تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله - الصفحة 53 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الظلم الصامت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          من أدب المؤمن عند فوات النعمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          عن شبابه فيما أبلاه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          بلقيس والهدهد وسليمان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          غزة تتضور جوعا.. قصة أقسى حصار وتجويع في التاريخ الحديث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          لا تغفل عن الدعاء لإخوانك المنكوبين في غزة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          أنتم يومئذ كثير؛ ولكنكم غثاء كغثاء السيل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          موازينٌ مقلوبة! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          الدعاء على اليهود ومن عاونهم على حبس المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          اشتدي أزمة تنفرجي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-08-2020, 04:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,680
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (522)
تفسير السعدى
سورة الزخرف
من الأية(81)
الى الأية(89)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الزخرف
{ قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ } 81 { سُبْحَانَ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ } 82 { فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ }83


أي: قل يا أيها الرسول الكريم، للذين جعلوا للّه ولداً، وهو الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً، ولم يكن له كفواً أحد.
{ قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ } لذلك الولد، لأنه جزء من والده، وأنا أول الخلق انقياداً للأمور المحبوبة للّه، ولكني أوّل المنكرين لذلك، وأشدهم له نفياً، فعلم بذلك بطلانه، فهذا احتجاج عظيم عند مَنْ عرف أحوال الرسل، وأنه إذا علم أنهم أكمل الخلق، وأن كل خير فهم أوّل الناس سبقاً إليه، وتكميلاً له، وكل شر فهم أوّل الناس تركاً له وإنكاراً له وبعداً منه، فلو كان على هذا للرحمن ولد وهو الحق، لكان محمد بن عبد اللّه، أفضل الرسل أول مَنْ عبده، ولم يسبقه إليه المشركون.
ويحتمل أن معنى الآية: لو كان للرحمن ولد، فأنا أوّل العابدين للّه، ومن عبادتي للّه، إثبات ما أثبته، ونفي ما نفاه، فهذا من العبادة القولية الاعتقادية، ويلزم من هذا، لو كان حقاً، لكنت أوّل مثبت له، فعلم بذلك بطلان دعوى المشركين وفسادها، عقلاً ونقلاً.
{ سُبْحَانَ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ } من الشريك والظهير، والعوين، والولد، وغير ذلك، مما نسبه إليه المشركون.
{ فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ } أي: يخوضوا بالباطل، ويلعبوا بالمحال، فعلومهم ضارة غير نافعة، وهي الخوض والبحث بالعلوم التي يعارضون بها الحق وما جاءت به الرسل، وأعمالهم لعب وسفاهة، لا تزكي النفوس، ولا تثمر المعارف.
ولهذا توعدهم بما أمامهم من يوم القيامة فقال: { حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ } فسيعلمون فيه ماذا حصّلوا، وما حَصَلوا عليه من الشقاء الدائم، والعذاب المستمر.
{ وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمآءِ إِلَـٰهٌ وَفِي ٱلأَرْضِ إِلَـٰهٌ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ } 84 { وَتَبَارَكَ ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } 85 { وَلاَ يَمْلِكُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَن شَهِدَ بِٱلْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } 86 { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } 88 { وَقِيلِهِ يٰرَبِّ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ } 87 { فَٱصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ }89


يخبر تعالى، أنه وحده المألوه المعبود في السماوات والأرض فأهل السماوات كلهم، والمؤمنون من أهل الأرض، يعبدونه، ويعظمونه، ويخضعون لجلاله، ويفتقرون لكماله.
{ تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ }
[الإسراء: 44]{ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً } [الرعد: 15].
فهو تعالى المألوه المعبود، الذي يألهه الخلائق كلهم، طائعين مختارين، وكارهين.
وهذه كقوله تعالى:
{ وَهُوَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَفِي ٱلأَرْضِ } [الأنعام: 3] أي: ألوهيته ومحبته فيهما.
وأما هو فهو فوق عرشه، بائن من خلقه، متوحد بجلاله، متمجد بكماله، { وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ } الذي أحكم ما خلقه، وأتقن ما شرعه، فما خلق شيئاً إلا لحكمة، ولا شرع شيئاً إلا لحكمة، وحكمه القدري والشرعي والجزائي مشتمل على الحكمة.
{ ٱلْعَلِيمُ } بكل شيء، يعلم السر وأخفى، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في العالم العلوي والسفلي، ولا أصغر منها ولا أكبر.
{ وَتَبَارَكَ ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا } تبارك بمعنى تعالى وتعاظم، وكثر خيره، واتسعت صفاته، وعظم ملكه.
ولهذا ذكر سعة ملكه للسموات والأرض وما بينهما، وسعة علمه، وأنه بكل شيء عليم، حتى إنه تعالى، انفرد بعلم كثيرٍ من الغيوب، التي لم يطّلع عليها أحدٌ من الخلق، لا نبي مرسل، ولا ملك مقرّب، ولهذا قال: { وَعِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } قدم الظرف، ليفيد الحصر، أي: لا يعلم متى تجيء الساعة إلاّ هو، ومن تمام ملكه وسعته، أنه مالك الدنيا والآخرة، ولهذا قال: { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } أي: في الآخرة فيحكم بينكم بحكمه العدل، ومن تمام ملكه، أنه لا يملك أحد من خلقه من الأمر شيئاً، ولا يقدم على الشفاعة عنده أحد إلاّ بإذنه.
{ وَلاَ يَمْلِكُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلشَّفَاعَةَ } أي: كل مَنْ دُعي من دون اللّه، من الأنبياء والملائكة وغيرهم، لا يملكون الشفاعة، ولا يشفعون إلا بإذن اللّه، ولا يشفعون إلاّ لمن ارتضى، ولهذا قال: { إِلاَّ مَن شَهِدَ بِٱلْحَقِّ } أي: نطق بلسانه، مقراً بقلبه، عالماً بما شهد به، ويشترط أن تكون شهادته بالحق، وهو الشهادة للّه تعالى بالوحدانية، ولرسله بالنبوة والرسالة، وصحة ما جاؤوا به، من أصول الدين وفروعه، وحقائقه وشرائعه، فهؤلاء الذين تنفع فيهم شفاعة الشافعين، وهؤلاء الناجون من عذاب اللّه، الحائزون لثوابه.
ثم قال تعالى: { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } أي: ولئن سألت المشركين عن توحيد الربوبية، ومن هو الخالق، لأقروا أنه اللّه وحده لا شريك له.
{ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } أي: فكيف يصرفون عن عبادة اللّه والإخلاص له وحده؟! فإقرارهم بتوحيد الربوبية، يلزمهم به الإقرار بتوحيد الألوهية، وهو من أكبر الأدلة على بطلان الشرك.
{ وَقِيلِهِ يٰرَبِّ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ } هذا معطوف على قوله: { وَعِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } أي: وعنده علم قيله، أي: الرسول صلى اللّه عليه وسلم، شاكياً لربه تكذيب قومه، متحزناً على ذلك، متحسراً على عدم إيمانهم، فاللّه تعالى عالم بهذه الحال، قادر على معاجلتهم بالعقوبة، ولكنه تعالى حليم، يمهل العباد ويستأني بهم، لعلهم يتوبون ويرجعون، ولهذا قال: { فَٱصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ } أي: اصفح عنهم ما يأتيك من أذيتهم القولية والفعلية، واعف عنهم، ولا يبدر منك لهم إلاّ السلام الذي يُقَابِلُ به أولو الألباب والبصائر الجاهلين، كما قال تعالى عن عباده الصالحين:

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 08-08-2020, 04:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,680
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (523)
تفسير السعدى
سورة الدخان
من الأية(1)
الى الأية(16)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الدخان


{ حـمۤ } 1 { وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } 2 { إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } 4 { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } 3 { أَمْراً مِّنْ عِنْدِنَآ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } 5 { رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } 6 { رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ } 7 { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } 9 { بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ } 8 { فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ } 10 { يَغْشَى ٱلنَّاسَ هَـٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } 11 { رَّبَّنَا ٱكْشِفْ عَنَّا ٱلْعَذَابَ إِنَّا مْؤْمِنُونَ }13 { أَنَّىٰ لَهُمُ ٱلذِّكْرَىٰ وَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ } 12 { ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ وَقَالُواْ مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ } 14 { إِنَّا كَاشِفُواْ ٱلْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ } 15 { يَوْمَ نَبْطِشُ ٱلْبَطْشَةَ ٱلْكُبْرَىٰ إِنَّا مُنتَقِمُونَ }16


هذا قسم بالقرآن على القرآن، فأقسم بالكتاب المبين لكل ما يحتاج إلى بيانه، أنه أنزله { فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ } أي: كثيرة الخير والبركة، وهي ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر، فأنزل أفضل الكلام بأفضل الليالي والأيام على أفضل الأنام، بلغة العرب الكرام، لينذر به قوماً عمتهم الجهالة، وغلبت عليهم الشقاوة، فيستضيئوا بنوره، ويقتبسوا من هداه، ويسيروا وراءه، فيحصل لهم الخير الدنيوي، والخير الأخروي، ولهذا قال: { إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا } أي: في تلك الليل الفاضلة التي نزل فيها القرآن { يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } أي: يفصل ويميز ويكتب كل أمر قدري وشرعي حكم الله به، وهذه الكتابة والفرقان، الذي يكون في ليلة القدر، أحد الكتابات التي تكتب وتميز، فتطابق الكتاب الأول، الذي كتب الله به، مقادير الخلائق وآجالهم وأرزاقهم وأعمالهم وأحوالهم، ثم إن الله تعالى قد وكل ملائكة تكتب ما سيجري على العبد وهو في بطن أمه، ثم وكلهم بعد وجوده إلى الدنيا، وكَّل به كراماً كاتبين، يكتبون ويحفظون عليه أعماله، ثم إنه تعالى يقدر في ليلة القدر ما يكون في السنة، وكل هذا من تمام علمه، وكمال حكمته، وإتقان حفظه، واعتنائه تعالى بخلقه { أَمْراً مِّنْ عِنْدِنَآ } أي: هذا الأمر الحكيم أمر صادر من عندنا، { إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } للرسل، ومنزلين للكتب، والرسل تبلغ أوامر المرسل، وتخبر بأقداره، { رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } أي: إن إرسال الرسل وإنزال الكتب، التي أفضلها القرآن، رحمة من رب العباد بالعباد، فما رحم الله عباده برحمة أجل من هدايتهم بالكتب والرسل، وكل خير ينالونه في الدنيا والآخرة، فإنه من أجل ذلك وسببه، { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } أي: يسمع جميع الأصوات، ويعلم جميع الأمور الظاهرة والباطنة، وقد علم تعالى ضرورة العباد إلى رسله وكتبه، فرحمهم بذلك، ومن عليهم، فله تعالى الحمد والمنة والإحسان. { رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ } أي: خالق ذلك ومدبره، والمتصرف فيه بما شاء.
{ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ } أي: عالمين بذلك علماً مفيداً لليقين، فاعلموا أن الرب للمخلوقات هو إلهها الحق، ولهذا قال: { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } أي: لا معبود إلا وجهه، { يُحْيِـي وَيُمِيتُ } أي: هو المتصرف وحده بالإحياء والإماتة، وسيجمعكم بعد موتكم فيجزيكم بعملكم إن خيراً فخير وإن شراً فشر، { رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } أي: رب الأولين والآخرين، مربيهم بالنعم، الدافع عنهم النقم. فلما قرر تعالى ربوبيته وألوهيته بما يوجب العلم التام، ويدفع الشك، أخبر أن الكافرين مع هذا البيان { فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ } أي: منغمرون في الشكوك والشبهات، غافلون عما خلقوا له، قد اشتغلوا باللعب الباطل، الذي لا يجدي عليهم إلا الضرر. { فَٱرْتَقِبْ } أي: انتظر فيهم العذاب، فإنه قد قرب وآن أوانه، { يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ * يَغْشَى ٱلنَّاسَ } أي: يعمهم ذلك الدخان ويقال لهم: { هَـٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ }.

واختلف المفسرون في المراد بهذا الدخان، فقيل: إنه الدخان الذي يغشى الناس ويعمهم حين تقرب النار من المجرمين في يوم القيامة، وأن الله توعدهم بعذاب يوم القيامة، وأمر نبيه أن ينتظر بهم ذلك اليوم.
ويؤيد هذا المعنى أن هذه الطريقة هي طريقة القرآن في توعد الكفار والتأني بهم وترهيبهم بذلك اليوم وعذابه، وتسلية الرسول والمؤمنين بالانتظار بمن آذاهم، ويؤيده أيضاً، أنه قال في هذه الآية: { أَنَّىٰ لَهُمُ ٱلذِّكْرَىٰ وَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ } وهذا يقال يوم القيامة للكفار، حين يطلبون الرجوع إلى الدنيا، فيقال: قد ذهب وقت الرجوع.
وقيل: إن المراد بذلك، ما أصاب كفار قريش حين امتنعوا من الإيمان، واستكبروا على الحق، فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:
" اللهم أعني عليهم بسنين كسني يوسف " فأرسل الله عليهم الجوع العظيم، حتى أكلوا الميتات والعظام، وصاروا يرون الذي بين السماء والأرض كهيئة الدخان، وليس به، وذلك من شدة الجوع.
فيكون - على هذا - قوله: { يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ } أن ذلك بالنسبة إلى أبصارهم وما يشاهدون، وليس بدخان حقيقة. ولم يزالوا بهذه الحالة حتى استرحموا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسألوه أن يدعو الله لهم، أن يكشفه الله عنهم، فدعا ربه، فكشفه الله عنهم، وعلى هذا فيكون قوله: { إِنَّا كَاشِفُواْ ٱلْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ } إخبار بأن الله سيصرفه عنكم وتوعُّدٌ لهم أن يعودوا إلى الاستكبار والتكذيب، وإخبار بوقوعه فوقع، وأن الله سيعاقبهم بالبطشة الكبرى، قالوا: وهي وقعة " بدر " وفي هذا القول نظر ظاهر.
وقيل: إن المراد بذلك، أن ذلك من أشراط الساعة، وأنه يكون في آخر الزمان دخان يأخذ بأنفاس الناس، ويصيب المؤمنين منهم كهيئة الدخان، والقول هو الأول، وفي الآية احتمال أن المراد بقوله: { فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ * يَغْشَى ٱلنَّاسَ هَـٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * رَّبَّنَا ٱكْشِفْ عَنَّا ٱلْعَذَابَ إِنَّا مْؤْمِنُونَ * أَنَّىٰ لَهُمُ ٱلذِّكْرَىٰ وَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ * ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ وَقَالُواْ مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ } أن هذا كله يكون يوم القيامة، وأن قوله تعالى { إِنَّا كَاشِفُواْ ٱلْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ * يَوْمَ نَبْطِشُ ٱلْبَطْشَةَ ٱلْكُبْرَىٰ إِنَّا مُنتَقِمُونَ } أن هذا ما وقع لقريش كما تقدم.
وإذا نزلت هذه الآيات على هذين المعنيين، لم تجد في اللفظ ما يمنع من ذلك.
بل تجدها مطابقة لهما أتم المطابقة، وهذا الذي يظهر عندي ويترجح، والله أعلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 08-08-2020, 04:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,680
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (524)
تفسير السعدى
سورة الدخان
من الأية(17)
الى الأية(33)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الدخان

{ وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ } 17 { أَنْ أَدُّوۤاْ إِلَيَّ عِبَادَ ٱللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } 18 { وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِنِّيۤ آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } 19 { وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ } 20 { وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِي فَٱعْتَزِلُونِ } 21 { فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ } 22 { فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ } 23 { وَٱتْرُكِ ٱلْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ } 24 { كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } 25 { وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } 26 { وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فِيهَا فَاكِهِينَ } 27 { كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَ ا قَوْماً آخَرِينَ } 28 { فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ } 29 { وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مِنَ ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ } 30 { مِن فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِّنَ ٱلْمُسْرِفِينَ } 31 { وَلَقَدِ ٱخْتَرْنَاهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } 32 { وَآتَيْنَاهُم مِّنَ ٱلآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاَءٌ مُّبِينٌ }33


{ وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ } إلى آخر القصة لما ذكر تعالى تكذيب من كذب الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم، ذكر أن لهم سلفاً من المكذبين، فذكر قصتهم مع موسى، وما أحل الله بهم، ليرتدع هؤلاء المكذبون عن ما هم عليه فقال: { وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ } أي: ابتليناهم واختبرناهم بإرسال رسولنا موسى بن عمران إليهم، الرسول الكريم، الذي فيه من الكرم ومكارم الأخلاق ما ليس في غيره، { أَنْ أَدُّوۤاْ إِلَيَّ عِبَادَ ٱللَّهِ } أي: قال لفرعون وملئه: أدوا إليَّ عباد الله، يعني بهم: بني إسرائيل، أي: أرسلوهم، وأطلقوهم من عذابكم وسومكم إياهم سوء العذاب، فإنهم عشيرتي وأفضل العالمين في زمانهم.
وأنتم قد ظلمتموهم، واستعبدتموهم بغير حق، فأرسلوهم ليعبدوا ربهم، { إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } أي: رسول من رب العالمين، أمين على ما أرسلني به، لا أكتمكم منه شيئاً، ولا أزيد فيه ولا أنقص، وهذا يوجب تمام الانقياد له.
{ وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى ٱللَّهِ } بالاستكبار عن عبادته والعلو على عباد الله، { إِنِّيۤ آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } أي: بحجة بينة ظاهرة، وهو ما أتى به من المعجزات الباهرات، والأدلة القاهرات، فكذبوه وهموا بقتله، فلجأ بالله من شرهم، فقال: { وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ } أي: تقتلوني أشر القتلات، بالرجم بالحجارة.
{ وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِي فَٱعْتَزِلُونِ } أي: لكم ثلاث مراتب: الإيمان بي، وهو مقصودي منكم، فإن لم تحصل منكم هذه المرتبة، فاعتزلوني لا عليَّ ولا لي، فاكفوني شركم، فلم تحصل منهم المرتبة الأولى ولا الثانية، بل لم يزالوا متمردين عاتين على الله، محاربين لنبيه موسى عليه السلام، غير ممكنين له من قومه بني إسرائيل.
{ فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ } أي: قد أجرموا جرماً، يوجب تعجيل العقوبة.
فأخبر عليه السلام بحالهم، وهذا دعاء بالحال، التي هي أبلغ من المقال، كما قال عن نفسه عليه السلام
{ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } [القصص: 24] فأمره الله أن يسري بعباده ليلاً، وأخبره أن فرعون وقومه سيتبعونه، { وَٱتْرُكِ ٱلْبَحْرَ رَهْواً } أي: بحاله وذلك أنه لما سرى موسى ببني إسرائيل كما أمره الله، ثم تبعهم فرعون، فأمر الله موسى أن يضرب البحر، فضربه فصار اثنى عشر طريقاً، وصار الماء من بين تلك الطرق كالجبال العظيمة، فسلكه موسى وقومه. فلما خرجوا منه، أمره الله أن يتركه رهواً، أي: بحاله ليسلكه فرعون وجنوده { إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ } فلما تكامل قوم موسى خارجين منه، وقوم فرعون داخلين فيه، أمره الله تعالى أن يلتطم عليهم، فغرقوا عن آخرهم، وتركوا ما متعوا به من الحياة الدنيا، وأورثه الله بني إسرائيل، الذين كانوا مستعبدين لهم، ولهذا قال: { كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَ ا } أي: هذه النعمة المذكورة { قَوْماً آخَرِينَ } وفي الآية الأخرى:
{ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَ ا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } [الشعراء: 59].
{ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ } أي: لما أتلفهم الله وأهلكهم، لم تبك عليهم السماء والأرض، أي: لم يُحزن عليهم، ولم يُؤْسَ على فراقهم، بل كل استبشر بهلاكهم وتلفهم، حتى السماء والأرض، لأنهم ما خلفوا من آثارهم إلا ما يسود وجوههم، ويوجب عليهم اللعنة والمقت من العالمين.
{ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ } أي: ممهلين عن العقوبة، بل اصطلمتهم في الحال ثم امتنَّ تعالى على بني إسرائيل، فقال { وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مِنَ ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ } الذي كانوا فيه { مِن فِرْعَوْنَ } إذ يذبِّح أبناءهم، ويستحيي نساءهم.
{ إِنَّهُ كَانَ عَالِياً } أي مستكبراً في الأرض بغير الحق، { مِّنَ ٱلْمُسْرِفِينَ } المتجاوزين لحدود الله، المتجرئين على محارمه.
{ وَلَقَدِ ٱخْتَرْنَاهُمْ } أي: اصطفيناهم وانتقيناهم { عَلَىٰ عِلْمٍ } منا بهم، وباستحقاقهم لذلك الفضل { عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } أي: عالمي زمانهم ومن قبلهم وبعدهم حتى أتى الله بأمة محمد صلى الله عليه وسلم، فَفَضَلوا العالمين كلهم، وجَعَلَهم الله خير أمة أخرجت للناس، وامتنّ عليهم بما لم يمتن به على غيرهم.
{ وَآتَيْنَاهُم } أي: بني إسرائيل { مِّنَ ٱلآيَاتِ } الباهرة، والمعجزات الظاهرة، { مَا فِيهِ بَلاَءٌ مُّبِينٌ } أي: إحسان كثير، ظاهر منا عليهم، وحجة عليهم، على صحة ما جاءهم به نبيهم موسى عليه السلام.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 08-08-2020, 04:26 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,680
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (525)
تفسير السعدى
سورة الدخان
من الأية(34)
الى الأية(42)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الدخان

{ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَيَقُولُونَ } 34 { إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا ٱلأُوْلَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ } 35 { فَأْتُواْ بِآبَآئِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } 36 { أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ }37


يخبر تعالى { إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ } المكذبين يقولون مستبعدين للبعث والنشور: { إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا ٱلأُوْلَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ } أي: ما هي إلا الحياة الدنيا، فلا بعث ولا نشور، ولا جنة ولا نار.
ثم قالوا - متجرئين على ربهم، معجزين له -: { فَأْتُواْ بِآبَآئِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } وهذا من اقتراح الجهلة المعاندين في مكان سحيق، فأي ملازمة بين صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه متوقف على الإتيان بآبائهم؟ فإن الآيات قد قامت على صدق ما جاءهم به، وتواترت تواتراً عظيماً من كل وجه.
قال تعالى: { أَهُمْ خَيْرٌ } أي: هؤلاء المخاطبون { أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ } فإنهم ليسوا خيراً منهم، وقد اشتركوا في الإجرام، فليتوقعوا من الهلاك ما أصاب إخوانهم المجرمين.

{ وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَـٰعِبِينَ } 38 { مَا خَلَقْنَاهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } 39 { إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ } 40 { يَوْمَ لاَ يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } 41 { إِلاَّ مَن رَّحِمَ ٱللَّهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }42


يخبر تعالى، عن كمال قدرته، وتمام حكمته، وأنه ما خلق السماوات والأرض لعباً ولا لهواً أو سدى من غير فائدة، وأنه ما خلقهما إلا بالحق، أي: نفس خلقهما بالحق، وخلقهما مشتمل على الحق، وأنه أوجدهما ليعبدوه وحده لا شريك له، وليأمر العباد وينهاهم ويثيبهم ويعاقبهم، { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } فلذلك لم يتفكروا في خلق السماوات والأرض.
{ إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ } وهو يوم القيامة الذي يفصل الله به بين الأولين والآخرين، وبين كل مختلفين { مِيقَاتُهُمْ } أي: الخلائق { أَجْمَعِينَ }.
كلهم سيجمعهم الله فيه، ويحضرهم ويحضر أعمالهم، ويكون الجزاء عليها ولا ينفع مولى عن مولى شيئاً لا قريب عن قريبه، ولا صديق عن صديقه، { وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } أي: يمنعون من عذاب الله عز وجل، لأن أحداً من الخلق لا يملك من الأمر شيئاً.
{ إِلاَّ مَن رَّحِمَ ٱللَّهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } فإنه هو الذي ينتفع ويرتفع برحمة الله تعالى، التي تسبب إليها، وسعى لها سعيها في الدنيا. ثم قال تعالى: { إِنَّ شَجَرَتَ... }.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 08-08-2020, 04:26 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,680
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (526)
تفسير السعدى
سورة الدخان
من الأية(43)
الى الأية(59)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الدخان
{ إِنَّ شَجَرَتَ ٱلزَّقُّومِ } 43 { طَعَامُ ٱلأَثِيمِ } 44 { كَٱلْمُهْلِ يَغْلِي فِي ٱلْبُطُونِ } 45 { كَغَلْيِ ٱلْحَمِيمِ } 46 { خُذُوهُ فَٱعْتِلُوهُ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ } 47 { ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ ٱلْحَمِيمِ } 48 { ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ } 49 { إِنَّ هَـٰذَا مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ }50


لما ذكر يوم القيامة، وأنه يفصل بين عباده فيه، ذكر افتراقهم إلى فريقين: فريق في الجنة، وفريق في السعير، وهم: الآثمون بعمل الكفر والمعاصي، وأن طعامهم { شَجَرَتَ ٱلزَّقُّومِ } شر الأشجار وأفظعها، وأن طعامها { كَٱلْمُهْلِ } أي: كالصديد المنتن، خبيث الريح والطعم، شديد الحرارة، يغلي في بطونهم { كَغَلْيِ ٱلْحَمِيمِ } ويقال للمعذَّب: { ذُقْ } هذا العذاب الأليم، والعقاب الوخيم، { إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ } أي: بزعمك أنك عزيز، ستمتنع من عذاب الله، وأنك كريم على الله لا يصيبك بعذاب، فاليوم تبين لك أنك أنت الذليل المهان الخسيس، { إِنَّ هَـٰذَا } العذاب العظيم { مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ } أي: تشكون، فالآن صار عندكم حق اليقين.
{ إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ } 51 { فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } 52{ يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ } 53 { كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ } 54 { يَدْعُونَ فِيهَا بِكلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ } 55 { لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلْمَوْتَ إِلاَّ ٱلْمَوْتَةَ ٱلأُولَىٰ وَوَقَاهُمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } 56 { فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } 57 { فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } 58 { فَٱرْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ }59


هذا جزاء المتقين لله الذين اتقوا سخطه وعذابه، بتركهم المعاصي، وفعلهم الطاعات، فلما انتفى السخط عنهم والعذاب، ثبت لهم الرضا من الله، والثواب العظيم، في ظل ظليل، من كثرة الأشجار والفواكه، وعيون سارحةٍ، تجري من تحتهم الأنهار، يفجرونها تفجيراً في جنات النعيم.
فأضاف الجنات إلى النعيم، لأن كل ما اشتملت عليه كله نعيم وسرور، كامل من كل وجه، ما فيه منغص ولا مكدر بوجه من الوجوه.
ولباسهم من الحرير الأخضر من السندس والإستبرق، أي: غليظ الحرير ورقيقه، مما تشتهيه أنفسهم، { مُّتَقَابِلِينَ } في قلوبهم ووجوههم في كمال الراحة، والطمأنينة، والمحبة، والعشرة الحسنة، والآداب المستحسنة.
{ كَذَلِكَ } النعيم التام والسرور الكامل { وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ } أي: نساء جميلات، من جمالهن وحسنهن أنه يحار الطرف في حسنهن، وينبهر العقل بجمالهن، وينخلب اللب لكمالهن، { عِينٍ } أي: ضخام الأعين حسانها.
{ يَدْعُونَ فِيهَا } أي: الجنة { بِكلِّ فَاكِهَةٍ } مما له اسم في الدنيا، ومما لا يوجد له اسم، ولا نظير في الدنيا، فمهما طلبوه من أنواع الفاكهة وأجناسها، أحضر لهم في الحال، من غير تعب ولا كلفة، { آمِنِينَ } من انقطاع ذلك، وآمنين من مضرته، وآمنين من كل مكدر، وآمنين من الخروج منها والموت، ولهذا قال: { لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلْمَوْتَ إِلاَّ ٱلْمَوْتَةَ ٱلأُولَىٰ } أي: ليس فيها موت بالكلية، ولو كان فيها موت يستثنى، لم يستثن الموتة الأولى، التي هي الموتة في الدنيا، فتم لهم كل محبوب مطلوب، { وَوَقَاهُمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ * فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ } أي: حصول النعيم واندفاع العذاب عنهم، من فضل الله عليهم وكرمه، فإنه تعالى هو الذي وفقهم للأعمال الصالحة، التي بها نالوا خير الآخرة، وأعطاهم أيضاً ما لم تبلغه أعمالهم، { ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } وأي فوز أعظم من نيل رضوان الله وجنته، والسلامة من عذابه وسخطه؟ { فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ } أي: القرآن { بِلِسَانِكَ } أي: سهلناه بلسانك الذي هو أفصح الألسنة على الإطلاق وأجلها، فتيسر به لفظه، وتيسر معناه.
{ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } ما فيه نفعهم فيفعلونه، وما فيه ضررهم فيتركونه.
{ فَٱرْتَقِبْ } أي: انتظر ما وعدك ربك من الخير والنصر، { إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ } ما يحل بهم من العذاب، وفرق بين الارتقابين: رسول الله وأتباعه يرتقبون الخير في الدينا والآخرة، وضدهم يرتقبون الشر في الدنيا والآخرة.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 08-08-2020, 04:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,680
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (527)
تفسير السعدى
سورة الجاثية
من الأية(1)
الى الأية(11)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الجاثية

{
حـمۤ } 1 { تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } 2 { إِنَّ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لأيَٰتٍ لِّلْمُؤْمِنِين َ } 3 { وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ ءَايَٰتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } 4 { وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَآ أَنَزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَّن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ ءَايَٰتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }5 { تِلْكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ ٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِ يُؤْمِنُونَ } 6 { وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } 7 { يَسْمَعُ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } 8 { وَإِذَا عَلِمَ مِنْ ءَايَٰتِنَا شَيْئاً ٱتَّخَذَهَا هُزُواً أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } 9 { مِّن وَرَآئِهِمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُواْ شَيْئاً وَلاَ مَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } 10 { هَـٰذَا هُدًى وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَٰتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ }11


يخبر تعالى خبراً يتضمن الأمر بتعظيم القرآن والاعتناء به، وأنه { تَنزِيلُ } { مِنَ ٱللَّهِ } المألوه المعبود، لما اتصف به من صفات الكمال، وانفرد به من النعم، الذي له العزة الكاملة والحكمة التامة، ثم أيد ذلك بما ذكره من الآيات الأفقية والنفسية، من خلق السماوات والأرض، وما بث فيهما من الدواب، وما أودع فيهما من المنافع، وما أنزل الله من الماء، الذي يحيي به الله البلاد والعباد. فهذه كلها آيات بينات، وأدلة واضحات، على صدق هذا القرآن العظيم، وصحة ما اشتمل عليه من الحكم والأحكام، ودالات أيضاً على ما لله تعالى من الكمال، وعلى البعث والنشور.
ثم قسم تعالى الناس، بالنسبة إلى الانتفاع بآياته وعدمه، إلى قسمين: قسم يستدلون بها، ويتفكرون بها، وينتفعون فيرتفعون، وهم المؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، إيماناً تاماً، وصل بهم إلى درجة اليقين، فزكى منهم العقول، وازدادت به معارفهم وألبابهم وعلومهم.
وقسم يسمع آيات الله سماعاً تقوم به الحجة عليهم، ثم يعرض عنها ويستكبر، كأنه ما سمعها، لأنها لم تزك قلبه، ولا طهَّرته، بل بسبب استكباره عنها ازداد طغيانه.
وأنه إذا علم من آيات الله شيئاً اتخذها هزواً، فتوعده الله تعالى بالويل فقال: { وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } أي: كذاب في مقاله، أثيم في فعاله.
وأخبر أنّ له عذاباً أليماً، وأن { مِّن وَرَآئِهِمْ جَهَنَّمُ } تكفي في عقوبتهم البليغة. وأنه { وَلاَ يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُواْ } من الأموال { وَلاَ مَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ } يستنصرون بهم فخذلوهم، أحوج ما كانوا إليهم لو نفعوا. فلما بيَّن آياته القرآنية والعيانية، وأن الناس فيها على قسمين، أخبر أن القرآن المشتمل على هذه المطالب العالية، أنه هدى، فقال: { هَـٰذَا هُدًى } وهذا وصف عام لجميع القرآن، فإنه يهدي إلى معرفة الله تعالى، بصفاته المقدسة، وأفعاله الحميدة، ويهدي إلى معرفة رسله، وأوليائه وأعدائه، وأوصافهم، ويهدي إلى الأعمال الصالحة ويدعو إليها، ويبين الأعمال السيئة وينهى عنها، ويهدي إلى بيان الجزاء على الأعمال، ويبين الجزاء الدنيوي والأخروي، فالمهتدون اهتدوا به، فأفلحوا وسعدوا، { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَٰتِ رَبِّهِمْ } الواضحة القاطعة، التي لا يكفر بها إلا من اشتد ظلمه، وتضاعف طغيانه، { لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ }.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 08-08-2020, 04:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,680
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (528)
تفسير السعدى
سورة الجاثية
من الأية(12)
الى الأية(17)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الجاثية
{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ ٱلْبَحْرَ لِتَجْرِيَ ٱلْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } 12 { وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لأيَٰتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }13


يخبر تعالى بفضله على عباده وإحسانه إليهم، بتسخير البحر لسير المراكب والسفن بأمره وتيسيره، { وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } بأنواع التجارات والمكاسب، { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } الله تعالى، فإنكم إذا شكرتموه، زادكم من نعمه وأثابكم على شكركم أجراً جزيلاً.
{ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ } أي: من فضله وإحسانه، وهذا شامل لأجرام السماوات والأرض، ولما أودع الله فيهما، من الشمس والقمر، والكواكب، والثوابت، والسيارات، وأنواع الحيوانات، وأصناف الأشجار والثمرات، وأجناس المعادن، وغير ذلك مما هو معدٌّ لمصالح بني آدم، ومصالح ما هو من ضروراته، فهذا يوجب عليهم أن يبذلوا غاية جهدهم في شكر نعمته، وأن تتغلغل أفكارهم في تدبر آياته وحكمه، ولهذا قال: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لأيَٰتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } وجملة ذلك أنَّ خلقها وتدبيرها وتسخيرها، دالٌّ على نفوذ مشيئة الله وكمال قدرته، وما فيها من الإحكام والإتقان، وبديع الصنعة، وحسن الخلقة، دال على كمال حكمته وعلمه، وما فيها من السعة والعظمة والكثرة، دال على سعة ملكه وسلطانه، وما فيها من التخصيصات والأشياء المتضادات، دليل على أنه الفعَّال لما يريد، وما فيها من المنافع، والمصالح الدينية والدنيوية، دليل على سعة رحمته، وشمول فضله وإحسانه، وبديع لطفه وبره، وكل ذلك دال على أنه وحده المألوه المعبود، الذي لا تنبغي العبادة والذل والمحبة إلا له، وأن رسله صادقون فيما جاؤوا به، فهذه أدلة عقلية واضحة، لا تقبل ريباً ولا شكاً.
{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ ٱلْبَحْرَ لِتَجْرِيَ ٱلْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } 14 { وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لأيَٰتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }15


يخبر تعالى بفضله على عباده وإحسانه إليهم، بتسخير البحر لسير المراكب والسفن بأمره وتيسيره، { وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } بأنواع التجارات والمكاسب، { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } الله تعالى، فإنكم إذا شكرتموه، زادكم من نعمه وأثابكم على شكركم أجراً جزيلاً.
{ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ } أي: من فضله وإحسانه، وهذا شامل لأجرام السماوات والأرض، ولما أودع الله فيهما، من الشمس والقمر، والكواكب، والثوابت، والسيارات، وأنواع الحيوانات، وأصناف الأشجار والثمرات، وأجناس المعادن، وغير ذلك مما هو معدٌّ لمصالح بني آدم، ومصالح ما هو من ضروراته، فهذا يوجب عليهم أن يبذلوا غاية جهدهم في شكر نعمته، وأن تتغلغل أفكارهم في تدبر آياته وحكمه، ولهذا قال: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لأيَٰتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } وجملة ذلك أنَّ خلقها وتدبيرها وتسخيرها، دالٌّ على نفوذ مشيئة الله وكمال قدرته، وما فيها من الإحكام والإتقان، وبديع الصنعة، وحسن الخلقة، دال على كمال حكمته وعلمه، وما فيها من السعة والعظمة والكثرة، دال على سعة ملكه وسلطانه، وما فيها من التخصيصات والأشياء المتضادات، دليل على أنه الفعَّال لما يريد، وما فيها من المنافع، والمصالح الدينية والدنيوية، دليل على سعة رحمته، وشمول فضله وإحسانه، وبديع لطفه وبره، وكل ذلك دال على أنه وحده المألوه المعبود، الذي لا تنبغي العبادة والذل والمحبة إلا له، وأن رسله صادقون فيما جاؤوا به، فهذه أدلة عقلية واضحة، لا تقبل ريباً ولا شكاً.

{ وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُم ْ عَلَى ٱلْعَالَمينَ } 16 { وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ فَمَا ٱخْتَلَفُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }17


أي: ولقد أنعمنا على بني إسرائيل نعماً لم تحصل لغيرهم من الناس، وآتيناهم { ٱلْكِتَابَ } أي: التوراة والإنجيل، { وَٱلْحُكْمَ } بين الناس، { وَٱلنُّبُوَّةَ } التي امتازوا بها، وصارت النبوة في ذرية إبراهيم عليه السلام، أكثرهم من بني إسرائيل، { وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } من المآكل والمشارب والملابس، وإنزال المن والسلوى عليهم، { وَفَضَّلْنَاهُم ْ عَلَى ٱلْعَالَمينَ } أي: على الخلق بهذه النِّعَم، ويخرج من هذا العموم اللفظي، هذه الأمة، فإنهم خير أمة أخرجت للناس. والسياق يدل على أن المراد غير هذه الأمة، فإن الله يقص علينا ما امتن به على بني إسرائيل، وميزهم عن غيرهم، وأيضاً فإن الفضائل التي فاق بها بنو إسرائيل من الكتاب والحكم والنبوة، وغيرها من النعوت، قد حصلت كلها لهذه الأمة، وزادت عليهم هذه الأمة فضائل كثيرة، فهذه الشريعة شريعة بني إسرائيل جزء منها، فإن هذا الكتاب مهيمن على سائر الكتب السابقة، ومحمد صلى الله عليه وسلم مصدق لجميع المرسلين. { وَآتَيْنَاهُم } أي: آتينا بني إسرائيل { بَيِّنَاتٍ } أي: دلالات تبين الحق من الباطل { مِّنَ ٱلأَمْرِ } القدري الذي أوصله الله إليهم. وتلك الآيات هي المعجزات التي رأوها على يد موسى عليه السلام، فهذه النِّعَم التي أنعم الله بها على بني إسرائيل، تقتضي الحال أن يقوموا بها على أكمل الوجوه، وأن يجتمعوا على الحق الذي بيَّنه الله لهم، ولكن انعكس الأمر، فعاملوها بعكس ما يجب. وافترقوا فيما أمروا بالاجتماع به، ولهذا قال: { فَمَا ٱخْتَلَفُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ } أي: الموجب لعدم الاختلاف، وإنما حملهم على الاختلاف البغي من بعضهم على بعض، والظلم.
{ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بِيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } فيميز المحق من المبطل، والذي حمله على الاختلاف، الهوى أو غيره.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 08-08-2020, 04:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,680
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (529)
تفسير السعدى
سورة الجاثية
من الأية(18)
الى الأية(26)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الجاثية
{ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ فَٱتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } 18 { إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلْمُتَّقِينَ }19


أي: ثم شرعنا لك شريعة كاملة تدعو إلى كل خير، وتنهى عن كل شر، من أمرنا الشرعي { فَٱتَّبِعْهَا } فإن في اتباعها السعادة الأبدية، والصلاح والفلاح، { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } أي: الذين تكون أهويتهم غير تابعة للعلم، ولا ماشية خلفه، وهم كل من خالف شريعة الرسول صلى الله عليه وسلم هواه وإرادته، فإنه من أهواء الذين لا يعلمون.
{ إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } أي: لا ينفعونك عند الله، فَيُحَصِّلوا لك الخير، ويدفعوا عنك الشر، إن اتبعتهم على أهوائهم، ولا تصلح أن توافقهم وتواليهم، فإنك وإياهم متباينون، وبعضهم ولي لبعض { وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلْمُتَّقِينَ } يخرجهم من الظلمات إلى النور، بسبب تقواهم وعملهم بطاعته.

{ هَـٰذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ }20


أي: { هَـٰذَا } القرآن الكريم والذكر الحكيم { بَصَائِرُ لِلنَّاسِ } أي: يحصل به التبصرة في جميع الأمور للناس، فيحصل به الانتفاع للمؤمنين، والهدى والرحمة.
{ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } فيهتدون به إلى الصراط المستقيم، في أصول الدين وفروعه، ويحصل به الخير والسرور، والسعادة في الدنيا والآخرة، وهي الرحمة، فتزكو به نفوسهم، وتزداد به عقولهم، ويزيد به إيمانهم ويقينهم، وتقوم به الحجة على من أصر وعاند.
{ أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ }21


أي: أم حسب المسيؤون المكثرون من الذنوب، المقصرون في حقوق ربهم.
{ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } بأن قاموا بحقوق ربهم، واجتنبوا مساخطه، ولم يزالوا مؤثرين رضاه على هوى أنفسهم؟ أي: أحسبوا أن يكونوا { سَوَآءً } في الدنيا والآخرة؟ ساء ما ظنوا وحسبوا، وساء ما حكموا به، فإنه حكم يخالف حكمة أحكم الحاكمين، وخير العادلين، ويناقض العقول السليمة، والفطر المستقيمة، ويضاد ما نزلت به الكتب، وأخبرت به الرسل، بل الحكم الواقع القطعي، أن المؤمنين العاملين الصالحات لهم النصر والفلاح والسعادة والثواب، في العاجل والآجل، كل على قدر إحسانه، وأن المسيئين لهم الغضب والإهانة، والعذاب والشقاء، في الدنيا والآخرة.

{ وَخَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }22


أي: خلق الله السماوات والأرض بالحكمة، وليُعبَد وحده لا شريك له، ثم يجازي بعد ذلك من أمرهم بعبادته، وأنعم عليم بالنعم الظاهرة والباطنة، هل شكروا الله تعالى، وقاموا بالمأمور؟ أم كفروا، فاستحقوا جزاء الكفور؟
{ أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ ٱللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } 23 { وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ ٱلدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } 24 { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَاتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱئْتُواْ بِآبَآئِنَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } 25 { قُلِ ٱللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }26


يقول تعالى: { أَفَرَأَيْتَ } الرجل الضال الذي { ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } فما هويه سلكه، سواء كان يرضي الله أو يسخطه. { وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ } من الله تعالى، أنه لا تليق به الهداية، ولا يزكو عليها. { وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ } فلا يسمع ما ينفعه، { وَقَلْبِهِ } فلا يعي الخير، { وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً } تمنعه من نظر الحق، { فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ ٱللَّهِ } أي: لا أحد يهديه، وقد سد الله عليه أبواب الهداية، وفتح له أبواب الغواية، وما ظلمه الله، ولكن هو الذي ظلم نفسه، وتسبب لمنع رحمة الله عليه { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } ما ينفعكم فتسلكونه، وما يضركم فتجتنبونه.
{ وَقَالُواْ } أي: منكرو البعث { مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ ٱلدَّهْرُ } أي: إن هي إلا عادات، وجَرْيٌ على رسوم الليل والنهار، يموت أناس، ويحيا أناس، وما مات فليس براجع إلى الله، ولا مجازى بعمله.
وقولهم هذا صادر عن غير علم { إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } فأنكروا المعاد وكذبوا الرسل الصادقين، من غير دليل دلهم على ذلك ولا برهان.
إن هي إلا ظنون، واستبعادات خالية عن الحقيقة، ولهذا قال تعالى: { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَاتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱئْتُواْ بِآبَآئِنَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } وهذا جراءة منهم على الله، حيث اقترحوا هذا الاقتراح، وزعموا أن صدق رسل الله متوقف على الإتيان بآبائهم، وأنهم لو جاؤوهم بكل آية لم يؤمنوا، إلا إن تبعتهم الرسل على ما قالوا وهم كذبة فيما قالوا، وإنما قصدهم دفع دعوة الرسل، لا بيان الحق، قال تعالى: { قُلِ ٱللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } وإلا فلو وصل العلم باليوم الآخر إلى قلوبهم، لعملوا له أعمالاً وتهيؤوا له.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 08-08-2020, 04:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,680
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (530)
تفسير السعدى
سورة الجاثية
من الأية(27)
الى الأية(37)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الجاثية
{ وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاَعةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ ٱلْمُبْطِلُونَ } 27 { وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } 28 { هَـٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِٱلْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } 29 { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ } 30 { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَفَلَمْ تَكُنْ ءَايَٰتِى تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱسْتَكْبَرْتُ مْ وَكُنتُمْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } 31 { وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَٱلسَّاعَةُ لاَ رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا ٱلسَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِي نَ } 32 { وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } 33 { وَقِيلَ ٱلْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } 34 { ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ ٱتَّخَذْتُمْ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا فَٱلْيَوْمَ لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلاَ هُمْ يُسْتَعَتَبُونَ } 35 { فَلِلَّهِ ٱلْحَمْدُ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَرَبِّ ٱلأَرْضِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } 36 { وَلَهُ ٱلْكِبْرِيَآءُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعِزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }37


يخبر تعالى عن سعة ملكه، وانفراده بالتصرف والتدبير في جميع الأوقات، وأنه { يَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاَعةُ } ويجمع الخلائق لموقف القيامة، يحصل الخسار على المبطلين، الذين أتوا بالباطل ليدحضوا به الحق، وكانت أعمالهم باطلة، لأنها متعلقه بالباطل، فبطلت في يوم القيامة، اليوم الذي تستبين به الحقائق، واضمحلت عنهم، وفاتهم الثواب، وحصلوا على أليم العقاب. ثم وصف تعالى شدة يوم القيامة وهوله ليحذره العِبَاد، ويستعد له العُبّاد، فقال: { وَتَرَىٰ } أيها الرائي لذلك اليوم { كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً } على ركبها خوفاً وذعراً، وانتظاراً لحكم الملك الرحمن. { كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا } أي: إلى شريعة نبيهم الذي جاءهم من عند الله، وهل قاموا بها فيحصل لهم الثواب والنجاة؟ أم ضيعوها فيحصل لهم الخسران؟ فأمة موسى يدعون إلى شريعة موسى، وأمة عيسى كذلك، وأمة محمد كذلك، وهكذا غيرهم كل أمة تدعى إلى شرعها الذي كلفت به، هذا أحد الاحتمالات في الآية، وهو معنى صحيح في نفسه، غير مشكوك فيه، ويحتمل أن المراد بقوله: { كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا } أي: إلى كتاب أعمالها، وما سطر عليها من خير وشر، وأن كل أحد يجازى بما عمله بنفسه، كقوله تعالى:{ مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا } [فصلت: 46].
ويحتمل أن المعنيين كليهما مراد من الآية، ويدل على هذا قوله: { هَـٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِٱلْحَقِّ } أي: هذا كتابنا الذي أنزلنا عليكم، يفصل بينكم بالحق الذي هو العدل، { إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } فهذا كتاب الأعمال، ولهذا فصل ما يفعل الله بالفريقين فقال: { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } إيماناً صحيحاً، وصدقوا إيمانهم بالأعمال الصالحة، من واجبات ومستحبات، { فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ } التي محلها الجنة، وما فيها من النعيم المقيم، والعيش السليم، { ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ } أي: المفاز والنجاة والربح، والفلاح الواضح البيِّن، الذي إذا حصل للعبد، حصل له كل خير، واندفع عنه كل شر. { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } بالله، فيقال لهم توبيخاً وتقريعاً: { أَفَلَمْ تَكُنْ ءَايَٰتِى تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } وقد دلتكم على ما فيه صلاحكم، ونهتكم عما فيه ضرركم، وهي أكبر نعمة وصلت إليكم، لو وفقتم لها، ولكن استكبرتم عنها، وأعرضتم، وكفرتم بها، فجنيتم أكبر جناية، وأجرمتم أشد الجرم، فاليوم تجزون ما كنتم تعملون، ويوبخون أيضاً بقوله: { وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَٱلسَّاعَةُ لاَ رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم } منكرين لذلك: { مَّا نَدْرِي مَا ٱلسَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِي نَ }. فهذه حالهم في الدنيا، وحال البعث الإنكار له، وردّ قول من جاء به.
قال تعالى: { وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ } أي: وظهر لهم يوم القيامة عقوبات أعمالهم، { وَحَاقَ بِهِم } أي: نزل { مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } أي: نزل بهم العذاب الذي كانوا في الدنيا يستهزؤون به وبوقوعه وبمن جاء به.
{ وَقِيلَ ٱلْيَوْمَ نَنسَاكُمْ } أي: نترككم في العذاب { كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا } فإن الجزاء من جنس العمل، { وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ } أي: هي مقركم ومصيركم، { وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } ينصرونكم من عذاب الله، ويدفعون عنكم عقابه.
{ ذَلِكُم } الذي حصل لكم من العذاب { بِـ } سبب { أَنَّكُمُ ٱتَّخَذْتُمْ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ هُزُواً } مع أنها موجبة للجد والاجتهاد، وتلقيها بالسرور والاستبشار والفرح.
{ وَغَرَّتْكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا } بزخارفها ولذاتها وشهواتها، فاطمأننتم إليها، وعملتم لها، وتركتم العمل للدار الباقية.
{ فَٱلْيَوْمَ لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلاَ هُمْ يُسْتَعَتَبُونَ } أي: ولا يمهلون، ولا يردون إلى الدنيا ليعملوا صالحاً.
{ فَلِلَّهِ ٱلْحَمْدُ } كما ينبغي لجلاله، وعظيم سلطانه { رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَرَبِّ ٱلأَرْضِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } أي: له الحمد على ربوبيته لسائر الخلائق، حيث خلقهم ورباهم، وأنعم عليهم بالنعم الظاهرة والباطنة، { وَلَهُ ٱلْكِبْرِيَآءُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } أي: له الجلال والعظمة والمجد.
فالحمد فيه الثناء على الله بصفات الكمال، ومحبته تعالى وإكرامه، والكبرياء فيها عظمته وجلاله، والعبادة مبنية على ركنين، محبة الله، والذل له، وهما ناشئان عن العلم بمحامد الله وجلاله وكبريائه.
{ وَهُوَ ٱلْعِزِيزُ } القاهر لكل شيء، { ٱلْحَكِيمُ } الذي يضع الأشياء مواضعها، فلا يشرع ما يشرعه إلا لحكمة ومصلحة، ولا يخلق ما يخلقه إلا لفائدة ومنفعة.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 11-08-2020, 03:50 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,680
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (531)
تفسير السعدى
سورة الأحقاف
من الأية(1)
الى الأية(10)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الأحقاف
{ حـمۤ } 1 { تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } 2 { مَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَمَّآ أُنذِرُواْ مُعْرِضُونَ }3


هذا ثناء منه تعالى على كتابه العزيز وتعظيم له، وفي ضمن ذلك إرشاد العباد إلى الاهتداء بنوره، والإقبال على تدبر آياته، واستخراج كنوزه.
ولما بين إنزال كتابه المتضمن للأمر والنهي، ذكر خلقه السماوات والأرض، فجمع بين الخلق والأمر،
{ أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ } [الأعراف: 54] كما قال تعالى:{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَمِنَ ٱلأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ ٱلأَمْرُ بَيْنَهُنَّ } [الطلاق: 12] وكما قال تعالى:{ يُنَزِّلُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ بِٱلْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوۤاْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱتَّقُونِ * خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ } [النحل: 2-3] فالله تعالى هو الذي خلق المكلفين، وخلق مساكنهم، وسخر لهم ما في السماوات وما في الأرض، ثم أرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، وأمرهم ونهاهم، وأخبرهم أن هذه الدار دار أعمال وممر للعمال، لا دار إقامة لا يرحل عنها أهلها، وأنهم سينتقلون منها إلى دار الإقامة والقرار، وموطن الخلود والدوام، وإنما أعمالهم التي عملوها في هذه الدار، سيجدون ثوابها في تلك الدار كاملاً موفراً.
وأقام تعالى الأدلة على تلك الدار، وأذاق العباد نموذجاً من الثواب والعقاب العاجل، ليكون أدعى لهم إلى طلب المحبوب، والهرب من المرهوب، ولهذا قال هنا: { مَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } أي: لا عبثاً ولا سدىً، بل ليعرف العباد عظمة خالقهما، ويستدلوا على كماله، ويعلموا أن الذي خلقهما على عظمهما، قادر على أن يعيد العباد بعد موتهم للجزاء، وأن خلقهما وبقاءهما مقدر إلى { أَجَلٍ مُّسَمًّى }.
فلما أخبر بذلك - وهو أصدق القائلين وأقام الدليل، وأنار السبيل أخبر - مع ذلك - أن طائفة من الخلق قد أبوا إلا إعراضاً عن الحق، وصدوفاً عن دعوة الرسل، فقال: { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَمَّآ أُنذِرُواْ مُعْرِضُونَ } وأما الذين آمنوا، فلما علموا حقيقة الحال قبلوا وصايا ربهم، وتلقوها بالقبول والتسليم، وقابلوها بالانقياد والتعظيم، ففازوا بكل خير، واندفع عنهم كل شر.
{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَـٰذَآ أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } 4 { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَافِلُونَ } 5 { وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ }6


أي: { قُلْ } لهؤلاء الذين أشركوا بالله أوثاناً وأنداداً، لا تملك نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، قل لهم - مبيناً عجز أوثانهم، وأنها لا تستحق شيئاً من العبادة-: { أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } هل خلقوا من أجرام السماوات والأرض شيئاً؟ هل خلقوا جبالاً؟ هل أجروا أنهاراً؟ هل نشروا حيواناً؟ هل أنبتوا أشجاراً؟ هل كان منهم معاونة على خلق شيء من ذلك؟ لا شيء من ذلك، بإقرارهم على أنفسهم، فضلاً عن غيرهم، فهذا دليل عقلي قاطع على أن كل من سوى الله، فعبادته باطلة. ثم ذكر انتفاء الدليل النقلي، فقال: { ٱئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَـٰذَآ } الكتاب يدعو إلى الشرك، { أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ } موروث عن الرسل يأمر بذلك. من المعلوم أنهم عاجزون أن يأتوا عن أحد من الرسل بدليل يدل على ذلك، بل نجزم ونتيقن أن جميع الرسل دعوا إلى توحيد ربهم، ونهوا عن الشرك به، وهي أعظم ما يؤثر عنهم من العلم، قال تعالى:{ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّاغُوتَ } [النحل: 36] وكل رسول قال لقومه:{ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } [الأعراف: 59] فعلم أن جدال المشركين في شركهم، غير مستندين فيه على برهان ولا دليل، وإنما اعتمدوا على ظنون كاذبة، وآراء كاسدة، وعقول فاسدة.
يدلُّك على فسادها استقراء أحوالهم، وتتبع علومهم وأعمالهم، والنظر في حال من أفنوا أعمارهم بعبادته، هل أفادهم شيئاً في الدنيا أو في الآخرة؟ ولهذا قال تعالى: { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } أي: مدة مقامه في الدنيا، لا ينتفع به بمثقال ذرة، { وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَافِلُونَ } لا يسمعون منهم دعاء، ولا يجيبون لهم نداء، هذا حالهم في الدنيا، ويوم القيامة يكفرون بشركهم. { وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً } يلعن بعضهم بعضاً، ويتبرأ بعضهم من بعض { وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ }.

{ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } 7 { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَىٰ بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } 8 { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } 9 { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ فَآمَنَ وَٱسْتَكْبَرْتُ مْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }10


أي: وإذا تتلى على المكذبين { آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ } بحيث تكون على وجه لا يمترى بها، ولا يشك في وقوعها وحقها، لم تفدهم خيراً، بل قامت عليهم بذلك الحجة، ويقولون من إفكهم وافترائهم { لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } أي: ظاهر لا شك فيه، وهذا من باب قلب الحقائق، الذي لا يروج إلا على ضعفاء العقول، وإلا فبين الحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وبين السحر من المنافاة والمخالفة، أعظم مما بين السماء والأرض، وكيف يقاس الحق - الذي علا وارتفع ارتفاعاً على الأفلاك، وفاق بضوئه ونوره نور الشمس، وقامت الأدلة الأفقية والنفسية عليه، وأقرت به وأذعنت أولو البصائر والعقول الرزينة - بالباطل الذي هو السحر الذي لا يصدر إلا من ضال ظالم خبيث النفس، خبيث العمل؟! فهو مناسب له وموافق لحاله، وهل هذا إلا من البهرجة؟ { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ } أي: افترى محمد هذا القرآن من عند نفسه، فليس هو من عند الله. { قُلْ } لهم: { إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ } فالله عليَّ قادر وبما تفيضون فيه عالم، فكيف لم يعاقبني على افترائي الذي زعمتم؟ فهل { تَمْلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } إن أرادني الله بضرٍ، أو أرادني برحمةٍ { كَفَىٰ بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ } فلو كنت متقولاً عليه، لأخذ مني باليمين، ولعاقبني عقاباً يراه كل أحد، لأن هذا أعظم أنواع الافتراء لو كنت متقولاً، ثم دعاهم إلى التوبة مع ما صدر منهم من معاندة الحق ومخاصمته، فقال: { وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } أي: فتوبوا إليه، وأقلعوا عما أنتم فيه، يغفر لكم ذنوبكم، ويرحمكم، فيوفقكم للخير، ويثيبكم جزيل الأجر. { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ } أي: لست بأول رسول جاءكم، حتى تستغربوا رسالتي وتستنكروا دعوتي، فقد تقدم من الرسل والأنبياء من وافقت دعوتي دعوتهم، فلأي شيء تنكر رسالتي؟ { وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } أي: لست إلا بشراً، ليس بيدي من الأمر شيء، والله تعالى هو المتصرف بي وبكم، الحاكم عليَّ وعليكم، ولست الآتي بالشيء من عندي، { وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } فإن قبلتم رسالتي، وأجبتم دعوتي، فهو حظكم ونصيبكم في الدنيا والآخرة، وإن رددتم ذلك عليَّ فحسابكم على الله، وقد أنذرتكم، ومن أنذر فقد أعذر. { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ فَآمَنَ وَٱسْتَكْبَرْتُ مْ } أي: أخبروني، لو كان هذا القرآن من عند الله، وشهد على صحته الموفقون من أهل الكتاب، الذين عندهم من الحق ما يعرفون أنه الحق، فآمنوا به واهتدوا، فتطابقت أنباء الأنبياء وأتباعهم النبلاء، واستكبرتم أيها الجهلاء الأغبياء، فهل هذا إلا أعظم الظلم وأشد الكفر؟ { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } ومن الظلم الاستكبار عن الحق بعد التمكن منه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 396.26 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 390.38 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (1.48%)]