد مر أنه قال: (ليس البر بإيجاف الخيل)وقال: (ليس البر بالإيضاع) الذي هو الإسراع. تراجم رجال إسناد حديث: (... السكينة أيها الناس! ودفع حين غابت الشمس) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن آدم ]. أحمد بن حنبل مر ذكره، و يحيى بن آدم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان عن عبد الرحمن بن عياش ]. هو عبد الرحمن بن الحارث بن عياش، وهو مقبول أخرج له أبو داود. [ عن زيد بن علي ]. هو زيد بن علي بن الحسين ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي في مسند علي، وابن ماجه. [ عن أبيه ]. هو علي بن الحسين وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن أبي رافع ]. عبيد الله بن أبي رافع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علي ]. هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين أبو السبطين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. شرح حديث أسامة: (كان يسير العنق فإذا وجد فجوة نص) وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: (سئل أسامة بن زيد رضي الله عنه وأنا جالس: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسير في حجة الوداع حين دفع؟ قال: كان يسير العنق، فإذا وجد فجوة نص) قال هشام: النص فوق العنق ]. حديث أسامة فيه وصف سير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يسير العنق وهو سير خفيف. قوله: [ (فإذا وجد فجوة نص) ] يعني: زاد عن هذا المشي حتى يتقدم، ما دام أنه لا يوجد زحام ولا إيذاء لأحد فإنه يسرع إسراعاً خفيفاً، لكنه ليس الإسراع الذي يكون فيه عدو، كما مر قوله: (ما رفعت يديها عادية) يعني: الإسراع الشديد. قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه. [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام بن عروة ]. هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو عروة بن الزبير وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: سئل أسامة بن زيد ]. مر ذكره. شرح حديث: (فلما وقعت الشمس دفع رسول الله) وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه اله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني إبراهيم بن عقبة عن كريب مولى عبد الله بن عباس عن أسامة رضي الله عنه أنه قال: (كنت ردف النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلما وقعت الشمس دفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) ]. هذا الحديث أيضاً عن أسامة، وأنه كان ردف النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لما وقعت الشمس وغابت وتوارت دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة إلى مزدلفة، وهذا يدل على أن الدفع إنما يكون بعد الغروب. قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يعقوب عن أبيه عن ابن إسحاق حدثني إبراهيم بن عقبة عن كريب عن أسامة ]. كلهم مر ذكرهم. شرح حديث: (دفع رسول الله من عرفة حتى إذا كان بالشعب نزل فبال وتوضأ...) وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن موسى بن عقبة عن كريب مولى عبد الله بن عباس عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه سمعه يقول: (دفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عرفة، حتى إذا كان بالشعب نزل فبال فتوضأ ولم يسبغ الوضوء، قلت له: الصلاة؟ فقال: الصلاة أمامك، فركب فلما جاء المزدلفة نزل فتوضأ فأسبغ الوضوء، ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب، ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله، ثم أقيمت العشاء فصلاها، ولم يصل بينهما شيئاً) ]. في حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم دفع ونزل بالشعب وقضى حاجته وتوضأ وضوءاً لم يسبغه، فقال له: [ (الصلاة؟ فقال: الصلاة أمامك) ] كما مر في الرواية السابقة، وفيه أنه لما وصل إلى مزدلفة توضأ وأسبغ الوضوء، ويمكن أن يكون وضوءاً على وضوء، أو أنه حصل منه حدث بعد الوضوء الأول. قوله: [ (ولم يصل بينهما شيئاً) ]. يعني: لم يتنفل بينهما. قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن موسى بن عقبة ]. موسى بن عقبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن كريب عن أسامة بن زيد ]. قد مر ذكرهما. الأسئلة حكم من استمنى في منى وهو حاج السؤال: شخص يذكر أنه حج قبل عشرين سنة، وكان جاهلاً بأحكام الحج، وأنه استمنى في منى جاهلاً بالحكم، فماذا عليه وقد حج بعد تلك الحجة مرات؟ الجواب: الاستمناء حرام لا يجوز، والله تعالى يقول: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المؤمنون:5-7 ]، يعني: كل ما وراء الزوجة وملك اليمين فهو عدوان، ومن ذلك الاستمناء؛ لأنه قضاء للشهوة فيما حرم الله. والله تعالى لم يحل إلا الأزواج وملك اليمين من الإماء اللاتي يملكهن الإنسان، وما عدا ذلك فهو عدوان لا يجوز له ذلك، وعليه أن يتوب إلى الله عز وجل، وأن يندم على ما قد حصل منه، وإذا كان هذا في منى فالأمر هين، وأما إن كان قبل ذلك فإن الأمر أخطر، ولكن كل ما في الأمر أن الإنسان يتوب إلى الله عز وجل ولا يعود إلى مثل هذا العمل السيئ المحرم الذي لا يسوغ ولا يجوز. أما من ناحية الكفارة عن الاستمناء فلا نعلم عليه كفارة؛ لأنه ما حصل جماع، والذي يفسد الحج هو الجماع، أما غيره فلا يفسد الحج، وكذلك لو حصل ملامسة فلا كفارة فيها، لكن الإنسان يأثم. المقصود بقوله: (يخطب الناس يوم عرفة على بعير قائم) السؤال: قوله: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم عرفة على بعير قائم في الركابين) قوله: (قائم) ألا تكون صفة للبعير؟ الجواب: النبي صلى الله عليه وسلم لم يخطب على البعير وهو بارك؛ لأنه خطب على البعير وهو قائم حتى يراه الناس، ويبدو أن المقصود بقوله: (قائم) النبي صلى الله عليه وسلم وليس البعير. حكم حج المرأة أثناء عدة الوفاة السؤال: حضر الوالد والوالدة لأداء العمرة في رمضان، ومرض الوالد وتوفي بالمدينة، فهل يجوز للوالدة الحج، مع العلم أنها الآن في حال عدة الوفاة، وكانت نية الوالد العمرة فقط؟ الجواب: ما دام أنها وصلت وهي لم تحج فكونها تحج مع ولدها فهذا شيء طيب، ولو كان في نية الوالد أنه يعتمر ويرجع، ويجوز للإنسان أن يحج ولو جاء لقصد العمرة، لكن مادام أنها في العدة فالأولى لها ألا تحج وإنما ترجع إلى بلدها. حكم من أوقف بعض كتبه بعد وفاته دون تعيين السؤال: لي مكتبة وقد قلت: أوقفت بعض كتبي بعد وفاتي؟ الجواب: هذا مبهم لا يصلح؛ لأن الموقوف لابد أن يحدد، إما أن يحدد كتباً معينة أو نوعاً من الكتب، أما قوله: أوقفت بعض كتبي، فهذا الوقف غير محدد وغير معروف. أما كون الوقف بعد وفاته فبعد وفاته تصير وصية، والوصية يمكن للإنسان أن يغيرها. علاج الخجل الزائد السؤال: عندي حياء فوق العادة لا أستطيع أن أقرأ أمام الناس حتى سورة الفاتحة، ولا أستطيع أن أؤم الناس للصلاة وأنا حافظ لكتاب الله كاملاً، أرشدوني كيف أدفع هذا الأمر؟ الجواب: عليه أن يتعلم الشجاعة، وأن يمرن نفسه على أن يقرأ عند الناس ويصلي بالناس، ويعالج نفسه بأن يترك هذا الشيء الذي يجعله لا يستفيد منه أحد ولا يفيد أحداً، عليه أن يتعود على أن يخطب وأن يقرأ، ويمكن أن يقرأ بحضرة أقاربه أمه وإخوانه، ثم ينتقل بعد ذلك إلى أن يقرأ في المسجد. وهذا لا يسمى حياء، بل هو في الحقيقة ضعف، كذلك عليه أن يدعو بالأدعية النافعة التي منها: (اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل)، وغير ذلك من الأدعية النافعة. حكم لحم الهرة وسؤرها السؤال: ما حكم أكل لحم الهرة وسؤرها؟ الشيخ: لحم الهرة حرام، أما سؤرها فكما هو معلوم أنه طاهر، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ فجاءت هذه فأمال لها الإناء فصارت تشرب، فسؤرها طاهر. حكم رفع الإزار إلى نصف الساق السؤال: رفع الإزار إلى نصف الساق هل هو الحد الأعلى لرفع الإزار أم أنه الأفضل في ذلك؟ الجواب: الذي يبدو أن رفع الإزار إلى نصف الساق هو الحد الأعلى، وله أن ينزله إلى ما دون الكعبين. حكم من ذهب إلى مكة للحج وأراد الذهاب إلى جدة لغرض معين السؤال: شخص نوى الحج فلما وصل إلى مكة أراد أن يذهب إلى جدة لزيارة الأقارب قبل وقت الحج ثم يرجع لأداء مناسك الحج، فهل يجوز له ذلك؟ الجواب: إذا كان قارناً أو مفرداً وذهب إلى جدة وعليه الإحرام فلا بأس بذلك. وإن كان متمتعاً وقد طاف وسعى وقصر، فله أن يذهب إلى جدة وأن يرجع ولا بأس بذلك ويحج في وقت الحج. حكم السعي في الأدوار الثلاثة وبيان أفضلها السؤال: هل الأفضل السعي في الدور الأول أو الثاني أو الثالث؟ الجواب: الأفضل السعي في الدور الأول الأرضي فهو الأصل، أما الأدوار الأخرى فإنما يصار إليها عند الحاجة. حكم حديث: (إنا كنا في رحالنا والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب بعرفة ونحن نسمع) السؤال: رأيت في كتاب معجزة النبي صلى الله عليه وسلم قول الصحابي: (إنا كنا في رحالنا والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب بعرفة ونحن نسمع؟) الجواب: الكلام على وجود ذلك بالإسناد، فإذا وجد وصح الإسناد يسلم به، والله تعالى قادر على كل شيء، ومن ذلك أن يوصل الكلام إلى حيث شاء من الناس، لكن لا يكفي مجرد الظن أو مجرد الذكر بدون أساس؛ لأن هذه أمور لا يصار إليها إلا بالدليل. والله تعالى أعلم."
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الحج شرح سنن أبي داود [226] الحلقة (257) شرح سنن أبي داود [226] إذا وصل الحاج إلى مزدلفة فإنه يصلي المغرب والعشاء جمعاً، فإن وصل في وقت المغرب صلاهما جمع تقديم، وإن وصل في وقت العشاء صلاهما جمع تأخير، ولا يبدأ بأي عمل قبل الصلاة، فإذا صلى بات بها إلى أن يصلي الفجر ثم ينتظر حتى يسفر جداً ثم يدفع، ويجوز للضعفة من النساء والصبيان ونحوهم أن يتعجلوا فيدفعوا من مزدلفة آخر الليل قبل الفجر. الصلاة بالمزدلفة شرح حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعاً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الصلاة بجمع. حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعاً) ]. قوله: [ باب الصلاة بجمع ]. أي: يجمع بين صلاة المغرب والعشاء بالمزدلفة ليلة يوم النحر؛ لأن الإنسان يدفع من عرفة إذا غابت الشمس ولا يصلي بعرفة المغرب والعشاء ولا بالطريق، وإنما يستمر في السير حتى يصل المزدلفة ويصلي بها المغرب والعشاء جميعاً. لكن إذا تأخر الإنسان في السير أو حصل له مانع يمنعه من الوصول إلى مزدلفة قبل نصف الليل، فإنه يصلي المغرب والعشاء قبل منتصف الليل في الطريق؛ لأن الصلاة لا تؤخر عن وقتها، والإنسان إذا مشى من عرفة إلى مزدلفة فإن وصل إليها مبكراً في وقت المغرب جمع بين المغرب والعشاء جمع تقديم، وإن لم يصل إليها إلا بعد دخول وقت العشاء فإنه يجمع بين المغرب والعشاء جمع تأخير، وقد جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، كما روى ابن عمر رضي الله تعالى عنهما هذا الحديث: [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعاً) ] يعني: جمع بينهما، على خلاف ما كان معروفاً عنه في منى، فإنه كان يصلي كل صلاة في وقتها قصراً في الرباعية بدون جمع، وأما في عرفة فيجمع فيها بين الظهر والعصر جمع تقديم في أول الوقت، ويجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة إذا وصل إلى مزدلفة قبل نصف الليل، سواء وصل في وقت المغرب فيكون جمع تقديم، أو وصل في وقت العشاء فيكون جمع تأخير، ويكون ذلك بأذان واحد وإقامتين، كما حصل بالنسبة للظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين. فالمقصود من قول أبي داود رحمه الله: [ باب الصلاة بجمع ] يعني: صلاة المغرب والعشاء. وأما التطوع والتنفل فلا يشرع في تلك الليلة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام رقد بعد أن جمع بين المغرب والعشاء، ولكن الوتر لا يترك، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يحافظ على الوتر في الحضر والسفر، ولم يكن يحافظ على شيء في الحضر والسفر كما كان يحافظ على ركعتي الفجر والوتر صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعاً) قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة. [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سالم بن عبد الله ]. هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة وهم: عبد الله بن عمر و عبد الله بن عمرو و عبد الله بن عباس و عبد الله بن الزبير، هؤلاء هم العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام الذين اشتهروا بهذا اللقب، وكانوا من صغار الصحابة، وكانوا متقاربين في السن رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وهو أيضاً أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة وابن عمر وابن عباس وأبو سعيد الخدري وأنس بن مالك وجابر بن عبد الله الأنصاري وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين. شرح حديث الجمع بين المغرب والعشاء بمزدلفة وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا حماد بن خالد عن ابن أبي ذئب عن الزهري بإسناده ومعناه وقال: (بإقامة إقامة، جمع بينهما)قال أحمد: قال وكيع: (صلى كل صلاة بإقامة) ]. أورد حديث ابن عمر من طريق أخرى وفيه زيادة: (بإقامة إقامة) يعني: جعل لكل صلاة إقامة، وأيضاً فيه أذان، كما جاء في بعض الأحاديث وكما جاء في حديث جابر بن عبد الله الذي وصف فيه صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه بأذان وإقامتين، وهنا ذكر الإقامتين، وأن كل صلاة لها إقامة، تقام المغرب وتصلى ثم تقام صلاة العشاء وتصلى، والمغرب تصلى ثلاثاً والعشاء ركعتين؛ لأن الرباعية تقصر. قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد بن خالد ]. حماد بن خالد ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن ابن أبي ذئب ]. هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. الزهري مر ذكره. شرح حديث الجمع بين الصلاتين بجمع وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا شبابة (ح) وحدثنا مخلد بن خالد المعنى، أخبرنا عثمان بن عمر عن ابن أبي ذئب عن الزهري -بإسناد ابن حنبل عن حماد ومعناه- قال: (بإقامة واحدة لكل صلاة، ولم يناد في الأولى، ولم يسبح على إثر واحدة منهما) قال مخلد: (لم يناد في واحدة منهما) ]. أورد حديث ابن عمر رضي الله عنه وفيه: أنه صلى المغرب والعشاء، وأن كل واحدة منهما بإقامة، وأنه لم يناد لهما، وهذا النفي الذي جاء هنا قد جاء ما يدل على خلافه وهو الإثبات، وهو أنه حصل الأذان ثم الإقامة للمغرب ثم الإقامة للعشاء. فالثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه نادى نداء واحداً لكل من الصلاتين. قوله: [ (ولم يسبح على إثر واحدة منهما) ] يعني: لم يتنفل بعد المغرب ولم يتنفل بعد العشاء. قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة وابن ماجة. [ حدثنا شبابة ]. هو شبابة بن سوار وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا مخلد بن خالد ]. (ح) تعني التحول من إسناد إلى إسناد، و مخلد بن خالد ثقة أخرج له مسلم وأبو داود. [ أخبرنا عثمان بن عمر ]. عثمان بن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن أبي ذئب عن الزهري بإسناد ابن حنبل عن حماد ]. مر ذكرهم. شرح حديث ابن عمر أنه صلى مع رسول الله المغرب والعشاء بمزدلفة بإقامة واحدة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن عبد الله بن مالك قال: (صليت مع ابن عمر رضي الله عنهما المغرب ثلاثاً والعشاء ركعتين، فقال له مالك بن الحارث : ما هذه الصلاة؟ قال: صليتهما مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا المكان بإقامة واحدة) ]. قوله: [ (صليت مع ابن عمر المغرب ثلاثاً والعشاء ركعتين) ] يعني: جمع بينهما، وكونه صلى المغرب ثلاثاً؛ لأن المغرب لا تقصر، وصلى العشاء ركعتين؛ لأنها رباعية فتقصر. قوله: [ (فقال له مالك بن الحارث : ما هذه الصلاة؟ قال: صليتهما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المكان بإقامة واحدة) ] إن كان المقصود أنها إقامة واحدة فهذا غير صحيح؛ لأن الذي جاء عنه وعن غيره أنها إقامتان، ويمكن أن يقال: إنها بإقامة واحدة لكل منهما، وبذلك يتفق هذا الحديث مع الروايات السابقة، ومع حديث جابر الذي وصف فيه حجة النبي عليه الصلاة والسلام، وذكر أنه صلى المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين. ولما ذكر ابن القيم رحمه الله هذه المسألة -وهي مسألة الأذان الواحد والإقامتين- قال: إن الراجح أنها أذان واحد وإقامتان، وذلك من وجهين: الوجه الأول: أن حديث جابر رضي الله عنه جاء مثبتاً للأذان والإقامتين، والأحاديث التي سواه فيها اضطراب، فمرة يقال: إقامة، ومرة يقال: إقامتان، أما حديث جابر فإنه ذكر أنه صلى المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين. الوجه الثاني: أن الحكم في صلاة المغرب والعشاء مثل الحكم في صلاة الظهر والعصر، وقد جاءت الأحاديث في صلاته لهما بأذان واحد وإقامتين، إذاً المغرب مع العشاء مثلها. إذاً: الأذان الواحد والإقامتان هو القول الراجح؛ لأن حديث جابر ليس فيه اضطراب، ولأن الحكم في صلاة المغرب والعشاء كالحكم في صلاة الظهر والعصر، وقد حصل أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر في أول وقت الظهر بأذان واحد وإقامتين. تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر أنه صلى مع رسول الله المغرب والعشاء بمزدلفة بإقامة واحدة قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي إسحاق ]. هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن مالك ]. عبد الله بن مالك مقبول، أخرج له أبو داود والترمذي. [ قال صليت مع ابن عمر ]. ابن عمر رضي الله تعالى عنهما مر ذكره. شرح حديث ابن عمر أنه صلى مع رسول الله المغرب والعشاء بمزدلفة من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا إسحاق -يعني ابن يوسف - عن شريك عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير وعبد الله بن مالك قالا: (صلينا مع ابن عمر رضي الله عنهما بالمزدلفة المغرب والعشاء بإقامة واحدة)فذكر معنى حديث ابن كثير ]. وهذا مثل الذي قبله، يعني: إقامة واحدة لكل من الصلاتين حتى يكون متفقاً مع الأحاديث الصحيحة الواردة في حصول الإقامة لكل صلاة. قوله: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري ]. محمد بن سليمان الأنباري صدوق، أخرج له أبو داود وحده. [ حدثنا إسحاق يعني ابن يوسف ]. هو إسحاق بن يوسف الأزرق وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شريك ]. هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي ، وهو صدوق يخطئ كثيراً واختلط لما ولي القضاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير ]. أبو إسحاق مر ذكره، و سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. الملقي: [ وعبد الله بن مالك قالا: صلينا مع ابن عمر ]. عبد الله بن مالك و ابن عمر مر ذكرهما. شرح حديث ابن عمر أنه صلى مع رسول الله المغرب والعشاء بمزدلفة من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن العلاء حدثنا أبو أسامة عن إسماعيل عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير قال: (أفضنا مع ابن عمر رضي الله عنهما، فلما بلغنا جمعاً صلى بنا المغرب والعشاء بإقامة واحدة، ثلاثاً واثنتين، فلما انصرف قال لنا ابن عمر: هكذا صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله عليه وسلم في هذا المكان) ]. وهو مثلما تقدم، وفيه ذكر الإقامة، والكلام فيه كالكلام فيما تقدم. قوله: [ حدثنا ابن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو أسامة ]. هو حماد بن أسامة البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسماعيل ]. هو إسماعيل بن أبي خالد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عمر ]. هؤلاء مر ذكرهم. شرح حديث ابن عمر أنه صلى مع رسول الله المغرب والعشاء بمزدلفة من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة حدثني سلمة بن كهيل قال: (رأيت سعيد بن جبير أقام بجمع فصلى المغرب ثلاثاً ثم صلى العشاء ركعتين، ثم قال: شهدت ابن عمر رضي الله عنهما صنع في هذا المكان مثل هذا، وقال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صنع مثل هذا في هذا المكان) ]. وهو أيضاً مثلما تقدم، وفيه: أنه صلى المغرب ثلاثاً والعشاء ركعتين، وأنه أقام للمغرب ولم يذكر إقامة للعشاء، والكلام فيه كالكلام فيما قبله. قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي. [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنى سلمة بن كهيل ]. سلمة بن كهيل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ رأيت سعيد بن جبير شهدت ابن عمر ]. سعيد بن جبير و ابن عمر مر ذكرهما. شرح حديث: (... فلم يكن يفتر من التكبير والتهليل حتى أتينا المزدلفة ) وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا أبو الأحوص حدثنا أشعث بن سليم عن أبيه قال: (أقبلت مع ابن عمر رضي الله عنهما من عرفات إلى المزدلفة، فلم يكن يفتر من التكبير والتهليل حتى أتينا المزدلفة، فأذن وأقام، أو أمر إنساناً فأذن وأقام، فصلى بنا المغرب ثلاث ركعات، ثم التفت إلينا فقال: الصلاة، فصلى بنا العشاء ركعتين، ثم دعا بعشائه، قال: وأخبرني علاج بن عمرو بمثل حديث أبي عن ابن عمر، قال: فقيل لابن عمر في ذلك، فقال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هكذا) ]. حديث ابن عمر من طريق أخرى، وفيه ذكر الأذان، وأنه أقام المغرب ثم بعد ذلك قال: الصلاة، وصلى العشاء، لكن المحفوظ أنه بإقامة لكل من الصلاتين. قوله: [ (أقبلت مع ابن عمر من عرفات إلى المزدلفة فلم يكن يفتر من التكبير والتهليل) ]. وهذا يدل على أن الإنسان وهو في طريقه من عرفة إلى مزدلفة يحمد الله ويهلله ويكبره ويلبيه أيضاً؛ لأن التلبية مستمرة إلى حين رمي جمرة العقبة، كل هذا وقت للتلبية، ولكن له أن يجمع بين التكبير والتحميد والتهليل والتلبية. قوله: [ حدثنا مسدد ]. مر ذكره. [ حدثنا أبو الأحوص ]. هو سلام بن سليم الحنفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أشعث بن سليم ]. أشعث بن سليم هو ابن أبي الشعثاء وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أقبلت مع ابن عمر ]. ابن عمر مر ذكره. [ قال: وأخبرني علاج بن عمرو بمثل حديث أبي ]. علاج بن عمرو مقبول أخرج له أبو داود. شرح حديث: (ما رأيت رسول الله صلى صلاة إلا لوقتها إلا بجمع..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد أن عبد الواحد بن زياد وأبا عوانة وأبا معاوية حدثوهم عن الأعمش عن عمارة عن عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى صلاة إلا لوقتها إلا بجمع، فإنه جمع بين المغرب والعشاء بجمع، وصلى صلاة الصبح من الغد قبل وقتها) ]. قوله: [ (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة إلا لوقتها إلا بجمع، فإنه جمع بين المغرب والعشاء بجمع) هذا النفي ليس على إطلاقه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع بعرفة قبل ذلك، وكذلك فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمع في السفر، وأما في الحج فما جمع إلا في عرفة والمزدلفة، وكان يجمع إذا جد به السير، وقد جمع وهو مقيم، كما حصل ذلك في تبوك حيث كان نازلاً وصلى جامعاً بين الصلاتين؛ ليبين أن ذلك جائز للمسافر حتى ولو كان مقيماً، ولكن الأولى ألا يجمع الإنسان إلا في حال كون السير جاداً به. إذاًَ: في هذا الحديث إثبات الجمع بين المغرب والعشاء. قوله: [ (وصلى صلاة الصبح من الغد قبل وقتها) ] يعني: قبل وقتها المعتاد حيث إنه بعد الأذان كان يمكث مدة، وليس معنى ذلك أنه قبل طلوع الفجر، وإنما المقصود منه المبادرة إلى الصلاة بعد طلوع الفجر؛ لأن الناس كانوا موجودين معه فلا حاجة إلى الانتظار، إذاً: معنى قوله: (قبل وقتها) أي: المعتاد الذي هو في داخل الوقت؛ لأنه قبل ذلك يمكث بعد الأذان مدة ينتظر الناس، كما جاء في بعض الأحاديث في السحور في رمضان فقيل له: (تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قام إلى الصلاة، قال: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية)يعني: بمقدار قراءة خمسين آية بين الأذان والإقامة. أما قول مسدد: [ حدثوهم ] فمعناه: أنهم حدثوه هو وغيره وليس وحده، وهو الذي يعبرون عنه بأخبرنا وحدثنا. تراجم رجال إسناد حديث: (ما رأيت رسول الله صلى صلاة إلا لوقتها إلا بجمع..) قوله: [ حدثنا مسدد أن عبد الواحد بن زياد ]. عبد الواحد بن زياد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وأبا عوانة ]. هو الوضاح بن عبد الله اليشكري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وأبا معاوية ]. هو محمد بن خازم الضرير الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمارة ]. هو عمارة بن عمير وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن يزيد ]. هو عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن مسعود ]. هو عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (...هذا قزح وهو الموقف وجمع كلها موقف...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا سفيان عن عبد الرحمن بن عياش عن زيد بن علي عن أبيه عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي رضي الله عنه قال: (فلما أصبح - يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم - وقف على قزح فقال: هذا قزح وهو الموقف، وجمع كلها موقف، ونحرت هاهنا ومنى كلها منحر، فانحروا في رحالكم) ]. في حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه ذكر الصلاة بجمع وهي صلاة الفجر؛ لأن صلاة المغرب والعشاء ما ذكرت في هذا الحديث وإنما ذكرت في الأحاديث السابقة، ولكن الترجمة هنا هي [ الصلاة بجمع ] وهنا صلاة الصبح وهي بجمع. قوله: [ (فلما أصبح -يعني النبي عليه الصلاة والسلام- وقف على قزح) ] قزح هو الجبل الذي كان يقف فيه النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (هذا قزح وهو الموقف، وجمع كلها موقف) ] يعني: ليس الأمر قاصراً على هذه البقعة التي أنا فيها بل جمع كلها موقف، وكذلك قال بعرفة أيضاً كما سبق: (وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف). وقال بمنى: [ (نحرت هاهنا ومنى كلها منحر، فانحروا في رحالكم). يعني: انحروا في منازلكم بمنى. وقد عرفنا أن الذبح في أي مكان من منى سائغ، ولكن الذبح على وجه يؤذي الناس، وكون الإنسان يذبح الذبيحة ويتركها تنتن ويؤذي الناس بذلك فهذا لا يسوغ ولا يجوز. ولا يطلق المشعر الحرام على الجبل الذي هو قزح، وإنما يطلق على مزدلفة كلها أنها المشعر الحرام. أما مسألة الذهاب إلى الصخرات والوقوف عندها، والذهاب إلى قزح والوقوف عنده، وسلوك الطريق الوسطى التي تخرج إلى العقبة والمشي فيها، فهذا لا يفعل، وبعض الناس يذهب إلى الجبل الذي يسمى جبل الرحمة، والرسول صلى الله عليه وسلم ما فعل هذا، فعلى الإنسان أن يهون على نفسه ولا يتعب نفسه في الذهاب والإياب في عرفة، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (جمع كلها موقف) ، فما دام أن عرفة كلها موقف وجمع كلها موقف فعلى الإنسان أن يريح نفسه من العناء والتعب والمشقة، وقد يحصل منه أمر لا يصلح، مثلما يحصل من بعض الناس الذين يذهبون في حر الشمس ويصعدون وينزلون في الجبل، وهذا ليس من السنة بل هو خلاف السنة، وشقوا على أنفسهم وأتعبوا أنفسهم. أما الوقوف عند الصخرات في سفح الجبل فإنه لا يتيسر لكل أحد أن يأتي إليه، والإنسان إذا تيسر له فلا بأس، لكن لا يفعل المحذور الذي يفعله بعض الناس من الإيذاء بسبب الزحام وغيره، ولكن الحمد لله الأمر فيه سعة، جمع كلها موقف، وعرفة كلها موقف، ومنى كلها منحر والإنسان لا يشق على نفسه. تراجم رجال إسناد حديث: (...هذا قزح وهو الموقف وجمع كلها موقف...) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن آدم ]. يحيى بن آدم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن عياش ]. هو عبد الرحمن بن الحارث بن عياش، وهو مقبول أخرج له أبو داود. [ عن زيد بن علي ]. هو زيد بن علي بن الحسين وهو ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي في مسند علي وابن ماجة، وهو الذي تنسب إليه الزيدية. [ عن أبيه ]. هو علي بن الحسين وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن أبي رافع ]. عبيد الله بن أبي رافع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علي ]. علي رضي الله عنه أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (...وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (وقفت هاهنا بعرفة وعرفة كلها موقف، ووقفت هاهنا بجمع وجمع كلها موقف، ونحرت هاهنا ومنى كلها منحر، فانحروا في رحالكم) ]. في حديث جابر رضي الله عنه لم يتعرض لذكر الصلاة بجمع، ولكن فيه بيان الموقف في عرفة والمزدلفة، وفيه بيان النحر بمنى. تراجم رجال إسناد حديث: (...وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف...) قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا حفص بن غياث ].حفص بن غياث ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جعفر بن محمد ]. جعفر بن محمد صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو محمد بن علي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (... وكل فجاج مكة طريق ومنحر) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا أبو أسامة عن أسامة بن زيد عن عطاء قال: حدثني جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (كل عرفة موقف، وكل منى منحر، وكل المزدلفة موقف، وكل فجاج مكة طريق ومنحر) ]. قوله: [ (وكل فجاج مكة طريق ومنحر) ] الفجاج: هي المنافذ التي بين الجبال، وكلها طريق، والإنسان له أن يدخل إلى مكة من أي جهة، ولكن المعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حيث قدم من المدينة أتى من الثنية العليا وخرج من الثنية السفلى. فقوله: [ (وفجاج مكة كلها طريق ومنحر) ] هذا يدل أيضاً على أن الذبح كما يكون بمنى فإنه يكون بمكة، وأنه لا بأس بذلك ولا مانع منه، وإن كان الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو في منى، ولكن من حيث الجواز فهو جائز وسائغ لهذا الحديث وغيره. تراجم رجال إسناد حديث: (... وكل فجاج مكة طريق ومنحر) قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي. [ حدثنا أبو أسامة عن أسامة بن زيد ]. أسامة بن زيد صدوق يهم أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن عطاء ]. هو عطاء بن أبي رباح المكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني جابر بن عبد الله ]. قد مر ذكره. شرح حديث: (كان أهل الجاهلية لا يفيضون حتى يروا الشمس على ثبير...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن كثير حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون أنه قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (كان أهل الجاهلية لا يفيضون حتى يروا الشمس على ثبير، فخالفهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فدفع قبل طلوع الشمس) ]. في حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ذكر أن أهل الجاهلية كانوا لا يفيضون من المزدلفة إلى منى إلا عندما يرون الشمس على ثبير، وهو جبل من الجبال العالية هناك، فكانوا إذا رأوا الشمس على ثبير وطلعت الشمس انصرفوا ودفعوا من مزدلفة إلى منى، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم خالفهم فدفع من مزدلفة إلى منى قبل طلوع الشمس. وقد جاء في حديث جابر السابق: (حتى أسفر جداً) يعني: أنه اتضح النهار إلا أن الشمس لم تطلع، فهذا يدل على أن الدفع من مزدلفة إلى منى إنما يكون قبل طلوع الشمس. تراجم رجال إسناد حديث: (كان أهل الجاهلية لا يفيضون حتى يروا الشمس على ثبير...) قوله: [ حدثنا ابن كثير حدثنا سفيان ]. مر ذكرهما. [ عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون ]. أبو إسحاق مر ذكره، و عمرو بن ميمون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمر بن الخطاب ]. عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. التعجيل من جمع شرح حديث ابن عباس: (أنا ممن قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة في ضعفة أهله) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب التعجيل من جمع. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سفيان أخبرني عبيد الله بن أبي يزيد أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول: (أنا ممن قدَّم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة المزدلفة في ضعفة أهله) ]. قوله: [ باب التعجيل من جمع ]. يعني: مغادرة جمع في آخر الليل؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام صلى بها الفجر في أول وقتها ووقف يدعو حتى أسفر جداً، ثم انصرف عليه الصلاة والسلام من مزدلفة إلى منى قبل طلوع الشمس، هذه هي السنة وهذا هو هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على أن المزدلفة يبات فيها ويصلى فيها الصبح، ويدعو الإنسان بعد صلاة الصبح، ويغادرها قبل طلوع الشمس، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام رخص للضعفة من النساء والصبيان أن ينصرفوا آخر الليل. قوله: [ (أنا ممن قّدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة في ضعفة أهله) يعني: أنه رخص لهم في الانصراف آخر الليل، والترخيص لهم في الانصراف آخر الليل يدل على أن المبيت في مزدلفة واجب؛ لأنه لو لم يكن واجباً لما كان هناك حاجة إلى الترخيص، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم يبقى فيها إلى الصباح، بل من العلماء من قال: إنه ركن من أركان الحج لا يتم الحج إلا به، فالأمر ليس بالهين. ولكن الصحيح من أقوال أهل العلم أنه واجب، وأن الإنسان إذا تركه فعليه فدية وهي شاة يذبحها في مكة ويوزعها على فقراء الحرم، وإن لم يستطع صام عشرة أيام مكانها. إذاً: ينبغي ألا يتساهل في مسألة المبيت في مزدلفة، بل على الإنسان أن يبيت بها كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويصلي بها المغرب والعشاء والفجر ويدعو ويكثر من الدعاء، وينصرف منها قبل طلوع الشمس، ولكن كون النبي صلى الله عليه وسلم رخص لبعض أصحابه -وهم الضعفة من النساء والصبيان- أن ينصرفوا آخر الليل يدل على جوازه وأن ذلك سائغ، وهو دال أيضاً على وجوب المبيت بمزدلفة؛ لأن الترخيص يدل على الوجوب.
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
![]() تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس: (أنا ممن قدّم رسول الله ليلة المزدلفة في ضعفة أهله) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سفيان ]. أحمد بن حنبل مر ذكره، وسفيان بن عيينة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني عبيد الله بن أبي يزيد ]. عبيد الله بن أبي يزيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أنه سمع ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس وقد مر ذكره. شرح حديث ابن عباس: (...أُبينيّ! لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان حدثني سلمة بن كهيل عن الحسن العرني عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (قدمنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة المزدلفة أغيلمة بني عبد المطلب على حمرات، فجعل يلطح أفخاذنا ويقول: أُبينيَّ لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس) قال أبو داود: اللطح: الضرب اللين ]. حديث ابن عباس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لهم أن ينصرفوا، وكانوا أغيلمة، تصغير غلمان، وكانوا على حمر فجعل يلطح أفخاذهم -وهو الضرب الخفيف اللين يداعبهم ويقول: (أبيني)وهو مأخوذ من الأبناء. قوله: [ (لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس) ] هذا الحديث يدل على أن الرمي يكون بعد طلوع الشمس وأنه لا يكون قبلها. وبعض أهل العلم تكلم في هذا الحديث من جهة إسناده، وقالوا: إن العرني لم يسمع من ابن عباس، وحديثه عنه مرسل، ولكنه جاء من طرق أخرى وأيضاً لا تسلم من مقال، ولكن قد صححه بعض أهل العلم. وجاء عن بعض الذين قدمهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم رموا قبل طلوع الفجر، فهذا يدل على أن الرمي جائز في آخر الليل إذا انصرفوا، ولكن كون الرمي يكون بعد طلوع الشمس هو الأولى والأفضل. قوله: [ (فجعل يلطح أفخاذنا) ]. يعني: يضربها ضرباً ليناً، وهو بذلك يداعبهم ويؤنسهم صلى الله عليه وسلم. أما كون الأقوياء الذين ذهبوا مع محارمهم يرمون بعد طلوع الشمس والضعفة يجوز لهم الرمي قبل طلوع الفجر فلا وجه للتفرقة، وأنه لا بأس بأن يرمي الأقوياء مع الضعفاء قبل الفجر، لكن الأولى ألا يرمون إلا بعد طلوع الشمس، وإذا رموا قبل ذلك فقد صح رميهم. تراجم رجال إسناد حديث (...أُبينيّ! لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس) قوله: [ حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان حدثني سلمة بن كهيل عن الحسن العرني ]. هو الحسن بن عبد الله العرني، وهو ثقة أرسل عن ابن عباس، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس قد مر ذكره. شرح حديث: (كان رسول الله يقدم ضعفاء أهله بغلس ويأمرهم لا يرمون الجمرة حتى تطلع الشمس) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا الوليد بن عقبة قال: حدثنا حمزة الزيات عن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقدم ضعفاء أهله بغلس ويأمرهم، يعني لا يرمون الجمرة حتى تطلع الشمس) ]. قوله: [ (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم ضعفاء أهله بغلس) ] يعني: في آخر الليل. قوله: [ (ويأمرهم لا يرمون الجمرة حتى تطلع الشمس) ] هذا الحديث مثل الذي قبله من ناحية أنه دل على ما دل عليه الذي قبله، إلا أن فيه حبيب بن أبي ثابت وهو كثير التدليس وقد روى بالعنعنة، ولكن إذا ضم بعضهما إلى بعض يتقوى هذا بهذا، ولكن الأمر كما قلت: إنه يحمل على الاستحباب؛ لأن الذي حصل من أهله الذين قدمهم أنهم رموا قبل طلوع الفجر، فهذا يدل على الجواز. تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يقدم ضعفاء أهله بغلس ويأمرهم لا يرمون الجمرة حتى تطلع الشمس) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة مر ذكره. [ حدثنا الوليد بن عقبة ]. الوليد بن عقبة صدوق، أخرج له أبو داود. [ حدثنا حمزة الزيات ]. هو حمزة بن حبيب الزيات وهو صدوق ربما وهم، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن حبيب بن أبي ثابت ]. حبيب بن أبي ثابت ثقة كثير التدليس والإرسال، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء عن ابن عباس ]. عطاء و ابن عباس قد مر ذكرهما. شرح حديث (أرسل النبي بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا ابن أبي فديك عن الضحاك -يعني ابن عثمان - عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (أرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت، وكان ذلك اليوم اليوم الذي يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تعني عندها) ]. قولها: [ (أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر)]. أي: مع الذين تقدموا من الضعفة. قولها: [ (فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت، وكان ذلك اليوم اليوم الذي يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم، تعني عندها) أي: تلك الليلة كانت نوبتها عند النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا يدل على أن من رخص له أن ينصرف آخر الليل له أن يرمي قبل الفجر، وهو يدل على الجواز، وما جاء في حديث ابن عباس المتقدم من الطريقين أن الرمي لا يكون إلا بعد طلوع الشمس إنما يدل على الاستحباب. كذلك الإفاضة قبل الفجر جائزة لمن رخص له في الانصراف من آخر الليل، أي: لهم أن يرموا ولهم أن يذهبوا إلى مكة وأن يطوفوا طواف الإفاضة. تراجم رجال إسناد حديث (أرسل النبي بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ...) قوله: [ حدثنا هارون بن عبد الله ]. هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا ابن أبي فديك ]. هو محمد بن إسماعيل بن مسلم وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الضحاك يعني: ابن عثمان ]. الضحاك بن عثمان صدوق يهم، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن هشام بن عروة ]. هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو عروة بن الزبير، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث أسماء أنها رمت الجمرة قبل طلوع الفجر قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن خلاد الباهلي حدثنا يحيى عن ابن جريج أخبرني عطاء أخبرني مخبر عن أسماء رضي الله عنها: (أنها رمت الجمرة، قلت: إنا رمينا الجمرة بليل، قالت: إنا كنا نصنع هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. قوله: [ (أنها رمت الجمرة، قلت: إنا رمينا الجمرة بليل، قالت: إنا كنا نصنع هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) هذا يدل على ما دل عليه حديث أم سلمة المتقدم من أن الذين رخص لهم في الانصراف لهم أن يرموا قبل طلوع الفجر، ولهذا قالت: (كنا نصنع هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم). تراجم رجال إسناد حديث أسماء أنها رمت الجمرة قبل طلوع الفجر قوله: [ حدثنا محمد بن خلاد الباهلي ]. محمد بن خلاد الباهلي ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة. [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى القطان. [ عن ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني عطاء ]. هو عطاء بن أبي رباح . [ أخبرني مخبر ]. هذا المخبر هو مولى لأسماء ، جاء في بعض الأسانيد أنه مولى لها واسمه عبد الله بن كيسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أسماء ]. هي أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (أفاض رسول الله وعليه السكينة وأمرهم أن يرموا بمثل حصى الخذف...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان حدثني أبو الزبير عن جابر رضي الله عنه قال: (أفاض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليه السكينة، وأمرهم أن يرموا بمثل حصى الخذف، وأوضع في وادي محسر) ]. في حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أفاض من مزدلفة إلى منى وعليه السكينة، وقد سبق أنه كان في طريقه من عرفة إلى مزدلفة شنق الزمام، وأن دابته ما رفعت يديها عادية ومسرعة، وأنه كان يقول للناس: (السكينة السكينة، ليس البر بإيجاف الخيل وليس البر بالإيضاع)، ولما جاء محسراً أسرع، ومحسر هو الوادي الذي بين مزدلفة ومنى، وهو الذي حبس فيه الفيل الذي جيء به لهدم الكعبة، فهو موطن عذاب، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يسرع في مواطن العذاب وهذا منها، ولما ذهب إلى تبوك ومر بديار ثمود قنع رأسه وأسرع السير حتى تجاوز صلى الله عليه وسلم تلك المنطقة. تراجم رجال إسناد حديث: (أفاض رسول الله وعليه السكينة وأمرهم أن يرموا بمثل حصى الخذف...) قوله: [ حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان حدثني أبي الزبير ]. أبو الزبير هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما وقد مر ذكره. وهذا من الرباعيات التي هي أعلى الأسانيد عند أبي داود، فبين أبي داود وبين النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص وهم: محمد بن كثير وسفيان الثوري و أبو الزبير و جابر بن عبد الله الأنصاري. الأسئلة حكم من لم يطف طواف الإفاضة يوم النحر السؤال: من لم يطف طواف الإفاضة يوم النحر حتى غربت عليه الشمس، هل يعود محرماً كما كان في الصباح؟ الجواب: جاء في حديث تكلم فيه بعض أهل العلم، وهو مخالف للأحاديث الأخرى الدالة على أن الإنسان إذا تحلل صار حلالاً، وقد سبق أن مر بنا قول أبي داود: إذا تنازع الخبران نظرنا فيما أخذ به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكون الإنسان يصير حلالاً وأنه لا يعود إلى إحرامه إذا غربت الشمس هو الذي عليه الصحابة وغير الصحابة. حكم من لم تجد محرماً في الحج مع القدرة المالية والبدنية السؤال: إذا لم يوجد للمرأة محرم هل يسقط عنها الحج مع أنها قادرة مالياً؟ الجواب: نعم؛ لأن من شروط وجوب الحج عليها وجود المحرم ولو كانت غنية، فليس لها أن تحج وليس لها أن تحجج عن نفسها، وإنما إذا يسر الله لها وجود محرم بأن تزوجت وهي غنية وحج بها زوجها، أو هي أنفقت على زوجها ليصحبها، فإنها تؤدي ما فرض الله عليها، وإلا فإن الحج ليس بواجب عليها ما دام أنه ليس لها محرم. حكم الصلاة في مسجد أمامه مقبرة منفصلة عنه السؤال: يوجد في قريتي مسجد وأمامه مقبرة، فهل تصح الصلاة فيه مع أن المقبرة منفصلة؟ الجواب: إذا كانت المقبرة منفصلة فإن الصلاة تصح فيه، وإنما المحظور أن تكون المقبرة في المسجد أو من جملة المسجد، وأما إذا كان المسجد منفصلاً والمقبرة منفصلة فتصح الصلاة فيه. وجه حمل قول ابن عمر: (بإقامة واحدة) على أنه أذان واحد السؤال: ما جاء في حديث ابن عمر : (بإقامة واحدة) ألا يمكن أن يحمل على أذان واحد؟ الجواب: لا يحمل على أذان واحد، وإنما الإقامة إقامة والأذان أذان، والإقامة يطلق عليها أذان؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (بين كل أذانين صلاة) لكن الذي يبدو أن المقصود بها الإقامة، ولهذا جاء في بعض الروايات: (بإقامة إقامة)، وهذا هو الذي جعل ابن القيم يقول: إن حديث ابن عمر مضطرب؛ لأنه مرة يقول: (إقامة) ومرة يقول: (بإقامة إقامة)، ومرة يقول: (بأذان) ومرة يقول: بكذا. ثم قال: وحديث جابر هو الذي ليس فيه اضطراب وإنما فيه الأذان والإقامتان. اختلاف الكفارات باختلاف المحظورات في الإحرام السؤال: ارتكبت محظوراً من محظورات الإحرام فهل يكفي أن أدفع ستين ريالاً لستة مساكين؟ الجواب: المحظور يختلف؛ لأن هناك محظوراً تكون فيه الكفارة المخير فيها بين ذبح شاة أو صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين، وهناك من المحظورات يكون فيها شاة وليس هنا تخيير بينها وبين غيرها، ليس فيها إلا الدم، وإن عجز صام عشرة أيام، فلا أدري هل سؤاله هذا هو من قبيل ما يكون فيه الإطعام، أي: إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، يعني تسعة كيلو تقسم على ستة مساكين، هذه كفارة الحلق أو كفارة اللبس، أما أن يدفع نقوداً فلا، بل الطعام يقدم طعاماً ولا يقدم نقوداً. حكم نحر الإنسان هديه بنفسه السؤال: هل من السنة أن ينحر الإنسان هديه بنفسه؟ الجواب: إذا كان الإنسان يستطيع أن يذهب إلى المجزرة ويشتري ذبيحة سمينة ويذبحها بنفسه ويأخذ لحمها ويوزعه ولا يضيع منه شيئاً فهذا شيء طيب، والرسول صلى الله عليه وسلم نحر بيده ثلاثاً وستين بدنة كما سبق في حديث جابر رضي الله عنه، وإن لم يتمكن فليوكل غيره. حكم التنظف والاغتسال في الميقات السؤال: هل الأفضل للإنسان أن يتنظف ويغتسل في الميقات ويعتبر ذلك من السنة؟ الجواب: الأمر في ذلك واسع، وكون الإنسان يفعل ذلك عندما يسافر ويتهيأ ويستعد وينوي من الميقات فذلك سائغ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كما هو معلوم جلس في الميقات يوماً وليلة، لكن كون الإنسان يكون على مهل وعلى سعة في الاغتسال وتهيئة نفسه في بيته فهذا هو الذي ينبغي. أين يصلي المغرب والعشاء من لم يصل إلى مزدلفة إلا بعد نصف الليل السؤال: إذا لم يصل الحجاج إلا بعد منتصف الليل بعد الدفع من عرفة إلى مزدلفة، ولا يستطيعون إيقاف السيارة للنزول للصلاة وهم على غير وضوء فماذا يفعلون؟ الجواب: الواجب عليهم أن يعملوا على إيقاف السيارة، لكن لا يقفون في الشارع وسط الطريق، هذا هو الذي لا يمكنون منه، وإنما يدخلون في أي مكان من مزدلفة، ومزدلفة واسعة جداً تكفي للناس كلهم وليس فيها ضيق، فعليهم أن يتوضئوا وألا يصلوا بالتيمم؛ لأن الماء موجود بمزدلفة وعليهم أن يبحثوا عنه بمزدلفة، وأن يتوضئوا ويصلوا ولا يؤخروا الصلاة عن نصف الليل، وإنما ينزلون في الطريق ويصلون. أداء العمرة في أشهر الحج السؤال: هل هناك أفضلية في أداء العمرة في أشهر الحج؟ الجواب: الفضل جاء في رمضان، والنبي صلى الله عليه وسلم كانت عمره كلها في ذي القعدة وهي من أشهر الحج، ولا شك أن فعل الرسول صلى الله عليه وسلم لذلك في شهر ذي القعدة وهو من أشهر الحرم يدل على فضل ذلك. ضابط قول العلماء: هذه حادثة عين السؤال: ما هو الضابط لمسألة قضية العين، كقول العلماء: هذه حادثة عين لا عموم لها؟ الجواب: حادثة العين إذا كانت خاصة بشخص معين لا يبنى عليها حكم عام؛ لأنها قضية عين لا عموم لها، لكن كما هو معلوم إذا كانت هذه القضية خاصة وليس هناك شيء يدل على التخصيص، فإن هذا يدل على أن هذا تشريع، مثل الرجل الذي قبل امرأة أجنبية ونزل قول الله عز وجل: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114] فقال: ألي هذا وحدي؟ قال عليه السلام: (بل لأمتي كلها) فدل هذا على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص الأسباب. لكن ذكر حادثة العين يأتون بها إذا جاءت على وجه لا يتكرر، أو يوجد هناك نصوص تدل على خلافه، مثل قضية رضاع الكبير فهذه حادثة عين وقضية عين، ولا يقال: إن كل كبير يرضع من امرأة ثم يكون ولداً لها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء عنه ما يدل على أن الرضاعة من المجاعة، وأن الرضاعة في الحولين، وأن المقصود بالرضاعة هو الذي يفيد، وأما رضاع الكبير فغير سائغ؛ إلا ما كان من أمر سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنه، فهذه قضية عين وحادثة عين. ولو كان ذلك سائغاً لأمكن كل امرأة لا تريد زوجها أن تتخلص منه بأن تحلب من ثديها ثم تسقيه، وبعد ذلك تقول: أنا حرام عليك؛ لأنك ابني من الرضاعة. أما كون كثير من النساء تأخذ طفلاً وتربيه فإذا كبر وقد شغف قلبها به ترضعه بعد الكبر فهذا لا يصح؛ لأن الرضاعة من المجاعة، لكن لو أنها عندما أخذته وهو صغيراً أرضعته لصار ابناً لها من الرضاعة ولكانت المحرمية موجودة، والاحتجاج بقصة سالم مولى أبي حذيفة غير صحيح؛ لأنها حادثة عين، وهي خاصة به. صفة إحرام الصبي السؤال: هل الصبي الذي لم يميز هل يلبس في إحرامه إزاراً ورداء أم أنه يحرم بما شاء من الثياب؟ الجواب: الصبي الذكر مثل الذكر الكبير يعمل مثل ما يعمل الكبار، يلبس إزاراً ورداء ويعامل معاملة المحرمين الكبار. السؤال: ما حكم النية للصغير حين الطواف والسعي؟ وهل تكفي نية الكبير عنه وعن الطفل؟ الجواب: ينوي عنه وعن الطفل؛ لأن الكل وجد منه الدوران حول الكعبة؛ وذلك لحديث المرأة التي رفعت صبياً وقالت: (ألهذا حج يا رسول الله؟! قال: نعم ولك أجر) فهذا يكون محمولاً. ومعلوم أن غير المميز ينوي عنه وليه ويعامل معاملة الكبير. الصبي ينوي عنه وليه السؤال: هل الصبي الذي لم يميز هل يلبس في إحرامه إزاراً ورداء أم أنه يحرم بما شاء من الثياب؟ الجواب: الصبي الذكر مثل الذكر الكبير يعمل مثل ما يعمل الكبار، يلبس إزاراً ورداء ويعامل معاملة المحرمين الكبار. السؤال: ما حكم النية للصغير حين الطواف والسعي؟ وهل تكفي نية الكبير عنه وعن الطفل؟ الجواب: ينوي عنه وعن الطفل؛ لأن الكل وجد منه الدوران حول الكعبة؛ وذلك لحديث المرأة التي رفعت صبياً وقالت: (ألهذا حج يا رسول الله؟! قال: نعم ولك أجر) فهذا يكون محمولاً. ومعلوم أن غير المميز ينوي عنه وليه ويعامل معاملة الكبير. كيف تخرج الزكاة عن المال الذي مضى عليه سنوات غير معلومة السؤال: عندي مال وجبت زكاته منذ فترة، لكن لا أعرف كم مضى عليه من السنوات، سنة أو سنتان فماذا أصنع؟ الجواب: يقطع الشك باليقين ويخرج الزكاة عن السنوات التي يكون مستيقناً أنه أدى ما عليه، فإذا كان متردداً بين سنتين أو ثلاث فليجعلها ثلاثاً، وكونه يجعلها ثلاثاً يقطع الشك باليقين ويؤدي ما عليه، وإن كان الواقع أنها ثلاث فقد أدى ما عليه، وإن كان الواقع أنها ثنتان فإن الثالثة يكون ثوابها وأجرها له، بخلاف لو أخذ بالشيء الأدنى فإنه قد يبقى عليه شيء مما هو واجب. إذاً: الذي ينبغي للإنسان أن يفعل الذي يعتقد أن ذمته برئت بذلك، وإذا كان الإنسان قد ادخر شيئاً لا يبلغ النصاب فليس عليه زكاة حتى يبلغ النصاب، فإذا بلغ النصاب وصار يزيد بعد ذلك فإنه يزكيه، وإذا كانت المبالغ التي يضيفها في شهر معين تبلغ النصاب فإنه إذا حال الحول عليها يزكيها في ذلك الشهر، وإن أراد أن يجعل له وقتاً معيناً من السنة يزكي ما هو موجود فله أن يفعل ذلك. حكم من استمنى في نهار رمضان جاهلاً بالحكم السؤال: استمنيت في نهار رمضان وأنا لا أعرف الحكم فماذا علي الآن؟ الجواب: كيف لا يعرف أن هذا محرم؟ وكيف لا يسأل أهل العلم إذا كان جاهلاً؟ والله عز وجل يقول: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المؤمنون:5-6]. والإنسان الذي فعل ذلك عليه أن يتوب إلى الله عز وجل، ويقضي ذلك اليوم الذي أفسده. حج أهل الجاهلية بين الابتداع والاتباع السؤال: هل حجُّ أهل الجاهلية مبتدع من عندهم أم كان من بقايا دين سابق؟ الجواب: الذي يبدو أن فيه شيئاً من بقايا دين سابق وفيه أمور مبتدعة، فمثل الوقوف بعرفة فإنه من ميراث إبراهيم، ولكن كون قريش لا يقفون بعرفة قد خالفوا دين إبراهيم، وكذلك بقاؤهم في مزدلفة وكونهم لا ينصرفون من مزدلفة إلا بعد طلوع الشمس وبعد أن يروا الشمس على الجبل، وكانوا يقولون: (أشرق ثبير كيما نغير)، وهذا يدل على أنه من فعل الجاهلية. إذاً: هناك أشياء من أعمال الجاهلية موجودة وهي من ميراث الأنبياء كالوقوف بعرفة ومزدلفة، وهذا الذي جاء بأنهم كانوا لا ينصرفون إلا إذا طلعت الشمس على ثبير هذا من الأمور المحدثة؛ لأنه لو كان مشروعاً لما خالفه الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم خالفه وجعله من فعل الجاهلية، وليس من ميراث الأنبياء. حكم من دفع من مزدلفة قبل صلاة الفجر السؤال: ما حكم من وقف بمزدلفة مدة ثم غادرها قبل صلاة الفجر؟ الجواب: إذا كان قد غادرها قبل صلاة الفجر وفي آخر الليل فإنه ليس عليه شيء؛ لأنه وجد الترخيص في الجملة في المغادرة في آخر الليل من مزدلفة إلى منى، فإذا كان هذا قد وقع فلا ينبغي للإنسان أن يعود إليها إذا كان ليس من الضعفة، والذي قد مضى ليس فيه شيء إن شاء الله. النساء من الضعفة الذين يجوز لهم أن ينصرفوا من مزدلفة آخر الليل السؤال: ما حد الضعفاء الذين رخص لهم في الانصراف من مزدلفة في آخر الليل، هل يدخل فيه عموم النساء ولو كانت شابة؟ الجواب: النساء كلهن شابات وغيرهن يدخلن في الضعفاء. حكم النحر بمزدلفة السؤال: ما حكم النحر في مزدلفة؟ الجواب: الذي ورد أنه في منى وفي مكة. الضابط في معرفة الركن من الواجب في الحج وغيره السؤال: ما هو الضابط لمعرفة الركن من الواجب في الحج وغيره؟ الجواب: الأركان هي التي لابد من الإتيان بها، ولو لم يأت بها الإنسان فإنه يعتبر لم يؤد ذلك الفرض الذي عليه."
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 10 ( الأعضاء 0 والزوار 10) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |