|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الجهاد شرح سنن أبي داود [294] الحلقة (326) شرح سنن أبي داود [294] فضل المجاهدين عند الله عظيم، فينبغي ألا يتخلف الإنسان عن الجهاد إلا من عذر، وإلا كره له ذلك، وإذا استنفر الإمام الناس للجهاد فلينفروا، إلا من كان معذوراً، ومن نوى الجهاد ولم يتمكن منه أجر على نيته. كراهية ترك الغزو شرح حديث أبي هريرة في كراهية ترك الغزو قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب كراهية ترك الغزو: حدثنا عبدة بن سليمان المروزي أخبرنا ابن المبارك أخبرنا وهيب -قال: عبدة : يعني ابن الورد - أخبرنا عمر بن محمد بن المنكدر عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من نفاق) ]. أورد أبو داود رحمه الله باب كراهية ترك الغزو، والإنسان الذي لا يغزو ولا ينوي الغزو، ولا يكون عنده استعداد لذلك لا بفعله ولا بنيته، على خطر. والتعبير بالكراهية هنا محتملة لكراهية التحريم وهي الغالب عند المتقدمين، وتحتمل كراهية التنزيه، ومعنى الحديث أنه من مات وهو لم يحصل منه الغزو والجهاد في سبيل الله، حيث وجد ذلك وأمكنه، [ (ولم يحدث نفسه بالغزو) ] ولا فكر أنه يغزو، فهذا يموت على شعبة من النفاق؛ لأن المنافقين هم الذين لا يريدون رفعة الإسلام ولا يريدون انتصار الإسلام، وإنما يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، فمن مات على ذلك فقد مات على صفة ذميمة من صفات المنافقين وإن لم يكن منافقاً، ويحتمل إرادة النفاق الأكبر، لأن الذي لا يريد نصرة المسلمين منافق. تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في كراهية ترك الغزو قوله: [ حدثنا عبدة بن سليمان المروزي ]. عبدة بن سليمان المروزي صدوق أخرج له أبو داود . وهذا غير عبدة بن سليمان الكلابي المشهور الذي هو أعلى طبقة من هذا، فذاك ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو الذي يتكرر ذكره كثيراً، ولكنه متقدم يروي عنه أبو داود بواسطة. [ عن ابن المبارك ]. عبد الله بن المبارك المروزي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو الذي قال عنه الحافظ في التقريب: ثقة فقيه إمام جواد مجاهد جمعت فيه خصال الخير. وهذه الأوصاف التي ذكرها الحافظ ابن حجر عن الإمام عبد الله بن المبارك رحمة الله عليه تشبهها صفات سماحة شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه، فقد جمع الله تعالى فيه كثيراً من خصال الخير. [ عن وهيب -قال عبدة : يعني ابن الورد -]. وهيب بن الورد ثقة أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . وقوله: [ قال عبدة ] جاء به لتحديد القائل بأن وهيباً هو وهيب بن الورد ؛ لأنه قد يظن أن القائل أبو داود أو الراوي للسنن عنه. [ عن عمر بن محمد بن المنكدر ]. عمر بن محمد بن المنكدر ثقة أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن سمي ]. سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي صالح ]. أبو صالح السمان وهو ذكوان ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق؛ رضي الله عنه وأرضاه. شرح حديث أبي أمامة في كراهية ترك الغزو قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عمرو بن عثمان وقرأته على يزيد بن عبد ربه الجرجسي حدثنا الوليد بن مسلم عن يحيى بن الحارث عن القاسم أبي عبد الرحمن عن أبي أمامة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من لم يغز أو يجهز غازياً أو يخلف غازياً في أهله بخير أصابه الله بقارعة) قال يزيد بن عبد ربه في حديثه: قبل يوم القيامة ]. قوله: [ (أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة) ] يعني: أصابه بعذاب أو بمصيبة يحصلها في الدنيا قبل يوم القيامة عقوبة له على كونه ما غزا ولا ساعد في الغزو ولا خلف غازياً في أهله بخير، ومعناه أنه ما حصل منه جهاد لا بنفسه ولا بماله ولا ساعد المجاهدين حين خلفهم في أهليهم. تراجم رجال إسناد حديث أبي أمامة في كراهية ترك الغزو قوله: [ حدثنا عمرو بن عثمان ]. عمرو بن عثمان هو ابن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي ، وهو صدوق أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ وقرأته على يزيد بن عبد ربه الجرجسي ]. أي: قال أبو داود : وقرأته على الشيخ، وهذا يسمى عرضاً، وأما إذا كان الشيخ يقرأ والطلاب يسمعون فهذا تحديث، وغالباً ما يفرقون بين الاثنين، فيقولون في السماع: حدثنا وسمعت، وفي العرض: أخبرنا، ومنهم من يسوي بين التحديث والإخبار ولا يفرق بينهما. ويزيد بن عبد ربه الجرجسي ثقة أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن الوليد بن مسلم ]. الوليد بن مسلم الدمشقي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن الحارث ]. ثقة أخرج له أصحاب السنن. [ عن القاسم أبي عبد الرحمن ]. وهو القاسم بن عبد الرحمن ، ومر بنا قريباً القاسم بن عبد الرحمن ، وهنا القاسم أبو عبد الرحمن وكنيته اسم أبيه، وهذا مما يبين أهمية معرفة من وافق كنيته اسم أبيه حتى لا يظن التصحيف، بأن يقال (ابن) مصحف عن (أبي)، أو (أبي) مصحف عن (ابن)؛ إن جاء القاسم بن عبد الرحمن فهو صحيح، وإن جاء: عن القاسم أبي عبد الرحمن فهو صحيح. وهو صدوق يغرب كثيراً، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن أبي أمامة ]. صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث أنس في كراهية ترك الغزو قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن حميد عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم) ]. هذا الحديث فيه الأمر بجهاد الكفار بالمال وبذل المال لينفق في سبيل الله من أجل إيجاد الأزواد والطعام والنفقة للمجاهدين، وكذلك لشراء المعدات التي تفيد في القتال في سبيل الله، وكذلك كون الإنسان يخرج بنفسه ليدعو المشركين إلى الإسلام، فإن دخلوا في الإسلام لم يقاتلوا، وإن أبوا الدخول في الإسلام قوتلوا حتى يدخلوا فيه أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون. وأيضاً: يكون جهادهم باللسان بذمهم وهجوهم في الشعر كما كان حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه يهجو المشركين ويدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن المسلمين، فالجهاد يكون بالنفس والمال واللسان، ويكون أيضاً بالقلم ومؤداه مؤدى اللسان، ويكون أيضاً بالنية كما في الحديث: (إن بالمدينة لرجالاً ما سيرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم حبسهم العذر) يعني أنهم معهم بالنيات؛ لأنهم كانوا حريصين على الجهاد ولكنهم ما استطاعوا من قلة المال وعدم الظهر الذي يركبونه، فبقوا في البلد متألمين متأثرين يبكون؛ لأنهم لم يجدوا شيئاً يركبونه ويجاهدون مع المسلمين، فالجهاد يكون بهذه الأمور كلها، والحديث فيه الجهاد بهذه الأمور الثلاثة التي هي المال والنفس واللسان. وأورد أبو داود هذا الحديث في باب كراهية ترك الغزو من جهة أن فيه الأمر بالجهاد وهو ضد الترك. تراجم رجال إسناد حديث أنس في كراهية ترك الغزو قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حماد ]. وهو ابن سلمة بن دينار البصري ، ثقة أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن حميد ]. حميد بن أبي حميد الطويل البصري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. أنس رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أيضاً بصري. فالحديث مسلسل بالبصريين، وأيضاً هو من الرباعيات التي هي أعلى الأسانيد عند أبي داود ؛ لأن أعلى الأسانيد عن أبي داود الإسناد الرباعي الذي يكون فيه بين أبي داود وبين النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص، وهنا فيه هؤلاء الأربعة الذين هم: موسى بن إسماعيل و حماد بن سلمة و حميد بن أبي حميد الطويل و أنس بن مالك رضي الله تعالى عنهم. نسخ نفير العامة بالخاصة شرح أثر ابن عباس في نسخ نفير العامة بالخاصة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في نسخ نفير العامة بالخاصة: حدثنا أحمد بن محمد المروزي حدثني علي بن الحسين عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [التوبة:39]، مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ [التوبة:120] إلى قوله: يَعْمَلُونَ [التوبة:121] نسختها الآية التي تليها: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً [التوبة:122] ]. أورد أبو داود هذه الترجمة [ باب في نسخ نفير العامة بنفير الخاصة ] يعني أن النفير كان للجميع فنسخ وصار في حق البعض وليس في حق الكل، وأورد أبو داود هذا الأثر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الآية: إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [التوبة:39]، وكذلك الآية: مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ [التوبة:120] نسختها الآية التي بعدها وهي: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [التوبة:122]، أي أن النفير لا يكون لازماً للعامة وإنما يكون للخاصة. ومنهم من يقول: إن الآيتين محكمتان، وإنهما غير منسوختين، ولكن النفير العام يكون في بعض الأحوال، ونفير الخاصة يكون في بعض الأحوال، فنفير الخاصة يكون في حال عدم تعين الجهاد، بمعنى أنه لم يحصل الاستنفار من الإمام، وكذلك إذا لم يكن العدو قد داهم أهل البلد، أما إذا داهم العدو البلد المسلم فإن على أهل هذا البلد الذي دوهموا أن ينفروا جميعاً للقتال والدفاع عن بلدهم، وصد الكفار عن غزوهم ودخولهم في بلادهم واستيلائهم عليها، وكذلك أيضاً إذا استنفر الإمام الناس فليس لأحد أن يتخلف. لأن الجهاد يكون فرض عين وفرض كفاية، فرض عين إذا استنفر الإمام الناس، مثلما استنفر النبي صلى الله عليه وسلم الناس في غزوة تبوك، فلم يتخلف إلا معذور أو منافق، وإلا ما كان من أمر الثلاثة الذين خلفوا. تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس في نسخ نفير العامة بالخاصة قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد المروزي ]. أحمد بن محمد بن ثابت المروزي ثقة أخرج له أبو داود . [ عن علي بن الحسين ]. علي بن الحسين بن واقد وهو صدوق يهم أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو حسين بن واقد ثقة له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن يزيد النحوي ]. يزيد بن أبي سعيد النحوي ، وهوثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن عكرمة ]. عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ] عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح أثر ابن عباس في تفسير (إلا تنفروا يعذبكم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا زيد بن الحباب عن عبد المؤمن بن خالد الحنفي حدثني نجدة بن نفيع قال: سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن هذه الآية: إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [التوبة:39] قال: فأمسك عنهم المطر وكان عذابهم ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن ابن عباس في تفسير العذاب في قوله: إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [التوبة:39] وفيه أنه حبس عنهم المطر، وكان هذا عذابهم. هذا الأثر فيه تفسير من ابن عباس رضي الله عنه للعذاب في هذه الآية وأنه حبس المطر، والأثر ليس بصحيح؛ لأن في إسناده من هو مجهول وهو نجدة بن نفيع . تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس في تفسير (إلا تنفروا يعذبكم) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فلم يخرج له في السنن، وإنما خرج له في عمل اليوم والليلة. [ عن زيد بن الحباب ]. زيد بن الحباب ، وهو صدوق أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد المؤمن بن خالد الحنفي ]. لا بأس به، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن نجدة بن نفيع ]. نجدة بن نفيع مجهول أخرج له أبو داود . [ عن ابن عباس ]. وقد مر ذكره. الرخصة في القعود من العذر شرح حديث الرخصة في القعود من العذر قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرخصة في القعود من العذر: حدثنا سعيد بن منصور حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: (كنت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فغشيته السكينة، فوقعت فخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على فخذي، فما وجدت ثقل شيء أثقل من فخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم سري عنه وقال: اكتب، فكتبت في كتف: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله ..) إلى آخر الآية، فقام ابن أم مكتوم -وكان رجلاً أعمى- لما سمع فضيلة المجاهدين فقال: يا رسول الله! فكيف بمن لا يستطيع الجهاد من المؤمنين؟ فلما قضى كلامه غشيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم السكينة فوقعت فخذه على فخذي ووجدت من ثقلها في المرة الثانية كما وجدت في المرة الأولى، ثم سري عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: اقرأ يا زيد فقرأت: لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:95] فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ ..)[النساء:95] الآية كلها، قال زيد : فأنزلها الله وحدها فألحقتها، والذي نفسي بيده لكأني أنظر إلى ملحقها عند صدع في كتف) ]. أورد أبو داود [ باب الرخصة في القعود من العذر ]. أي: الرخصة في القعود عن الجهاد للعذر، وذلك في حق من يكون معذوراً، إما لكونه أعمى أو لكونه أعرج أو لكونه مريضاً، أو لكونه لا يستطيع السفر لأنه ليس عنده ظهر يركبه، كما جاء في حق الصحابة الذين ذكرهم الله عز وجل في قوله: وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ [التوبة:92]. وأورد أبو داود حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه كان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت عليه السكينة، وذكر ما يحصل له عند الوحي عليه، وأنه تصيبه شدة، وأنه كان بجنبه وكانت فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذ زيد بن ثابت رضي الله عنه فثقلت عليه، وقد كان هذا شأنه صلى الله عليه وسلم عندما يوحي إليه؛ تصيبه شدة حتى يتصبب عرقاً في اليوم الشاتي الشديد البرودة لشدة ما يحصل له صلى الله عليه وسلم. فلما سري عنه ذهب عنه وزال الذي حصل له عند نزول الوحي عليه فقال: [ (اكتب يا زيد) ] فكتب في كتف بعير، وهذا يدل على أن كتابة القرآن في الأشياء الطاهرة سائغ، فكتب زيد بن ثابت رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية، وليس فيها: غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ [النساء:95]، ثم إن عبد الله بن أم مكتوم وكان أعمى قال: يا رسول الله! ما بال الذي لا يستطيع؟ فنزلت عليه السكينة مرة أخرى وحصل له ما حصل من الثقل، وكادت فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ترض فخذ زيد بن ثابت لشدة الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أمره أن يقرأ ما كتب، وأن يضيف: غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ [النساء:95] فكتبها عند صدع في الكتف قال: [ فوالذي نفسي بيده كأني أنظر إليها عند ذلك الصدع ] يعني الكسر، فكان يتذكر أن مكانها في الكتف عند ذلك الصدع، وهذا فيه ضبطه وتذكره للشيء وكأنه ينظر إليه. تراجم رجال إسناد حديث الرخصة في القعود من العذر قوله: [ حدثنا سعيد بن منصور ]. سعيد بن منصور ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن أبي الزناد ]. صدوق أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. أبو الزناد وهو عبد الله بن ذكوان المدني ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، و أبو الزناد لقب على صفة الكنية، وكنيته أبو عبد الرحمن فيكنى بابنه هذا الذي يروي عنه هنا ولقبه أبو الزناد ، فاللقب على صفة الكنية. [ عن خارجة بن زيد ]. خارجة بن زيد ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد بن ثابت ] زيد بن ثابت رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث أجر المتخلفين لعذر قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن حميد عن موسى بن أنس بن مالك عن أبيه رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لقد تركتم بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا أنفقتم من نفقة ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم فيه، قالوا: يا رسول الله! وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة؟ فقال: حبسهم العذر) ]. أورد أبو داود حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه الجهاد بالنية، فهم معهم بنياتهم وقلوبهم وليسوا بأجسامهم، لكن أجسامهم متألمة متأثرة في المدينة حزناً على فوت الجهاد. وهذا دليل على فضل النية الطيبة والقصد للجهاد في سبيل الله، فإن صاحبها يكون مأجوراً مثاباً على نيته، ومعلوم أن الإنسان يثاب بقصده ويثاب بحرصه واجتهاده. وهذا الحديث يدل أيضاً على أن الجهاد كما يكون بالنفس والمال واللسان يكون بالنية. تراجم رجال إسناد حديث أجر المتخلفين لعذر قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن حميد عن موسى بن أنس بن مالك ]. مر ذكر موسى و حماد و حميد . و موسى بن أنس ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه]. أبوه أنس ، وقد مر ذكره."
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الجهاد شرح سنن أبي داود [295] الحلقة (327) شرح سنن أبي داود [295] الجهاد في سبيل الله شرف عظيم في الدنيا والآخرة؛ لكن قد ينشغل الإنسان فلا يقدر على الجهاد بنفسه، إلا أنه يمكن أن يجهز الغزاة في سبيل الله بالمال، أو يخلفهم في أهلهم بخير، فيكتب الله له أجر الغازي في سبيله. وقد مدح الشرع الإقدام في سبيل الله، وذم الجبن والبخل، ومع ذلك فهو لا يسمح للمسلم أن يلقي بنفسه إلى التهلكة. ما يجزئ من الغزو شرح حديث زيد بن خالد فيما يجزئ من الغزو قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يجزئ من الغزو: حدثنا عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا الحسين حدثني يحيى حدثني أبو سلمة حدثني بسر بن سعيد حدثني زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا) ]. أورد أبو داود [ باب ما يجزئ من الغزو ]، أي: ما يكفي منه بحيث يعد الإنسان غازياً وإن لم يغز؛ وذلك بكونه قام مقام الغازي في رعاية أهله وإصلاح شئونهم وإيصال الخير إليهم ودفع الأذى عنهم. قوله: [ (من جهز غازياً في سبيل الله) ] أي: من مكنه من الغزو، بمعنى أنه قدم له مركوباً يركبه أو أعطاه نفقة ينفقها في الغزو. وقوله: [ (فقد غزا) ] لأن هذا الذي غزا في سبيل الله إنما قدر على الغزو بما بذله له، وبدون ذلك لا يستطيع ذلك الغازي أن يغزو إذا لم يكن هناك مركوبات أو زاد، فكونه يتصدق ويحسن فإنه يكون بذلك مأجوراً ومثاباً، فيكون كأنه قد غزا؛ لأنه تسبب في الغزو ومكن الغازي من الغزو. قوله: [ (ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا) ]. معناه: أنه ساعد على غزوه؛ لكونه أراحه فيما يتعلق بأهله، وبدلاً من أن يكون مشغول البال بأهله الذين خلفهم وراءه فقد وجد من يكون مستعداً لرعايتهم والمحافظة عليهم وإيصال الخير إليهم ودفع الأذى عنهم، فيكون بذلك مشاركاً للمجاهدين في الغزو. تراجم رجال إسناد حديث زيد بن خالد فيما يجزئ من الغزو قوله: [ حدثنا عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج ]. عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الوارث ]. عبد الوارث بن سعيد العنبري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسين ]. الحسين بن ذكوان المعلم ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى ]. يحيى بن أبي كثير اليمامي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة ]. أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بسر بن سعيد ]. ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد بن خالد ]. زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث أبي سعيد فيما يجزئ من الغزو قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا سعيد بن منصور أخبرنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب عن يزيد بن أبي سعيد مولى المهري عن أبيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث إلى بني لحيان وقال: ليخرج من كل رجلين رجل، ثم قال للقاعد: أيكم خلف الخارج في أهله وماله بخير كان له مثل نصف أجر الخارج) ]. أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بعثاً لبني لحيان فقال: [ (ليخرج من كل رجلين رجل) ] ومعناه أن يخرج بعضهم ويبقى بعضهم. قوله: [ (ثم قال للقاعد: أيكم خلف الخارج في أهله وماله بخير كان له مثل نصف أجر الخارج) ]. ليس معنى ذلك أن أجر الخارج مقسم بينه وبينه، فيكون لهذا كذا ولهذا كذا، وإنما هذا له أجره كاملاً، وهذا له مثل نصف أجره، لكونه ساعد وأعان على حفظ ورعاية أهله، وكونه قام مقامه في حال غيبته؛ لأن المسألة فيها خيار بين من يقعد ومن يبقى، ولكن كل اثنين يخرج منهم واحد، فالذي اختار أن يبقى وقام برعاية أهل الخارج له مثل نصف أجر الخارج لقيامه بهذا العمل، فيكون هذا نظير ما جاء أن من يصلي النافلة جالساً له مثل نصف أجر القائم. تراجم رجال إسناد حديث أبي سعيد فيما يجزئ من الغزو قوله: [ حدثنا سعيد بن منصور ]. سعيد بن منصور ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن وهب ]. عبد الله بن وهب المصري ، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن الحارث ]. عمرو بن الحارث المصري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن أبي حبيب ]. يزيد بن أبي حبيب المصري أيضاً، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن أبي سعيد مولى المهري ]. يزيد بن أبي سعيد مولى المهري وهو مقبول أخرج له مسلم و أبو داود . [ عن أبيه ]. وهو مقبول أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن أبي سعيد الخدري ]. أبو سعيد الخدري رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو سعد بن مالك بن سنان ، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. الكلام على قوله في الحديث (فله نصف أجر الخارج) ذكر الحافظ في الفتح أن بعض العلماء قال إن النصف هذه لعلها مقحمة، وإن له مثل الأجر، لكنه قال إن هذه اللفظة قد ثبتت في الصحيح، وهي موجودة في صحيح مسلم، فلا يصلح أن يقال إنها مقحمة. ثم ذكر وجهاً لكونه يكون مثله في الأجر؛ وذلك أنه إذا جمع ما لهذا مع ما لهذا ثم قسم كان له النصف. وهذا لا يستقيم؛ لأنه إذا صار لهذا نصف أجر وهذا أجر كامل فإنه إذا قسم يكون للغازي ثلاثة أرباع، فهذا الذي ذكره غير واضح. وما ذكرناه من أنه يكون كالذي يصلي النافلة قاعداً مع قدرته على القيام فيكون له نصف أجر القائم أوضح، فيكون هذا من جنسه؛ لأنه كان قادراً على أن يسافر، ولكنه جلس وقام بهذه المصلحة وبهذه الفائدة أما إذا حصل له ذلك بعذر لكونه لا يستطيع أن يصلي قائماً فإنه ينال الأجر كاملاً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل وهو صحيح مقيم)، أخرجه البخاري في صحيحه. الجرأة والجبن شرح حديث ذم الجبن والبخل قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الجرأة والجبن: حدثنا عبد الله بن الجراح عن عبد الله بن يزيد عن موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن عبد العزيز بن مروان قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (شر ما في رجل شح هالع وجبن خالع) ]. أورد أبو داود باباً في الجرأة والجبن، والجرأة هي الشجاعة والنشاط والقوة، والجبن ضدها، وهو الخور والضعف وعدم الإقدام، والشاعر يقول: لو لا المشقة ساد الناس كلهم الجود يفقر والإقدام قتال أي: لو كان السؤدد يحصل بدون مشقة ما بقى أحد إلا نال السيادة، لكن يمنعهم من ذلك خوف الفقر من النفقة، وخوف القتل بسب الإقدام، فتمتنع عنهم السيادة. وأورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة وفيه ذم الجبن والبخل، فالجبن في أن لا يجاهد بنفسه، والبخل في أن لا يجاهد بماله. قوله: [ (شر ما في رجل شح هالع) ] لأنه يجعل الإنسان يضعف ويتأخر عن البذل خشية الفقر. والشح قيل: إنه شدة البخل، فالبخل أعم منه، والشح أخص فهو نوع من البخل وهو أشده. والهلع هو الجزع وعدم الصبر. قوله: [ (وجبن خالع) ] أي: يخلع القلب من الضعف والخور، ومعناه أنه يستولي على قلبه ويخلعه فيكون ضعيفاً جباناً. وفي الحديث ذم لمن لا ينفق في سبيل الله، وذم لمن لا يجاهد بنفسه في سبيل الله. تراجم رجال إسناد حديث ذم الجبن والبخل قوله: [ حدثنا عبد الله بن الجراح ]. عبد الله بن الجراح هو صدوق يخطئ أخرج له أبو داود و النسائي في مسند مالك و ابن ماجة . [ عن عبد الله بن يزيد ]. عبد الله بن يزيد المقري المكي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن موسى بن علي بن رباح ]. موسى بن علي بن رباح صدوق ربما أخطأ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد العزيز بن مروان ]. وهو عبد العزيز بن مروان بن الحكم والد الخليفة عمر بن عبد العزيز ، وهو صدوق أخرج له أبو داود . [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. قوله تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) شرح حديث سبب نزول آية (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في قوله تعالى: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195]: حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا ابن وهب عن حيوة بن شريح و ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران قال: غزونا من المدينة نريد القسطنطينية وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، والروم ملصقو ظهورهم بحائط المدينة، فحمل رجل على العدو فقال الناس: مه مه، لا إله إلا الله، يلقي بيديه إلى التهلكة! فقال أبو أيوب رضي الله عنه: إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار، لما نصر الله نبيه وأظهر الإسلام قلنا: هلم نقيم في أموالنا ونصلحها، فأنزل الله تعالى: وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ فالإلقاء بالأيدي إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد، قال أبو عمران : فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية ]. أورد أبو داود [ باب قول الله عز وجل: (( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ )) ]، وأورد حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه في بيان سبب نزولها، وهو أنهم كانوا يجاهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أعز الله رسوله وأظهر دينه قالوا: لو أننا بقينا في أموالنا نصلحها ونعنى بها؛ لأننا قد قمنا بالجهاد وظهر الإسلام وانتشر، فنزل قول الله عز وجل: وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:195] ففسرت التهلكة بكونهم يقعدون عن القتال. وقيل لقعودهم عن القتال تهلكة لأنه يطمع أعداءهم بهم، حيث يجعلهم يضعفون أمام أعدائهم ويقوي رغبة أعدائهم فيهم، فيكون ذلك سبباً في هلاكهم، وبهذا يتضح أن كونهم يلقون بأيديهم إلى التهلكة بترك الجهاد أن الكفار لا يحسبون لهم حساباً ولا يقيمون لهم وزناً؛ لأنهم أخلدوا إلى الأرض، فيطمع فيهم الكفار كما هو حال المسلمين في هذا الزمان؛ لأنهم رغبوا في الدنيا وأقبلوا عليها وأعرضوا عن الجهاد في سبيل الله، فصار المسلمون في ضعف وخور، يخافون من الكفار والكفار لا يخافون منهم. فقوله: (( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ )) هذا هو سبب نزولها، لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو معلوم؛ فإذا عرف الإنسان أن الغالب الهلاك فلا يقدم على شيء فيه إهلاك نفسه، ولكن إذا كان يعرف من نفسه أنه يعمل نكاية بالعدو دون أن ينالوه فإن هذا لا بأس به، أما كونه يقدم على عمل يؤدي إلى هلاكه فهذا يدخل تحت قوله: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ [النساء:29] ومثل هذا ما يفعله بعض الناس من كونه يُفجَّر نفسه من أجل أن يلحق النكاية بالعدو، فإن هذا لا يسوغ وليس للإنسان أن يفعل مثل هذا الفعل، ومثل هذا الفعل إذا حصل فالعدو لا يقف عند هذا الحد، بل يعاقب ويحصل منه النكاية بالمسلمين، ويزهق من النفوس ويتلف من الأموال أضعاف أضعاف ما حصل بسبب هذا الإقدام الذي حصل من هذا الذي قتل نفسه، وهذا قاتل لنفسه وليس شهيداً ولا مجاهداً، وإنما هذا منتحر قاتل لنفسه، ولا يترتب على ذلك مصلحة للمسلمين، وإنما يترتب على ذلك مضرة للمسلمين؛ لكون الأعداء يقدمون على أن يفتكوا بالمسلمين، بل ويمكن أن يلحقوا الضرر بأبرياء ليس لهم دخل في مثل هذا العمل الذي قد حصل. وإذاً: فأبو أيوب رضي الله عنه بين سبب نزول الآية، ومعلوم أن ذلك واضح جلي في أن الإخلاد إلى الدنيا والرغبة فيها والإعراض عن الجهاد في سبيل الله، مما يضعف المسلمين ويقوي أعداءهم ويجعلهم هائبين بعد أن كانوا مهيبين، وهذا هو الواقع المشاهد المعاين في هذا الزمان. وقوله: [ على الجماعة ] يعني الجيش الذي ذهب من المدينة أميره عبد الرحمن بن خالد بن الوليد . وقسطنطينية هي مدينة كان فيها ملك الروم، وهي الآن إسطنبول. قوله: [ والروم ملصقو ظهورهم بحائط المدينة ]. معناه أنهم خرجوا من المدينة من مدينة القسطنطينية، وظهروا منها واستعدوا للقتال. تراجم رجال إسناد حديث سبب نزول آية (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) قوله: [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح ]. أحمد بن عمرو بن السرح المصري ، ثقة أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن ابن وهب ]. مر ذكره. [ عن حيوة بن شريح ]. حيوة بن شريح المصري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و ابن لهيعة ]. عبد الله بن لهيعة المصري ، وهو صدوق احترقت كتبه فساء حفظه، ورواية العبادلة عنه كانت قبل الاختلاط، وهنا يروي عنه عبد الله بن وهب الذي هو أحد العبادلة الأربعة، الذين هم: عبد الله بن وهب و عبد الله بن مسلمة و عبد الله بن يزيد المقري و عبد الله بن المبارك ، ثم أيضاً هو مقرون هنا، فليست الرواية عنه وحده، بل الرواية عنه وعن حيوة بن شريح المصري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأما عبد الله بن لهيعة فأخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن يزيد بن أبي حبيب ]. يزيد بن أبي حبيب المصري ، مر ذكره. [ عن أسلم أبي عمران ]. أسلم أبو عمران ثقة أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن أبي أيوب ]. أبو أيوب الأنصاري ، وهو خالد بن زيد رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبو أيوب، وقد كانت وفاته بالقسطنطينية، وقد دفن بها رضي الله عنه وأرضاه."
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الجهاد شرح سنن أبي داود [296] الحلقة (328) شرح سنن أبي داود [296] أمر الله عباده المؤمنين أن يعدوا للكفارين ما استطاعوا من قوة، وفسر النبي عليه الصلاة والسلام القوة بالرمي، فإنها أعظم ما يثخن في الأعداء مع سلامة الرامي من بأسهم، وقد حث النبي عليه الصلاة والسلام أمته على الرمي، ورغبهم في تعلمه وإتقانه. ما جاء في الرمي شرح حديث: (إن الله يدخل ثلاثة الجنة بالسهم الواحد) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرمي. حدثنا سعيد بن منصور حدثنا عبد الله بن المبارك حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثني أبو سلام عن خالد بن زيد عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إن الله عز وجل يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة: صانعه يحتسب في صنعته الخير، والرامي به، ومنبله، وارموا واركبوا، وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا، ليس من اللهو إلا ثلاث: تأديب الرجل فرسه، وملاعبته أهله، ورميه بقوسه ونبله، ومن ترك الرمي بعدما علمه رغبة عنه فإنها نعمة تركها) أو قال: (كفرها) ]. أورد أبو داود باباً في الرمي، والرمي هو إرسال السهام والنبل على الأعداء، والمقصود من ذلك أن يتعلمه الإنسان ويجيده حتى يتمكن من إنفاذ السهام في الأعداء، وإجادة الإنسان الرمي بكونه يوصل السهم إلى الهدف الذي يريده والجهة التي يريد أن يوصل السهم إليها، وإنما يكون ذلك بتعلم الرمي وبالتعود عليه واعتياده. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه في ذلك. قوله: (يدخل في السهم الواحد ثلاثة نفر الجنة صانعه يحتسب الأجر عند الله عز وجل) كون الإنسان يصنع السهام من أجل أن يستعملها المسلمون وينتصروا على أعدائهم هو مأجور على نيته، وكذلك الرامي الذي يحصل منه إرسال السهم إلى الأعداء، وكذلك المنُبل وهو الذي يكون معه يساعده، بمعنى أنه يمد له النبل إذا رمى، أو يأخذ الذي يقع من السهام حتى يعاد مرة أخرى، فهو الذي يساعد الرامي. قوله: (وارموا وأركبوا) . فيه فضيلة استعمال الرمي واستعمال الركوب، وكل منهما مطلوب في الغزو والجهاد في سبيل الله، كما قال البوصيري في البردة يصف الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم: كأنهم في ظهور الخيل نبت ربا من شدة الحزم لا من شدة الحزم أي أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابتون على الخيل كثبوت الأشجار على الربا، وذلك من شدة القوة والنشاط لا من شدة الحزم، والشاعر يقول: أعز مكان في الدنا سرج سابح وخير جليس في الزمان كتاب والسابح الفرس الذي يجري ويمضي بسرعة ويكون صاحبه على ظهره متمكناً، فالركوب فيه قوة للإنسان وتعويد على الكر والفر. قوله: (وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا) ؛ لأن الرمي أنكى في العدو من الركوب. قوله: (ليس من اللهو إلا ثلاث: تأديب الرجل فرسه، وملاعبته أهله، ورميه بقوسه ونبله). أي: ليس من اللهو مأذون فيه أو مستحب أو سائغ إلا ثلاثة وهي المذكورة في الحديث. قوله: (تأديب الرجل فرسه). هو أن يروضه على الكر والفر والإقدام على ما يريد الإقدام عليه. قوله: (وملاعبته أهله). كذلك أيضاً هذا من اللهو المباح. قوله: (ورميه بقوسه ونبله) . لأنه يستعد ويتهيأ ويمرن نفسه على الرمي استعداداً للجهاد في سبيل الله. قوله: (ومن ترك الرمي بعدما علمه رغبة عنه فإنها نعمة تركها). يعني أنه ظفر بخير كثير ثم أضاعه على نفسه، (أو هي نعمة كفرها) أي: أضاع هذه النعمة ولم يحافظ عليها، فيكون قد ضيع على نفسه خيراً كثيراً وضيع على نفسه شيئاً عظيماً. تراجم رجال إسناد حديث: (إن الله يدخل ثلاثة الجنة بالسهم الواحد) قوله: [ حدثنا سعيد بن منصور حدثنا عبد الله بن المبارك ]. عبد الله بن المبارك المروزي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلام ]. ممطور الأسود الحبشي ثقة يرسل. [ عن خالد بن زيد ]. هو مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن عقبة بن عامر ]. عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (إن القوة الرمي) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سعيد بن منصور حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن أبي علي ثمامة بن شفي الهمداني أنه سمع عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو على المنبر يقول: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60] ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي) ]. هذا الحديث فيه بيان وتفسير للقوة التي أمر الله تعالى بإعدادها في قوله: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60] ففسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن القوة هي الرمي؛ وذلك لأن المسلمين كانوا يعدون العدد لجهاد الأعداء، وكان السلاح الموجود في ذلك الزمان هو السهام والنبل، وإرسالها إلى الأعداء يقال له: الرمي، فالنبي صلى الله عليه وسلم فسر هذه القوة بما هو مشاهد معاين وبما هو السلاح الموجود في ذلك الزمان فقال: [ (ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي) ]. وهذا فيه بيان القرآن بالسنة، والسنة تبين القرآن وتشرحه وتوضحه وتدل عليه، وفيه بيان السنن وإعلانها على المنابر. ويدخل في الرمي إعداد كل ما فيه قوة للمسلمين على الكفار من الأسلحة الحديثة التي حصلت في هذا الزمان، والتي يكون بها الاقتتال بين الناس، فإن إعدادها وتهيئتها داخل في عموم قوله سبحانه وتعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60]؛ لأن كلمة القوة جاءت مطلقة عامة، ومعنى ذلك أن كل ما فيه قوة للمسلمين وإعداد العدة لقتال أعدائهم، فإن العناية به والتدرب عليه داخل تحت القوة التي قال الله عز وجل فيها: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60]. ثم إن الرمي أيضاً كما يكون بالسهام والنبل الذي كان هو السلاح الموجود في زمانهم يكون بالأسلحة الحديثة التي وجدت في هذا الزمان، مثل البنادق والرشاشات وغير ذلك. تراجم رجال إسناد حديث: (إن القوة الرمي) قوله: [ حدثنا سعيد بن منصور ]. سعيد بن منصور ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن وهب ]. عبد الله بن وهب المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن الحارث ]. عمرو بن الحارث المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي علي ثمامة بن شفي ]. ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن عقبة بن عامر ]. عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة."
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الجهاد شرح سنن أبي داود [297] الحلقة (329) شرح سنن أبي داود [297] لا يقبل الله العمل إلا إذا كان خالصاً وابتغي به وجهه؛ ولذا يجب على المجاهدين أن يصلحوا نياتهم، وأن يقاتلوا لتكون كلمة الله هي العليا، وأن يحذروا أشد الحذر من أن يريدوا بقتالهم الدنيا، فما عند الله خير لهم وأبقى. من يغزو ويلتمس الدنيا شرح حديث معاذ فيمن يغزو للدنيا قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيمن يغزو ويلتمس الدنيا. حدثنا حيوة بن شريح الحضرمي حدثنا بقية حدثنا بحير عن خالد بن معدان عن أبي بحرية عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (الغزو غزوان: فأما من ابتغى وجه الله، وأطاع الإمام، وأنفق الكريمة، وياسر الشريك، واجتنب الفساد؛ فإن نومه ونُبهه أجر كله؛ وأما من غزا فخراً ورياء وسمعة، وعصى الإمام، وأفسد في الأرض؛ فإنه لم يرجع بالكفاف) ]. قوله: باب فيمن غزا يلتمس الدنيا يعني من كان الباعث له على الغزو هو أنه يريد الدنيا، فهذا مذموم، ولكنه إذا أراد إعلاء كلمة الله، وأيضاً أراد أن يرجع بأجر وثواب عند الله عز وجل أو بغنيمة يحصلها؛ فإن ذلك لا بأس به، وإنما المحذور أن يكون همه ورغبته وقصده الدنيا وليس الآخرة. فمن قصد الآخرة وحصل له شيء من الدنيا فهو ثواب عاجل ينقص من أجره في الدار الآخرة كما مر بنا في باب السرية تغزو فتخفق، ومن لم يحصل على غنيمة فإنه يحصل الأجر كاملاً في الدار الآخرة. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أن الغزو غزوان، أي: ينقسم إلى قسمين: قسم غزا للدنيا، وقسم يلتمس الأجر والثواب. قوله: (فأما من ابتغى وجه الله وأطاع الإمام). أي: أن قصده حسن وهو الآخرة وليس قصده الدنيا، وأطاع الإمام في حدود ما هو طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم. قوله: (وأنفق الكريمة) أي: أنفق الكريم والنفيس من ماله في سبيل الله عز وجل. قوله: (وياسر الشريك) يعني ساهله، ولم تكن معاملته معه بشدة وبتضييق، بل بمسامحة ومساهله ومياسرة، وذلك فيمن يكون شريكاً له في عمل أو في تجارة أو غير ذلك. قوله: (واجتنب الفساد) فكل ما هو فساد يجتنبه ويبتعد عنه. قوله: (فإن نومه ونبهه أجر كله) . أي: هو على خير في حال نومه وفي حاله يقظته مادام غازياً في سبيل الله؛ لأن كل حركة وسكون منه من حين يخرج إلى أن يرجع خير، فكله له أجر، وهذا يدل على عظم ثواب من خرج في سبيل الله يريد بذلك وجه الله، ويريد بذلك إعلاء كلمة الله، ولم يكن همه الدنيا وحطامها. قوله: (وأما من غزا فخراً ورياء وسمعة، وعصى الإمام، وأفسد في الأرض؛ فإنه لم يرجع بالكفاف). الكفاف أن يرجع لا له ولا عليه، فلا حصل أجراً ولا أصابه إثم، أما من خرج رياء فإنه يرجع بتحصيل الإثم، لأن هذا التفاخر والتعالي والترفع، والإفساد في الأرض، وكونه يعصي الإمام؛ كل هذه الأمور يؤاخذ عليها، فلا يرجع بالكفاف، بل يرجع وعليه إثم؛ لأن فالأول رجع بالشيء الذي هو له، وأما هذا رجع بالشيء الذي هو عليه. تراجم رجال إسناد حديث معاذ فيمن يغزو للدنيا قوله: [ حدثنا حيوة بن شريح الحضرمي ]. حيوة بن شريح الحضرمي ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن بقية ]. بقية بن الوليد ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن بحير ]. بحير بن سعد وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن خالد بن معدان ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بحرية ]. اسمه عبد الله بن قيس ، ثقة، أخرج له أصحاب السنن. [ عن معاذ بن جبل ]. معاذ بن جبل رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهذا الإسناد كله شاميون، فهو مسلسل بالرواة الشاميين. شرح حديث أبي هريرة فيمن يغزو للدنيا قال المصنف رحمه الله قال: [ حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع عن ابن المبارك عن ابن أبي ذئب عن القاسم عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن ابن مكرز رجل من أهل الشام عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال: (يا رسول الله! رجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو يبتغي عرضاً من عرض الدنيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا أجر له، فأعظم ذلك الناس، وقالوا للرجل: عد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلعلك لم تفهمه، فقال: يا رسول الله! رجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو يبتغي عرضاً من عرض الدنيا، فقال: لا أجر له، فقالوا للرجل: عد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له الثالثة، فقال له: لا أجر له) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل يريد الجهاد وهو يبتغي عرضاً من الدنيا، فقال: لا أجر له، لأن الذي يدفعه للجهاد هو أن يحصل عرضاً دنيوياً من غنيمة أو أجرة، والمقصود من ذلك أن قصده الدنيا وحدها، ولا يريد إعلاء كلمة الله، والصحابة رضي الله عنهم استعظموا ذلك، لأنهم يقصدون من أراد إعلاء كلمة الله وتحصيل الغنيمة، وقد سبق أن مر بنا أن السرية إذا أخفقت رجعوا بالأجر الكامل، وإذا حصلت شيئاً من الغنائم فإنهم تعجلوا ثلثي أجرهم. وهذا الحديث ضعيف؛ لأن فيه من هو مجهول، وهو ابن مكرز . تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة فيمن يغزو للدنيا قوله: [ حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع ]. أبو توبة الربيع بن نافع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن ابن المبارك ]. عبد الله بن المبارك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن أبي ذئب ]. محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن القاسم ]. عن القاسم بن عباس وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن بكير بن عبد الله بن الأشج ]. بكير بن عبد الله بن الأشج المصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن مكرز ]. قيل: هو يزيد بن مكرز ، وهو مجهول، أخرج له أبو داود . [ عن أبي هريرة ]. عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا شرح حديث أبي موسى فيمن قاتل لإعلاء كلمة الله من طريق حفص بن عمر قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا. حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي وائل عن أبي موسى رضي الله عنه أن أعرابياً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (إن الرجل يقاتل للذكر، ويقاتل ليحمد، ويقاتل ليغنم، ويقاتل ليرى مكانه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من قاتل حتى تكون كلمة الله هي أعلى فهو في سبيل الله عز وجل) ]. أورد أبو داود رحمه الله باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، أي من كان كذلك هو الذي حصل منه الجهاد حقيقة، وحصل منه القتال حقيقة، أما من كان على غير ذلك فهذا قاتل للشيء الذي قاتل من أجله، وقد حصل له ذلك الشيء الذي أراده، أما من أراد نصرة الإسلام وأن تكون كلمة الله هي العليا، فيعبد الله وحده لا شريك له، ويدخل الكفار في دين الله، أو يرضخوا لحكم الإسلام فيشاهدوا تطبيق أحكام الإسلام فيكون ذلك سبباً في هدايتهم ودخولهم في الإسلام، أو يبقوا على ما هم عليه ويعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون؛ فإن القتال الذي يكون على هذا الوجه هو الذي يكون محموداً ويكون صاحبه مجاهداً حقيقة. أورد أبو داود حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في ذلك. قوله: (إن الرجل يقاتل للذكر). يعني ليذكر. قوله: (ويقاتل ليحمد) . أي: ليحمده الناس ويقولون إنه شجاع. قوله: (ويقاتل ليغنم) . أي: يقاتل للدنيا والغنيمة فقط. قوله: (ويقاتل ليرى مكانه) . يعني يرى منزلته عند الناس وقصده أن يعلو عند الناس. قوله: [ (من قاتل حتى تكون كلمة الله هي أعلى فهو في سبيل الله) ]. أعطى الرسول صلى الله عليه وسلم جواباً من أتى به فهو الذي يكون في سبيل الله، ومن لم يأت به فهو يقاتل لما أراده: (ولكل امرئ ما نوى)، فقال عليه الصلاة والسلام: (من قاتل لتكون كلمة الله هي أعلى فهو سبيل الله) أما المقاتلة للذكر أو ليحمد عند الناس ويشار إليه بالبنان، فهذا ليس في سبيل الله. تراجم رجال إسناد حديث أبي موسى فيمن قاتل لإعلاء كلمة الله من طريق حفص بن عمر قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ]. حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي . [ عن شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن مرة ]. عمرو بن مرة الهمداني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي وائل ]. هو شقيق بن سلمة الكوفي ، مشهور بكنيته، وهو ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي موسى ]. أبو موسى الأشعري اسمه عبد الله بن قيس رضي الله عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث أبي موسى فيمن قاتل لإعلاء كلمة الله من طريق الطيالسي وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا علي بن مسلم حدثنا أبو داود عن شعبة عن عمرو قال: سمعت من أبي وائل حديثاً أعجبني فذكر معناه ]. أورد المصنف الحديث من طريق أخرى بالمعنى الأول. قوله: [ حدثنا علي بن مسلم ]. ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ عن أبي داود ]. هو سليمان بن داود الطيالسي ، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن شعبة عن عمرو عن أبي وائل ]. قد مر ذكرهم. شرح حديث عبد الله بن عمرو في أن المقاتل يبعث على نيته قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم بن حاتم الأنصاري حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا محمد بن أبي الوضاح عن العلاء بن عبد الله بن رافع عن حنان بن خارجة عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال عبد الله بن عمرو : (يا رسول الله! أخبرني عن الجهاد والغزو، فقال: يا عبد الله بن عمرو إن قاتلت صابراً محتسباً بعثك الله صابراً محتسباً، وإن قاتلت مرائياً مكاثراً بعثك الله مرائياً مكاثراً! يا عبد الله بن عمرو ! على أي حال قاتلت أو قتلت بعثك الله على تلك الحال) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الجهاد والغزو فقال: [ (إن قاتلت صابراً محتسباً بعثك الله صابراً محتسباً) . قوله: (على أي حال قاتلت أو قتلت بعثك الله على تلك الحال) . هذا توضيح لما تقدم من أنه إن قاتل صابراً محتسباً فإنه يبعث صابراً محتسباً، وإن قاتل مفاخراً مكاثراً فإنه يبعث كذلك. وفيه أن المعتبر النيات في الأعمال كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي هو أول حديث في صحيح البخاري : (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه)، فهذا الذي نوى في جهاده نصرة الإسلام محتسباً الأجر والثواب من الله عز وجل يبعث على نيته، والذي قاتل مكاثراً مرائياً فإنه يبعث على نيته، والناس يبعثون على نياتهم كما جاء في الحديث (إن جيشاً يغزو الكعبة ثم يهلكهم الله في بيداء من الأرض، قيل: كيف وفيهم من ليس منهم؟ قال: يهلكون ثم يبعثون على نياتهم) أو كما قال صلى الله عليه وسلم. قوله: (مكاثراً) المكاثرة تكون بالدنيا وذلك بجمع المال، أو يقول: أنا حضرت كذا كذا معركة، قال الله: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ [التكاثر:1-2]. وهذا الحديث إسناده ضعيف. تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عمرو في أن المقاتل يبعث على نيته قوله: [ حدثنا مسلم بن حاتم الأنصاري ]. مسلم بن حاتم الأنصاري صدوق ربما وهم، أخرج له أبو داود و الترمذي . [ عن عبد الرحمن بن مهدي ]. عبد الرحمن بن مهدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن أبي الوضاح ]. محمد بن أبي الوضاح صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن العلاء بن عبد الله بن رافع ]. هو مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن حنان بن خارجة ]. حنان بن خارجة مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن عبد الله بن عمرو ]. عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة."
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الجهاد شرح سنن أبي داود [298] الحلقة (330) شرح سنن أبي داود [298] للشهيد في سبيل الله فضل كبير تواترت به أدلة الكتاب والسنة، وذلك لأن الشهيد باع نفسه لله؛ فلذا لا ينبغي للمجاهد أن يجعل قصده الحصول على عرض من أعراض الدنيا، وإنما يبتغي بجهاده وجه الله تعالى، وما عند الله خير له من هذه الدنيا الفانية. فضل الشهادة شرح حديث ابن عباس في فضل الشهادة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في فضل الشهادة. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق عن إسماعيل بن أمية عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في جوف طير خضر ترد أنهار الجنة تأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهبٍ معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا: من يبلغ إخواننا عنا أنا أحياءٌ في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عند الحرب؟ فقال الله سبحانه: أنا أبلغهم عنكم. قال: فأنزل الله: (( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ))[آل عمران:169] إلى آخر الآية) ]. أورد أبو داود فضل الشهادة، أي القتل في سبيل الله عز وجل، والله عز وجل أخبر عن الشهداء بأنهم أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [آل عمران:169-170]، فأورد أبو داود حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لما أصيب إخوانكم يوم أحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ...) الحديث. قوله: (فقال الله عز وجل: أنا أبلغهم عنكم، فأنزل الله: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169])، فهذه الآية الكريمة فيها بيان حال المقتولين في سبيل الله، وأن أرواحهم في جوف طير خضر، وأرواح الشهداء تنعم منفردة وتنعم أيضاً متصلة بالأجساد، وكذلك أيضاً من يكون منعماً أو معذباً في القبر فإن العذاب يكون للروح والجسد والنعيم يكون للروح والجسد، وليس العذاب أو النعيم للروح وحدها، وإنما يكون لمجموع الأمرين والله على كل شيء قدير؛ فتكون الأرواح في الجنة ولها اتصال بالأجساد، وتنعم متصلة ومنفصلة، وذلك أن الإحسان حصل من مجموع الأرواح والأجساد، والإساءة حصلت من مجموع الأرواح والأجساد، وقد جاء في الحديث: (المسلم يفتح له باب إلى الجنة، فيأتيه من روحها ونعيمها، والفاجر يفتح له باب إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ولا يزال كل منهما فيما هو فيه إلى أن تقوم الساعة). وقد جاء في الحديث أن نسمة المؤمن على صورة طير في الجنة، وأرواح الشهداء في أجواف طير، وحديث: (نسمة المؤمن على صورة طير) رواه الإمام أحمد عن الإمام الشافعي ، والإمام الشافعي رواه عن الإمام مالك ، فهو مسلسل بثلاثة من الأئمة أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة، وهو في المسند، فقد ذكره الحافظ ابن كثير عند تفسير هذه الآية وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169]، وذكر أن هذا إسناد عزيز مسلسل بثلاثة من الأئمة أصحاب المذاهب المشهورة. قوله: (قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش). أي: تحت العرش. قوله: (فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم) . المقيل هو الاستراحة في وسط النهار، قال تعالى: أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا [الفرقان:24]. قوله: (ولا ينكلوا عند الحرب). أي: حتى لا يهتمون للقاء الأعداء خشية الموت. تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في فضل الشهادة قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، وأما النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا عبد الله بن إدريس ]. عبد الله بن إدريس الأودي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إسحاق ]. محمد بن إسحاق المدني ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن إسماعيل بن أمية ]. إسماعيل بن أمية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزبير ]. أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن جبير ]. سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث حسناء بنت معاوية (الشهيد في الجنة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا عوف حدثتنا حسناء بنت معاوية الصريمية قالت: حدثنا عمي قال: (قلت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: من في الجنة؟ قال: النبي في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة، والوئيد في الجنة) ]. أورد أبو داود حديث عم حسناء بنت معاوية الصريمية (أنه سأل النبي: من في الجنة؟ فقال: النبي في الجنة) والمراد به الجنس، أي: الأنبياء في الجنة. قوله: (والشهيد في الجنة) هذا محل الشاهد. قوله: (والمولود في الجنة). المولود هو الصغير الذي لم يبلغ الحلم. قوله: (والوئيد في الجنة). الوئيد الذي وئد، أي دفن حياً كما كانوا يدفنون البنات خشية العار والأبناء خشية الفقر في الجاهلية. تراجم رجال إسناد حديث حسناء بنت معاوية (الشهيد في الجنة) قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد ، ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يزيد بن زريع ]. يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثا عوف ]. عوف بن أبي جميلة الأعرابي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حسناء بنت معاوية ]. وهي مقبولة، أخرج لها أبو داود . [ عن عمها ]. يقال: اسمه أسلم بن سليم ؛ ولم نجد له ترجمة، لكن هو صحابي لأنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فجهالته وعدم معرفته لا تؤثر، لأن المجهول من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حكم المعلوم، والحديث حسنه الألباني أو صححه، وفيه هذه المرأة المقبولة التي هي حسناء بنت معاوية . الشهيد يشفع شرح حديث: (يشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الشهيد يشفع. حدثنا أحمد بن صالح حدثنا يحيى بن حسان حدثنا الوليد بن رباح الذماري حدثني عمي نمران بن عتبة الذماري قال: دخلنا على أم الدرداء ونحن أيتام، فقالت: أبشروا فإني سمعت أبا الدرداء رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته). قال أبو داود : صوابه رباح بن الوليد ]. قوله: (يشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته) ]أي: من قراباته أصوله وفروعه أو حواشيه، أو زوجاته؛ لأن كل هؤلاء أهل بيته. تراجم رجال إسناد حديث: (يشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته) قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا يحيى بن حسان ]. يحيى بن حسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا الوليد بن رباح الذماري ]. الوليد بن رباح أو رباح بن الوليد وهو صدوق أخرج له أبو داود . [ حدثني عمي نمران بن عتبة الذماري ]. وهو مقبول، أخرج له أبو داود . [ دخلنا على أم الدرداء ]. وهي هجيمة ، تابعية ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة. [ سمعت أبا الدرداء ]. عويمر بن زيد أو ابن مالك وهو صحابي جليل أخرج له أصحاب الكتب الستة. والحديث حسنه الألباني أو صححه. النور يرى عند قبر الشهيد شرح أثر عائشة في النور عند قبر النجاشي قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في النور يرى عند قبر الشهيد. حدثنا محمد بن عمرو الرازي حدثنا سلمة -يعني ابن الفضل - عن محمد بن إسحاق حدثني يزيد بن رومان عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لما مات النجاشي كنا نتحدث أنه لا يزال يرى على قبره نور ]. أورد أبو داود باباً في النور يرى عند قبر الشهيد، وأورد فيه هذا الأثر عن عائشة رضي الله تعالى عنها. وهذا الأثر موقوف على عائشة رضي الله تعالى عنها لم ترفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنها قالت: كنا نتحدث، وهذا الخبر إما أن يكون وصل إليهم أو أنه كان يشاع هذا الشيء، ولا يوجد ما يدل على ثبوته، والألباني يضعف هذا الأثر. تراجم رجال إسناد حديث عائشة في النور عند قبر النجاشي قوله: [ حدثنا محمد بن عمرو الرازي ]. محمد بن عمرو الرازي ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و ابن ماجة . [ حدثنا سلمة -يعني ابن الفضل -]. سلمة بن الفضل صدوق كثير الخطأ، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة في التفسير. [ عن محمد بن إسحاق حدثني يزيد بن رومان ]. محمد بن إسحاق مر ذكره، ويزيد بن رومان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة ]. عروة بن الزبير ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. وهي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. والذي فيه الكلام هو سلمة بن الفضل الذي هو كثير الخطأ. و النجاشي ليس بشهيد معركة؛ ولكن لعله حصل له نوع من أنواع الشهادة في غير المعركة، ومعلوم أنه جاءت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر الشهداء غير المقتولين كالغريق والمبطون، وقال النووي في رياض الصالحين: باب ذكر جماعة من الشهداء في ثواب الآخرة ويغسلون ويصلى عليهم، ثم أورد أحاديث عديدة فيها أناس ثبت أن لهم أجر شهيد، ولكن لا أدري ما الذي حصل للنجاشي . شرح حديث فضل من طال عمره في طاعة الله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير أخبرنا شعبة عن عمرو بن مرة سمعت عمرو بن ميمون عن عبد الله بن ربيعة عن عبيد بن خالد السلمي رضي الله عنه قال: (آخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين رجلين فقتل أحدهما ومات الآخر بعده بجمعة أو نحوها، فصلينا عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما قلتم؟ فقلنا: دعونا له، وقلنا: اللهم اغفر له وألحقه بصاحبه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فأين صلاته بعد صلاته وصومه بعد صومه؟ -شك شعبة في صومه- وعمله بعد عمله؟ إن بينهما كما بين السماء والأرض) ]. أورد أبو داود حديث عبيد بن خالد السلمي رضي الله عنه قال: (آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بين رجلين، فقتل أحدهما ومات الآخر بعده بجمعة) أي: بأسبوع، لأنه يقال للأسبوع: جمعة، ويقال له: سبت كما جاء في الحديث: (فما رأينا الشمس سبتاً) أي: أسبوعاً، والمقصود من ذلك أنه مات بعده بأسبوع. قوله: (فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما قلتم؟) أي: في دعائكم له. قوله: (قلنا: اللهم ألحقه بصاحبه) يعني أنه يلحق بصاحبه الذي قتل. قوله: (فقال صلى الله عليه وسلم: فأين صلاته بعد صلاته؟) . يعني المدة التي عاش بعده وهي سبعة أيام، وعمل فيها أعمالاً صالحة تكون زيادة له في الأجر والثواب، وهذا لا يدل على أن كل من تأخر عن غيره أنه يكون أفضل منه، ولكن يدل على أن الإنسان كلما يعيش ويعمر على طاعة الله عز وجل، وعلى عمل صالح، فإنه يكتب له حسنات ذلك، وقد يكون في الذين يموتون على فرشهم من هو أفضل ممن هو شهيد، بأن يكون مثلاً من الصديقين، ومعلوم أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه خير من الشهداء، بل هو خير من مشى على الأرض بعد الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه وبركاته عليهم أجمعين، ولكن الحديث يدل على أن الإنسان إذا فسح له في الأجل وطال عمره فاستعمله في طاعة الله عز وجل فإنه يكون زيادة في ثوابه وزيادة في أجره عند الله عز وجل. قوله: (فأين صلاته بعد صلاته وصومه بعد صومه وعمله بعد عمله؟ إن بينهما كما بين السماء والأرض) . يعني بهذا العمل الذي حصل في هذا الأسبوع، ولعل هذا الرجل من الصديقين. تراجم رجال إسناد حديث فضل من طال عمره في طاعة الله قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا شعبة عن عمرو بن مرة سمعت عمرو بن ميمون ]. عمرو بن ميمون ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن ربيعة ]. قال الحافظ: ذكر في الصحابة، ونفاه أبو حاتم، ووثقه ابن حبان ، أي أنه مختلف في صحبته، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و النسائي . [ عن عبيد بن خالد السلمي ]. عبيد بن خالد السلمي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أبو داود و النسائي . والحديث ليس فيه دلالة على الترجمة، لأنه ليس فيه ذكر النور على قبر الشهيد. بدعة الاحتفال بالإسراء والمعراج نتكلم في هذه الليلة بمناسبة ليلة الإسراء والمعراج التي يظن بعض الناس أن لها ميزة، وأقول: إن ليلة الإسراء والمعراج لم يثبت أنها في ليلة معينة لا في ليلة سبع وعشرين ولا غيرها، ولو ثبت ذلك لم يكن ثبوتها مقتضياً أن تخص باحتفال أو بعمل خاص؛ لأن تخصيص الليالي والأيام بأعمال خاصة إنما يجب أن يسار فيه طبقاً لما جاءت به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنبي عليه الصلاة والسلام ما جاء عنه شيء يدل على ذلك، فكيف ولم يثبت أنها في ليلة معينة معروفة عند العلماء؟! وعلى هذا فإن على المسلم أن يحرص على معرفة الأدلة ومعرفة الأحكام الشرعية، ويسأل عن الشيء قبل أن يعمله، فإن وجد أنه قد ثبت وأخبره بذلك من عنده علم بالسنة وحرص على معرفتها، فإنه يأخذ بما يفتيه به، أما إذا لم يكن هناك شيء من ذلك، فإن على الإنسان أن يقتصر على ما جاءت به الأدلة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحذر من البدع ومحدثات الأمور. وقد كتب شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه رسالة قيمة اسمها: التحذير من البدع، وهي تشتمل على أمور أربعة: تشتمل على بيان الاحتفال بالمولد النبوي وأنه لم يثبت في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، وكذلك بليلة النصف من شعبان، وكذلك الرؤيا التي تنسب إلى أحمد خادم الحجرة، وقد بين بطلان هذه البدع، وأنه لا يجوز للإنسان أن يعرج عليها أو أن يعمل بها أو أن يأخذ بها، وإنما عليه أن يكون متبعاً للسنن، والنبي الكريم عليه الصلاة والسلام قال: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)، وقال عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، وهو حديث متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها، وفي لفظ لمسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، وعلى هذا فإن الواجب على المسلم أن يكون عمله مطابقاً للسنة؛ لأن الإنسان إذا كان عمله مطابقاً للسنة يحصل الأجر، أما إذا كان عمله غير مطابق للسنة بل كان مبنياً على بدعة فإنه لا يحصل أجراً بل يحصل إثماً. ومعلوم أن دين الإسلام مبني على قاعدتين اثنتين لا بد منهما: إحداهما: ألا يعبد إلا الله، والثانية: ألا يعبد الله إلا طبقاً لما شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالعمل إذا كان خالصاً لله وكان موافقاً لسنة رسول الله أجر صاحبه وأثيب، وإن تخلف أحد الأمرين فإنه يكون مردوداً على صاحبه، فلو عمل الإنسان العمل موافقاً للسنة ولكنه غير خالص لله، بل أشرك مع الله غيره؛ فإنه يكون مردوداً عليه، ولو كان العمل خالصاً لله ولكنه غير موافق لسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ رد على صاحبه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) يعني مردوداً عليه؛ لأن الشريعة قد كملت وليس فيها نقص، ولا تحتاج إلى تكميل، ولا تحتاج إلى إضافات، ولا تحتاج إلى بدع ومحدثات، وقد قال الإمام مالك رحمة الله عليه: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وقال: من قال: إن في الإسلام بدعة حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة؛ لأن الله عز وجل يقول: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3]، فما لم يكن يومئذ ديناً لا يكون ديناً اليوم، أي: ما لم يكن ديناً في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يكون ديناً بعد ذلك، بل ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه هو الحق والهدى، وما أحدث بعدهم فإنه من محدثات الأمور. فالواجب هو الابتعاد عن البدع، والابتعاد عن محدثات الأمور، بل يحرص الإنسان على أن تكون أعماله مطابقة للسنة، وأن يكون حذراً من البدع، والله تعالى أعلم. الجعائل في الغزو شرح حديث ذم الجعائل على الغزو قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الجعائل في الغزو. حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا، ح وحدثنا عمرو بن عثمان حدثنا محمد بن حرب المعنى وأنا لحديثه أتقن عن أبي سلمة سليمان بن سليم عن يحيى بن جابر الطائي عن ابن أخي أبي أيوب الأنصاري عن أبي أيوب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ستفتح عليكم الأمصار وستكون جنود مجندة، تقطع عليكم فيها بعوث، فيكره الرجل منكم البعث فيها، فيتخلص من قومه، ثم يتصفح القبائل يعرض نفسه عليهم، يقول: من أكفيه بعث كذا؟ من أكفيه بعث كذا؟ ألا وذلك الأجير إلى آخر قطرة من دمه) ]. الجعائل: جمع جعل، والمراد بها ما يعطى للشخص في مقابل غزوه، بمعنى أنه لا يكون غزوه من أجل الجهاد في سبيل الله ،ولكنه أجير يغزو من أجل الجعل الذي يعطى له، هذا هو المقصود بالترجمة. ومعلوم أن الجهاد في سبيل الله يكون لوجه الله، ويكون لإعلاء كلمة الله، ولا يكون الباعث عليه تحصيل الدنيا وحطامها، وإنما يكون الباعث له إعلاء كلمة الله والجهاد في سبيله، وهو مأجور على كل حال، سواء حصل غنيمة أو لم يحصل، أما أن يكون الباعث له على السفر للجهاد مع المجاهدين هو ذلك الجعل الذي جعل له، فيكون بمثابة الأجير الذي يعمل عملاً يأخذ عليه أجراً، فلا يكون بذلك متقرباً به إلى الله عز وجل، وذلك لا يليق بالمسلم ولا يسوغ له. وقد أورد أبو داود حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، وفيه قوله: (تقطع عليكم فيها بعوث). يعني يؤخذ من هذه الجنود بعوث يختارون أو يقتطعون من غيرهم للغزو، فيذهبون للجهاد في سبيل الله، ثم من الناس من لا يريد أن يدخل في هذه البعوث التي تذهب للجهاد في سبيل الله، فيتخلص الواحد من أن يكون مع هؤلاء البعوث، ولكنه يذهب يتصفح وجوه الناس يطلب منهم أن يجعلوه أجيراً يستأجرونه ليذهب معهم على مقدار يحصله من الدنيا، فيكون الباعث له على ذلك هو هذا المال الذي يعطى له قبل أن يسافر، فيكون بذلك مسافراً من أجله. قوله: (وستكون جنود مجندة تقطع عليكم فيها بعوث فيكره الرجل البعث فيها)، أي أن من الناس من يكره أن يدخل في جملة الجيش الذي يختار من قبيلته للجهاد، ولكنه بعد ذلك يفتش عمن يستأجره للجهاد. قوله: (يقول: من أكفيه بعث كذا؟ من أكفيه بعث كذا؟) . بمعنى أني أكون بدله في الجهاد في مقابل أجرة، وفي مقابل جعل يوضع له. قوله: (ألا وذلك الأجير إلى آخر قطرة من دمه). أي: من كان هذا شأنه فهو أجير وليس بمجاهد، ولم يخرج لإعلاء كلمة الله، وإنما خرج من أجل هذا المال الذي طلبه وسعى لتحصيله. وقوله: (إلى آخر قطرة من دمه) معناه أنه لو استمر على ذلك حتى قتل وهو على هذه النية فإنه يعتبر أجيراً، ولا يعتبر مجاهداً في سبيل الله، ومثل ذلك لا يسوغ، لأن الأعمال الصالحة يجب أن تكون خالصة لوجه الله، ولكنه إذا خرج للجهاد في سبيل الله يريد الأجر، فحصل غنيمة فهي من الرزق ومن الثواب المعجل الذي يعجله الله له في الدنيا قبل الآخرة، وهذا لا بأس به، وكذلك لو خصصت مبالغ للإنفاق على المجاهدين في سبيل الله، ثم خرج للجهاد، فاستفاد من هذه النفقات التي تصرف، فلا بأس بذلك أيضاً. ولا يجوز للإنسان أن يؤجر نفسه ليجاهد في سبيل الله، وإنما يجب عليه أن يخرج إلى الجهاد يريد وجه الله. تراجم رجال إسناد حديث ذم الجعائل على الغزو قوله: [ حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي ]. إبراهيم بن موسى الرازي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا ح وحدثنا عمرو بن عثمان ]. يعني أنه عبر عن شيخه الذي يروى عنه بأخبرنا، ثم حول السند إلى شيخ آخر فقال: ح وحدثنا عمرو بن عثمان ]. وهو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي ، وهو صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا محمد بن حرب ]. محمد بن حرب وهو حمصي أيضاً ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ المعنى وأنا لحديثه أتقن ]. يعني أن الطريقين متفقان في المعنى، وأنه لحديث محمد بن حرب الذي هو في الإسناد الثاني أتقن منه لحديث الراوي الذي في الإسناد الأول. [ عن أبي سلمة سليمان بن سليم ]. وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن. [ عن يحيى بن جابر الطائي ]. وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ابن أخي أبي أيوب ]. ابن أخي أبي أيوب ويقال له: أبو سورة ، وهو ضعيف أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن أبي أيوب]. أبو أيوب الأنصاري هو خالد بن زيد رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. فالحديث من حيث الإسناد غير صحيح، وقد ضعفه الألباني رحمه الله، لكن أخذ الأجرة على الجهاد لا يجوز. الرخصة في أخذ الجعائل شرح حديث الرخصة في أخذ الجعائل قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الرخصة في أخذ الجعائل. حدثنا إبراهيم بن الحسن المصيصي قال: حدثنا حجاج -يعني ابن محمد - ح وحدثنا عبد الملك بن شعيب حدثنا ابن وهب عن الليث بن سعد عن حيوة بن شريح عن ابن شفي عن أبيه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (للغازي أجره، وللجاعل أجره وأجر الغازي). أورد أبو داود رحمه الله باب الرخصة في أخذ الجعائل، والمقصود من ذلك ما كان بغير اشتراط، وقد مر في الأحاديث: (من جهز غازياً فقد غزا)؛ ولكن كونه يعتبر نفسه أجيراً يتفق مع غيره على أنه يخرج للجهاد بأجرة، هذا هو الذي لا يجوز، وأما الذي يكون عنده رغبة في الجهاد، ولكن ليس له ظهر ولا زاد، ثم وجد من يتبرع له بظهر وزاد، وكان يريد الجهاد ولا يريد الدنيا، فهذا لا بأس به، وقد جاء في القرآن أن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يأتون إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريدون الخروج فلا يجد ما يحملهم عليه، فيرجعون وعيونهم تفيض من الدمع حزناً، لأنهم لا يقدرون على أن يجاهدوا. فهذا الذي عنده رغبة في الجهاد ولكنه عاجز عن النفقة والظهر فجهزه غيره يكون له أجر الجهاد، والذي أغزاه له أجر إنفاقه ومثل أجر المجاهد. فقوله: [ (للغازي أجره، وللجاعل أجره وأجر الغازي) ]. معناه: للغازي الذي باشر الغزو أجره، وللجالس الذي جهزه أجره وله أيضاً مثل أجر الغازي، فله أجره على نفقته وعلى تمكينه من المركوب وله مثل أجر الغازي، فهذا يدل على أن الجهاد بالأموال شأنه عظيم؛ وذلك لأنه يمكن غيره من الجهاد، فيكون بذلك مأجوراً على إنفاقه ومأجوراً على كونه مكن غيره وتسبب في جهاد غيره. تراجم رجال إسناد حديث الرخصة في أخذ الجعائل قوله: [ حدثنا إبراهيم بن الحسن المصيصي ]. إبراهيم بن الحسن المصيصي ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا حجاج ]. حجاج بن محمد المصيصي الأعور ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا عبد الملك بن شعيب ]. عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا ابن وهب ]. عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الليث بن سعد ]. الليث بن سعد المصري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حيوة بن شريح ]. حيوة بن شريح المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شفي ]. وهو حسين بن شفي بن ماتع وهو ثقة، أخرج له أبو داود . [ عن أبيه ]. وهو ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد و أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة في التفسير. [ عن عبد الله بن عمرو ]. عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. الرجل يغزو بأجر الخدمة شرح حديث الرجل يغزو بأجر الخدمة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يغزو بأجر الخدمة. حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني عاصم بن حكيم عن يحيى بن أبي عمرو السيباني عن عبد الله بن الديلمي أن يعلى بن منية رضي الله عنه قال: (أذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالغزو وأنا شيخ كبير ليس لي خادم، فالتمست أجيراً يكفيني وأجري له سهمه، فوجدت رجلاً، فلما دنا الرحيل أتاني، فقال: ما أدري ما السهمان وما يبلغ سهمي، فسم لي شيئاً كان السهم أو لم يكن، فسميت له ثلاثة دنانير، فلما حضرت غنيمته أردت أن أجري له سهمه، فذكرت الدنانير، فجئت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت له أمره، فقال: ما أجد له في غزوته هذه في الدنيا والآخرة إلا دنانيره التي سمى) ]. قوله: باب في الرجل يغزو بأجر الخدمة، يعني أنه يغزو من أجل الخدمة فيكون مستأجراً للخدمة كأن يستأجره إنسان ليساعده لكونه بحاجة إلى المساعدة، أو يستأجر من أجل رعي الإبل والعناية بها، والحاصل أنه لم يخرج للجهاد، وإنما خرج أجيراً، وهو شبيه بالأول الذي مر في الحديث الضعيف الذي فيه أنه أجير إلى آخر قطرة من دمه، فهذا من جنسه، لأنه ما خرج للجهاد وإنما خرج أجيراً. أورد أبو داود حديث يعلي بن أمية وهو يعلي بن منية ، لأن أباه أمية ، وأمه منية ، فهو أحياناً ينسب إلى أمه وأحياناً ينسب إلى أبيه، وهو صحابي. قوله: (أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغزو وأنا شيخ كبير). أي: فاحتاج إلى من يكون معه ليساعده ويخدمه، فطلب من شخص أن يذهب معه ويكون له سهم في الغنيمة. قوله: (فلما دنا الرحيل قال الرجل: ما أدري ما السهمان وما يبلغ سهمي) أي: ولا أدري هل يحصل شيء أو لا يحصل، ولكن أريد أن أخرج على أجر أتفق معك عليه من البداية، فاتفق معه على ثلاثة دنانير، ولما جاءت الغنيمة تذكر أنه اتفق معه على ثلاثة دنانير، فجاء يعلي بن منية إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أجد له في غزوته هذه في الدنيا والآخرة إلا دنانيره التي سمى) أي: لا يعطى شيئاً من الغنيمة، لأنه اتفق معه على هذا المقدار، وكذلك ليس له شيء في الآخرة، لأنه ما جاهد من أجل الله، وإنما خرج من أجل الأجرة. تراجم رجال إسناد حديث الرجل يغزو بأجر الخدمة قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني عاصم بن حكيم ]. عبد الله بن وهب مر ذكره ، و عاصم بن حكيم صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود . [ عن يحيى بن أبي عمرو السيباني ]. يحيى بن أبي عمرو السيباني ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و النسائي و الترمذي و ابن ماجة . [ عن عبد الله بن الديلمي ]. ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن يعلي بن منية ]. يعلي بن منية أبوه أمية وأمه منية ، ينسب إلى أمه وينسب إلى أبيه، وهو صحابي أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وهذا الحديث الصحيح الذي فيه أن الذي يخرج من أجل الدنيا لا يحصل ثواباً في الآخرة يطابق الحديث الذي سبق أن مر وفيه ابن مكرز عن أبي هريرة ، وقلت: إن الشيخ الألباني ضعفه وأنا في الحقيقة قد وهمت في نسبة التضعيف للألباني، بل الشيخ حسنه في سنن أبي داود ولم يضعفه، ولكن إسناده فيه ابن مكرز ، وقد ذكره في تهذيب التهذيب ولم يذكر فيه شيئاً من قدح أو توثيق، إلا أنه نقل عن علي بن المديني أنه قال: إنه مجهول؛ ولكن لعل الشيخ ناصر حسنه بمثل هذا الحديث."
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الجهاد شرح سنن أبي داود [299] الحلقة (331) شرح سنن أبي داود [299] للجهاد آداب يجب الوقوف عندها، فلا يخرج المجاهد في سبيل الله إلا بإذن أبويه ما لم يتعين الجهاد عليه، ولا يتخلف المرء عن الجهاد متذرعاً بجور الإمام ونحو ذلك، وإذا كان عنده فضل من مركوب ونحوه فليساعد به من يريد الجهاد ولا يجد ذلك، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً. الرجل يغزو وأبواه كارهان شرح حديث الرجل يغزو وأبواه كارهان قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يغزو وأبواه كارهان. حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان حدثنا عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: جئت أبايعك على الهجرة وتركت أبوي يبكيان، فقال: ارجع عليهما فأضحكهما كما أبكيتهما) ]. أورد أبو داود باب الرجل يغزو وأبواه كارهان، أي: ما حكم ذلك؟ وهذا فيه تفصيل، فإن كان الجهاد فرض عين فليخرج الإنسان للجهاد ولو لم يرض الأبوان، وإن كان فرض كفاية فلا يخرج إلا بإذنهما. وإنما يكون فرض عين إذا استنفر الإمام، وكذلك لو دهم العدو المسلمين في بلدهم. وإذا كان الأبوان كافرين فإن له أن يخرج بدون إذنهما ولو لجهاد التطوع؛ لأن الكافر متهم بأنه لا يريد للإسلام أن ينتصر. قوله: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: جئت أبايعك على الهجرة). معلوم أنهم كانوا يأتون إليه ويبايعونه على الهجرة، وإنما يهاجرون لينصروه وليجاهدوا معه في سبيل الله، وقد عرفنا فيما مضى أن المهاجرين لما انتقلوا من مكة إلى المدينة كانوا يريدون الهجرة والنصرة، فجمعوا بين الأمرين، وأن الأنصار عندهم النصرة، وأن المهاجرين أفضل من الأنصار لذلك، فهذا جاء يبايع على الهجرة، ومعناه أنه يكون تحت تصرفه ويغزو معه. قوله: (ارجع عليهما فأضحكهما كما أبكيتهما) أي: أدخل السرور عليهما كما أدخلت الحزن عليهما. تراجم رجال إسناد حديث الرجل يغزو وأبواه كارهان قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سفيان ]. سفيان هو الثوري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا عطاء بن السائب ]. عطاء بن السائب صدوق اختلط، والسماع منه قبل الاختلاط صحيح، فإذا سمع منه أحد قبل الاختلاط فيعتمد الحديث الذي يأتي من طريقه، وإذا كان بعد الاختلاط فإنه لا يعول عليه، وكذلك إذا جهل السماع هل كان قبل الاختلاط أو بعد الاختلاط فإن لا يعول عليه، وإنما يقبل إذا تحقق أن السماع كان قبل الاختلاط، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب في آخر ترجمة عطاء بن السائب ستة ممن صح سماعهم منه قبل الاختلاط، وفي مقدمتهم سفيان الثوري هذا، ويضاف إليهم الأعمش ، ذكر ذلك الشيخ ناصر رحمه الله في السلسلة الصحيحة فيكونون سبعة. وقد أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو السائب بن يزيد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن عمرو ]. عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وقد مر ذكره. شرح حديث: (ففيهما فجاهد) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي العباس عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله! أجاهد؟ قال: ألك أبوان؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد). قال أبو داود : أبو العباس هذا الشاعر اسمه السائب بن فروخ ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه أن (رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! أجاهد؟ فقال: هل لك أبوان؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد) أي: اجعل جهادك في خدمتهما حيث يكونان محتاجين إليك، وكذلك إذا لم يأذنا وكان الجهاد تطوعاً، فإن الأمر يحتاج إلى إذنهما كما مر في الحديث، وكما يدل عليه قوله: (ففيهما فجاهد). تراجم رجال إسناد حديث: (ففيهما فجاهد) قوله: [ حدثنا محمد بن كثير عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت ]. محمد بن كثير وسفيان مر ذكرهما، وحبيب بن أبي ثابت ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي العباس ]. هو السائب بن فروخ ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عمرو ]. قد مر ذكره [ قال أبو داود : أبو العباس هذا الشاعر اسمه السائب بن فروخ ]. هذا توضيح لهذا الذي ذكر بكنيته وهو أبو العباس واسمه السائب بن فروخ . شرح حديث أبي سعيد في استئذان الأبوين في الجهاد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سعيد بن منصور حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن دراجاً أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (أن رجلاً هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من اليمن فقال: هل لك أحد باليمن؟ قال: أبواي، قال: أذنا لك؟ قال: لا. قال: ارجع إليهما فاستأذنهما، فإن إذنا لك فجاهد، وإلا فبرهما) ]. أورد المصنف حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلاً جاء من اليمن مهاجراً وذكر الحديث، وفيه الأمر باستئذان الوالدين للجهاد، وهذا مثل الذي قبله حيث لا يتعين الجهاد، وأما إذا تعين فلا يحتاج إلى استئذان الأبوين. تراجم رجال إسناد حديث أبي سعيد في استئذان الأبوين في الجهاد قوله: [ حدثنا سعيد بن منصور ]. سعيد بن منصور ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث ]. عمرو بن الحارث المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن دراجاً أبا السمح ]. دراج أبو السمح صدوق، في حديثه عن أبي الهيثم ضعف، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن أبي الهيثم ]. هو سليمان بن عمرو بن عبد ، ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن أبي سعيد ]. أبو سعيد الخدري سعد بن مالك بن سنان رضي الله عنه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث من رواية دراج عن أبي الهيثم ، وتقدم أن فيها ضعفاً؛ ولكن الحديثان اللذان قبله شاهدان له. النساء يغزون شرح حديث غزو النساء قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في النساء يغزون. حدثنا عبد السلام بن المطهر حدثنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار ليسقين الماء ويداوين الجرحى) ]. أورد أبو داود باب في النساء يغزون. أي أن يذهب بهن أولياؤهن من أجل الاستفادة منهن في أمور خاصة، فهن لا يجاهدن ولا يقاتلن ولسن من أهل الغزو، ولكن كونهن يسقين ويداوين الجرحى هذا هو الذي جاء في الحديث الإشارة إليه، وقد قال النووي : إذا كان الذي تعالجه من محارمها فإنها تلمسه، وأما إذا كان غير محرم فإنها تداويه بدون مس. قوله: (كان الرسول يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار) المقصود بذلك أن معهن محارمهن، وأنس رضي الله عنه هو ابن أم سليم ، فإذا خرجت فابنها معها، وكذلك النساء اللاتي يخرجن أيضاً معهن محارمهن لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم). قوله: [ ليسقين الماء ويداوين الجرحى ]. أي: يساعدن في سقي الماء، أما القتال فلسن من أهله، قال الشاعر: كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جر الذيول تراجم رجال إسناد حديث غزو النساء قوله: [ حدثنا عبد السلام بن مطهر ]. عبد السلام بن مطهر صدوق، أخرج حديثه البخاري و أبو داود . [ عن جعفر بن سليمان ]. وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن. [ عن ثابت ]. ثابت بن أسلم البناني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. أنس رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث من الرباعيات عند أبي داود، وهي أعلى الأسانيد عنده. الغزو مع أئمة الجور شرح حديث أنس في الغزو مع أئمة الجور قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الغزو مع أئمة الجور. حدثنا سعيد بن منصور حدثنا أبو معاوية حدثنا جعفر بن برقان عن يزيد بن أبي نشبة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ثلاث من أصل الإيمان: الكف عمن قال: لا إله إلا الله، ولا نكفره بذنب، ولا نخرجه من الإسلام بعمل، والجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال، لا يبطله جور جائر، ولا عدل عادل، والإيمان بالأقدار) ]. أورد أبو داود باب الجهاد مع أئمة الجور يعني أن الجهاد يكون مع من قام به براً أو فاجراً، ولا يشترط في الذي يجاهد معه أن يكون عدلاً وأن يكون تقياً، فمن يكون والياً على الجيش سواء كان براً أو فاجراً فإنه يجاهد معه، ولو كان عنده نقص ولو كان عنده ذنوب؛ لأن هذا جهاد لإعلاء كلمة الله ولتكون كلمة الله هي العليا، فيكون مع البر والفاجر، وكما أن الصلاة تصح وراءهم فكذلك الجهاد. قوله: (ثلاث من أصل الإيمان: الكف عمن قال: لا إله إلا الله). أي: أنه عندما يكون هناك قتال مع الكفار فقال كافر: لا إله إلا الله، فإنه يكف عنه ولا يقتل، لأنه قال: لا إله إلا الله، فالناس لا يعلمون ما في قلبه وهل هو صادق أو كاذب، ولكن يكف عنه، وقد جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه أنكر على من قتله وقال: (أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله؟!). قوله: (ولا نكفره بذنب). أي: من قال: لا إله إلا الله لا يكفر بذنب، إلا إذا كان مستحلاً له، فالذنب الذي يكون معلوماً من الدين بالضرورة من يستحله يكفر، كأن يستحل الزنا أو يستحل شرب الخمر، أو ينكر أمراً واجباً معلوماً من الإسلام بالضرورة وجوبه. قوله: (ولا نخرجه من الإسلام بعمل) . أي: ولو كان كبيرة من الكبائر إلا إذا كان مستحلاً، فهذا قريب في المعنى من قوله: (لا نكفره بذنب) . فلا تكفير بذنب إلا إذا استحله فاعله فإنه يكون بذلك كافراً؛ إلا فيما يتعلق بالصلاة، فإنه إذا تركها متعمداً جاحداً لوجوبها فهو كافر بإجماع المسلمين، وإما إذا تركها تهاوناً وتكاسلاً، فهذا فيه خلاف بين أهل العلم، والصحابة رضي الله عنه وأرضاهم يرون كفره كما جاء عن عبد الله بن شقيق العقيلي قال: أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله لم يكن عندهم شيء من الأعمال تركه كفر غير الصلاة. قوله: (والجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل أخر أمتي الدجال) . أي: منذ أذن له في الجهاد، وإلا فإنه إنما أذن له بالجهاد بعد أن هاجر إلى المدينة صلى الله عليه وسلم. قوله: (لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل) . هذا محل الشاهد، ومعناه أنه يجاهد مع البررة والفجار. قوله: (والإيمان بالأقدار) . أي أن الإيمان بالقدر من أصول الإيمان، وهو من أصول الإيمان الستة التي جاءت في حديث جبريل: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ويوم الآخر والقدر خيره وشره). والحديث ضعيف، ففي إسناده من هو مجهول. تراجم رجال إسناد حديث أنس في الغزو مع أئمة الجور قوله: [ حدثنا سعيد بن منصور عن أبي معاوية ]. أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جعفر بن برقان ]. جعفر بن برقان صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن. [ عن يزيد بن أبي نشبة ]. وهو مجهول، أخرج له أبو داود . [ عن أنس ]. أنس رضي الله عنه قد مر ذكره. شرح حديث أبي هريرة في الغزو مع أئمة الجور قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب حدثني معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن مكحول عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الجهاد واجب عليكم مع كل أمير براً كان أو فاجراً، والصلاة واجبة عليكم خلف كل مسلم براً كان أو فاجراً وإن عمل الكبائر، والصلاة واجبة على كل مسلم براً كان أو فاجراً وإن عمل الكبائر). قوله: (الجهاد واجب عليكم مع كل أمير براً كان أو فاجراً) يعني مع البررة ومع الفجار ما دام أن الجهاد لإعلاء كلمة الله. (والصلاة واجبة عليكم خلف كل مسلم) . معناه أن من صحت صلاته صحت إمامته، لكن عند الاختيار لا يصلح أن يختار من هو فاسق أو مبتدع، وذلك حيث تكون بدعة مفسقة أما من كانت بدعته مكفرة فلا يصلي وراءه. قوله: [ (وإن عمل الكبائر) ]. يعني وإن كان فاسقاً مرتكباً لشيء من الكبائر. قوله: [ (والصلاة واجبة على كل مسلم براً كان أو فاجراً) ]. المقصود الصلاة على الجنازة، فيصلى على جنازته إذا توفي براً كان أو فاجراً. تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في الغزو مع أئمة الجور قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح عن ابن وهب عن معاوية ]. معاوية بن صالح بن حدير ، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن. [ عن العلاء بن الحارث ]. وهو صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن مكحول ]. مكحول الشامي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق. والحديث فيه انقطاع، لأن رواية مكحول عن أبي هريرة منقطعة. الرجل يتحمل بمال غيره يغزو شرح حديث الرجل يتحمل بمال غيره يغزو قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الرجل يتحمل بمال غيره يغزو. حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا عبيدة بن حميد عن الأسود بن قيس عن نبيح العنزي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما حدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه أراد أن يغزو فقال: (يا معشر المهاجرين والأنصار! إن من إخوانكم قوماً ليس لهم مال ولا عشيرة، فليضم أحدكم إليه الرجلين أو الثلاثة فما لأحدنا من ظهر يحمله إلا عقبة كعقبة -يعني أحدهم- قال: فضممت إلي اثنين أو ثلاثة، قال: ما لي إلا عقبة كعقبة أحدهم من جمل) ]. قوله: باب الرجل يتحمل بمال غيره يغزو يعني هو نفسه يستفيد من مال غيره، أو غيره يفيده بماله، وذلك حيث يكون الإنسان غير قادر على أن يجاهد، لأنه ليس له مركوب، فإنه لا بأس ولا مانع من أن يسافر، ولكن يكون هناك تناوب على الركوب بأن يتناوب اثنان أو ثلاثة على بعير، هذا هو المقصود بالتحمل، يحمله غيره، أو يحمله بعير غيره عند الحاجة إلى ذلك. قوله: (ليس لهم مال ولا عشيرة) أي ليس لهم مال يشترون به الظهر، وليس لهم عشيرة تساعدهم في ذلك. قوله: (فليضم أحدكم إليه الرجلين أو الثلاثة) . أي في بعيره، فيكون معه اثنان أو ثلاثة يتناوبون الركوب على بعيره، فيكون لكل واحد نوبة في الركوب. قوله: (فما لأحدنا من ظهر يحمله إلا عقبة كعقبة -يعني أحدهم- قال: فضممت إلي اثنين أو ثلاثة، مالي إلا عقبة كعقبة أحدهم من جملي) . أي: فضم إليه اثنين أو ثلاثة فيكون هو الثالث أو الرابع، فلم يكن له من جمله إلا نوبة كأحدهم. تراجم رجال إسناد حديث الرجل يتحمل بمال غيره يغزو قوله: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري ]. محمد بن سليمان الأنباري صدوق، أخرج له أبو داود . [ عن عبيدة بن حميد ]. صدوق ربما أخطأ، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن الأسود بن قيس ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نبيح العنزي ]. وهو مقبول، أخرج له أصحاب السنن. [ عن جابر بن عبد الله ]. جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي جليل، أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. و نبيح هذا ذكر الحافظ في ترجمته في تهذيب التهذيب توثيقه عن ثلاثة، وذكر أن أربعة صححوا حديثه، وما ذكر كلاماً فيه إلا من واحد، ومع ذلك قال فيه الحافظ : مقبول، مع أن ثلاثة وثقوه وأربعة صححوا حديثه وهم: ابن خزيمة و الترمذي و ابن حبان و الحاكم ، و الألباني صحح الحديث أو حسنه. الرجل يغزو يلتمس الأجر والغنيمة شرح حديث التماس الأجر والغنيمة بالغزو قال رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يغزو يلتمس الأجر والغنيمة. حدثنا أحمد بن صالح حدثنا أسد بن موسى حدثنا معاوية بن صالح حدثني ضمرة أن ابن زغب الإيادي حدثه قال: نزل علي عبد الله بن حوالة الأزدي رضي الله عنه فقال لي: (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لنغنم على أقدامنا، فرجعنا فلم نغنم شيئاً، وعرف الجهد في وجوهنا، فقام فينا فقال: اللهم لا تكلهم إلي فأضعف عنهم، ولا تكلهم إلى أنفسهم فيعجزوا عنها، ولا تكلهم إلى الناس فيستأثروا عليهم، ثم وضع يده على رأسي أو قال: على هامتي، ثم قال: يا ابن حوالة ! إذا رأيت الخلافة قد نزلت أرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام والساعة، والساعة يومئذ أقرب من الناس من يدي هذه من رأسك). قال أبو داود : عبد الله بن حوالة حمصي ]. سبق أن مر بنا أن الإنسان إذا كان قصده الدنيا فإنه لا يحصل أجراً، وقد مرت بعض الأحاديث في ذلك، ومنها حديث الرجل الذي قال: (لا أجد له في الدنيا والآخرة إلا هذه الدنانير التي سمى)، وكذلك الرجل الذي قال فيه: (هو أجير حتى آخر قطرة من دمه)، وأما إذا خرج الإنسان للجهاد في سبيل الله وأراد إعلاء كلمة الله، وحصل على غنيمة، فإن هذا لا بأس به، وإنما المحذور قصد الدنيا بالجهاد، أما إذا أراد الإنسان خير الدنيا والآخرة، فقد قال الله تعالى عن المؤمنين الذين أثنى عليهم: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201]. قوله: (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لنغنم على أقدامنا، فرجعنا فلم نغنم شيئاً) . أي: بعثنا غزاة لنحصل أجراً وغنيمة فلم نحصل شيئاً. قوله: (اللهم لا تكلهم إلي فأضعف عنهم) . أي: عن إيصال الأشياء التي يحتاجون إليها، فهو يسأل الله عز وجل أن يرزقهم من فضله، قال: (فأضعف عنهم) لأنه صلى الله عليه وسلم كان يأتي إليه أصحاب الأعذار يلتمسون منه أن يحملهم، فيقول: لا أجد ما أحملكم عليه، فيتولون وأعينهم تفيض من الدمع. قوله: (ولا تكلهم إلى الناس) لأن الناس يريدون الحظوظ لأنفسهم، ويستأثرون بالمال عليهم فلا يحصلون ما يريدون. قوله: (ثم وضع يده على رأسي، أو قال: على هامتي) . هما بمعنى واحد، فالهامة هي أعلى الرأس. قوله: (ثم قال: يا ابن حوالة إذا رأيت الخلافة قد نزلت أرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام) . الأرض المقدسة هي أرض الشام. قوله: (والساعة يومئذ أقرب من الناس من يدي هذه من رأسك) . فيه إشارة إلى أنها قريبة جداً، وفيه إشارة إلى الخلافة في زمن بني أمية، وقد حصل ما حصل من الفتن، وحصل ما حصل من الخير العظيم، فقد حصلت فتن وقلاقل، وحصلت أيضاً فتوحات عظيمة، حيث وصلوا إلى المحيط الأطلسي ووصلوا إلى بلاد الصين، وإلى السند والهند، واجتمعت الكلمة على معاوية رضي الله عنه وأرضاه، وحصل خير كثير بالنسبة لفتح البلاد وغزو الكفار في ديارهم، حيث كانوا يرسلون الجيوش شرقاً وغرباً. تراجم رجال إسناد حديث التماس الأجر والغنيمة بالغزو قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. أحمد بن صالح المصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ عن أسد بن موسى ]. أسد بن موسى هو الملقب أسد السنة ، وهو صدوق يغرب، أخرج له البخاري تعليقاً و أبو داود و النسائي . [ عن معاوية بن صالح ]. معاوية بن صالح بن حدير ، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن. [ عن ضمرة ]. ضمرة بن حبيب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب السنن. [ عن ابن زغب الإيادي ]. وهو عبد الله بن زغب الإيادي مختلف في صحبته، أخرج حديثه أبو داود . [ عن عبد الله بن حوالة ]. وهو صحابي، أخرج له أبو داود . [ قال أبو داود : عبد الله بن حوالة حمصي ]. أي أنه من أهل حمص. الرجل يشري نفسه شرح حديث الرجل يشري نفسه قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يشري نفسه. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا عطاء بن السائب عن مرة الهمداني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (عجب ربنا من رجل غزا في سبيل الله فانهزم -يعني أصحابه- فعلم ما عليه فرجع حتى أهريق دمه، فيقول الله تعالى لملائكته: انظروا إلى عبدي رجع رغبة فيما عندي وشفقة مما عندي حتى أهريق دمه!) ]. قوله: الرجل يشري نفسه أي: يبيعها، قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّه [البقرة:207]، يعني يبيعها، وقال: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [التوبة:111] أي أنهم باعوها على الله، وذلك بتقديمها في سبيل الله عز وجل. قوله: (عجب ربنا من رجل غزا في سبيل الله فانهزم -يعني أصحابه-) هذه مثل الكلمة التي مرت فيما مضى قال: (عقبة كعقبة يعني أحدهم) مضاف ومضاف إليه وجاء بينهما (يعني)، وهنا فعل وفاعل وجاء بينهما (يعني). قوله: (فعلم ما عليه) . أي: ما يجب عليه، والمقصود بهذا أنه عند الفرار وعندما تحصل هزيمة يحصل ثبوت ولو كان العدد قليلاً، وذلك كما ثبت الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين حين انهزم أكثر أصحابه ولم يبق إلا عدد قليل، وبعد ذلك رجعوا. قوله: [ (فرجع حتى أهريق دمه) ] هذا إنما يكون فيما إذا لم يكن الهلاك محققاً، فإذا كان الهلاك محققاً فليس للإنسان أن يقدم، كالذي يقتل نفسه بأي سبب من الأسباب، أو يسعى إلى قتل نفسه بشيء يزعم أن فيه نكاية بغيره، ثم يتسبب في قتل نفسه، ويحمل العدو على إزهاق نفوس كثيرة بسبب هذا الذي قد حصل منه. [ (فيقول الله تعالى لملائكته: انظروا إلى عبدي رجع رغبة فيما عندي وشفقة مما عندي) ]. أي: انظروا إلى عبدي رجع ليقاتل رغبة فيما عندي من الأجر والثواب، وشفقة مما عندي من العقاب. قوله: (حتى أهريق دمه) أي: حتى قتل، ولكن إذا كان الإنسان لا يقوم بذلك الشيء إلا بأن يهلك نفسه فلا يلقي بنفسه إلى التهلكة، وأما إذا كان في ثبوته تشجيع لغيره وتثبيت لهم حتى يعودون، ثم تحصل منهم النكاية في العدو والانتصار عليه، فهذا هو الذي ينبغي أن يعمل. تراجم رجال إسناد حديث الرجل يشري نفسه قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حماد ]. هو حماد بن سلمة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عطاء بن السائب ]. وهو صدوق اختلط، وحديثه أخرجه البخاري وأصحاب السنن، والذين سمعوا منه قبل الاختلاط سبعة، وحماد بن سلمة مختلف في سماعه منه هل كان قبل الاختلاط أو بعد الاختلاط؟ وما كان من هذا القبيل فإنه لا يعول على روايته، لأنه إن كان قد سمع بعد الاختلاط أو محتمل أن يكون قبل الاختلاط أو بعده، فإن الرواية لا تكون صحيحة، وإذا كان السماع قبل الاختلاط فهذه الرواية تكون صحيحة، وحماد بن سلمة ممن اختلف في سماعه، ولم يجزم بكونه سمع قبل الاختلاط، ومع ذلك فإن الألباني رحمه الله صحح هذا الحديث أو حسنه بشواهده كما في صحيح الترغيب والترهيب (1/624)، وصحيح الجامع (3981) والسنة لابن أبي عاصم (5690). والذين سمعوا من عطاء بن السائب قبل الاختلاط سبعة، ستة ذكرهم الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب في آخر ترجمة عطاء بن السائب وهم: سفيان الثوري و شعبة بن الحجاج و زائدة بن قدامة و زهير بن معاوية و حماد بن زيد و أيوب السختياني ، والسابع هو الأعمش ذكره الصنعاني في نتائج الأفكار، وقد ذكره الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة تحت الحديث رقم (660)، فهؤلاء السبعة روايتهم عن عطاء صحيحة، وأما غيرهم فلم يثبت حصول السماع قبل الاختلاط، وحماد بن سلمة ذكر الحافظ في تهذيب التهذيب أنه اختلف فيه، فمنهم من قال: إنه سمع منه قبل الاختلاط، ومنهم من قال: إنه سمع بعده، ومعلوم أن الذي سمع قبل الاختلاط أو بعده ولم يتميز سماعه قبل الاختلاط فإنه لا يعتبر ولا يعول عليه. [ عن مرة الهمداني ]. مرة الهمداني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة."
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الجهاد شرح سنن أبي داود [300] الحلقة (332) شرح سنن أبي داود [300] من أحكام الجهاد التي تكلم عنها العلماء أن من قتل نفسه حال الجهاد خطأً فهو شهيد، ومن سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه، ويستحب للمجاهدين الدعاء عند اللقاء، فإنه من مواطن استجابة الدعاء. من يسلم ويقتل مكانه في سبيل الله شرح حديث قصة من أسلم وقتل ولم يصل لله صلاة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيمن يسلم ويقتل مكانه في سبيل الله عز وجل. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن عمرو بن أقيش كان له رباً في الجاهلية، فكره أن يسلم حتى يأخذه، فجاء يوم أحد فقال: أين بنو عمي؟ قالوا: بأحد، قال: أين فلان؟ قالوا: بأحد، قال: فأين فلان؟ قالوا: بأحد، فلبس لأمته وركب فرسه ثم توجه قبلهم، فلما رآه المسلمون قالوا: إليك عنا يا عمرو!، قال: إني قد آمنت، فقاتل حتى جرح، فحمل إلى أهله جريحاً فجاءه سعد بن معاذ فقال لأخته: سليه حمية لقومك أو غضباً لهم أم غضباً لله؟ فقال: بل غضباً لله ولرسوله، فمات فدخل الجنة وما صلى لله صلاة ]. قوله: [ فيمن يسلم ويقتل مكانه ] أي: دخل في الإسلام ثم جاهد فقتل من ساعته، بمعنى أنه ما حصل وقت يؤدي فيه شيئاً من أعمال الإسلام، فإذا أسلم وجاهد ومات في ذلك الجهاد، فإنه يكون من أهل الجنة، لأنه دخل في الإسلام ومات على خير. قوله: [ إن عمرو بن أقيش كان له رباً في الجاهلية فكره أن يسلم قبل أن يأخذه ]؛ لأنه أراد أن يأخذ الربا قبل أن يسلم، لأنه إذا أخذ الربا وهو كافر فإنه يبقى بيده ويسلم عليه، كالذي يكون عنده من قيمة الخمر فإن له أن يبقي عليها؛ لأن الإسلام يجب ما قبله. قوله: [ فلبس لأمته ] قيل: إنها الدرع التي تتقى بها السهام، وقيل: إنها السلاح، وهو أعم من الدرع. ثم إنه ذهب ولما أقبل على المسلمين قالوا: [ إليك عنا يا عمرو ] لأنهم ظنوا أنه باق على كفره. [ فقال: إني قد آمنت، فجاهد حتى جرح وحمل إلى أهله، فجاءه سعد بن معاذ فقال لأخته: سليه حمية لقومك أو غضباً لهم أم غضباً لله؟ ]. قوله: [ فمات فدخل الجنة، وما صلى لله صلاة ] أي: أنه ما تمكن من أن يصلي، فصار ممن عمل قليلاً وختم له بخير. والناس بالنسبة للبدايات والنهايات ينقسمون إلى أقسام أربعة: منهم من ولد على خير ونشأ على خير ومات على خير، فالبداية حسنة والنهاية حسنة، ومنهم من ولد ونشأ على شر ومات على شر، والثالث البداية حسنة ونشأ على حال حسنة ثم أدركه الخذلان في آخر أمره فارتد ومات كافراً، فالبداية حسنة والنهاية سيئة، وعكسه مثل هذا الذي معنا في هذه القصة، وهو الذي عاش كافراً على شر ثم أسلم في نهاية أمره ومات على خير، فبدايته على شر ونهايته على خير. ويدل على ذلك حديث ابن مسعود : (والذي نفسي بيده! إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها، وإنما الأعمال بالخواتيم). تراجم رجال إسناد حديث قصة من أسلم وقتل ولم يصل لله صلاة قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل عن حماد عن محمد بن عمرو ]. موسى بن إسماعيل و حماد مر ذكرهما، و محمد بن عمرو هو ابن علقمة بن وقاص الليثي، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة ]. أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه وأرضاه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً. الرجل يموت بسلاحه شرح حديث سلمة بن الأكوع فيمن يموت بسلاحه قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يموت بسلاحه. حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني عبد الرحمن و عبد الله بن كعب بن مالك ، قال أبو داود : قال أحمد : كذا قال هو -يعني ابن وهب ، وعنبسة يعني ابن خالد -، جميعاً عن يونس ، قال أحمد : والصواب عبد الرحمن بن عبد الله ، أن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: (لما كان يوم خيبر قاتل أخي قتالاً شديداً، فارتد عليه سيفه فقتله، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك وشكوا فيه: رجل مات بسلاحه! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: مات جاهداً مجاهداً)، قال ابن شهاب : ثم سألت ابناً لسلمة بن الأكوع فحدثني عن أبيه بمثل ذلك، غير أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (كذبوا! مات جاهداً مجاهداً، فله أجره مرتين). قوله: [ الرجل يموت بسلاحه ] أي: يموت بسبب سلاحه، بمعنى أنه أمضى به يريد غيره فارتد عليه فأثر فيه ومات بسبب ذلك، فلا يقال: إنه قاتل نفسه؛ لأنه ما أراد قتل نفسه، وإنما أراد قتل الكفار فارتد عليه سيفه فقتله، فلا يعتبر ممن قتل نفسه، وإن كان ذلك حصل منه خطأً، قتل في سبيل الله، وهو مأجور على ذلك؛ لأنه مات وهو يجاهد في سبيل الله، وإنما قتل نفسه خطأ أو بفعل غيره، بحيث إنه ضرب السيف فرجع عليه، فمات بسبب ذلك. قوله: [ (فقال الناس في ذلك) ] أي: تكلموا في ذلك وقالوا: إنه قاتل نفسه. قوله: [ (وشكوا فيه) ] أي: شكوا في كون نهايته طيبة وأنه ممن استشهد، أو أنه ممن قتل نفسه، فترددوا في هذا، وفيهم من قال: إنه قاتل نفسه. قوله: [ (مات جاهداً مجاهداً) ]، وفي الرواية الثانية قال: [ (كذبوا) ] يعني الذين قالوا: إنه قاتل نفس، وإنه لم يستشهد في سبيل الله، وإنما هو قاتل نفسه، فهؤلاء كذبوا فيما قالوه أو فيما ظنوه وتوهموه، والمقصود بالكذب هنا أن القول الذي قالوه خلاف الصواب، أو أنهم أخطئوا في فهمهم وتصورهم؛ لأن الكذب يأتي بمعنى الخطأ، مثل ما جاء عن عائشة : (من قال: إن محمداً رأى ربه فقد كذب) تعني: فقد أخطأ، وكثيراً ما يأتي في النصوص ذكر الكذب ويراد به الخطأ. قوله: [ (مرتين) ] يحتمل أن المقصود أن له الأجر مرتين، ويحتمل أنها من الراوي وأن المقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم كرر العبارة فقال: (فله أجره فله أجره) وعلى هذا لا يكون الثواب قد ضعف له، ولا أدري وجه كونه يضاعف له الأجر مرتين، إذا كان المقصود تضعيف الأجر وليس تكرار الجملة من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد ذكر المنذري كلاماً في تعيين هذا الذي ارتد عليه سيفه، فإن سلمة قال هنا: [ قاتل أخي ]، وقد أخرج البخاري و مسلم في صحيحيهما أن عامر بن الأكوع عم سلمة بن عمرو الأكوع جرى له ذلك من رجوع سيفه عليه وقول الناس فيه ما قالوا، ورده صلى الله عليه وسلم بما رد، والظاهر أنهما قضيتان، وأن المنكرين على الثاني منهما غير الأولين، إذ لا يقول أحد من الأولين بعدما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم جوابه الأول. وذكر أبو عبيدة القاسم بن سلام أن لسلمة بن الأكوع أخوين أحدهما عامر والآخر أهبان وذكر البغوي أن عامراً أخا سلمة صحب النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر ابن سعد في الطبقات أن أهبان بن الأكوع أسلم وصحب النبي صلى الله عليه وسلم. ا هـ كلام المنذري . وعلى كل فيحتمل أن تكونا قصتين مثلما قال، ويحتمل أن تكون قصة واحدة والتعبير بالأخ يقصد به أخوة الإسلام. تراجم رجال إسناد حديث سلمة بن الأكوع فيمن يموت بسلاحه قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. أحمد بن صالح مر ذكره. [ عن عبد الله بن وهب ]. عبد الله بن وهب المصري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتاب الستة. [ عن يونس ]. يونس بن يزيد الأيلي المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني عبد الرحمن و عبد الله بن كعب بن مالك ]. الواو هنا عاطفة، ومعناه أنه أخبره اثنان لكن يشكل على ذلك أنه جاء [ ابن ] بعد ذلك، ولو كان عطفاً لقال: (ابنا كعب بن مالك ) وأحمد الذي هو شيخ أبي داود قال: الصواب عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ومعناه أنه واحد وليس اثنين، والواو بدلها (ابن)، ويكون قوله بعد ذلك [ ابن كعب بن مالك ] على بابها وعبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ قال: أبو داود قال: أحمد هكذا قال هو، يعني ابن وهب ، وعنبسة يعني ابن خالد ]. و عنبسة بن خالد صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود . [ جميعاً عن يونس ، قال أحمد : والصواب عبد الرحمن بن عبد الله أن سلمة بن الأكوع ]. سلمة بن الأكوع صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قال ابن شهاب : ثم سألت ابناً لسلمة بن الأكوع فحدثني عن أبيه بمثل ذلك ]. يقول الحافظ : الظاهر أنه إلياس بن سلمة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث معاوية بن سلام فيمن يموت بسلاحه قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا هشام بن خالد الدمشقي حدثنا الوليد عن معاوية بن أبي سلام عن أبيه عن جده أبي سلام عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: أغرنا على حي من جهينة فطلب رجلاً من المسلمين رجل منهم، فضربه فأخطأه وأصاب نفسه بالسيف، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أخوكم يا معشر المسلمين! فابتدره الناس فوجدوه قد مات، فلفه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بثيابه ودمائه وصلى عليه ودفنه، فقالوا: يا رسول الله! أشهيد هو؟ قال: نعم. وأنا له شهيد). قال أبو داود : إنما هو معاوية عن أخيه عن جده، وهو معاوية بن سلام بن أبي سلام ]. قوله: [ (وأنا له شهيد) ] أي: شاهد، والحديث في إسناده رجل مجهول، وهو سلام والد معاوية بن سلام ، فهو حديث غير صحيح من حيث الإسناد، لأن فيه رجلاً مجهولاً. قوله: [ (فلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بثيابه ودمائه وصلى عليه) ]. معناه أنه ما غسل فيكون شهيداً، ولهذا قالوا: [ (أشهيد هو؟ فقال: هو شهيد، وأنا على ذلك شهيد) ] أما الصلاة عليه فإن الشهداء يجوز أن يصلى عليهم ويجوز ألا يصلى عليهم، والرسول صلى الله عليه وسلم صلى على شهداء أحد قبل موته صلى الله عليه وسلم كما يصلي على الميت، فكان بذلك مودعاً للأحياء والأموات صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث معاوية بن سلام فيمن يموت بسلاحه قوله: [ حدثنا هشام بن خالد الدمشقي ]. هشام بن خالد الدمشقي صدوق، أخرج له أبو داود و ابن ماجة. [ عن الوليد ]. الوليد بن مسلم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معاوية بن أبي سلام ]. معاوية بن أبي سلام وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو سلام، وهو مجهول، أخرج له أبو داود . [ عن جده أبي سلام ]. جده أبو سلام هو ممطور الحبشي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ]. هو مبهم، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المجهول منهم في حكم المعلوم. الدعاء عند اللقاء شرح حديث: (ثنتان لا تردان: الدعاء عند النداء وعند البأس) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الدعاء عند اللقاء. حدثنا الحسن بن علي حدثنا ابن أبي مريم حدثنا موسى بن يعقوب الزمعي عن أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ثنتان لا تردان أو قلما تردان: الدعاء عند النداء، وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضاً). قال موسى : وحدثني رزق بن سعيد بن عبد الرحمن عن أبي حازم عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (ووقت المطر) ]. قوله: [ الدعاء عند اللقاء ] أي دعاء المجاهدين عند لقاء الكفار، وذلك أن هذا الموطن من مواطن الإجابة، ومن المواضع التي يستجاب فيها الدعاء. وقد أورد أبو داود حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: [ (ثنتان لا تردان أو قلما تردان) ] الشك هنا من الراوي. قوله: [ (الدعاء عند النداء) ]. النداء هو الأذان. قوله: [ (وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضاً) ]. هو شدة البأس حين يلتحم المسلمون مع الكفار ويقتتلون، فإن الدعاء في هذه الحالة يكون مجاباً. وفي الطريق الآخر ذكر وقت المطر وهذا لم يصح؛ لأن رزق هذا هو ابن عبد الرحمن بن سعيد بن عبد الرحمن وهو مجهول. فائدة: حديث استجابة الدعاء عند نزول المطر جاء عند الشافعي في الأم (1/223)، ولفظه: (اطلبوا إجابة الدعاء عند التقاء الجيوش وإقامة الصلاة ونزول المطر)، وقال الألباني : الحديث له شواهد من حديث ابن عمر و أبي أمامة خرجتها في التعليق الرغيب (1/116)، وهي وإن كانت مفرداتها ضعيفة إلا أنها إذا ضم بعضها إلى بعض يتقوى ويرتقي إلى مرتبة الحسن، وهو في صحيح الجامع (3078) وصحيح الترغيب والترهيب (260)، وصحيح ابن خزيمة (1/219). تراجم رجال إسناد حديث: (ثنتان لا تردان: الدعاء عند النداء وعند البأس) قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. الحسن بن علي الحلواني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ عن ابن أبي مريم ]. وهو سعيد بن الحكم بن أبي مريم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن موسى بن يعقوب الزمعي ]. وهو صدوق سيء الحفظ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن أبي حازم ]. هو سلمة بن دينار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سهل بن سعد ]. سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال موسى : وحدثني رزق بن سعيد بن عبد الرحمن ]. رزق بن سعيد بن عبد الرحمن مجهول، أخرج له أبو داود . [ عن أبي حازم عن سهل بن سعد ]. قد مر ذكرهما. من سأل الله الشهادة شرح حديث: (من سأل الله القتل من نفسه صادقاً ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيمن سأل الله الشهادة. حدثنا هشام بن خالد أبو مروان و ابن المصفى قالا: حدثنا بقية عن ابن ثوبان عن أبيه يرد إلى مكحول إلى مالك بن يخامر أن معاذ بن جبل رضي الله عنه حدثهم أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من قاتل في سبيل الله فواق ناقة فقد وجبت له الجنة، ومن سأل الله القتل من نفسه صادقاً ثم مات أو قتل فإن له أجر شهيد). زاد ابن المصفى من هنا: (ومن جرح جرحاً في سبيل الله أو نكب نكبة، فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت، لونها لون الزعفران، وريحها ريح المسك، ومن خرج به خراج في سبيل الله فإن عليه طابع الشهداء). أورد أبو داود باباً فيمن سأل الله تعالى الشهادة، أي: سأل الله أن يكون شهيداً، فإنه قد يحصل منازل الشهداء، وإن مات على فراشه. قوله: [ (من قاتل في سبيل الله فواق ناقة) ] أي: زمناً يسيراً، وفواق الناقة هو مقدار ما بين الحلبتين، قيل: إن المقصود بالحلبة كونه يمسك الثدي فيعصره ثم يعصره مرة ثانية، فيكون وقتاً قصيراً، وقيل: هو أن يحلب الناقة ثم يترك الفصيل يرضع، ثم يرجع إلى الضرع فيحلبه، والمقصود أن ذلك وقت قليل. قوله: [ (ومن سأل الله القتل من نفسه صادقاً ثم مات أو قتل فإن له أجر شهيد) ]. يعني أنه يكون من الشهداء في ثواب الآخرة، وقد جاءت أحاديث كثيرة في ذكر جماعة من الشهداء يموتون على فرشهم، أو يموتون بسبب من الأسباب غير القتال في سبيل الله، و النووي في كتابه رياض الصالحين عقد ترجمة فقال: باب ذكر جماعة من الشهداء في ثواب الآخرة ويغسلون ويصلى عليهم. وهذا هو محل الشاهد من الترجمة، يعني أنه من سأل الله الشهادة صادقاً من نفسه فله أجر شهيد. [ زاد ابن المصفى من هنا: (ومن جرح جرحاً في سبيل الله أو نكب نكبة، فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت، لونها لون الزعفران، وريحها ريح المسك) ]. يعني أن ما قبل ذلك متفق عليه بين ابن المصفى وبين هشام بن خالد ، وهذا مما انفرد به ابن المصفى. [ (ومن جرح جرحاً في سبيل الله أو نكب نكبة) ] المعنى أن من جرح جرحاً في سبيل الله أو نكب نكبة فجاء وعليه هذا الأثر فهو دليل على شهادته في سبيل الله، ولهذا فإن الشهداء لا يغسلون حتى تبقى هذه الآثار عليهم، فتكون دليلاً على شهادتهم. وفسرت النكبة بأنها بمعنى الجرح، وقيل: الجروح ما يكون من فعل الكفار، والنكبة الجراحة التي أصابته من وقوعه من دابته، أو وقوع سلاحه عليه، وبعضهم يقول: النكبة تعم الحوادث. قوله: [ (تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت) ]. يعني في انصباب الدم. قوله: [ (ومن خرج به خراج في سبيل الله، فإن عليه طابع الشهداء) ]. الخراج والقروح والدماميل تخرج من البدن، والطابع مثل الخاتم، أي: علامة الشهادة، وهذا يوضح معنى النكبة التي مرت، وأنه إذا أصيب بشيء بسبب سقوطه، أو بحصول شيء في جسده، وإن لم يكن بفعل الكفار، فإنه يكون شهيداً، وليس ذلك خاصاً بفعل الكفار. تراجم رجال إسناد حديث: (من سأل الله القتل من نفسه صادقاً..) قوله: [ حدثنا هشام بن خالد أبو مروان ]. هشام بن خالد أبو مروان الدمشقي . [ وابن المصفى ]. محمد بن مصفى ، وهو صدوق له أوهام، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن بقية ]. بقية بن الوليد ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ابن ثوبان ]. هو عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ، وهو صدوق يخطئ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن أبيه ] ثابت بن ثوبان ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ يرد إلى مكحول ]. يعني يضيف إلى مكحول أو يسند إلى مكحول ، ومكحول هو الشامي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن. [ إلى مالك بن يخامر ]. يعني: ويرده أيضاً إلى مالك بن يخامر ، وهو مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: إنه رآه فيكون صحابياً، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن معاذ بن جبل ]. معاذ بن جبل رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحديث صححه الألباني ."
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الجهاد شرح سنن أبي داود [301] الحلقة (333) شرح سنن أبي داود [301] جاء في الشرع مدح الخيل وأن الخير معقود بنواصيها، وقد جاءت أحاديث تبين ما يستحب من ألوان الخيل وما يكره. كراهية جز نواصي الخيل وأذنابها شرح حديث كراهية جز نواصي الخيل قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في كراهية جز نواصي الخيل وأذنابها. حدثنا أبو توبة عن الهيثم بن حميد ، ح: وحدثنا خشيش بن أصرم حدثنا أبو عاصم جميعاً عن ثور بن يزيد عن نصر الكناني عن رجل، وقال أبو توبة : عن ثور بن يزيد عن شيخ من بني سليم عن عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه وهذا لفظه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: [ (لا تقصوا نواصي الخيل ولا معارفها ولا أذنابها، فإن أذنابها مذابها، ومعارفها دفاؤها، ونواصيها معقود فيها الخير) ]. قوله: [ (لا تقصوا نواصي الخيل ولا معارفها ولا أذنابها) ]. نواصي الخيل هو ما يكون على رأسها وفي أعلى رأسها من الشعر. ومعارفها جمع عرف، وهو الشعر الذي في أعلى الرقبة، يسترسل إلى جهة اليمين أو إلى جهة الشمال. وأذنابها هو الشعر الذي يكون في الذيل أو الذنب. قوله: [ (فإن أذنابها مذابها) ] أي تذب بها الذبابة والحشرات التي تقع عليها بحيث تحركها فيطير الشيء الذي يقع عليها، فهي من الذب. قوله: [ (ومعارفها دفاؤها) ]. أي: فيها دفء لرقبتها. قوله: [ (ونواصيها معقود فيها الخير) ]. جاء عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم قوله عليه الصلاة والسلام: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة؛ الأجر والمغنم) والحديث حسنه الألباني ، ولكنه ضعفه في المشكاة وضعفه أيضاً في ضعيف الجامع، ولكن هذه الجملة التي هي: [ (في نواصيها الخير) ] أشار إلى صحتها وأنه جاء فيها أحاديث، والإسناد فيه من هو مجهول وفيه من هو مبهم، ولا أدري سبب هذا التفاوت بين التصحيح والتضعيف والتحسين عند الشيخ الألباني وأيها المتقدم؟ ولكن في المشكاة كان سنده ضعيفاً، وقال هناك إنه ضعيف، وأحال إلى الترغيب والترهيب فيما يتعلق به، وأشار إلى صحة النواصي وأنه قد ورد فيها كما قلت أحاديث كثيرة، وأنا ذكرت في الفوائد المنتقاة أن الحافظ ابن حجر نقل هذا الحديث: (الخيل معقود في نواصيها الخير) عن عدد كثير من الصحابة في فتح الباري (6/650) وهو في الصحيحين وفي غيرهما. وعلى كل فالحديث فيه النهي، والأصل أن لا يفعل شيء من ذلك، ولا شك أن قص الذيل لا يترتب عليه مصلحة، وكذلك فيما يتعلق بعرفها الذي يكون على رقبتها، وكذلك النواصي فالحديث وإن كان ضعيفاً إلا أنه لا ينبغي قص هذه الأشياء، لأنه ما ورد شيء يدل على أنها تقص تراجم رجال إسناد حديث كراهية جز نواصي الخيل وأذنابها قوله: [ حدثنا أبو توبة ]. أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن الهيثم بن حميد ]. صدوق أخرج له أصحاب السنن. [ ح وحدثنا خشيش بن أصرم ]. وهو ثقة أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن أبي عاصم ]. الضحاك بن مخلد النبيل ، مشهور بلقبه النبيل ، ومشهور بكنيته أبو عاصم ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ثور بن يزيد ]. وهو ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن نصر الكناني ]. وهو مجهول أخرج له أبو داود . [ عن رجل ]. وهو مبهم. [ وقال أبو توبة : عن ثور بن يزيد عن شيخ من بني سليم ]. هذا طريق آخر عن شيخ من بني سليم، وهو مبهم. [ عن عتبة بن عبد السلمي ]. وهو صحابي أخرج له أبو داود و ابن ماجة . ما يستحب من ألوان الخيل شرح حديث ما يستحب من ألوان الخيل قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب فيما يستحب من ألوان الخيل: حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا هشام بن سعيد الطالقاني حدثنا محمد بن المهاجر الأنصاري حدثني عقيل بن شبيب عن أبي وهب الجشمي رضي الله عنه، وكانت له صحبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (عليكم بكل كميت أغر محجل، أو أشقر أغر محجل، أو أدهم أغر محجل) ]. هذا الباب فيه ما كانوا يستحبونه وما كانوا يكرهونه، قيل: ولعل العبرة أو المعول عليه فيما يستحب وما يكره أن ذلك يعود إلى التجربة، وأن التي ألوانها مستحبة قد جربت فوجدت صفاتها حميدة. قوله: [ (عليكم بكل كميت أغر محجل) ]. هذه الصيغة: [ (عليكم) ] هي اسم فعل أمر بمعنى الزموها أو احرصوا عليها. والكميت: قيل هو اللون بين السواد والحمرة. والأغر: الذي ناصيته بيضاء. والمحجل: هو الذي في قوائمه بياض. قوله: [ (أو أشقر أغر محجل) ]. الأشقر هو الأحمر، وقوله: [ (أغر محجل) ] وقد كانت الإبل الحمر هي أنفس الإبل عندهم، وقد جاء في حديث سهل بن سعد في قصة علي : (فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) ]. [ (أو أدهم أغر محجل) ]. الأدهم الذي لونه قريب من السواد. لكن الحديث ضعيف، لأن فيه عقيل بن شبيب وهو مجهول، وسيأتي حديث بعده في الأشقر يدل على تميزه. تراجم رجال إسناد حديث ما يستحب من ألوان الخيل قوله: [ حدثنا هارون بن عبد الله ]. هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن هشام بن سعيد الطالقاني ]. هشام بن سعيد الطالقاني صدوق أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و النسائي. [ عن محمد بن المهاجر الأنصاري ]. وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن. [ عن عقيل بن شبيب ]. وهو مجهول أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و النسائي. [ عن أبي وهب الجشمي ]. أبو وهب الجشمي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و النسائي . شرح حديث ما يستحب من ألوان الخيل من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا محمد بن عوف الطائي حدثنا أبو المغيرة حدثنا محمد بن مهاجر حدثنا عقيل بن شبيب عن أبي وهب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بكل أشقر أغر محجل، أو كميت أغر، فذكر نحوه). قال محمد يعني ابن مهاجر : وسألته لم فُضِّل الأشقر؟ قال: لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث سرية، فكان أول من جاء بالفتح صاحب أشقر ]. ثم أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وفيه ما في الذي قبله إلا أنه زاد سؤال محمد بن مهاجر لعقيل بن شبيب . وقد ذكر أن سبب تفضيل الأشقر أن أول من جاء يخبر بالنصر كان على أشقر، فمن أجل ذلك فضل الأشقر على غيره، والإسناد هو نفسه فيه عقيل بن شبيب هذا هو علة ضعفه. تراجم رجال إسناد حديث ما يستحب من ألوان الخيل من طريق أخرى [ حدثنا محمد بن عوف الطائي ]. محمد بن عوف الطائي ثقة أخرج له أبو داود و النسائي في عمل اليوم والليلة وفي مسند علي . [ عن أبي المغيرة ]. هو عبد القدوس بن حجاج ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن مهاجر ، عن عقيل بن شبيب عن أبي وهب ]. وقد مر ذكرهم. شرح حديث ميامن الخيل قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا يحيى بن معين حدثنا حسين بن محمد عن شيبان عن عيسى بن علي عن أبيه عن جده ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يمن الخيل في شقرها) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما [ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يمن الخيل في شقرها) ]، وهذا يدل على استحباب هذا اللون وتفضيله على غيره، وأن ذلك مما هو ميمون في الخيل، وهذا الحديث من حيث الإسناد صحيح، وهو متفق مع ما جاء فيما يتعلق بوصف الإبل: (فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)، يعني أنها أنفس أنواع الإبل عندهم، وكذلك هنا الخيل يكون اللون الأحمر. وقوله: [ (يمن الخيل) ] هو من اليمن، أي: فيه يمن وفيه بركة. تراجم رجال إسناد حديث ميامن الخيل قوله: [ حدثنا يحيى بن معين ]. يحيى بن معين ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حسين بن محمد ]. حسين بن محمد التميمي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شيبان ]. شيبان بن عبد الرحمن ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عيسى بن علي ]. وهو صدوق أخرج له أبو داود و الترمذي. [ عن أبيه ] علي بن عبد الله بن عباس ، وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن. [عن جده ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. هل تسمى أنثى الخيل فرساً شرح حديث تسمية أنثى الخيل فرساً قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب هل تسمى الأنثى من الخيل فرسا حدثنا موسى بن مروان الرقي حدثنا مروان بن معاوية عن أبي حيان التيمي حدثنا أبو زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يسمى الأنثى من الخيل فرسا) ]. الفرس في اللغة يطلق على الذكر والأنثى، وتأتي الضمائر في الأحاديث للفرس مذكرة ومؤنثة، ويعرف تذكير الشيء وتأنيثه برجوع الضمائر إليه، أو بالإشارة إليه، وكذلك الفعل الماضي الذي تلحقه تاء التأنيث، وفي القاموس: الفرس مذكر ومؤنث. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمي الأنثى من الخيل فرسا) ]. فهذا يدل على تسمية الأنثى فرساً كما ذكرنا. تراجم رجال إسناد حديث تسمية أنثى الخيل فرساً قوله: [ حدثنا موسى بن مروان الرقي ]. موسى بن مروان الرقي مقبول أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة. [ عن مروان بن معاوية ]. مروان بن معاوية الفزاري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي حيان التيمي ]. هو يحيى بن سعيد التيمي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي زرعة ]. وهو ابن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق. ويحيى بن سعيد التيمي في طبقة يحيى بن سعيد الأنصاري ، وقد قال الحافظ ابن حجر : إن يحيى بن سعيد في رجال البخاري وكذلك في رجال الكتب الستة أربعة: اثنان في طبقة واثنان في طبقة، فيحيى بن سعيد الأنصاري ، ويحيى بن سعيد التيمي في طبقة متقدمة، ويحيى بن سعيد القطان ، ويحيى بن سعيد الأموي في طبقة متأخرة، وكلهم من الثقات الذين أخرج لهم البخاري وغيره. ما يكره من الخيل شرح حديث ما يكره من الخيل قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يكره من الخيل: حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن سلم -هو ابن عبد الرحمن - عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكره الشكال من الخيل) والشكال يكون الفرس في رجله اليمنى بياض وفي يده اليسرى بياض، أو في يده اليمنى وفي رجله اليسرى. قال أبو داود : أي مخالف ]. ثم أورد أبو داود [ باب ما يكره من الخيل ] يعني من أنواع الخيل وألوانها، فأورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره الشكال من الخيل) ] ثم فسر الشكال من الخيل بأنه ما تكون اليد اليمنى فيها بياض والرجل اليسرى فيها بياض، أو اليد اليسرى والرجل اليمنى. قول أبي داود : [ أي: مخالف ] يعني أن كل يد مخالفة للرجل بأن تكون هذه يمنى وهذه يسرى، وهذا خلاف المشهور والمعروف عند العرب من أن الشكال في الخيل أن تكون ثلاث قوائم محجلة وواحدة مطلقة ليس فيها بياض أو العكس كما ذكر ذلك في القاموس. والحكمة في كراهته احتمال أن يكون هذا نوعاً مجرباً فوجد أنه ليس فيه قوة وليس فيه تميز، وقيل: الحكمة مجهولة لا تعلم، والله تعالى أعلم. تراجم رجال إسناد حديث ما يكره من الخيل قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. محمد بن كثير العبدي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. سفيان الثوري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سلم هو ابن عبد الرحمن ]. سلم بن عبد الرحمن صدوق أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي زرعة عن أبي هريرة ] وقد مر ذكرهما."
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الجهاد شرح سنن أبي داود [302] الحلقة (334) شرح سنن أبي داود [302] سخر الله الدواب والبهائم لابن آدم، وأوجب عليه رعايتها والقيام بحقوقها، وذلك بتغذيتها والحفاظ عليها، حتى يستخدمها إذا احتاج إليها، وقد أورد أبو داود الأحاديث المتعلقة بذلك. ما يؤمر به من القيام على الدواب والبهائم شرح حديث (اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يؤمر به من القيام على الدواب والبهائم: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا مسكين -يعني ابن بكير - حدثنا محمد بن مهاجر عن ربيعة بن يزيد عن أبي كبشة السلولي ، عن السهل بن الحنظلية رضي الله عنه قال: (مر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ببعير قد لحق ظهره ببطنه فقال: اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة، فاركبوها صالحة وكلوها صالحة) ]. قوله: [ باب ما يؤمر به من القيام على الدواب والبهائم ] يعني من القيام عليها برعايتها والإحسان إليها وعدم إلحاق الضرر بها، وعدم إيذائها. قوله: [ (مر ببعير قد لحق ظهره ببطنه) ] يعني من الجوع ومن الهزال بحيث لصق بطنه بظهره، والأوضح أن يقال: لحق بطنه بظهره؛ لأن ظهره ثابت، وبطنه هو الذي يلحق بظهره أحياناً فيرتفع لهزاله، وأحياناً ينزل لأكله وكثرة ما يحصل له. قوله: [ (فقال: اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة) ]. أي: التي لا تنطق ولا تعبر عن حاجتها ولا تفصح عما في نفسها، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتقوى الله تعالى فيها، وذلك بأن يحسن إليها ولا يساء وبأن تؤتى حقها، وترعى حق رعايتها، وتعطى ما تحتاج إليه، ويصرف عنها ما يسوءها، ولا تؤذى، هذا هو المقصود بتقوى الله عز وجل في البهائم المعجمة. قوله: [ (اركبوها صالحة، وكلوها صالحة) ]. أي: بعد أن تكونوا قد أحسنتم إليها فصارت قوية. تراجم رجال إسناد حديث (اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة ...) [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن مسكين -يعني ابن بكير - ]. وهو صدوق يخطئ أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود والنسائي . [ عن محمد بن مهاجر عن ربيعة بن يزيد ]. محمد بن مهاجر مر ذكره، وربيعة بن يزيد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي كبشة السلولي ]. ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن سهل بن الحنظلية ]. عن سهل بن الحنظلية رضي الله عنه، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و النسائي . كلام الألباني في ضبط لفظة (كلوها) والتعليق عليه يقول الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في ضبط (كلوها): قيدوها بضم الكاف من الأكل، وعليه جرى المناوي في شرح هذه الكلمة، فإذا صحت الرواية بذلك فلا كلام، وإلا فالأقرب عندي أنها (كِلوها) بكسر الكاف من وَكَل يَكِل كِل أي: اتركوها، هذا هو المتبادر من سياق الحديث ويؤيده الحديث المتقدم بلفظ: (اركبوا هذه الدواب سالمة وايتدعوها سالمة) أي: اتركوها سالمة. قول الألباني رحمه الله: (الحديث المتقدم) يعني: في السلسلة الصحيحة وهو برقم اثنين وعشرين. والرواية الواردة بلفظ (كلوها) جاءت أيضاً في الصحيحة (1/63) الحديث الثالث والعشرون. فلو صحت الرواية بالكسر فنعم، وإلا فكلوها بالضم واضحة وهي الأصل، أي: كلوها صالحة أو اركبوها صالحة، وصالحة يعني: سليمة، وكونها أهلاً لأن تركب وأهلاً لأن تؤكل، فلا يساء إليها بحيث لا تعلف فتكون هزيلة ولحمها لا يكون طيباً، وكذلك الركوب عليها لا يكون مريحاً لها، بل يكون فيه مشقة عليها، وكونه لا ينفق عليها ثم تركب يجمع لها بين مصيبتين مصيبة الضعف الذي حصل لها بسبب عدم إطعامها بما يكون سبباً في قوتها ونشاطها، ومصيبة ركوبها على ما فيها من ضعف. الكلام على لفظة (وايتدعوها) الواردة في الحديث ورواية الحديث الذي في الصحيحة: (اركبوا هذه الدواب سالمة وايتدعوها سالمة)، أي: اتركوها دعوها واضحة، لكن إذا صحت الرواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم بلفظة (ايتدعوها) فتكون لغة ولا شك، فهو أفصح الناس عليه الصلاة والسلام، وإن كان بعض أهل العلم يقول: إن الكلام الذي يضاف للرسول صلى الله عليه وسلم لا يقطع بأنه كلامه، لأن الرواية تأتي بالمعنى، وإذا ثبتت الرواية بالمعنى فلا يجزم بأنه كلام الرسول صلى الله عليه وسلم. شرح حديث شكوى الجمل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا مهدي حدثنا ابن أبي يعقوب عن الحسن بن سعد مولى الحسن بن علي عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: (أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه ذات يوم، فأسر إلي حديثاً لا أحدث به أحداً من الناس، وكان أحب ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته هدفاً أو حائش نخل، قال: فدخل حائطاً لرجل من الأنصار فإذا جمل، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حن وذرفت عيناه، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح ذفراه فسكت، فقال: من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله! فقال: أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها، فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أسر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً لا أحدث به)، ومعنى ذلك أنه حديث خاص وسر، وليس من قبيل الأحكام الشرعية التي يجب بيانها للناس، وهو من جنس السر الذي كان حصل مع أنس بن مالك رضي الله عنه حيث قال لأمه: (إن النبي صلى الله عليه وسلم أسر إلي في حاجة فقالت: وما حاجته؟ قال: إنها سر قالت: لا تفشى سر رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني: هذا لا يقال إنه من قبيل التشريع أو من قبيل الأحكام الشرعية التي يحتاج الناس إليها، وإنما هو من قبيل شيء خاص لا علاقة له بالتشريع كالذي حصل لأنس بن مالك في الحديث الذي أشرت إليه. قوله: [ (أردفني رسول الله) ]. يعني: على دابة، وهذا فيه جواز الإرداف على الدابة إذا كانت مطيقة. قوله: [ (وكان أحب ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته هدف أو حائش نخل) ]. يعني: عندما يقضي حاجته يستتر بشيء يستره عن الأنظار، والهدف شيء شاخص، أي: قائم مرتفع يستتر به، (أو حائش نخل)، وهو النخل الملتف المتقارب بعضه من بعض، بحيث إن الإنسان إذا جلس وراءه فإنه يستتر به، بخلاف ما إذا كانت النخلة لا يوجد إلا ساقها وساقها دقيق فإنه لا يستر كما ينبغي وإن كان يحصل به الستر، لكن ليس مثل الشيء الملتف الذي هو المشتبك بعضه ببعض. قوله: [ (فدخل حائطاً لرجل من الأنصار فإذا جمل، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حن وذرفت عيناه) ]. يعني: ذلك الجمل، فالنبي صلى الله عليه وسلم سأل عن صاحب الجمل قال: (من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار وقال: لي يا رسول الله! قال: ألا تتقي الله، فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه) معناه: أنه لا يطعمه، ومع ذلك يدئبه من الدأب وهو العمل عليه باستمرار وبدون غذاء، يعني: لا يغذيه ويتعبه في العمل والكد، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى الإحسان إلى هذه البهيمة، وأن الإنسان يعطيها ما تستحقه من الغذاء والطعام، كذلك أيضاً لا يكلفها ما لا تطيق، وإنما يستعملها في شيء تكون له مطيقة. قوله: [ (فإنه شكا إلي) ]. وهذا من دلائل نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم، كون الجمل شكا إليه، والرسول صلى الله عليه وسلم سمع منه هذه الشكوى، وفهمها منه. وقوله: (فأتاه النبي)، يعني: هذا البعير (ومسح ذفراه)، المقصود: مؤخرة الرأس و(ذفرا) لفظ مفرد على صيغة التأنيث مثل: ذكرى، وليس مثنى بحيث يقال: ذفريه. قوله: [ (فسكت) ] فسكت ذلك البعير عندما مسح عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت هذه شكوى فهمها رسول الله صلى الله عليه وسلم منه. قال صلى الله عليه وسلم (أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياه). أي: أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي جعلها لملكك وتحت تصرفك، فعليك أن تتقي الله فيما تملك. تراجم رجال إسناد حديث شكوى الجمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا مهدي ]. مهدي بن ميمون ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن أبي يعقوب ]. محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن بن سعد ]. الحسن بن سعد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن عبد الله بن جعفر ]. عبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وقوله: (أردفني) أي: على الدابة خلفه، ويستدل بحديث معاذ حيث يقول: (كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار). و معاذ كان رديفه صلى الله عليه وسلم على حمار، والإرداف على الدابة بأن يكون اثنين راكبين عليها، صاحب الدابة وغيره معه قبله أو قدامه، وقد ذكر الحافظ ابن حجر أن ابن مندة جمع الذين أردفهم النبي صلى الله عليه وسلم فبلغوا ثلاثين رجلاً. شرح حديث (في كل ذات كبد رطبة أجر) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بينما رجل يمشي بطريق فاشتد عليه العطش، فوجد بئراً فنزل فيها، فشرب ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغني، فنزل البئر فملأ خفه فأمسكه بفيه حتى رقي، فسقى الكلب؛ فشكر الله له فغفر له، فقالوا: يا رسول الله! وإن لنا في البهائم لأجراً فقال: في كل ذات كبد رطبة أجر). أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (بينما رجل يمشي بطريق فاشتد عليه العطش فوجد بئراً، فنزل فيها فشرب، ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش..). قوله: [ (يأكل الثرى) ] يعني: التراب الذي فيه رطوبة، فتذكر الرجل وضعه وحالته التي كان عليها لما كان قد عطش قبل أن يشرب، فقال: قد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي قد حصل لي، يعني: مثل العطش الذي أدركته ورأيت أنني بحاجة شديدة إلى الشرب، فهذا الكلب حالته مثل حالتي لما كنت عطشان، فنزل وأخذ خفه الذي هو غير النعل، فأمسكه بفيه لأنه لا يستطيع أن يأخذه بيديه، من أجل أن يرقى ويصعد على البئر، ولكنه أمسكه بفيه واستعمل يديه للصعود حتى خرج إليه بهذا الخف، وسقاه من الماء الذي فيه، فشكر الله له فغفر له بسبب هذا الإحسان. قوله: [ (قالوا: يا رسول الله! وإن لنا في البهائم لأجراً) ]. يعني: إذا أحسنا إليها وسقيناها (قال: نعم في كل ذات كبد رطبة أجر) يعني: في كل شيء فيه الروح. وبعض أهل العلم قال: إنه إذا كان ذلك الحيوان يلزم قتله فإنه لا يسقيه، وإنما يقتله إذا كان مأموراً بقتله، ومنهم من قال: إنه يسقيه أولاً، ثم يقتله بعد ذلك حيث يكون مأذوناً في قتله. وهذه القصة الظاهر أنها وقعت في الأمم السابقة، فهي من الأخبار التي تكون في الأمم السابقة. تراجم رجال إسناد حديث (في كل ذات كبد رطبة أجر) قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ]. عبد الله بن مسلمة القعنبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. مالك بن أنس ، إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه الإمام، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرج له صحاب الكتب الستة. [ عن سمي مولى أبي بكر ]. سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي صالح السمان ]. أبو صالح السمان واسمه: ذكوان ولقبه السمان ويقال أيضاً: الزيات ؛ لأنه كان يجلب الزيت والسمن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. وقد مر ذكره. متى يؤجر العبد على إطعام الحيوانات؟ قد يقال: قوله: (في كل ذات كبد رطبة أجر) هل يعم حتى الحيوانات التي يربيها الإنسان للتجارة أو الحاجة بأن هذا عمله لله؟ والجواب: إذا كان مسئولاً عنه فيلزمه الإحسان إليه مثلما مر بنا فيما يؤمر به من القيام على البهائم، يعني: بالإحسان إليها ودفع الأذى عنها. أقول: ما دام أنه هو المسئول عنها فيلزمه ذلك، وأما قصة هذا الرجل فهذا كلب مر به وأحسن إليه، فالشيء الذي ينميه للتجارة فيلزمه الإحسان إليه فيطعمه ويسقيه. وأما الفضل والأجر فلا شك أن أي عمل واجب إذا فعله المرء يحتسب الأجر والثواب عند الله فإنه مأجور عليه، كأن ينفق على ذريته وأولاده وعلى أهل بيته، وهو يحتسب الأجر ويرجو الثواب فإنه يثاب عليه ولو كان واجباً، وأما إذا كان لا ينفق إلا بحكم عليه وبإلزام القاضي له، ولا يفعل ذلك من تلقاء نفسه فهذا لا يحصل على أجر، ولكنه سقط عنه الوجوب، فالأجر إنما يكون لمن نواه، وأما من أخذت منه الزكاة جبراً مثلاً فإنه يسقط عنه الواجب؛ لأنه أخذ منه الحق وهو كاره لإخراجه. ما جاء في نزول المنازل شرح حديث (كنا إذا نزلنا منزلاً لا نسبح حتى نحل الرحال) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في نزول المنازل. حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثني محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن حمزة الضبي قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كنا إذا نزلنا منزلاً لا نسبح حتى نحل الرحال) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة (باب في نزول المنازل) وهذه الترجمة غير موجودة في أكثر النسخ، وهي في الحقيقة لا وجه لها، بل الحديث تابع للباب الذي قبله؛ لأن فيه الإحسان إلى البهائم وعدم الإساءة إليها، وأما نزول المنازل فالفائدة التي تحصل من وراء ذلك أن الناس المسافرين ينزلون المنازل، ولا بد لكل مسافر أن ينزل في المكان الذي فيه فائدة، ولكن الفائدة هي في الإحسان إلى البهائم وما يؤمر به الإنسان من القيام على البهائم. والمعنى بهذه الترجمة غير مستقيم، لكن كونه ينزل على هيئة معينة أو على فئة معينة أو شيء يقال عند النزول فنعم، وأما مجرد نزول المنازل فليس فيه فائدة تذكر، ولكن الفائدة في الحديث هي في الإحسان إلى البهائم، وعلى هذا فتكون علاقته قوية وواضحة بالباب الذي قبل هذه الترجمة. تراجم رجال إسناد حديث (كنا إذا نزلنا منزلاً لا نسبح حتى نحل الرحال) قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ]. محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب الزمن ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: حدثني محمد بن جعفر ]. محمد بن جعفر الملقب غندر ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حمزة الضبي ]. حمزة الضبي ، وهو صدوق، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. ما جاء في تقليد الخيل بالأوتار شرح حديث ( لا يبقين في رقبة بعير قلادة إلا قطعت) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في تقليد الخيل بالأوتار. حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عباد بن تميم أن أبا بشير الأنصاري رضي الله عنه أخبره (أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولاً قال عبد الله بن أبي بكر : حسبت أنه قال: والناس في مبيتهم: لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر ولا قلادة إلا قطعت) قال مالك : أرى أن ذلك من أجل العين ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب تقليد الخيل بالأوتار. والأوتار: جمع وتر، وهي خيوط من جلد تكون فيه بالقسي، وقد أورد أبو داود هذا الحديث عن أبي بشير الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر ولا قلادة إلا قطعت). قال مالك : أرى أن ذلك من أجل العين. يعني: أنهم كانوا يفعلون ذلك من أجل دفع العين، أي أنهم كانوا يعلقون قلادة من وتر أو قلادة من أجل العين، وقيل: إن النهي عن ذلك لما فيه من مشقة عليها، ويكون ذلك سبباً في اختناقها عند الجري والركض، وقيل: إنه قد يكون ذلك أيضاً سبباً في كونه يعلق في الشجر، فيكون ذلك سبباً في هلاكها أو سبباً في حبسها فترة من الزمان دون أن ترعى، ودون أن تستفيد، فعلل هذا المنع بهذه العلل وبهذه الأسباب، وإذا كان هذا التعليق يترتب عليه مثل هذه المفاسد السيئة فهذا واضح أنه لا يجوز، ولكن العلماء ذكروا هذه التعليلات لهذا العمل الذي هو النهي عن التقليد وقطع القلائد لئلا يكون ذلك سبباً في هذه الأمور، فيصير النهي عامّاً يشمل الجميع. تراجم رجال إسناد حديث ( لا يبقين في رقبة بعير قلادة إلا قطعت) قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ]. عبد الله بن مسلمة و مالك مر ذكرهما، وعبد الله بن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عباد بن تميم ]. عباد بن تميم ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بشير الأنصاري ]. أبو بشير الأنصاري رضي الله عنه، وحديثه أخرجه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . يتبع
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
![]() حكم تعليق القلائد على الحيوانات وغيرها قوله: [ (فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولاً قال عبد الله بن أبي بكر : حسبت أنه قال: والناس في مبيتهم) ]. معناه: أن هذا الرسول كان يمشي عليهم وهم مستقرون بائتون ليسوا مسافرين. والتبويب في تقليد الخيل، والحديث ليس فيه ذكر الخيل، وإنما فيه ذكر الإبل، والتقليد المحذور يمكن أن يكون في الإبل أو في الخيل. ويدخل في ذلك ما يوضع في المرآة القدامية للسائق من بعض الأشياء لأجل العين، ويدعون أنه يجعل الإنسان العائن ينظر إليه، ويكون انشغاله به عن هذا المركوب؛ وهذا لا شك أنه اعتقاد سيئ لا يجوز. وأما بالنسبة للشرك فكما هو معلوم أنه إذا كان الإنسان يعتقد أن هذا الشيء ينفع ويضر، وأن النفع والضر منه فهذا يكون من الشرك الأكبر، وأما إذا كان لا يريد النفع منه، وإنما هو من الله عز وجل فهذا لا شك أنه من الشرك الأصغر. ما جاء في إكرام الخيل وارتباطها والمسح على أكفالها شرح حديث (ارتبطوا الخيل وامسحوا بنواصيها...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب إكرام الخيل وارتباطها والمسح على أكفالها. حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا هشام بن سعيد الطالقاني أخبرنا محمد بن المهاجر قال: حدثني عقيل بن شبيب عن أبي وهب الجشمي رضي الله عنه -وكانت له صحبة- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ارتبطوا الخيل، وامسحوا بنواصيها وأعجازها -أو قال: أكفالها- وقلدوها، ولا تقلدوها الأوتار) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب إكرام الخيل وارتباطها والمسح على أكفالها. يعني: كونها تربط وتعد وتهيأ لاستعمالها في الغزو والجهاد في سبيل الله، فيشرع للمرء أن يدخرها ويكرمها ويعتني بها، حتى إذا جاءت الحاجة إليها وهي تحت تصرفه يتمكن من الجهاد عليها. وإكرامها هو بالإحسان إليها وتغذيتها، وعدم إيصال الأذى إليها. والمسح على أكفالها يمكن أن يكون المقصود من ذلك تأنيسها، ويكون أيضاً لإزالة الغبار والتراب عنها أو الوسخ عنها، أو غير ذلك من الأسباب التي يمكن أن تكون مرادة من هذا الفعل الذي أرشدنا إليه النبي صلى الله عليه وسلم. أورد أبو داود حديث أبي وهب الجشمي رضي الله عنه. قوله: [ (ارتبطوا الخيل) ]. يعني: اربطوها لاتخاذها وتنشئتها والمحافظة عليها وتهيئتها للغزو عليها. قوله: [ (وامسحوا بنواصيها وأعجازها) ]. الناصية: مقدمة الرأس، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي جاء عن كثير من الصحابة: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة: الأجر والمغنم) وأعجازها: مؤخرها الذي هو كفلها. قوله: [ (أو قال: أكفالها، وقلدوها، ولا تقلدوها الأوتار) ]. تقليده، أي: اجعل له أقلاده ولا تقلده الأوتار التي كانوا يتخذونها في الجاهلية، بأوتار القسي، فهذا فيه إشارة إلى التقليد وأنه يسوغ تقليدها، ومعلوم أن القلادة إذا كان المقصود بها شيء له حاجة كالخطام أو اللجام الذي يمسك به الفرس فهذا ليس فيه إشكال، وحتى البعير كذلك، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يركب البعير وهو مخطوم، وكان يشده، وكان إذا وجد زحاماً أمسك الخطام، وإذا كان أرخى له الخطام يمشي، فالخطام لا بأس به، وأما القلادة التي تكون لغرض سيئ فلا تجوز، وأما إذا كانت لغرض محمود فلا بأس بها. وهذا الحديث فيه تعارض مع الحديث السابق، وذلك أن الأول فيه (ولا قلادة) وهنا قال: (قلدوها) فالحديث في إسناده عقيل بن شبيب ، والإسناد كله مر في حديثين قد مضيا، وضعف الحديث الواحد الذي جاء من طريقين بعقيل بن شبيب لأنه مجهول، وهنا جاء في هذا الإسناد، لكن الألباني حسَّن الحديث في صحيح سنن أبي داود، فلا أدري لعل ذلك بالشواهد وإلا فإن الإسناد هو نفس الإسناد الذي في الحديث السابق الذي مر بنا. وهنا مسألة: وضع سلاسل أو حبال للزينة لتجميل الإبل في أعناقها عادة منتشرة عندنا في البلد، فهل هذا يدخل في النهي؟ إذا كانت توضع في رقبتها فهي قلادة سواء كانت من حديد أو من صوف أو من أي شيء، لكن جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يقلد الهدي، وهذا مر بنا في الحج في تقليد الهدي، وأن عائشة كانت تفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك الإشعار، وهذا ليعرف أنه هدي، فإذا كان التقليد لغرض صحيح لا محذور فيه فإنه لا بأس به. ما جاء في تعليق الأجراس شرح حديث (لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس) قال المصنف رحمه الله تعالى [ باب في تعليق الأجراس. حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن عبيد الله عن نافع عن سالم عن أبي الجراح مولى أم حبيبة عن أم حبيبة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في تعليق الأجراس. أي: في الخيل أو الإبل أو غيرها، أي: أن ذلك لا يجوز، وذلك لأنه ورد في بعض الأحاديث أنها مزمار الشيطان، فهذا يدل على ذمه، وعلى أنه لا يجوز تعليقه في البهائم، وقد أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما. أود أبو داود حديث أم حبيبة رضي الله تعالى عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس) يعني: جماعة مع بعضهم، فإن الملائكة لا تصحبهم، بسبب ذلك الجرس الذي يكون في عنق دابة من دوابهم، وهذا يدل على تحريم ذلك، وأن ذلك من أسباب ابتعاد الملائكة، وعدم صحبة الملائكة لهؤلاء الرفقة، وذلك لهذا الذنب الذي اقترفه أحدهم، وهو يدل أيضاً على أن المصيبة وإن كانت خاصة فإنها تعم؛ لأن الذي علقه قد يكون واحداً منهم، ولكن هذا الحرمان من رفقة الملائكة يكون للجميع، وهذا يقتضي أن ينكر هذا الفعل ويمنع حتى تحصل الفائدة والمصلحة للجميع. يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (لا تصحب الملائكة رفقة فيهم جرس)، والمقصود بذلك ملائكة الرحمة، أما الملائكة الذين هم ملازمون للكتابة فهؤلاء لا يفارقون الإنسان، ولكن المقصود من ذلك ملائكة الرحمة الذين يكونون مع الناس يستغفرون لهم، ويدعون لهم، فهذا من أسباب ابتعاد الملائكة عنهم. وأما علة ذلك فقد سبق أن أشرت إلى أنه جاء في حديث من الأحاديث أنه مزمار الشيطان، وذلك أنها تشغل البال في هذا الأمر المحرم، وتشغل عن الأمر المشروع والأمر المستحب الذي هو ذكر الله عز وجل. تراجم رجال إسناد حديث (لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس) قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. يحيى بن سعيد القطان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله ]. عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له صحاب الكتب الستة. [ عن سالم ]. سالم بن عبد الله بن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الجراح مولى أم حبيبة ]. أبو الجراح قيل: اسمه الزبير ، مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن أم حبيبة ]. أم حبيبة رضي الله تعالى عنها، أم المؤمنين، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة، والحديث الذي بعده شاهد له، فالمعنى الموجود في هذا الحديث موجود في الحديث الذي بعده، وفيه زيادة الكلب. وقد قيل: إن منع تعليق الأجراس يدل على صاحبه برنينه وبصوته، وإن ذلك قد يشعر بوجود الجيش، ويدل على أن الجيش إذا كان فيهم جرس فإنهم يعرفون، ولكن الذي تقدم من جهة ورود الحديث في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مزمار الشيطان هو الأولى والأظهر بالتعليل. شرح حديث (لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب أو جرس) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب أو جرس) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة ، وهو مثل الذي قبله؛ وفيه زيادة الكلب، وأن الملائكة لا تصحب رفقة فيها كلب أو جرس. والكلب: المقصود به الذي هو ممنوع منه، وأما إذا كان مأذوناً فيه فإن ذلك لا يمنع، وأما إذا كان غير مأذون فيه فهذا هو المحذور، وقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن من اقتنى كلباً إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع نقص من أجره كل يوم قيراط) فهذا فيه دليل على عقوبة من يقتني الكلب لغير حاجة، فإن الملائكة ستبتعد عنه، وأيضاً كما جاء في الحديث الآخر أنه ينقص من أجره كل يوم قيراط. تراجم رجال إسناد حديث (لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب أو جرس) قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ]. أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا زهير ]. زهير بن معاوية ، ثقة، أخرج له صحاب الكتب الستة. [ حدثنا سهيل بن أبي صالح ]. سهيل بن أبي صالح ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وإخراج البخاري له مقرون. [ عن أبيه ]. أبو صالح وهو ذكوان السمان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. شرح حديث (الجرس مزمار الشيطان) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن رافع حدثنا أبو بكر بن أبي أويس قال: حدثني سليمان بن بلال عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الجرس: (مزمار الشيطان) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الجرس -يعني: في شأنه وفي أمره- إنه مزمار الشيطان، وهذا هو التعليل لمنعه وتحريم تعليقه للبهائم. تراجم رجال إسناد حديث (الجرس مزمار الشيطان) قوله: [ حدثنا محمد بن رافع ]. محمد بن رافع النيسابوري القشيري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا أبو بكر بن أبي أويس ]. وهو: عبد الحميد بن عبد الله الأصبحي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثني سليمان بن بلال ]. سليمان بن بلال ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن العلاء بن عبد الرحمن ]. العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي ، وهو صدوق ربما وهم، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم و أصحاب السنن. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة قد مر ذكره. ظاهرة انتشار الأجراس في البيوت والجوالات والساعات وغيرها ومما ينبه عليه: وجود الأجراس في البيوت، ويمكن أن تكون مما لا يظهر فيه الرنين، وهو الذي يسمونه الجلجل الذي هو الجرس، فإذا كان صوتاً عادياً، ليس فيه هذا الصوت المتميز الذي هو ممنوع فلا بأس، وينبغي للإنسان عندما يضع الجرس أن يعمل فيه شيئاً يغير هذه الدقات التي لها رنين، والذي يقال له الجلجل، فإذا فعل ذلك فإن الأمر في ذلك سهل إن شاء الله. كذلك منبه الساعة: فهناك أصوات ليست مثل صوت الجلجل الذي له رنين، فإذا حصل شيء من هذا فلا بأس به. كذلك الجوال فيه أصوات ليس فيها موسيقى، وفيه أصوات فيها موسيقى، والناس الآن يتخذون في الجوال أصواتاً موسيقية، بحيث إذا دق إذا هي موسيقى، فهذا لا يجوز، وأما إذا كان صوت منبه، وليس من قبيل الجرس الذي يقال له الجلجل الذي فيه الرنين المحذور، فمجرد الصوت لا يؤثر. الأسئلة حكم تعليق الجرس على عنق البهيمة لكي تجتمع حولها الأخريات السؤال: أهل الماشية يعلقون الجرس على عنق إحدى البهائم لكي تجتمع حولها البهائم حتى لا تضيع -خاصة في الليل- فما حكم هذا؟ الجواب: لا يجوز هذا أبداً ولو كان لهذا الغرض، فهو مزمار الشيطان. رجوع الناس إلى الخيل والبعير في آخر الزمان السؤال: هذه الأحاديث الواردة في فضل العناية بالخيل ذكرها الإمام أبو داود في كتاب الجهاد، فهل يدل هذا على أن الأمور سترجع إلى تلك الحال؟ الجواب: لا شك أنها سترجع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر فقال: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة). ثم أيضاً الأحاديث التي وردت في أخبار آخر الزمان أنهم يركبون على الخيول، فهذا وارد في أحاديث آخر الزمان في الصحيحين وفي غيرهما، فهذا يدل على بقاء الخيل وعلى الاستفادة منها في ذلك الوقت أو في تلك الأزمان، ولا ندري هل هذه الوسائل الموجودة ستستمر وتبقى أم أنها ستنتهي، والعلم عند الله عز وجل! ومعلوم أن هذه الوسائل تمشي على هذا الوقود وعلى هذا النفط الذي جعله الله سبباً في تحريكها والاستفادة منها، لكن لو أن هذه المادة ما وجدت؛ فلا يستفاد من هذه المركوبات شيئاً، فهذا الذي أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم لا بد وأن يقع، أما هذا النفط الموجود فهل سيبقى أم ينتهي؟ الله تعالى أعلم. لكن غالباً أنهم لا يذهبون إلى استعمال مثل هذه الوسائل مع وجود ما هو أمكن منها أو ما هو أشد منها، فيحتمل أن ذلك ينتهي، وأن الناس يعودون إلى تلك الوسائل التي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عنها، أعني: الجيش الذي أخبر أنه يكون في زمن الدجال قال: (إني أعرف عشرة بأسمائهم وأسماء آبائهم، وألوان خيولهم)، يقال لهم: إن الدجال خلفكم في أهليكم المرة الأولى فيكون كذباً، وفي المرة الثانية يكون صدقاً. حكم من أجاز العمل بالديمقراطية ودعا إلى الانتخابات السؤال: هل الخلاف في المسائل الحادثة من بعض الفرق التي تنتسب إلى السنة وتخالفهم في الأصول كالخروج على الحكام، ومسألة الديمقراطية وغيرها؛ هل هذه المخالفة لا توجب خروج هذه الطوائف عن منهج أهل السنة؟ الجواب: خروجهم عن منهج أهل السنة في هذه الناحية لا شك فيه وهو أمر مؤكد لا إشكال فيه، ولكن هل يكونون ليسوا من أهل السنة أصلاً بسبب هذا أم أنهم منهم في الأصل ولكنهم أخطئوا في هذه الناحية أو في هذه الجزئية المعينة، وهذا لا شك أنه من جملة عقائد أهل السنة، أعني تحريم الخروج على الولاة، حتى المؤلفات السابقة الصغيرة المختصرة فيها هذا الشيء، يقول الطحاوي : ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم وندعو لهم بالصلاح والمعافاة. يعني: فمنهج أهل السنة والجماعة أنهم لا يخرجون على الحكام، بل يدعون لهم ولا يدعون عليهم، وأما أهل البدع فإنهم يدعون عليهم ولا يدعون لهم، وغالباً أن الذين يخرجون يريدون أن يحلوا محلهم ويريدون أن يحصلوا هذا الذي حصل لغيرهم، فيكون الدافع لهم إلى ذلك إنما هو حب الرئاسة وحب الولاية وحب الدنيا. حكم إنشاء جماعة إسلامية وتنصيب رؤساء وأمراء لها السؤال: ما حكم إنشاء جماعة إسلامية ينصب له رئيس وأمراء في كل منطقة؟ وما حكم الانتماء إلى هذه الجماعات؟ الجواب: إذا لم تكن بيدهم سلطة يكون من العبث، اللهم إلا أن يكون المقصود أنهم يكونون مرجعاً للمسلمين في البلاد التي يحكمها كفار، فالأقليات الإسلامية تكون بحاجة إلى مرجع يرجعون إليه، فمثل ذلك إذا اجتمعوا وصار لهم مرجع يرجعون إليه لا بأس به، ولكنه كما هو معلوم لا يقال له: وال أو حاكم؛ لأن الحكم يكون للذي يستطيع التنفيذ، ولكن هؤلاء يعتبرون مرجعاً يرجع إليهم في الأمور التي يحتاجون إليها، يعني لحل مشاكلهم، ولإصلاح أحوالهم، ولطلب الأشياء التي يحتاج إلى طلبها، ولدفع الأذى عنهم.. وما إلى ذلك، أما أن تكون هناك ولاية تحت ولاية فهذه لا تكون وإنما الولاية فيمن من ولاه الله عز وجل سواء كان كافراً أو مسلماً، وسواء كان جائراً أو عادلاً، هذا هو الذي بيده التصرف ويسمع ويطاع في المعروف كما هو معلوم، ولكن مثل هذه الجماعة إذا كان المقصود منها كون المسلمين يرجعون إليهم، ويرتبطون بهم من ناحية حل المشاكل، وإصلاح ذات البين أو السعي لهم لتحصيل هذا فلا بأس به."
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 0 والزوار 4) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |