|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#491
|
||||
|
||||
![]() ما جاء في صوم يوم عاشوراء شرح حديث (كان يوم عاشوراء يوماً تصومه قريش في الجاهلية) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في صوم يوم عاشوراء. حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: (كان يوم عاشوراء يوماً تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصومه في الجاهلية، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان كان هو الفريضة وترك عاشوراء، فمن شاء صامه ومن شاء تركه) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [باب في صوم يوم عاشوراء] ويوم عاشوراء هو يوم العاشر من شهر الله المحرم، وكان يوماً معظماً عند اليهود، وكذلك قريش كانوا يصومونه في الجاهلية، والنبي صلى الله عليه وسلم صامه معهم في الجاهلية قبل أن ينزل عليه الوحي، وكان صلى الله عليه وسلم يتعبد ويتحنث قبل أن يبعث، وهذا من تعبده وتحنثه، واختلف كيف كان يتعبد ويتحنث؟ وقد ذكر الحافظ ابن حجر أقوالاً عديدة في الشيء الذي كان يتعبد به، منها: أنه كان يتعبد على دين إبراهيم ، وذكر الأقوال الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وأنا أشرت إليها في الفوائد المنتقاة من فتح الباري، وكتب أخرى ذكرت الموضع الذي ذكر فيه الأقوال، ومن تعبده صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث أنه كان يصوم يوم عاشوراء، ولما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، وجاء في بعض الأحاديث أنه وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فقال: (ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ قالوا: هذا يوم أنجى الله فيه موسى وقومه، وأهلك فرعون وقومه، فصامه شكراً لله، فنحن نصومه. فقال عليه الصلاة والسلام: نحن أحق وأولى بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه). ثم إنه بعد ذلك أرشد إلى مخالفة اليهود في الصيام، بأن يصام معه يوم قبله أو يوم بعده، والأحاديث جاءت واضحة جلية في صيام التاسع مع العاشر، واختلف العلماء: هل كان صيامه قبل أن يفرض رمضان واجباً أم أنه كان مستحباً؟ فمن العلماء من قال بأنه كان فرضاً، وأنه لما فرض رمضان ترك وجوبه وبقي على الاستحباب، ومنهم من قال: إنه على الاستحباب من أصله إلا أنه كان متأكداً أكثر، ثم بعد ذلك بقي على التأكد، ولكنه ليس كالأول. فصيامه من آكد الصيام وأفضله، بل هو أفضل يوم يصام بعد يوم عرفة؛ لأنه قد جاء في الحديث أن صيام عرفة يكفر السنة الماضية والآتية، وأما يوم عاشوراء فيكفر السنة الماضية، وهذا يدل على فضله وعلى عظم شأن صيامه. تراجم رجال إسناد حديث (كان يوم عاشوراء يوماً تصومه قريش في الجاهلية) قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن هشام بن عروة ]. عبد الله بن مسلمة و مالك مر ذكرهما، و هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه عروة بن الزبير ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة قد مر ذكرها. شرح حديث (هذا يوم من أيام الله فمن شاء صامه ومن شاء تركه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى عن عبيد الله قال: أخبرني نافع عن ابن عمر قال: (كان عاشوراء يوماً نصومه في الجاهلية، فلما نزل رمضان قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هذا يوم من أيام الله، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال: (كان عاشوراء يوماً نصومه في الجاهلية فلما نزل رمضان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا يوم من أيام الله فمن شاء صامه، ومن شاء تركه) وهذا مثل الحديث الذي تقدم عن عائشة رضي الله عنها. قوله: [ (يوم من أيام الله) ]. يوم من أيام الله التي لها شأن ومنزلة. تراجم رجال إسناد حديث (هذا يوم من أيام الله فمن شاء صامه ومن شاء تركه) قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى ]. مسدد مر ذكره، و يحيى بن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله ]. هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر المصغر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: أخبرني نافع عن ابن عمر ]. نافع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وعبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (نحن أولى بموسى منكم وأمر بصيامه) قال رحمه الله تعالى: [ حدثنا زياد بن أيوب حدثنا هشيم حدثنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: (لما قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء فسئلوا عن ذلك، فقالوا: هذا اليوم الذي أظهر الله فيه موسى على فرعون، ونحن نصومه تعظيماً له، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: نحن أولى بموسى منكم، وأمر بصيامه) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس ، وفيه بيان الوجه في كون النبي صلى الله عليه وسلم صام عاشورا وأمر بصيامه لما قدم المدينة، وأنه وجد اليهود يصومونه، وأنهم لما سئلوا عن ذلك، قالوا: إنه يوم أنجى الله فيه موسى وقومه، فكانوا يصومونه تعظيماً له، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (نحن أحق وأولى بموسى منكم) فصامه وأمر بصيامه، ولكن لكون العمل هذا لأهل الكتاب، وقد جاءت الشريعة بمخالفة أهل الكتاب في أمور كثيرة؛ لذلك أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى صيام يوم معه حتى تحصل المخالفة، إذ هم يقتصرون على صيام يوم عاشوراء، وهو أراد أن يضيف إليه غيره، وجاء في بعض الأحاديث: (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع). تراجم رجال إسناد حديث (نحن أولى بموسى منكم وأمر بصيامه) قوله: [ حدثنا زياد بن أيوب ]. زياد بن أيوب ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا هشيم ]. هو هشيم بن بشير الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو بشر ]. أبو بشر هو جعفر بن إياس بن أبي وحشية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ]. سعيد بن جبير وابن عباس مر ذكرهما. ما روي أن عاشوراء اليوم التاسع شرح حديث (فإذا كان العام المقبل صمنا يوم التاسع) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما روي أن عاشوراء اليوم التاسع. حدثنا سليمان بن داود المهري حدثنا ابن وهب قال: أخبرني يحيى بن أيوب أن إسماعيل بن أمية القرشي حدثه أنه سمع أبا غطفان يقول: سمعت عبد الله بن عباس يقول: (حين صام النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم عاشوراء وأمرنا بصيامه قالوا: يا رسول الله! إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فإذا كان العام المقبل صمنا يوم التاسع، فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: [باب ما روي أن عاشوراء اليوم التاسع] وهذه الترجمة على قول بعض أهل العلم أن المراد بعاشوراء التاسع، ولكن عاشوراء هو اليوم العاشر؛ لأن الاسم يدل على المسمى، وبعضهم قال: قوله: التاسع إنما هو مضاف إلى العاشر لا أنه عوض عنه أو بدل منه بحيث يترك العاشر ويصام التاسع، فكان يصوم عاشوراء وقال: (لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع) يعني: ليس المقصود من ذلك أنه هو المراد وحده دون أن يضاف إليه غيره، بل هو مضاف إلى غيره وهو العاشر، وبهذا تحصل المخالفة لليهود. تراجم رجال إسناد حديث (فإذا كان العام المقبل صمنا يوم التاسع) قوله: [ حدثنا سليمان بن داود المهري ]. هو سليمان بن داود المهري المصري ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا ابن وهب ]. هو ابن وهب المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني يحيى بن أيوب ]. يحيى بن أيوب صدوق ربما أخطأ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن إسماعيل بن أمية القرشي ]. إسماعيل بن أمية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أنه سمع أبا غطفان ]. أبو غطفان اسمه: السعد بن طريف أو مالك المري ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ سمعت عبد الله بن عباس ]. عبد الله بن عباس قد مر ذكره. شرح حديث ابن عباس: (إذا رأيت هلال المحرم فاعدد فإذا كان يوم التاسع فأصبح صائماً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى -يعني ابن سعيد - عن معاوية بن غلاب ح وحدثنا مسدد حدثنا إسماعيل قال: أخبرني حاجب بن عمر جميعاً، المعنى عن الحكم بن الأعرج قال: (أتيت ابن عباس وهو متوسد رداءه في المسجد الحرام، فسألته عن صوم يوم عاشوراء، فقال: إذا رأيت هلال المحرم فاعدد، فإذا كان يوم التاسع فأصبح صائماً، فقلت: كذا كان محمد صلى الله عليه وآله وسلم يصوم؟ فقال: كذلك كان محمد صلى الله عليه وآله وسلم يصوم) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أنه كان متوسداً رداءه في المسجد الحرام فسئل عن صيام يوم عاشوراء فقال: إذا رأيت هلال المحرم فاعدد، فإذا جاء اليوم التاسع فصم أو فأصبح صائماً). قوله: [ (فقلت: كذا كان محمد صلى الله عليه وسلم يصوم؟) ]. يعني: هو مطابق للترجمة من جهة صوم التاسع، ولكن الرسول كان يصوم العاشر، وقال: (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع)، يعني: مضموماً إلى العاشر، و ابن عباس لعله يريد بذلك أن الإنسان يصوم التاسع ثم يصوم العاشر، وأنه يصبح صائماً اليومين اللذين هما العاشر والتاسع، العاشر لأنه الأصل، والتاسع من أجل المخالفة لليهود، فلما سئل: هكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، هكذا كان النبي يفعل، يعني: يحمل على أنه ما أرشد إليه وما أخبر به حيث قال: (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع) إذاً: هديه صلى الله عليه وسلم أن يصوم التاسع ويصوم العاشر، وليس المقصود به أن العاشر يهمل ويخص الصيام بالتاسع، فهو مثل الذي قبله، حيث قال ![]() تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس: (إذا رأيت هلال المحرم فاعدد فإذا كان يوم التاسع فأصبح صائماً) قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى -يعني ابن سعيد -عن معاوية بن غلاب ]. مسدد و يحيى بن سعيد مر ذكرهما، ومعاوية بن غلاب ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ ح وحدثنا مسدد حدثنا إسماعيل ]. إسماعيل هو ابن إبراهيم المشهور بابن علية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني حاجب بن عمر ]. حاجب بن عمر ثقة، أ خرج له مسلم و أبو داود و الترمذي . [ عن الحكم بن الأعرج ]. الحكم بن الأعرج ثقة ربما وهم، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن ابن عباس ]. ابن عباس قد مر ذكره. ما جاء في فضل صوم عرفة شرح حديث (أن أسلم أتت النبي فقال صمتم يومكم هذا؟) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في فضل صومه. حدثنا محمد بن المنهال حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن عبد الرحمن بن مسلمة عن عمه: (أن أسلم أتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: صمتم يومكم هذا؟ قالوا: لا، قال: فأتموا بقية يومكم واقضوه) ]. قال أبو داود : يعني: يوم عاشوراء ]. أورد أبو داود باباً في فضل صوم عاشوراء، وأورد فيه حديث عبد الرحمن بن مسلمة عن عمه أن أسلم -وهي قبيلة من العرب- جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان ذلك في يوم عاشوراء فقال: (أصمتم يومكم هذا؟ قالوا: لا. قال: فأتموا بقية يومكم واقضوه) يعني: أمسكوا عن الأكل واقضوا يوماً مكانه، قالوا: فهذا يدل على فضل صيامه، لكون النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالإمساك وأمر بالقضاء، ومعناه: أنه قد فات عليهم، وأنهم يمسكون بقية اليوم عن الأكل، وأنهم يقضون مكان ذلك اليوم، فهذا يدل على فضله. [ قال أبو داود : يعني: يوم عاشوراء ] يعني: هذا اليوم الذي جاءوا فيه، فالترجمة في بيان فضله، والحديث دال على هذا الفضل، ولكن الحديث غير صحيح، والذي صح عن النبي صلى الله عليه وسلم كونه يكفر السنة الماضية. وهذا الحديث في إسناده من هو متكلم فيه، وهو: عبد الرحمن بن مسلمة . تراجم رجال إسناد حديث (أن أسلم أتت النبي فقال صمتم يومكم هذا؟..) قوله: [ حدثنا محمد بن المنهال ]. محمد بن المنهال ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا يزيد بن زريع ]. يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سعيد ]. هو سعيد بن أبي عروبة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن مسلمة ]. عبد الرحمن بن مسلمة مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي ، يقال: عبد الرحمن بن مسلمة أو ابن سلمة ويقال: ابن المنهال بن سلمة . [ عن عمه ]. ويقال اسم عمه: مسلمة صحابي، وأبو الأشبال قال: يحتمل أن يكون صحابياً أخرج له أبو داود و النسائي ، وهذه علة ثانية كون الصحبة لم تتحقق. الأسئلة حكم من يقول السلفيون في هذا الزمان أهل سنة وليسوا أهل جماعة السؤال: ما رأيكم في مقولة من يقول: السلفيون في هذا الزمان أهل سنة وليسوا أهل جماعة؛ لأنهم من أشد الناس تفرقاً؟ الجواب: هذا كلام متناقض؛ لأن أهل السنة هم الجماعة، والسنة والجماعة متلازمتان، وكتب العقائد فيها عقيدة أهل السنة والجماعة، مثل العقيدة الطحاوية، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قيل: من يا رسول الله؟ قال: الجماعة) وفي لفظ: (من كان على ما أنا عليه وأصحابي). فقوله: (من كان على ما أنا عليه وأصحابي) يدل على اتباع السنة، واتباع ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، ووصفهم بأنهم جماعة ثم كونه يقول: إنهم أهل سنة وإنهم ليسوا جماعة هذا كلام غير صحيح؛ لأن أهل السنة هم الجماعة، والجماعة وأهل السنة والطائفة المنصورة والفرقة الناجية؛ كل هذه الصفات لفرقة واحدة، وهم من هم على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وكونه يصير هناك شيء من الاختلاف والتنافر لأمور دنيوية أو لأمور أخرى هذا لا يؤثر على الاتفاق في العقيدة وعلى ما كان عليه سلف الأمة، فإذا وجد شيء من ذلك لا يقال: إن هذا يقتضي أن يفرق بين السنة والجماعة، وأن السنة شيء والجماعة شيء، بل أهل السنة هم الجماعة، والجماعة هم أهل السنة، وعقائد أهل السنة فيها ذكر السنة والجماعة معاً فلا يقال: إن هذا شيء وهذا شيء آخر. معنى المنهج وضابطه الصحيح السؤال: نسمع الآن كثيراً من طلبة العلم يقولون: فلان ليس على المنهج، والجماعة الفلانية ليست على المنهج، وفلان خرج عن المنهج، ونحن لا ندري ما المقصود بكلمة المنهج؟! بل هي كلمة محدثة، ثم قال: أنا عندي لا يصح استعمال هذه الكلمة؟ الجواب: لكل منهجه ولكلٍ طريقته، وطريقته: الشيء الذي يخصه، فمنهج أهل السنة والجماعة في العقيدة والعمل: اتباع الكتاب والسنة، وتقديم النصوص، واتهام العقول، والتعويل على النقول، وأما غيرهم من الفرق المخالفة لعقيدة أهل السنة والجماعة فهم يعولون على العقول، ويتهمون النقول، فإذاً المنهج: هو الطريقة، ومنهج أهل السنة والجماعة في العقيدة: هو اتباع النقول والتعويل عليها، والعقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح، وأما أصحاب البدع فلهم مناهج أخرى تخصهم، وهم غالباً يتفقون على أن العقول تقدم ويعول عليها، والنقول تتهم، وإذا كان الحديث في العقيدة جاء من طريق فرد أو من طريق آحاد قالوا: ظني الثبوت فلا يعول عليه في العقيدة. وإذا كان النص قطعي الثبوت كأن يكون في القرآن أو يكون في السنة المتواترة قالوا: قطعي الثبوت ولكنه ظني الدلالة؛ لأنهم يعولون على العقول ويتهمون النقول، فكلمة (المنهج) معناها: أن لكل منهم منهجاً، فأهل السنة لهم منهج، وأهل البدع لهم مناهج، ولكل منهج، فإذا أضيف المنهج إلى جماعة معينة يعرف المنهج، فمنهج أهل السنة هو: اتباع النصوص والتعويل على ما كان جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا قيل: منهج الجماعة الفلانية، فمعناه: طريقتهم أنهم يعولون على كذا وكذا في العقيدة، وفي العمل، وفي التعامل مع الناس، وهو منهج وضعوه لأنفسهم، وطريقة وضعوها لأنفسهم، وغالباً -كما قلت- هم أصحاب البدع، والذين هم ليسوا على منهج أهل السنة والجماعة والعقول كما هو معلوم متفاوتة، فبأي عقل يوزن الكتاب والسنة؟! وعند أهل السنة العقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح. ولشيخ الإسلام ابن تيمية كتاب واسع اسمه: درء تعارض العقل والنقل، يعني: هما متفقان، ولكن العقول تابعة للنقول، أما أهل البدع فالنقول عندهم تابعة للعقول، ولهذا يقول بعض أصحاب البدع في عقائدهم: وكل لفظ أوهم التشبيها أوله أو فوض ورم تنزيها يعني: هذا هو منهج هؤلاء في عقيدتهم، وعندهم أن كثيراً من الصفات توهم التشبيه؛ لأنهم لو أثبتوها ظنوا أنها لا تثبت إلا على وجه يشابه المخلوقين. فإذاً: كلمة (المنهج) هي كلمة مطلقة، ولكنها تتحدد بالإضافة."
__________________
|
#492
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصيام شرح سنن أبي داود [287] الحلقة (319) شرح سنن أبي داود [287] بين النبي صلى الله عليه وسلم أحكام وآداب الصيام سواء كان فرضاً أو تطوعاً، ومن هذه الأحكام تبييت النية من قبل الفجر في صيام الفرض، وإذا نوى من أول النهار في التطوع جاز له ذلك، ومن دعي إلى الوليمة وهو صائم فيفعل ما أرشده إليه النبي صلى الله عليه وسلم. ما جاء في صوم يوم وفطر يوم شرح حديث (أحب الصيام إلى الله تعالى صيام داود) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في صوم يوم وفطر يوم. حدثنا أحمد بن حنبل و محمد بن عيسى و مسدد ، والإخبار في حديث أحمد قالوا: حدثنا سفيان قال: سمعت عمراً قال: أخبرني عمرو بن أوس ، سمعه من عبد الله بن عمرو قال: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أحب الصيام إلى الله تعالى صيام داود، وأحب الصلاة إلى الله تعالى صلاة داود، كان ينام نصفه ويقوم ثلثه، وينام سدسه، وكان يفطر يوماً ويصوم يوماً) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في صوم يوم وفطر يوم ]. أي: حكم صيام ذلك، وأن ذلك من الأمور المستحبة، وأنه من صيام التطوع السائغ، حيث يكون الإنسان قادراً على ذلك، أما إذا كان يشق عليه فإنه يأتي بما أمكنه الإتيان به دون ذلك، وإذا أتى بثلاثة أيام من كل شهر وحافظ عليها كما أرشد إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الحسنة بعشرة أمثالها، واليوم عن عشرة أيام، ويكون ذلك كصيام الدهر، كما جاءت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وإذا كان يطيق أن يصوم يوماً ويفطر يوماً ولا مشقة عليه، ولا يلحق به ضرر، ولا يحصل بذلك تقصير في واجب وفي أمور أخرى مطلوبة منه فيما يتعلق بحق الله وحقوق الناس، فهذا الصيام هو أحب الصيام إلى الله، كما روى ذلك عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أحب الصيام إلى الله صيام داود، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود -يعني: صلاة الليل- كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه) يعني: الثلث الذي يسبقه نصف ويعقبه سدس. معناه: الخمس الرابع، والخمس الخامس من السدس الرابع، والسدس الخامس من الأسداس الستة، سدس أخير وسدسان قبله، وثلاثة أسداس في الأول، وهذا فيما يتعلق بصلاة الليل (وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً) وقد بين صلى الله عليه وسلم أن هذا أحب الصيام إلى الله، وأن هذه أحب الصلاة إلى الله، وفي هذا إثبات محبة الله عز وجل، وأن الله تعالى متصف بالمحبة، وأن ما يحبه الله يتفاوت، فمنه ما يكون محبوباً، ومنه ما يكون أحب. تراجم رجال إسناد حديث (أحب الصيام إلى الله تعالى صيام داود) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، الإمام الفقيه، المحدث المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ و محمد بن عيسى ]. محمد بن عيسى هو الطباع ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ و مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ والإخبار في حديث أحمد ]. يعني: الذي قال: حدثني أو أخبرنا هو عن أحمد ، وأما غيرهم فليس فيه التحديث وإنما هو بـ(عن). [ حدثنا سفيان ]. هو: سفيان بن عيينة المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت عمراً ]. هو عمرو بن دينار المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني عمرو بن أوس ]. عمرو بن أوس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعه من عبد الله بن عمرو ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهم عبد الله بن عمرو و عبد الله بن عمر و عبد الله بن عباس و عبد الله بن الزبير وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. كيفية معرفة ثلث الليل وحساب الليل يكون من بعد صلاة العشاء؛ لأنه ينام نصف الليل يعني: بعد صلاة العشاء، فيحسب من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، فنصفه يكون نوماً، ثم بعد ذلك يكون ثلثه، ويمكن أن يكون المراد منه الغروب، لكن المقصود أن النصف هو ما بعد صلاة العشاء؛ لأن النوم قبل صلاة العشاء جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على كراهيته، فكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها؛ لأن ذلك يؤدي إلى النوم عن صلاة العشاء. قوله: [ قالوا: حدثنا سفيان قال: سمعت عمراً قال: أخبرني عمرو بن أوس سمعه من عبد الله بن عمر ]. إما أن المقصود أن الذي صرح بالتحديث هو أحمد والباقون ما قالوا: حدثنا، أو أن المقصود في رواية سفيان عن عمرو بن دينار حيث أنه صرح بالتحديث بقوله: حدثنا عمرو بن دينار ، فيمكن أن يكون المقصود به؛ لأن سفيان مدلس، ولكن معروف أنه لا يدلس إلا عن ثقات، ويمكن أن يكون المقصود به سفيان، أو أن المراد به روايتهم ولكن المقصود بالإخبار أنه عن أحمد الذي هو الأول: التحديث، والتحديث يقال له: إخبار. فوجود كلمة (الإخبار) هنا فيه تصريح بالسماع، وقضية التصريح بالعنعنة لا يؤثر إلا عن المدلس، وأما الذي لا يدلس فعنعنته تكون اتصالاً، ولكن هذا يأتون به من أجل المحافظة على الألفاظ، وبيان من صرح بالتحديث ومن لم يصرح بالتحديث. ما جاء في صوم الثلاث من كل شهر شرح حديث (كان رسول الله يأمرنا أن نصوم البيض) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في صوم الثلاث من كل شهر. حدثنا محمد بن كثير حدثنا همام عن أنس أخي محمد عن ابن ملحان القيسي عن أبيه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأمرنا أن نصوم البيض: ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة، وقال: هن كهيئة الدهر) ]. أورد أبو داود باب صيام الثلاث من كل شهر، وقد ورد في صيامها وفي الوصية بها أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منها: حديث أبي هريرة المتفق على صحته: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أنام). وحديث أبي الدرداء في صحيح مسلم : (أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أرقد) وجاءت أحاديث تبين هذه الثلاث وتحددها، وتبين كيف يؤتى بها، فمما جاء في ذلك أنها تصام في أيام البيض، وهي: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، التي هي في منتصف الشهر، والتي هي ليالي الإبدار، ويقال لها: البيض؛ لأن الليل يكون فيها منيراً مضيئاً. قوله: [ (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأمرنا أن نصوم البيض) ]. قوله: [ (ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة، وقال: هن كهيئة الدهر) ]. هذا تحديد وتعيين للأيام البيض، قوله: [ (هن كهيئة الدهر)] يعني: صيام هذه الثلاثة الأيام سواء جعلت في نصف الشهر أو جعلت في أي يوم من الشهر في أوله أو في آخره أو في وسطه، أو بعضها في أوله، وبعضها في وسطه، وبعضها في آخره، كل ذلك يعتبر صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وهو كصيام الدهر؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، واليوم عن عشرة أيام، فإذا صام من كل شهر ثلاثة أيام فكأنه صام الدهر؛ لأن اليوم بعشرة أيام. تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله يأمرنا أن نصوم البيض) قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا همام ]. هو همام بن يحيى العودي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس أخي محمد ]. هو أنس بن سيرين أخو محمد بن سيرين ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن ملحان القيسي ]. ابن ملحان القيسي هو عبد الملك بن قتادة بن ملحان ، وهو مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبيه ]. وهو قتادة بن ملحان رضي الله عنه، وهو صحابي، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . شرح حديث (كان رسول الله يصوم -يعني من غرة كل شهر- ثلاثة أيام) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو كامل حدثنا أبو داود حدثنا شيبان عن عاصم عن زر عن عبد الله قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصوم -يعني: من غرة كل شهر- ثلاثة أيام) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم من غرة كل شهر، يعني: من أوله ثلاثة أيام، وهذا فيه بيان أن الثلاثة الأيام من كل شهر ليست ثابتة مستقرة في وقت معين، بل جاء ما يدل على صيامها في أول الشهر، أو في وسط الشهر الذي هو الأيام البيض، وجاء أنها تكون في الإثنين والخميس، يعني: إثنين وإثنين وخميس أو خميس وخميس وإثنين، فجاء صيامها على أوجه مختلفة، وجاء أنه ما كان يبالي من أي الشهر كان يصوم الثلاثة الأيام من كل شهر، فهذا يدلنا على أن الأمر فيها واسع، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها وجوه متنوعة، ولكن كون الإنسان يحرص على أن تكون هي أيام البيض فهو أولى، حتى يحافظ عليها ولا ينساها، لأنه إذا لم يجعل لها وقتاً محدداً قد يتشاغل عنها، وقد يخرج الشهر وهو ما أتى بها، لكن إذا جعلها في الأيام البيض فإنه يتعاهدها ويتحراها، وإذا صامها من أول الشهر كما في هذا الحديث فيكون قد بادر. تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله يصوم -يعني من غرة كل شهر- ثلاثة أيام) قوله: [ حدثنا أبو كامل ]. هو أبو كامل الجحدري ، وهو فضيل بن حسين ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبو داود ]. أبو داود هو: سليمان بن داود الطيالسي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا شيبان ]. شيبان هو ابن عبد الرحمن ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عاصم ]. هو عاصم بن أبي النجود، وهو ابن بهدلة ، وهو صدوق له أوهام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وروايته في الصحيحين مقرونة، أي: أنه روي عنه وعن غيره. [ عن زر ]. هو زر بن حبيش ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. من قال الإثنين والخميس شرح حديث (كان رسول الله يصوم ثلاثة أيام من الشهر الإثنين والخميس) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من قال: الإثنين والخميس. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن عاصم بن بهدلة عن سواء الخزاعي عن حفصة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصوم ثلاثة أيام من الشهر: الإثنين والخميس، والإثنين من الجمعة الأخرى) ]. أورد أبو داود باب من قال: الإثنين والخميس، يعني: أن الثلاثة الأيام من كل شهر تكون إثنين وخميس وإثنين. فقوله: [ (الإثنين والخميس والإثنين من الجمعة الأخرى) ]. معناه: أنه يأتي بها في أسبوعين، أسبوع فيه إثنين وخميس، والأسبوع الثاني يصير فيه الإثنين، فيكون الإثنين جاء مرتين، وبينهما خميس، فيكون الإثنين والخميس من الأسبوع، ثم الإثنين في الأسبوع الثاني، فيكون بذلك قد جمع بين أمرين: صام ثلاثة أيام من كل شهر، واختار اليومين المفضلين اللذين تعرض فيهما الأعمال على الله عز وجل. تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله يصوم ثلاثة أيام من الشهر الإثنين والخميس) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن . [ عن عاصم بن بهدلة ]. عاصم بن بهدلة مر ذكره. [ عن سواء الخزاعي ]. سواء الخزاعي مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن حفصة ]. حفصة رضي الله تعالى عنها أم المؤمنين، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث أم سلمة: (كان رسول الله يأمرني أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا زهير بن حرب حدثنا محمد بن فضيل حدثنا الحسن بن عبيد الله عن هنيدة الخزاعي عن أمه قالت: (دخلت على أم سلمة رضي الله عنها فسألتها عن الصيام، فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر أولها الإثنين والخميس) ]. أورد أبو داود حديث أم سلمة رضي الله عنها (أنها سألتها أم هنيدة بن خالد عن الصيام فقالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرني أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر، أولها الإثنين والخميس) . أولها الإثنين والخميس، يعني: إما أن تكون أولها الإثنين ثم الخميس ثم الإثنين، أو أن أولها الخميس، بمعنى: أنه يبدأ بواحد من هذه الأيام التي ترفع فيها الأعمال إلى الله عز وجل وهي: الإثنين والخميس. تراجم رجال إسناد حديث أم سلمة: (كان رسول الله يأمرني أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر) قوله: [ حدثنا زهير بن حرب ]. زهير بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا محمد بن فضيل ]. هو محمد بن فضيل بن غزوان ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الحسن بن عبيد الله ]. الحسن بن عبيد الله ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن هنيدة الخزاعي ]. هو هنيدة بن خالد الخزاعي ، وهو معدود في الصحابة، وحديثه أخرجه أبو داود و النسائي . [ عن أمه ]. وهي صحابية، أخرج لها أبو داود و النسائي . [ عن أم سلمة ]. وهي هند بنت أبي أمية رضي الله عنها، وهي أم المؤمنين، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. من قال لا يبالي من أي الشهر شرح حديث (ما كان رسول الله يبالي من أي أيام الشهر كان يصوم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من قال: لا يبالي من أي الشهر. حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن يزيد الرشك عن معاذة قالت: (قلت لعائشة رضي الله عنها: أكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام؟ قالت: نعم، قلت: من أي شهر كان يصوم؟ قالت: ما كان يبالي من أي أيام الشهر كان يصوم) ]. أورد أبو داود باب من قال: لا يبالي من أي الشهر. يعني: الثلاثة الأيام لا يبالي من أي أيام الشهر سواء صامها من أوله أو وسطه أو آخره، فليس لها مكان معين، ووقت معين، ويجوز أيضاً أن تكون مجتمعة، وأن تكون متفرقة، فأورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن معاذة العدوية سألتها: (أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام؟ قالت: نعم. قلت: من أي شهر كان يصوم؟ قالت: لا يبالي من أي أيام الشهر كان يصوم). يعني: أحياناً يصوم من أوله، وأحياناً من وسطه، وأحياناً من آخره، وليس هناك تقييد وتحديد، ولكنه جاء عنه كما عرف أنه كان في أول الشهر، وجاء عنه في وسط الشهر، وهذا يدل على أن هذه من الأمور السائغة. تراجم رجال إسناد حديث (ما كان رسول الله يبالي من أي أيام الشهر كان يصوم) قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث ]. عبد الوارث بن سعيد العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد الرشك ]. هو يزيد بن أبي يزيد الرشك ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معاذة ]. هي معاذة العدوية ، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. الاختلاف في صيام ثلاثة أيام من كل شهر اختلاف تنوع لا تضاد والكلام هنا عن الثلاثة الأيام من كل شهر فلا يظهر أنها غير الأيام البيض بحيث يكون المجموع في الشهر ستة أيام، وإنما المقصود أن الثلاثة الأيام أحياناً تكون البيض، وأحياناً تكون في أول الشهر، وأحياناً تكون في الآخر، وأحياناً يكون بعضها في الأول وبعضها في الآخر، فلا يقال: إنها ستة أيام؛ لأنها كلها ثلاثة، لكن هذه الثلاثة أين مكانها؟ جاء أن لها مكاناً، وجاء أنها مطلقة. النية في الصيام شرح حديث (من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب النية في الصيام. حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب قال: حدثني ابن لهيعة و يحيى بن أيوب عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له) ]. أورد أبو داود رحمه الله النية في الصيام، والنية في الصيام تكون للفرض، ولما هو واجب، ولما هو تطوع، والفرض يدخل فيه رمضان، أو قضاء رمضان، أو النذر، أو الكفارة، فكل هذه لا بد أن تكون النية فيها موجودة قبل الفجر، وأن يدخل في الصيام من أوله وقد نواه، وأن تكون جميع أجزاء النهار قد وجدت فيها النية من أول الصيام إلى آخره، هذا بالنسبة للفرض، أما بالنسبة للنفل فإنه يجوز أن يؤتى بالنية من وسط النهار أو من أثناء النهار بحيث أنه يقوم من نومه ما كان يريد صياماً ثم بعد ذلك يريد أن يصوم، فله أن ينوي، وتنعطف النية على النهار كله؛ لأنه لم يأكل، وهذا خاص في النافلة، وقد جاء في ذلك بعض الأحاديث كما سيأتي، وكذلك للإنسان بالنسبة للنفل أن يقطعه إذا بداله ذلك، وإن كان الأولى له أن يكمل الصيام، لكن إذا احتاج أن يقطعه له أن يقطعه. قوله: [ (من لم يجمع الصيام قبل الفجر) ]. أي: يعزم على أن يصوم، وأن يكون ذلك قبل طلوع الفجر. قوله: [ (فلا صيام له) ] بمعنى: أنه لو لم يبلغه دخول الشهر إلا في النهار فعليه أن يمسك بقية النهار وعليه القضاء، وإذا كان الخبر جاءه قبل طلوع الفجر، فإنه ينوي من حين طلوع الفجر، ولهذا فالفرض لابد فيه من وجود النية في جميع أجزاء الصيام من أوله إلى آخره، فلا يصلح أن تأتي في أثنائه فتنوي الصيام، بل لابد أن تكون موجودة من أوله، فمن لم يجمع الصيام من الليل فلا صيام له، يعني: فلا يصح صومه، وهذا إنما هو محمول على الفرض؛ لأن النفل قد جاء ما يدل على أنه يمكن أن يكون بنية من النهار. وأما رمضان فالإنسان يأتي بالنية من أول ما يدخل الشهر، فينوي أنه صائم جميع أيام الشهر، وفي كل يوم ينوي لذلك اليوم عندما يتسحر لذلك اليوم، ولهذا قال بعض أهل العلم: إنه ينوي من أول الشهر، وأيضاً يجدد النية كل يوم، وبعضهم قال: إنه يكفي لذلك نية من أول الشهر وإن لم يجددها في كل يوم، ولكن كونه يأتي بها وينوي أنه سيصوم رمضان الذي أمامه، وفي كل ليلة أيضاً ينوي أنه يصوم تلك الليلة، لكن لو أن إنساناً نام بعد صلاة العصر ولم يستيقظ إلا بعد الفجر من اليوم الثاني فهل يقال: إنه لا صيام له؛ لأنه ما نوى من الليل؟ الذي يظهر أن صيامه صحيح؛ لأنه موجود عنده العزم على أنه يصوم، وكونه نام ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر فإنه يواصل ويكون بذلك صام هذا اليوم.
__________________
|
#493
|
||||
|
||||
![]() تراجم رجال إسناد حديث (من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له) قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا عبد الله بن وهب ]. عبد الله بن وهب ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني ابن لهيعة ]. هو عبد الله بن لهيعة المصري ، وهو صدوق، احترقت كتبه فتغير حفظه، ورواية العبادلة الأربعة هي أعدل من غيرها، والعبادلة الأربعة هم: عبد الله بن لهيعة و عبد الله بن مسلمة و عبد الله بن يزيد المقري و عبد الله بن المبارك ، وأيضاً قتيبة بن سعيد ، فهؤلاء ممن رووا عنه قبل احتراق كتبه، فتكون روايتهم معتبرة، وهذه الرواية عبد الله بن وهب ، وهو أحد الأربعة عن عبد الله بن لهيعة . أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ و يحيى بن أيوب ]. يحيى بن أيوب هنا مقرون معه وليس منفرداً، وهو يحيى بن أيوب المصري ، وهو ربما أخطأ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم ]. عبد الله بن أبي بكر بن حزم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. ابن شهاب هو محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سالم بن عبد الله ]. هو سالم بن عبد الله بن عمر ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وقد مر ذكره. [ عن حفصة ]. أخته حفصة رضي الله تعالى عنها أم المؤمنين، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له) موقوفاً وتراجم رجاله [ قال أبو داود : رواه الليث و إسحاق بن حازم أيضاً جميعاً عن عبد الله بن أبي بكر مثله، ووقفه على حفصة معمر و الزبيدي و ابن عيينة و يونس الأيلي كلهم عن الزهري ]. ذكر أبو داود أن جماعة وافقوا يحيى بن أيوب و ابن لهيعة في الرواية عن الزهري . قوله: [ رواه الليث ]. هو الليث بن سعد المصري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و إسحاق بن حازم ]. إسحاق بن حازم صدوق، أخرج له ابن ماجة . [ عن عبد الله بن أبي بكر مثله ]. يعني: مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. [ ووقفه على حفصة معمر ]. معمر بن راشد الأسدي البصري ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و الزبيدي ]. هو: محمد بن الوليد الزبيدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ و ابن عيينة و يونس الأيلي ]. ابن عيينة هو سفيان بن عيينة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و يونس الأيلي هو يونس بن يزيد الأيلي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ كلهم عن الزهري ]. والرفع مقدم على الوقف. ما جاء في الرخصة في أن يصوم الرجل دون أن يجمع الصيام من الليل شرح حديث عائشة في صيام النبي دون تبييت النية قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرخصة في ذلك. حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع جميعاً عن طلحة بن يحيى عن عائشة بنت طلحة عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل علي قال: هل عندكم طعام؟ فإذا قلنا: لا قال: إني صائم. زاد وكيع : فدخل علينا يوماً آخر فقلنا: يا رسول الله أهدي لنا حيس فحبسناه لك، فقال: أدنيه. قال طلحة : فأصبح صائماً وأفطر) ]. أورد أبو داود باباً في الرخصة في ذلك. يعني: في كونه لا يبيت النية من الليل، وإنما يعقدها من النهار، وهذا إنما هو بالنفل وليس بالفرض، ولكن أيضاً في النفل يستحب أن الإنسان يبيت النية من الليل، لكنه يجوز أن ينوي أثناء النهار، وأما الفرض فلا يجوز له؛ لأنه يجب أن تكون جميع أجزاء النهار قد حصل فيها النية، وعلى هذا فالنية للفرض لابد منها في الليل، وأما النفل والتطوع فيستحب أن يؤتى بها من الليل حتى تكون النية جاءت من أول الصيام ومن أول وقت الصيام، ولكنه يجوز أن ينوي في أثناء النهار، وقد أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها وهو حديث فيه أمران: كونه يصبح غير صائم ثم ينوي الصيام، أو يصبح صائماً تطوعاً ثم يفطر. قوله: [ (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل علي قال: هل عندكم طعام؟ فإذا قلنا: لا. قال: إني صائم، فدخل علينا يوماً آخر فقلنا: يا رسول الله! أهدي لنا حيس فحبسناه لك، فقال: أدنيه ) ]. يعني: مرة ثانية جاء إليهم وكانوا يعرفون سؤاله عن الطعام فقالوا: إنه أهدي لنا حيس، والحيس هو الطعام الذي يجمع أموراً ثلاثة: التمر والأقط والسمن، وقد يكون بدل الأقط الدقيق فقال: أدنيه يعني: قربيه، فأكل منه. قوله: [ قال طلحة : فأصبح صائماً وأفطر ]. يعني: أن التطوع للإنسان أن يفطر في أثنائه، وله أن ينويه من أثناء النهار، فهذا سائغ وهذا سائغ. تراجم رجال إسناد حديث عائشة في صيام النبي دون تبييت النية قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي، وقد مر ذكره. [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان الثوري، وقد مر ذكره . [ ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي و النسائي فأخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن طلحة بن يحيى ]. هو طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله ، وهو صدوق يخطئ، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن عائشة بنت طلحة ]. هي عائشة بنت طلحة بن عبيد الله رضي الله تعالى عنه، أبوها أحد العشرة المبشرين بالجنة، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها وقد مر ذكرها. شرح حديث (...فلا يضرك إن كان تطوعاً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير بن عبد الحميد عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث عن أم هانئ قالت: (لما كان يوم الفتح: فتح مكة جاءت فاطمة رضي الله عنها فجلست عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، و أم هانئ عن يمينه، قالت: فجاءت الوليدة بإناء فيه شراب فناولته فشرب منه، ثم ناوله أم هانئ فشربت منه، فقالت: يا رسول الله! لقد أفطرت وكنت صائمة، فقال لها: أكنت تقضين شيئاً؟ قالت: لا قال: فلا يضرك إن كان تطوعاً) ]. أورد أبو داود حديث أم هانئ رضي الله عنها: (أنه في عام الفتح كان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً، و فاطمة على يمينه، و أم هانئ على يساره، فجاءت الوليدة -وهي الأمة- بإناء فيه شراب فناولته النبي صلى الله عليه وسلم فشرب منه، فناول أم هانئ فشربت، ثم قالت له: إني أفطرت وكنت صائمة فقال: أكنت تقضين شيئاً؟) معناه: إن كنت تقضين شيئاً فأنت تقضينه بدل هذا اليوم؛ لأن القضاء لابد منه، وأما التطوع فإنه لا يلزم قضاؤه، فلما قالت: إنها لا تقضي قال: (لا يضرك إذا كان صومك تطوعاً) معناه: أنه لا يؤثر ولا يحتاج إلى قضاء. تراجم رجال إسناد حديث (.. فلا يضرك إن كان تطوعاً) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير بن عبد الحميد ]. عثمان بن أبي شيبة مر ذكره، وجرير بن عبد الحميد الضبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن أبي زياد ]. يزيد بن أبي زياد ضعيف، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن الحارث ]. عبد الله بن الحارث له رؤية، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أم هانئ ]. أم هانئ وهي أبي طالب أخت علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحديث فيه يزيد بن أبي زياد ، ولكن الألباني صححه، ويمكن أن يكون ذلك لشواهده، ومن شواهده الحديث الذي سبق أن مر للرسول صلى الله عليه وسلم. من رأى القضاء على من أفطر من صوم النفل شرح حديث (.. لا عليكما، صوما مكانه يوماً آخر) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من رأى عليه القضاء. حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني حيوة بن شريح عن ابن الهاد عن زميل مولى عروة عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت (أهدي لي ولحفصة طعام، وكنا صائمتين فأفطرنا، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلنا له: يا رسول الله! إنا أهديت لنا هدية فاشتهيناها فأفطرنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا عليكما صوما مكانه يوماً آخر) ]. أورد أبو داود باب من رأى عليه القضاء. يعني: إذا كان تطوعاً، وأما إذا كان فرضاً أو واجباً وأفطر فإنه لابد من القضاء، ولا إشكال في ذلك، وإنما الكلام في التطوع. أورد أبو داود حديث حفصة و عائشة أنه أهدي لهما هدية وكانتا صائمتين، فاشتهتا أن تأكلا تلك الهدية فأكلتا منها، فأخبرتا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (لا عليكما -يعني: لا يضركما- صوما مكانه يوماً آخر). وهذا يفيد أنه إذا كان تطوعاً أنه يقضى، لكن الحديث غير صحيح؛ لأن فيه زميلاً وهو مجهول، فلا يثبت الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا يكون القضاء غير متعين، كما دل عليه الحديث الذي مر. تراجم رجال إسناد حديث (لا عليكما، صوما مكانه يوماً آخر) قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني حيوة بن شريح ]. أحمد بن صالح و عبد الله بن وهب مر ذكرهما، وحيوة بن شريح المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن الهاد ]. ابن الهاد هو يزيد بن عبد الله بن الهاد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زميل مولى عروة ]. زميل مولى عروة مجهول، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن عروة بن الزبير ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وقد مر ذكرها. المرأة تصوم بغير إذن زوجها شرح حديث (لا تصوم امرأة وزوجها شاهد إلا بإذنه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب المرأة تصوم بغير إذن زوجها. حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تصوم امرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه غير رمضان، ولا تأذن في بيته وهو شاهد إلا بإذنه) ]. أورد أبو داود باب المرأة تصوم بغير إذن زوجها، يعني: ليس لها أن تصوم التطوع بغير إذن زوجها، وأما بالنسبة للفرض والشيء الواجب فإن عليها أن تخبره وأن تستأذنه، وإذا طلب منها أن تؤخر فلها أن تؤخر، وقد مر أن عائشة رضي الله عنها كان يكون عليها الصوم من رمضان فلا تتمكن من قضائه إلا في شعبان، وذلك لمكانها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والترجمة معقودة في صيام المرأة بغير إذن زوجها ويعان أنه ليس لها ذلك، وهذا باتفاق العلماء، فليس لها أن تتطوع إلا بإذن زوجها، وأما إذا كان فرضاً فلها أن تؤخر، ولكن القضاء متحتم عليها ولازم لها، كما مر في فعل عائشة رضي الله عنها، وأنها كانت تقضي قضاءها في شهر شعبان بعد أن يكون مضى عليها قرب انتهاء السنة. وأورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تصوم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه..). قوله: [ (غير رمضان) ]. يعني: رمضان هنا لا يحتاج إلى استئذان، وكذلك أيضاً الفرض لابد أن تصومه ولكن عليها أن تستأذنه، فذكر (غير رمضان) هذه فيها كلام؛ لأن رمضان كل الناس يصومونه، يعني: الزوج والناس كلهم لا يترك أحد منهم الصيام، قال تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185] فمن كان حاضراً وهو مستطيع فإن عليه الصيام، ولا يعذر في الفطر، إلا من كان معذوراً بعذر شرعي جاء في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كالمريض والمسافر وغيره. قوله: [ (ولا تأذن في بيت زوجها وزوجها شاهد إلا بإذنه) ] يعني: لا تأذن بالدخول في بيت زوجها إلا بإذنه، فتستأذنه في دخول من يدخل عليها، وإذا كان هناك إذن عام ومتواطأ ومتفق عليه فلها أن تنفذ ذلك، بحيث لا يلزم أنها تستأذن في كل شيء وفي كل حالة وفي كل مرة، وإنما يكفي أن يكون هناك اتفاق بينها وبينه على الإذن وتعيين من يؤذن له. وحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه هذا من صحيفة همام بن منبه والمشتملة على مقدار مائة وخمسين حديثاً كلها بإسناد واحد، ويفصل بين كل حديث وحديث جملة: (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم). والإمام مسلم رحمة الله عليه له طريقة في سرد أحاديث هذه الصحيفة، ولغيره من الأئمة طرق أخرى ليست مثل طريقة مسلم رحمه الله، فأبو داود و البخاري وغيرهما يروون أي حديث من الصحيفة ويأتون بالإسناد الذي في أولها، ثم يأتون بالحديث الذي يريده بعد الإسناد، وكأن الحديث بعد الإسناد، أما مسلم رحمه الله فإنه إذا ساق الإسناد يقول: عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا به أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، وهذا فيه إشارة إلى الأحاديث المتقدمة التي هي تابعة للإسناد، والتي تلي الإسناد، وهذه دقة وعناية، أما أبو داود فكما رأينا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، و البخاري كذلك يأتي بمثل هذه الطريقة، وكذلك النسائي وغيره، أما مسلم فعنده دقة وعناية في المحافظة على الألفاظ، وتبيين من يكون له اللفظ، وكيفية لفظه، وما إلى ذلك، وهذه ميزة لمسلم رحمه الله لا توجد عند غيره، ولهذا قال الحافظ ابن حجر في ترجمته في تهذيب التهذيب: حصل للإمام مسلم في صحيحه حظ عظيم مفرط ما حصل لأحد غيره في المحافظة على الألفاظ وسياقها، وكذلك الأسانيد وبيان من هو لفظه. تراجم رجال إسناد حديث (لا تصوم امرأة وزوجها شاهد إلا بإذنه) قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا معمر عن همام بن منبه ]. معمر مر ذكره، و همام بن منبه ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أنه أبا هريرة ]. أبو هريرة هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، وقد مر ذكره. شرح حديث: (لا تصوم امرأة إلا بإذن زوجها...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد قال: (جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونحن عنده، فقالت: يا رسول الله! إن زوجي صفوان بن المعطل يضربني إذا صليت، ويفطرني إذا صمت، ولا يصلي صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، قال: و صفوان عنده قال: فسأله عما قالت فقال: يا رسول الله! أما قولها: يضربني إذا صليت، فإنها تقرأ بسورتين وقد نهيتها، قال: فقال: لو كانت سورة واحدة لكفت الناس، وأما قولها: يفطرني، فإنها تنطلق فتصوم وأنا رجل شاب فلا أصبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يومئذ: لا تصوم امرأة إلا بإذن زوجها، وأما قولها: إني لا أصلي حتى تطلع الشمس فإنا أهل بيت قد عرف لنا ذاك لا نكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس، قال: فإذا استيقظت فصل) ]. أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن امرأة صفوان المعطل جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن زوجي صفوان بن المعطل يضربني إذا صليت، ويفطرني إذا صمت، ولا يصلي صلاة الفجر إلا بعد طلوع الشمس). وكان صفوان عنده، فسأله عن هذه الدعوى التي ادعت عليه ما جوابه عنها؟ فقال: (أما قولها: يضربني إذا صليت، فإنها تقرأ بسورتين طويلتين) يعني: هي تتشاغل عنه بالصلاة، وهو يريدها للاستمتاع بها فقال: (لو كانت سورة واحدة لكفت الناس) وهذا فيه إشارة إلى سورة الفاتحة، وأن أي إنسان مصلٍ يأتي بسورة الفاتحة فإنه يكون قد أدى ما عليه، وحصل منه ما هو لازم، ولكن يستحب قراءة سورة معها، وكونه يقرأ سورة طويلة أو سورتين طويلتين ويوجد من هو بحاجة إليه أو ينتظره، فإن هذا هو الذي كان يدفع صفوان بن معطل إلى ضرب امرأته. قوله: [ (وأما قولها: يفطرني، فإنها تنطلق فتصوم وأنا رجل شاب، فلا أصبر) ]. يعني: تصوم تطوعاً، وهو رجل شاب لا يصير ويريدها لنفسه. قوله: [ (فقال صلى الله عليه وسلم يومئذ: لا تصوم امرأة إلا بإذن زوجها) ]. هذا هو محل الشاهد في الترجمة: أنها لا تصوم إلا بإذن زوجها. قوله: [ (وأما قولها: إني لا أصلي حتى تطلع الشمس، فإنا أهل بيت قد عرف لنا ذلك، لا نكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس، قال: فإذا استيقظت فصل) ]. قيل: إنهم كانوا يشتغلون بالليل فيصيرون كالمغمى عليه، وأنه ليس هناك من يوقظه، ومن يكون كذلك فإنه يصلي حينما يستيقظ، لكن على الإنسان أن يأخذ بالاحتياطات فيكون هناك من يوقظه. تراجم رجال إسناد حديث: (لا تصوم امرأة إلا بإذن زوجها) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش ]. الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي صالح ]. هو أبو صالح السمان واسمه ذكوان ، ولقبه: السمان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد ]. هو أبو سعيد الخدري سعد بن مالك بن سنان رضي الله عنه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ قال أبو داود : رواه حماد -يعني ابن سلمة - عن حميد أو ثابت عن أبي المتوكل ]. ثم ذكر أبو داود هذه المتابعة فقال: رواه حماد بن سلمة عن حميد، وهو حميد بن أبي حميد الطويل ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أو ثابت البناني ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي المتوكل ]. هو أبو المتوكل الناجي ، وهو علي بن داود ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ما جاء في الصائم يدعى إلى الوليمة شرح حديث (إذا دعي أحدكم فليجب) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الصائم يدعى إلى الوليمة. حدثنا عبد الله بن سعيد حدثنا أبو خالد عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دعي أحدكم فليجب، فإن كان مفطراً فليطعم، وإن كان صائماً فليصل) قال هشام : والصلاة الدعاء. قال أبو داود : رواه حفص بن غياث أيضاً عن هشام ]. أورد أبو داود باباً في الصائم يدعى إلى وليمة. يعني: الصائم إذا دعي إلى وليمة ماذا يصنع؟ أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دعي أحدكم فليجب..). أي: إذا دعي أحدكم إلى وليمة فليجب. قوله: [ (فإن كان مفطراً فليطعم، وإن كان صائماً فليصل) ]. أي: إن كان مفطراً فليأكل، وإن كان صائماً فليدع للداعي ولصاحب الوليمة، وهذا فيه تطييب للنفس، وتأنيس له بكونه صائماً ويأتي لإجابة الدعوة، وبعض أهل العلم يقول: إنه إذا كان يترتب عليه غضب الشخص أو عدم ارتياحه وطمأنينته فإنه ينبغي له أن يفطر، وإن كان لا يحصل منه شيء من ذلك فيكفي أن يدعو لمن دعاه. تراجم رجال إسناد حديث (إذا دعي أحدكم فليجب) قوله: [ حدثنا عبد الله بن سعيد ]. هو عبد الله بن سعيد الأشج ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو خالد ]. هو أبو خالد الأحمر ، وهو سليمان بن حيان ، وهو صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام ]. هو هشام بن حسان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن سيرين ]. ابن سيرين هو محمد بن سيرين ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة قد مر ذكره. [ قال أبو داود : رواه حفص بن غياث أيضاً عن هشام ]. حفص بن غياث ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و هشام هو: ابن حسان . ما يقول الصائم إذا دعي إلى الطعام شرح حديث (إذا دعي أحدكم إلى طعام وهو صائم فليقل إني صائم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يقول الصائم إذا دعي إلى الطعام. حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دعي أحدكم إلى طعام وهو صائم فليقل: إني صائم) ]. قال أبو داود : [باب ما يقول الصائم إذا دعي إلى الطعام]. وأورد حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دعي أحدكم إلى طعام وهو صائم فليقل: إني صائم) يعني: يعتذر عن ذلك بقوله: إني صائم، فيعتذر عن الحضور أو يعتذر عن الأكل، ولكنه إذا حضر أو لم يحضر فله أن يدعو له، فإن وجد من الداعي ارتياحاً إلى اعتذاره لكونه صائماً فله ألا يحضر، وإن كان الداعي يرغب في أن يحضر ولو لم يأكل فليحضر وليدع له، وإن كان يعلم أنه يحصل من الداعي وحشة وعدم ارتياح فيفطر إذا كان ذلك نفلاً. قوله: [(إني صائم)] هذا فيه دليل على أن إخبار الإنسان عن عمله إذا كان المقصود به الاعتذار لا بأس به، يعني: حين يبين السبب في كونه لا يحضر أو كونه لا يأكل، وكذلك إذا كان الإخبار بالعمل سيترتب عليه اقتداء به فإن ذلك أيضاً إظهاره طيب، ومن ذلك قصة الرجل الذي تصدق بصرة كبيرة وتبعه الناس، وعندها قال عليه الصلاة والسلام: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها). فإذا كان يترتب على إظهار الشيء مصلحة أو كان من أجل الاعتذار فإنه لا بأس به، وإلا فإن الأولى الإخفاء، ولا يكون الإظهار إلا عند الحاجة. تراجم رجال إسناد حديث (إذا دعي أحدكم إلى طعام وهو صائم فليقل إني صائم) قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن أبي الزناد ]. مسدد و سفيان مر ذكرهما، وأبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان المدني ، وهيو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعرج ]. الأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة رضي الله عنه قد مر ذكره. الأسئلة حكم من أفطر من صوم واجب السؤال: إذا كان الإنسان يصوم صوماً واجباً غير الفرض كنذر أو كفارة أو قضاء فهل له أن يفطر؟ الجواب: لا. ما ينبغي له أن يفطر، لكنه إن أفطر فيجب عليه قضاؤه، وأما التطوع إذا أفطر فلا يجب عليه قضاؤه. حكم من نوى الصيام في آخر النهار السؤال: النية في النهار هل لها وقت محدد؟ الجواب: لا أعلم، لكن يبدو أنه ينوي حيث يكون أكثر النهار، أما أن يكون الشخص ينام حتى إذا كان عند المساء استيقظ وقال: أنا صائم لا يصح؛ لأنه ما بقي إلا ساعة أو قريب من ساعة، فيبدو أنه لا يصح إلا إذا بقي شيء كبير من اليوم."
__________________
|
#494
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصيام شرح سنن أبي داود [288] الحلقة (320) شرح سنن أبي داود [288] سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان تفرغاً للعبادة وطلباً لليلة القدر، فصار الاعتكاف عبادة مستحبة، وله أحكام وآداب، منها أنه يسن للمعتكف أن يعتكف في المسجد الجامع ولا يخرج منه إلا للحاجة، ولا يزور المريض، ولا يتبع الجنازة، ولا يباشر النساء. ما جاء في الاعتكاف شرح حديث (أن النبي كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الاعتكاف. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن عقيل عن الزهري عن عروة عن عائشة : (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى قبضه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله: [باب الاعتكاف]. أبو داود رحمه الله وكذلك غيره من العلماء يذكرون الاعتكاف مع الصيام؛ لأن الاعتكاف -كما قال بعض أهل العلم -لا يكون إلا مع صيام، وأيضاً كون المشهور والمعروف فيه أنه يكون في رمضان وفي العشر الأواخر وذلك في حال الصيام، فناسب أن يأتي ذكر الاعتكاف مع الصيام أو بعد الصيام. والاعتكاف في اللغة قيل: هو الحبس والمكث واللزوم. وفي الاصطلاح: هو المكث في المسجد على وجه مخصوص. فالحبس والمكث واللزوم كلها تطلق على المكث في المسجد، أو حبس النفس في المسجد، أو لزوم المسجد لطاعة الله عز وجل، ولهذا فإن المعنى الشرعي مطابق أو مندرج تحت المعنى اللغوي، والمعاني اللغوية تدخل فيها المعاني الشرعية، ولكن المعنى الشرعي أخص، والمعاني اللغوية أعم. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر حتى قبضه الله) يعني: حتى توفي، واعتكف أزواجه بعده، وهذا يدلنا على أن الاعتكاف سنة ومستحب، ولا يجب إلا بالنذر، فالإنسان إذا أوجبه على نفسه بنذر فإنه يلزمه ويجب عليه أن يفي بنذره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه). فقول عائشة : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى قبضه الله) يدل على أنه حكم محكم غير منسوخ؛ لأن قولها: (حتى قبضه الله) يعني: أنه مستمر عليه حتى مات صلى الله عليه وسلم، وقولها: (ثم اعتكف أزواجه من بعده) يدلنا على أن الاعتكاف باقٍ وأنه سنة، وأنه فعله الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه معه، وكذلك فعل من بعده، وممن فعله أزواجه رضي الله تعالى عنهن، وفيه دليل على أن الاعتكاف إنما يكون في المساجد سواء للرجال أو للنساء، ويدل على اعتكاف النساء في المساجد إذا أمن عليهن من أي محذور بسبب المكوث في المسجد والبقاء فيه، ولكن ذلك يكون بإذن أزواجهن؛ لأن الاعتكاف تطوع ومستحب، فلا تفعله المرأة إلا بإذن زوجها، وتفعله حيث لا يكون هناك محذور، وحيث لا يترتب أو يخشى من ذلك مضرة عليها. واعتكاف العشر الأواخر من رمضان فيه ليلة القدر، فالإنسان إذا كان معتكفاً العشر الأواخر فمعناه أن ذلك فيه تحر لها، وكون الإنسان ملازماً للمسجد يسأل الله ويرجوه ويتقرب إليه بالأعمال الصالحة في تلك الأيام والليالي التي فيها ليلة القدر -وهي ليلة خير من ألف شهر- فهي تعادل عبادة اثنين وثمانين سنة. تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان) قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الليث ]. هو الليث بن سعد المصري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عقيل ]. هو عقيل بن خالد المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. بيان أقل ما يكون به الاعتكاف وأقل ما يكون به الاعتكاف فقد جاء عن بعض أهل العلم أنه قال: يقع الاعتكاف ولو لحظة، وأن الإنسان إذا دخل المسجد للصلاة فإن له أن ينوي الاعتكاف، لكن لا نعلم شيئاً يدل على هذا، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، وما جاء عنه ما يدل على أن الإنسان إذا دخل المسجد ليصلي أنه ينوي الاعتكاف، والذي جاء وثبت في حديث عمر أنه قال: (نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك) فهذا يدل على أن الليلة يكون فيها الاعتكاف، يعني: يوم وليلة أو ليلة واحدة فقط؛ لأن الحديث جاء أنه نذر أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أوف بنذرك)، فهذا هو الذي ورد محدداً ومبيناً والنبي صلى الله عليه وسلم قال: أوف بنذرك؛ لأنه اعتكاف. شرح حديث (أن النبي كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان فلم يعتكف عاماً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا ثابت عن أبي رافع عن أبي بن كعب رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فلم يعتكف عاماً، فلما كان في العام المقبل اعتكف عشرين ليلة) ]. أورد أبو داود حديث أبي بن كعب رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فلم يعتكف عاماً -لأنه كان في سفر- فلما كان العام المقبل اعتكف عشرين ليلة) يعني: لما كان العام المقبل اعتكف عشرين ليلة: عشر ليالٍ للسنة الحاضرة، وعشر ليالٍ للسنة الماضية، وهذا يدل على قضاء التطوع، وأن الإنسان إذا اعتاد شيئاً يحرص عليه، وإذا فاته فله أنه يقضيه، والنبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فعل شيئاً داوم عليه، وكان كما جاء في بعض الأحاديث أنه شغل عن ركعتين بعد الظهر، فقضاهما بعد العصر، ثم داوم على ذلك صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان فلم يعتكف عاماً) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ أخبرنا ثابت ]. هو ثابت بن أسلم البناني البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي رافع ]. هو أبو رافع هو نفيع الصائغ ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بن كعب ]. هو أبي بن كعب رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (كان رسول الله إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية و يعلى بن عبيد عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر، ثم دخل معتكفه قالت: وإنه أراد مرة أن يعتكف في العشر الأواخر من رمضان قالت: فأمر ببنائه فضرب، فلما رأيت ذلك أمرت ببنائي فضرب قالت: وأمر غيري من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ببنائه فضرب، فلما صلى الفجر نظر إلى الأبنية فقال: ما هذه؟ آلبر تردن؟ قالت: فأمر ببنائه فقوض، وأمر أزواجه بأبنيتهن فقوضت، ثم أخر الاعتكاف إلى العشر الأول يعني: من شوال) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل معتكفه بعد صلاة الفجر، يعني: يبدأ اعتكافه بعد صلاة الفجر، وأنه أمر ببنائه فنصب يعني: الخباء أو المكان الذي يعتكف فيه صلى الله عليه وسلم، فرأى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فأمرن بضرب الأخبية لهن، ولما صلى الفجر عليه الصلاة والسلام ورأى الأخبية قال: ما هذا؟ فعلم بأن نساءه ضربن تلك الأخبية فقال: (آلبر تردن؟)، خشي أن يكون هذا الذي قد حصل منهن إنما هو تنافس للقرب منه، وأن تكون تلك العبادة يدخلها شيء من الغيرة عليه صلى الله عليه وسلم، بحيث تكون كل واحدة قريبة منه، فيكون في ذلك تأثير على نية الاعتكاف، فقال عليه الصلاة والسلام: (آلبر تردن؟ ثم إنه أمر بخبائه فقوض)، يعني: رفع وأزيل، ثم أمر أزواجه بأخبيتهن فقوضت، واعتكف في العشر الأول من شوال، يعني: بعد يوم العيد؛ لأن يوم العيد كما هو معلوم فيه ذهاب للعيد وإياب، فالذي يبدو أن ذلك كان بعد العيد، وأنه اعتكف عشراً بعد العيد يعني: بدلاً من هذه العشر التي تركها من أجل ما رأى من زوجاته أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وأرضاهن. ثم ما جاء في الحديث أنه كان يدخل معتكفه بعد الفجر، فمعلوم أن أول ليلة من ليالي العشر هي ليلة واحد وعشرين، والليلة تبدأ بغروب الشمس، فإذا غربت الشمس من يوم عشرين جاءت ليلة واحد وعشرين ويومها بعدها، وكما هو معلوم ليلة اليوم تسبقه، ولهذا إذا رؤي الهلال في أول يوم من رمضان فإن الناس يصلون التراويح قبل أن يصوموا؛ لأن تلك الليلة تكون من رمضان، وإذا رؤي الهلال لخروج رمضان فإنهم يتركون التراويح؛ لأن الليلة تكون ليلة العيد من شوال، وعلى هذا فالعشر الأواخر من رمضان اعتكافها يكون بغروب الشمس من يوم عشرين، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر في سنة من السنين بليلة القدر أنها ليلة واحد وعشرين، كما جاء في حديث أبي سعيد أنه رأى أنه يسجد في صبيحتها بماء وطين، فلما صلوا الفجر من صبيحة واحد وعشرين وكانوا في الصلاة نزل المطر فخر السقف، وجاء على مكان مصلاه صلى الله عليه وسلم، ثم لما انصرف وإذا على جبهته آثار الماء والطين صلى الله عليه وسلم، فعلم بأنها ليلة القدر، يعني: ليلة واحد وعشرين، وهو كان يعتكف من أجل أنه في العشر الأواخر يدرك ليلة القدر، ومعلوم أنه إذا كان دخول المعتكف بعد الفجر ذهبت ليلة واحد وعشرين التي هي أول الليالي؛ ولهذا قال بعض أهل العلم: إن الاعتكاف يكون من عند غروب شمس يوم عشرين، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل المحل المعد للاعتكاف إلا بعد الفجر، فيكون قولها: (دخل معتكفه) يعني: المكان الذي نصب له، ويكون ما قبل ذلك كان خارج المعتكف ولكنه في المسجد، ومعلوم أن المكث في المسجد سواء كان في نفس المعتكف أو في غيره كل ذلك يقال له: اعتكاف ما دام أنه منقطع للعبادة، ومنصرف عن الناس، وعلى هذا يكون ما جاء في هذا الحديث يفسر على اعتبار أن تواجده قبل طلوع الفجر من تلك الليلة إنما كان في المسجد، والذي جاء فيه إنما هو دخول المكان المعد للاعتكاف، فلا يخرج عن كونه معتكفاً لكونه كان في المسجد من أول الليل صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وتأخيره صلى الله عليه وسلم الاعتكاف إلى العشر الأول من شوال أداء؛ لأنه ما دخل في الاعتكاف، أو أنه قضاء؛ لأنه دخل في الاعتكاف وقطعه إذا كان الدخول للاعتكاف من الليل، فهو أمر بالتقويض بعد صلاة الفجر، فهو إما قضاء أو أداء فعله في تلك الليالي وترك ذلك خوفاً على أمهات المؤمنين من أن يكون حصل عندهن ما يؤثر في النية. وكونه صام تلك الأيام في شوال فلا نعلم شيئاً يدل على أنه صامها، ومسألة أن الاعتكاف لا يكون إلا مع الصيام، هذا فيه خلاف بين أهل العلم. تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فإخراجه له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا أبو معاوية ]. هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و يعلى بن عبيد ]. هو يعلى بن عبيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن سعيد ]. يحيى بن سعيد الأنصاري المدني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرة ]. هي عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية المدنية ، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. وقد مر ذكرها. شرح حديث (اعتكف عشرين من شوال) وتراجم رجال إسناده [ قال أبو داود : رواه ابن إسحاق و الأوزاعي عن يحيى بن سعيد نحوه، ورواه مالك عن يحيى بن سعيد قال: (اعتكف عشرين من شوال) ]. قوله: [ رواه ابن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق بن يسار المدني ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ و الأوزاعي ]. الأوزاعي هو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي فقيه الشام ومحدثها، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن سعيد نحوه ]. يحيى بن سعيد الذي مر ذكره وقوله: (نحوه) يعني: نحو ما تقدم. [ ورواه مالك عن يحيى بن سعيد قال: (اعتكف عشرين من شوال) ]. يعني: قال غيره: عشراً وقال هو: اعتكف عشرين من شوال، وهذا يخالف ما جاء في الروايات التي أثبتت العشر الأول من شوال؛ لأن العشرين ضعف العشر، والروايات المتعددة جاءت في أنه اعتكف عشراً من شوال وليس عشرين. أين يكون الاعتكاف؟ شرح حديث (أن النبي كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب أين يكون الاعتكاف؟ حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب عن يونس أن نافعاً أخبره عن ابن عمر : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان) قال نافع : وقد أراني عبد الله المكان الذي كان يعتكف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد]. أورد أبو داود باب أين يكون الاعتكاف؟ والاعتكاف يكون في المساجد ولا يكون في غيرها، لكن أي المساجد يكون فيها الاعتكاف؟ من العلماء من قال: إنه يعتكف في أي مسجد جامع يصلى فيه الجماعة، وإذا جاء يوم الجمعة يخرج إلى المسجد الذي يجمع فيه، ومنهم من قال: إنه يعتكف في مسجد فيه جمعة وجماعة، حتى لا يحتاج إلى أن يخرج إلى الجمعة، ومن العلماء من قال: إن الاعتكاف إنما يكون في المساجد الثلاثة التي هي المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى، ومنهم من قال: إنه يكون في المسجدين فقط وهما: المسجد الحرام، والمسجد النبوي. والذي يبدو أنه يكون في أي المساجد ما دام أنه مسجد يصلى فيه جماعة فإنه يعتكف فيه، وإذا كان الإنسان يحتاج إلى أن يعتكف في مسجد لا جمعة فيه فخروجه إلى الجمعة لا بأس به، ولا يؤثر، ولا مانع منه، وإن اعتكف في مسجد فيه جمعة وجماعة فهو الأولى، لكن لا يكون ذلك مقتصراً على المساجد الثلاثة ولا على مسجدين منها؛ لأن الله عز وجل قال: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187] وهذا لفظ عام، ثم ما جاء في بعض الأحاديث أنه (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) يحمل على أن المقصود به: لا يكون الاعتكاف كاملاً إلا فيها، لا أنه لا يجوز أن يعتكف في غيرها. قوله: [ قال نافع : وقد أراني عبد الله المكان الذي كان يعتكف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ]. أي: المكان الذي كان يضرب فيه الخباء. تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان) قوله: [ حدثنا سليمان بن داود المهري ]. سليمان بن داود المهري ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ أخبرنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن نافعاً أخبره ]. نافع هو مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. ابن عمر هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: ابن عمر و ابن عمرو و ابن عباس و ابن الزبير وهو أحد السبعة المعروفين أيضاً بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وفي الحديث دليل على أن المعتكف يتخذ مكاناً معيناً يكون نومه وصلاته وقراءته فيه، والحديث الذي مر: (فأمر بخبائه فضرب، وأمر أزواجه بأخبيتهن فضربت) يدل على هذا. شرح حديث (.. فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد عن أبي بكر عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف كل رمضان عشرة أيام) التي هي العشر الأواخر، ولما كان العام الذي قبض فيه -وهو رمضان الذي كان في العاشرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم توفي في ربيع الأول من سنة إحدى عشرة، فآخر رمضان مر عليه صلى الله عليه وسلم هو في السنة العاشرة- اعتكف عشرين يوماً من رمضان؛ العشر الأواخر والعشر الأوسط، وذلك فيه دلالة على أهمية الزيادة في العمل، وأيضاً كان جبريل يدارسه القرآن في كل رمضان مرة، وفي آخر رمضان دارسه القرآن مرتين، وهذا الذي جرى من اعتكافه عشرين ليلة، فيه تمكين من مدارسة جبريل للرسول صلى الله عليه وسلم القرآن مرتين في آخر رمضان. تراجم رجال إسناد حديث (..فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً) قوله: [ حدثنا هناد ]. هو هناد بن السري أبو السري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي بكر ]. هو أبو بكر بن عياش ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي حصين ]. أبو حصين هو عثمان بن عاصم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي صالح ]. هو أبو صالح ذكوان السمان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأضاه. المعتكف يدخل البيت لحاجته شرح حديث عائشة (كان رسول الله إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب المعتكف يدخل البيت لحاجته. حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان) ]. أورد أبو داود باب المعتكف يدخل البيت لحاجته. يعني: قضاء الحاجة؛ لأنه لا بد من الخروج من المسجد لقضاء الحاجة فكان يخرج من المسجد لقضاء الحاجة، والبيت بجوار المسجد، فكان يذهب لقضاء الحاجة ولا يذهب لغيرها، ولهذا لما احتاج إلى أن ترجل عائشة رأسه صلى الله عليه وسلم أدخل رأسه عليها، فكانت ترجله وجسمه في المسجد، فدل على أن المعتكف إنما يخرج للأمر الذي لا بد منه، كقضاء حاجته التي لا بد منها، أما الأمور الأخرى التي هي غير ذلك فإنه لا يخرج لأجلها، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم عندما يريد أن ترجل رأسه يدخل رأسه عليها وهي في الحجرة فترجله، فهذا فيه دليل على أن المعتكف له أن يغتسل وأن يتنظف، وله أن يرجل شعره، وكذلك ملامسة الحائض له عند الحاجة؛ لأنها كانت ترجله وهي حائض، ومن نذر ألا يدخل بيتاً فأدخل رأسه لم يحنث؛ لأن إدخال الرأس لا يعتبر دخولاً في البيت؛ ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان معتكفاً في المسجد، وكان يخرج رأسه ولا يكون بذلك خارجاً من المسجد وداخلاً في البيت.
__________________
|
#495
|
||||
|
||||
![]() تراجم رجال إسناد حديث عائشة (كان رسول الله إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله...) قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس ، المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. ابن شهاب هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة بن الزبير عن عمرة ]. عروة و عمرة و عائشة مر ذكرهم. شرح حديث (كان رسول الله إذا عتكف يدني إلي رأسه فأرجله..) من طرق أخرى وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد و عبد الله بن مسلمة قالا: حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عروة و عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ]. أورد الحديث من طريق أخرى، وفيه أن ابن شهاب يروي عن عروة و عمرة مع بعض، وفي الطريق الأولى يروي عن عروة عن عمرة ، ومعناه: في الأول يوجد روايتان في الإسناد، وأما هنا فيعتبرون زملاء في الإسناد وهما أخذا عن عائشة ، فهذه الطريق فيها أن ابن شهاب روى عن الاثنين عن عروة بن الزبير وعن عمرة بنت عبد الرحمن معاً، وكل منهما يروي عن عائشة نحو ما تقدم. [ قال أبو داود وكذلك رواه يونس عن الزهري ولم يتابع أحد مالكاً على عروة عن عمرة ، ورواه معمر و زياد بن سعد وغيرهما، عن الزهري عن عروة عن عائشة ]. معناه: أن الذي تقدم عروة عن عمرة ، ثم عروة و عمرة ، ثم عروة عن عائشة أنه روي من طريق فيها عروة عن عمرة ، وطريق فيها عروة و عمرة عن عائشة ، وطريق فيها عروة عن عائشة ، ولم يتابع أحد مالكاً في عروة . قوله: [ ولم يتابع أحد مالكاً ]. أي: ولم يتابع أحد مالكاً في الرواية التي فيها عروة عن عمرة . قوله: [ رواه معمر و زياد بن سعد ]. معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و زياد بن سعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (كان رسول الله يكون معتكفاً في المسجد فيناولني رأسه من خلل الحجرة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن حرب و مسدد قالا: حدثنا حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون معتكفاً في المسجد، فيناولني رأسه من خلل الحجرة فأغسل رأسه) وقال مسدد : (فأرجله وأنا حائض) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها في أنه كان معتكفاً في المسجد، وأنه يدخل رأسه وأنها ترجله وهي حائض وقد مر ذلك. قوله: [ (من خلل الحجرة) ]. يعني: من فرجة في الحجرة، فالحجرة كانت ملاصقة للمسجد؛ والفرجة بين الحجرة والمسجد. تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله يكون معتكفاً في المسجد فيناولني رأسه من خلل الحجرة...) قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب ]. سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ قالا: حدثنا حماد بن زيد ]. هو حماد بن زيد بن درهم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام بن عروة ]. هو هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه عن عائشة ]. أبوه عروة و عائشة مر ذكرهما. شرح حديث صفية (كان رسول الله معتكفاً فأتيته أزوره ليلاً...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن محمد بن شبويه المروزي حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن علي بن حسين عن صفية قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفاً فأتيته أزوره ليلاً فحدثته ثم قمت، فانقلبت فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على رسلكما إنها صفية بنت حيي قالا: سبحان الله يا رسول الله! قال: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، فخشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً أو قال: شراً) ]. أورد أبو داود حديث صفية بنت حيي رضي الله تعالى عنها أم المؤمنين: (أنها زارت النبي صلى الله عليه وسلم في معتكفه ليلاً، وأنها حدثته، ولما أرادت الانصراف والانقلاب -وهو الرجوع- قام ليقلبها -يعني خرج معها ليرافقها في الذهاب إلى بيتها- ومر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم قال: على رسلكما إنها صفية بنت حيي -يعني: زوجته- فقالا: سبحان الله يا رسول الله! قال: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً أو شراً) فهذا فيه دليل على أن للمعتكف أن يزوره أهله في المسجد، ويحدثونه ويحدثهم، وأن للمعتكف أن يرافقهم في الخروج من المسجد لإيصالهم إلى البيت، وأنه لا بأس بذلك، ولا يؤثر على الاعتكاف. وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن هذه المرأة زوجته صفية ، وأراد بذلك ألا يقع في قلب هذين الصحابيين شيء يكون سبباً في هلاكهما، يعني: من اتهام الرسول صلى الله عليه وسلم، فبادر عليه الصلاة والسلام إلى أن يقول لهما ما قال، وقالا: سبحان الله! يعني: تعجباً؛ لأنهما ما وقع في نفوسهما شيء، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك خشية أن يحصل لهما شيء من ذلك. تراجم رجال إسناد حديث صفية (كان رسول الله معتكفاً فأتيته أزوره ليلاً...) قوله: [حدثنا أحمد بن محمد بن شبويه المروزي ]. أحمد بن شبويه هو أحمد بن محمد بن ثابت المروزي ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود . [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: أخبرنا معمر عن الزهري ]. معمر و الزهري مر ذكرهما. [ عن علي بن حسين ]. هو علي بن حسين بن علي بن أبي طالب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن صفية ]. هي صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها وأرضاها، أم المؤمنين، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح طريق أخرى لحديث صفية (كان رسول الله معتكفاً فأتيته أزوره ليلاً...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري بإسناده بهذا قالت: (حتى إذا كان عند باب المسجد الذي عند باب أم سلمة رضي الله عنها مر بهما رجلان)، وساقا معناه ]. أورد المصنف الحديث من طريق أخرى، وأشار إلى المكان الذي حصل فيه مرور الرجلين، وأنه كان عند باب المسجد الذي عند باب أم سلمة. قوله: [ وساقا معناه ] يعني: معنى ما تقدم في الرواية السابقة. تراجم رجال إسناد الطريق الأخرى لحديث صفية (كان رسول الله معتكفاً فأتيته أزوره ليلاً...) قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى فارس ]. هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا أبو اليمان ]. هو أبو اليمان الحكم بن نافع ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا شعيب ]. هو شعيب بن أبي حمزة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. الزهري مر ذكره. المعتكف يعود المريض شرح حديث (كان النبي يمر بالمريض وهو معتكف فيمر كما هو ولا يعرج...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب المعتكف يعود المريض. حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي و محمد بن عيسى قالا: حدثنا عبد السلام بن حرب أخبرنا الليث بن أبي سليم عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قال النفيلي : قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بالمريض وهو معتكف، فيمر كما هو ولا يعرج يسأل عنه) وقال ابن عيسى : قالت: (إن كان النبي صلى الله عليه وسلم يعود المريض وهو معتكف) ]. أورد أبو داود ترجمة: [باب المعتكف يعود المريض]. والمعتكف لا يخرج لعيادة المريض، ولكنه إذا خرج لحاجته أو لأمر لا بد منه ثم مر به فإنه يسأل عنه، لكن لا يقصد أن يعود المريض ولا يتبع الجنازة؛ لأنه إذا كان يعود المريض ويتبع الجنازة فكأنه غير معتكف، ولكن إذا كان المريض في طريقه فزاره من غير أن يذهب من أجله فلا بأس بذلك، أما كونه يذهب خصيصاً من أجل العيادة فهذا لم يثبت. وهذا الحديث فيه ليث بن أبي سليم وهو لا يحتج به. قوله: [ (إن كان النبي صلى الله عليه وسلم يعود المريض وهو معتكف) ]. يعني: إنه كان يعود المريض وهو معتكف. وقوله: [ (كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بالمريض وهو معتكف، فيمر كما هو ولا يعرج يسأل عنه) ]. يعني: يمر ويسأل عنه، ولكنه لا يعرج، ومعناه: أن مثبتة في اللفظين، إلا أن هذا فيه تنصيص على أنه من غير تعريج. وقوله: [ (إن كان) ]. هي مخففة من الثقيلة، وأنه كان يمر ولا يعرج، ولكنه يسأل عنه حيث يمر بدون تعريج، فيكون متفقاً مع الرواية الثانية، ولكن فيه ليث بن أبي سليم ، ولا يحتج بحديثه، فالحديث غير ثابت. تراجم رجال إسناد حديث (كان النبي يمر بالمريض وهو معتكف فيمر كما هو ولا يعرج...) قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ و محمد بن عيسى ]. هو محمد بن عيسى الطباع ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ قالا: حدثنا عبد السلام بن حرب ]. عبد السلام بن حرب له مناكير، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا الليث بن أبي سليم ]. الليث بن أبي سليم صدوق اختلط جداً فلم يتميز فترك، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الرحمن بن القاسم ]. عبد الرحمن بن القاسم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة رضي الله عنها مر ذكرها. شرح حديث (السنة على المعتكف ألا يعود مريضاً...) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا وهب بن بقية أخبرنا خالد عن عبد الرحمن -يعني ابن إسحاق - عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: (السنة على المعتكف ألا يعود مريضاً، ولا يشهد جنازة، ولا يمس امرأة، ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه، ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها. قوله: [ (السنة على المعتكف ألا يعود مريضاً، ولا يشهد جنازة) ألا يعود مريضاً قصداً، وأما إذا مر به وسأل عنه فهذا لا بأس به، وكذلك لا يشهد جنازة. قوله: [ (ولا يمس امرأة ولا يباشرها) ]. يعني: لا يباشرها ولا يجامعها، وقد جاء في القرآن: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]. فالمسيس يراد به الجماع، والمباشرة يراد بها التقاء البشرتين بتلذذ، وأما إذا كان حصل بدون ذلك فقد مر في حديث عائشة أنها كانت ترجل شعره صلى الله عليه وسلم، وتمسه، وكانت حائضاً. قوله: [ (ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه) ]. يعني: كونه يخرج لقضاء حاجته فيقضيها ويتوضأ، ثم يرجع إلى المسجد؛ لأن هذا لا يكون إلا في خارج المسجد. والطعام يؤتى به إليه ويأكله في المسجد ولا يكون من الحاجة. قوله: [ (ولا اعتكاف إلا بصوم) ]. يعني: أن الاعتكاف يكون معه صوم، وأنه لا يكون بدون صوم، وهذا يقال إذا كان يحتمل فيه الرفع، وأن يكون ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا يكون الصيام مع الاعتكاف، وأن الاعتكاف لا يكون بصيام، ويحتمل أن يكون منها إفتاء بما تفهمه من الشرع، وعلى هذا يكون النظر فيما جاء عنها وجاء عن غيرها من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، والعلماء اختلفوا في هذا، فمنهم من قال باعتبار الصوم، وأنه لا يكون الاعتكاف إلا بصوم، ومنهم من قال: يكون بدون صوم، كما أنه يكون في ليلة من الليالي، والليل ليس فيه صيام، وقد سبق أن مر في حديث عائشة أن النبي اعتكف العشر الأول من شوال وليس فيه ذكر الصيام، وهذا لو كان مرفوعاً فالأمر واضح في ذلك، ولكنه محتمل؛ لأنه جاء من بعض الطرق أنه ليس فيه: (من السنة) وكلمة: (من السنة) تضاف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وبدونها معناه يصير من كلامها واجتهادها رضي الله تعالى عنها وأرضاها، ولكن لا شك أن كون الإنسان إذا كان اعتكافه ليس خاصاً في الليل بأن يكون أكثر من ليلة فالأحوط له أن يكون بصيام دفعاً للاحتمال والاشتباه، ووجود شرط الصوم ما هناك دليل واضح يدل عليه إلا هذا الحديث، والحديث محتمل بأن يكون مرفوعاً وأن يكون غير مرفوع، ولكن قطع الشك باليقين، والأخذ بالاحتياط بأن الإنسان يصوم، لا شك أن هذا من باب: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك). قوله: [ (ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع) ]. يعني: في مسجد جامع، والجامع إنما أن يراد به الذي تقام فيه الجماعة أو المقصود به الجمعة والجماعة، وعلى كل فيمكن أن يعتكف الإنسان في أي مسجد تقام فيه الجماعة، وإذا جاءت الجمعة يذهب إليها، والذهاب إلى الجمعة لا يؤثر على اعتكافه. تراجم رجال إسناد حديث (السنة على المعتكف إلا يعود مريضاً...) قوله: [ حدثنا وهب بن بقية ]. هو وهب بن بقية الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ أخبرنا خالد ]. هو خالد بن عبد الله الطحان الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن -يعني ابن إسحاق- ]. عبد الرحمن بن إسحاق صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن الزهري عن عروة عن عائشة ]. الزهري و عروة و عائشة قد مر ذكرهم. [ قال أبو داود : غير عبد الرحمن بن إسحاق لا يقول فيه: قالت: السنة ]. فمعنى هذا أنه يكون من كلامها. [ قال أبو داود : جعله قول عائشة ]. إذا لم يذكر ذكر فيه: (السنة) يكون من قول عائشة . شرح حديث (أن عمر جعل عليه أن يعتكف في الجاهلية ليلة أو يوماً عند الكعبة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا أبو داود حدثنا عبد الله بن بديل عن عمرو بن دينار عن ابن عمر : (أن عمر رضي الله عنه جعل عليه أن يعتكف في الجاهلية ليلة أو يوماً عند الكعبة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اعتكف وصم) ]. هذا الحديث لا يطابق الترجمة؛ لأنه لا علاقة له بعيادة المريض، وإنما هو في النذر والوفاء بالنذر والاعتكاف يعني: إذا نذر اعتكافاً فإنه يأتي به، فليس فيه ما يطابق الترجمة التي عقدها أبو داود رحمه الله وجعل الحديث تحتها، فلا أدري ما وجهه هل جاء تبعاً أم أن فيه ترجمة سقطت؟ فهو يتعلق بالنذر أي: نذر الاعتكاف في حال الكفر، ثم بعد ذلك يكون الوفاء به في الإسلام المهم أنه لا يطابق الترجمة. أورد أبو داود حديث عمر رضي الله عنه: (أنه نذر في الجاهلية أن يعتكف ليلة أو يوماً في المسجد الحرام، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اعتكف وصم) وفي هذا دليل على أن نذر القربة الذي يكون في الجاهلية يصح أن يفي الإنسان به بعدما يدخل في الإسلام، وقد أرشد رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب إلى ذلك، حيث أمره بأن يفي بنذره، وأما ما جاء في ذكر الصيام، وذكر اليوم أو الليلة فالذي ثبت في الصحيحين هو ذكر الليلة، ويحتمل أن تكون الليلة معها يوم، ومعلوم أنه أحياناً يذكر اليوم وتتبعه الليلة، وأحياناً تذكر الليلة ويتبعها اليوم، والذي هو ثابت ذكر الليلة، وأما ما جاء من ذكر أنه مأمور بالصيام لم يرد إلا في هذه الطريق التي هي ليست في الصحيحين، وإنما هي عند أبي داود وفيها عبد الله بن بديل ، وفيه كلام. تراجم رجال إسناد حديث (أن عمر جعل عليه أن يعتكف في الجاهلية ليلة أو يوماً عند الكعبة...) قوله: [ حدثنا أحمد بن إبراهيم ]. هو أحمد بن إبراهيم الدورقي ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ حدثنا أبو داود ]. أبو داود هو سليمان بن داود الطيالسي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا عبد الله بن بديل ]. عبد الله بن بديل صدوق يخطئ، أخرج له البخاري تعليقاً و أبو داود و النسائي . [ عن عمرو بن دينار ]. هو عمرو بن دينار المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. ابن عمر قد مر ذكره. شرح حديث (أن عمر جعل عليه أن يعتكف في الجاهلية ليلة أو يوماً عند الكعبة..) من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن عمر بن محمد بن أبان بن صالح القرشي حدثنا عمرو بن محمد -يعني العنقري - عن عبد الله بن بديل بإسناده نحوه قال: (فبينما هو معتكف إذ كبر الناس فقال: ما هذا يا عبد الله ؟! قال: سبي هوازن أعتقهم النبي صلى الله عليه وسلم قال: وتلك الجارية فأرسلها معهم) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه أنه ذكر ما تقدم من ذكر الاعتكاف، وزاد فيه قوله: (فبينما هو معتكف إذ كبر الناس فقال: ما هذا يا عبد الله؟ قال: سبي هوازن أعتقهم النبي صلى الله عليه وسلم). يعني: أنهم كبروا فرحاً، والتكبير يكون عند الفرح، وكان هذا يحصل عند الصحابة، وجاء في أحاديث قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة قال: فكبرنا) يعني: فرحاً وسروراً، وهذا يدل على أنه عندما يأتي شيء سار أنه يشرع التكبير، ولا يصلح التصفيق مثل ما يحصل في هذا الزمان عند كثير من الناس. قوله: [ (قال: وتلك الجارية فأرسلها معهم) ]. يعني: وكانت عند عمر وهي منهم؛ لأنها من سبي هوازن، إذاً فتلحقهم في العتق. تراجم رجال إسناد حديث (أن عمر جعل عليه أن يعتكف في الجاهلية ليلة أو يوماً عند الكعبة) من طريق أخرى قوله: [ حدثنا عبد الله بن عمر بن محمد بن أبان بن صالح القرشي ]. وهو صدوق، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا عمرو بن محمد -يعني العنقري- ]. عمرو بن محمد العنقري ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن . [ عن عبد الله بن بديل بإسناده نحوه ]. مر ذكره. ما جاء في اعتكاف المستحاضة شرح حديث (اعتكف مع رسول الله امرأة من أزواجه فكانت ترى الصفرة والحمرة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المستحاضة تعتكف. حدثنا محمد بن عيسى و قتيبة بن سعيد قالا: حدثنا يزيد عن خالد عن عكرمة عن عائشة قالت: (اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من أزواجه، فكانت ترى الصفرة والحمرة، فربما وضعنا الطست تحتها وهي تصلي) ]. أورد أبو داود باباً في المستحاضة تعتكف. والمستحاضة هي: التي يخرج منها الدم بصفة دائمة، وهو غير الحيض؛ لأن الحيض يأتيها في أوقات معينة، فالمستحاضة عندما يأتيها الحيض تكون مدته معينة، فإذا جاءت المدة تمسك عن الصلاة والصيام، فإذا مضت مدته -وكان ذلك يعرف بلونه أو بمعرفة وقته أو أنها تقدر لها أياماً معلومة- فيكون الباقي استحاضة. فأورد أبو داود حديث المرأة تعتكف وهي مستحاضة، والمستحاضة كما هو معلوم يكون معها الدم باستمرار، وذلك لا يمنع من صيامها، ولا من صلاتها، ولا من جماعها، ولا من جميع الأعمال التي تحتاج إلى الطاهرة؛ لأن هذا شيء لا علاقة لها به، فلا يعامل معاملة الحيض، فهي تصوم وتصلي، وتعتكف وتقرأ القرآن من المصحف، وكذلك يجامعها زوجها، وتفعل كل الأمور التي تكون من الطاهرات. فأورد أبو داود حديث عائشة أن إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم كانت مستحاضة، وأنها كانت ترى الصفرة والحمرة، وأنها كانت تعتكف في المسجد، وأنهم كانوا يضعون الطست لها وهي تصلي، وقيل: إن هذه المرأة هي أم سلمة رضي الله عنها، ومثل المستحاضة مثل من به حدث دائم كالذي معه سلس البول، أو الذي يكون معه الريح التي تخرج باستمرار، فيتوضأ عند دخول الوقت ولا يؤثر ما يحصل له بعد ذلك؛ لأن هذا شيء خارج عن إرادته، والله تعالى يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] ويدل على اعتكاف المستحاضة وعلى دخولها المسجد والمكث فيه، ولكنها تعمل على عدم تلويث المسجد، وعدم تعريضه لأن يسقط عليه شيء من الدم. تراجم رجال إسناد حديث (اعتكف مع رسول الله امرأة من أزواجه فكانت ترى الصفرة والحمرة..) قوله: [ حدثنا محمد بن عيسى و قتيبة بن سعيد قالا: حدثنا يزيد ]. محمد بن عيسى و قتيبة بن سعيد مر ذكرهما، و يزيد هو ابن زريع ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خالد ]. هو خالد بن مهران الحذاء ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وقد مر ذكرها. الجمع بين وصف صفوان بن المعطل في حادثة الإفك بأنه لا يقرب النساء وبين منعه لامرأته من صيام النافلة مر ذكر صفوان بن المعطل في باب المرأة تصوم بغير إذن زوجها، وقلنا: هل هو معطِّل أو معطَّل؟ وقد رأيت الحافظ ابن حجر في فتح الباري في شرح حديث الإفك في تفسير سورة النور من صحيح البخاري قال: إنه بفتح الطاء المشددة فهو (معطَّل) وليس (معطِّل)، وسبق أن مر في الحديث أنه كان شديد الشهوة حتى كان يفطر امرأته ويمنعها من تطويل الصلاة؛ لأنه يريد أن يستمتع بها، وقد جاء في حديث الإفك أنه ما كشف عن كنف امرأة قط، وهذا محمول على أنه قبل أن يتزوج، وفي القصة أنه أدرك عائشة بعد أن ذهبوا عنها، وأتى بها وأناخ البعير، وأركبها عليه، وجعل يقوده حتى وصل إليهم، وبعد ذلك حصل ما حصل من الكلام في الإفك، والرسول صلى الله عليه وسلم تأثر وتألم لما حصل، وكان لا يعلم الحقيقة والواقع، وكان يأتي إليها ويقول: (يا عائشة إن كنت ألممت بذنب فتوبي إلى الله واستغفري) ولو كان يعلم الغيب صلى الله عليه وسلم لعرف ذلك من مجرد ما يحصل، ولا يحتاج إلى أن يقول: إن كنت أذنبت بذنب فتوبي إلى الله واستغفري، فهذا من جملة الأدلة الدالة على أنه صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب على الإطلاق، وأنه لا يعلم من الغيب إلا ما أعلمه الله عز وجل إياه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وفي قوله: إنه ما كشف عن كنف امرأة قط. هذا محمول على أنه ما كان قد تزوج، ثم إنه تزوج فيما بعد. الأسئلة حكم اعتكاف المرأة في مسجد بيتها السؤال: هل يجوز للمرأة أن تعتكف في بيتها أو في مسجد بيتها؟ الجواب: لا نعلم دليلاً يدل على هذا، وبعض أهل العلم قال به، لكن الاعتكاف معروف أنه في المساجد، والنساء كن يعتكفن في المساجد مع رسول الله في مسجده."
__________________
|
#496
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الهجرة شرح سنن أبي داود [289] الحلقة (321) شرح سنن أبي داود [289] شرع الله تعالى جهاد الكفار وقتالهم لنصرة الدين، وأوجب على المسلمين الهجرة قبل فتح مكة للحاق بمحمد صلى الله عليه وسلم في المدينة ونصرته على عدوه، فلما أعز الله الإسلام وفتح مكة لنبيه عليه الصلاة والسلام نسخ وجوب الهجرة، وللمرء بعدها أن يعمل ولو من وراء البحار، فإن الله لا يضيع عمل عامل. ما جاء في الهجرة وسكنى البدو شرح حديث أبي سعيد في الهجرة وسكنى البدو قال المصنف رحمه الله تعالى: [ كتاب الجهاد. باب ما جاء في الهجرة وسكنى البدو. حدثنا مؤمل بن الفضل ، حدثنا الوليد -يعني ابن مسلم - عن الأوزاعي ، عن الزهري ، عن عطاء بن يزيد ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن أعرابياً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الهجرة فقال: ويحك! إن شأن الهجرة شديد، فهل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: فهل تؤدي صدقتها؟ قال: نعم، قال: فاعمل من وراء البحار فإن الله لن يترك من عملك شيئاً) ]. الجهاد: مأخوذ في اللغة من الجهد والمشقة، وذلك لأن فيه مشقة احتمال ذهاب النفس، وذهاب المال، فإن لم يحصل ذهاب فيحتمل حصول نقص في الخلقة، بأن يحصل له عيب بسبب الجهاد في سبيل الله عز وجل. والشاعر يقول: لولا المشقة ساد الناس كلهم الجود يفقر والإقدام قتال أي: وليس كل الناس يصبرون على القتل، وذلك خشية الموت، ولا على البذل والإعطاء، وذلك خشية الفقر. وفي الشرع: هو بذل الجهد في قتال العدو، ويكون فرض عين ويكون فرض كفاية، فيكون فرض عين حيث يختار من أهل البلاد أعداد يوجهون للغزو والجهاد في سبيل الله، وكذلك يكون فرض عين إذا استنفر أهل البلد أو داهمهم العدو. وأما إذا لم يكن هناك ما يقتضي أن يكون فرض عين فإنه يكون فرض كفاية، بمعنى أنه يختار من الناس أناس أو جماعة من بعض البلاد دون بعضها ليقوموا بالجهاد في سبيل الله، ويذهبوا إلى بلاد الكفار يدعونهم إلى الدخول في الإسلام، أو أن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، وقد أورد أبو داود رحمه الله هذا الباب: باب ما جاء في الهجرة وسكنى البدو. فالهجرة: هي الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام. وكان النبي صلى الله عليه وسلم هاجر إلى المدينة، وهاجر أصحابه معه، وصارت المدينة فيها المهاجرون الذين جاءوا إلى المدينة من مكة ومن غيرها لصحبة النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ونصرته، والأنصار الذين استقبلوه وآووه وأيدوه ونصروه، فكان المهاجرون أفضل من الأنصار؛ لأنهم جمعوا بين الهجرة والنصرة، وأما الأنصار فكانت عندهم النصرة فقط، والله تعالى وصف المهاجرين بالهجرة والنصرة بقوله: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحشر:8]. أورد المصنف حديث أبي سعيد الخدري : (أن أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله عن الهجرة، فقال: ويحك، إن شأن الهجرة شديد) (ويحك) كلمة تقال لمن وقع في شيء يشفق عليه منه وليس مذموماً، بخلاف (ويلك) فإنها تقال لإنسان وقع في محذور، وهذا الأعرابي لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الهجرة ما أمره بأن يبقى ولكنه سأله: (هل لك من إبل؟ قال: نعم. قال: هل تؤدي صدقتها قال: نعم، قال: فاعمل من رواء البحار) يعني: اعمل الأعمال الصالحة وكن مع إبلك من وراء البحار [ (ولن يترك الله من عملك شيئاً) ] أي: لن ينقصك من عملك شيئاً. قوله: [(من وراء البحار)] يعني: من وراء المدن والقرى؛ لأن البحار يراد بها المدن والقرى، والبحرة هي البلدة أو القرية. قوله: [ (وكن مع إبلك) ] لعل النبي صلى الله عليه وسلم خشي عليه ألا يستمر في هجرته، وأن يقطعها لاسيما وعنده إبل يكون متعلقاً بها، فقد يحصل له رجوع عن هجرته ويحصل له ترك لهجرته، فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشده إلى أن يبقى مع إبله، وأن يعبد الله عز وجل، ولا ينقصه الله عز وجل من عمله شيئاً، وأما إذا كان الإنسان ليس عنده ما يشغله، وهو في البلد الذي هو فيه لا يستطيع أن يؤدي شعائر دينه، فإن عليه أن ينتقل، وأما إذا كان بقاؤه بالبلد الذي فيه كفار فيه مصلحة وفيه فائدة من ناحية أنه يدعو إلى الله عز وجل، وهو متمكن من دينه ويقوم بشعائر دينه، وليس عليه محذور في ذلك، فقد يكون من الأصلح والأوفق له أن يبقى لهذا الغرض ولهذه المهمة العظيمة، وإذا لم يستطع القيام بشعائر دينه، فإن عليه أن ينتقل من ذلك البلد إلى بلد يستطيع أن يقوم فيه بشعائر دينه. تراجم رجال إسناد حديث أبي سعيد في الهجرة وسكنى البدو قوله: [ حدثنا مؤمل بن الفضل ]. مؤمل بن الفضل صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا الوليد -يعني ابن مسلم- ]. هو الوليد بن مسلم الدمشقي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأوزاعي ]. هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، وهو فقيه الشام ومحدثها، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء بن يزيد ]. هو عطاء بن يزيد الليثي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد الخدري ]. هو سعد بن مالك بن سنان ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وافتتح أبو داود رحمه الله كتاب الجهاد بالهجرة؛ لأن الهجرة هي من أجل النصرة، ومن أجل الجهاد في سبيل الله، وكان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يأتون من مكة ومن غير مكة مهاجرين إلى المدينة لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم والجهاد معه. شرح حديث عائشة في البداوة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو بكر و عثمان ابنا أبي شيبة قالا: حدثنا شريك ، عن المقدام بن شريح ، عن أبيه قال: (سألت عائشة رضي الله عنها عن البداوة؟ فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله سلم يبدو إلى هذه التلاع، وإنه أراد البداوة مرة فأرسل إلي ناقة محرمة من إبل الصدقة، فقال لي: يا عائشة ! ارفقي؛ فإن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه، ولا نزع من شيء قط إلا شانه) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبدو، والبداوة: هي الذهاب إلى البادية، وليس المقصود سكنى البادية. قوله: [ (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبدو إلى هذه التلاع) ]. أي: يظهر ويذهب إلى تلك التلاع، والتلاع: هي الأماكن التي ينحدر فيها من علو إلى سفل. وكون الإنسان يذهب للبادية إنما يكون في بعض الأحيان، وليس لسكنى البادية، ومعلوم أن الرسل الذين أرسلهم الله عز وجل كلهم من الحاضرة وليسوا من البادية، وكذلك هم من الرجال وليسوا من النساء، كما قال الله عز وجل: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى [يوسف:109]. (( رِجَالًا )) أي: ليسوا نساءً، (( مِنْ أَهْلِ الْقُرَى )) أي: ليسوا من أهل البادية، والذهاب إلى البادية في بعض الأحيان لا يخرج الإنسان من كونه حضرياً إلى كونه بدوياً، وأئمة اللغة الذين جمعوها كانوا يذهبون إلى البادية ويبقون الأشهر يدونون اللغة ويعرفون الكلام، ولم يكونوا بذلك بدواً، وكذلك ما ذكر الله عز وجل عن يوسف وإخوته: وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ [يوسف:100]، ليس معنى ذلك: أنهم من سكان البادية، وإنما ذلك مثل ما جاء في حق نبينا صلى الله عليه وسلم من أنه كان يذهب للبادية، وهم كذلك كانوا يذهبون. وعلى هذا فقول الله عز وجل: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى [يوسف:109] لا يعترض عليه بما جاء عن يعقوب وأبنائه أنهم جاءوا من البادية. قوله: [ (وأنه أراد البداوة) ] أي: أن يذهب إلى البادية. قوله: [ (فأرسل إلي ناقةً محرمة من إبل الصدقة) ] المحرمة: هي الناقة التي فيها صعوبة وليست ذلولاً؛ ولهذا يقولون: فلان يركب الصعب والذلول، يضربون به المثل في تحمل المشاق. وقولها: (أرسل إلي ناقةً محرمة)، لا أدري ما الوجه في إرسالها، هل هو لحلبها، أو لغير ذلك؟! وأرشدها صلى الله عليه وسلم إلى الرفق مطلقاً، ولكن أتى به هنا إشارة إلى الرفق بها، وأنها وإن كانت صعبة فإنها ترفق بها ولا تقسو عليها. قوله: [ (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه) ]، يدلنا على فضل الرفق، وعلى أن الرفق محمود وأن ضده مذموم. تراجم رجال إسناد حديث عائشة في البداوة قوله: [ حدثنا أبو بكر ]. هو أبو بكر بن أبي شيبة ، وهو عبد الله بن محمد بن أبي شيبة ، أخو عثمان ، و عثمان أكثر عنه أبو داود ، وأما أبو بكر فذكره قليل عند أبي داود ، و مسلم أكثر عنه ولم يرو مسلم عن رجل كما روى عن أبي بكر بن أبي شيبة ، فإنه روى عنه أزيد من ألف وخمسمائة حديث، فهو أكثر المشايخ الذين روى عنهم مسلم في صحيحه، وينقل الحافظ ابن حجر في آخر بعض التراجم من تهذيب التهذيب من كتاب يقال له الزهرة، يقول: إنه روى البخاري له كذا وروى له مسلم كذا، وعندما جاء إلى ذكر ابن أبي شيبة ذكر في ترجمته أن البخاري روى عنه ثلاثين حديثاً، وأن مسلماً روى عنه ألفاً وخمسمائة وكذا حديث، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ و عثمان ]. هو عثمان بن أبي شيبة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، وإلا النسائي فإنه إنما أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا شريك ]. هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي ، وهو صدوق ساء حفظه لما ولي القضاء، ويخطئ كثيراً، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. و شريك إذا جاء في مثل هذه الطبقة وهي طبقة شيوخ شيوخ أبي داود ، فالمراد به شريك القاضي هذا، وأما شريك بن عبد الله بن أبي نمر فهو من طبقة التابعين، يروي عن الصحابة. [ عن المقدام بن شريح ]. وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. وهو ثقة، أخرج له كذلك البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ قال: سألت عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. الهجرة هل انقطعت؟ شرح حديث معاوية في عدم انقطاع الهجرة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الهجرة هل انقطعت؟ حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي ، أخبرنا عيسى عن حريز بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي عوف عن أبي هند عن معاوية رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله سلم يقول: (لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها) ]. أورد أبو داود [ باباً في الهجرة هل انقطعت؟ ] وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الهجرة من مكة إلى المدينة انتهت بالفتح؛ لأنه بفتح مكة صارت دار إسلام، وقبل ذلك كانت دار كفر، وكان الصحابة يهاجرون منها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعد صلح الحديبية حصل الاتفاق الذي كان من ضمن ما شرطه الكفار على النبي صلى الله عليه وسلم أن من جاء من الكفار إلى المسلمين مسلماً فإنه يرد عليهم، وأما من جاء من المسلمين إلى الكفار مرتداً فإنه لا يرد، فالصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ومنهم عمر و سهل بن حنيف تألموا وتأثروا من هذا الشرط، وكانوا يراجعون النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، والرسول صلى الله عليه وسلم يخبرهم بأنه رضي بهذا، فسكتوا وهم متألمون ومتأثرون، ولكن ماذا كانت النتيجة؟ كان الذين يسلمون ويهربون من الكفار لا يقبلهم الرسول صلى الله عليه وسلم بناءً على هذا الشرط، وهم لا يريدون أن يرجعوا إلى الكفار، فاجتمعوا وصاروا على ساحل البحر، وكلما جاءت عير لقريش اعترضوها، حتى ساء ذلك قريشاً، فرغبوا في أن يتخلصوا من هذا الشرط، فعند ذلك طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبلهم، فكان في ذلك مصلحة، ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم عندما يأتي شيء قد يكون فيه مشقة على النفس ولا تقبله النفس، يقول بعضهم: يا أيها الناس! اتهموا الرأي في الدين، وقد قال ذلك سهل بن حنيف في صفين لما أراد أهل الشام التحكيم، حيث كان الذين مع علي رضي عنه ومنهم سهل بن حنيف يرون أن يوقف القتال، وأن يصير الناس إلى التحكيم، فكان سهل يقول للذين يريدون أن يواصل القتال: يا أيها الناس اتهموا الرأي في الدين، ويذكر قصة صلح الحديبية وما حصل فيها، وأنهم كانوا رأوا شيئاً فكانت المصلحة بخلافه. فالهجرة من مكة انتهت؛ ولهذا جاء في الحديث: (لا هجرة بعد الفتح) أي لا هجرة من مكة إلى المدينة بعد أن فتحت مكة، وصارت دار إسلام لكن بقي الجهاد والنية، وأنه إذا حصل الاستنفار من المسلمين فإنهم ينفرون للجهاد في سبيل الله. وأورد أبو داود حديث معاوية رضي الله عنه: (لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تخرج الشمس من مغربها) يعني: في آخر الزمان، ومعنى هذا: أن الهجرة من بلاد الكفار إلى بلاد المسلمين باقية لا تنتهي، وإنما الذي انتهى الهجرة من مكة إلى المدينة؛ لأن مكة صارت دار إسلام، فالحديث يدل على عدم انقطاع الهجرة، وأما الحديث الذي سيأتي (لا هجرة بعد الفتح) فالمقصود بذلك: الهجرة المتحتمة لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما ما عدا ذلك فإن الهجرة مستمرة ولم تنقطع. تراجم رجال إسناد حديث معاوية في عدم انقطاع الهجرة قوله: [ حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي ]. إبراهيم بن موسى الرازي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا عيسى ]. هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حريز بن عثمان ]. حريز بن عثمان ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن عبد الرحمن بن أبي عوف ]. عبد الرحمن بن أبي عوف ثقة، ويقال أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن أبي هند ]. وهو مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن معاوية ]. هو معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أمير المؤمنين وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث ابن عباس في انقطاع الهجرة بعد الفتح قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس قال: ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح فتح مكة: لا هجرة، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا) ]. قال عليه الصلاة والسلام يوم الفتح: (لا هجرة) -يعني: بعد الفتح- (ولكن جهاد ونية) وكون الإنسان ينتقل من بلده إنما ينتقل للجهاد في سبيل الله، ويكون عنده نية الجهاد في سبيل الله إن طلب منه، وإن لم يطلب منه فإنه يكون على استعداد، وإذا استنفر الجميع ينفرون، حيث يتعين الجهاد ويكون فرض عين عليهم مثلما حصل في غزوة تبوك، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم استنفر الناس، ولم يبق إلا المنافقون وأصحاب الأعذار، وإلا الثلاثة الذين خلفوا وتاب الله عليهم، والذين ذكر الله قصتهم في سورة التوبة وهم كعب بن مالك وصاحباه رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين. قوله: [ (وإذا استنفرتم فانفروا) ] الرسول صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى القتال وأخبرهم بوجهته، وأنه سيذهب لغزو الروم، وكان الصيف شديداً والظهر قليلاً، وكان إذا أراد غزوة ورى بغيرها، وفي هذه الغزوة أعلن عنها واستنفر الناس، ومن تأخر وفقد وهو ليس من أهل الأعذار سئل عنه، ومنهم كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه. تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في انقطاع الهجرة بعد الفتح قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير ]. جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور ]. هو منصور بن المعتمر الكوفي ، وهو ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مجاهد ]. هو مجاهد بن جبر المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن طاوس ]. هو طاوس بن كيسان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (...والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن إسماعيل بن أبي خالد حدثنا عامر قال: أتى رجل عبد الله بن عمرو وعنده القوم حتى جلس عنده، فقال: أخبرني بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، أنه جاءه رجل وسأله عن شيء سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه) أي: المسلم الحق والمسلم الكامل. والمهاجر الحق من هجر ما نهى الله عنه؛ لأن من هجر ما نهى الله عنه وجاهد نفسه يستطيع أن يجاهد الكفار، ويقاتل في سبيل الله؛ لأنه جاهد نفسه، وطوعها لله عز وجل. والمسلم هو الذي سلم المسلمون من لسانه ويده، فلم يصل إليهم أذاه، لا من يد ولا من لسان، وذكر اللسان والمقصود به التكلم في الناس والوقوع في أعراضهم، وقد عبر باللسان ولم يعبر بالقول، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري: إن التعبير باللسان دون التعبير بالقول من فوائده أن الإنسان يمكن أن يؤذي بلسانه بدون قول، كأن يخرجه ويستهزئ. وكذلك كلمة: (يده) يفيد عمومها أن الإنسان قد يموت وتبقى آثار يده بالكتابة، من كونه يكتب سوءاً، ويكتب أموراً منكرة، ويكتب ضلالاً، ويحرر بيده أمراً باطلاً، ثم يبقى ذلك الكتاب فيتضرر منه الناس، فهذا يكون من ضرر اليد، ويمكن أن يكون الضرر في حياته بالضرب وبالبطش وغير ذلك، ويمكن أن يكون بالكتابة، ثم تبقى الكتابة بعده، ويتضرر الناس بما خطته يداه؛ ولهذا يقول الشاعر: كتبت وقد أيقنت يوم كتابتي بأن يدي تفنى ويبقى كتابها فإن عملت خيراً ستجزى بمثله وإن عملت شراً علي حسابها فاليد آثارها تكون في الحياة وتكون بعد الممات. والمهاجر حقاً من هجر ما نهى الله عنه، والذي يهجر ما نهى الله عنه ويستقيم على طاعة الله ويكون قوي الإيمان، هو الذي يكون له النكاية في الكفار، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما غزوا الكفار وكان عددهم قليلاً، وعدتهم قليلة، وكان الكفار أكثر منهم عدداً، وكانوا أقوى منهم عُدَداً، ومع ذلك كان الكفار يشخونهم؛ لأن عندهم قوة الإيمان؛ ولأنهم هجروا ما نهى الله عنه، وصدقوا الله عز وجل في إيمانهم وفي يقينهم وفي تقربهم إلى الله عز وجل، فخافهم الكفار، وحيث كان الناس في هذا الزمان بالعكس، فهم كثرة كاثرة، ولكنهم غثاء كغثاء السيل، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان شأنهم أنهم يخافون من الكفار والكفار لا يخافون منهم. تراجم رجال إسناد حديث: (...والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. يحيى هو ابن سعيد القطان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ]. إسماعيل بن أبي خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عامر ]. هو عامر هو ابن شراحيل الشعبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عبد الله بن عمرو ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. ما جاء في سكنى الشام شرح حديث عبد الله بن عمرو في سكنى الشام قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في سكنى الشام. حدثنا عبيد الله بن عمر حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن شهر بن حوشب عن عبد الله بن عمرو أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (ستكون هجرة بعد هجرة، فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم، ويبقى في الأرض شرار أهلها تلفظهم أرضوهم تقذرهم نفس الله، وتحشرهم النار مع القردة والخنازير) ]. أورد أبو داود باباً في سكنى الشام فذكر شيئاً مما ورد في سكنى الشام، وأن في ذلك فضلاً، وقد ورد فيه أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن الشام في آخر الزمان يحشر الناس إليها، وينزل عيسى بن مريم هناك، ويكون المهدي الذي يخرج في آخر الزمان هناك، ويصلي خلفه عيسى بن مريم في بيت المقدس، وأن عيسى بن مريم يدرك الدجال بباب لد فيقتله، ويريهم دمه في حربته صلى الله عليه وسلم، وكذلك تأتي يأجوج ومأجوج إلى هناك، ويهلكهم الله عز وجل، فورد في الشام أحاديث منها ما أورده المصنف هنا عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما قال: قال صلى الله عليه وسلم: (ستكون هجرة بعد هجرة، فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم) الذي هو بلاد الشام. قوله: [ (ويبقى في الأرض شرار أهلها تلفظهم أرضوهم) ]، يعني: في آخر الزمان. قوله: (تقذرهم نفس الله) أي: أن الله تعالى يكرههم، قالوا: المراد بالنفس هنا الذات، ومعلوم أن النفس جاءت مضافة إلى الله في القرآن، وفي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتأتي يراد بها الذات، والمقصود بذلك يقذرهم الله، والحديث فيه كلام من جهة شهر بن حوشب الذي هو أحد الرواة، والألباني ضعفه هنا، ولكنه حسنه في بعض المواضع لبعض الشواهد. تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عمرو في سكنى الشام قوله: [ حدثنا عبيد الله بن عمر ]. هو عبيد الله بن عمر القواريري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا معاذ بن هشام ]. هو معاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ، وهو صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني أبي ]. أبوه هو هشام بن أبي عبد الله ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شهر بن حوشب ]. كثير الإرسال والأوهام، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن عمرو ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص ، وقد مر ذكره. والحديث فيه قتادة ، وروايته بالعنعنة، وفيه شهر بن حوشب الذي هو كثير الأوهام. شرح حديث ابن حوالة في فضل الشام قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حيوة بن شريح الحضرمي حدثنا بقية قال: حدثني بحير عن خالد -يعني ابن معدان - عن أبي قتيلة عن ابن حوالة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سيصير الأمر إلى أن تكونوا جنودا مجندة، جند بالشام، وجند باليمن، وجند بالعراق، قال ابن حوالة : خر لي يا رسول الله إن أدركت ذلك، فقال: عليك بالشام فإنها خيرة الله من أرضه يجتبي إليها خيرته من عباده، فأما إن أبيتم فعليكم بيمنكم واسقوا من غدركم، فإن الله توكل لي بالشام وأهله) ]. أورد المصنف هذا الحديث عن عبد الله بن حوالة رضي الله عنه، وهو في فضل الشام قال: (سيصير الأمر إلى أن تكونوا جنوداً مجندة). قوله: [ (واسقوا من غدركم) ]. الغدر: جمع غدير، وهو الذي يبقى بعد ذهاب السيل، وبعد انقطاع المطر، والناس يأتون إليها ويشربون منها. قوله: [ (فإن الله توكل لي بالشام وأهله) ]. يعني: أنه وعده بأن يكلأهم ويحفظهم. تراجم رجال إسناد حديث ابن حوالة في فضل الشام قوله: [ حدثنا حيوة بن شريح الحضرمي ]. حيوة بن شريح الحضرمي ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ حدثنا بقية ]. هو بقية بن الوليد ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أصحاب السنن. [ حدثني بحير ]. هو بحير بن سعد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن خالد -يعني ابن معدان - ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي قتيلة ]. وهو صحابي أخرج له أبو داود . [ عن ابن حوالة ]. وهو صحابي أخرج له أبو داود ."
__________________
|
#497
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الجهاد شرح سنن أبي داود [290] الحلقة (322) شرح سنن أبي داود [290] الجهاد في سبيل الله هو ذروة سنام الإسلام؛ لما فيه من إظهار قوة المسلمين وغلبتهم على عدوهم، ونشر دين الله في أرجاء المعمورة، وقد أراد الله لهذه الفريضة العظيمة أن تستمر ما امتدت الحياة حتى يقاتل آخر هذه الأمة المسيح الدجال في آخر الزمان. ما جاء في دوام الجهاد شرح حديث الطائفة المنصورة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في دوام الجهاد. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن قتادة عن مطرف عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله سلم: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال) ]. أورد أبو داود باب دوام الجهاد، وأن الجهاد مستمر لا ينقطع، وأنه باق ما بقي الحق والباطل، وما بقي المؤمنون والكفار، ولكنه في بعض الأزمان يعظم ويكثر أثره، وفي بعض الأزمان يضعف ويقل، ولكنه باق وسيستمر إلى نهاية الدنيا، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة: الأجر والمغنم) وجاء أحاديث كثيرة في ذلك. وأورد أبو داود حديث عمران بن حصين قال: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم) الظهور هو الغلبة، وهذا يدل على أن الجهاد لا ينقطع، وأنه باق، وأن آخر هذه الأمة يقاتل الدجال، ولكن في بعض الأزمان -مثل هذا الزمان وأزمان طويلة- لا تجد المسلمين يذهبون من بلادهم ليقاتلوا الكفار، وليدعوهم إلى الدخول في الإسلام، وليأخذوا منهم الجزية، وإنما الجهاد في هذا الزمان دفاع عن النفس، وذلك أنه إذا اعتدى الكفار على المسلمين فإن المسلمين يدافعون عن أنفسهم، هذا هو الجهاد الذي يمكن أن يقال له جهاد في هذا الزمان، ثم كل على حسب نيته، فمن الناس من يجاهد في سبيل الله وهو محتسب، وفيهم من لا تكون عنده هذه النية، وإنما عنده أنه يقاتل حمية وعصبية، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه سئل عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل ليرى مكانه؛ أي ذلك في سبيل الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) ولكن من قاتل دون نفسه، ومن قاتل دون ماله، فلا شك أن هذا من الجهاد في سبيل الله. تراجم رجال إسناد حديث الطائفة المنصورة قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن قتادة عن مطرف ]. قتادة بن دعامة ، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمران بن حصين ]. عمران بن حصين رضي الله عنه، أبو نجيد ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. ما جاء في ثواب الجهاد شرح حديث: (أي المؤمنين أكمل إيماناً؟ قال: رجل يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في ثواب الجهاد. حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا سليمان بن كثير حدثنا الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد: (عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه سئل: أي المؤمنين أكمل إيماناً؟ قال: رجل يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله، ورجل يعبد الله في شعب من الشعاب قد كفى الناس شره) ]. أورد أبو داود باباً في ثواب الجهاد، يعني: أجره وثوابه عند الله عز وجل، فأورد حديث أبي سعيد رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي المؤمنين أكمل إيماناً؟ فقال: رجل يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله)، فهذا يدلنا على فضل الجهاد؛ لأن صاحبه وصف بأنه أكمل المؤمنين إيماناً. والجهاد يكون بالنفس والمال، ويكون بالنية، ويكون باللسان، ويكون بالقلم، كل ذلك يدخل تحت الجهاد في سبيل الله، ويكون أيضاً بمجاهدة النفس، وجميع هذه الأمور إنما هي تابعة لجهاد النفس؛ لأن جهاد النفس إذا وجد وجدت معه تلك الأشياء الأخرى وأثرت وأثمرت، وأما إذا كانت النفس لم تجاهد بل كانت واقعة في المعاصي، فإن فاقد الشيء لا يعطيه كما يقولون، ولكن من جاهد نفسه هو الذي يؤثر ويفيد، سواء في جهاده للكفار، أو في دعوته إلى الله عز وجل، أو في كتابته في الحق والدعوة إليه والدلالة عليه، أو في النية إذا كان عاجزاً وغير مستطيع، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان في غزوة تبوك: (إن بالمدينة لأقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم؛ حبسهم العذر) يعني: أنهم جاهدوا بنياتهم، فهم بقلوبهم وليسوا بأجسامهم. وقد كان بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين لا يجدون ما يتمكنون به من الغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتون إليه ويطلبون منه أن يحملهم، ثم الرسول صلى الله عليه وسلم يعتذر بأنه لا يجد ما يحملهم عليه، فيرجعون وهم يبكون؛ لأنهم ما تمكنوا من الجهاد في سبيل الله، وذلك بسبب فقرهم وقلة ذات يدهم، فهم وإن تخلفوا إلا أنهم مع المسلمين في الجهاد في سبيل الله بالنية. وكثيراً ما يأتي في القرآن ذكر الجهاد بالنفس والمال، ويقدم ذكر الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس، وذلك لأن الجهاد بالمال من أسباب الجهاد بالنفس؛ ففيه بذل الأموال من أجل السلاح ومن أجل المركوب وما إلى ذلك، و عثمان بن عفان رضي الله عنه في غزوة تبوك جهز ثلاثمائة بعير عليها أقتابها وأحمالها في سبيل الله رضي الله عنه وأرضاه، فالمال يكون فيه تمكين لأصحاب العذر الذين لا يقدرون على الجهاد أن يجدوا ظهراً يركبونه ويتمكنون من الجهاد، وكذلك الطعام والزاد وما إلى ذلك من حاجات المجاهدين في سبيل الله، وقد ذكر ابن القيم أن كل ما في القرآن من ذكر الجهاد بالنفس والمال فيه تقديم الأموال على الجهاد بالنفس إلا في آية واحدة، وهي: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [التوبة:111] فقدم الأنفس على الأموال، وفي غير هذه الآية يأتي تقديم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس. قوله: [ (ورجل يعبد الله في شعب من الشعاب قد كفى الناس شره) ]. الشعب هو: الفلاة تكون بين الجبلين، وهذه إشارة إلى العزلة، ولكن العزلة إنما تكون عند كثرة الفساد وعدم الفائدة من وراء الخلطة، أما إذا كان يترتب على الخلطة إصلاح وإفادة، فلا شك أنها خير من العزلة. تراجم رجال إسناد حديث: (أي المؤمنين أكمل إيماناً؟ قال: رجل يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله...) قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ]. هو هشام بن عبد الملك الطيالسي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سليمان بن كثير ]. لا بأس به في غير الزهري ، بمعنى أنه صدوق في غير الزهري ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الزهري ]. مر ذكره. [ عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد ]. قد مر ذكرهما. ما جاء في النهي عن السياحة شرح حديث: (... إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله تعالى) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب النهي عن السياحة. حدثنا محمد بن عثمان التنوخي أبو الجماهر حدثنا الهيثم بن حميد أخبرني العلاء بن الحارث عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة : (أن رجلاً قال: يا رسول الله! ائذن لي في السياحة، قال النبي صلى الله عليه وآله سلم: إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله تعالى) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في النهي عن السياحة ]، والمقصود بالسياحة ترك البلاد، والتجوال في الأرض، وكون الإنسان يسيح فيها ويترك الملذات، هذا هو المقصود بالسياحة الذي عقد المصنف الترجمة له، وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه: (أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ائذن لي في السياحة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله عز وجل). يعني: كونهم يخرجون من أوطانهم للجهاد، ولقتال الأعداء وإدخال الناس في دين الله عز وجل، ونشر الحق والهدى، هذه هي السياحة التي شرعها الله لهذه الأمة، وأما غير ذلك كأن يترك الإنسان البلاد وقد يكون فيها خير كثير من حيث عموم النفع، فيتجول في الأرض من غير أن يترتب على ذلك فائدة، فلا شك أن بقاءه في البلاد وحصول الإفادة منه، وأن يستفيد من الناس مع الجمعة والجماعة ويفيد علماً ويفيد خيراً أولى من كونه يسيح في الأرض. تراجم رجال إسناد حديث: (... إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله تعالى) قوله: [ حدثنا محمد بن عثمان التنوخي أبو الجماهر ]. محمد بن عثمان التنوخي أبو الجماهر ثقة، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ حدثنا الهيثم بن حميد ]. وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن. [ أخبرني العلاء بن الحارث ]. العلاء بن الحارث صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن القاسم بن عبد الرحمن ]. القاسم بن عبد الرحمن صدوق يغرب كثيراً، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن أبي أمامة ]. هو أبو أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. فضل القفل في سبيل الله شرح حديث: (قفلة كغزوة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في فضل القفل في سبيل الله تعالى. حدثنا محمد بن المصفى حدثنا علي بن عياش عن الليث بن سعد حدثنا حيوة عن ابن شفي عن شفي بن ماتع عن عبد الله -هو ابن عمرو- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قفلة كغزوة) ]. أورد أبو داود رحمة الله عليه باب فضل القفل في سبيل الله. والقفل هو: الرجوع من الجهاد بأن يذهب الإنسان مجاهداً ويرجع. والذهاب يقال له: غزو، والرجوع يقال له: قفل أو قفول، أي: يئوب ويرجع، ومعنى ذلك: أن الإنسان من حين يخرج إلى أن يرجع فهو على فضل وهو على خير، وأنه في حال ذهابه وإيابه مجاهد في سبيل الله، وهو مأجور في ذهابه وفي إيابه، وليس الأجر مقصوراً على الذهاب، فإذا انتهى ورجع فرجوعه وما يحصل له في الطريق من سير إلى أن يصل إلى بلده لا يكون حكمه حكم الجهاد، ولا يكون شأنه شأن الجهاد، بل هو من الجهاد في سبيل الله؛ لأنه من حين يخرج إلى أن يرجع هو في سبيل الله عز وجل. فأورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: (قفلة في سبيل الله كغزوة) معناه: رجوع الإنسان من الجهاد كغزوه وذهابه للقتال في سبيل الله، فذهابه وإيابه كله جهاد، وكله له به أجر عظيم، وهذا مثل ما جاء في الذهاب إلى المسجد والرجوع منه، وقد جاء في الحديث الصحيح: (أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان منزله بعيداً عن المسجد، وكان لا تفوته صلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا له: لو اتخذت حماراً تركبه، فقال: ما أحب أن يكون منزلي قرب المسجد، إني أحب أن يرفع الله لي بكل خطوة أخطوها درجة، ويحط عني بها خطيئة، وإذا رجعت يكتب الله لي ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد جمع الله لك ذلك كله) فهذا الحديث الذي جاء هنا مثل الحديث الذي جاء في الذهاب إلى المسجد والرجوع منه. ومن مات في الرجوع من الجهاد يقال: إنه مات في سبيل الله، والحديث الذي سيأتي في قصة أم حرام التي رأى الرسول في النوم (أن أناساً من أمته يغزون البحر كالملوك على الأسرة، فقالت أم حرام : يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت منهم) وقد سافرت مع زوجها عبادة بن الصامت لغزو الروم في البحر، وبعد رجوعهم قدمت لها بغلة لتركبها، فوقعت منها فاندقت عنقها وماتت، وقد سبق أن قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنت منهم). ومثل ذلك أي عبادة يموت الإنسان فيها، فهو على خير في ذهابه وإيابه. تراجم رجال إسناد حديث: (قفلة كغزوة) قوله: [ حدثنا محمد بن المصفى ]. صدوق له أوهام، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا علي بن عياش ]. ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن الليث بن سعد ]. هو الليث بن سعد المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حيوة ]. هو حيوة بن شريح المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شفي ]. هو حسين بن شفي بن ماتع ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود . [ عن شفي بن ماتع ]. وهو ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد و أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة في التفسير. [ عن عبد الله -هو ابن عمرو- ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. فضل قتال الروم على غيرهم من الأمم شرح حديث فضل قتال الروم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فضل قتال الروم على غيرهم من الأمم. حدثنا عبد الرحمن بن سلام حدثنا حجاج بن محمد عن فرج بن فضالة عن عبد الخبير بن ثابت بن قيس بن شماس عن أبيه عن جده قال: (جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يقال لها أم خلاد وهي منتقبة، تسأل عن ابنها وهو مقتول، فقال لها بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، جئت تسألين عن ابنك وأنت منتقبة، فقالت: إن أرزأ ابني فلن أرزأ حيائي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ابنك له أجر شهيدين، قالت: ولم ذاك يا رسول الله؟ قال: لأنه قتله أهل الكتاب) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة [ باب فضل قتال الروم على غيرهم من الأمم ]. والمقصود بها: أن قتال الروم فيه فضل، وأن قتالهم متميز على غيرهم من الأمم، وأورد فيه أبو داود حديثاً ضعيفاً لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أعلم شيئاً يدل على فضل قتال الروم وتميزهم على غيرهم، والحديث الذي أورده أبو داود هنا ضعيف. قوله: [ (قتله أهل الكتاب) ]. هذا هو الفضل الذي جاء في هذا الحديث من أن الشهيد الذي يقتله أهل الكتاب له أجر شهيدين. ولا شك أن الشهادة في سبيل الله سواء قتله أهل كتاب أو غير أهل كتاب فيها الأجر العظيم والثواب الجزيل، ولكن تخصيص من قتلوه بأنه يكون أعظم أجراً وأعظم ثواباً، وأنه يكون له أجر شهيدين لكونه قتله أهل الكتاب، هذا غير ثابت وغير صحيح؛ لوجود مجهولين وضعفاء في إسناد الحديث. قوله: [ (إن أرزأ ابني فلن أرزأ حياتي) ]، أي: إن حصل لي مصيبة في فقد ابني فلن أرزأ بترك الانتقاب. أقول: والسؤال هنا عن نقابها هو من الأمور الغريبة، إذ كيف يسأل عن مثل هذا! تراجم رجال إسناد حديث فضل قتال الروم قوله: [ حدثنا عبد الرحمن بن سلام ]. هو عبد الرحمن بن محمد بن سلام لا بأس به، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا حجاج بن محمد ]. هو حجاج بن محمد الأعور المصيصي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن فرج بن فضالة ]. فرج بن فضالة ضعيف، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن عبد الخبير بن ثابت بن قيس بن شماس ]. عبد الخبير بن قيس بن ثابت بن قيس مجهول الحال، أخرج له أبو داود . [ عن أبيه ] وهو قيس بن ثابت ، وهو مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن جده ]. جده ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري و أبو داود و النسائي . وعلى هذا فالجد هو ثابت ؛ لأن أبا عبد الخبير هو قيس بن ثابت ، و عبد الخبير بن قيس بن ثابت منسوب إلى جده، و عبد الخبير مجهول الحال، وأبوه قيس بن ثابت مقبول ، ففيه ضعيف ومجهول الحال ومقبول، وهو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم."
__________________
|
#498
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الجهاد شرح سنن أبي داود [291] الحلقة (323) شرح سنن أبي داود [291] لقد جعل الله الجهاد من أفضل الأعمال التي يقوم بها المسلم، ورتب عليه الأجر الكبير، ومن ذلك الغزو في البحر، فإنه تغرير بالنفس في مخاطر البحر إضافة إلى مخاطر الجهاد، ولذلك جاءت أحاديث تذكر فضل الغزو في البحر خاصة. ركوب البحر في الغزو شرح حديث النهي عن ركوب البحر لغير حج أو غزو قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في ركوب البحر في الغزو. حدثنا سعيد بن منصور حدثنا إسماعيل بن زكريا عن مطرف عن بشر أبي عبد الله عن بشير بن مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز في سبيل الله، فإن تحت البحر ناراً وتحت النار بحراً) ]. أورد أبو داود باباً في ركوب البحر في الغزو. يعني كون الإنسان يركب البحر غازياً في سبيل الله. وقد أورد حديثاً في ذلك، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ركوب البحر لغير حاج أو معتمر أو غاز في سبيل الله، ثم علل ذلك فقال: [ (فإن تحت البحر ناراً، وتحت النار بحراً) ]. والحديث غير صحيح، لأن فيه من هو ضعيف، وفيه أيضاً اضطراب؛ لأنه جاء على عدة أوجه، مما يفيد أنه مضطرب. ولكن الغزو في سبيل الله عز وجل في البحر جاء فيه أحاديث غير هذا الحديث، ومن ذلك حديث أم حرام أنه قال عندها واستيقظ وهو يضحك، فقالت: مم ضحكت يا رسول الله؟ قال: (رأيت قوماً من أمتي يركبون البحر غزاة في سبيل الله كالملوك على الأسرة، قالت: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت منهم) فهذا فيه إخبار عن ركوب البحر للجهاد في سبيل الله، ومدح هؤلاء، وبيان فضل ذلك العمل الذي هو كونهم يجاهدون في سبيل الله ويركبون البحر. والحديث الذي أورده المصنف هنا ضعيف، وقد حصر ركوب البحر في كونه لا يركبه إلا مجاهد أو حاج أو معتمر، وهذا أيضاً غير صحيح؛ لأن البحر يركب للتجارة، ويركب لطلب العلم، ويركب لقضاء الحاجات وما إلى ذلك، وكل ذلك لا بأس به، والله عز وجل ذكر ركوب السفن، فامتن على عباده بأن هيأ لهم المركوبات في البحر كما هيأ لهم المركوبات في البر وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِ [الرحمن:24]، وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ [النحل:14] فإذا كان الغالب السلامة فالناس يركبون البحر، ولا بأس بذلك. وبالإضافة إلى كون الحديث غير صحيح، فإنه من حيث المعنى غير مستقيم؛ لأن الله عز جل امتن على عباده بركوب البحر. وأيضاً فيه من حيث المتن ما فيه، فقوله: (إن تحت البحر ناراً وتحت النار بحراً) يمكن أن يكون لو ثبت على حقيقته، والله على كل شيء قدير، وذلك كما أنه يخرج من الشجر الأخضر ناراً، فيتولد هذا من هذا، لكن الحديث غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم. وبعضهم قال: إن هذا تهويل من شأن البحر وبيان خطورته. تراجم رجال إسناد حديث النهي عن ركوب البحر لغير حج أو غزو قوله: [ حدثنا سعيد بن منصور ]. سعيد بن منصور ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسماعيل بن زكريا ]. إسماعيل بن زكريا ، صدوق يخطئ قليلاً، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مطرف ]. مطرف بن طريف ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بشر أبي عبد الله ]. وهو مجهول أخرج له أبو داود . [ عن بشير بن مسلم ]. وهو أيضاً مجهول، أخرج له أبو داود . ففيه مجهولان وفيه اضطراب، فجاء أنه يرويه هكذا عن عبد الله بن عمرو ، وجاء: بلغني عن عبد الله بن عمرو وجاء: عن رجل عن عبد الله بن عمر ، وجاء على غير ذلك، وهذا اضطراب من ذلك الراوي المجهول أو من أحد المجهولين. فضل الغزو في البحر شرح حديث فضل الغزو في البحر قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فضل الغزو في البحر حدثنا سليمان بن داود العتكي حدثنا حماد -يعني ابن زيد - عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: حدثتني أم حرام بنت ملحان أخت أم سليم رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال عندهم، فاستيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: يا رسول الله ما أضحكك؟ قال: رأيت قوماً ممن يركب ظهر هذا البحر كالملوك على الأسرة، قالت: قلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، قال: فإنك منهم، قالت: ثم نام فاستيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: يا رسول الله! ما أضحكك؟ فقال مثل مقالته، قالت: قلت: يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت من الأولين، قال: فتزوجها عبادة بن الصامت رضي الله عنه، فغزا في البحر فحملها معه، فلما رجع قربت لها بغلة لتركبها فصرعتها، فاندقت عنقها فماتت) ]. أورد أبو داود باب فضل الغزو في البحر، وذلك لأن الغزو في البحر فيه زيادة تعب وزيادة مشقة، وركوبه غير مألوف للناس؛ لأن المألوف أنهم يركبون على الدواب بالبر. وقد أورد أبو داود حديث أم حرام رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عندها، أي: نام عندها في وسط النهار التي هي القيلولة؛ لأن (قال) تأتي بمعنى القيلولة وتأتي بمعنى القول، والقول يحتاج إلى مقول، وأما القيلولة فلا تحتاج إلى شيء. قوله: [ (رأيت قوماً ممن يركب ظهر هذا البحر) ] يعني في الغزو في الجهاد في سبيل الله. وقيل: إن قوله: [ (كالملوك على الأسرة) ] إشارة إلى ثوابهم في الآخرة، وأنهم في أحسن حال، وقيل: إن هذا في الدنيا، وإنه إشارة إلى قوتهم ونشاطهم وإلى سعة ما عندهم، وأنهم يغزون الكفار عن طريق البحر كما يغزون عن طريق البر، وهذا مدح لهم، وثناء عليهم، وكان فيهم معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه وأرضاه. قوله: [ (قالت: قلت: يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم، قال: فإنك منهم) ]. أخبرها بأنها منهم، ثم إنه نام مرةً أخرى فقال مثلما قال أولاً فقالت: [ ادع الله أن يجعلني منهم، قال: (أنت من الأولين) ] أي مع الجماعة الذين جاء ذكرهم أولاً، وهؤلاء ناس آخرون غيرهم يأتون بعدهم فهي من الأولين، وقد كانت مع الجيش الذي غزا الروم إلى قبرص، وكان موتها في قبرص رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت ، ولما رجعت قربت لها بغلة لتركبها فسقطت منها واندقت عنقها فماتت، وهذا فيه مثلما تقدم أن (قفلة في سبيل الله كغزوة) ]. وجاء في بعض الروايات أنها كانت تفلي رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتستخرج القمل منه، وقال النووي : اتفقوا على أنها من محارمه، ولكن اختلفوا في وجه هذه المحرمية، فمنهم من قال إنها خالته. وأيضاً: في الحديث دليل على أن الرؤية تكون في النهار كما تكون في الليل، وليست خاصةً بالليل؛ ولهذا بوب البخاري رحمه الله: باب الرؤيا في النهار، يعني أنها كما تكون في الليل تكون في النهار، ولكنها غالباً ما تكون في الليل، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى قال: (أيكم رأى رؤيا يذكرها لنا حتى نعبرها له)، وكان سؤاله بعد صلاة الفجر. تراجم رجال إسناد حديث فضل الغزو في البحر قوله: [ حدثنا سليمان بن داود العتكي ]. سليمان بن داود العتكي أبو ربيع الزهراني ، وهو ثقة أخرج له البخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والنسائي . [ عن حماد يعني ابن زيد ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن سعيد ]. يحيى بن سعيد الأنصاري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن يحيى بن حبان ]. عن محمد بن يحيى بن حبان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأنس يروي عن خالته أم حرام ، لأن أم حرام أخت أم سليم ، وقد ذكر أبو داود فيما سيأتي أنها أختها من الرضاعة، ولكن الصحيح أنها أختها من النسب، لأن هذه أم سليم بنت ملحان بن خالد ، وهذه أم حرام بنت ملحان بن خالد . شرح حديث فضل الغزو في البحر من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أنه سمعه يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا ذهب إلى قباء يدخل على أم حرام بنت ملحان ، وكانت تحت عبادة بن الصامت رضي الله عنه، فدخل عليها يوماً فأطعمته وجلست تفلي رأسه)، وساق هذا الحديث. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك من طريق أخرى. وذلك في قصة خالته أم حرام رضي الله تعالى عنها، أن الرسول كان يذهب إلى قباء فيمر عليها وأنها كانت تفلي رأسه، وذكر ما تقدم من أنه نام ثم استيقظ، ثم نام، ثم استيقظ، وقال ما قال. تراجم رجال إسناد حديث فضل الغزو في البحر من طريق ثانية قوله: [ حدثنا القعنبي ]. عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. مالك بن أنس ، إمام دار الهجرة المحدث الفقيه أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ]. وهو عمه لأمه؛ لأن عبد الله بن أبي طلحة أخو أنس لأمه، لأن أم سليم تزوجها أبو طلحة ، وهي أم أنس ، فكان من أولادها عبد الله هذا الذي ابنه إسحاق ، فهو يروي عن عمه أنس . وهذا من أعلى الأسانيد عند أبي داود ، لأن أعلى الأسانيد عند أبي داود الأسانيد الرباعية، وهذا منها. [ قال أبو داود : وماتت بنت ملحان بقبرص ]. وقبرص من بلاد الروم جزيرة في البحر. شرح حديث فضل الغزو في البحر من طريق ثالثة قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا يحيى بن معين حدثنا هشام بن يوسف عن معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أخت أم سليم الرميصاء ، قالت: (نام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاستيقظ وكانت تغسل رأسها، فاستيقظ وهو يضحك، فقالت: يا رسول الله أتضحك من رأسي؟ قال: )، وساق هذا الخبر يزيد وينقص]. أورد أبو داود الحديث عن أخت أم سليم وهي أم حرام ، ويقال لها الرميصاء ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان عندها وأنها كانت تغسل رأسها وقد كان نائماً فاستيقظ وهو يضحك، فساق الحديث السابق. تراجم رجال إسناد حديث فضل الغزو في البحر من طريق ثالثة قوله: [ حدثنا يحيى بن معين ]. يحيى بن معين ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام بن يوسف ]. هشام بن يوسف ثقة أخرج له البخاري ، وأصحاب السنن. [ عن معمر ]. معمر بن راشد البصري ثم اليماني، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد بن أسلم ]. زيد بن أسلم ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء بن يسار ]. عطاء بن يسار ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أخت أم سليم ]. أخت أم سليم هي أم حرام وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ قال أبو داود : الرميصاء أخت أم سليم من الرضاع]. لكن الصحيح أنها أختها من النسب. وكل واحدة منهما لها لقب، فالرميصاء هي أم حرام ، والغميصاء هي أم سليم . شرح حديث أجر المائد في البحر والغرق فيه قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا محمد بن بكار العيشي حدثنا مروان ، ح وحدثنا عبد الوهاب بن عبد الرحيم الجوبري الدمشقي المعنى حدثنا مروان أخبرنا هلال بن ميمون الرملي عن يعلى بن شداد عن أم حرام رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (المائد في البحر الذي يصيبه القيء له أجر شهيد، والغرق له أجر شهيدين) ]. قوله: [ (المائد) ] هو الذي يصيبه دوار بسبب اضطراب الأمواج وحركة السفينة، بحيث يصيبه شيء من التأثر حتى يستفرغ ويقيء ويخرج ما في جوفه. قوله: [ (له أجر شهيد) ] أي: إذا كان ذلك في الجهاد في سبيل الله؛ لأن هذا أورده أبو داود في كتاب الجهاد في فضل الغزو في البحر. تراجم رجال إسناد حديث أجر المائد في البحر والغرق فيه قوله: [ حدثنا محمد بن بكار العيشي ]. محمد بن بكار العيشي ثقة أخرج له مسلم و أبو داود . [ عن مروان ]. مروان بن معاوية الفزاري ، وهو ثقة يدلس أسماء الشيوخ. فالتدليس تدليس إسناد وتدليس متن وتدليس شيخ، وتدليس الشيخ هو أن يذكر شيخه بغير ما اشتهر به، بحيث يكون شيخه مشهوراً باسمه فيذكره بكنية أو بنسبته إلى جد من أجداده لا يعرف به، أو كان معروفاً باللقب فلا يذكر اللقب، أو يذكره بكنية أبيه أو باسمه ونسبته إلى جده ويحذف اسم أبيه الذي اشتهر به، وفيه توعير للطريق أمام الباحث عن الرجل، ولهذا قد يظن أنه مجهول؛ لأنه يبحث عن ترجمته بهذا الاسم الغريب فلا توجد له ترجمة فيقول: ليس له ترجمة أو لم أجد له ترجمة، مع أنه لو ذكر بما هو مشتهر به لكان معروفاً ومشهوراً، فهذا يسمى تدليس الشيوخ، فمروان بن معاوية هذا كان يدلس أسماء الشيوخ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا عبد الوهاب بن عبد الرحيم الجوبري ]. عبد الوهاب بن عبد الرحيم الجوبري صدوق أخرج له أبو داود . [ عن مروان عن هلال بن ميمون الرملي ]. هلال بن ميمون الرملي صدوق أخرج له أبو داود وابن ماجة . [ عن يعلى بن شداد ]. يعلى بن شداد صدوق أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ عن أم حرام ]. وقد مر ذكرها. شرح حديث (ثلاثة كلهم ضامن على الله) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عبد السلام بن عتيق حدثنا أبو مسفر حدثنا إسماعيل بن عبد الله -يعني: ابن سماعة - حدثنا الأوزاعي حدثني سليمان بن حبيب عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (ثلاثة كلهم ضامن على الله عز وجل: رجل خرج غازياً في سبيل الله، وهو ضامن على الله حتى يتوفاه فيدخله الجنة، أو يرده بما نال من أجر وغنيمة، ورجل راح إلى المسجد، فهو ضامن على الله حتى يتوفاه فيدخله الجنة أو يرده بما نال من أجر وغنيمة، ورجل دخل بيته بسلام، فهو ضامن على الله عز وجل). أورد أبو داود حديث أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (ثلاثة كلهم ضامن على الله) ]. أي: كل واحد منهم مضمون له الأجر والثواب، وهذا فيه تأكد حصول هذا الثواب. قوله: [ (رجل خرج غازياً في سبيل الله، وهو ضامن على الله حتى يتوفاه فيدخله الجنة أو يرده بما نال من أجر وغنيمة) ]. أي أنه إذا خرج في سبيل الله فهو إما أن يحصل موتاً فيكون من أهل الجنة بسبب كونه قتل في سبيل الله، أو يرجع منتصراً محصلاً أجراً وثواباً عند الله وغنيمة من الغنائم والثواب المعجل في الدنيا، والغنائم هي أحسن المكاسب وأفضل المكاسب، ولهذا كانت قوت النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وجعل رزقي تحت ظل رمحي) وهو جزء من حديث طويل يقول فيه: (بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك الله، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم)، وهذا حديث عظيم شرحه ابن رجب في جزء لطيف مطبوع باسم (الحكم الجديرة بالإشاعة في شرح حديث بعثت بين يدي الساعة)، ومنه قوله: (وجعل رزقي تحت ظل رمحي)، أي: من الغنائم. قوله: [ (ورجل خرج إلى المسجد، وهو ضامن على الله إن مات أن يدخله الجنة أو يرجع بما نال من أجر أو غنيمة) ] أي: إن مات فقد مات في سبيل الله لأنه خرج لعبادة الله ولطاعة الله، وإن رجع فهو محصل أجراً وغنيمة في الآخرة، وإن حصل له رزق بسبب هذا العمل الصالح فهو من الثواب المعجل الذي يحصله في الدنيا قبل الآخرة. قوله: [ (ورجل دخل بيته بسلام) ]. هذا يحتمل أنه إذا دخل بيته يسلم، ويحتمل أنه دخل بيته وكفى الناس شره، وأنه سلم من الناس وسلموا منه، وذلك في عدم اختلاطه بالناس الاختلاط الذي يؤدي إلى حصول ضرر منه أو عليه، ويحتمل أن يكون المقصود أنه قد سلم في خروجه من أن يحصل إثماً وأن يكتسب إثماً، بل قد يكون حصل خيراً وثواباً إذا كان خروجه لم يحصل فيه ضرر عليه وعلى غيره، كل هذه الاحتمالات ممكنة. تراجم رجال إسناد حديث (ثلاثة كلهم ضامن على الله) قوله: [ حدثنا عبد السلام بن عتيق ]. عبد السلام بن عتيق صدوق أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن أبي مسفر ]. أبو مسفر عبد الله علاء بن أبي مسفر ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسماعيل بن عبد الله يعني: ابن سماعة ]. وهو ثقة أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن الأوزاعي ]. أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان بن حبيب ]. [ ثقة أخرج له البخاري وأبو داود وابن ماجة. [ عن أبي أمامة الباهلي ]. وقد مر ذكره."
__________________
|
#499
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الجهاد شرح سنن أبي داود [292] الحلقة (324) شرح سنن أبي داود [292] من فضائل الجهاد: أن من قتل كافراً لم يجتمع معه في النار مخلداً، وأن الله حرم نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم، وأن من مات في الغزو كان مأواه الجنة. فضل من قتل كافراً شرح حديث فضل من قتل كافراً قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في فضل من قتل كافراً. حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا إسماعيل -يعني ابن جعفر - عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يجتمع في النار كافر وقاتله أبداً) ]. أورد أبو داود رحمه الله فضل من قتل كافراً، أي أنه على خير وأنه على ثواب؛ لأنه حصل منه القتل والجهاد في سبيل الله، ثم أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: [ (لا يجتمع في النار كافر وقاتله أبداً) ]. يعني: أن قاتل الكافر يكون في الجنة، لكن إن كان الذي قتل الكافر عليه ذنوب لم يغفرها الله عز وجل وعذبه بها في النار فالمعنى أنه لا يجتمع مع الكافر في الخلود والبقاء، ولا يمنع ذلك من كونه يدخل النار ولكنه يخرج. والمقصود بالكافر هنا الحربي لا المستأمن أو الذمي، فإن هؤلاء لا يقاتلون. تراجم رجال إسناد حديث فضل من قتل كافراً قوله: [ حدثنا محمد بن الصباح البزاز ]. محمد بن الصباح البزاز ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسماعيل يعني: ابن جعفر ]. إسماعيل بن جعفر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن العلاء ]. عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي وهو صدوق أخرج له البخاري في جزء القراءة، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ] وهو ثقة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق، رضي الله عنه وأرضاه. حرمة نساء المجاهدين على القاعدين شرح حديث (حرمة نساء المجاهدين على القاعدين) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في حرمة نساء المجاهدين على القاعدين: حدثنا سعيد بن منصور حدثنا سفيان عن قعنب عن علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم، وما من رجل من القاعدين يخلف رجلاً من المجاهدين في أهله إلا نصب له يوم القيامة فقيل له: هذا قد خلفك في أهلك فخذ من حسناته ما شئت! فالتفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ما ظنكم؟) ]. أورد أبو داود رحمه الله باباً في حرمة نساء المجاهدين على القاعدين، والمجاهدون هم الذين يخرجون في سبيل الله ويخلفهم الناس في أهليهم فحرمتهم شأنها عظيم، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل حرمة نساء المجاهدين على القاعدين الذين يخلفونهم في أهليهم كحرمة أمهاتهم، ومعنى هذا أنهم يحذرون من أن يقعوا في أمور لا تنبغي كما أن الإنسان يرى ذلك في حق أمه، وكذلك عليه أن يرى ذلك في حق أهل الغازي الذين خلفه فيهم. وهذا فيه بيان تعظيم شأن المحافظة على من استوصوا عليهم، فإن المجاهدين أوصوا الباقين على أن يقوموا يما يلزم لأهليهم، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن على الإنسان أن يقوم بما يجب لهم ولا يخونه فيهم لا بأن ينظر أو يحاول أن يقع في أمر محرم، ولا في أن يقصر فيما هو مطلوب منه من الرعاية والعناية وإيصال الخير إليهم ودفع الأذى عنهم. قوله: [ (وما من رجل من القاعدين يخلف رجلاً من المجاهدين في أهله إلا نصب له يوم القيامة، فقيل له: هذا قد خلفك في أهلك فخذ من حسناته ما شئت) ]. وهذا فيما إذا خانه لأنه جاء في صحيح مسلم (فيخونه)، فرواية مسلم رحمه الله تبين المقصود من هذا الاقتصاص وأخذ المجاهد من حسنات القاعد الذي خانه في أهله؛ لأنه ما قام بالشيء الذي هو واجب عليه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: [ (ما ظنكم؟) ]، أي أن يوم القيامة يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:34-37] وكل يتمنى أن يكون له حق على الآخر حتى يحصل ذلك الحق، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: يا رسول الله! المفلس من لا درهم عنده ولا متاع، قال صلى الله عليه وسلم: المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام وحج، ويأتي وقد شتم هذا وضرب هذا وسفك دم هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرح عليه ثم طرح في النار)، فقوله: [ (فما ظنكم) ] يعني: كونه يقال له خذ ما شئت ما ظنكم أن يفعل؟ خاصة وأنه يوم يبحث فيه كل شخص عن حق يكون له على غيره حتى يأخذه ويستوفيه ولو كان من أقرب الأقرباء إليه؟ تراجم رجال إسناد حديث (حرمة نساء المجاهدين على القاعدين) قوله: [ حدثنا سعيد بن منصور عن سفيان ]. سعيد بن منصور مر ذكره. و سفيان هو ابن عيينة ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قعنب ]. [ قعنب التميمي ]. قعنب التميمي ، وهو صدوق أخرج له مسلم وأبو داود ، والنسائي . [ عن علقمة بن مرثد ]. علقمة بن مرثد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن بريدة ]. ابن بريدة هو سليمان بن بريدة ، وابنا بريدة اثنان أخوان عبد الله و سليمان إلا أن عبد الله خرج له أصحاب الكتب الستة، وأما سليمان فلم يرو له البخاري وإنما روى له مسلم وأصحاب السنن، وقد سماه مسلم في صحيحة فقال: سليمان بن بريدة . [ عن أبيه ]. بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : كان قعنب رجلاً صالحاً، وكان ابن أبي ليلى أراد قعنباً على القضاء فأبى عليه وقال: أنا أريد الحاجة بدرهم فأستعين عليها برجل، قال: وأينا لا يستعين في حاجته قال: أخرجوني حتى أنظر، فأخرج فتوارى قال سفيان : بينما هو متوار إذ وقع عليه البيت فمات ]. ثم ذكر أبو داود بعد ذلك هذه القصة عن قعنب الذي جاء في الإسناد يروي عن سفيان بن عيينة ، وأنه طلبه ابن أبي ليلى للقضاء فأبى أن يتولى القضاء فقال: أنا أريد الحاجة بدرهم فأستعين عليها، أي: فكيف أتولى القضاء وأنا أحتاج إلى الناس فقال ابن أبي ليلى : كلنا لا يستغني عن أحد بحاجته، يعني فلا عذر من القضاء، فقال قعنب : أمهلوني أنظر، فدخل وتوارى في بيته وسقط عليه بيته ومات رحمه الله. السرية تخفق شرح حديث أجر السرية تخفق قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في السرية تخفق: حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا حيوة و ابن لهيعة قالا: حدثنا أبو هانئ الخولاني أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي يقول: سمعت عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون غنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم من الآخرة ويبقى لهم الثلث، فإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم) ]. السرية هي القطعة من الجيش تسند إليها مهمة، فقد تغنم وقد لا تغنم، والمراد بالإخفاق هنا عدم الحصول على الغنيمة، وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما في ذلك. وقوله: [ (ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون غنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم من الآخرة) ] معناه أنهم حصلوا أجراً في الدنيا وأجراً في الآخرة وحصلوا ثواباً في الدنيا وثواباً في الآخرة. قوله: [ (فإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم) ] يعني: أنهم ما تعجلوا شيئاً في الدنيا، وإنما حصلوا الثواب والأجر كاملاً في الآخرة؛ لأنهم لم يحصلوا شيئاً من المغنم الدنيوي فكانت غنيمتهم أخروية، وكانت مكاسبهم أخروية بحتة ليس فيها شيء من الدنيا. وهذا فيه دليل على أن تحصيل الأجر الكامل في الآخرة إنما يكون بعدم تحصيل شيء من الدنيا في الغزو، وأنه إذا حصل شيء من المغانم في الغزو فإنهم تعجلوا شيئاً من أجرهم، فهذا فيه تسلية للذين لم يحصلوا شيئاً؛ لأن الثواب الجزيل أمامهم وأنهم سيحصلون الأجر الكامل. تراجم إسناد حديث أجر السرية تخفق قوله: [ حدثنا عبيد الله بن عمر ميسرة ]. عبيد الله بن عمر بن ميسرة القواريري ، ثقة أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن عبد الله بن يزيد ]. عبد الله بن يزيد المقري المكي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حيوة ]. حيوة بن شريح المصري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وابن لهيعة ]. وابن لهيعة صدوق ساء حفظه، احترقت كتبه فتغير، ورواية العبادلة عنه أعدل من غيرها، وهي هنا من رواية العبادلة، وهو عبد الله بن يزيد المقري ، وأيضاً هو مقرون بحيوة بن شريح المصري فالعمدة على حيوة لو لم يرو عنه أحد من العبادلة، وأما هنا فالراوي عنه أحد العبادلة. وكل من حيوة بن شريح ، و عبد الله بن لهيعة مصري، وهناك حيوة بن شريح حمصي، ولكنه متأخر فهو من طبقة شيوخ أبي داود ، وأما هذا فمن طبقة متقدمة يروي عنه أبو داود بواسطتين. و ابن لهيعة أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة ، أما النسائي فإنه لم يخرج له شيئاً، بل إنه إذا كان في مثل هذا الإسناد الذي هو مقرون مع حيوة بن شريح لا يصرح باسمه ولا يسميه، وإنما يقول حدثنا فلان ورجل آخر. ومعنى: (مقرون) أنه لم يرو عنه حديثاً استقلالاًَ، وإنما روى عنه ومعه غيره، والمقرون هنا حيوة بن شريح ومعه عبد الله بن لهيعة . والعبادلة الأربعة عن ابن لهيعة هم: عبد الله بن مسلمة القعنبي ، و عبد الله بن يزيد المقري ، و عبد الله بن المبارك ، و عبد الله بن وهب ، وكذلك قتيبة بن سعيد ؛ هؤلاء سمعوا منه قبل احتراق كتبه وقبل اختلاطه فروايتهم عنه معتبرة. [ عن أبي هانئ الخولاني ]. اسمه حميد بن هانئ ، وكنيته توافق اسم أبيه، وهو لا بأس به، بمعنى أنه صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي عبد الرحمن الحبلي ]. عبد الله بن يزيد المعافري ، وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن عمرو بن العاص ] الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم: عبد الله بن عمرو ، و عبد الله بن عمر ، و عبد الله بن عباس ، و عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين، وأطلق عليهم لقب العبادلة الأربعة لأنهم متقاربون في السن وهم من صغار الصحابة، وإلا فإن في الصحابة كثيرين ممن يسمى عبد الله منهم عبد الله بن مسعود و عبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري ، ولكن هؤلاء اشتهروا بهذا اللقب الذي هو لقب العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. تضعيف الذكر في سبيل الله شرح حديث تضعيف الذكر في سبيل الله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في تضعيف الذكر في سبيل الله تعالى: حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا ابن وهب عن يحيى بن أيوب و سعيد بن أبي أيوب عن زبان بن فائد عن سهل بن معاذ عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الصلاة والصيام والذكر تضاعف على النفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف) ]. أورد أبو داود تضعيف الذكر في سبيل الله، أي: مضاعفة أجره وكثرة ثوابه عند الله عز وجل، وأورد فيه أبو داود حديث معاذ بن أنس رضي الله تعالى عنه. وهذا الحديث يدل على أن الصلاة والصيام والذكر لله عز وجل تضاعف على الإنفاق في سبيل الله، وهذا غير مستقيم، والحديث ضعيف غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن شأن الصدقة عظيم ونفعها متعدٍّ، ويكون فيها تمكين المجاهدين من الجهاد، بخلاف الصوم والصلاة والذكر، فإنها من العبادات القاصرة على صاحبها. وهذا الحديث غير صحيح لأن فيه زباناً وهو ضعيف لا يحتج به، والمعنى فيه غرابة، حيث جعل الأعمال القاصرة تفوق الأعمال المتعدية، وقد جاءت أحاديث تدل على فضل الأعمال المتعدية على القاصرة ولهذا يأتي كثيراً تقديم الزكاة على الصيام، والرسول صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ أمره بأن يبدأ بالأهم فالأهم فيدعو أولاً إلى الشهادتين ثم إلى الصلاة ثم إلى الزكاة، وجاء في الحديث: (فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب) لأن علم العالم له ولغيره، والمصلي صلاته له وحده لا تتعداه إلى غيره، فالإسناد غير صحيح والمعنى فيه في غرابة. وقوله: [ (في سبيل الله) ]. المقصود به الجهاد؛ لأن سبيل الله يأتي بمعنيين: يأتي ويراد به وجوه البر ووجوه الخير كلها، ويأتي يراد به الجهاد في سبيل الله، ولهذا فإن مصارف الزكاة الثمانية ذكر منها: وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:60] والمقصود به الجهاد، لأنه لو كان المراد به المعنى العام الذي هو وجوه البر فالفقراء والمساكين من وجوه البر، وكذلك إعطاء المؤلفة قلوبهم والغارمين، وفك الرقاب، وابن السبيل، كل ذلك في سبيل الله بالمعنى العام؛ لكن لما كان قسماً من الأقسام الثمانية علم أنه يراد به خصوص الجهاد في سبيل الله، ومنه: (من صام يوماً في سبيل الله ...) أي: وهو في الجهاد، ولهذا أورد البخاري هذا الحديث في كتاب الجهاد. تراجم رجال إسناد حديث تضعيف الذكر في سبيل الله قوله: [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح ]. أحمد بن عمرو بن السرح المصري ، ثقة أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن ابن وهب ]. عبد الله بن وهب المصري ، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن أيوب ]. وهو صدوق وربما أخطأ أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وسعيد بن أبي أيوب ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زبان بن فائد ]. وهو ضعيف، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن سهل بن معاذ ]. وهو لا بأس به إلا في رواية زبان عنه، وهذا الحديث من رواية زبان عنه، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و الترمذي و ابن ماجة . [ عن أبيه ]. معاذ بن أنس رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج له البخاري في الأدب المفرد والترمذي وابن ماجة . من مات غازياً شرح حديث (من مات غازياً...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيمن مات غازيا: حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا بقية بن الوليد عن ابن ثوبان عن أبيه يرد إلى مكحول إلى عبد الرحمن بن غنم الأشعري أن أبا مالك الأشعري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من فصل في سبيل الله فمات أو قتل فهو شهيد، أو وقصه فرسه أو بعيره أو لدغته هامة أو مات على فراشه، أو بأي حتف شاء الله، فإنه شهيد وإن له الجنة) ]. أورد أبو داود باباً فيمن مات غازياً، يعني من مات في الغزو، سواء كان ذلك في المعركة أو في غير المعركة، وسواء مات ذاهباً أو آيباً، وأورد فيه حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه. قوله: [ (من فصل في سبيل الله) ] يعني: خرج مجاهداً في سبيل الله. قوله: [ (فمات) ] يعني: بدون قتل من الكفار له أو خطأ من المسلمين أو غير ذلك وإنما مات بغير سبب وليس بقتل. قوله: [ (فهو شهيد) ] معناه أن له أجر الشهادة في سبيل الله عز وجل؛ لأنه مات وهو يجاهد في سبيل الله. قوله: [ (أو وقصه فرسه أو بعيره) ]. بمعنى أنه سقط من فرسه واندقت عنقه فمات، سواء كان على بعير أو على فرس؛ فهو كذلك أيضاً شهيد. قوله: [ (أو لدغته هامة) ]. يعني: من ذوات السموم كحية أو كعقرب فمات بسبب ذلك السم الذي حصل بهذه اللدغة، فهو كذلك شهيد لأنه في سبيل الله. قوله: [ (أو مات على فراشه) ]. أي: من غير أن يكون هناك سبب يحصل به موته، وإنما قبضت روحه بدون أن يكون ذلك بسبب من الأسباب الظاهرة كالقتل أو الوقص أو لدغ ذوات السموم أو غير ذلك من الأسباب، وإنما مات على فراشه. قوله: [ (أو بأي حتف شاء الله؛ فإنه شهيد) ]. أي: بأي سبب شاء الله عز وجل أن يموت به؛ فإنه يكون شهيداً. قوله: [ (وإن له الجنة) ]. يعني: ثوابه عند الله الجنة. تراجم رجال إسناد حديث (من مات غازياً...) قوله: [ حدثنا عبد الوهاب بن نجدة ] عبد الوهاب بن نجدة ثقة أخرج أبو داود و النسائي . [ عن بقية بن الوليد ] وهو صدوق كثير التدليس عن الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن ابن ثوبان ]. وهو عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ، وهو صدوق يخطئ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. وهو ثابت بن ثوبان ، وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ يرد إلى مكحول ]. يعني أنه يسنده إلى مكحول أو يضيفه إلى مكحول و مكحول هو الشامي ، وهو ثقة أخرج له البخاري في جزء القراءة، ومسلم وأصحاب السنن. [ إلى عبد الرحمن بن غنم الأشعري ]. عبد الرحمن بن غنم الأشعري ، مختلف في صحبته، وقيل من كبار التابعين، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن أبي مالك الأشعري ]. أبو مالك الأشعري قيل اسمه عبيد وقيل عبد الله وقيل عمر وقيل كعب بن كعب وقيل عامر بن الحارث ، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة مات في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة. والحديث ضعفه الألباني ؛ لكن ما أدري هل التضعيف من أجل بقية أو من أجل عبد الرحمن بن ثابت أو لأمر آخر؟ وقال المنذري : في إسناده بقية وابن ثابت وهما ضعيفان."
__________________
|
#500
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الجهاد شرح سنن أبي داود [293] الحلقة (325) شرح سنن أبي داود [293] فضل الرباط في سبيل الله كبير، ومن مات غازياً، أو ناوياً الغزو، فإن الله يعظم أجره، وقد جعل الله للجهاد فضلاً عظيماً حيث رتب الأجر الكثير على كل عمل يعين على الجهاد أو يتعلق به. فضل الرباط شرح حديث فضل الرباط قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في فضل الرباط: حدثنا سعيد بن منصور حدثنا عبد الله بن وهب حدثني أبو هانئ عن عمرو بن مالك عن فضالة بن عبيد أن رسول الله صلى الله عليه وآل وسلم قال: (كل الميت يختم على عمله،،إلا المرابط فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة ويؤمن من فتان القبر) ]. أورد أبو داود رحمه الله باب فضل الرباط، يعني في سبيل الله، والرباط المقصود به المرابطة في الثغور التي فيها المحافظة على بلاد المسلمين من أن يتسلل إليها الأعداء، فالمرابطون يدافعون عن حوزة الإسلام ويقاتلون الكفار الذين يريدون أن يغزوا بلاد المسلمين. وأصل الرباط أنه كان يربط فرسه من أجل الاستعداد لصد الأعداء عن الدخول أو الهجوم على بلاد المسلمين، وهذا أمر شأنه عظيم عند الله. وقد أورد أبو داود حديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه. قوله: [ (كل الميت يختم على عمله) ]. يعني: أن ما عمله محدد، ختم عليه لأنه عرف حده وبدايته ونهايته ومقداره. قوله: [ (إلا المرابط في سبيل الله فإنه ينمو له عمله) ] أي: يزداد، وذلك لكثرة ثوابه وعظم أجره وكونه في بقائه مرابطاً كالمجاهد المستمر في جهاد، لأن المرابط مجاهد ولكنه لا يذهب ويرجع كالمجاهدين الذين يذهبون من بلادهم ثم يرجعون إليها، بل هو مقيم يصد الكفار عن المسلمين، فعمله ينمى له. قوله: [ (ينمو له عمله) ]. يعني: يتضاعف ويزداد إلى يوم القيامة. قوله: [ (ويؤمن من فتان القبر) ] أي مما يحصل من الفتنة في القبر، وقيل: إن الفتنة في القبر هي سؤال منكر ونكير، وأنه يحصل بذلك خوف وفتنة، فالمرابط في سبيل الله موعود بأنه يؤمن من الفتنة في القبر وكذلك أيضاً يأمن من عذاب القبر. تراجم رجال إسناد حديث فضل الرباط قوله: [ حدثنا سعيد بن منصور ]. سعيد بن منصور ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الله بن وهب حدثنا أبو هانئ عن عمرو بن مالك ]. عبد الله بن وهب وأبو هانئ مر ذكرهما. و عمرو بن مالك ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن فضالة بن عبيد ]. عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. فضل الحرس في سبيل الله عز وجل شرح حديث فضل الحرس في سبيل الله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في فضل الحرس في سبيل الله عز وجل: حدثنا أبو توبة حدثنا معاوية -يعني ابن سلام - عن زيد -يعني ابن سلام - أنه سمع أبا سلام قال: حدثني السلولي أبو كبشة أنه حدثه سهل بن الحنظلية رضي الله عنه: (أنهم ساروا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم حنين فأطنبوا السير حتى كانت عشية، فحضرت الصلاة عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فجاء رجل فارس فقال: يا رسول الله! إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا فإذا أنا بهوازن على بكرة أبيهم بظعنهم ونعمهم وشائهم اجتمعوا إلى حنين، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: تلك غنيمة المسلمين غداً إن شاء الله، ثم قال: من يحرسنا الليلة؟ قال أنس بن أبي مرثد الغنوي رضي الله عنهما: أنا يا رسول الله قال: فاركب، فركب فرساً له وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: استقبل هذا الشعب حتى تكون في أعلاه ولا نغرن من قبلك الليلة. فلما أصحبنا خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى مصلاه فركع ركعتين ثم قال: هل أحسستم فارسكم؟ قالوا: يا رسول الله! ما أحسسناه. فثوب بالصلاة فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي وهو يلتفت إلى الشعب، حتى إذا قضى صلاته وسلم قال: أبشروا فقد جاء فارسكم، فجعلنا ننظر إلى خلال الشجر في الشعب فإذا هو قد جاء حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسلم فقال: إني انطلقت حتى كنت في أعلى هذا الشعب حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما أصبحت اطلعت على الشعبين كليهما فنظرت فلم أر أحداً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هل نزلت الليلة؟ قال: لا، إلا مصلياً أو قاضياً حاجة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قد أوجبت، فلا عليك ألا تعمل بعدها) ]. أورد أبو داود رحمه الله باب فضل الحرس في سبيل الله، أي: الحراسة في سبيل الله، يعني بها حراسة المسلمين وتنبيههم على مداخل عدوهم وقدومه عليهم أو اتجاهه إليهم حتى يكونوا على استعداد لملاقاته فلا يأتيهم غرة وهم غير مستعدين فيترتب على ذلك الضرر. والحراسة في سبيل الله شأنها عظيم، ولهذا جاء في هذا الحديث ما ذكر من فضلها. قوله: [ (إنهم ساروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين) ]. يعني: في الذهاب إلى حنين، وذلك سنة ثمان من الهجرة. قوله: [ (فأطنبوا السير) ] معناه اشتدوا في السير. قوله: [ (حتى كانت عشية) ]. يعني: حتى جاء الليل. قوله: [ (فحضرت الصلاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل فارس فقال: يا رسول الله إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن على بكرة أبيهم بظعنهم ونعمهم وشائهم اجتمعوا إلى حنين) ]. ثم إن سهل بن الحنظلية رضي الله عنه يذكر أنه جاء فارس من الفرسان الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! إنني رأيت هوازن قد جاءوا على بكرة أبيهم، وهي عبارة تستعمل لمجيء القوم جميعاً لا يتخلف منهم أحد. قوله: [ (بظعنهم) ] يعني: معهم نساؤهم. قوله: [ (وشائهم) ] هي الغنم. قوله: [ (ونعمهم) ] هي الإبل؛ فمعهم النساء والإبل والغنم. فتبسم صلى الله عليه وسلم ضاحكاً وقال: هذه غنيمة. قوله: [ (ثم قال: من يحرسنا الليلة؟) ]. هذا محل الشاهد في الحراسة، وفضلها يأتي في آخر الحديث. [ (فقال أنس بن أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه: أنا يا رسول الله، فقال له: اركب! فركب وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم) ] فأرشده إلى طريقة الحراسة التي يريدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: [ (استقبل هذا الشعب حتى تكون في أعلاه، ولا نغرن من قبلك الليلة) ]. والشعب هو الطريق الذي يكون بين الجبلين. قوله: [ (حتى تكون في أعلاه) ] معناه أن الشعب يكون فيه انحدار وارتفاع، والعدو كما هو معلوم يأتي من هذه الطرق التي تكون بين الجبال، ولا يأتي من فوق الجبال، فإذا كان الناس في أماكن يتوصل إليها عن طريق الشعاب، فإن العدو يأتي من الشعاب، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمره بأن يذهب إلى هذا الشعب وأن يكون في أعلاه وقال: [ (لا نغرن من قبلك الليلة) ] يعني: لا يحصل العدو منا على غرة ونحن آمنون وأنت قد أهملت؛ إما أنك نمت أو أنك ما قمت بالأمر المطلوب، فتترتب على ذلك مضرة. قوله: [ (فلما أصحبنا خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى مصلاه فركع ركعتين ثم قال: هل أحسستم فارسكم؟ قالوا: يا رسول الله! ما أحسسناه، فثوب بالصلاة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو يلتفت إلى الشعب) ]. أي: لما طلع الصبح وأذن لصلاة الصبح صلى ركعتين وهما ركعتا الفجر، وكان يحافظ عليهما وعلى الوتر في الحضر والسفر. قوله: [ (هل أحسستم صاحبكم؟) ] يعني هل رأيتموه جاء، لأنه إذا جاء يأتيهم بالخبر وأن الجهة آمنه ونحو ذلك، وإذا كان لم يأت فيخشى أن يكون العدو قد أخذه، وربما يأتي العدو من هذه الطريق. قوله: [ (فثوب بالصلاة) ] يعني: أقيمت الصلاة، لأن التثويب هو الإقامة، لأنه رجوع إلى النداء الأول الذي هو الأذان، أي: فإذا أقيمت الصلاة فقد رجع المؤذن إلى ذكر الله والنداء للصلاة، إلا أن الأول نداء للحضور إليها وإشعار بأول وقتها، وهذا نداء بالقيام إليها والاستعداد للدخول فيها، وقد سبق أن مر في الحديث (أن الشيطان يأتي يوسوس للإنسان فإذا سمع النداء ولى وله ضراط) ثم يرجع بعد انقضاء الأذان، فإذا ثوب بالإقامة هرب. قوله: [ (فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ويلتفت إلى الشعب) ] يعني: فكان يصلي ويلتفت، وهذا يدلنا على أن الالتفات في الصلاة إذا كان لحاجة تقتضي ذلك كالخوف فقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما الالتفات المحذور ما كان لغير حاجة. ثم الالتفات إنما يكون بإدارة الرأس وليس بإدارة الجسم، لأنه إذا أدار الجسم أخل باستقبال القبلة. قوله: [ (حتى إذا قضى صلاته وسلم قال: أبشروا! فقد جاءكم فارسكم) ]. معناه أنه لا خطر عليكم، وأن المحذور الذي تخشونه غير واقع، وأن الجهة آمنة وأن الناس على مأمن. قوله: [ (فجعلنا ننظر إلى خلال الشجر في الشعب؛ فإذا هو قد جاء حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم فقال: إني انطلقت حتى كنت في أعلى هذا الشعب حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبحت اطلعت على الشعبين كليهما فنظرت فلم أر أحداً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هل نزلت الليلة؟ قال: لا، إلا مصلياً أو قاضياً حاجة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قد أوجبت، فلا عليك ألا تعمل بعدها) ]. ثم إنه أخبر بأنه كان على ذلك المرتفع، وأنه لما أصبح نظر من الشعبين فلم ير أحداً، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هل نزلت) أي: من فوق الفرس، (قال: لا، إلا مصلياً أو قاضياً لحاجة). تراجم رجال إسناد حديث فضل الحرس في سبيل الله قوله: [ حدثنا أبو توبة ]. أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن معاوية -يعني ابن سلام -]. معاوية بن سلام ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد -يعني ابن سلام -]. أي: عن أخيه زيد بن سلام ، وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي سلام ]. وهو ممطور وهو جد معاوية وجد زيد لأنهما: معاوية بن سلام بن أبي سلام ، و زيد بن سلام بن أبي سلام وجدهما أبو سلام ممطور ، وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن. [ عن السلولي أبي كبشة ]. أبو كبشة السلولي ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن سهل بن الحنظلية ]. سهل بن الحنظلية رضي الله عنه، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و النسائي . قوله: [ (قد أوجبت، فلا عليك ألا تعمل بعدها) ]. أي: استحققت الجنة فلا عليك ألا تعمل بعد اليوم، وهذا كقول النبي صلى الله عليه وسلم في أهل بدر (لعله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)، ومعناه أن نهايته محققة أنه سينتهي إلى الجنة."
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 58 ( الأعضاء 0 والزوار 58) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |