تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد - الصفحة 45 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         خواطرفي سبيل الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 37 - عددالزوار : 9471 )           »          قلبٌ وقلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 37 - عددالزوار : 8832 )           »          أَقِطُ أم سُلَيْم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          حدث في الثامن من ربيع الأول (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          المتحابون في الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          ويؤثرون على أنفسهم... (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          صور من تأذي النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 26 - عددالزوار : 9535 )           »          الدين وإصلاح الإدارة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 41 )           »          الحديث عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم ليس مرهونا بيوم مولده. (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          الدعاء والذكر عند قراءة القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 477 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #441  
قديم 03-05-2023, 05:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,561
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران
الحلقة (441)
صــ 352إلى صــ 366




8147 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال : أخبرنا يزيد قال : أخبرنا [ ص: 352 ] جويبر ، عن الضحاك في قوله : " وما كان لنبي أن يغل " ، قال : ما كان له إذا أصاب مغنما أن يقسم لبعض أصحابه ويدع بعضا ، ولكن يقسم بينهم بالسوية .

وقال آخرون ممن قرأ ذلك بفتح"الياء" وضم"الغين" : إنما أنزل ذلك تعريفا للناس أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يكتم من وحي الله شيئا .

ذكر من قال ذلك :

8148 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون " ، أي : ما كان لنبي أن يكتم الناس ما بعثه الله به إليهم عن رهبة من الناس ولا رغبة ، ومن يعمل ذلك يأت به يوم القيامة .

قال أبو جعفر : فتأويل قراءة من قرأ ذلك كذلك : ما ينبغي لنبي أن يكون غالا - بمعنى أنه ليس من أفعال الأنبياء خيانة أممهم .

يقال منه : "غل الرجل فهو يغل" ، إذا خان ، "غلولا" . ويقال أيضا منه : "أغل الرجل فهو يغل إغلالا" ، كما قال شريح : " ليس على المستعير غير المغل ضمان " ، يعني : غير الخائن . ويقال منه : "أغل الجازر" ، إذا سرق من اللحم شيئا مع الجلد .

وبما قلنا في ذلك جاء تأويل أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

8149 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا [ ص: 353 ] أسباط ، عن السدي : " وما كان لنبي أن يغل " ، يقول : ما كان ينبغي له أن يخون ، فكما لا ينبغي له أن يخون فلا تخونوا .

8150 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " وما كان لنبي أن يغل " ، قال : أن يخون .

وقرأ ذلك آخرون : ( وما كان لنبي أن يغل ) بضم"الياء" وفتح"الغين" ، وهي قراءة عظم قرأة أهل المدينة والكوفة .

واختلف قارئو ذلك كذلك في تأويله .

فقال بعضهم : معناه : ما كان لنبي أن يغله أصحابه ، ثم أسقط"الأصحاب" ، فبقي الفعل غير مسمى فاعله . وتأويله : وما كان لنبي أن يخان .

ذكر من قال ذلك :

8151 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا عوف ، عن الحسن أنه كان يقرأ : "وما كان لنبي أن يغل" قال عوف ، قال الحسن : أن يخان .

8152 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "وما كان لنبي أن يغل" ، يقول : وما كان لنبي أن يغله أصحابه الذين معه من المؤمنين - ذكر لنا أن هذه الآية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر ، وقد غل طوائف من أصحابه .

8153 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : " وما كان لنبي أن يغل " ، قال : أن يغله أصحابه .

8154 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن [ ص: 354 ] الربيع ، قوله : " وما كان لنبي أن يغل " ، قال الربيع بن أنس ، يقول : ما كان لنبي أن يغله أصحابه الذين معه - قال : ذكر لنا ، والله أعلم : أن هذه الآية أنزلت على نبي الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ، وقد غل طوائف من أصحابه .

وقال آخرون منهم : معنى ذلك : وما كان لنبي أن يتهم بالغلول فيخون ويسرق . وكأن متأولي ذلك كذلك ، وجهوا قوله : " وما كان لنبي أن يغل " إلى أنه مراد به : "يغلل" ، ثم خففت"العين" من"يفعل" ، فصارت"يفعل" كما قرأ من قرأ قوله : ( فإنهم لا يكذبونك ) [ سورة الأنعام : 33 ] بتأول : يكذبونك .

قال أبو جعفر : وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندي ، قراءة من قرأ : ( وما كان لنبي أن يغل ) بمعنى : ما الغلول من صفات الأنبياء ، ولا يكون نبيا من غل .

وإنما اخترنا ذلك ، لأن الله عز وجل أوعد عقيب قوله : " وما كان لنبي أن يغل " أهل الغلول فقال : " ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة " ، الآية والتي بعدها . فكان في وعيده عقيب ذلك أهل الغلول ، الدليل الواضح على أنه إنما نهى بذلك عن الغلول ، وأخبر عباده أن الغلول ليس من صفات أنبيائه بقوله : " وما كان لنبي أن يغل " . لأنه لو كان إنما نهى بذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتهموا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغلول ، لعقب ذلك بالوعيد على التهمة وسوء الظن برسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا بالوعيد على الغلول . وفي تعقيبه ذلك بالوعيد على الغلول ، بيان بين ، أنه إنما عرف المؤمنين وغيرهم من عباده أن الغلول منتف من صفة الأنبياء وأخلاقهم ، لأن ذلك جرم عظيم ، والأنبياء لا تأتي مثله .

[ ص: 355 ]

فإن قال قائل ممن قرأ ذلك كذلك : فأولى منه"وما كان لنبي أن يخونه أصحابه" ، إن كان ذلك كما ذكرت ، ولم يعقب الله قوله : "وما كان لنبي أن يغل" إلا بالوعيد على الغلول ، ولكنه إنما وجب الحكم بالصحة لقراءة من قرأ : "يغل" بضم"الياء" وفتح"الغين" ، لأن معنى ذلك : وما كان للنبي أن يغله أصحابه ، فيخونوه في الغنائم؟

قيل له : أفكان لهم أن يغلوا غير النبي صلى الله عليه وسلم فيخونوه ، حتى خصوا بالنهي عن خيانة النبي صلى الله عليه وسلم؟

فإن قالوا : "نعم" ، خرجوا من قول أهل الإسلام . لأن الله لم يبح خيانة أحد في قول أحد من أهل الإسلام قط .

وإن قال قائل : لم يكن ذلك لهم في نبي ولا غيره .

قيل : فما وجه خصوصهم إذا بالنهي عن خيانة النبي صلى الله عليه وسلم ، وغلوله وغلول بعض اليهود بمنزلة فيما حرم الله على الغال من أموالهما ، وما يلزم المؤتمن من أداء الأمانة إليهما؟

وإذا كان ذلك كذلك ، فمعلوم أن معنى ذلك هو ما قلنا ، من أن الله عز وجل نفى بذلك أن يكون الغلول والخيانة من صفات أنبيائه ، ناهيا بذلك عباده عن الغلول ، وآمرا لهم بالاستنان بمنهاج نبيهم ، كما قال ابن عباس في الرواية التي ذكرناها من رواية عطية ، ثم عقب تعالى ذكره نهيهم عن الغلول بالوعيد عليه فقال : "ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة" ، الآيتين معا .
[ ص: 356 ] القول في تأويل قوله تعالى ( ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة )

قال أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره : ومن يخن من غنائم المسلمين شيئا وفيئهم وغير ذلك ، يأت به يوم القيامة في المحشر . كما : -

8155 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن فضيل ، عن يحيى بن سعيد أبي حيان ، عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه قام خطيبا فوعظ وذكر ثم قال : ألا عسى رجل منكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء ، يقول : يا رسول الله ، أغثني! فأقول : لا أملك لك شيئا ، قد أبلغتك! ألا هل عسى رجل منكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس لها حمحمة ، يقول : يا رسول الله ، أغثني! فأقول : لا أملك لك شيئا ، قد أبلغتك! ألا هل عسى رجل منكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت ، يقول : يا رسول الله ، أغثني! فأقول : لا أملك لك شيئا ، قد أبلغتك! ألا هل عسى رجل منكم يجيء يوم القيامة على رقبته بقرة لها خوار ، يقول : يا رسول الله ، أغثني! فأقول : لا أملك لك شيئا ، قد أبلغتك! ألا عسى رجل منكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق [ ص: 357 ] يقول : يا رسول الله ، أغثني! فأقول : لا أملك لك شيئا قد أبلغتك !

8156 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عبد الرحمن ، عن أبي حيان ، عن أبى زرعة ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثل هذا زاد فيه [ ص: 358 ] "لا ألفين أحدكم على رقبته نفس لها صياح " .

8157 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية قال : حدثنا أبو حيان ، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير ، عن أبي هريرة قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا يوما ، فذكر الغلول ، فعظمه وعظم أمره فقال : لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء ، يقول : يا رسول الله أغثني ثم ذكر نحو حديث أبي كريب ، عن عبد الرحمن .

8158 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا حفص بن بشر ، عن يعقوب القمي قال : حدثنا حفص بن حميد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل شاة لها ثغاء ، ينادي : يا محمد ! يا محمد ! فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد بلغتك! ولا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل جملا له رغاء يقول : يا محمد ! يا محمد ! فأقول : لا أملك لك من الله شيئا ، قد بلغتك! ولا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل فرسا له حمحمة ينادي : يا محمد ! يا محمد ! فأقول : لا أملك لك من الله شيئا ، قد بلغتك! ولا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل قشعا من أدم ، [ ص: 359 ] ينادي : يا محمد ! يا محمد ! فأقول : لا أملك لك من الله شيئا ، قد بلغتك .

8159 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أسباط بن محمد قال : حدثنا أبو إسحاق الشيباني ، عن عبد الله بن ذكوان ، عن عروة بن الزبير ، عن أبي حميد قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقا فجاء بسواد كثير ، قال : فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من يقبضه منه . فلما أتوه جعل يقول : هذا لي ، وهذا لكم . قال فقالوا : من أين لك هذا؟ قال : أهدي إلي! فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بذلك ، فخرج فخطب فقال : "أيها الناس ، ما بالي أبعث قوما إلى الصدقة ، فيجيء أحدهم بالسواد الكثير ، فإذا بعثت من يقبضه قال : "هذا لي ، وهذا لكم"! فإن كان صادقا أفلا أهدي له وهو في بيت أبيه أو في بيت أمه؟" ثم قال : "أيها الناس ، من بعثناه على عمل فغل شيئا ، جاء به يوم القيامة على عنقه يحمله ، فاتقوا الله أن يأتي أحدكم يوم القيامة على عنقه بعير له رغاء ، أو بقرة تخور ، أو شاة تثغو " .

8160 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أبو معاوية وابن نمير وعبدة بن سليمان ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن أبي حميد الساعدي قال : استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد يقال له" ابن الأتبية " على صدقات [ ص: 360 ] بني سليم ، فلما جاء قال : "هذا لكم ، وهذا هدية أهديت لي" . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفلا يجلس أحدكم في بيته فتأتيه هديته! ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال : "أما بعد ، فإني أستعمل رجالا منكم على أمور مما ولاني الله ، فيقول أحدهم : هذا الذي لكم ، وهذا هدية أهديت إلي! أفلا يجلس في بيت أبيه أو في بيت أمه فتأتيه هديته؟ والذي نفسي بيده ، لا يأخذ أحدكم من ذلك شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه ، فلا أعرفن ما جاء رجل يحمل بعيرا له رغاء ، أو بقرة لها خوار ، أو شاة تيعر! ثم رفع يده فقال : "ألا هل بلغت" ؟

8161 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عبد الرحيم ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن أبي حميد ، حدثه بمثل هذا الحديث قال : أفلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك؟ ثم رفع يده حتى إني لأنظر إلى بياض إبطيه ، ثم قال : "اللهم هل بلغت؟ " قال أبو حميد : بصر عيني وسمع أذني .

8162 - حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب وقال : حدثني عمي عبد الله بن وهب قال : أخبرني عمرو بن الحارث : أن موسى بن جبير حدثه : أن عبد الله بن عبد الرحمن بن الحباب الأنصاري حدثه : أن عبد الله بن أنيس حدثه : أنه تذاكر هو وعمر يوما الصدقة فقال : ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر [ ص: 361 ] غلول الصدقة : " من غل منها بعيرا أو شاة ، فإنه يحمله يوم القيامة" ؟ قال عبد الله بن أنيس : بلى .

8163 - حدثنا سعيد بن يحيى الأموي قال : حدثنا أبي قال : حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن نافع ، عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سعد بن عبادة مصدقا ، فقال : إياك ، يا سعد ، أن تجيء يوم القيامة ببعير تحمله رغاء! قال : لا آخذه ولا أجيء به! فأعفاه . [ ص: 362 ]

8164 - حدثنا أحمد بن المغيرة الحمصي أبو حميد قال : حدثنا الربيع بن روح قال : حدثنا ابن عياش قال : حدثني عبيد الله بن عمر بن حفص ، عن نافع مولى ابن عمر ، عن عبد الله بن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه استعمل سعد بن عبادة ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : إياك ، يا سعد ، أن تجيء يوم القيامة تحمل على عنقك بعيرا له رغاء! فقال سعد : فإن فعلت يا رسول الله ، إن ذلك لكائن! قال : نعم! قال سعد : قد علمت يا رسول الله أني أسأل فأعطى! فأعفني . فأعفاه .

8165 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا زيد بن حبان قال : حدثنا عبد الرحمن بن الحارث قال : حدثني جدي عبيد بن أبي عبيد - وكان أول مولود [ ص: 363 ] بالمدينة - قال : استعملت على صدقة دوس ، فجاءني أبو هريرة في اليوم الذي خرجت فيه ، فسلم ، فخرجت إليه فسلمت عليه فقال : كيف أنت والبعير؟ كيف أنت والبقر؟ كيف أنت والغنم؟ ثم قال : سمعت حبي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من أخذ بعيرا بغير حقه جاء به يوم القيامة له رغاء ، ومن أخذ بقرة بغير حقها جاء بها يوم القيامة لها خوار ، ومن أخذ شاة بغير حقها جاء بها يوم القيامة على عنقه لها يعار " ، فإياك والبقر فإنها أحد قرونا وأشد أظلافا .

8166 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا خالد بن مخلد قال : حدثني محمد ، عن عبد الرحمن بن الحارث ، عن جده عبيد بن أبي عبيد قال : استعملت على صدقة دوس ، فلما قضيت العمل قدمت ، فجاءني أبو هريرة فسلم علي فقال : أخبرني كيف أنت والإبل ثم ذكر نحو حديثه عن زيد ، إلا أنه قال : جاء به يوم القيامة على عنقه له رغاء .

8167 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى " ، قال قتادة : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا غنم مغنما بعث مناديا : "ألا لا يغلن رجل مخيطا فما دونه ، ألا لا يغلن رجل بعيرا فيأتي به على ظهره يوم القيامة له رغاء ، ألا لا يغلن رجل فرسا ، فيأتي به على ظهره يوم القيامة له حمحمة " .
القول في تأويل قوله ( ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ( 161 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : "ثم توفى كل نفس" ، ثم تعطى كل نفس جزاء ما كسبت بكسبها ، وافيا غير منقوص ما استحقه واستوجبه من ذلك"وهم لا يظلمون" ، يقول : لا يفعل بهم إلا الذي ينبغي أن يفعل بهم ، من غير أن يعتدي عليهم فينقصوا عما استحقوه . كما : - [ ص: 365 ]

8168 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : "ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون" ، ثم يجزى بكسبه غير مظلوم ولا متعدى عليه .
القول في تأويل قوله تعالى ( أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير ( 162 ) )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك :

فقال بعضهم : معنى ذلك : أفمن اتبع رضوان الله في ترك الغلول ، كمن باء بسخط من الله بغلوله ما غل؟

ذكر من قال ذلك :

8169 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا عيينة ، عن مطرف ، عن الضحاك في قوله : " أفمن اتبع رضوان الله " ، قال : من لم يغل"كمن باء بسخط من الله" ، كمن غل .

8170 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني سفيان بن عيينة ، عن مطرف بن طريف ، عن الضحاك قوله : " أفمن اتبع رضوان الله " ، قال : من أدى الخمس"كمن باء بسخط من الله" ، فاستوجب سخطا من الله .

وقال آخرون في ذلك بما : -

8171 - حدثني به ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : [ ص: 366 ] " أفمن اتبع رضوان الله " ، على ما أحب الناس وسخطوا"كمن باء بسخط من الله" ، لرضى الناس وسخطهم؟ يقول : أفمن كان على طاعتي فثوابه الجنة ورضوان من ربه ، كمن باء بسخط من الله ، فاستوجب غضبه ، وكان مأواه جهنم وبئس المصير؟ أسواء المثلان؟ أي : فاعرفوا .

قال أبو جعفر : وأولى التأويلين بتأويل الآية عندي ، قول الضحاك بن مزاحم . لأن ذلك عقيب وعيد الله على الغلول ، ونهيه عباده عنه . ثم قال لهم بعد نهيه عن ذلك ووعيده : أسواء المطيع لله فيما أمره ونهاه ، والعاصي له في ذلك؟ أي : إنهما لا يستويان ، ولا تستوي حالتاهما عنده . لأن لمن أطاع الله فيما أمره ونهاه ، الجنة ، ولمن عصاه فيما أمره ونهاه النار .

فمعنى قوله : " أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله " إذا : أفمن ترك الغلول وما نهاه الله عنه عن معاصيه ، وعمل بطاعة الله في تركه ذلك ، وفي غيره مما أمره به ونهاه من فرائضه ، متبعا في كل ذلك رضا الله ، ومجتنبا سخطه"كمن باء بسخط من الله" ، يعني : كمن انصرف متحملا سخط الله وغضبه ، فاستحق بذلك سكنى جهنم" يقول : ليسا سواء .

وأما قوله : "وبئس المصير" ، فإنه يعني : وبئس المصير الذي يصير إليه ويئوب إليه من باء بسخط من الله جهنم .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #442  
قديم 03-05-2023, 05:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,561
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران
الحلقة (442)
صــ 367إلى صــ 381





[ ص: 367 ] القول في تأويل قوله تعالى ( هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون ( 163 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : أن من اتبع رضوان الله ومن باء بسخط من الله ، مختلفو المنازل عند الله . فلمن اتبع رضوان الله ، الكرامة والثواب الجزيل ، ولمن باء بسخط من الله ، المهانة والعقاب الأليم ، كما : -

8172 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون أي : لكل درجات مما عملوا في الجنة والنار ، إن الله لا يخفى عليه أهل طاعته من أهل معصيته . .

8173 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " هم درجات عند الله " ، يقول : بأعمالهم .

وقال آخرون : معنى ذلك : لهم درجات عند الله ، يعني : لمن اتبع رضوان الله منازل عند الله كريمة .

ذكر من قال ذلك :

8174 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " هم درجات عند الله " ، قال : هي كقوله : ( " لهم درجات عند الله " ) .

8175 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " هم درجات عند الله " ، يقول : لهم درجات عند الله .

[ ص: 368 ]

وقيل : قوله"هم درجات" كقول القائل : "هم طبقات" ، كما قال ابن هرمة :


أرجما للمنون يكون قومي لريب الدهر أم درج السيول


وأما قوله : "والله بصير بما يعملون" ، فإنه يعني : والله ذو علم بما يعمل أهل طاعته ومعصيته ، لا يخفى عليه من أعمالهم شيء ، يحصي على الفريقين جميعا أعمالهم ، حتى توفى كل نفس منهم جزاء ما كسبت من خير وشر ، كما : -

8176 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " والله بصير بما يعملون " ، يقول : إن الله لا يخفى عليه أهل طاعته من أهل معصيته . .
[ ص: 369 ] القول في تأويل قوله ( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ( 164 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك : لقد تطول الله على المؤمنين" إذ بعث فيهم رسولا " ، حين أرسل فيهم رسولا" من أنفسهم" ، نبيا من أهل لسانهم ، ولم يجعله من غير أهل لسانهم فلا يفقهوا عنه ما يقول" يتلو عليهم آياته " ، يقول : يقرأ عليهم آي كتابه وتنزيله" ويزكيهم" ، يعني : يطهرهم من ذنوبهم باتباعهم إياه وطاعتهم له فيما أمرهم ونهاهم" ويعلمهم الكتاب والحكمة " ، يعني : ويعلمهم كتاب الله الذي أنزله عليه ، ويبين لهم تأويله ومعانيه"والحكمة" ، ويعني بالحكمة ، السنة التي سنها الله جل ثناؤه للمؤمنين على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبيانه لهم" وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين " ، يعني : وإن كانوا من قبل أن يمن الله عليهم بإرساله رسوله الذي هذه صفته"لفي ضلال مبين" ، يقول : في جهالة جهلاء ، وفي حيرة عن الهدى عمياء ، لا يعرفون حقا ، ولا يبطلون باطلا .

وقد بينا أصل"الضلالة" فيما مضى ، وأنه الأخذ على غير هدى ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . .

[ ص: 370 ]

و"المبين" ، الذي يبين لمن تأمله بعقله وتدبره بفهمه ، أنه على غير استقامة ولا هدى .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

8177 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم " ، من الله عليهم من غير دعوة ولا رغبة من هذه الأمة ، جعله الله رحمة لهم ليخرجهم من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى صراط مستقيم قوله : " ويعلمهم الكتاب والحكمة " ، الحكمة ، السنة" وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين " ، ليس والله كما تقول أهل حروراء : "محنة غالبة ، من أخطأها أهريق دمه" ، ولكن الله بعث نبيه صلى الله عليه وسلم إلى قوم لا يعلمون فعلمهم ، وإلى قوم لا أدب لهم فأدبهم .

8178 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : " لقد من الله على المؤمنين " ، إلى قوله : " لفي ضلال مبين " ، أي : لقد من الله عليكم ، يا أهل الإيمان ، إذ بعث فيكم رسولا من أنفسكم يتلو عليكم آياته ويزكيكم فيما أحدثتم وفيما عملتم ، ويعلمكم الخير والشر ، لتعرفوا الخير فتعملوا به ، والشر فتتقوه ، ويخبركم برضاه عنكم إذ أطعتموه ، لتستكثروا من طاعته ، وتجتنبوا ما سخط منكم من معصيته ، فتتخلصوا بذلك من نقمته ، وتدركوا بذلك ثوابه من جنته" وإن كنتم من قبل لفي ضلال مبين " ، أي : في عمياء من الجاهلية ، [ ص: 371 ] لا تعرفون حسنة ولا تستغفرون من سيئة ، صم عن الحق ، عمي عن الهدى .
القول في تأويل قوله جل ثناؤه ( أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير ( 165 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : أوحين أصابتكم ، أيها المؤمنون ، "مصيبة" ، وهي القتلى الذين قتلوا منهم يوم أحد ، والجرحى الذين جرحوا منهم بأحد ، وكان المشركون قتلوا منهم يومئذ سبعين نفرا" قد أصبتم مثليها " ، يقول : قد أصبتم ، أنتم أيها المؤمنون ، من المشركين مثلي هذه المصيبة التي أصابوا هم منكم ، وهي المصيبة التي أصابها المسلمون من المشركين ببدر ، وذلك أنهم قتلوا منهم سبعين وأسروا سبعين" قلتم أنى هذا " ، يعني : قلتم لما أصابتكم مصيبتكم بأحد"أنى هذا" ، من أي وجه هذا؟ ومن أين أصابنا هذا الذي أصابنا ، ونحن مسلمون وهم مشركون ، وفينا نبي الله صلى الله عليه وسلم يأتيه الوحي من السماء ، وعدونا أهل كفر بالله وشرك؟"قل" يا محمد للمؤمنين بك من أصحابك" هو من عند أنفسكم " ، يقول : قل لهم : أصابكم هذا الذي أصابكم من عند أنفسكم ، بخلافكم أمري وترككم طاعتي ، لا من عند غيركم ، ولا من قبل أحد سواكم"إن الله على كل شيء قدير" ، يقول : إن الله على جميع ما أراد بخلقه من عفو وعقوبة ، وتفضل [ ص: 372 ] وانتقام"قدير" ، يعني : ذو قدرة . .

ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : "قل هو من عند أنفسكم" ، بعد إجماع جميعهم على أن تأويل سائر الآية على ما قلنا في ذلك من التأويل .

فقال بعضهم : تأويل ذلك : " قل هو من عند أنفسكم " ، بخلافكم على نبي الله صلى الله عليه وسلم ، إذ أشار عليكم بترك الخروج إلى عدوكم والإصحار لهم حتى يدخلوا عليكم مدينتكم ، ويصيروا بين آطامكم ، فأبيتم ذلك عليه ، وقلتم : "اخرج بنا إليهم حتى نصحر لهم فنقاتلهم خارج المدينة" .

ذكر من قال ذلك :

8179 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا " أصيبوا يوم أحد ، قتل منهم سبعون يومئذ ، وأصابوا مثليها يوم بدر ، قتلوا من المشركين سبعين وأسروا سبعين"قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم" ، ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم أحد ، حين قدم أبو سفيان والمشركون ، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : "أنا في جنة حصينة" ، يعني بذلك المدينة ، "فدعوا القوم أن يدخلوا علينا نقاتلهم" فقال له ناس من أصحابه من الأنصار : يا نبي الله ، إنا نكره أن نقتل في طرق المدينة ، وقد كنا نمتنع من الغزو في الجاهلية ، فبالإسلام أحق أن نمتنع منه! فابرز بنا إلى القوم . فانطلق رسول الله صلى الله [ ص: 373 ] عليه وسلم فلبس لأمته ، فتلاوم القوم فقالوا : عرض نبي الله صلى الله عليه وسلم بأمر وعرضتم بغيره! اذهب يا حمزة فقل لنبي الله صلى الله عليه وسلم : "أمرنا لأمرك تبع" . فأتى حمزة فقال له : يا نبي الله ، إن القوم قد تلاوموا وقالوا : "أمرنا لأمرك تبع" . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه ليس لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يناجز ، وإنه ستكون فيكم مصيبة . قالوا : يا نبي الله ، خاصة أو عامة؟ قال : سترونها ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم رأى في المنام أن بقرا تنحر ، فتأولها قتلا في أصحابه ورأى أن سيفه ذا الفقار انقصم ، فكان قتل عمه حمزة ، قتل يومئذ ، وكان يقال له : أسد الله ورأى أن كبشا عتر ، . فتأوله كبش الكتيبة ، عثمان بن أبي طلحة ، أصيب يومئذ ، وكان معه لواء المشركين .

8180 - حدثت عن عمار ، عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بنحوه غير أنه قال : " قد أصبتم مثليها " ، يقول : مثلي ما أصيب منكم" قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم " ، يقول : بما عصيتم .

8181 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة قال : أصيب المسلمون يوم أحد مصيبة ، وكانوا قد أصابوا مثليها يوم بدر ممن قتلوا وأسروا ، فقال الله عز وجل : " أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها " .

8182 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن [ ص: 374 ] ابن جريج ، عن عمر بن عطاء ، عن عكرمة قال : قتل المسلمون من المشركين يوم بدر سبعين وأسروا سبعين ، وقتل المشركون يوم أحد من المسلمين سبعين ، فذلك قوله : " قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا " إذ نحن مسلمون ، نقاتل غضبا لله وهؤلاء مشركون" قل هو من عند أنفسكم " ، عقوبة لكم بمعصيتكم النبي صلى الله عليه وسلم حين قال ما قال .

8183 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج ، عن مبارك ، عن الحسن : " أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم " ، قالوا : فإنما أصابنا هذا لأنا قبلنا الفداء يوم بدر من الأسارى ، وعصينا النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد ، فمن قتل منا كان شهيدا ، ومن بقي منا كان مطهرا ، رضينا ربنا ! .

8184 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن مبارك ، عن الحسن وابن جريج قالا معصيتهم أنه قال لهم : "لا تتبعوهم" ، يوم أحد ، فاتبعوهم .

8185 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، ثم ذكر ما أصيب من المؤمنين - يعني بأحد - وقتل منهم سبعون إنسانا" أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها " ، كانوا يوم بدر أسروا سبعين رجلا وقتلوا سبعين" قلتم أنى هذا " ، أي : من أين هذا" قل هو من عند أنفسكم " ، أنكم عصيتم .

8186 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها " يقول : إنكم أصبتم من المشركين يوم بدر مثلي ما أصابوا منكم يوم أحد . [ ص: 375 ]

8187 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : ثم ذكر المصيبة التي أصابتهم فقال : " أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم " ، أي : إن تك قد أصابتكم مصيبة في إخوانكم ، فبذنوبكم ، قد أصبتم مثليها قبل من عدوكم في اليوم الذي كان قبله ببدر ، قتلى وأسرى ، ونسيتم معصيتكم وخلافكم ما أمركم به نبيكم صلى الله عليه وسلم . أنتم أحللتم ذلك بأنفسكم . "إن الله على كل شيء قدير" ، أي : إن الله على كل ما أراد بعباده من نقمة أو عفو ، قدير . .

8188 - حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها " ، الآية ، يعني بذلك : أنكم أصبتم من المشركين يوم بدر مثلي ما أصابوا منكم يوم أحد .

وقال بعضهم : بل تأويل ذلك : " قل هو من عند أنفسكم " ، بإساركم المشركين يوم بدر ، وأخذكم منهم الفداء ، وترككم قتلهم .

ذكر من قال ذلك :

8189 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن فضيل ، عن أشعث بن سوار ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة قال : أسر المسلمون من المشركين سبعين وقتلوا سبعين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اختاروا أن تأخذوا منهم الفداء فتتقووا به على [ ص: 376 ] عدوكم ، وإن قبلتموه قتل منكم سبعون أو تقتلوهم . فقالوا : بل نأخذ الفدية منهم ويقتل منا سبعون . قال : فأخذوا الفدية منهم ، وقتلوا منهم سبعين قال عبيدة : وطلبوا الخيرتين كلتيهما .

8190 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية قال : حدثنا ابن عون ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة : أنه قال في أسارى بدر : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن شئتم قتلتموهم ، وإن شئتم فاديتموهم واستشهد منكم بعدتهم . قالوا : بل نأخذ الفداء فنستمتع به ، ويستشهد منا بعدتهم .

8191 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني إسماعيل ، عن ابن عون ، عن محمد ، عن عبيدة السلماني وحدثني حجاج ، عن جرير ، عن محمد ، عن عبيدة السلماني عن علي قال : جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : يا محمد ، إن الله قد كره ما صنع قومك في أخذهم الأسارى ، وقد أمرك أن تخيرهم بين أمرين : أن يقدموا فتضرب أعناقهم ، وبين أن يأخذوا الفداء على أن يقتل منهم عدتهم . قال : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فذكر ذلك لهم ، فقالوا : يا رسول الله ، عشائرنا وإخواننا!! لا بل نأخذ فداءهم فنتقوى به على قتال عدونا ، ويستشهد منا عدتهم ، فليس في ذلك ما نكره! قال : فقتل منهم يوم أحد سبعون رجلا عدة أسارى أهل بدر .
[ ص: 377 ] القول في تأويل قوله ( وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا ( 166 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : والذي أصابكم"يوم التقى الجمعان" ، وهو يوم أحد ، حين التقى جمع المسلمين والمشركين . ويعني ب"الذي أصابهم" ، ما نال من القتل من قتل منهم ، ومن الجراح من جرح منهم"فبإذن الله ، " يقول : فهو بإذن الله كان يعني : بقضائه وقدره فيكم . .

وأجاب"ما" بالفاء ، لأن"ما" حرف جزاء ، وقد بينت نظير ذلك فيما مضى قبل .

"وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا " ، بمعنى : وليعلم الله المؤمنين ، وليعلم الذين نافقوا ، أصابكم ما أصابكم يوم التقى الجمعان بأحد ، ليميز أهل الإيمان بالله ورسوله المؤمنين منكم من المنافقين فيعرفونهم ، لا يخفى عليهم أمر الفريقين .

وقد بينا تأويل قوله : " وليعلم المؤمنين " فيما مضى ، وما وجه ذلك ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال ابن إسحاق .

8192 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين " ، أي : ما أصابكم حين التقيتم أنتم وعدوكم ، فبإذني كان ذلك حين فعلتم ما فعلتم ، بعد أن جاءكم [ ص: 378 ] نصري ، وصدقتكم وعدي ، ليميز بين المنافقين والمؤمنين ، وليعلم الذين نافقوا منكم ، أي : ليظهروا ما فيهم .
القول في تأويل قوله : ( وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون ( 167 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك عبد الله بن أبي ابن سلول المنافق وأصحابه ، الذين رجعوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه ، حين سار نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين بأحد لقتالهم ، فقال لهم المسلمون : تعالوا قاتلوا المشركين معنا ، أو ادفعوا بتكثيركم سوادنا! فقالوا : لو نعلم أنكم تقاتلون لسرنا معكم إليهم ، ولكنا معكم عليهم ، ولكن لا نرى أنه يكون بينكم وبين القوم قتال! فأبدوا من نفاق أنفسهم ما كانوا يكتمونه ، وأبدوا بألسنتهم بقولهم : " لو نعلم قتالا لاتبعناكم " ، غير ما كانوا يكتمونه ويخفونه من عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل الإيمان به ، كما : -

8193 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : حدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، ومحمد بن يحيى بن حبان ، وعاصم بن عمر بن قتادة ، والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ ، وغيرهم من علمائنا ، كلهم قد حدث قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني حين خرج إلى أحد - في ألف رجل من أصحابه ، حتى إذا كانوا بالشوط بين [ ص: 379 ] أحد والمدينة ، انخزل عنهم عبد الله بن أبي ابن سلول بثلث الناس وقال : أطاعهم فخرج وعصاني! والله ما ندري علام نقتل أنفسنا هاهنا أيها الناس!! فرجع بمن اتبعه من الناس من قومه من أهل النفاق وأهل الريب ، واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام أخو بني سلمة يقول : يا قوم ، أذكركم الله أن تخذلوا نبيكم وقومكم عندما حضر من عدوهم! فقالوا : لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم ، ولكنا لا نرى أن يكون قتال! فلما استعصوا عليه وأبوا إلا الانصراف عنهم ، قال : أبعدكم الله أعداء الله! فسيغني الله عنكم! ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

8194 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا " ، يعني : عبد الله بن أبي ابن سلول وأصحابه الذين رجعوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سار إلى عدوه من المشركين بأحد وقوله : " لو نعلم قتالا لاتبعناكم " ، يقول : لو نعلم أنكم تقاتلون لسرنا معكم ، ولدفعنا عنكم ، ولكن لا نظن أن يكون قتال . فظهر منهم ما كانوا يخفون في أنفسهم يقول الله عز وجل : " هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم " ، يظهرون لك الإيمان ، وليس في قلوبهم ، "والله أعلم بما يكتمون" ، أي : يخفون .

8195 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني يوم أحد - في ألف رجل ، وقد وعدهم الفتح إن صبروا . فلما خرجوا ، رجع عبد الله بن أبي ابن سلول في ثلاثمائة ، فتبعهم أبو جابر السلمي يدعوهم ، فلما غلبوه وقالوا له : ما نعلم قتالا ولئن أطعتنا [ ص: 380 ] لترجعن معنا! قال : فذكر الله أصحاب عبد الله بن أبي ابن سلول ، وقول عبد الله بن جابر بن عبد الله الأنصاري حين دعاهم فقالوا : "ما نعلم قتالا ولئن أطعتمونا لترجعن معنا" ، فقال : ( الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا عن أنفسكم الموت ) . .

8196 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج ، قال عكرمة : "قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم" ، قال : نزلت في عبد الله بن أبي ابن سلول قال ابن جريج ، وأخبرني عبد الله بن كثير ، عن مجاهد "لو نعلم قتالا" ، قال : لو نعلم أنا واجدون معكم قتالا لو نعلم مكان قتال ، لاتبعناكم .

واختلفوا في تأويل قوله"أو ادفعوا" .

فقال بعضهم : معناه : أو كثروا ، فإنكم إذا كثرتم دفعتم القوم .

ذكر من قال ذلك :

8197 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " أو ادفعوا " ، يقول : أو كثروا .

8198 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : " أو ادفعوا " ، قال : بكثرتكم العدو ، وإن لم يكن قتال .

وقال آخرون : معنى ذلك : أو رابطوا إن لم تقاتلوا .

ذكر من قال ذلك :

8198 م - حدثنا إسماعيل بن حفص الآيلي وعلي بن سهل الرملي قالا حدثنا [ ص: 381 ] الوليد بن مسلم قال : حدثنا عتبة بن ضمرة قال : سمعت أبا عون الأنصاري في قوله : " قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا " ، قال : رابطوا .

وأما قوله : " والله أعلم بما يكتمون " ، فإنه يعني به : والله أعلم من هؤلاء المنافقين الذين يقولون للمؤمنين : " لو نعلم قتالا لاتبعناكم " ، بما يضمرون في أنفسهم للمؤمنين ويكتمونه فيسترونه من العداوة والشنآن ، وأنهم لو علموا قتالا ما تبعوهم ولا دافعوا عنهم ، وهو تعالى ذكره محيط بما هم مخفوه من ذلك ، مطلع عليه ، ومحصيه عليهم ، حتى يهتك أستارهم في عاجل الدنيا فيفضحهم به ، ويصليهم به الدرك الأسفل من النار في الآخرة .
القول في تأويل قوله جل ثناؤه ( الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين ( 168 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : " وليعلم الله الذين نافقوا "" الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا " .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #443  
قديم 03-05-2023, 05:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,561
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران
الحلقة (443)
صــ 382إلى صــ 396




فموضع"الذين" نصب على الإبدال من"الذين نافقوا" . وقد يجوز أن [ ص: 382 ] يكون رفعا على الترجمة عما في قوله : "يكتمون" من ذكر"الذين نافقوا" .

فمعنى الآية : وليعلم الله الذين قالوا لإخوانهم الذين أصيبوا مع المسلمين في حربهم المشركين بأحد يوم أحد فقتلوا هنالك من عشائرهم وقومهم"وقعدوا" ، يعني : وقعد هؤلاء المنافقون القائلون ما قالوا - مما أخبر الله عز وجل عنهم من قيلهم - عن الجهاد مع إخوانهم وعشائرهم في سبيل الله"لو أطاعونا" ، يعني : لو أطاعنا من قتل بأحد من إخواننا وعشائرنا"ما قتلوا" يعني : ما قتلوا هنالك قال الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : "قل" ، يا محمد ، لهؤلاء القائلين هذه المقالة من المنافقين"فادرأوا" ، يعني : فادفعوا .

من قول القائل : "درأت عن فلان القتل" ، بمعنى دفعت عنه ، "أدرؤه درءا" ، ومنه قول الشاعر :


تقول وقد درأت لها وضيني أهذا دينه أبدا وديني


يقول تعالى ذكره : قل لهم : فادفعوا إن كنتم ، أيها المنافقون ، صادقين في قيلكم : لو أطاعنا إخواننا في ترك الجهاد في سبيل الله مع محمد صلى الله عليه وسلم وقتالهم أبا سفيان ومن معه من قريش ، ما قتلوا هنالك بالسيف ، ولكانوا أحياء بقعودهم معكم ، وتخلفهم عن محمد صلى الله عليه وسلم وشهود جهاد أعداء الله معه [ عن أنفسكم ] الموت ، فإنكم قد قعدتم عن حربهم وقد تخلفتم عن جهادهم ، وأنتم لا محالة ميتون . كما : - [ ص: 383 ]

8199 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " الذين قالوا لإخوانهم " ، الذين أصيبوا معكم من عشائرهم وقومهم" لو أطاعونا ما قتلوا " الآية ، أي : أنه لا بد من الموت ، فإن استطعتم أن تدفعوه عن أنفسكم فافعلوا . وذلك أنهم إنما نافقوا وتركوا الجهاد في سبيل الله ، حرصا على البقاء في الدنيا ، وفرارا من الموت .

ذكر من قال : الذين قالوا لإخوانهم هذا القول ، هم الذين قال الله فيهم : "وليعلم الذين نافقوا" .

8200 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا " الآية ، ذكر لنا أنها نزلت في عدو الله عبد الله بن أبي .

8201 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : هم عبد الله بن أبي وأصحابه .

8202 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : هو عبد الله بن أبي الذي قعد وقال لإخوانه الذين خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد : " لو أطاعونا ما قتلوا " ، الآية قال ابن جريج ، عن مجاهد قال : قال جابر بن عبد الله : هو عبد الله بن أبي ابن سلول .

8203 - حدثت عن عمار ، عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : " الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا " الآية ، قال : نزلت في عدو الله عبد الله بن أبي .
[ ص: 384 ] القول في تأويل قوله جل ثناؤه ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ( 169 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره : "ولا تحسبن" ، ولا تظنن . كما : -

8204 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " ولا تحسبن" ، ولا تظنن .

وقوله : "الذين قتلوا في سبيل الله" ، يعني : الذين قتلوا بأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم " أمواتا" ، يقول : ولا تحسبنهم ، يا محمد ، أمواتا ، لا يحسون شيئا ، ولا يلتذون ولا يتنعمون ، فإنهم أحياء عندي ، متنعمون في رزقي ، فرحون مسرورون بما آتيتهم من كرامتي وفضلي ، وحبوتهم به من جزيل ثوابي وعطائي ، كما : -

8205 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق وحدثني [ ص: 385 ] يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن ابن إسحاق عن إسماعيل بن أمية ، عن أبي الزبير المكي ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لما أصيب إخوانكم بأحد ، جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها ، وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش . فلما وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم وحسن مقيلهم قالوا : يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله بنا! لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب! فقال الله عز وجل : أنا أبلغهم عنكم . فأنزل الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الآيات . [ ص: 386 ]

8206 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير بن عبد الحميد وحدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قالا جميعا : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق بن الأجدع قال : سألنا عبد الله بن مسعود عن هذه الآيات : " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله " الآية ، قال : أما إنا قد سألنا عنها فقيل لنا : إنه لما أصيب إخوانكم بأحد ، جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها ، وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش ، فيطلع الله إليهم اطلاعة فيقول : يا عبادي ، ما تشتهون فأزيدكم؟ فيقولون : ربنا ، لا فوق ما أعطيتنا! الجنة نأكل منها حيث شئنا! ثلاث مرات - ثم يطلع فيقول : يا عبادي ، ما تشتهون فأزيدكم؟ فيقولون : ربنا ، لا فوق ما أعطيتنا! الجنة نأكل منها حيث شئنا! إلا أنا نختار أن ترد أرواحنا في أجسادنا ، ثم تردنا إلى الدنيا فنقاتل فيك حتى نقتل فيك مرة أخرى" . .

8207 - حدثنا الحسن بن يحيى المقدسي قال : حدثنا وهب بن جرير قال : حدثنا شعبة ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق قال : سألنا [ ص: 387 ] عبد الله عن هذه الآية ثم ذكر نحوه وزاد فيه : إني قد قضيت أن لا ترجعوا . .

8208 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن سليمان ، عن عبد الله بن مرة ، عن مسروق قال : سألنا عبد الله عن أرواح الشهداء ، ولولا عبد الله ما أخبرنا به أحد! قال : أرواح الشهداء عند الله في أجواف طير خضر في قناديل تحت العرش ، تسرح في الجنة حيث شاءت ، ثم ترجع إلى قناديلها ، فيطلع إليها ربها ، فيقول : ماذا تريدون؟ فيقولون : نريد أن نرجع إلى الدنيا فنقتل مرة أخرى .

8209 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عبد الرحيم بن سليمان وعبدة بن سليمان ، عن محمد بن إسحاق ، عن الحارث بن فضيل ، عن محمود بن لبيد ، عن [ ص: 388 ] ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الشهداء على بارق على نهر بباب الجنة في قبة خضراء وقال عبدة : "في روضة خضراء يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا" .

8210 - حدثنا أبو كريب ، وأنبأنا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق قال : حدثني الحارث بن فضيل ، عن محمود بن لبيد ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله إلا أنه قال : في قبة خضراء وقال : يخرج عليهم فيها .

8211 - حدثنا ابن وكيع ، وأنبأنا ابن إدريس ، عن محمد بن إسحاق قال : حدثني الحارث بن فضيل ، عن محمود بن لبيد ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله .

8212 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : قال محمد بن إسحاق ، وحدثني الحارث بن الفضيل الأنصاري ، عن محمود بن لبيد الأنصاري ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الشهداء على بارق نهر بباب الجنة في قبة خضراء ، يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا .

8213 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : حدثني أيضا يعني إسماعيل بن عياش عن ابن إسحاق ، عن الحارث بن الفضيل ، عن محمود بن لبيد ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه .

8214 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : قال محمد بن إسحاق ، وحدثني بعض أصحابي عن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أبشرك يا جابر؟ [ ص: 389 ] قال قلت : بلى ، يا رسول الله! قال : إن أباك حيث أصيب بأحد ، أحياه الله ثم قال له : ما تحب يا عبد الله بن عمرو أن أفعل بك؟ قال : يا رب ، أحب أن تردني إلى الدنيا ، فأقاتل فيك فأقتل مرة أخرى" . .

8215 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ذكر لنا أن رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : يا ليتنا نعلم ما فعل [ ص: 390 ] إخواننا الذين قتلوا يوم أحد ! فأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك القرآن : " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون " كنا نحدث أن أرواح الشهداء تعارف في طير بيض تأكل من ثمار الجنة ، وأن مساكنهم السدرة . .

8216 - حدثت عن عمار ، وأنبأنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بنحوه إلا أنه قال : تعارف في طير خضر وبيض وزاد فيه أيضا : وذكر لنا عن بعضهم في قوله : " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء " ، قال : هم قتلى بدر وأحد .

8217 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن محمد بن قيس بن مخرمة قال : قالوا : يا رب ، ألا رسول لنا يخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنا بما أعطيتنا؟ فقال الله تبارك وتعالى : أنا رسولكم ، فأمر جبريل عليه السلام أن يأتي بهذه الآية : " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله " ، الآيتين .

8218 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرة ، عن مسروق قال : سألنا عبد الله عن هذه الآيات : " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون " ، قال : أرواح الشهداء عند الله كطير خضر ، لها قناديل معلقة بالعرش ، تسرح في الجنة حيث شاءت . قال : فاطلع إليهم ربك اطلاعة فقال : هل تشتهون من شيء فأزيدكموه؟ قالوا : ربنا ، ألسنا نسرح في الجنة في أيها شئنا! ثم اطلع عليهم الثالثة فقال : هل تشتهون من شيء فأزيدكموه؟ قالوا : تعيد أرواحنا في أجسادنا فنقاتل في سبيلك مرة أخرى! فسكت عنهم . [ ص: 391 ]

8219 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله : أنهم قالوا في الثالثة حين قال لهم : هل تشتهون من شيء فأزيدكموه؟ قالوا : تقرئ نبينا عنا السلام ، وتخبره أن قد رضينا ورضي عنا .

8220 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : قال الله تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، يرغب المؤمنين في ثواب الجنة ويهون عليهم القتل : " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون " ، أي : قد أحييتهم ، فهم عندي يرزقون في روح الجنة وفضلها ، مسرورين بما آتاهم الله من ثوابه على جهادهم عنه . [ ص: 392 ]

8221 - حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ قال : حدثنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك قال : كان المسلمون يسألون ربهم أن يريهم يوما كيوم بدر ، يبلون فيه خيرا ، يرزقون فيه الشهادة ، ويرزقون فيه الجنة والحياة في الرزق ، فلقوا المشركين يوم أحد ، فاتخذ الله منهم شهداء ، وهم الذين ذكرهم الله فقال : " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا " الآية .

8222 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : ذكر الشهداء فقال : " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم " إلى قوله : " ولا هم يحزنون " ، زعم أن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر ، في قناديل من ذهب معلقة بالعرش ، فهي ترعى بكرة وعشية في الجنة ، تبيت في القناديل ، فإذا سرحن نادى مناد : ماذا تريدون؟ ماذا تشتهون؟ فيقولون : ربنا ، نحن فيما اشتهت أنفسنا! فيسألهم ربهم أيضا : ماذا تشتهون؟ وماذا تريدون؟ فيقولون : نحن فيما اشتهت أنفسنا! فيسألون الثالثة ، فيقولون ما قالوا : ولكنا نحب أن ترد أرواحنا في أجسادنا! لما يرون من فضل الثواب .

8223 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا عباد قال : حدثنا إبراهيم بن معمر ، عن الحسن قال : ما زال ابن آدم يتحمد حتى صار حيا ما يموت . ثم تلا هذه الآية : "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون" .

8224 - حدثنا محمد بن مرزوق قال : حدثنا عمر بن يونس ، عن عكرمة قال : [ ص: 393 ] حدثنا إسحاق بن أبي طلحة قال : حدثني أنس بن مالك في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين أرسلهم نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل بئر معونة ، قال : لا أدري أربعين أو سبعين . قال : وعلى ذلك الماء عامر بن الطفيل الجعفري ، فخرج أولئك النفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتوا غارا مشرفا على الماء قعدوا فيه ، ثم قال بعضهم لبعض : أيكم يبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل هذا الماء؟ فقال - أراه أبو ملحان الأنصاري - : أنا أبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم . فخرج حتى أتى حيا منهم ، فاحتبى أمام البيوت ثم قال : يا أهل بئر معونة ، إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم ، إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، فآمنوا بالله ورسوله . فخرج إليه رجل من كسر البيت برمح ، فضرب به في جنبه حتى خرج من الشق الآخر ، فقال : الله أكبر ، فزت ورب الكعبة! فاتبعوا أثره حتى أتوا أصحابه ، فقتلهم أجمعين عامر بن الطفيل قال : قال إسحاق : حدثني أنس بن مالك : إن الله تعالى أنزل فيهم قرآنا ، رفع بعدما قرأناه زمانا . وأنزل الله : ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ) . . [ ص: 394 ]

8225 - حدثنا يحيى بن أبي طالب قال : أخبرنا يزيد قال : أخبرنا جويبر ، [ ص: 395 ] عن الضحاك قال : لما أصيب الذين أصيبوا يوم أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، لقوا ربهم ، فأكرمهم ، فأصابوا الحياة والشهادة والرزق الطيب ، قالوا : يا ليت بيننا وبين إخواننا من يبلغهم أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا! فقال الله تبارك وتعالى : أنا رسولكم إلى نبيكم وإخوانكم . فأنزل الله تبارك وتعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم : " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون " إلى قوله : "ولا هم يحزنون" . فهذا النبأ الذي بلغ الله رسوله والمؤمنين ما قال الشهداء .

وفي نصب قوله : "فرحين" وجهان .

أحدهما : أن يكون منصوبا على الخروج من قوله : "عند ربهم" . والآخر من قوله : "يرزقون" . ولو كان رفعا بالرد على قوله : "بل أحياء فرحون" ، كان جائزا .
القول في تأويل قوله تعالى ( ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( 170 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره : ويفرحون بمن لم يلحق بهم من إخوانهم الذين فارقوهم وهم أحياء في الدنيا على مناهجهم من جهاد أعداء الله مع رسوله ، لعلمهم بأنهم إن استشهدوا فلحقوا بهم صاروا من كرامة الله إلى مثل الذي صاروا هم إليه ، فهم لذلك مستبشرون بهم ، فرحون أنهم إذا صاروا كذلك [ ص: 396 ] " لا خوف عليهم ولا هم يحزنون " ، يعني بذلك : لا خوف عليهم ، لأنهم قد أمنوا عقاب الله ، وأيقنوا برضاه عنهم ، فقد أمنوا الخوف الذي كانوا يخافونه من ذلك في الدنيا ، ولا هم يحزنون على ما خلفوا وراءهم من أسباب الدنيا ونكد عيشها ، للخفض الذي صاروا إليه والدعة والزلفة . .

ونصب"أن لا" بمعنى : يستبشرون لهم بأنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون . .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

8226 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم " الآية ، يقول : لإخوانهم الذين فارقوهم على دينهم وأمرهم ، لما قدموا عليه من الكرامة والفضل والنعيم الذي أعطاهم .

8227 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : " ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم " الآية ، قال : يقولون : إخواننا يقتلون كما قتلنا ، يلحقونا فيصيبون من كرامة الله تعالى ما أصبنا .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #444  
قديم 03-05-2023, 05:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,561
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران
الحلقة (444)
صــ 397إلى صــ 411






8228 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : ذكر لنا عن بعضهم في قوله : " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون " ، قال : هم قتلى بدر وأحد ، زعموا أن الله تبارك وتعالى لما قبض أرواحهم وأدخلهم الجنة ، جعلت أرواحهم في طير خضر ترعى في [ ص: 397 ] الجنة ، وتأوي إلى قناديل من ذهب تحت العرش . فلما رأوا ما أعطاهم الله من الكرامة ، قالوا : ليت إخواننا الذين بعدنا يعلمون ما نحن فيه! فإذا شهدوا قتالا تعجلوا إلى ما نحن فيه! فقال الله تعالى : إني منزل على نبيكم ومخبر إخوانكم بالذي أنتم فيه . ففرحوا به واستبشروا ، وقالوا : يخبر الله نبيكم وإخوانكم بالذي أنتم فيه ، فإذا شهدوا قتالا أتوكم! قال : فذلك قوله : "فرحين بما آتاهم الله من فضله" إلى قوله : " أجر المؤمنين " .

8229 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم " ، أي : ويسرون بلحوق من لحق بهم من إخوانهم على ما مضوا عليه من جهادهم ، ليشركوهم فيما هم فيه من ثواب الله الذي أعطاهم ، وأذهب الله عنهم الخوف والحزن . .

8230 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم " ، قال : هم إخوانهم من الشهداء ممن يستشهد من بعدهم"لا خوف عليهم ولا هم يحزنون" حتى بلغ : "وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين" .

8231 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أما" ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم " ، فإن الشهيد يؤتى بكتاب فيه من يقدم عليه من إخوانه وأهله ، فيقال : "يقدم عليك فلان يوم كذا وكذا ، ويقدم عليك فلان يوم كذا وكذا" ، فيستبشر حين يقدم عليه ، كما يستبشر أهل الغائب بقدومه في الدنيا .
القول في تأويل قوله [ ص: 398 ] ( يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين ( 171 ) )

قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه : "يستبشرون" ، يفرحون"بنعمة من الله" ، يعني بما حباهم به تعالى ذكره من عظيم كرامته عند ورودهم عليه"وفضل" يقول : وبما أسبغ عليهم من الفضل وجزيل الثواب على ما سلف منهم من طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وجهاد أعدائه" وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين " ، كما : -

8232 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن أبي إسحاق : "يستبشرون بنعمة من الله وفضل" الآية ، لما عاينوا من وفاء الموعود وعظيم الثواب .

واختلفت القرأة في قراءة قوله : "وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين" .

فقرأ ذلك بعضهم بفتح"الألف" من"أن" بمعنى : يستبشرون بنعمة من الله وفضل ، وبأن الله لا يضيع أجر المؤمنين .

وبكسر"الألف" ، على الاستئناف . واحتج من قرأ ذلك كذلك بأنها في قراءة عبد الله : ( " وفضل والله لا يضيع أجر المؤمنين" ) . قالوا : فذلك دليل على أن قوله : "وإن الله" مستأنف غير متصل بالأول . .

ومعنى قوله : "لا يضيع أجر المؤمنين" ، لا يبطل جزاء أعمال من صدق رسوله واتبعه ، وعمل بما جاءه من عند الله .

[ ص: 399 ]

قال أبو جعفر : وأولى القراءتين بالصواب ، قراءة من قرأ ذلك : "وأن الله" بفتح"الألف" ، لإجماع الحجة من القرأة على ذلك .
القول في تأويل قوله تعالى ( الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم ( 172 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : "وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين" ، المستجيبين لله والرسول من بعد ما أصابهم الجرح والكلوم . .

وإنما عنى الله تعالى ذكره بذلك : الذين اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد في طلب العدو - أبي سفيان ومن كان معه من مشركي قريش - منصرفهم عن أحد . وذلك أن أبا سفيان لما انصرف عن أحد ، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثره حتى بلغ حمراء الأسد ، وهي على ثمانية أميال من المدينة ، ليرى الناس أن به وأصحابه قوة على عدوهم . كالذي : -

8233 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق قال : حدثني حسين بن عبد الله ، عن عكرمة قال : كان يوم أحد [ يوم ] السبت للنصف من شوال ، فلما كان الغد من يوم أحد ، يوم الأحد لست عشرة ليلة مضت من شوال ، أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس بطلب [ ص: 400 ] العدو ، وأذن مؤذنه أن : "لا يخرجن معنا أحد إلا من حضر يومنا بالأمس" . فكلمه جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام فقال : يا رسول الله ، إن أبي كان خلفني على أخوات لي سبع ، وقال لي : "يا بني ، إنه لا ينبغي لي ولا لك أن نترك هؤلاء النسوة لا رجل فيهن ، ولست بالذي أوثرك بالجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسي! فتخلف على أخواتك" ، فتخلفت عليهن . فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرج معه . وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مرهبا للعدو ، ليبلغهم أنه خرج في طلبهم ، ليظنوا به قوة ، وأن الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم .

8234 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق قال : فحدثني عبد الله بن خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أبي السائب مولى عائشة بنت عثمان : أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني عبد الأشهل ، كان شهد أحدا قال : شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا ، أنا وأخ لي ، فرجعنا جريحين : فلما أذن [ مؤذن ] رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج في طلب العدو ، قلت لأخي - أو قال لي - : أتفوتنا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ والله ما لنا من دابة نركبها ، وما منا إلا جريح ثقيل! فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكنت أيسر جرحا منه ، فكنت إذا غلب حملته عقبة ومشى عقبة ، حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى إلى حمراء الأسد ، وهي من المدينة على ثمانية أميال ، فأقام بها ثلاثا ، الاثنين والثلاثاء والأربعاء ، ثم رجع إلى المدينة . [ ص: 401 ]

8235 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : فقال الله تبارك وتعالى : " الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح " ، أي : الجراح ، وهم الذين ساروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد من يوم أحد إلى حمراء الأسد ، على ما بهم من ألم الجراح" للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم " .

8236 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح " الآية ، وذلك يوم أحد ، بعد القتل والجراح ، وبعدما انصرف المشركون - أبو سفيان وأصحابه - فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " ألا عصابة تنتدب لأمر الله ، تطلب عدوها؟ فإنه أنكى للعدو ، وأبعد للسمع! فانطلق عصابة منهم على ما يعلم الله تعالى من الجهد .

8237 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : انطلق أبو سفيان منصرفا من أحد ، حتى بلغ بعض الطريق ، ثم إنهم ندموا وقالوا : بئسما صنعتم! إنكم قتلتموهم ، حتى إذا لم يبق إلا الشريد تركتموهم! ارجعوا واستأصلوهم . فقذف الله في قلوبهم الرعب ، فهزموا ، فأخبر الله رسوله ، فطلبهم حتى بلغ حمراء الأسد ، ثم رجعوا من حمراء الأسد ، فأنزل الله جل ثناؤه فيهم : " الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح " .

8238 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : [ ص: 402 ] حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : إن الله جل وعز قذف في قلب أبي سفيان الرعب - يعني يوم أحد - بعد ما كان منه ما كان ، فرجع إلى مكة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "إن أبا سفيان قد أصاب منكم طرفا ، وقد رجع وقذف الله في قلبه الرعب"! وكانت وقعة أحد في شوال ، وكان التجار يقدمون المدينة في ذي القعدة ، فينزلون ببدر الصغرى في كل سنة مرة ، وإنهم قدموا بعد وقعة أحد ، وكان أصاب المؤمنين القرح ، واشتكوا ذلك إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم ، واشتد عليهم الذي أصابهم . وإن رسول الله ندب الناس لينطلقوا معه ، ويتبعوا ما كانوا متبعين ، وقال : إنما يرتحلون الآن فيأتون الحج ، ولا يقدرون على مثلها حتى عام مقبل ، فجاء الشيطان فخوف أولياءه ، فقال : "إن الناس قد جمعوا لكم"! فأبى عليه الناس أن يتبعوه ، فقال : "إني ذاهب وإن لم يتبعني أحد" ، لأحضض الناس . فانتدب معه أبا بكر الصديق ، وعمر ، وعثمان ، وعليا ، والزبير ، وسعدا ، وطلحة ، وعبد الرحمن بن عوف ، وعبد الله بن مسعود ، وحذيفة بن اليمان ، وأبا عبيدة بن الجراح ، في سبعين رجلا فساروا في طلب أبي سفيان ، فطلبوه حتى بلغوا الصفراء ، فأنزل الله تعالى : " الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم " .

8239 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هاشم بن القاسم قال : حدثنا أبو سعيد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة أنها قالت لعبد الله بن الزبير : يا ابن أختي ، أما والله إن أباك وجدك - تعني أبا بكر والزبير - لممن قال الله تعالى فيهم : "الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح" . . [ ص: 403 ]

8240 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : أخبرت أن أبا سفيان بن حرب لما راح هو وأصحابه يوم أحد ، قال المسلمون للنبي صلى الله عليه وسلم : إنهم عامدون إلى المدينة ! فقال : إن ركبوا الخيل وتركوا الأثقال : فإنهم عامدون إلى المدينة ، وإن جلسوا على الأثقال وتركوا الخيل ، فقد رعبهم الله ، وليسوا بعامديها" . فركبوا الأثقال : فرعبهم الله . ثم ندب ناسا يتبعونهم ليروا أن بهم قوة ، فاتبعوهم ليلتين أو ثلاثا ، فنزلت : " الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح " .

8241 - حدثني سعيد بن الربيع قال : حدثنا سفيان ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : قالت لي عائشة : إن كان أبواك لمن الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح - تعني أبا بكر والزبير . . [ ص: 404 ]

8242 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم قال : كان عبد الله من الذين استجابوا لله والرسول .

قال أبو جعفر : فوعد تعالى ذكره ، محسن من ذكرنا أمره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح ، إذا اتقى الله فخافه ، فأدى فرائضه وأطاعه في أمره ونهيه فيما يستقبل من عمره"أجرا عظيما" ، وذلك الثواب الجزيل ، والجزاء العظيم على ما قدم من صالح أعماله في الدنيا .
القول في تأويل قوله ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ( 173 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره : "وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين" ، " الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم " .

[ ص: 405 ]

و"الذين" في موضع خفض مردود على"المؤمنين" ، وهذه الصفة من صفة الذين استجابوا لله والرسول .

و"الناس" الأول ، هم قوم - فيما ذكر لنا - كان أبو سفيان سألهم أن يثبطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين خرجوا في طلبه بعد منصرفه عن أحد إلى حمراء الأسد .

و"الناس" الثاني ، هم أبو سفيان وأصحابه من قريش ، الذين كانوا معه بأحد .

ويعني بقوله : " قد جمعوا لكم " ، قد جمعوا الرجال للقائكم والكرة إليكم لحربكم"فاخشوهم" ، يقول : فاحذروهم ، واتقوا لقاءهم ، فإنه لا طاقة لكم بهم" فزادهم إيمانا " ، يقول : فزادهم ذلك من تخويف من خوفهم أمر أبي سفيان وأصحابه من المشركين ، يقينا إلى يقينهم ، وتصديقا لله ولوعده ووعد رسوله إلى تصديقهم ، ولم يثنهم ذلك عن وجههم الذي أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسير فيه ، ولكن ساروا حتى بلغوا رضوان الله منه ، وقالوا ثقة بالله وتوكلا عليه ، إذ خوفهم من خوفهم أبا سفيان وأصحابه من المشركين" حسبنا الله ونعم الوكيل " ، يعني بقوله : "حسبنا الله" ، كفانا الله ، يعني : يكفينا الله" ونعم الوكيل " ، يقول : ونعم المولى لمن وليه وكفله .

وإنما وصف تعالى نفسه بذلك ، لأن"الوكيل" ، في كلام العرب ، هو المسند إليه القيام بأمر من أسند إليه القيام بأمره . فلما كان القوم الذين وصفهم الله بما وصفهم به في هذه الآيات ، قد كانوا فوضوا أمرهم إلى الله ، ووثقوا به ، وأسندوا ذلك إليه ، وصف نفسه بقيامه لهم بذلك ، وتفويضهم أمرهم إليه بالوكالة فقال : ونعم الوكيل الله تعالى لهم .

[ ص: 406 ]

واختلف أهل التأويل في الوقت الذي قال من قال لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الناس قد جمعوا لكم " .

فقال بعضهم : قيل ذلك لهم في وجههم الذين خرجوا فيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد إلى حمراء الأسد ، في طلب أبي سفيان ومن معه من المشركين .

ذكر من قال ذلك ، وذكر السبب الذي من أجله قيل ذلك ، ومن قائله :

8243 - حدثنا محمد بن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال : مر به - يعني برسول الله صلى الله عليه وسلم - معبد الخزاعي بحمراء الأسد وكانت خزاعة ، مسلمهم ومشركهم ، عيبة نصح لرسول الله صلى الله عليه وسلم بتهامة ، صفقتهم معه ، لا يخفون عليه شيئا كان بها ، ومعبد يومئذ مشرك فقال : والله يا محمد ، أما والله لقد عز علينا ما أصابك في أصحابك ، ولوددنا أن الله كان أعفاك فيهم! ثم خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمراء الأسد ، حتى لقي أبا سفيان بن حرب ومن معه بالروحاء ، قد أجمعوا الرجعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وقالوا : أصبنا! حد أصحابه وقادتهم وأشرافهم ، ثم نرجع قبل أن نستأصلهم؟! لنكرن على بقيتهم ، فلنفرغن منهم" . فلما رأى أبو سفيان معبدا [ ص: 407 ] قال : ما وراءك يا معبد؟ قال : محمد ، قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله قط ، يتحرقون عليكم تحرقا ، قد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم ، وندموا على ما صنعوا ، فيهم من الحنق عليكم شيء لم أر مثله قط! . قال : ويلك! ما تقول؟ قال : والله ما أراك ترتحل حتى ترى نواصي الخيل! قال : فوالله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصل بقيتهم! قال : فإني أنهاك عن ذلك ، فوالله لقد حملني ما رأيت على أن قلت فيه أبياتا من شعر! قال : وما قلت؟ قال : قلت :


كادت تهد من الأصوات راحلتي إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل تردي بأسد كرام لا تنابلة
عند اللقاء ولا خرق معازيل [ ص: 408 ] فظلت عدوا ، أظن الأرض مائلة
لما سموا برئيس غير مخذول فقلت : ويل ابن حرب من لقائكم
إذا تغطمطت البطحاء بالخيل إني نذير لأهل البسل ضاحية
لكل ذي إربة منهم ومعقول من جيش أحمد لا وخش قنابله
وليس يوصف ما أنذرت بالقيل



قال : فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه . ومر به ركب من عبد القيس . فقال : أين تريدون؟ قالوا : نريد المدينة . قال : ولم؟ قالوا : نريد الميرة . قال : فهل [ ص: 409 ] أنتم مبلغون عني محمدا رسالة أرسلكم بها ، وأحمل لكم إبلكم هذه غدا زبيبا بعكاظ إذا وافيتموها؟ قالوا : نعم . قال : فإذا جئتموه فأخبروه أنا قد أجمعنا السير إليه وإلى أصحابه لنستأصل بقيتهم! فمر الركب برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بحمراء الأسد ، فأخبروه بالذي قال أبو سفيان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه : "حسبنا الله ونعم الوكيل" .

8244 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : فقال الله : "الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل " ، و"الناس" الذين قالوا لهم ما قالوا النفر من عبد القيس الذين قال لهم أبو سفيان ما قال : إن أبا سفيان ومن معه راجعون إليكم! يقول الله تبارك وتعالى : " فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء " الآية .

8245 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : لما ندموا يعني أبا سفيان وأصحابه على الرجوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وقالوا : "ارجعوا فاستأصلوهم" ، فقذف الله في قلوبهم الرعب فهزموا ، فلقوا أعرابيا فجعلوا له جعلا فقالوا له : إن لقيت محمدا وأصحابه فأخبرهم أنا قد جمعنا لهم! فأخبر الله جل ثناؤه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فطلبهم حتى بلغ حمراء الأسد ، فلقوا الأعرابي في الطريق ، فأخبرهم الخبر ، فقالوا : "حسبنا الله ونعم الوكيل"! ثم رجعوا من حمراء الأسد . فأنزل الله تعالى فيهم وفي الأعرابي الذي لقيهم : " الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل " . [ ص: 410 ]

8246 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : استقبل أبو سفيان في منصرفه من أحد عيرا واردة المدينة ببضاعة لهم ، وبينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم حبال ، فقال : إن لكم علي رضاكم إن أنتم رددتم عني محمدا ومن معه ، إن أنتم وجدتموه في طلبي ، وأخبرتموه أني قد جمعت له جموعا كثيرة . فاستقبلت العير رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا له : يا محمد إنا نخبرك أن أبا سفيان قد جمع لك جموعا كثيرة ، وأنه مقبل إلى المدينة ، وإن شئت أن ترجع فافعل! فلم يزده ذلك ومن معه إلا يقينا ، وقالوا : " حسبنا الله ونعم الوكيل " . فأنزل الله تبارك وتعالى : " الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم " الآية .

8247 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وعصابة من أصحابه بعدما انصرف أبو سفيان وأصحابه من أحد خلفهم ، حتى كانوا بذي الحليفة ، فجعل الأعراب والناس يأتون عليهم فيقولون لهم : هذا أبو سفيان مائل عليكم بالناس! فقالوا : "حسبنا الله ونعم الوكيل" . فأنزل الله تعالى فيهم : " الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل " .

وقال آخرون : بل قال ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من قال ذلك له ، في غزوة بدر الصغرى ، وذلك في مسير النبي صلى الله عليه وسلم عام قابل من وقعة أحد للقاء عدوه أبي سفيان وأصحابه ، للموعد الذي كان واعده الالتقاء بها .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 411 ]

8248 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم" ، قال : هذا أبو سفيان قال لمحمد : "موعدكم بدر حيث قتلتم أصحابنا" ، فقال محمد صلى الله عليه وسلم : "عسى"! فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم لموعده حتى نزل بدرا ، فوافقوا السوق فيها وابتاعوا ، فذلك قوله تبارك وتعالى : "فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء" ، وهي غزوة بدر الصغرى .

8249 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد بنحوه وزاد فيه : وهي بدر الصغرى قال ابن جريج : لما عبى النبي صلى الله عليه وسلم لموعد أبي سفيان ، فجعلوا يلقون المشركين ويسألونهم عن قريش ، فيقولون : "قد جمعوا لكم"! يكيدونهم بذلك ، يريدون أن يرعبوهم ، فيقول المؤمنون : "حسبنا الله ونعم الوكيل" ، حتى قدموا بدرا ، فوجدوا أسواقها عافية لم ينازعهم فيها أحد . قال : وقدم رجل من المشركين وأخبر أهل مكة بخيل محمد عليه السلام ، وقال في ذلك :


نفرت قلوصي عن خيول محمد وعجوة منثورة كالعنجد
واتخذت ماء قديد موعدي




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #445  
قديم 03-05-2023, 05:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,561
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران
الحلقة (445)
صــ 412إلى صــ 426





قال أبو جعفر : هكذا أنشدنا القاسم ، وهو خطأ ، وإنما هو :

[ ص: 412 ]
قد نفرت من رفقتي محمد وعجوة من يثرب كالعنجد
تهوي على دين أبيها الأتلد قد جعلت ماء قديد موعدي


وماء ضجنان لها ضحى الغد


8250 - حدثني الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو ، عن عكرمة قال : كانت بدر متجرا في الجاهلية ، فخرج ناس من المسلمين يريدونه ، ولقيهم ناس من المشركين فقالوا لهم : " إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم "! فأما الجبان فرجع ، وأما الشجاع فأخذ الأهبة للقتال وأهبة التجارة ، وقالوا : "حسبنا الله ونعم الوكيل"! فأتوهم فلم يلقوا أحدا ، فأنزل الله عز وجل فيهم : "إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم" قال ابن يحيى قال : عبد الرزاق قال : ابن عيينة : وأخبرني زكريا ، عن الشعبي ، عن عبد الله بن عمرو قال : هي كلمة إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين ألقي في النار ، فقال : "حسبنا الله ونعم الوكيل" .

قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب ، قول من قال : "إن الذي قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من أن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ، كان في حال خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخروج من خرج معه في أثر أبي سفيان ومن كان معه من مشركي قريش ، منصرفهم عن أحد إلى حمراء الأسد " . [ ص: 413 ] لأن الله تعالى ذكره إنما مدح الذين وصفهم بقيلهم : "حسبنا الله ونعم الوكيل" ، لما قيل لهم : " إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم " ، بعد الذي قد كان نالهم من القروح والكلوم بقوله : " الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح " ، ولم تكن هذه الصفة إلا صفة من تبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جرحى أصحابه بأحد إلى حمراء الأسد .

وأما الذين خرجوا معه إلى غزوة بدر الصغرى ، فإنه لم يكن فيهم جريح إلا جريح قد تقادم اندمال جرحه وبرأ كلمه . وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما خرج إلى بدر الخرجة الثانية إليها ، لموعد أبي سفيان الذي كان واعده اللقاء بها ، بعد سنة من غزوة أحد ، في شعبان سنة أربع من الهجرة . وذلك أن وقعة أحد كانت في النصف من شوال من سنة ثلاث ، وخروج النبي صلى الله عليه وسلم لغزوة بدر الصغرى إليها في شعبان من سنة أربع ، ولم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم بين ذلك وقعة مع المشركين كانت بينهم فيها حرب جرح فيها أصحابه ، ولكن قد كان قتل في وقعة الرجيع من أصحابه جماعة لم يشهد أحد منهم غزوة بدر الصغرى . وكانت وقعة الرجيع فيما بين وقعة أحد وغزوة النبي صلى الله عليه وسلم بدر الصغرى .
[ ص: 414 ] القول في تأويل قوله ( فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم ( 174 ) )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : " فانقلبوا بنعمة من الله " ، فانصرف الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح ، من وجههم الذي توجهوا فيه - وهو سيرهم في أثر عدوهم - إلى حمراء الأسد "بنعمة من الله" ، يعني : بعافية من ربهم ، لم يلقوا بها عدوا . "وفضل" ، يعني : أصابوا فيها من الأرباح بتجارتهم التي تجروا بها ، الأجر الذي اكتسبوه : "لم يمسسهم سوء" يعني : لم ينلهم بها مكروه من عدوهم ولا أذى"واتبعوا رضوان الله" ، يعني بذلك : أنهم أرضوا الله بفعلهم ذلك ، واتباعهم رسوله إلى ما دعاهم إليه من اتباع أثر العدو ، وطاعتهم"والله ذو فضل عظيم" ، يعني : والله ذو إحسان وطول عليهم - بصرف عدوهم الذي كانوا قد هموا بالكرة إليهم ، وغير ذلك من أياديه عندهم وعلى غيرهم - بنعمه"عظيم" عند من أنعم به عليه من خلقه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

8251 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، [ ص: 415 ] عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " فانقلبوا بنعمة من الله وفضل " ، قال : والفضل ما أصابوا من التجارة والأجر .

8252 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قال : وافقوا السوق فابتاعوا ، وذلك قوله : " فانقلبوا بنعمة من الله وفضل " . قال : الفضل ما أصابوا من التجارة والأجر قال ابن جريج : ما أصابوا من البيع نعمة من الله وفضل ، أصابوا عفوه وغرته لا ينازعهم فيه أحد قال : وقوله : " لم يمسسهم سوء " ، قال : قتل" واتبعوا رضوان الله " ، قال : طاعة النبي صلى الله عليه وسلم .

8253 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : "والله ذو فضل عظيم" ، لما صرف عنهم من لقاء عدوهم .

8254 - حدثنا محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : أطاعوا الله وابتغوا حاجتهم ، ولم يؤذهم أحد ، " فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم " .

8255 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني حين خرج إلى غزوة بدر الصغرى - ببدر دراهم ، ابتاعوا بها من موسم بدر فأصابوا تجارة ، فذلك قول الله : " فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله " . أما"النعمة" فهي العافية ، وأما"الفضل" فالتجارة ، و"السوء" القتل .
[ ص: 416 ] القول في تأويل قوله ( إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه )

قال أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره : إنما الذي قال لكم ، أيها المؤمنون : "إن الناس قد جمعوا لكم" ، فخوفوكم بجموع عدوكم ومسيرهم إليكم ، من فعل الشيطان ألقاه على أفواه من قال ذلك لكم ، يخوفكم بأوليائه من المشركين - أبي سفيان وأصحابه من قريش - لترهبوهم ، وتجبنوا عنهم ، كما : -

8256 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه " ، يخوف والله المؤمن بالكافر ، ويرهب المؤمن بالكافر .

8257 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال مجاهد : " إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه " ، قال : يخوف المؤمنين بالكفار .

8258 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه " ، يقول : الشيطان يخوف المؤمنين بأوليائه .

8259 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه " ، أي : أولئك الرهط ، يعني النفر من عبد القيس ، الذين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما قالوا ، وما ألقى الشيطان على أفواههم"يخوف أولياءه" ، أي : يرهبكم بأوليائه .

8260 - حدثني يونس قال : أخبرنا علي بن معبد ، عن عتاب بن بشير مولى قريش ، عن سالم الأفطس في قوله : " إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه " ، قال : يخوفكم بأوليائه .

[ ص: 417 ]

وقال آخرون : معنى ذلك ، إنما ذلكم الشيطان يعظم أمر المشركين ، أيها المنافقون ، في أنفسكم فتخافونه .

ذكر من قال ذلك :

8261 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : ذكر أمر المشركين وعظمهم في أعين المنافقين فقال : " إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه " ، يعظم أولياءه في صدوركم فتخافونه .

قال أبو جعفر : فإن قال قائل : وكيف قيل : "يخوف أولياءه"؟ وهل يخوف الشيطان أولياءه؟ [ وكيف ] قيل إن كان معناه يخوفكم بأوليائه"يخوف أولياءه"؟ قيل : ذلك نظير قوله : ( لينذر بأسا شديدا ) [ سورة الكهف : 2 ] بمعنى : لينذركم بأسه الشديد ، وذلك أن البأس لا ينذر ، وإنما ينذر به .

وقد كان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول : معنى ذلك : يخوف الناس أولياءه ، كقول القائل : "هو يعطي الدراهم ، ويكسو الثياب" ، بمعنى : هو يعطي الناس الدراهم ويكسوهم الثياب ، فحذف ذلك للاستغناء عنه .

قال أبو جعفر : وليس الذي شبه [ من ] ذلك بمشتبه ، لأن"الدراهم" في قول القائل : "هو يعطي الدراهم" ، معلوم أن المعطى هي"الدراهم" ، وليس كذلك"الأولياء" - في قوله : "يخوف أولياءه" - مخوفين ، بل التخويف من الأولياء لغيرهم ، فلذلك افترقا .
[ ص: 418 ] القول في تأويل قوله ( فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين ( 175 ) )

قال أبو جعفر : يقول : فلا تخافوا ، أيها المؤمنون ، المشركين ، ولا يعظمن عليكم أمرهم ، ولا ترهبوا جمعهم ، مع طاعتكم إياي ، ما أطعتموني واتبعتم أمري ، وإني متكفل لكم بالنصر والظفر ، ولكن خافون واتقوا أن تعصوني وتخالفوا أمري ، فتهلكوا"إن كنتم مؤمنين" ، يقول : ولكن خافون دون المشركين ودون جميع خلقي ، أن تخالفوا أمري ، إن كنتم مصدقي رسولي وما جاءكم به من عندي .
القول في تأويل قوله ( ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئا )

قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه : ولا يحزنك ، يا محمد كفر الذين يسارعون في الكفر مرتدين على أعقابهم من أهل النفاق ، فإنهم لن يضروا الله بمسارعتهم في الكفر شيئا ، وكما أن مسارعتهم لو سارعوا إلى الإيمان لم تكن بنافعته ، كذلك مسارعتهم إلى الكفر غير ضارته . كما : -

8262 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : " ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر " ، يعني : أنهم المنافقون . [ ص: 419 ]

8263 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر " ، أي : المنافقون .
القول في تأويل قوله ( يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة ولهم عذاب عظيم ( 176 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : يريد الله أن لا يجعل لهؤلاء الذين يسارعون في الكفر ، نصيبا في ثواب الآخرة ، فلذلك خذلهم فسارعوا فيه . ثم أخبر أنهم مع حرمانهم ما حرموا من ثواب الآخرة ، لهم عذاب عظيم في الآخرة ، وذلك عذاب النار . وقال ابن إسحاق في ذلك بما : -

8264 - حدثني ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " يريد الله أن لا يجعل لهم حظا في الآخرة " ، أن يحبط أعمالهم .
القول في تأويل قوله ( إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئا ولهم عذاب أليم ( 177 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه المنافقين الذين تقدم إلى نبيه صلى الله عليه وسلم فيهم : أن لا يحزنه مسارعتهم إلى الكفر ، فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم : [ ص: 420 ] إن هؤلاء الذين ابتاعوا الكفر بإيمانهم فارتدوا عن إيمانهم بعد دخولهم فيه ، ورضوا بالكفر بالله وبرسوله ، عوضا من الإيمان ، لن يضروا الله بكفرهم وارتدادهم عن إيمانهم شيئا ، بل إنما يضرون بذلك أنفسهم ، بإيجابهم بذلك لها من عقاب الله ما لا قبل لها به .

وإنما حث الله جل ثناؤه بهذه الآيات من قوله : ( وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله ) إلى هذه الآية ، عباده المؤمنين على إخلاص اليقين ، والانقطاع إليه في أمورهم ، والرضى به ناصرا وحده دون غيره من سائر خلقه ورغب بها في جهاد أعدائه وأعداء دينه ، وشجع بها قلوبهم ، وأعلمهم أن من وليه بنصره فلن يخذل ولو اجتمع عليه جميع من خالفه وحاده ، وأن من خذله فلن ينصره ناصر ينفعه نصره ، ولو كثرت أعوانه ونصراؤه ، كما : -

8265 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان " ، أي : المنافقين"لن يضروا الله شيئا ولهم عذاب أليم" ، أي : موجع .

8266 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : هم المنافقون .
[ ص: 421 ] القول في تأويل قوله ( ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين ( 178 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره : ولا يظنن الذين كفروا بالله ورسوله وما جاء به من عند الله ، أن إملاءنا لهم خير لأنفسهم .

ويعني ب" الإملاء " ، الإطالة في العمر ، والإنساء في الأجل ، ومنه قوله جل ثناؤه : ( واهجرني مليا ) [ سورة مريم : 46 ] أي : حينا طويلا ومنه قيل : "عشت طويلا وتمليت حبيبا" . "والملا" نفسه الدهر ، "والملوان" ، الليل والنهار ، ومنه قول تميم بن مقبل :


ألا يا ديار الحي بالسبعان أمل عليها بالبلى الملوان
[ ص: 422 ]

يعني : ب"الملوان" ، الليل والنهار .

وقد اختلفت القرأة في قراءة قوله : " ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم " .

فقرأ ذلك جماعة منهم : ( ولا يحسبن ) بالياء ، وبفتح"الألف" من قوله : "أنما" ، على المعنى الذي وصفت من تأويله .

وقرأه آخرون : ( ولا تحسبن ) بالتاء و"أنما" أيضا بفتح"الألف" من"أنما" ، بمعنى : ولا تحسبن ، يا محمد ، الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم .

فإن قال قائل : فما الذي من أجله فتحت"الألف" من قوله : "أنما" في قراءة من قرأ بالتاء ، وقد علمت أن ذلك إذا قرئ بالتاء فقد أعملت"تحسبن" ، في"الذين كفروا" ، وإذا أعملتها في ذلك ، لم يجز لها أن تقع على"أنما" لأن"أنما" إنما يعمل فيها عامل يعمل في شيئين نصبا؟

قيل : أما الصواب في العربية ووجه الكلام المعروف من كلام العرب ، كسر"إن" إذا قرئت"تحسبن" بالتاء ، لأن"تحسبن" إذا قرئت بالتاء فإنها قد نصبت"الذين كفروا" ، فلا يجوز أن تعمل ، وقد نصبت اسما ، في"أن" . ولكني أظن أن من قرأ ذلك بالتاء في"تحسبن" وفتح الألف من"أنما" ، إنما أراد تكرير تحسبن على"أنما" ، كأنه قصد إلى أن معنى الكلام : ولا تحسبن ، يا محمد أنت ، الذين كفروا ، لا تحسبن أنما نملي لهم خير لأنفسهم ، كما قال جل ثناؤه : ( فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة ) [ سورة محمد : 18 ] بتأويل : هل ينظرون إلا الساعة ، هل ينظرون إلا أن تأتيهم بغتة . وذلك وإن كان وجها [ ص: 423 ] جائزا في العربية ، فوجه كلام العرب ما وصفنا قبل .



قال أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك عندنا ، قراءة من قرأ : ( ولا يحسبن الذين كفروا ) بالياء من"يحسبن" ، وبفتح الألف من"أنما" ، على معنى الحسبان للذين كفروا دون غيرهم ، ثم يعمل في"أنما" نصبا لأن"يحسبن" حينئذ لم يشغل بشيء عمل فيه ، وهي تطلب منصوبين .

وإنما اخترنا ذلك لإجماع القرأة على فتح"الألف" من"أنما" الأولى ، فدل ذلك على أن القراءة الصحيحة فى"يحسبن" بالياء لما وصفنا .

وأما ألف"إنما" الثانية ، فالكسر على الابتداء ، بإجماع من القرأة عليه :

وتأويل قوله : "إنما نملي لهم ليزدادوا إثما" ، إنما نؤخر آجالهم فنطيلها ليزدادوا إثما ، يقول : يكتسبوا المعاصي فتزداد آثامهم وتكثر"ولهم عذاب مهين" ، يقول : ولهؤلاء الذين كفروا بالله ورسوله في الآخرة عقوبة لهم مهينة مذلة .

وبنحو ما قلنا في ذلك جاء الأثر .

8267 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن خيثمة ، عن الأسود قال : قال عبد الله : ما من نفس برة ولا فاجرة إلا والموت خير لها . وقرأ : " ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما " ، وقرأ : ( نزلا من عند الله وما عند الله خير للأبرار ) [ سورة آل عمران : 198 ] .
[ ص: 424 ] القول في تأويل قوله ( ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب )

قال أبو جعفر : يعني بقوله : "ما كان الله ليذر المؤمنين" ، ما كان الله ليدع المؤمنين"على ما أنتم عليه" من التباس المؤمن منكم بالمنافق ، فلا يعرف هذا من هذا"حتى يميز الخبيث من الطيب" ، يعنى بذلك : "حتى يميز الخبيث" وهو المنافق المستسر للكفر"من الطيب" ، وهو المؤمن المخلص الصادق الإيمان ، بالمحن والاختبار ، كما ميز بينهم يوم أحد عند لقاء العدو عند خروجهم إليهم .

واختلف أهل التأويل في"الخبيث" الذي عنى الله بهذه الآية .

فقال بعضهم فيه ، مثل قولنا .

ذكر من قال ذلك :

8268 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثني أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : [ ص: 425 ] " ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب " ، قال : ميز بينهم يوم أحد ، المنافق من المؤمن .

8269 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : " ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب " ، قال : ابن جريج ، يقول : ليبين الصادق بإيمانه من الكاذب قال ابن جريج ، قال مجاهد : يوم أحد ، ميز بعضهم عن بعض ، المنافق عن المؤمن .

8270 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب " ، أي : المنافقين .

وقال آخرون : معنى ذلك : حتى يميز المؤمن من الكافر بالهجرة والجهاد .

ذكر من قال ذلك :

8271 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه " ، يعني الكفار . يقول : لم يكن الله ليدع المؤمنين على ما أنتم عليه من الضلالة : "حتى يميز الخبيث من الطيب" ، يميز بينهم في الجهاد والهجرة .

8272 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " حتى يميز الخبيث من الطيب " ، قال : حتى يميز الفاجر من المؤمن .

8273 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، " ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب " [ ص: 426 ] قالوا : "إن كان محمد صادقا ، فليخبرنا بمن يؤمن بالله ومن يكفر"!! فأنزل الله : "ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب" ، حتى يخرج المؤمن من الكافر .

قال أبو جعفر : والتأويل الأول أولى بتأويل الآية ، لأن الآيات قبلها في ذكر المنافقين ، وهذه في سياقتها . فكونها بأن تكون فيهم ، أشبه منها بأن تكون في غيرهم .
القول في تأويل قوله ( وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .

فقال بعضهم بما : -

8274 - حدثنا به محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " وما كان الله ليطلعكم على الغيب " ، وما كان الله ليطلع محمدا على الغيب ، ولكن الله اجتباه فجعله رسولا .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #446  
قديم 03-05-2023, 05:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,561
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران
الحلقة (446)
صــ 427إلى صــ 441





وقال آخرون بما : -

8275 - حدثنا به ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " وما كان الله ليطلعكم على الغيب " ، أي : فيما يريد أن يبتليكم به ، لتحذروا ما يدخل [ ص: 427 ] عليكم فيه"ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء" ، يعلمه .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بتأويله : وما كان الله ليطلعكم على ضمائر قلوب عباده ، فتعرفوا المؤمن منهم من المنافق والكافر ، ولكنه يميز بينهم بالمحن والابتلاء كما ميز بينهم بالبأساء يوم أحد وجهاد عدوه ، وما أشبه ذلك من صنوف المحن ، حتى تعرفوا مؤمنهم وكافرهم ومنافقهم . غير أنه تعالى ذكره يجتبي من رسله من يشاء فيصطفيه ، فيطلعه على بعض ما في ضمائر بعضهم ، بوحيه ذلك إليه ورسالته ، كما : -

8276 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء " ، قال : يخلصهم لنفسه .

وإنما قلنا هذا التأويل أولى بتأويل الآية ، لأن ابتداءها خبر من الله تعالى ذكره أنه غير تارك عباده - يعني بغير محن - حتى يفرق بالابتلاء بين مؤمنهم وكافرهم وأهل نفاقهم . ثم عقب ذلك بقوله : " وما كان الله ليطلعكم على الغيب " ، فكان فيما افتتح به من صفة إظهار الله نفاق المنافق وكفر الكافر ، دلالة واضحة على أن الذي ولي ذلك هو الخبر عن أنه لم يكن ليطلعهم على ما يخفى عنهم من باطن سرائرهم ، إلا بالذي ذكر أنه مميز به نعتهم إلا من استثناه من رسله الذي خصه بعلمه .
[ ص: 428 ] القول في تأويل قوله ( فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم ( 179 ) )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "وإن تؤمنوا" ، وإن تصدقوا من اجتبيته من رسلي بعلمي وأطلعته على المنافقين منكم"وتتقوا" ربكم بطاعته فيما أمركم به نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم وفيما نهاكم عنه" فلكم أجر عظيم " ، يقول : فلكم بذلك من إيمانكم واتقائكم ربكم ، ثواب عظيم ، كما : -

8277 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا " ، أي : ترجعوا وتتوبوا"فلكم أجر عظيم" .
القول في تأويل قوله ( ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم )

قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك :

فقرأه جماعة من أهل الحجاز والعراق : ( " ولا تحسبن الذين يبخلون" ) بالتاء من"تحسبن" .



وقرأته جماعة أخر : ( ولا يحسبن ) بالياء .

[ ص: 429 ]

ثم اختلف أهل العربية في تأويل ذلك .

فقال بعض نحويي الكوفة : معنى ذلك : لا يحسبن الباخلون البخل هو خيرا لهم فاكتفى بذكر"يبخلون" من"البخل" ، كما تقول : "قدم فلان فسررت به" ، وأنت تريد : فسررت بقدومه . و"هو" ، عماد .

وقال بعض نحويي أهل البصرة : إنما أراد بقوله : " ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم ""لا يحسبن البخل هو خيرا لهم" ، فألقى الاسم الذي أوقع عليه"الحسبان" به ، هو البخل ، لأنه قد ذكر"الحسبان" وذكر ما آتاهم الله من فضله" ، فأضمرهما إذ ذكرهما . [ ص: 430 ] قال : وقد جاء من الحذف ما هو أشد من هذا ، قال : ( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل ) ولم يقل : "ومن أنفق من بعد الفتح" ، لأنه لما قال : ( أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد ) [ سورة الحديد : 10 ] ، كان فيه دليل على أنه قد عناهم .

وقال بعض من أنكر قول من ذكرنا قوله من أهل البصرة : إن"من" في قوله : ( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح ) في معنى جمع . ومعنى الكلام : لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح في منازلهم وحالاتهم ، فكيف من أنفق من بعد الفتح؟ فالأول مكتف . وقال : في قوله "لا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم " محذوف ، غير أنه لم يحذف إلا وفي الكلام ما قام مقام المحذوف ، لأن"هو" عائد البخل ، و"خيرا لهم" عائد الأسماء ، فقد دل هذان العائدان على أن قبلهما اسمين ، واكتفى بقوله : "يبخلون" من"البخل" .

قال : وهذا إذا قرئ ب"التاء" ، ف"البخل" قبل"الذين" ، وإذا قرئ ب"الياء" ، ف"البخل" بعد"الذين" ، وقد اكتفى ب"الذين يبخلون" ، من البخل ، كما قال الشاعر :


[ ص: 431 ] إذا نهي السفيه جرى إليه وخالف والسفيه إلى خلاف


كأنه قال : جرى إلى السفه ، فاكتفى عن"السفه" ب"السفيه" ، كذلك اكتفى ب"الذين يبخلون" ، من"البخل" .

قال أبو جعفر : وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندي ، قراءة من قرأ : ( " ولا تحسبن الذين يبخلون" ) بالتاء ، بتأويل : ولا تحسبن ، أنت يا محمد ، بخل الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم ثم ترك ذكر"البخل" ، إذ كان في قوله : " هو خيرا لهم " دلالة على أنه مراد في الكلام ، إذ كان قد تقدمه قوله : " الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله " .

وإنما قلنا : قراءة ذلك بالتاء أولى بالصواب من قراءته بالياء ، لأن"المحسبة" من شأنها طلب اسم وخبر ، فإذا قرئ قوله : " ولا يحسبن الذين يبخلون " بالياء : لم يكن للمحسبة اسم يكون قوله : " هو خيرا لهم " خبرا عنه . وإذا قرئ ذلك بالتاء ، كان قوله : "الذين يبخلون" اسما له قد أدى عن معنى"البخل" الذي هو اسم المحسبة المتروك ، وكان قوله : "هو خيرا لهم" خبرا لها ، فكان جاريا مجرى المعروف من كلام العرب الفصيح . فلذلك اخترنا القراءة ب"التاء" في ذلك على ما بيناه ، وإن كانت القراءة ب"الياء" غير خطأ ، ولكنه ليس بالأفصح ولا الأشهر من كلام العرب .

قال أبو جعفر : وأما تأويل الآية الذي هو تأويلها على ما اخترنا من القراءة في ذلك : ولا تحسبن ، يا محمد ، بخل الذين يبخلون بما أعطاهم الله في الدنيا من الأموال ، فلا يخرجون منه حق الله الذي فرضه عليهم فيه من الزكوات ، هو خيرا [ ص: 432 ] لهم عند الله يوم القيامة ، بل هو شر لهم عنده في الآخرة ، كما : -

8278 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم " ، هم الذين آتاهم الله من فضله ، فبخلوا أن ينفقوها في سبيل الله ، ولم يؤدوا زكاتها .

وقال آخرون : بل عنى بذلك اليهود الذين بخلوا أن يبينوا للناس ما أنزل الله في التوراة من أمر محمد صلى الله عليه وسلم ونعته .

ذكر من قال ذلك :

8279 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله " إلى" سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة " ، يعني بذلك أهل الكتاب ، أنهم بخلوا بالكتاب أن يبينوه للناس .

8280 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : " ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله " ، قال : هم يهود ، إلى قوله : ( والكتاب المنير ) [ سورة آل عمران : 184 ] .

وأولى التأويلين بتأويل هذه الآية ، التأويل الأول ، وهو أنه معني ب"البخل" في هذا الموضع ، منع الزكاة ، لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تأول قوله : ( سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ) قال : البخيل الذي منع حق الله منه ، أنه يصير ثعبانا في عنقه ولقول الله عقيب هذه الآية : ( لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء ) ، فوصف جل ثناؤه قول المشركين من [ ص: 433 ] اليهود الذين زعموا عند أمر الله إياهم بالزكاة أن الله فقير .
القول في تأويل قوله ( سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : "سيطوقون" ، سيجعل الله ما بخل به المانعون الزكاة ، طوقا في أعناقهم كهيئة الأطواق المعروفة ، كالذي : -

8281 - حدثني الحسن بن قزعة قال : حدثنا مسلمة بن علقمة قال : حدثنا داود ، عن أبي قزعة ، عن أبي مالك العبدي قال : ما من عبد يأتيه ذو رحم له ، يسأله من فضل عنده فيبخل عليه ، إلا أخرج له الذي بخل به عليه شجاعا أقرع . قال : وقرأ : " ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة " إلى آخر الآية . [ ص: 434 ]

8282 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا داود ، عن أبى قزعة ، عن رجل ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه فيسأله من فضل جعله الله عنده ، فيبخل به عليه ، إلا أخرج له من جهنم شجاع يتلمظ حتى يطوقه" .

8283 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا أبو معاوية محمد بن خازم قال : حدثنا داود ، عن أبي قزعة حجر بن بيان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه فيسأله من فضل أعطاه الله إياه ، فيبخل به عليه ، إلا أخرج له يوم القيامة شجاع من النار يتلمظ حتى يطوقه" . ثم قرأ : " ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله " حتى انتهى إلى قوله : " سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة " . [ ص: 435 ]

8284 - حدثني زياد بن عبيد الله المري قال : حدثنا مروان بن معاوية وحدثني عبد الله بن عبد الله الكلابي قال : حدثنا عبد الله بن بكر السهمي ، وحدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا عبد الواحد بن واصل أبو عبيدة الحداد ، واللفظ ليعقوب جميعا ، عن بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة ، عن أبيه . عن جده قال : سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يأتي رجل مولاه فيسأله من فضل مال عنده ، فيمنعه إياه ، إلا دعي له يوم القيامة شجاع يتلمظ فضله الذي منع . [ ص: 436 ]

8285 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي وائل ، عن عبد الله بن مسعود : " سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة " ، قال : ثعبان ينقر رأس أحدهم ، يقول : أنا مالك الذي بخلت به ! .

8286 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق قال : سمعت أبا وائل يحدث : أنه سمع عبد الله قال في هذه الآية : " سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة " ، قال : شجاع يلتوي برأس أحدهم .

8287 - حدثني ابن المثنى قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة قال : حدثنا خلاد بن أسلم قال : أخبرنا النضر بن شميل قال : أخبرنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي وائل ، عن عبد الله بمثله - إلا أنهما قالا قال : شجاع أسود .

8288 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، [ ص: 437 ] عن أبي إسحاق ، عن أبي وائل ، عن ابن مسعود قال : يجيء ماله يوم القيامة ثعبانا ، فينقر رأسه فيقول : أنا مالك الذي بخلت به! فينطوي على عنقه .

8289 - حدثت عن سفيان بن عيينة قال : حدثنا جامع بن أبي راشد وعبد الملك بن أعين ، عن أبي وائل ، عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من أحد لا يؤدي زكاة ماله ، إلا مثل له شجاع أقرع يطوقه . ثم قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم " الآية . [ ص: 438 ]

8290 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثني أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أما" سيطوقون ما بخلوا به " ، فإنه يجعل ماله يوم القيامة شجاعا أقرع يطوقه ، فيأخذ بعنقه ، فيتبعه حتى يقذفه في النار .

8291 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا خلف بن خليفة ، عن أبي هاشم ، عن أبي وائل قال : هو الرجل الذي يرزقه الله مالا فيمنع قرابته الحق الذي جعل الله لهم في ماله ، فيجعل حية فيطوقها ، فيقول : ما لي ولك! فيقول : أنا مالك!

8292 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو غسان قال : حدثنا إسرائيل ، عن حكيم بن جبير ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن مسروق قال : سألت ابن مسعود عن قوله : " سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة " ، قال : يطوقون شجاعا أقرع ينهش رأسه .

وقال آخرون : معنى ذلك : " سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة " ، فيجعل في أعناقهم طوقا من نار .

ذكر من قال ذلك :

8293 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم : " سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة " ، قال : طوقا من النار . [ ص: 439 ]

8294 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن إبراهيم أنه قال في هذه الآية : " سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة " ، قال : طوقا من نار .

8295 - حدثنا الحسن قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن منصور ، عن إبراهيم في قوله : " سيطوقون" ، قال : طوقا من نار .

8296 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم : " سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة " ، قال : طوقا من نار .

وقال آخرون : معنى ذلك : سيحمل الذين كتموا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم من أحبار اليهود ، ما كتموا من ذلك .

ذكر من قال ذلك :

8297 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس قوله : " سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة " ، ألم تسمع أنه قال : ( يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ) [ سورة النساء : 37\ سورة الحديد : 24 ] ، يعني أهل الكتاب : يقول : يكتمون ، ويأمرون الناس بالكتمان .

وقال آخرون : معنى ذلك : سيكلفون يوم القيامة أن يأتوا بما بخلوا به في الدنيا من أموالهم .

ذكر من قال ذلك :

8298 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة " ، قال : سيكلفون أن يأتوا بما بخلوا به ، إلى قوله : "والكتاب المنير" . [ ص: 440 ]

8299 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " سيطوقون" ، سيكلفون أن يأتوا بمثل ما بخلوا به من أموالهم يوم القيامة .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال بتأويل هذه الآية ، التأويل الذي قلناه في ذلك في مبدأ قوله : " سيطوقون ما بخلوا به " ، للأخبار التي ذكرنا في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أحد أعلم بما عنى الله تبارك وتعالى بتنزيله ، منه عليه السلام .
القول في تأويل قوله ( ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير ( 180 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : أنه الحي الذي لا يموت ، والباقي بعد فناء جميع خلقه .

فإن قال قائل : فما معنى قوله : "له ميراث السماوات والأرض" ، و"الميراث" المعروف ، هو ما انتقل من ملك مالك إلى وارثه بموته ، ولله الدنيا قبل فناء خلقه وبعده؟

قيل : إن معنى ذلك ما وصفنا ، من وصفه نفسه بالبقاء ، وإعلام خلقه أنه كتب عليهم الفناء . وذلك أن ملك المالك إنما يصير ميراثا بعد وفاته ، فإنما قال جل ثناؤه : " ولله ميراث السماوات والأرض " ، إعلاما بذلك منه عباده أن أملاك جميع [ ص: 441 ] خلقه منتقلة عنهم بموتهم ، وأنه لا أحد إلا وهو فان سواه ، فإنه الذي إذا أهلك جميع خلقه فزالت أملاكهم عنهم ، لم يبق أحد يكون له ما كانوا يملكونه غيره .

وإنما معنى الآية : " ولا تحسبن الذي يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة " ، بعد ما يهلكون وتزول عنهم أملاكهم ، في الحين الذي لا يملكون شيئا ، وصار لله ميراثه وميراث غيره من خلقه .

ثم أخبر تعالى ذكره أنه بما يعمل هؤلاء الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضل وغيرهم من سائر خلقه ، ذو خبرة وعلم ، محيط بذلك كله ، حتى يجازي كلا منهم على قدر استحقاقه ، المحسن بالإحسان ، والمسيء على ما يرى تعالى ذكره .
القول في تأويل قوله ( لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق )

قال أبو جعفر : ذكر أن هذه الآية وآيات بعدها نزلت في بعض اليهود الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #447  
قديم 03-05-2023, 05:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,561
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران
الحلقة (447)
صــ 442إلى صــ 456







ذكر الآثار بذلك :

8300 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير قال : حدثنا محمد بن إسحاق قال : حدثنا محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة : أنه حدثه عن ابن عباس قال : دخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه بيت المدراس ، فوجد من يهود ناسا كثيرا قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص ، كان من علمائهم وأحبارهم ، ومعه حبر يقال له أشيع . فقال أبو بكر رضي الله عنه [ ص: 442 ] لفنحاص : ويحك يا فنحاص ، اتق الله وأسلم ، فوالله إنك لتعلم أن محمدا رسول الله ، قد جاءكم بالحق من عند الله ، تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل! قال فنحاص : والله يا أبا بكر ، ما بنا إلى الله من فقر ، وإنه إلينا لفقير! وما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا ، وإنا عنه لأغنياء ، ولو كان عنا غنيا ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم! ينهاكم عن الربا ويعطيناه! ولو كان عنا غنيا ما أعطانا الربا! فغضب أبو بكر فضرب وجه فنحاص ضربة شديدة ، وقال : والذي نفسي بيده ، لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت عنقك يا عدو الله! فأكذبونا ما استطعتم إن كنتم صادقين . فذهب فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ، انظر ما صنع بي صاحبك! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : ما حملك على ما صنعت؟"فقال : يا رسول الله ، إن عدو الله قال قولا عظيما ، زعم أن الله فقير وأنهم عنه أغنياء! فلما قال ذلك غضبت لله مما قال : فضربت وجهه . فجحد ذلك فنحاص وقال : ما قلت ذلك! فأنزل الله تبارك وتعالى فيما قال فنحاص ، ردا عليه وتصديقا لأبي بكر : "لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق" وفي قول أبي بكر وما بلغه في ذلك من الغضب : ( لتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور ) [ سورة آل عمران : 186 ] .

8301 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد [ ص: 443 ] بن أبي محمد ، مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة مولى ابن عباس قال : دخل أبو بكر فذكر نحوه ، غير أنه قال : "وإنا عنه لأغنياء ، وما هو عنا بغني ، ولو كان غنيا" ، ثم ذكر سائر الحديث نحوه .

8302 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء " ، قالها فنحاص اليهودي من بني مرثد ، لقيه أبو بكر فكلمه فقال له : يا فنحاص ، اتق الله وآمن وصدق ، وأقرض الله قرضا حسنا! فقال فنحاص : يا أبا بكر ، تزعم أن ربنا فقير يستقرضنا أموالنا! وما يستقرض إلا الفقير من الغني! إن كان ما تقول حقا ، فإن الله إذا لفقير! فأنزل الله عز وجل هذا ، فقال أبو بكر : فلولا هدنة كانت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين بني مرثد لقتلته .

8303 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : صك أبو بكر رجلا منهم الذين قالوا : " إن الله فقير ونحن أغنياء " ، لم يستقرضنا وهو غني؟! وهم يهود .

8304 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح قال : " الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء " ، لم يستقرضنا وهو غني؟ قال شبل : بلغني أنه فنحاص اليهودي ، وهو الذي قال : " إن الله ثالث ثلاثة " و"يد الله مغلولة" .

8305 - حدثنا ابن حميد قال : حدثني يحيى بن واضح قال : حدثت عن عطاء ، عن الحسن قال : لما نزلت : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ) [ سورة البقرة : 245\ سورة الحديد : 11 ] قالت اليهود : إن ربكم يستقرض منكم! فأنزل الله : " لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء " . [ ص: 444 ]

8306 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن الحسن البصري قال : لما نزلت : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ) قال : عجبت اليهود فقالت : إن الله فقير يستقرض! فنزلت : " لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء " .

8307 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء" ، ذكر لنا أنها نزلت في حيي بن أخطب ، لما أنزل الله : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ) قال : يستقرضنا ربنا ، إنما يستقرض الفقير الغني!

8308 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة قال : لما نزلت : " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا " ، قالت اليهود : إنما يستقرض الفقير من الغني!! قال : فأنزل الله : " لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء " .

8309 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : سمعت ابن زيد يقول في قوله : " لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء " ، قال : هؤلاء يهود .

قال أبو جعفر : فتأويل الآية إذا : لقد سمع الله قول الذين قالوا من اليهود : "إن الله فقير إلينا ونحن أغنياء عنه" ، سنكتب ما قالوا من الإفك والفرية على ربهم ، وقتلهم أنبياءهم بغير حق .

واختلفت القرأة في قراءة قوله : "سنكتب ما قالوا وقتلهم" .

فقرأ ذلك قرأة الحجاز وعامة قرأة العراق : ( سنكتب ما قالوا ) بالنون ، [ ص: 445 ] " وقتلهم الأنبياء بغير حق " بنصب"القتل" .

وقرأ ذلك بعض قرأة الكوفيين : ( " سيكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق" ) بالياء من"سيكتب" وبضمها ، ورفع"القتل" ، على مذهب ما لم يسم فاعله ، اعتبارا بقراءة يذكر أنها من قراءة عبد الله في قوله : "ونقول ذوقوا" ، يذكر أنها في قراءة عبد الله : "ويقال" .

فأغفل قارئ ذلك وجه الصواب فيما قصد إليه من تأويل القراءة التي تنسب إلى عبد الله ، وخالف الحجة من قرأة الإسلام . وذلك أن الذي ينبغي لمن قرأ : "سيكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء" على وجه ما لم يسم فاعله ، أن يقرأ : "ويقال" ، لأن قوله : "ونقول" عطف على قوله : "سنكتب" . فالصواب من القراءة أن يوفق بينهما في المعنى بأن يقرآ جميعا على مذهب ما لم يسم فاعله ، أو على مذهب ما يسمى فاعله . فأما أن يقرأ أحدهما على مذهب ما لم يسم فاعله ، والآخر على وجه ما قد سمي فاعله ، من غير معنى ألجأه على ذلك ، فاختيار خارج عن الفصيح من كلام العرب .

قال أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك عندنا : "سنكتب" بالنون"وقتلهم" بالنصب ، لقوله : "ونقول" ، ولو كانت القراءة في"سيكتب" [ ص: 446 ] بالياء وضمها ، لقيل : "ويقال" ، على ما قد بينا .

فإن قال قائل : كيف قيل : "وقتلهم الأنبياء بغير حق" ، وقد ذكرت في الآثار التي رويت ، أن الذين عنوا بقوله : " لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير " بعض اليهود الذين كانوا على عهد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن من أولئك أحد قتل نبيا من الأنبياء ، لأنهم لم يدركوا نبيا من أنبياء الله فيقتلوه؟

قيل : إن معنى ذلك على غير الوجه الذي ذهبت إليه . وإنما قيل ذلك كذلك ، لأن الذين عنى الله تبارك وتعالى بهذه الآية ، كانوا راضين بما فعل أوائلهم من قتل من قتلوا من الأنبياء ، وكانوا منهم وعلى منهاجهم ، من استحلال ذلك واستجازته . فأضاف جل ثناؤه فعل ما فعله من كانوا على منهاجه وطريقته ، إلى جميعهم ، إذ كانوا أهل ملة واحدة ونحلة واحدة ، وبالرضى من جميعهم فعل ما فعل فاعل ذلك منهم ، على ما بينا من نظائره فيما مضى قبل .
القول في تأويل قوله ( ونقول ذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد ( 182 ) ( 181 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : "ونقول" للقائلين بأن الله فقير ونحن أغنياء ، القاتلين أنبياء الله بغير حق يوم القيامة" ذوقوا عذاب الحريق " ، يعني بذلك : عذاب نار محرقة ملتهبة .

[ ص: 447 ]

و"النار" اسم جامع للملتهبة منها وغير الملتهبة ، وإنما"الحريق" صفة لها يراد أنها محرقة ، كما قيل : "عذاب أليم" يعني : مؤلم ، و"وجيع" يعني : موجع .

وأما قوله : "ذلك بما قدمت أيديكم" ، أي : قولنا لهم يوم القيامة ، " ذوقوا عذاب الحريق " ، بما أسلفت أيديكم واكتسبتها أيام حياتكم في الدنيا ، وبأن الله عدل لا يجور فيعاقب عبدا له بغير استحقاق منه العقوبة ، ولكنه يجازي كل نفس بما كسبت ، ويوفي كل عامل جزاء ما عمل ، فجازى الذين قال لهم [ ذلك ] يوم القيامة من اليهود الذين وصف صفتهم ، فأخبر عنهم أنهم قالوا : " إن الله فقير ونحن أغنياء " ، وقتلوا الأنبياء بغير حق بما جازاهم به من عذاب الحريق ، بما اكتسبوا من الآثام ، واجترحوا من السيئات ، وكذبوا على الله بعد الإعذار إليهم بالإنذار . فلم يكن تعالى ذكره بما عاقبهم به من إذاقتهم عذاب الحريق ظالما ، ولا واضعا عقوبته في غير أهلها . وكذلك هو جل ثناؤه ، غير ظلام أحدا من خلقه ، ولكنه العادل بينهم ، والمتفضل على جميعهم بما أحب من فواضله ونعمه .
[ ص: 448 ] القول في تأويل قوله ( الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين ( 183 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : لقد سمع الله قول الذين قالوا : " إن الله عهد إلينا أن لا نؤمن لرسول " .

وقوله : " الذين قالوا إن الله ، في موضع خفض ردا على قوله : " الذين قالوا إن الله فقير " .

ويعني بقوله : "قالوا إن الله عهد إلينا أن لا نؤمن لرسول" ، أوصانا ، وتقدم إلينا في كتبه وعلى ألسن أنبيائه"أن لا نؤمن لرسول" ، يقول : أن لا نصدق رسولا فيما يقول إنه جاء به من عند الله من أمر ونهي وغير ذلك" حتى يأتينا بقربان تأكله النار " ، يقول : حتى يجيئنا بقربان ، وهو ما تقرب به العبد إلى ربه من صدقة .

وهو مصدر مثل"العدوان" و"الخسران" من قولك : "قربت قربانا" .

وإنما قال : "تأكله النار" ، لأن أكل النار ما قربه أحدهم لله في ذلك الزمان ، كان دليلا على قبول الله منه ما قرب له ، ودلالة على صدق المقرب فيما ادعى أنه محق فيما نازع أو قال : كما : -

8310 - حدثنا محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " حتى يأتينا بقربان تأكله النار " ، [ ص: 449 ] كان الرجل يتصدق ، فإذا تقبل منه ، أنزلت عليه نار من السماء فأكلته .

8311 - حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول ، أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " بقربان تأكله النار " ، كان الرجل إذا تصدق بصدقة فتقبلت منه ، بعث الله نارا من السماء فنزلت على القربان فأكلته .

فقال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : [ قل ، يا محمد ، للقائلين : إن الله عهد إلينا ] أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار : [ قد جاءكم ] رسل من قبلي بالبينات" ، يعني : بالحجج الدالة على صدق نبوتهم وحقيقة قولهم" وبالذي قلتم " ، يعني : وبالذي ادعيتم أنه إذا جاء به لزمكم تصديقه والإقرار بنبوته ، من أكل النار قربانه إذا قرب لله دلالة على صدقه ، " فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين " ، يقول له : قل لهم : قد جاءتكم الرسل الذين كانوا من قبلي بالذي زعمتم أنه حجة لهم عليكم ، فقتلتموهم ، فلم قتلتموهم وأنتم مقرون بأن الذي جاءوكم به من ذلك كان حجة لهم عليكم" إن كنتم صادقين " في أن الله عهد إليكم أن تؤمنوا بمن أتاكم من رسله بقربان تأكله النار حجة له على نبوته؟

قال أبو جعفر : وإنما أعلم الله عباده بهذه الآية : أن الذين وصف صفتهم من اليهود الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لن يعدوا أن يكونوا [ ص: 450 ] في كذبهم على الله وافترائهم على ربهم وتكذيبهم محمدا صلى الله عليه وسلم ، وهم يعلمونه صادقا محقا ، وجحودهم نبوته وهم يجدونه مكتوبا عندهم في عهد الله تعالى إليهم أنه رسوله إلى خلقه ، مفروضة طاعته إلا كمن مضى من أسلافهم الذين كانوا يقتلون أنبياء الله بعد قطع الله عذرهم بالحجج التي أيدهم الله بها ، والأدلة التي أبان صدقهم بها ، افتراء على الله ، واستخفافا بحقوقه .
القول في تأويل قوله جل ثناؤه ( فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير ( 184 ) )

قال أبو جعفر : وهذا تعزية من الله جل ثناؤه نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم على الأذى الذي كان يناله من اليهود وأهل الشرك بالله من سائر أهل الملل . يقول الله تعالى له : لا يحزنك ، يا محمد ، كذب هؤلاء الذين قالوا : " إن الله فقير " ، وقالوا : " إن الله عهد إلينا أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار " ، وافتراؤهم على ربهم اغترارا بإمهال الله إياهم ، ولا يعظمن عليك تكذيبهم إياك ، وادعاؤهم الأباطيل من عهود الله إليهم ، فإنهم إن فعلوا ذلك بك فكذبوك وكذبوا على الله ، فقد كذبت أسلافهم من رسل الله قبلك من جاءهم بالحجج القاطعة العذر ، والأدلة الباهرة العقل ، والآيات المعجزة الخلق ، وذلك هو البينات .

وأما"الزبر" فإنه جمع"زبور" ، وهو الكتاب ، وكل كتاب فهو : "زبور" ، ومنه قول امرئ القيس :

[ ص: 451 ]
لمن طلل أبصرته فشجاني؟ كخط زبور في عسيب يماني


ويعني : ب"الكتاب" ، التوراة والإنجيل . وذلك أن اليهود كذبت عيسى وما جاء به ، وحرفت ما جاء به موسى عليه السلام من صفة محمد صلى الله عليه وسلم ، وبدلت عهده إليهم فيه ، وأن النصارى جحدت ما في الإنجيل من نعته ، وغيرت ما أمرهم به في أمره .

وأما قوله : "المنير" ، فإنه يعني : الذي ينير فيبين الحق لمن التبس عليه ويوضحه .

وإنما هو من"النور" والإضاءة ، يقال : "قد أنار لك هذا الأمر" ، بمعنى : أضاء لك وتبين ، "فهو ينير إنارة ، والشيء منير" ، وقد : -

8312 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك : " فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك " ، قال : يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم .

8313 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : " فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك " ، قال : يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم .

وهذا الحرف في مصاحف أهل الحجاز والعراق : "والزبر" بغير"باء" ، وهو في مصاحف أهل الشام : "وبالزبر" بالباء ، مثل الذي في"سورة فاطر" . [ 25 ] .
[ ص: 452 ] القول في تأويل قوله ( كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ( 185 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره : أن مصير هؤلاء المفترين على الله من اليهود ، المكذبين برسوله ، الذين وصف صفتهم ، وأخبر عن جراءتهم على ربهم ومصير غيرهم من جميع خلقه تعالى ذكره ، ومرجع جميعهم إليه . لأنه قد حتم الموت على جميعهم ، فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم : لا يحزنك تكذيب من كذبك ، يا محمد ، من هؤلاء اليهود وغيرهم ، وافتراء من افترى علي ، فقد كذب قبلك رسل جاءوا من الآيات والحجج من أرسلوا إليه ، بمثل الذي جئت من أرسلت إليه ، فلك فيهم أسوة تتعزى بهم ، ومصير من كذبك وافترى علي وغيرهم ومرجعهم إلي ، فأوفي كل نفس منهم جزاء عمله يوم القيامة ، كما قال جل ثناؤه : " وإنما توفون أجوركم يوم القيامة " ، يعني : أجور أعمالكم ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر" فمن زحزح عن النار " ، يقول : فمن نحي عن النار وأبعد منها"فقد فاز" ، يقول : فقد نجا وظفر بحاجته .

يقال منه : "فاز فلان بطلبته ، يفوز فوزا ومفازا ومفازة" ، إذا ظفر بها .

وإنما معنى ذلك : فمن نحي عن النار فأبعد منها وأدخل الجنة ، فقد نجا وظفر بعظيم الكرامة" وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور " ، يقول : وما لذات الدنيا وشهواتها وما فيها من زينتها وزخارفها"إلا متاع الغرور " ، يقول : إلا متعة [ ص: 453 ] يمتعكموها الغرور والخداع المضمحل الذي لا حقيقة له عند الامتحان ، ولا صحة له عند الاختبار . فأنتم تلتذون بما متعكم الغرور من دنياكم ، ثم هو عائد عليكم بالفجائع والمصائب والمكاره . يقول تعالى ذكره : ولا تركنوا إلى الدنيا فتسكنوا إليها ، فإنما أنتم منها في غرور تمتعون ، ثم أنتم عنها بعد قليل راحلون .

وقد روي في تأويل ذلك ما : -

8314 - حدثني به المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن بكير بن الأخنس ، عن عبد الرحمن بن سابط في قوله : " وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور " ، قال : كزاد الراعي ، تزوده الكف من التمر ، أو الشيء من الدقيق ، أو الشيء يشرب عليه اللبن .

فكأن ابن سابط ذهب في تأويله هذا ، إلى أن معنى الآية : وما الحياة الدنيا إلا متاع قليل ، لا يبلغ من تمتعه ولا يكفيه لسفره . وهذا التأويل ، وإن كان وجها من وجوه التأويل ، فإن الصحيح من القول فيه هو ما قلنا . لأن"الغرور" إنما هو الخداع في كلام العرب . وإذ كان ذلك كذلك ، فلا وجه لصرفه إلى معنى القلة ، لأن الشيء قد يكون قليلا وصاحبه منه في غير خداع ولا غرور . وأما الذي هو في غرور ، فلا القليل يصح له ولا الكثير مما هو منه في غرور .

و"الغرور" مصدر من قول القائل : "غرني فلان فهو يغرني غرورا" بضم"الغين" . وأما إذا فتحت"الغين" من"الغرور" ، فهو صفة للشيطان الغرور ، الذي يغر ابن آدم حتى يدخله من معصية الله فيما يستوجب به عقوبته .

وقد :

8315 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عبدة وعبد الرحيم قالا حدثنا [ ص: 454 ] محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها ، واقرءوا إن شئتم" وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور " .
القول في تأويل قوله ( لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور ( 186 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله : تعالى ذكره : " لتبلون في أموالكم " ، لتختبرن بالمصائب في أموالكم"وأنفسكم ، يعني : وبهلاك الأقرباء والعشائر من [ ص: 455 ] أهل نصرتكم وملتكم" ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " ، يعني : من اليهود وقولهم : " إن الله فقير ونحن أغنياء " ، وقولهم : " يد الله مغلولة " ، وما أشبه ذلك من افترائهم على الله" ومن الذين أشركوا " ، يعني النصارى "أذى كثيرا" ، والأذى من اليهود ما ذكرنا ، ومن النصارى قولهم : " المسيح ابن الله " ، وما أشبه ذلك من كفرهم بالله" وإن تصبروا وتتقوا " ، يقول : وإن تصبروا لأمر الله الذي أمركم به فيهم وفي غيرهم من طاعته" وتتقوا" ، يقول : وتتقوا الله فيما أمركم ونهاكم ، فتعملوا في ذلك بطاعته" فإن ذلك من عزم الأمور " ، يقول : فإن ذلك الصبر والتقوى مما عزم الله عليه وأمركم به .

وقيل : إن ذلك كله نزل في فنحاص اليهودي ، سيد بني قينقاع ، كالذي : -

8316 - حدثنا به القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قال : قال عكرمة في قوله : " لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا " ، قال : نزلت هذه الآية في النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي أبي بكر رضوان الله عليه ، وفي فنحاص اليهودي سيد بني قينقاع قال : بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رحمه الله إلى فنحاص يستمده ، وكتب إليه بكتاب ، وقال لأبي بكر : "لا تفتاتن علي بشيء حتى ترجع" . فجاء أبو بكر وهو متوشح بالسيف ، فأعطاه الكتاب ، فلما قرأه قال : "قد احتاج ربكم أن نمده"! فهم أبو بكر أن يضربه بالسيف ، ثم ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم : "لا تفتاتن علي بشيء حتى ترجع" ، [ ص: 456 ] فكف ، ونزلت : ( ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم ) . وما بين الآيتين إلى قوله : " لتبلون في أموالكم وأنفسكم " ، نزلت هذه الآيات في بني قينقاع إلى قوله : " فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك " قال ابن جريج : يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم قال : "لتبلون في أموالكم وأنفسكم" ، قال : أعلم الله المؤمنين أنه سيبتليهم ، فينظر كيف صبرهم على دينهم . ثم قال : " ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " ، يعني : اليهود والنصارى " ومن الذين أشركوا أذى كثيرا ) فكان المسلمون يسمعون من اليهود قولهم : "عزير ابن الله" ، ومن النصارى : "المسيح ابن الله" ، فكان المسلمون ينصبون لهم الحرب إذ يسمعون إشراكهم ، فقال الله : " وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور " ، يقول : من القوة مما عزم الله عليه وأمركم به .



وقال آخرون : بل نزلت في كعب بن الأشرف ، وذلك أنه كان يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويتشبب بنساء المسلمين .

ذكر من قال ذلك :





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #448  
قديم 03-05-2023, 05:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,561
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران
الحلقة (448)
صــ 447إلى صــ 472




8317 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري في قوله : " ولتسمعن من الذين أوتو الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا " ، قال : هو كعب بن الأشرف ، وكان يحرض المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في شعره ، ويهجو النبي صلى الله عليه وسلم . فانطلق إليه خمسة نفر من الأنصار ، فيهم محمد بن مسلمة ، ورجل [ ص: 457 ] يقال له أبو عبس . فأتوه وهو في مجلس قومه بالعوالي ، فلما رآهم ذعر منهم ، فأنكر شأنهم ، وقالوا : جئناك لحاجة! قال : فليدن إلي بعضكم فليحدثني بحاجته . فجاءه رجل منهم فقال : جئناك لنبيعك أدراعا عندنا لنستنفق بها . فقال : والله لئن فعلتم لقد جهدتم منذ نزل بكم هذا الرجل! فواعدوه أن يأتوه عشاء حين هدأ عنهم الناس ، فأتوه فنادوه ، فقالت امرأته : ما طرقك هؤلاء ساعتهم هذه لشيء مما تحب! قال : إنهم حدثوني بحديثهم وشأنهم .

قال معمر : فأخبرني أيوب ، عن عكرمة : أنه أشرف عليهم فكلمهم ، فقال : أترهنوني أبناءكم؟ وأرادوا أن يبيعهم تمرا . قال : فقالوا : إنا نستحيي أن تعير أبناؤنا فيقال : "هذا رهينة وسق ، وهذا رهينة وسقين"! فقال : أترهنوني نساءكم؟ قالوا : أنت أجمل الناس ، ولا نأمنك! وأي امرأة تمتنع منك لجمالك! ولكنا نرهنك سلاحنا ، فقد علمت حاجتنا إلى السلاح اليوم . فقال : ائتوني بسلاحكم ، واحتملوا ما شئتم . قالوا : فانزل إلينا نأخذ عليك وتأخذ علينا . فذهب ينزل ، [ ص: 458 ] فتعلقت به امرأته وقالت : أرسل إلى أمثالهم من قومك يكونوا معك . قال : لو وجدني هؤلاء نائما ما أيقظوني! قالت : فكلمهم من فوق البيت ، فأبى عليها ، فنزل إليهم يفوح ريحه . قالوا : ما هذه الريح يا فلان؟ قال : هذا عطر أم فلان! امرأته . فدنا إليه بعضهم يشم رائحته ، ثم اعتنقه ، ثم قال : اقتلوا عدو الله! فطعنه أبو عبس في خاصرته ، وعلاه محمد بن مسلمة بالسيف ، فقتلوه ثم رجعوا . فأصبحت اليهود مذعورين ، فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : قتل سيدنا غيلة! فذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم صنيعه ، وما كان يحض عليهم ، ويحرض في قتالهم ويؤذيهم ، ثم دعاهم إلى أن يكتب بينه وبينهم صلحا ، قال : فكان ذلك الكتاب مع علي رضوان الله عليه .
القول في تأويل قوله ( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون ( 187 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره : واذكر أيضا من [ أمر ] هؤلاء اليهود وغيرهم من أهل الكتاب منهم ، يا محمد ، إذ أخذ الله ميثاقهم ، ليبينن للناس أمرك الذي أخذ ميثاقهم على بيانه للناس في كتابهم الذي في أيديهم ، وهو التوراة والإنجيل ، وأنك لله رسول مرسل بالحق ، ولا يكتمونه" فنبذوه وراء ظهورهم " ، [ ص: 459 ] يقول : فتركوا أمر الله وضيعوه . ونقضوا ميثاقه الذي أخذ عليهم بذلك ، فكتموا أمرك ، وكذبوا بك" واشتروا به ثمنا قليلا " ، يقول : وابتاعوا بكتمانهم ما أخذ عليهم الميثاق أن لا يكتموه من أمر نبوتك ، عوضا منه خسيسا قليلا من عرض الدنيا ثم ذم جل ثناؤه شراءهم ما اشتروا به من ذلك فقال : " فبئس ما يشترون " .

واختلف أهل التأويل فيمن عني بهذه الآية .

فقال بعضهم : عني بها اليهود خاصة .

ذكر من قال ذلك :

8318 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير قال : حدثنا محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة : أنه حدثه ، عن ابن عباس : " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه " إلى قوله : "عذاب أليم" ، يعني : فنحاص وأشيع وأشباههما من الأحبار .

8319 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة مولى ابن عباس مثله . [ ص: 460 ]

8320 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم " ، كان أمرهم أن يتبعوا النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته ، وقال : ( اتبعوه لعلكم تهتدون ) [ سورة الأعراف : 158 ] فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم قال : ( وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون ) [ سورة البقرة : 40 ] عاهدهم على ذلك ، فقال حين بعث محمدا : صدقوه ، وتلقون الذي أحببتم عندي .

8321 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس " الآية ، قال : إن الله أخذ ميثاق اليهود ليبيننه للناس ، محمدا صلى الله عليه وسلم ، ولا يكتمونه ، "فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا " .

8322 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن أبي الجحاف ، عن مسلم البطين قال : سأل الحجاج بن يوسف جلساءه عن هذه الآية : " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب " ، فقام رجل إلى سعيد بن جبير فسأله فقال : " وإذ أخذ الله ميثاق أهل الكتاب" يهود ، "ليبيننه للناس" ، محمدا صلى الله عليه وسلم ، "ولا يكتمونه فنبذوه" .

8323 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه " ، قال : وكان فيه إن الإسلام دين الله الذي افترضه على عباده ، وأن محمدا يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل .

وقال آخرون : عني بذلك كل من أوتي علما بأمر الدين .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 461 ]

8324 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم " الآية ، هذا ميثاق أخذه الله على أهل العلم ، فمن علم شيئا فليعلمه ، وإياكم وكتمان العلم ، فإن كتمان العلم هلكة ، ولا يتكلفن رجل ما لا علم له به ، فيخرج من دين الله فيكون من المتكلفين ، كان يقال : "مثل علم لا يقال به ، كمثل كنز لا ينفق منه ! ومثل حكمة لا تخرج ، كمثل صنم قائم لا يأكل ولا يشرب" . وكان يقال : "طوبى لعالم ناطق ، وطوبى لمستمع واع" . هذا رجل علم علما فعلمه وبذله ودعا إليه ، ورجل سمع خيرا فحفظه ووعاه وانتفع به .

8325 - حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي عبيدة قال : جاء رجل إلى قوم في المسجد وفيه عبد الله بن مسعود فقال : إن أخاكم كعبا يقرئكم السلام ، ويبشركم أن هذه الآية ليست فيكم : " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه " . فقال له عبد الله : وأنت فأقره السلام وأخبره أنها نزلت وهو يهودي .

8326 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي عبيدة بنحوه ، عن عبد الله وكعب .

وقال آخرون : معنى ذلك : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين على قومهم .

ذكر من قال ذلك :

8327 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن سفيان قال : حدثني يحيى بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس : إن أصحاب عبد الله يقرءون : وإذ أخذ ربك من الذين أوتوا الكتاب ميثاقهم ، قال : من النبيين على قومهم . [ ص: 462 ]

8328 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا قبيصة قال : حدثنا سفيان ، عن حبيب ، عن سعيد قال : قلت لابن عباس : إن أصحاب عبد الله يقرءون : " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب " ، ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين ) ، قال فقال : أخذ الله ميثاق النبيين على قومهم .

وأما قوله : " لتبيننه للناس " ، فإنه كما : -

8329 - حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث قال : حدثني أبي قال : حدثنا محمد بن ذكوان قال : حدثنا أبو نعامة السعدي قال : كان الحسن يفسر قوله : " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه " ، لتتكلمن بالحق ، ولتصدقنه بالعمل .

قال أبو جعفر : واختلف القرأة في قراءة ذلك :

فقرأه بعضهم : ( لتبيننه للناس ولا تكتمونه ) بالتاء . وهي قراءة عظم قرأة أهل المدينة والكوفة ، على وجه المخاطب ، بمعنى : قال الله لهم : لتبيننه للناس ولا تكتمونه .

وقرأ ذلك آخرون : ليبيننه للناس ولا يكتمونه بالياء جميعا ، على وجه الخبر عن الغائب ، لأنهم في وقت إخبار الله نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك عنهم ، كانوا غير موجودين ، فصار الخبر عنهم كالخبر عن الغائب .

[ ص: 463 ]

قال أبو جعفر : والقول في ذلك عندنا أنهما قراءتان ، صحيحة وجوههما ، مستفيضتان في قرأة الإسلام ، غير مختلفتي المعاني ، فبأيتهما قرأ القارئ فقد أصاب الحق والصواب في ذلك . غير أن الأمر في ذلك وإن كان كذلك ، فإن أحب القراءتين إلي أن أقرأ بها : ( " ليبيننه للناس ولا يكتمونه " ) ، بالياء جميعا ، استدلالا بقوله : "فنبذوه" ، إذ كان قد خرج مخرج الخبر عن الغائب على سبيل قوله : "فنبذوه" حتى يكون متسقا كله على معنى واحد ومثال واحد . ولو كان الأول بمعنى الخطاب ، لكان أن يقال : "فنبذتموه وراء ظهوركم" أولى ، من أن يقال : "فنبذوه وراء ظهورهم" .

وأما قوله : " فنبذوه وراء ظهورهم " ، فإنه مثل لتضييعهم القيام بالميثاق وتركهم العمل به .

وقد بينا المعنى الذي من أجله قيل ذلك كذلك ، فيما مضى من كتابنا هذا فكرهنا إعادته .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

8330 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : أخبرنا يحيى بن أيوب البجلي ، عن الشعبي في قوله : " فنبذوه وراء ظهورهم " ، قال : إنهم قد كانوا يقرءونه ، إنما نبذوا العمل به .

8331 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن [ ص: 464 ] ابن جريج : " فنبذوه وراء ظهورهم " ، قال : نبذوا الميثاق .

8332 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا عثمان بن عمر قال : حدثنا مالك بن مغول : قال : نبئت عن الشعبي في هذه الآية : " فنبذوه وراء ظهورهم " ، قال : قذفوه بين أيديهم ، وتركوا العمل به .

وأما قوله : " واشتروا به ثمنا قليلا " ، فإن معناه ما قلنا ، من أخذهم ما أخذوا على كتمانهم الحق وتحريفهم الكتاب ، كما : -

8333 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " واشتروا به ثمنا قليلا " ، أخذوا طمعا ، وكتموا اسم محمد صلى الله عليه وسلم .

وقوله : " فبئس ما يشترون " ، يقول : فبئس الشراء يشترون في تضييعهم الميثاق وتبديلهم الكتاب ، كما : -

8334 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " فبئس ما يشترون " ، قال : تبديل اليهود التوراة .
[ ص: 465 ] القول في تأويل قوله ( لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم ( 188 ) )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .

فقال بعضهم : عني بذلك قوم من أهل النفاق كانوا يقعدون خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا العدو ، فإذا انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتذروا إليه ، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا .

ذكر من قال ذلك :

8335 - حدثنا محمد بن سهل بن عسكر وابن عبد الرحيم البرقي قالا حدثنا ابن أبي مريم قال : حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير قال : حدثني زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري : أن رجالا من المنافقين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الغزو ، تخلفوا عنه ، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله . وإذا قدم النبي صلى الله عليه وسلم من السفر اعتذروا إليه ، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا . فأنزل الله تعالى فيهم : " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا " الآية .

8336 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا " ، قال : هؤلاء المنافقون ، يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم : لو قد خرجت لخرجنا معك! فإذا خرج النبي صلى الله عليه وسلم تخلفوا وكذبوا ، ويفرحون بذلك ، ويرون أنها حيلة احتالوا بها .

[ ص: 466 ]

وقال آخرون : عني بذلك قوم من أحبار اليهود ، كانوا يفرحون بإضلالهم الناس ، ونسبة الناس إياهم إلى العلم .

ذكر من قال ذلك :

8337 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة مولى ابن عباس أو سعيد بن جبير : " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب " إلى قوله : "ولهم عذاب أليم" ، يعني فنحاص وأشيع وأشباههما من الأحبار ، الذين يفرحون بما يصيبون من الدنيا على ما زينوا للناس من الضلالة" ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا " ، أن يقول لهم الناس علماء ، وليسوا بأهل علم ، لم يحملوهم على هدى ولا خير ، ويحبون أن يقول لهم الناس : قد فعلوا .

8338 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير قال : حدثنا محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة : أنه حدثه عن ابن عباس بنحو ذلك إلا أنه قال : وليسوا بأهل علم ، لم يحملوهم على هدى .

وقال آخرون : بل عني بذلك قوم من اليهود ، فرحوا باجتماع كلمتهم على تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم ، ويحبون أن يحمدوا بأن يقال لهم : أهل صلاة وصيام .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 467 ]

8339 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول ، أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله : " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا " ، فإنهم فرحوا باجتماعهم على كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وقالوا : "قد جمع الله كلمتنا ، ولم يخالف أحد منا أحدا [ أن محمدا ليس بنبي ] . وقالوا : "نحن أبناء الله وأحباؤه ، ونحن أهل الصلاة والصيام" ، وكذبوا ، بل هم أهل كفر وشرك وافتراء على الله ، قال الله : " يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا " .

8340 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال : أخبرنا يزيد قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا " ، قال : كانت اليهود أمر بعضهم بعضا ، فكتب بعضهم إلى بعض : "أن محمدا ليس بنبي ، فأجمعوا كلمتكم ، وتمسكوا بدينكم وكتابكم الذي معكم" ، ففعلوا وفرحوا بذلك ، وفرحوا باجتماعهم على الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم .

8341 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي [ ص: 468 ] قال : كتموا اسم محمد صلى الله عليه وسلم ، ففرحوا بذلك ، وفرحوا باجتماعهم على الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم .

8342 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : كتموا اسم محمد صلى الله عليه وسلم ، وفرحوا بذلك حين اجتمعوا عليه ، وكانوا يزكون أنفسهم فيقولون : "نحن أهل الصيام وأهل الصلاة وأهل الزكاة ، ونحن على دين إبراهيم صلى الله عليه وسلم" ، فأنزل الله فيهم : " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا " ، من كتمان محمد صلى الله عليه وسلم" ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا " ، أحبوا أن تحمدهم العرب ، بما يزكون به أنفسهم ، وليسوا كذلك .

8343 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن أبي الجحاف ، عن مسلم البطين قال : سأل الحجاج جلساءه عن هذه الآية : " لا تحسبن الذي يفرحون بما أتوا " ، قال سعيد بن جبير : بكتمانهم محمدا " ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا " ، قال : هو قولهم : "نحن على دين إبراهيم عليه السلام" .

8344 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا " ، هم أهل الكتاب ، أنزل عليهم الكتاب فحكموا بغير الحق ، وحرفوا الكلم عن مواضعه ، وفرحوا بذلك ، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا . فرحوا بأنهم كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل الله ، وهم يزعمون أنهم يعبدون الله ، ويصومون ويصلون ، ويطيعون الله . فقال الله جل ثناؤه لمحمد صلى الله عليه وسلم : " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا " ، كفرا بالله وكفرا بمحمد صلى الله عليه وسلم" ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا " ، من الصلاة والصوم ، فقال الله جل وعز لمحمد صلى الله عليه وسلم : " فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم " . [ ص: 469 ]

وقال آخرون : بل معنى ذلك : " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا " ، من تبديلهم كتاب الله ، ويحبون أن يحمدهم الناس على ذلك .

ذكر من قال ذلك :

8345 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله تعالى : " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا " ، قال : يهود ، فرحوا بإعجاب الناس بتبديلهم الكتاب وحمدهم إياهم عليه ، ولا تملك يهود ذلك .

وقال آخرون : معنى ذلك : أنهم فرحوا بما أعطى الله تعالى آل إبراهيم عليه السلام .

ذكر من قال ذلك :

8346 - حدثني محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن أبي المعلى ، عن سعيد بن جبير أنه قال في هذه الآية : " ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا " ، قال : اليهود ، يفرحون بما آتى الله إبراهيم عليه السلام .

8347 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا وهب بن جرير قال : حدثنا شعبة عن أبي المعلى العطار ، عن سعيد بن جبير قال : هم اليهود ، فرحوا بما أعطى الله تعالى إبراهيم عليه السلام .

وقال آخرون : بل عني بذلك قوم من اليهود ، سألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه ، ففرحوا بكتمانهم ذلك إياه .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 470 ]

8348 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن جريج قال : أخبرني ابن أبي مليكة : أن علقمة بن أبي وقاص أخبره : أن مروان قال لرافع : اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل له : "لئن كان كل امرئ منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا ، ليعذبنا الله أجمعين"! فقال ابن عباس : ما لكم ولهذه! إنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم يهود ، فسألهم عن شيء فكتموه إياه ، وأخبروه بغيره ، فأروه أن قد استجابوا لله بما أخبروه عنه مما سألهم ، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه . ثم قال : " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب " ، الآية .

8349 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج : أخبرني عبد الله بن أبي مليكة : أن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أخبره : أن مروان بن الحكم قال لبوابه : يا رافع ، اذهب إلى ابن عباس فقل له : "لئن كان كل امرئ منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا ، لنعذبن جميعا"! فقال ابن عباس : ما لكم ولهذه الآية؟ إنما أنزلت في أهل الكتاب! ثم تلا ابن عباس : " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس " إلى قوله : " أن يحمدوا بما لم يفعلوا " . قال ابن عباس : سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه إياه ، وأخبروه بغيره ، فخرجوا وقد أروه أن قد أخبروه بما قد سألهم عنه ، فاستحمدوا بذلك إليه ، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ما سألهم عنه .

[ ص: 471 ]

وقال آخرون : بل عني بذلك قوم من يهود ، أظهروا النفاق للنبي صلى الله عليه وسلم محبة منهم للحمد ، والله عالم منهم خلاف ذلك .

ذكر من قال ذلك :

8350 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ذكر لنا أن أعداء الله اليهود ، يهود خيبر ، أتوا نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فزعموا أنهم راضون بالذي جاء به ، وأنهم متابعوه ، وهم متمسكون بضلالتهم ، وأرادوا أن يحمدهم نبي الله صلى الله عليه وسلم بما لم يفعلوا ، فأنزل الله تعالى : " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا " ، الآية .

8351 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة قال : إن أهل خيبر أتوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقالوا : "إنا على رأيكم وسنتكم ، وإنا لكم ردء" . فأكذبهم الله فقال : " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا " الآيتين .

8352 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي عبيدة قال : جاء رجل إلى عبد الله فقال : إن كعبا يقرأ عليك السلام ويقول : إن هذه الآية لم تنزل فيكم : " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا " ، قال : أخبروه أنها نزلت وهو يهودي .

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل قوله : " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا " الآية ، قول من قال : "عني بذلك أهل الكتاب الذين أخبر [ ص: 472 ] الله جل وعز أنه أخذ ميثاقهم ، ليبينن للناس أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا يكتمونه ، لأن قوله : " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا " الآية ، في سياق الخبر عنهم ، وهو شبيه بقصتهم مع اتفاق أهل التأويل على أنهم المعنيون بذلك .

فإذ كان ذلك كذلك ، فتأويل الآية : لا تحسبن ، يا محمد ، الذين يفرحون بما أتوا من كتمانهم الناس أمرك ، وأنك لي رسول مرسل بالحق ، وهم يجدونك مكتوبا عندهم في كتبهم ، وقد أخذت عليهم الميثاق بالإقرار بنبوتك ، وبيان أمرك للناس ، وأن لا يكتموهم ذلك ، وهم مع نقضهم ميثاقي الذي أخذت عليهم بذلك ، يفرحون بمعصيتهم إياي في ذلك ، ومخالفتهم أمري ، ويحبون أن يحمدهم الناس بأنهم أهل طاعة لله وعبادة وصلاة وصوم ، واتباع لوحيه وتنزيله الذي أنزله على أنبيائه ، وهم من ذلك أبرياء أخلياء ، لتكذيبهم رسوله ، ونقضهم ميثاقه الذي أخذ عليهم ، لم يفعلوا شيئا مما يحبون أن يحمدهم الناس عليه" فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم " .

وقوله : " فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب " ، فلا تظنهم بمنجاة من عذاب الله الذي أعده لأعدائه في الدنيا ، من الخسف والمسخ والرجف والقتل ، وما أشبه ذلك من عقاب الله ، ولا هم ببعيد منه ، كما : -

8353 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب " ، قال : بمنجاة من العذاب .

قال أبو جعفر : "ولهم عذاب أليم" ، يقول : ولهم عذاب في الآخرة أيضا مؤلم ، مع الذي لهم في الدنيا معجل .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #449  
قديم 03-05-2023, 07:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,561
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران
الحلقة (449)
صــ 473إلى صــ 510



[ ص: 473 ] القول في تأويل قوله ( ولله ملك السماوات والأرض والله على كل شيء قدير ( 189 ) )

قال أبو جعفر : وهذا تكذيب من الله جل ثناؤه الذين قالوا : " إن الله فقير ونحن أغنياء " . يقول تعالى ذكره ، مكذبا لهم : لله ملك جميع ما حوته السموات والأرض . فكيف يكون أيها المفترون على الله ، من كان ملك ذلك له فقيرا؟

ثم أخبر جل ثناؤه أنه القادر على تعجيل العقوبة لقائلي ذلك ، ولكل مكذب به ومفتر عليه ، وعلى غير ذلك مما أراد وأحب ، ولكنه تفضل بحلمه على خلقه فقال : " والله على كل شيء قدير " ، يعني : من إهلاك قائلي ذلك ، وتعجيل عقوبته لهم ، وغير ذلك من الأمور .
القول في تأويل قوله ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ( 190 ) )

قال أبو جعفر : وهذا احتجاج من الله تعالى ذكره على قائل ذلك ، وعلى سائر خلقه ، بأنه المدبر المصرف الأشياء والمسخر ما أحب ، وأن الإغناء والإفقار إليه وبيده ، فقال جل ثناؤه : تدبروا أيها الناس واعتبروا ، ففيما أنشأته فخلقته من السماوات والأرض لمعاشكم وأقواتكم وأرزاقكم ، وفيما عقبت بينه من الليل والنهار فجعلتهما يختلفان ويعتقبان عليكم ، تتصرفون في هذا لمعاشكم ، وتسكنون في [ ص: 474 ] هذا راحة لأجسادكم معتبر ومدكر ، وآيات وعظات . فمن كان منكم ذا لب وعقل ، يعلم أن من نسبني إلى أني فقير وهو غني كاذب مفتر ، فإن ذلك كله بيدي أقلبه وأصرفه ، ولو أبطلت ذلك لهلكتم ، فكيف ينسب إلي فقر من كان كل ما به عيش ما في السماوات والأرض بيده وإليه؟ أم كيف يكون غنيا من كان رزقه بيد غيره ، إذا شاء رزقه ، وإذا شاء حرمه؟ فاعتبروا يا أولي الألباب .
القول في تأويل قوله ( الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض )

قال أبو جعفر : وقوله : " الذين يذكرون الله قياما وقعودا " من نعت"أولي الألباب" ، و"الذين" في موضع خفض ردا على قوله : "لأولي الألباب" .

ومعنى الآية : إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ، الذاكرين الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم يعني بذلك : قياما في صلاتهم ، وقعودا في تشهدهم وفي غير صلاتهم ، وعلى جنوبهم نياما . كما : -

8354 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن [ ص: 475 ] ابن جريج ، قوله : " الذين يذكرون الله قياما وقعودا " الآية ، قال : هو ذكر الله في الصلاة وفي غير الصلاة ، وقراءة القرآن .

8355 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم " ، وهذه حالاتك كلها يا ابن آدم ، فاذكره وأنت على جنبك ، يسرا من الله وتخفيفا .

قال أبو جعفر : فإن قال قائل : وكيف قيل : "وعلى جنوبهم" : فعطف ب"على" ، وهي صفة ، على"القيام والقعود" وهما اسمان؟

قيل : لأن قوله : " وعلى جنوبهم " في معنى الاسم ، ومعناه : ونياما ، أو : "مضطجعين على جنوبهم" ، فحسن عطف ذلك على"القيام" و"القعود" لذلك المعنى ، كما قيل : ( وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما ) [ سورة يونس : 12 ] فعطف بقوله : " أو قاعدا أو قائما " على قوله : "لجنبه" ، لأن معنى قوله : "لجنبه" ، مضطجعا ، فعطف ب"القاعد" و"القائم" على معناه ، فكذلك ذلك في قوله : " وعلى جنوبهم " .

وأما قوله : " ويتفكرون في خلق السماوات والأرض " ، فإنه يعني بذلك أنهم يعتبرون بصنعة صانع ذلك ، فيعلمون أنه لا يصنع ذلك إلا من ليس كمثله شيء ، ومن هو مالك كل شيء ورازقه ، وخالق كل شيء ومدبره ، ومن هو على كل شيء قدير ، وبيده الإغناء والإفقار ، والإعزاز والإذلال ، والإحياء والإماتة ، والشقاء والسعادة .
[ ص: 476 ] القول في تأويل قوله ( ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار ( 191 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره : " ويتفكرون في خلق السماوات والأرض " قائلين : " ربنا ما خلقت هذا باطلا " ، فترك ذكر"قائلين" ، إذ كان فيما ظهر من الكلام دلالة عليه .

وقوله : " ما خلقت هذا باطلا " يقول : لم تخلق هذا الخلق عبثا ولا لعبا ، ولم تخلقه إلا لأمر عظيم من ثواب وعقاب ومحاسبة ومجازاة ، وإنما قال : "ما خلقت هذا باطلا" ولم يقل : "ما خلقت هذه ، ولا هؤلاء" ، لأنه أراد ب"هذا" ، الخلق الذي في السماوات والأرض . يدل على ذلك قوله : " سبحانك فقنا عذاب النار " ، ورغبتهم إلى ربهم في أن يقيهم عذاب الجحيم . ولو كان المعني بقوله : " ما خلقت هذا باطلا " ، السموات والأرض ، لما كان لقوله عقيب ذلك : " فقنا عذاب النار " ، معنى مفهوم . لأن"السموات والأرض" أدلة على بارئها ، لا على الثواب والعقاب ، وإنما الدليل على الثواب والعقاب ، الأمر والنهي .

وإنما وصف جل ثناؤه : " أولي الألباب " الذين ذكرهم في هذه الآية : أنهم إذا رأوا المأمورين المنهيين قالوا : "يا ربنا لم تخلق هؤلاء باطلا عبثا سبحانك" ، يعني : تنزيها لك من أن تفعل شيئا عبثا ، ولكنك خلقتهم لعظيم من الأمر ، لجنة أو نار .

ثم فزعوا إلى ربهم بالمسألة أن يجيرهم من عذاب النار ، وأن لا يجعلهم ممن عصاه وخالف أمره ، فيكونوا من أهل جهنم .
[ ص: 477 ] القول في تأويل قوله ( ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار ( 192 ) )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في ذلك .

فقال بعضهم : معنى ذلك : ربنا إنك من تدخل النار من عبادك فتخلده فيها ، فقد أخزيته . قال : ولا يخزى مؤمن مصيره إلى الجنة ، وإن عذب بالنار بعض العذاب .

ذكر من قال ذلك :

8356 - حدثني أبو حفص الجبيري ومحمد بن بشار قالا أخبرنا المؤمل ، أخبرنا أبو هلال ، عن قتادة ، عن أنس في قوله : " ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته " ، قال : من تخلد .

8357 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن رجل ، عن ابن المسيب : " ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته " ، قال : هي خاصة لمن لا يخرج منها .

8358 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو النعمان عارم قال : حدثنا حماد بن زيد قال : حدثنا قبيصة بن مروان ، عن الأشعث الحملي قال : قلت للحسن : يا أبا سعيد ، أرأيت ما تذكر من الشفاعة ، حق هو؟ قال : نعم حق . قال : قلت : يا أبا سعيد ، أرأيت قول الله تعالى : " ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته [ ص: 478 ] و ( يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ) [ سورة المائدة : 37 ] ؟ قال فقال لي : إنك والله لا تسطو علي بشيء ، إن للنار أهلا لا يخرجون منها ، كما قال الله . قال قلت : يا أبا سعيد ، فيمن دخلوا ثم خرجوا؟ قال : كانوا أصابوا ذنوبا في الدنيا فأخذهم الله بها ، فأدخلهم بها ثم أخرجهم ، بما يعلم في قلوبهم من الإيمان والتصديق به .

8359 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : " إنك من تدخل النار فقد أخزيته " ، قال : هو من يخلد فيها .

وقال آخرون : معنى ذلك : ربنا إنك من تدخل النار ، من مخلد فيها وغير مخلد فيها ، فقد أخزي بالعذاب .

ذكر من قال ذلك :

8360 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا الحارث بن مسلم ، عن بحر ، عن عمرو بن دينار قال : قدم علينا جابر بن عبد الله في عمرة ، فانتهيت إليه أنا وعطاء فقلت : " ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته "؟ قال : [ ص: 479 ] وما أخزاه حين أحرقه بالنار! وإن دون ذلك لخزيا .

قال أبو جعفر : وأولى القولين بالصواب عندي ، قول جابر : "إن من أدخل النار فقد أخزي بدخوله إياها ، وإن أخرج منها" . وذلك أن"الخزي" إنما هو هتك ستر المخزي وفضيحته ، ومن عاقبه ربه في الآخرة على ذنوبه ، فقد فضحه بعقابه إياه ، وذلك هو"الخزي" .

وأما قوله : " وما للظالمين من أنصار " ، يقول : وما لمن خالف أمر الله فعصاه ، من ذي نصرة له ينصره من الله ، فيدفع عنه عقابه ، أو ينقذه من عذابه .
[ ص: 480 ] القول في تأويل قوله تعالى ( ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار ( 193 ) )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل"المنادي" الذي ذكره الله تعالى في هذه الآية .

فقال بعضهم : "المنادي" في هذا الموضع ، القرآن .

ذكر من قال ذلك :

8361 - حدثني المثنى قال : حدثنا قبيصة بن عقبة قال : حدثنا سفيان ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب : " إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان " ، قال : هو الكتاب ، ليس كلهم لقي النبي صلى الله عليه وسلم .

8362 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا منصور بن حكيم ، عن خارجة ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب القرظي في قوله : " ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان " ، قال : ليس كل الناس سمع النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن المنادي القرآن .

وقال آخرون : بل هو محمد صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 481 ] ذكر من قال ذلك :

8363 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : " إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان " : قال : هو محمد صلى الله عليه وسلم .

8364 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان " ، قال : ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب ، قول محمد بن كعب ، وهو أن يكون"المنادي" القرآن . لأن كثيرا ممن وصفهم الله بهذه الصفة في هذه الآيات ، ليسوا ممن رأى النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عاينه فسمعوا دعاءه إلى الله تبارك وتعالى ونداءه ، ولكنه القرآن ، وهو نظير قوله جل ثناؤه مخبرا عن الجن إذ سمعوا كلام الله يتلى عليهم أنهم قالوا : ( إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد ) [ سورة الجن : 1 ، 2 ]

وبنحو ذلك : -

8365 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان " إلى قوله : " وتوفنا مع الأبرار " ، سمعوا دعوة من الله فأجابوها فأحسنوا الإجابة فيها ، وصبروا عليها . ينبئكم الله عن مؤمن الإنس كيف قال : وعن مؤمن الجن كيف قال . فأما مؤمن الجن فقال : ( إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا ) وأما مؤمن الإنس فقال : " إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا " ، الآية .

وقيل : " إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان " ، يعني : ينادي إلى الإيمان ، كما [ ص: 482 ] قال تعالى ذكره : ( الحمد لله الذي هدانا لهذا ) [ سورة الأعراف : 43 ] بمعنى : هدانا إلى هذا ، وكما قال الراجز :


أوحى لها القرار فاستقرت وشدها بالراسيات الثبت


بمعنى : أوحى إليها ، ومنه قوله : ( بأن ربك أوحى لها ) [ سورة الزلزلة : 5 ]

وقيل : يحتمل أن يكون معناه : إننا سمعنا مناديا للإيمان ، ينادي أن آمنوا بربكم .

فتأويل الآية إذا : ربنا سمعنا داعيا يدعو إلى الإيمان يقول : إلى التصديق بك ، والإقرار بوحدانيتك ، واتباع رسولك ، وطاعته فيما أمرنا به ونهانا عنه مما جاء به من عندك" فآمنا ربنا" ، يقول : فصدقنا بذلك يا ربنا . " فاغفر لنا ذنوبنا " ، يقول : فاستر علينا خطايانا ، ولا تفضحنا بها في القيامة على رءوس الأشهاد ، بعقوبتك إيانا عليها ، ولكن كفرها عنا ، وسيئات أعمالنا ، فامحها بفضلك ورحمتك إيانا" وتوفنا مع الأبرار " ، يعني بذلك : واقبضنا إليك إذا قبضتنا إليك ، في عداد الأبرار ، واحشرنا محشرهم ومعهم .

و"الأبرار" جمع"بر" ، وهم الذين بروا الله تبارك وتعالى بطاعتهم إياه وخدمتهم له ، حتى أرضوه فرضي عنهم .
[ ص: 483 ] القول في تأويل قوله ( ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد ( 194 ) )

قال أبو جعفر : إن قال لنا قائل : وما وجه مسألة هؤلاء القوم ربهم أن يؤتيهم ما وعدهم ، وقد علموا أن الله منجز وعده ، وغير جائز أن يكون منه إخلاف موعد؟ قيل : اختلف في ذلك أهل البحث .

فقال بعضهم : ذلك قول خرج مخرج المسألة ، ومعناه الخبر . قالوا : وإنما تأويل الكلام : " ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار " لتؤتينا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة . قالوا : وليس ذلك على أنهم قالوا : "إن توفيتنا مع الأبرار ، فأنجز لنا ما وعدتنا" ، لأنهم قد علموا أن الله لا يخلف الميعاد ، وأن ما وعد على ألسنة رسله ليس يعطيه بالدعاء ، ولكنه تفضل بابتدائه ، ثم ينجزه .

وقال آخرون : بل ذلك قول من قائليه على معنى المسألة والدعاء لله بأن يجعلهم ممن آتاهم ما وعدهم من الكرامة على ألسن رسله ، لا أنهم كانوا قد [ ص: 484 ] استحقوا منزلة الكرامة عند الله في أنفسهم ، ثم سألوه أن يؤتيهم ما وعدهم بعد علمهم باستحقاقهم عند أنفسهم ، فيكون ذلك منهم مسألة لربهم أن لا يخلف وعده . قالوا : ولو كان القوم إنما سألوا ربهم أن يؤتيهم ما وعد الأبرار ، لكانوا قد زكوا أنفسهم ، وشهدوا لها أنها ممن قد استوجب كرامة الله وثوابه . قالوا . وليس ذلك صفة أهل الفضل من المؤمنين .

وقال آخرون : بل قالوا هذا القول على وجه المسألة ، والرغبة منهم إلى الله أن يؤتيهم ما وعدهم من النصر على أعدائهم من أهل الكفر ، والظفر بهم ، وإعلاء كلمة الحق على الباطل ، فيعجل ذلك لهم . قالوا : ومحال أن يكون القوم مع وصف الله إياهم بما وصفهم به ، كانوا على غير يقين من أن الله لا يخلف الميعاد ، فيرغبوا إلى الله جل ثناؤه في ذلك ، ولكنهم كانوا وعدوا النصر ، ولم يوقت لهم في تعجيل ذلك لهم ، لما في تعجله من سرور الظفر وراحة الجسد .

قال أبو جعفر : والذي هو أولى الأقوال بالصواب في ذلك عندي ، أن هذه الصفة ، صفة من هاجر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من وطنه وداره ، مفارقا لأهل الشرك بالله إلى الله ورسوله ، وغيرهم من تباع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين رغبوا إلى الله في تعجيل نصرتهم على أعداء الله وأعدائهم ، فقالوا : ربنا آتنا ما وعدتنا من نصرتك عليهم عاجلا فإنك لا تخلف الميعاد ، ولكن لا صبر لنا على أناتك وحلمك عنهم ، فعجل [ لهم ] خزيهم ، ولنا الظفر عليهم .

يدل على صحة ذلك آخر الآية الأخرى ، وهو قوله : [ ص: 485 ] ( فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا ) الآيات بعدها . وليس ذلك مما ذهب إليه الذين حكيت قولهم في شيء . وذلك أنه غير موجود في كلام العرب أن يقال : "افعل بنا يا رب كذا وكذا" ، بمعنى : "لتفعل بنا كذا وكذا" . ولو جاز ذلك ، لجاز أن يقول القائل لآخر : "أقبل إلي وكلمني" ، بمعنى : "أقبل إلي لتكلمني" ، وذلك غير موجود في الكلام ولا معروف جوازه .

وكذلك أيضا غير معروف في الكلام : "آتنا ما وعدتنا" ، بمعنى : "اجعلنا ممن آتيته ذلك" . وإن كان كل من أعطي شيئا سنيا ، فقد صير نظيرا لمن كان مثله في المعنى الذي أعطيه . ولكن ليس الظاهر من معنى الكلام ذلك ، وإن كان قد يئول معناه إليه .

قال أبو جعفر : فتأويل الكلام إذا : ربنا أعطنا ما وعدتنا على ألسن رسلك : إنك تعلي كلمتك كلمة الحق ، بتأييدنا على من كفر بك وحادك وعبد غيرك وعجل لنا ذلك ، فإنا قد علمنا أنك لا تخلف ميعادك - ولا تخزنا يوم القيامة فتفضحنا بذنوبنا التي سلفت منا ، ولكن كفرها عنا واغفرها لنا . وقد : -

8366 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : "ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك" ، قال : يستنجز موعود الله على رسله .
[ ص: 486 ] القول في تأويل قوله ( فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره : فأجاب هؤلاء الداعين بما وصف من أدعيتهم أنهم دعوا به ربهم ، بأني لا أضيع عمل عامل منكم عمل خيرا ، ذكرا كان العامل أو أنثى .

وذكر أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما بال الرجال يذكرون ولا تذكر النساء في الهجرة"؟ فأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك هذه الآية .

8367 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : قالت أم سلمة : يا رسول الله ، تذكر الرجال في الهجرة ولا نذكر؟ فنزلت : " أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى " ، الآية . [ ص: 487 ]

8368 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار قال : سمعت رجلا من ولد أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم يقول : قالت أم سلمة : يا رسول الله ، لا أسمع الله يذكر النساء في الهجرة بشيء؟ فأنزل الله تبارك وتعالى : " فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى " .

8369 - حدثنا الربيع بن سليمان قال : حدثنا أسد بن موسى قال : حدثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن رجل من ولد أم سلمة ، عن أم سلمة : أنها [ ص: 488 ] قالت : يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء؟ فأنزل الله تعالى : " فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض " .

وقيل : " فاستجاب لهم " بمعنى : فأجابهم ، كما قال الشاعر :


وداع دعا يا من يجيب إلى الندى؟ فلم يستجبه عند ذاك مجيب


بمعنى : فلم يجبه عند ذاك مجيب .

[ ص: 489 ]

وأدخلت"من" في قوله : " من ذكر أو أنثى " على الترجمة والتفسير عن قوله : "منكم" ، بمعنى : " لا أضيع عمل عامل منكم " ، من الذكور والإناث . وليست"من" هذه بالتي يجوز إسقاطها وحذفها من الكلام في الجحد ، لأنها دخلت بمعنى لا يصلح الكلام إلا به .

وزعم بعض نحويي البصرة أنها دخلت في هذا الموضع كما تدخل في قولهم : "قد كان من حديث" ، قال : و"من" هاهنا أحسن ، لأن النهي قد دخل في قوله : "لا أضيع" .

وأنكر ذلك بعض نحويي الكوفة وقال : لا تدخل"من" وتخرج إلا في موضع الجحد . وقال : قوله : " لا أضيع عمل عامل منكم " ، لم يدركه الجحد ، لأنك لا تقول : "لا أضرب غلام رجل في الدار ولا في البيت" ، فتدخل ، "ولا" ، لأنه لم ينله الجحد ، ولكن"من" مفسرة .

وأما قوله : " بعضكم من بعض " ، فإنه يعني : بعضكم أيها المؤمنون الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم من بعض ، في النصرة والملة والدين ، وحكم جميعكم فيما أنا بكم فاعل ، على حكم أحدكم في أني لا أضيع عمل ذكر منكم ولا أنثى .
[ ص: 490 ] القول في تأويل قوله ( فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب ( 195 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " فالذين هاجروا " قومهم من أهل الكفر وعشيرتهم في الله ، إلى إخوانهم من أهل الإيمان بالله ، والتصديق برسوله ، " وأخرجوا من ديارهم " ، وهم المهاجرون الذين أخرجهم مشركو قريش من ديارهم بمكة " وأوذوا في سبيلي " ، يعني : وأوذوا في طاعتهم ربهم ، وعبادتهم إياه مخلصين له الدين ، وذلك هو"سبيل الله" التي آذى فيها المشركون من أهل مكة المؤمنين برسول الله صلى الله عليه وسلم من أهلها"وقاتلوا" يعني : وقاتلوا في سبيل الله"وقتلوا" فيها" لأكفرن عنهم سيئاتهم " ، يعني : لأمحونها عنهم ، ولأتفضلن عليهم بعفوي ورحمتي ، ولأغفرنها لهم" ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا " ، يعني : جزاء لهم على ما عملوا وأبلوا في الله وفي سبيله"من عند الله" ، يعني : من قبل الله لهم" والله عنده حسن الثواب " ، يعني : أن الله عنده من جزاء أعمالهم جميع صنوفه ، [ ص: 491 ] وذلك ما لا يبلغه وصف واصف ، لأنه مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، كما : -
يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #450  
قديم 03-05-2023, 07:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,561
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران
الحلقة (450)
صــ 473إلى صــ 510




8370 - حدثنا عبد الرحمن بن وهب قال : حدثنا عمي عبد الله بن وهب قال : حدثني عمرو بن الحارث : أن أبا عشانة المعافري حدثه : أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص يقول : لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن أول ثلة تدخل الجنة لفقراء المهاجرين الذين تتقى بهم المكاره ، إذا أمروا سمعوا وأطاعوا ، وإن كانت لرجل منهم حاجة إلى السلطان ، لم تقض حتى يموت وهي في صدره ، وأن الله يدعو يوم القيامة الجنة فتأتي بزخرفها وزينتها فيقول : "أين عبادي الذين قاتلوا في سبيلي وقتلوا ، وأوذوا في سبيلي ، وجاهدوا في سبيلي؟ ادخلوا الجنة" ، فيدخلونها بغير عذاب ولا حساب ، وتأتي الملائكة فيسجدون ويقولون : "ربنا نحن نسبح لك الليل والنهار ، ونقدس لك ، من هؤلاء الذين آثرتهم علينا" فيقول الرب جل ثناؤه : "هؤلاء عبادي الذين قاتلوا في سبيلي وأوذوا في سبيلي" . فتدخل الملائكة عليهم من كل باب : ( سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ) . [ سورة الرعد : 24 ] [ ص: 492 ]

قال أبو جعفر : واختلفت القرأة في قراءة قوله : "وقاتلوا وقتلوا" .

فقرأه بعضهم : ( " وقتلوا وقتلوا" ) بالتخفيف ، بمعنى : أنهم قتلوا من قتلوا من المشركين .

وقرأ ذلك آخرون : ( وقاتلوا وقتلوا ) بتشديد"قتلوا" ، بمعنى : أنهم قاتلوا المشركين وقتلهم المشركون ، بعضا بعد بعض ، وقتلا بعد قتل .

وقرأ ذلك عامة قرأة المدينة وبعض الكوفيين : ( وقاتلوا وقتلوا ) بالتخفيف ، بمعنى : أنهم قاتلوا المشركين وقتلوا .



وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين : "وقتلوا" بالتخفيف . "وقاتلوا" ، بمعنى : أن بعضهم قتل ، وقاتل من بقي منهم .

قال أبو جعفر : والقراءة التي لا أستجيز أن أعدوها ، إحدى هاتين القراءتين ، وهي : "وقاتلوا وقتلوا" بالتخفيف ، أو"وقتلوا" بالتخفيف"وقاتلوا" لأنها القراءة المنقولة نقل وراثة ، وما عداهما فشاذ . وبأي هاتين القراءتين التي ذكرت أني لا أستجيز أن أعدوهما ، قرأ قارئ فمصيب في ذلك الصواب من القراءة ، لاستفاضة القراءة بكل واحدة منهما في قرأة الإسلام ، مع اتفاق معنييهما .
[ ص: 493 ] القول في تأويل قوله ( لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : "ولا يغرنك" يا محمد " تقلب الذين كفروا في البلاد " ، يعني : تصرفهم في الأرض وضربهم فيها ، كما : -

8371 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : "لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد " ، يقول : ضربهم في البلاد .

فنهى الله تعالى ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم عن الاغترار بضربهم في البلاد ، وإمهال الله إياهم ، مع شركهم ، وجحودهم نعمه ، وعبادتهم غيره . وخرج الخطاب بذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، والمعني به غيره من أتباعه وأصحابه ، كما قد بينا فيما مضى قبل من أمر الله ولكن كان بأمر الله صادعا ، وإلى الحق داعيا .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال قتادة .

8372 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد " ، والله ما غروا نبي الله ، ولا وكل إليهم شيئا من أمر الله ، حتى قبضه الله على ذلك .

وأما قوله : " متاع قليل " ، فإنه يعني : أن تقلبهم في البلاد وتصرفهم فيها ، [ ص: 494 ] متعة يمتعون بها قليلا حتى يبلغوا آجالهم ، فتخترمهم منياتهم" ثم مأواهم جهنم " ، بعد مماتهم .

و"المأوى" : المصير الذي يأوون إليه يوم القيامة ، فيصيرون فيه .

ويعني بقوله : " وبئس المهاد " . وبئس الفراش والمضجع جهنم .
القول في تأويل قوله ( لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا من عند الله وما عند الله خير للأبرار ( 198 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " لكن الذين اتقوا ربهم " ، لكن الذين اتقوا الله بطاعته واتباع مرضاته ، في العمل بما أمرهم به ، واجتناب ما نهاهم عنه"لهم جنات" يعني : بساتين ، "تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها" ، يقول : باقين فيها أبدا . " نزلا من عند الله " ، يعني : إنزالا من الله إياهم فيها ، أنزلوها .

ونصب"نزلا" على التفسير من قوله : " لهم جنات تجري من تحتها الأنهار " ، [ ص: 495 ] كما يقال : "لك عند الله جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا" ، وكما يقال : "هو لك صدقة" : و"هو لك هبة" .

وقوله : " من عند الله " يعني : من قبل الله ، ومن كرامة الله إياهم ، وعطاياه لهم .

وقوله : " وما عند الله خير للأبرار " ، يقول : وما عند الله من الحياة والكرامة ، وحسن المآب" ، " خير للأبرار " ، مما يتقلب فيه الذين كفروا ، فإن الذي يتقلبون فيه زائل فان ، وهو قليل من المتاع خسيس ، وما عند الله من كرامته للأبرار - وهم أهل طاعته باق ، غير فان ولا زائل .

8373 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : سمعت ابن زيد يقول في قوله : " وما عند الله خير للأبرار " ، قال : لمن يطيع الله .

8374 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن الأعمش ، عن خيثمة ، عن الأسود ، عن عبد الله قال : ما من نفس برة ولا فاجرة إلا والموت خير لها . ثم قرأ عبد الله : " وما عند الله خير للأبرار " ، وقرأ هذه الآية : ( ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم ) . [ سورة آل عمران : 178 ] [ ص: 496 ]

8375 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن فرج بن مؤمل ، عن لقمان ، عن أبي الدرداء أنه كان يقول : ما من مؤمن إلا والموت خير له ، وما من كافر إلا والموت خير له ، ومن لم يصدقني فإن الله يقول : " وما عند الله خير للأبرار " ، ويقول : ( ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ) .
القول في تأويل قوله ( وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل فيمن عنى بهذه الآية .

فقال بعضهم : عنى بها أصحمة النجاشي ، وفيه أنزلت .

ذكر من قال ذلك :

8376 - حدثنا عصام بن رواد بن الجراح قال : حدثنا أبي قال : حدثنا أبو بكر الهذلي ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن جابر بن عبد الله : أن [ ص: 497 ] النبي صلى الله عليه وسلم قال : "اخرجوا فصلوا على أخ لكم" . فصلى بنا ، فكبر أربع تكبيرات ، فقال : "هذا النجاشي أصحمة " ، فقال المنافقون : انظروا إلى هذا يصلي على علج نصراني لم يره قط! فأنزل الله : " وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله " .

8377 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا معاذ بن هشام قال : حدثنا أبي عن قتادة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن أخاكم النجاشي قد مات فصلوا عليه . قالوا : يصلى على رجل ليس بمسلم! قال : فنزلت : " وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله " . قال قتادة : فقالوا : فإنه كان لا يصلي إلى القبلة! فأنزل الله : ( ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ) [ سورة البقرة : 115 ]

8378 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم " ، ذكر [ ص: 498 ] لنا أن هذه الآية نزلت في النجاشي ، وفي ناس من أصحابه آمنوا بنبي الله صلى الله عليه وسلم وصدقوا به . قال : وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم استغفر للنجاشي وصلى عليه حين بلغه موته ، قال لأصحابه : " صلوا على أخ لكم قد مات بغير بلادكم"! فقال أناس من أهل النفاق : "يصلي على رجل مات ليس من أهل دينه"؟ فأنزل الله هذه الآية : " وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب " .

8379 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : " وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم " ، قال : نزلت في النجاشي وأصحابه ممن آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم واسم النجاشي ، أصحمة .

8380 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : قال عبد الرزاق ، وقال ابن عيينة : اسم النجاشي بالعربية : عطية .

8381 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قال : لما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي ، طعن في ذلك المنافقون ، فنزلت هذه الآية : " وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله " ، إلى آخر الآية .

وقال آخرون : بل عنى بذلك عبد الله بن سلام ومن معه .

ذكر من قال ذلك :

8382 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : نزلت - يعني هذه الآية - في عبد الله بن سلام ومن معه .

8383 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني ابن زيد في [ ص: 499 ] قوله : " وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم " ، الآية كلها قال : هؤلاء يهود .

وقال آخرون : بل عنى بذلك مسلمة أهل الكتاب .

ذكر من قال ذلك :

8384 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم " ، من اليهود والنصارى ، وهم مسلمة أهل الكتاب .

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية ما قاله مجاهد . وذلك أن الله جل ثناؤه عم بقوله : "وإن من أهل الكتاب" أهل الكتاب جميعا ، فلم يخصص منهم النصارى دون اليهود ، ولا اليهود دون النصارى . وإنما أخبر أن من"أهل الكتاب" من يؤمن بالله . وكلا الفريقين أعني اليهود والنصارى من أهل الكتاب .

فإن قال قائل : فما أنت قائل في الخبر الذي رويت عن جابر وغيره : أنها نزلت في النجاشي وأصحابه؟

قيل : ذلك خبر في إسناده نظر . ولو كان صحيحا لا شك فيه ، لم يكن لما قلنا في معنى الآية بخلاف . وذلك أن جابرا ومن قال بقوله ، إنما قالوا : "نزلت في النجاشي " ، وقد تنزل الآية في الشيء ، ثم يعم بها كل من كان في معناه . فالآية وإن كانت نزلت في النجاشي ، فإن الله تبارك وتعالى قد جعل الحكم الذي حكم به للنجاشي ، حكما لجميع عباده الذين هم بصفة النجاشي في اتباعهم [ ص: 500 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتصديق بما جاءهم به من عند الله ، بعد الذي كانوا عليه قبل ذلك من اتباع أمر الله فيما أمر به عباده في الكتابين ، التوراة والإنجيل .

فإذ كان ذلك كذلك ، فتأويل الآية : " وإن من أهل الكتاب " التوراة والإنجيل"لمن يؤمن بالله" فيقر بوحدانيته" وما أنزل إليكم " ، أيها المؤمنون ، يقول : وما أنزل إليكم من كتابه ووحيه على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم" وما أنزل إليهم " ، يعني : وما أنزل على أهل الكتاب من الكتب ، وذلك التوراة والإنجيل والزبور" خاشعين لله ، يعني : خاضعين لله بالطاعة ، مستكينين له بها متذللين ، كما : -

8385 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني ابن زيد في قوله : " خاشعين لله " ، قال : الخاشع ، المتذلل لله الخائف .

ونصب قوله : " خاشعين لله " ، على الحال من قوله : " لمن يؤمن بالله " ، وهو حال مما في"يؤمن" من ذكر"من" .

" لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا " ، يقول : لا يحرفون ما أنزل إليهم في كتبه من نعت محمد صلى الله عليه وسلم فيبدلونه ، ولا غير ذلك من أحكامه وحججه فيه ، لعرض من الدنيا خسيس يعطونه على ذلك التبديل ، وابتغاء الرياسة على الجهال ، ولكن ينقادون للحق ، فيعملون بما أمرهم الله به فيما أنزل إليهم من كتبه ، وينتهون عما نهاهم عنه فيها ، ويؤثرون أمر الله تعالى على هوى أنفسهم .
[ ص: 501 ] القول في تأويل قوله ( أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب ( 199 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه" أولئك لهم أجرهم " ، هؤلاء الذين يؤمنون بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم" لهم أجرهم عند ربهم " ، يعني : لهم عوض أعمالهم التي عملوها ، وثواب طاعتهم ربهم فيما أطاعوه فيه"عند ربهم" يعني : مذخور ذلك لهم لديه ، حتى يصيروا إليه في القيامة ، فيوفيهم ذلك"إن الله سريع الحساب" ، وسرعة حسابه تعالى ذكره : أنه لا يخفى عليه شيء من أعمالهم قبل أن يعملوها ، وبعد ما عملوها ، فلا حاجة به إلى إحصاء عدد ذلك ، فيقع في الإحصاء إبطاء ، فلذلك قال : "إن الله سريع الحساب" .
القول في تأويل قوله ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .

فقال بعضهم : معنى ذلك : "اصبروا على دينكم وصابروا الكفار ورابطوهم" .

ذكر من قال ذلك :

8386 - حدثنا المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك ، [ ص: 502 ] عن المبارك بن مؤمل ، عن الحسن : أنه سمعه يقول في قول الله : " يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا " ، قال : أمرهم أن يصبروا على دينهم ، ولا يدعوه لشدة ولا رخاء ولا سراء ولا ضراء ، وأمرهم أن يصابروا الكفار ، وأن يرابطوا المشركين .

8387 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا " ، أي : اصبروا على طاعة الله ، وصابروا أهل الضلالة ، ورابطوا في سبيل الله" واتقوا الله لعلكم تفلحون " .

8388 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : " اصبروا وصابروا ورابطوا " ، يقول : صابروا المشركين ، ورابطوا في سبيل الله .

8389 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : اصبروا على الطاعة ، وصابروا أعداء الله ، ورابطوا في سبيل الله .

8390 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال : أخبرنا يزيد قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : " اصبروا وصابروا ورابطوا " ، قال : اصبروا على ما أمرتم به ، وصابروا العدو ورابطوهم .

وقال آخرون : معنى ذلك : اصبروا على دينكم ، وصابروا وعدي إياكم على طاعتكم لي ، ورابطوا أعداءكم .

ذكر من قال ذلك :

8391 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني أبو صخر ، عن محمد بن كعب القرظي : أنه كان يقول في هذه الآية : " اصبروا وصابروا ورابطوا " ، يقول : اصبروا على دينكم ، وصابروا الوعد الذي وعدتكم ، ورابطوا عدوي وعدوكم ، حتى يترك دينه لدينكم .

[ ص: 503 ] وقال آخرون : معنى ذلك : اصبروا على الجهاد ، وصابروا عدوكم ورابطوهم .

ذكر من قال ذلك :

8392 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا جعفر بن عون قال : أخبرنا هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم في قوله : " اصبروا وصابروا ورابطوا " ، قال : اصبروا على الجهاد ، وصابروا عدوكم ، ورابطوا على عدوكم .

8393 - حدثني المثنى قال : حدثنا مطرف بن عبد الله المدني قال : حدثنا مالك بن أنس ، عن زيد بن أسلم قال : كتب أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر بن الخطاب ، فذكر له جموعا من الروم وما يتخوف منهم ، فكتب إليه عمر : "أما بعد ، فإنه مهما نزل بعبد مؤمن من منزلة شدة ، يجعل الله بعدها فرجا ، وإنه لن يغلب عسر يسرين ، وإن الله يقول في كتابه : " يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون " .

[ ص: 504 ]

وقال آخرون : معنى : "ورابطوا" ، أي : رابطوا على الصلوات ، أي : انتظروها واحدة بعد واحدة .

ذكر من قال ذلك :

8394 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير قال : حدثني داود بن صالح قال : قال لي أبو سلمة بن عبد الرحمن : يا ابن أخي ، هل تدري في أي شيء نزلت هذه الآية : " اصبروا وصابروا ورابطوا "؟ قال قلت : لا! قال : إنه يا ابن أخي لم يكن في زمان النبي صلى الله عليه وسلم غزو يرابط فيه ، ولكنه انتظار الصلاة خلف الصلاة . [ ص: 505 ]

8395 - حدثني أبو السائب قال : حدثنا ابن فضيل ، عن عبد الله بن سعيد المقبري ، عن جده ، عن شرحبيل ، عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا أدلكم على ما يكفر الله به الذنوب والخطايا؟ إسباغ الوضوء على المكاره ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلك الرباط" .

8396 - حدثنا موسى بن سهل الرملي قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا محمد بن مهاجر قال : حدثني يحيى بن يزيد ، عن زيد بن أبي أنيسة ، [ ص: 506 ] عن شرحبيل ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويكفر به الذنوب؟" قال : قلنا : بلى يا رسول الله! قال : إسباغ الوضوء في أماكنها ، وكثرة الخطا إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلكم الرباط .

8397 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا خالد بن مخلد قال : حدثنا محمد بن جعفر ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا أدلكم على ما يحط الله به الخطايا ويرفع به [ ص: 507 ] الدرجات؟" قالوا : بلى يا رسول الله! قال : إسباغ الوضوء عند المكاره ، وكثرة الخطا إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلكم الرباط ، فذلكم الرباط" .

8398 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .

[ ص: 508 ]

قال أبو جعفر : وأولى التأويلات بتأويل الآية ، قول من قال في ذلك : "يا أيها الذين آمنوا" ، يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله ، "اصبروا" على دينكم وطاعة ربكم . وذلك أن الله لم يخصص من معاني"الصبر" على الدين والطاعة شيئا ، فيجوز إخراجه من ظاهر التنزيل . فلذلك قلنا إنه عني بقوله : " اصبروا" ، الأمر بالصبر على جميع معاني طاعة الله فيما أمر ونهى ، صعبها وشديدها ، وسهلها وخفيفها .

" وصابروا" ، يعني : وصابروا أعداءكم من المشركين .



وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب ، لأن المعروف من كلام العرب في"المفاعلة" أن تكون من فريقين ، أو اثنين فصاعدا ، ولا تكون من واحد إلا قليلا في أحرف معدودة . فإذ كان ذلك كذلك ، فإنما أمر المؤمنين أن يصابروا غيرهم من أعدائهم ، حتى يظفرهم الله بهم ، ويعلي كلمته ، ويخزي أعداءهم ، وأن لا يكون عدوهم أصبر منهم .

وكذلك قوله : " ورابطوا" ، معناه : ورابطوا أعداءكم وأعداء دينكم من أهل الشرك ، في سبيل الله .

قال أبو جعفر : ورأى أن أصل"الرباط" ، ارتباط الخيل للعدو ، كما [ ص: 509 ] ارتبط عدوهم لهم خيلهم ، ثم استعمل ذلك في كل مقيم في ثغر يدفع عمن وراءه من أراده من أعدائهم بسوء ، ويحمي عنهم من بينه وبينهم ممن بغاهم بشر ، كان ذا خيل قد ارتبطها ، أو ذا رجلة لا مركب له .

وإنما قلنا معنى : " ورابطوا" ، ورابطوا أعداءكم وأعداء دينكم ، لأن ذلك هو المعنى المعروف من معاني"الرباط" . وإنما يوجه الكلام إلى الأغلب المعروف في استعمال الناس من معانيه ، دون الخفي ، حتى تأتي بخلاف ذلك مما يوجب صرفه إلى الخفي من معانيه حجة يجب التسليم لها من كتاب ، أو خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو إجماع من أهل التأويل .
القول في تأويل قوله ( واتقوا الله لعلكم تفلحون ( 200 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره : " واتقوا الله" ، أيها المؤمنون ، واحذروه أن تخالفوا أمره أو تتقدموا نهيه"لعلكم تفلحون" ، يقول : لتفلحوا فتبقوا في نعيم الأبد ، وتنجحوا في طلباتكم عنده ، كما : - [ ص: 510 ]

8399 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني أبو صخر ، عن محمد بن كعب القرظي : أنه كان يقول في قوله : " واتقوا الله لعلكم تفلحون " ، واتقوا الله فيما بيني وبينكم ، لعلكم تفلحون غدا إذا لقيتموني . آخر تفسير سورة آل عمران .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 415.43 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 409.59 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (1.41%)]