|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#561
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الاضحية شرح سنن أبي داود [334] الحلقة (366) شرح سنن أبي داود [334] المولود هبة من الله ونعمة تستحق الشكر، ومن شكر هذه النعمة أن يذبح عنه عقيقة يتصدق من لحمها ويعطي جيرانه، وقد بينت سنة النبي صلى الله عليه وسلم أحكام العقيقة وما يتعلق بها سناً وصفة وزمناً وآداباً. ما جاء في العقيقة شرح حديث أم كرز في العقيقة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في العقيقة. حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء عن حبيبة بنت ميسرة عن أم كرز الكعبية رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة). قال أبو داود : سمعت أحمد قال: مكافئتان: أي مستويتان أو مقاربتان ]. لما ذكر الإمام أبو داود رحمه الله كتاب الأضاحي ألحق به العقيقة، وجعلها ضمن ذلك الكتاب ملحقة به وإن كانت ليست داخلة في الكتاب، ولكن لها تعلق بالكتاب من جهة أن الأضحية قربة تكون في أيام معينة؛ فكذلك العقيقة هي مشروعة وتكون بمناسبة معينة وبحالة معينة. وألحق هذا الباب بكتاب الأضاحي ولم يخصص للعقيقة كتاباً اكتفاء بإلحاقها بما يشبهها ويماثلها في الجملة. واشتقاق العقيقة قيل: إنها من العق وهو القطع، وذلك أن العقيقة تذبح وتقطع رقبتها أو تقطع أمكنة الذبح منها من أجل شكر الله عز وجل على النعمة بالمولود أو المولودة. والعقيقة هي النسيكة التي تذبح عن المولود عندما يولد، وهي شكر لله عز وجل على النعمة بهذا المولود. ولما كان هناك تفاوت بين الذكور والإناث جعلت العقيقة والشكر لله عز وجل على الذكر ضعف العقيقة التي تكون للأنثى، فصار للغلام شاتان وللجارية شاة واحدة، وهذه المسألة هي إحدى المسائل الخمس التي تكون النساء على النصف من الرجال فيها، وهي: 1- مسألة العقيقة. 2- مسألة الدية. 3- مسألة الميراث. 4- مسألة الشهادة. 5- مسألة العتق من النار بعتق المملوك. أما الميراث فقال تعالى في حق الأولاد: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]، وقال في حق الإخوة الأشقاء أو لأب: فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:176]. وأما بالنسبة للعقيقة فسنتكلم عنها في هذا الباب. ودية المرأة على النصف من الرجل كما هو معلوم. وشهادة الرجل تعدل شهادة امرأتين كما جاء في آية الدين في آخر سورة البقرة. وعتق الذكر يكون فيه فكاك معتقه من النار، وإذا أعتق جاريتين كانتا فكاكه من النار، كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبعض أهل العلم يقول: إنها واجبة، وبعضهم يقول: إنها من السنن المستحبة، والإنسان الذي يقدر على ذلك لا ينبغي له أن يتأخر أو يتهاون في ذلك، والذي لا يستطيع فلا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]. ومن جاءه غلام ذكر وكان يقدر على ذبح شاة ولا يقدر على ذبح شاتين، فله أن ينتظر إلى أن يقدر على الاثنتين، ولا ينبغي أن يستدين إلا إذا كان له وفاء. وعلى هذا فإن العقيقة جاءت بتمييز الذكور على الإناث، وذلك أن الذكور يتميزون على الإناث، فصار شكر الله عز وجل على النعمة في حقهم أكثر وأعظم. وقد جاء ذلك في الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك حديث أم كرز الكعبية رضي الله عنها الذي أورده المصنف، وفيه: [ (عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة) ]. قوله: [ (مكافئتان) ] جاء تفسيرها في بعض الأحاديث، أي: متماثلتان متقاربتان، وجاء توضيح ذلك في بعض الروايات بأنهما مثلان، أي: كل واحدة مثل الأخرى، فهما متماثلتان متشابهتان متقاربتان. تراجم رجال إسناد حديث أم كرز في العقيقة قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا سفيان ]. سفيان بن عيينة المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن دينار ]. عمرو بن دينار المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء ]. عطاء بن أبي رباح المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حبيبة بنت ميسرة ]. حبيبة بنت ميسرة ، وهي مقبولة، أخرج لها أبو داود و النسائي . [ عن أم كرز الكعبية ]. أم كرز الكعبية رضي الله عنها، وهي صحابية، أخرج حديثها أصحاب السنن. [ قال أبو داود : سمعت أحمد ]. أحمد هو الإمام أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الفقيه المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث أم كرز في العقيقة من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه عن سباع بن ثابت عن أم كرز رضي الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (أقروا الطير على مكناتها) قالت: وسمعته يقول: (عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة، لا يضركم أذكراناً كنَّ أم إناثاً) ]. أورد أبو داود حديث أم كرز من طريق أخرى، وفيه ما في الذي قبله أن الغلام يكون عنه شاتان والجارية شاة واحدة، وفيه أنه يجوز أن تكون ذكراناً وإناثاً، وفي هذا بيان أن الشاة لفظ يطلق على الذكور والإناث وليس خاصاً بالإناث؛ لأنه قال [ (لا يضركم أذكراناً كن أم إناثاً) ] وذلك في تفسير الشاة وبيان المراد بها. قوله: [ (أقروا الطير على مكناتها) ] فيه إشارة إلى ما كانوا يفعلونه في الجاهلية، من أن الواحد منهم إذا أراد سفراً فإنه يزجر الطير حتى يطير، فإذا طار نظر هل يذهب إلى جهة اليمين فيقدم على السفر، أو إلى جهة الشمال فيحجم عن السفر، فأرشد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن الطير لا تزجر لذلك، لأن ذلك من أعمال الجاهلية التي أبطلها الإسلام، فالطير تقر على مكناتها، أي: الأماكن التي هي مستقرة فيها ولا تزعج ولا تزجر، لأن انتقال الطير لا يجوز أن يعلق عليه شيء، وعلى الإنسان أن يقدم على السفر أو يحجم عنه بناء على ما يرى من المصلحة ولا يكون ذلك مبنياً على مثل هذه الأعمال الجاهلية التي أبطلها الإسلام. تراجم رجال إسناد حديث أم كرز في العقيقة من طريق ثانية قوله: [ حدثنا مسدد عن سفيان عن عبيد الله بن أبي يزيد ]. عبيد الله بن أبي يزيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه قيل: إنه صحابي، وقيل: هو من ثقات التابعين، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة . [ عن سباع بن ثابت ]. قيل: صحابي، وقيل: تابعي ثقة، أخرج له أصحاب السنن. [ عن أم كرز ]. ن. وقد مر ذكرها. شرح حديث أم كرز في العقيقة من طريق ثالثة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن عبيد الله بن أبي يزيد عن سباع بن ثابت عن أم كرز رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (عن الغلام شاتان مثلان وعن الجارية شاة). قال أبو داود : هذا هو الحديث وحديث سفيان وهم ]. أورد أبو داود حديث أم كرز رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (عن الغلام شاتان مثلان) ] وهذا فيه بيان التكافؤ فيما مضى وأن المقصود بذلك أنهما متماثلتان. قول أبي داود : [ هذا هو الحديث ] يعني أن هذه الرواية التي فيها عبيد الله بن أبي يزيد يروي عن أم كرز بدون واسطة هي الصحيحة، وأن الرواية الثانية التي مرت من رواية سفيان المتقدمة وفيها عن عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه وهم. تراجم رجال إسناد حديث أم كرز من طريق ثالثة قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد ]. حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن أبي يزيد عن سباع بن ثابت عن أم كرز ]. وقد مر ذكرهم، وإذا كان قد ثبت أن أباه روى عن سباع ، فإنه يمكن أن يكون الحديث قد جاء من طريقين: من طريق عالية ومن طريق نازلة، ومعلوم أن المحدث قد يحصل الحديث أحياناً بطريق نازلة ثم يظفر به من طريق عالية، فيرويه على الوجهين، فلا يكون هناك تفاوت بينهما ولا اختلاف، ولكن أبا داود رجح أن ذكر أبيه وهم وأنه ليس في الإسناد، والمزي لما ذكره في تهذيب الكمال قال: عن عبيد الله بن أبي يزيد عن سباع ، وقيل: عن أبيه عن سباع . شرح حديث سمرة في العقيقة والإدماء قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حفص بن عمر النمري حدثنا همام حدثنا قتادة عن الحسن عن سمرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (كل غلام رهينة بعقيقته؛ تذبح عنه يوم السابع، ويحلق رأسه ويدمى) فكان قتادة إذا سئل عن الدم كيف يصنع به قال: إذا ذبحت العقيقة أخذت منها صوفة واستقبلت به أوداجها، ثم توضع على يافوخ الصبي حتى يسيل على رأسه مثل الخيط، ثم يغسل رأسه بعد ويحلق. قال أبو داود : وهذا وهم من همام : (ويدمى). قال أبو داود : خولف همام في هذا الكلام، وهو وهم من همام ، وإنما قالوا: (يسمى) فقال همام : (يدمى). قال أبو داود : وليس يؤخذ بهذا ]. أورد أبو داود حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه، وفيه: [ (كل غلام رهينة بعقيقته) ] يعني أنه مرهون ومرتهن بعقيقته، وفسر كونه مرتهناً أن شفاعته لوالده مرتبطة بكونه يذبح هذه العقيقة عنه. قوله: [ (تذبح عنه يوم السابع) ] فيه بيان أن الأفضل في ذبحها أن يكون في اليوم السابع من ولادته، ويسمى في ذلك اليوم الذي هو اليوم السابع، وجاء في رواية همام : (ويدمى) وقالوا: إن هذا وهم، والصواب هو ما رواه غير همام عن قتادة أنه: (يسمى) بدل (يدمى)، قالوا: والطفل مطلوب إماطة الأذى عنه، والتدمية لا تزيده إلا أذى، وكانوا في الجاهلية يعملون هذه التدمية، فجاء الإسلام ومنع من ذلك، ولكنه جاء بشيء، وهو أنه يوضع الزعفران على رأسه كما سيأتي عند أبي داود ، وهو المناسب. ثم ذكر أبو داود أن قتادة سئل عن التدمية فقال: تؤخذ صوفة -أي قطعة من الصوف- وتوضع على الدم السائل من الأوداج ثم توضع على يافوخه، وهو مقدم الرأس الذي يكون فيه لين ورقة، ثم يتصلب على مر الأيام حتى يكون مثل بقية الرأس. قال: توضع عليه حتى يسيل مثل الخيط، وهذا كان في الجاهلية، وإلا فإن الرواة الذين رووه عن قتادة غير همام بن يحيى ذكروا لفظة: (يسمى) وهذا هو المناسب. والتسمية في اليوم السابع جاء بها الحديث، وجاءت التسمية قبل ذلك كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ولد الليلة لي غلام وسميته باسم أبي إبراهيم)، فهذا يدلنا على أن الأمر في ذلك واسع، وأنه يمكن أن يسمى في اليوم السابع ويمكن أن يسمى قبله، ولا تتعين التسمية في اليوم السابع، ولعل التنصيص على اليوم السابع لأنه الذي تستقر فيه التسمية إذا كان عند الإنسان تردد، فتكون عنده فرصة يختار فيها اسماً مناسباً فيثبت في ذلك الوقت. تراجم رجال إسناد حديث سمرة في العقيقة والإدماء قوله: [ حدثنا حفص بن عمر النمري ]. حفص بن عمر النمري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي . [ حدثنا همام ]. همام بن يحيى العوذي ، وهو ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا قتادة ]. قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن ]. الحسن بن أبي الحسن البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سمرة ]. سمرة بن جندب رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهذا الحديث هو الذي حصل فيه سماع الحسن من سمرة ؛ وسماع الحسن من سمرة فيه ثلاثة أقوال: قيل: إنه سمع منه مطلقاً. وقيل: لم يسمع منه مطلقاً. وقيل: سمع منه حديث العقيقة دون غيره، وهذا هو الذي ذكره البخاري . فسماع الحسن من سمرة لحديث العقيقة صحيح وفي غيره خلاف. الأسئلة حكم العقيقة عن السقط السؤال: هل يعق عن الغلام إذا مات قبل اليوم السابع، وكذلك السقط؟ الجواب: الذي يبدو أنه يعق عنه وإن مات قبل اليوم السابع، ولو سقط سقطاً تبين فيه خلق الآدمي فينبغي أن يعق عنه. حكم تقدير الأسابيع للعقيقة إذا لم يقدر عليها في اليوم السابع السؤال: إذا لم يستطع العق يوم السابع، فهل يقدر بالأسابيع إذا قدر بعد ذلك؟ الجواب: هذا التقدير ما ثبت فيه شيء، فهو غير ثابت، أعني أن كونه يقدر بيوم أربعة عشر وإن لم يجد صار إلى واحد وعشرين ورد فيه حديث ضعيف. حكم العقيقة عن النفس بعد البلوغ السؤال: من علم أن أباه لم يعق عنه، فهل يعق عن نفسه وقد كبر؟ الجواب: الذي يبدو أنه يعق، فلا مانع من ذلك. متى يكون اليوم السابع؟ السؤال: متى يكون يوم السابع؟ الجواب: اليوم الذي حصلت فيه الولادة هو اليوم الأول، فإذا ولد يوم الجمعة الفجر فالسابع هو يوم الخميس. تابع ما جاء في العقيقة شرح حديث سمرة في العقيقة والتسمية قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن المثنى حدثنا ابن أبي عدي عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (كل غلام رهينة بعقيقته، تذبح عنه يوم سابعة ويحلق ويسمى). قال أبو داود : (ويسمى) أصح، كذا قال سلام بن أبي مطيع عن قتادة وإياس بن دغفل وأشعث عن الحسن قال: (ويسمى)، ورواه أشعث عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ويسمى) ]. أورد أبو داود طريقاً أخرى وفيها بدل: (يدمى)، (ويسمى) وهي الصحيحة، وكلمة (يدمى) وهم من همام ؛ لأنه أورد الطريقة التالية وبين الذين رووه بلفظ: (ويسمى)،وأن هذه الرواية مقدمة على الرواية التي فيها يدمي. تراجم رجال إسناد حديث سمرة في العقيقة والتسمية قوله: [ حدثنا ابن المثنى ]. هو محمد بن المثنى الزمن أبو موسى ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن أبي عدي ]. محمد بن أبي إبراهيم بن أبي عدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد ]. سعيد بن أبي عروبة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب ]. وقد مر ذكرهم. [ قال أبو داود : (ويسمى) أصح، كذا قال سلام بن أبي مطيع عن قتادة ]. سلام بن أبي مطيع ثقة، وفي روايته عن قتادة ضعف أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود ، فأخرج له في المسائل. [ وإياس بن دغفل وأشعث عن الحسن ]. إياس بن دغفل ثقة، أخرج له أبو داود . وأشعث هذا اسم عدد من الرواة يروون عن الحسن فلا ندري أهو أشعث بن سوار أم أشعث بن عبد الملك الحمراني أم غيرهما؟ شرح حديث سلمان بن عامر الضبي في العقيقة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق حدثنا هشام بن حسان عن حفصة بنت سيرين عن الرباب عن سلمان بن عامر الضبي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (مع الغلام عقيقة، فأهريقوا عنه دماً، وأميطوا عنه الأذى) ]. أورد أبو داود حديث سلمان بن عامر الضبي رضي الله عنه، وفيه: [ (مع الغلام عقيقة) ] أي تذبح عنه عقيقة كما مر حديث: (عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة) وكذلك في حديث سمرة : (كل غلام رهينة بعقيقته) وهنا قال: (مع الغلام عقيقة) يعني أنه يشرع في حقه أو يجب في حقه عقيقة. قوله: [ (فأهريقوا عنه دماً) ] هو العقيقة، وجاء بيان ذلك أن الغلام له شاتان والجارية شاة واحدة. قوله: [ (وأميطوا عنه الأذى) ] أي بحلق رأسه وإزالة كل شيء مما يعلق بجسده من آثار الولادة. تراجم رجال إسناد حديث سلمان بن عامر الضبي في العقيقة قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. الحسن بن علي الحلواني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا عبد الرزاق ]. عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام بن حسان ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حفصة بنت سيرين ]. وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة. [ عن الرباب ]. الرباب بنت صليع الضبية وهي مقبولة، أخرج لها البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن سلمان بن عامر الضبي ]. سلمان بن عامر الضبي رضي الله عنه، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. شرح أثر الحسن في معنى إماطة الأذى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يحيى بن خلف حدثنا عبد الأعلى حدثنا هشام عن الحسن أنه كان يقول: إماطة الأذى حلق الرأس ]. أورد المصنف هذا الأثر عن الحسن ، وأنه كان يقول: [ إماطة الأذى حلق الرأس ] أي فمعنى: (وأميطوا عنه الأذى) احلقوا رأسه، وهذا تفسير من الحسن لإماطة الأذى، وهو مقطوع لأنه متن انتهى إلى تابعي، وهو الحسن بن أبي الحسن البصري . تراجم رجال إسناد أثر الحسن في معنى إماطة الأذى قوله: [ حدثنا يحيى بن خلف ]. يحيى بن خلف صدوق، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ حدثنا عبد الأعلى ]. عبد الأعلى بن عبد الأعلى ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام عن الحسن ]. هشام بن حسان مر ذكره، والحسن مر ذكره. شرح حديث ابن عباس في عق النبي عن الحسن والحسين قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو حدثنا عبد الوارث حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عق عن الحسن و الحسين كبشاً كبشاً) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن و الحسين كبشاً كبشاً) ] وظاهره أن كل واحد عق عنه بكبش، لكن الذي ثبت أنه عق بكبشين عن كل واحد، وهذا مطابق لما جاء عنه صلى الله عليه وسلم من أن عن الغلام شاتان مثلان والجارية شاة. وقد جاء عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم عق بشاتين عن كل واحد منهما، وجاء هنا أنه ذبح عن كل واحد كبشاً، فتكون رواية الكبشين هي الراجحة وهي المقدمة، وتكون هذه الرواية صحيحة ولكنها شاذة، والصحيح كبشان عن كل واحد، وهو المطابق للروايات الأخرى التي فيها توجيهه صلى الله عليه وسلم بأن يعق عن الغلام بشاتين. والقضية كما هو معلوم متعلقة بموضوع واحد فإما أنه عق بكبشين وإما بكبش، وليست القصة متعددة أو أن الأمر يقبل التعدد، فليس فيها إلا أن يقال: صحيح وأصح، فيكون الأصح هو المقدم والراجح، وهو أن العق حصل بشاتين وليس بشاة واحدة. تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في عق النبي عن الحسن والحسين قوله: [ حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو ]. هو ابن أبي الحجاج المقعد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الوارث ]. عبد الوارث بن سعيد العنبري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أيوب ]. أيوب بن أبي تميمة السختياني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة ]. عكرمة مولى ابن عباس ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
__________________
|
#562
|
||||
|
||||
![]() الأسئلة من الذي يتولى العقيقة السؤال: من الذي يتولى العقيقة؟ الجواب: الأب هو الذي يتولاها؛ لكن يجوز أن يتولاها غيره، لأن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن و الحسين ، وهو أبوهما، لكن علياً هو الأصل، فعق النبي صلى الله عليه وسلم عنهما وهو جدهما وهما من أبنائه، ولكن الذي عليه العقيقة هو الأب، فدل هذا على أنه يمكن أن يعق غير الأب ويقوم مقامه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام مقام علي رضي الله عنه في العق عن الحسن و الحسين . كيفية توزيع لحم العقيقة السؤال: ماذا يفعل بلحم العقيقة؛ هل يوزع نيئاً أو يطبخ؟ الجواب: الذي يبدو أنه يؤكل منها ويتصدق، وسواء وزع مطبوخاً أو نيئاً فلا بأس بذلك، والكل سائغ. حكم الوليمة في العقيقة السؤال: عندنا من يرى أن الوليمة في العقيقة ودعوة الناس إليها من البدع؟ الجواب: لا يوجد شيء يدل على أن هذا مبتدع، فكون الإنسان يعق ويدعو الناس ويطعمهم ويتصدق جائز، سواء أطعمهم أو جمعهم وأكلوا، والقول أنه من البدع ليس بصحيح، بل هذا سائغ، سواء طبخ اللحم ودعي له من يستحقه من الفقراء والمساكين ومن الأقارب، أو وزع على الأقارب والفقراء والمساكين ولم يطبخ منه شيء، فكل ذلك سائغ. ولم يثبت في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تنزع أعضاء العقيقة وتوزع وإنما يعمل بها كما يعمل بغيرها، ويمكن أن تطبخ ويأتي الناس ويأكلون اللحم، ويمكن أن توزع، فهي مثل الأضحية للإنسان أن يطبخ اللحم ويدعو الفقراء والمساكين ويطعمهم، ويمكن أن يعطيهم لحماً نيئاً يطبخونه في بيوتهم، كل ذلك سائغ ولا بدعة لا في هذا ولا في هذا. حكم عدم التصدق من العقيقة السؤال: هل يجوز للمرء أن يأكل العقيقة كلها؟ الجواب: لا ينبغي أن يأكلها كلها، بل ينبغي شكر الله عز وجل على المولود ويتصدق منها؛ لأن الشكر يتطلب إعطاء من يستحق. حكم توزيع لحم العقيقة على المصلين السؤال: عندنا عادة، وهي أنا نوزع من لحوم العقيقة في المسجد على المصلين، فهل هذا الفعل صحيح؟ الجواب: إحضار اللحم إلى المسجد لا ينبغي. تابع ما جاء في العقيقة شرح حديث عبد الله بن عمرو في كراهة اسم العقيقة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي حدثنا داود بن قيس عن عمرو بن شعيب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال، ح وحدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا عبد الملك -يعني ابن عمرو - عن داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه أراه عن جده قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن العقيقة فقال: (لا يحب الله العقوق -كأنه كره الاسم- وقال: من ولد له ولد فأحب أن ينسك عنه فلينسك، عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة) وسئل عن الفرع فقال: (والفرع حق، وأن تتركوه حتى يكون بكراً شغزباً ابن مخاض أو ابن لبون فتعطيه أرملة أو تحمل عليه في سبيل الله، خير من أن تذبحه فيلزق لحمه بوبره، وتكفئ إناءك، وتوله ناقتك) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أنه قال: [ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال: (لا يحب الله العقوق -كأنه كره الاسم-) ] أي: لأن هذا الاسم يشبه العقوق؛ ولكنه قد جاء هذا اللفظ في كلامه صلى الله عليه وسلم كما مر في الأحاديث: (كل غلام مرتهن بعقيقته)، ومعنى ذلك أنه سائغ ولكن كونه يطلق عليه نسيكة هو الأولى، واسم العقيقة هو الذي اشتهر، ولهذا يؤتى به في كتب الفقه وفي كتب الحديث، ولا يؤتى بنسيكة؛ لأن النسيكة لفظ عام يشمل الأضاحي ويشمل الهدي، واسم العقيقة هو الذي ميزها عن الهدي والأضحية. قوله: [ (وقال: من ولد له ولد فأحب أن ينسك عنه فلينسك، عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة) ]، وهذا اللفظ يشعر بعدم الوجوب. قوله: [ (وسئل عن الفرع قال: والفرع حق، وأن تتركوه حتى يكون بكراً شغزباً ابن مخاض أو ابن لبون فتعطيه أرملة أو تحمل عليه في سبيل الله؛ خير من أن تذبحه فيلزق لحمه بوبره، وتكفئ إناءك، وتوله ناقتك) ]. الفرع هو أول نتاج السائمة، وكانوا في الجاهلية يفعلونه لطواغيتهم، فجاء الإسلام وأقره، وكان قربة لله عز وجل، ولكنه جاء بعد ذلك ما يدل على أنه لا فرع ولا عتيرة في الإسلام. قوله: [ (بكراً شغزباً) ] قيل: إن الصحيح فيه (زخرباً) بالزاي في أوله ثم خاء معجمة. والمعنى: إن تتركوه حتى يكون بكراً عظيماً، خير من أن تذبحوه ولحمه رقيق يلصق بوبره، وإذا فعلتم ذلك يترتب عليه أن أمه يصيبها وله عليه، ثم بعد ذلك تكفئون الإناء الذي يحلب به؛ لأنه إذا كان الولد موجوداً فهي تدر له وترضعه ويأخذ الناس من لبنها، فيكون في ذلك فائدة لهم، وهي أنهم يستمرون في الحلب، فكونهم يتركونه ويغذونه ويأخذون من لبن أمه ما فضل عن حاجة ولدها، ويكون بكراً عظيماً يعطى لأرملة أو لفقير محتاج إليه، أو يحمل عليه في سبيل الله؛ خير من أن يذبح في أول الأمر. قوله: [ (شغزباً ابن مخاض أو ابن لبون) ]. ابن المخاض هو الذي له سنة، وابن لبون هو الذي له سنتان. تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عمرو في كراهة اسم العقيقة قوله: [ حدثنا القعنبي ]. عبد الله بن مسلمة بن قعنب ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة. [ حدثنا داود بن قيس ]. وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن عمرو بن شعيب ]. وهو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وهو صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ أن النبي صلى الله عليه وسلم ]. وعلى هذا يكون الحديث مرسلاً. [ ح وحدثنا محمد بن سليمان الأنباري ]. محمد بن سليمان الأنباري صدوق، أخرج حديثه أبو داود . [ عن عبد الملك يعني ابن عمرو ]. عبد الملك بن عمرو هو أبو عامر العقدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه ]. داود مر ذكره، وعمرو بن شعيب مر ذكره، وأبوه هو شعيب بن محمد بن عبد الله ، وهو صدوق أيضاً، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وفي جزء القراءة وأصحاب السنن. [ (أراه عن جده) ]. يعني: أظنه عن جده، أي أن هذا غير مجزوم به، وجده هو الصحابي، وإذا كان عن شعيب الذي هو والد عمرو ؛ فإنه يكون أيضاً مرسلاً إذا أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه جاء في بعض الروايات كونه مسندا ًومجزوماً به عن جده الذي هو عبد الله بن عمرو . شرح حديث بريدة في العقيقة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت حدثنا علي بن الحسين حدثني أبي حدثنا عبد الله بن بريدة سمعت أبي بريدة رضي الله عنه يقول: كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها، فلما جاء الله بالإسلام كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران ]. أورد أبو داود حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه أنهم كانوا في الجاهلية إذا ولد ذبحوا له وأخذوا الدم ولطخوه برأسه، فلما جاء الإسلام تركوا هذا الذي كان في الجاهلية، وصاروا يلطخون رأسه بالزعفران الذي هو نوع من الطيب، فكانوا في الجاهلية يلطخونه بشيء قذر، وجاء الإسلام فكانوا يلطخونه بشيء محبوب له رائحة طيبة. تراجم رجال إسناد حديث بريدة في العقيقة قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت ]. أحمد بن محمد بن ثابت ، ثقة، أخرج حديثه أبو داود . [ حدثنا علي بن الحسين ]. علي بن الحسين بن واقد ، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ حدثني أبي ]. وهو ثقة له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا عبد الله بن بريدة ]. عبد الله بن بريدة بن الحصيب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: سمعت أبي بريدة ]. بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. الأسئلة حكم التصدق بزنة شعر رأس المولود والأذان في أذنه السؤال: هل يشرع بعد حلق الرأس للمولود التصدق بزنته، وكذلك الأذان في أذنه اليمنى والإقامة في اليسرى؟ الجواب: يشرع أن يتصدق بوزن شعره ورقاً، أما الإقامة فلم تثبت، وأما الأذان فقد جاء في بعض الأحاديث، وكأن حديث الأذان حسنه الألباني في إرواء الغليل، وبلغني أنه رجع عنه فيما بعد، وأنه كان يظن أن له طريقاً أخرى تصلح أن تكون شاهداً، ثم وجدها مماثلة للطريق الموجودة. حكم العقيقة بالبقرة أو البدنة السؤال: ما حكم العقيقة بالبقرة أو الناقة؟ الجواب: جاء عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت ترى أنه لا تذبح عن المولود بدنة وإنما تذبح شاتان عن الغلام، والذي يبدو -والله أعلم- أن البدنة أنفس من الشاتين وأكثر منهما وأنفع، فالذي يبدو أنه لا بأس بها، وجاء عن بعض الصحابة أنهم فعلوا ذلك، فلا بأس بها. أما الاشتراك في البدنة عن العقيقة فقد قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه تحفة المودود في أحكام المولود: ""لا يصح الاشتراك فيها، أي العقيقة، ولا يجزئ الرأس إلا عن رأس"". ومعناه أنه لا يشترك في البدنة سبعة، مثل أن يأتي سبعة أشخاص عندهم سبع بنات فيشتركون في بدنة، فلا يشترك فيها كما يشترك في الأضحية والهدي. وقوله: (ولا يجزئ الرأس إلا عن رأس) معناه أن الذبيحة تكون عن شخص، ولا تكون عن شخصين، بل الرأس عن رأس، سواء كان الرأس من الإبل أو من الغنم؛ لكن الغلام له رأسان من الغنم. قال: (وهذا مما تخالف فيه العقيقة الهدي والأضحية)؛ لأن الهدي والأضحية تجزئ فيه البقرة عن سبعة والبدنة عن سبعة. قال: (قال الخلال في جامعه: باب حكم الجزور عن سبعة، أخبرني عبد الملك بن عبد الحميد أنه قال لأبي عبد الله : تعق جزوراً؟ فقال: أليس قد عُق بجزور؟ قلت: يعق بجزور عن سبعة؟ قال: لم أسمع في ذلك بشيء، ورأيته لا ينشط بجزور عن سبعة في العقوق). أي كونها على سبيل الاشتراك لا تصح. قال ابن القيم : ""لما كانت هذه الذبيحة جارية مجرى فداء المولود كان المشروع فيه دماً كاملاً؛ لتكون نفس فداء نفس، وأيضاً: فلو صح فيها الاشتراك لما حصل المقصود من إراقة الدم عن الولد؛ فإن إراقة الدم تقع عن واحد، ويحصل لباقي الأولاد إخراج اللحم فقط، والمقصود نفس الإراقة عن الولد، وهذا المعنى بعينه هو الذي لحظه من منع الاشتراك في الهدي والأضحية، ولكن سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحق وأولى أن تتبع، وهو الذي شرع الاشتراك في الهدايا، وشرع في العقيقة عن الغلام دمين مستقلين لا يقوم مقامهما جزور ولا بقرة، والله أعلم"". حكم الترتيب بين العقيقة وحلق رأس المولود السؤال: هل الترتيب مهم بحيث يذبح أولاً ثم يحلق الرأس؟ الجواب: هذا لا أعلم فيه شيئاً، والأمر في ذلك واسع، فما دام أنها في اليوم السابع فقدم هذا أو أخر هذا، لا بأس. حكم الختان يوم السابع السؤال: هل يستحب الختان يوم السابع؟ الجواب: لا أذكر شيئاً يدل على أنه يكون في اليوم السابع. سلامة العقيقة من العيوب السؤال: هل العقيقة يجب أن تتوافر فيها شروط الأضحية من السن والسلامة من العيوب؟ الجواب: نعم، لا بد من هذا. حكم العقيقة قبل اليوم السابع السؤال: من ذبح العقيقة قبل اليوم السابع هل يجزئه؟ الجواب: الظاهر أنه يجزئه؛ لأن الذبح في اليوم السابع ليس بواجب، بل هو مستحب. حكم ما ذبح بسن أو ظفر السؤال: إذا ذبح المرء بسن أو ظفر، فهل تعتبر ذبيحته ميتة؟ الجواب: نقل في الفتح كلاماً ومنه: قال ابن الصلاح في مشكل الوسيط: ""هذا يدل على أنه عليه الصلاة والسلام كان قد قرر أن الذكاة لا تحصل بالعظم، وأما الظفر فقيل: نهى عنه لأن الذبح به تعذيب للحيوان ولا يقع به غالباً إلا الخنق الذي ليس على صورة الذبح"". وفيه أيضاً تشبه بالكفار. ويقول الشيخ البسام في كتابه توضيح الأحكام: ""إنه يستثنى من الآلة المحددة السن وجميع العظام، كما يستثنى الظفر، فإنها وإن كانت محددة فإنه لا يجوز الذبح بها ولا تحل الذبيحة بها"". ونقل أن الشيخ عبد الرحمن السعدي قال: ""الصحيح أن جميع العظام لا تحل الذكاة بها"". كلام الشيخ الألباني عن الفرع والعتيرة فائدة: قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى بعد أن ذكر أحاديث في الفرع: ""هذا وقد أفادت هذه الأحاديث مشروعية الفرع، وهو ذبح أول النتاج على أن يكون لله تعالى، ومشروعية الذبح في رجب وغيره بدون تمييز وتخصيص لرجب على ما سواه من الأشهر، فلا تعارض بينها وبين الحديث المتقدم: (لا فرع ولا عتيرة)؛ لأنه إنما أبطل صلى الله عليه وسلم به الفرع الذي كان أهل الجاهلية يفعلونه لأصنامهم، والعتيرة وهي الذبيحة التي يخصون بها رجب ]. ومر في الحديث عند أبي داود قوله: (اذبحوا لله في كل شهر، وبروا لله، وتصدقوا) وذلك لما سئل عن العتيرة وكونها رجبية، فذكر أن شهر رجب لا يخص بشيء من ذلك. كلام النووي في الذكاة بالسن والظفر فائدة: قال في العون: قال النووي : ""معناه فلا تذبحوا به لأنه يتنجس بالدم، وقد نهيتم عن الاستنجاء بالعظام لئلا تتنجس؛ لكونها زاد إخوانكم من الجن، والحديث فيه بيان أن السن والظفر لا يقع بهما الذكاة بوجه""، وهذا معناه أنه لا تحصل به الذكاة وأنها تكون ميتة. ثم قال: ""وفيه دلالة على أن العظم كذلك، لأنه لما علل السن قال: لأنه عظم؛ فكل عظم من العظام يجب أن تكون الذكاة به محرمة غير جائزة"". حكم من نوى الحج مفرداً ثم اعتمر في أشهر الحج السؤال: جاء رجل للحج بنية الإفراد، ولما وصل في ذي القعدة إلى مكة اعتمر وأكمل عمرته ورجع إلى المدينة، فهل يكون متمتعاً أو مفرداً؟ الجواب: ما دام أنه اعتمر في أشهر الحج وهو في سفر الحج، وإنما جاء للمدينة زائراً ثم يرجع إلى مكة؛ فهو متمتع، وخروجه للمدينة لا يسقط تمتعه، وإنما يسقطه إذا رجع إلى بلده ثم جاء من جديد، وأما إذا اعتمر ولم يرجع إلى بلده فإنه يعتبر متمتعاً، وإذا جاء المدينة فإن شاء فله أن يحرم بعمرة ثانية ليتحلل منها ويبقى في مكة حتى يأتيه الحج، ثم يحرم متمتعاً بالحج، وإن شاء أن يحرم بالحج من المدينة فله ذلك وهو متمتع، لكن كونه يحرم بعمرة ثانية فيكون عنده عمرة ثانية وحج أفضل، وهاتان العمرتان هما العمرتان المشروعتان، لا العمرة التي يتردد الناس فيها بين التنعيم والحرم، فيكون عنده عمرتان مشروعتان جاء بهما من المواقيت. ميقات من اعتمر في أشهر الحج ثم خرج من مكة السؤال: رجل اعتمر في أشهر الحج ثم ذهب إلى جدة أو خارج الحرم، وفي يوم التروية يريد أن يحج، فمن أين يكون ميقاته؟ الجواب: إذا كان داخل المواقيت فله أن يحرم من المكان الذي هو فيه وله أن يحرم من مكة، وإن كان قد خرج من المواقيت فلا يجوز أن يمر بالميقات إلا وقد أحرم. كيفية زكاة البقر لمن يربيها للبيع السؤال: رجل يقوم بتربية البقر وتسمينها، ثم يقوم ببيعها وعددها دون النصاب، فكيف يخرج زكاتها؟ الجواب: ما دام أنه يعدها للبيع ويتجر بها، فتكون زكاتها زكاة عروض التجارة، فإذا حال عليها الحول يقومها ويزكيها زكاة عروض التجارة. حكم أكل لحم الوكيرة السؤال: ما حكم من ذبح وذكر اسم الله، ولكن لم تكن الذبيحة لله، إنما ذبح لأجل بناء بيت جديد أو غير ذلك؟ الجواب: يجوز للإنسان أن يذبح من أجل بناء بيت جديد ويقيم وليمة، وهي ما يسميها الفقهاء بالوكيرة، فهو لم يذبح على أنها أضحية أو صدقة، وإنما ذبح على أنها ذبيحة تذبح في هذه المناسبة، ولا يقال: إنه لم يذبح لله، فقد قال الله: إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ [الأنعام:162]؛ لكن الذي دفعه إلى ذلك هو بمناسبة كونه بنى بيتاً وأراد أن يطعم الناس أو يدل الناس على بيته."
__________________
|
#563
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الاضحية شرح سنن أبي داود [335] الحلقة (367) شرح سنن أبي داود [335] أباح الله سبحانه وتعالى الصيد لعباده، فلهم أن يصطادوا مما أحل الله لهم، إما بسهامهم ورماحهم ونحوها، وإما بكلابهم وصقورهم المعلمة، ويشترط للصيد ذكر الله عند الإرسال، وأن يصيد الجارح لصاحبه، وغير ذلك من الأمور التي فصلتها السنة النبوية، وشرحها العلماء. اتخاذ الكلب للصيد وغيره شرح حديث أبي هريرة في اتخاذ الكلب للصيد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ كتاب الصيد. باب في اتخاذ الكلب للصيد وغيره. حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (من اتخذ كلباً إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع انتقص من أجره كل يوم قيراط) ]. لما ذكر أبو داود رحمه الله كتاب الأضاحي عقبه بكتاب الصيد، وفي ذلك تناسب؛ لأن كلاً منهما يذبح ويستفاد منه، لكن الصيد لما كان من قبيل المتوحش أفرده بكتاب يخصه فقال: [ كتاب الصيد ]. والصيد اسم لكل حيوان متوحش سواء كان من ذوات الرجلين كالطيور، أو الأربع كحمر الوحش والغزلان والأرانب وغير ذلك، فهو المتوحش غير المستأنس الذي يألف الناس ويكون معهم كالحيوانات المستأنسة. والمتوحشة هي التي تنفر من الناس وتهرب منهم، فصار لها أحكام تخصها، وهي أحكام الصيد. والصيد يطلق على الاصطياد ويطلق على الحيوان المصيد، ومن إطلاقه على الاصطياد ما جاء في الحديث: (إلا كلب صيد) يعني: كلباً يتخذ للاصطياد، وأما إطلاقه على المصيد فمنه قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [المائدة:95]، وقوله: لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ [المائدة:94]. وقد أورد أبو داود باباً في اتخاذ الكلب للصيد وغيره، أي لغير الصيد من الزرع والماشية، هذا المقصود بقوله [ وغيره ]، ولكنه أورده هنا من أجل أن له تعلقاً بالصيد، فنص على الصيد وأبهم غيره بقوله: [ وغيره ]، وقد أورد حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [ (من اتخذ كلباً إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع، انتقص من أجره كل يوم قيراط) ]. والحديث يدل على أنه لا يجوز اتخاذ الكلاب إلا لهذه الأغراض الثلاثة التي وردت في هذا الحديث، وهي كونه للزرع وللماشية وللصيد. وفيه أن اقتناءها لغير هذه الأمور يترتب عليه انتقاص الأجر، وأنه كل يوم من الأيام ينقص من أجره قيراط، ومعنى هذا أن اقتناءه واتخاذه لغير هذه الأمور يلحق به مضرة وهي انتقاص أجره، ومعلوم أن الإنسان أحوج ما يكون إلى أن يبقي على أجره، فإذا كان اقتناء هذا الحيوان لغير هذه الأغراض فيه هذه العقوبة؛ فإن اللائق بالمسلم أن يبتعد عن اتخاذه إلا لهذه الأغراض التي جاءت في هذا الحديث، وكذلك ما يشبهها أو يلحق بها من اتخاذ الكلاب لمعرفة الأشياء التي يحتاج إلى معرفتها، كالكلاب التي يتعرف بها على المخدرات وعلى الأشياء التي فيها ضرر على الناس، فإذا ترتب على ذلك مصلحة وجربت لذلك؛ فإن ذلك من الأمور التي يحتاج إليها الناس لاكتشاف تلك الأوبئة والأمور المحرمة التي تكشفها عن طريق حاسة الشم التي جعلها الله تعالى فيها. وقد جاء في الحديث أن الملائكة لا تدخل البيت الذي فيه كلب، ولما تأخر جبريل عن النبي صلى الله عليه وسلم كان سبب ذلك أنه كان في بيته جرو كلب تحت السرير، فإذاً: من أضرار اتخاذ الكلاب لغير الأغراض المذكورة في الحديث أن البيت لا تدخله الملائكة. قوله: [ (من اتخذ كلباً إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع) ]. كلب الماشية هو الذي يكون مع الغنم لحراستها. وكلب الزرع الذي يكون في البساتين لحراستها ممن يأتي إليها ويحصل منه الاعتداء عليها. وكلب الصيد هو الذي يتخذ للصيد، وهو الكلب الذي يعلم لذلك، وستأتي أحاديث عديدة تتعلق بالكلاب وما يحل من صيدها وما لا يحل. قوله: [ (انتقص من أجره كل يوم قيراط) ]. القيراط مقدار من الأجر الله تعالى أعلم به، ولكن عندما يعرف الإنسان أن في ذلك الاتخاذ نقصاً من أجره؛ فالذي يقتضيه العقل السليم والفهم الصحيح ألا يعرض نفسه لانتقاص أي شيء من أجره ولو كان ذلك المنتقص قليلاً. وقد جاء في الحديث: (من صلى على الجنازة فله قيراط ومن تبعها حتى تدفن فله قيراطان، قيل: وما القيراط يا رسول الله؟! قال: مثل جبل أحد)، فقدر القيراط هناك بجبل أحد، ولكن لم يقدره هنا. تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في اتخاذ الكلب للصيد قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. الحسن بن علي الحلواني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا عبد الرزاق ]. عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. معمر بن راشد الأزدي البصري اليماني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري المدني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة ]. أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وهم: أبو سلمة بن عبد الرحمن هذا الذي معنا، وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، و أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام . [ عن أبي هريرة ]. عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة أحاديث على الإطلاق عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عن أبي هريرة وعن الصحابة أجمعين. شرح حديث عبد الله بن مغفل في قتل الكلاب قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يزيد حدثنا يونس عن الحسن عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها، فاقتلوا منها الأسود البهيم) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه مرفوعاً: [ (لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها، فاقتلوا الأسود البهيم) ] والبهيم هو الخالص السواد، وقد جاء عن النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم الأمر بقتل الكلاب، ولكنه نهى عن ذلك؛ لأنها أمة من الأمم، وقد خلقها الله تعالى لحكمة، والأمر بقتلها يؤدي إلى إفنائها، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن المنع من قتلها أنها أمة من الأمم، والله تعالى أوجدها لحكمة، فلا يصلح أن تفنى ويقضى عليها، ولكنه أرشد إلى قتل نوع منها، وهو الأسود البهيم الخالص السواد، وقد جاء في بعض الأحاديث أنه شيطان، وجاء في بعضها أنه عقور، أي يعقر ويحصل منه إيذاء الناس. تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن مغفل في قتل الكلاب قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يزيد ]. وهو ابن زريع ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يونس ]. يونس بن عبيد ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن ]. الحسن بن أبي الحسن البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن مغفل ]. عبد الله بن مغفل رضي الله عنه، وقد أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث جابر في قتل الكلاب قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يحيى بن خلف حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير عن جابر رضي الله عنه قال: (أمر نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم بقتل الكلاب، حتى إن كانت المرأة تقدم من البادية -يعني بالكلب- فنقتله، ثم نهانا عن قتلها، وقال: عليكم بالأسود) ]. أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بقتل الكلاب، فكانوا يقتلونها، حتى إن المرأة تأتي من البادية ومعها كلب، فيعمدون إليه ويقتلونه امتثالاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إنه نهى عن ذلك، وقال: (عليكم بالأسود)، وهذا مطابق لما تقدم في الحديث السابق: (لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها، ولكن عليكم بالأسود البهيم). إذاً: الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بقتلها، ثم نسخ ذلك بكونه نهاهم عن أن يقتلوها، وأرشد إلى قتل الأسود البهيم. تراجم رجال إسناد حديث جابر في قتل الكلاب قوله: [ حدثنا يحيى بن خلف ]. صدوق، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ حدثنا أبو عاصم ]. هو الضحاك بن مخلد النبيل ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني أبو الزبير ]. محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. ما جاء في الصيد شرح حديث عدي بن حاتم في شروط الصيد بالكلب والمعراض قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الصيد. حدثنا محمد بن عيسى حدثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن همام عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: (سألت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قلت: إني أرسل الكلاب المعلمة فتمسك علي أفآكل؟ قال: إذا أرسلت الكلاب المعلمة وذكرت اسم الله؛ فكل مما أمسكن عليك قلت: وإن قتلن؟ قال: وإن قتلن ما لم يشركها كلب ليس منها، قلت: أرمي بالمعراض فأصيب، أفآكل؟ قال: إذا رميت بالمعراض وذكرت اسم الله فأصاب فخرق فكل، وإن أصابه بعرضه فلا تأكل) ]. أورد أبو داود باباً في الصيد، أي: الاصطياد، وسواء كان ذلك بالآلة التي تكون بيد الإنسان كالسهام، أو بواسطة الكلاب المعلمة، أو بواسطة الطيور المعلمة كالباز ونحوه من الصقور والفهود التي تتخذ للاصطياد؛ فكل هذه من الوسائل التي يتم بها الاصطياد. ولكن الحيوانات إنما يحل صيدها إذا كانت معلمة، وبشروط وقيود جاءت في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد أورد أبو داود حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: [ (سألت النبي صلى الله عليه وسلم قلت: إني أرسل الكلاب المعلمة فتمسك علي أفآكل؟ قال: إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل مما أمسكن عليك) ] يعني: يشترط أن يكون معلماً، وأن يرسله، وأن يذكر اسم الله عليه، وأن يمسك لصاحبه لا لنفسه؛ فهذه قيود وأمور مطلوبة في الحيوان الذي يصيد كالكلب. والمعلم هو الذي درب على أنه إذا أرسل انطلق، وإذا زجر ومنع امتنع، وإذا صاد لم يأكل وإنما يترك الصيد لمن أرسله. قوله: [ (فكل مما أمسكن عليك) ] يعني أنه إذا كان إمساكها إنما هو من أجلك، ولم تمسك لنفسها، فلك أن تأكل، وأما إذا أمسكته وأكلت؛ فهذا يدل على أنها أمسكت لنفسها ولم تمسك لك، فينتفي حينئذ هذا القيد الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي جاء في القرآن: وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ [المائدة:4] وإذا انتفى لم يحل ما أمسكته. وأيضاً مع إمساكها لابد أن تكون قد جرحته إن كان قد مات، وإن أمسكته وبقي على قيد الحياة فجاء صاحبها وذبحه الذبح المشروع في الرقبة أو في الحلق أو اللبة فذاك، وأما إن أمسكه ولم يجرحه ولكنه ضربه أو برك عليه ومات بثقله، فإنه لا يحل ويكون ميتة، مثل المتردية والنطيحة، وكذلك إذا لم يجرحه وأدركه صاحبه وبه حياة ولكنه لم يذبحه فإنه يكون ميتة ويكون وقيذاً، أي مثل الذي رمي بحجر أو معراض ومات بسبب الثقل، كما سيأتي أنه إذا أرسل الرمح فأصابه بحده فخزق حل، وإن كان بعرضه -أي بثقله- فإنه لا يحل. فالكلب إذا أمسك إما أن يجرح وإما أن يمسكه وهو حي ويأتي صاحبه ويذبحه فهذان حلال، وإن أمسكه فضربه أو برك عليه ومات بسبب بروكه عليه أو بسبب ضربه، فإنه يكون ميتة ولا يحل أكله. قوله: [ (قلت: وإن قتلن؟ قال: وإن قلتن، ما لم يشركها كلب ليس منها) ]. والمراد بالقتل هنا كونه أدرك وهو ميت مقتول، أما إذا كان أدركه وفيه حياة وذبحه فإنه يحل، وإنما استشكل ما إذا أدركه وهو ميت وفيه جرح قد خرج منه الدم، فإذا كان كذلك فإنه يحل إلا إذا كان معها كلاب أخرى؛ لأنه قد يكون الذي قتله غير كلبه الذي أرسله وسمى عليه؛ فلهذا حرم؛ لأنه لم يكن متحققاً أنه من كلبه، أما لو أدركه وفيه حياة وذبحه فإنه يكون حلاً لذبحه إياه. فمعنى: [ (وإن قتلن) ] أي: إذا قتلنه وخرجت روحه وكان ذلك بجرحه، أما إذا كان بدون الجرح وإنما مات بالبروك عليه فإنه لا يحل. قوله: [ (قلت: أرمي بالمعراض فأصيب أفآكل؟ قال: إذا رميت بالمعراض وذكرت اسم الله فأصاب فخرق فكل، وإن أصابه بعرضه فلا تأكل) ]. المعراض هو خشبة في رأسها حديدة لها حد أو خشبة في رأسها محدد وإن لم يكن من الحديد، فإذا رمى به ثم دخل هذا الحد في الحيوان وأصابه فإنه يحل بذلك، وإن أصاب بعرضه ومات بسبب الثقل فإنه يكون وقيذاً ولا يحل. تراجم رجال إسناد حديث عدي بن حاتم في شروط الصيد بالكلب والمعراض قوله: [ حدثنا محمد بن عيسى ]. هو محمد بن عيسى الطباع ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا جرير ]. جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور ]. منصور بن معتمر الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم ]. إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن همام ]. وهو همام بن الحارث وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عدي بن حاتم ]. عدي بن حاتم رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث عدي بن حاتم في الصيد بالكلب ما لم يأكل من الفريسة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد بن السري حدثنا ابن فضيل عن بيان عن عامر عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه قال: (سألت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قلت: إنا نصيد بهذه الكلاب، فقال لي: إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله عليها، فكل مما أمسكن عليك وإن قتل، إلا أن يأكل الكلب فإن أكل الكلب فلا تأكل، فإني أخاف أن يكون إنما أمسكه على نفسه) ]. أورد أبو داود حديث عدي بن حاتم ، وفيه ما في الذي قبله إلا أنه قال: [ (فإن أكل الكلب فلا تأكل، فإني أخاف أن يكون إنما أمسكه على نفسه) أي: ولم يكن أمسك لك، والقيد الذي حصل به الحل هو أن يكون مما أمسك لك، كما قال الله عليه: فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ [المائدة:4]. فإذا أكل الكلب من الصيد فإنه لا يحل؛ لأنه يكون معنى هذا أنه أمسك لنفسه ولم يمسك لصاحبه، ومن شرط حله أن يكون إمساكه لصاحبه لا لنفسه. تراجم رجال إسناد حديث عدي بن حاتم في الصيد بالكلب ما لم يأكل من الفريسة قوله: [حدثنا هناد بن السري ]. هناد بن السري أبو السري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا ابن فضيل ]. هو محمد بن فضيل بن غزوان ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكان مما تكلم فيه أن فيه تشيعاً، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في ترجمته في مقدمة فتح الباري أنه كان يقول: رحم الله عثمان ولا رحم الله من لا يترحم على عثمان ، ومعلوم أن هذا ليس شأن الشيعي الرافضي، وإنما هذا شأن السني؛ لأن الرافضة يسبون عثمان ويشتمونه، فهذه علامة على أنه سليم من هذه الوصمة التي وصم بها. [ عن بيان ]. بيان بن بشر الأحمسي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عامر ]. عامر بن شراحيل الشعبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عدي بن حاتم ]. عدي بن حاتم رضي الله عنه، وقد مر ذكره. شرح حديث عدي في أكل الصيد يوجد ميتاً من الغد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن عاصم الأحول عن الشعبي عن عدي بن حاتم رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا رميت بسهمك وذكرت اسم الله فوجدته من الغد، ولم تجده في ماء ولا فيه أثر غير سهمك فكل، وإذا اختلط بكلابك كلب من غيرها فلا تأكل، لا تدري لعله قتله الذي ليس منها) ]. أورد أبو داود حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه ومعناه أنك إذا رميت بسهمك فأصاب صيداً، ولكنه غاب عنك ثم وجدته بعد يوم ولم يكن غارقاً في ماء وليس فيه أثر غير سهمك فكل، وذلك لأنك أرسلت سهمك وذكرت اسم الله عليه فيكون هو الذي قتله، وهذا فيما إذا كان هو نفس الصيد الذي صاده، وأما إذا كان مشتبهاً به وقد يكون غيره فلا يحل له ذلك. قوله: [ (ولم تجده في ماء) ]؛ لأنه لو وجده في ماء لكان يمكن أنه مات بسبب الغرق، فيكون قد أصابه السهم ولكنه بقي فيه حياة، فلما غرق خرجت روحه بسبب الغرق. قوله: [ ولا فيه أثر غير سهمك ]. أي: لم يكن فيه أثر غير سهمك، لأنك يمكن أن تكون قد أرسلت السهم ثم وجدت فيه أثر كلب مثلاً، وهذا يعني أنه ليس منك، أو وجدت فيه سهماً غير سهمك الذي تعرفه أو تعرف مكان نفوذه فيه؛ لأنك رأيته لما نفذ فيه فوجدته نفس سهمك. قوله: [ (وإذا اختلط بكلابك كلب من غيرها فلا تأكل، لا تدري لعله قتله الذي ليس منها) ]. وهذا مثل الذي قبله في الحديث السابق، فإذا وجدت مع كلبك كلاباً أخرى ومعها صيد قد مات فلا تأكل؛ والسبب أنه ربما يكون الذي قتله غير كلبك من الكلاب الأخرى التي لم تسم عليها. تراجم رجال إسناد حديث عدي في أكل الصيد يوجد ميتاً من الغد قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو ابن سلمة بن دينار ، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عاصم الأحول ]. عاصم بن سليمان الأحول ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الشعبي عن عدي بن حاتم ]. قد مر ذكرهما. وهنا ذكر الشعبي بنسبته، وفيما مضى ذكره باسمه الذي هو عامر ، وهذا من الأمور التي يحتاج إليها في علم المصطلح وفي علم الحديث؛ لأن الإنسان الذي لا يعرف أن الشعبي هو عامر عندما يجد في إسناد ذكر عامر ويجد في إسناد آخر الشعبي يقول: هذا شخص وهذا شخص آخر، فيظن الشخص الواحد شخصين، والذي يعرف أن هذا الذي نسب فقيل له الشعبي هو هذا الذي ذكر باسمه عامر لا يلتبس عليه الأمر. شرح حديث عدي في النهي عن أكل الصيد إذا غرق قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة أخبرني عاصم الأحول عن الشعبي عن عدي بن حاتم رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إذا وقعت رميَّتُك في ماء فغرق فمات فلا تأكل) ]. أورد أبو داود حديث عدي بن حاتم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (إذا وقعت رميتك..) ] الرمية هنا بمعنى المرمية، وهو الصيد الذي رميته، ووقع في الماء ثم مات وهو في الماء. قوله: [ (فلا تأكل) ] لأن موته يمكن أن يكون بسبب الغرق وليس بسبب رميك. تراجم رجال إسناد حديث عدي في النهي عن أكل الصيد إذا غرق قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ، ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، ثقة فقيه، وهو أحد الأئمة الأربعة المشهورين من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، و أبو داود يروي عنه مباشرة، ولكنه يروي عنه أحياناً بواسطة كما هنا. [ حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ]. يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني عاصم الأحول عن الشعبي عن عدي بن حاتم ]. وقد مر ذكر الثلاثة. شرح حديث عدي في الصيد بالباز قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير حدثنا مجالد عن الشعبي عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ما علمت من كلب أو باز ثم أرسلته وذكرت اسم الله فكل مما أمسك عليك، قلت: وإن قتل؟ قال: إذا قتله ولم يأكل منه شيئاً فإنما أمسكه عليك). قال أبو داود : الباز إذا أكل فلا بأس به، والكلب إذا أكل كره، وإن شرب الدم فلا بأس به ]. قوله: [ (ما علمت من كلب أو باز) ] ، الباز من الطيور التي تتخذ للصيد، والباز والفهد يقال لها: صقر، أي أنها تصيد وتعلم. قوله: [ (ثم أرسلته وذكرت اسم الله فكل مما أمسك عليك) ] يعني: إذا كان كل منهما أمسك الصيد لك ولم يمسك لنفسه. قوله: [ (قلت: وإن قتل؟ قال: إذا قتله ولم يأكل منه شيئاً فإنما أمسكه عليك) ]. يعني: إذا وجده مقتولاً، أما إذا وجده حياً فإنه يتعين ذبحه، ولا يحل إلا بالذبح في الحلق أو اللبة، وإن وجده مقتولاً والقتل بالجرح فإنه يحل ما لم يأكل، أما إذا أكل منه فإنه لا يحل؛ لأنه يكون أمسكه لنفسه. والقتل إنما يكون بجرحه كما قدمنا، أما لو كان قتله بثقله فإنه يكون وقيذاً ولا يحل أكله إذا فارق الحياة، وإن أدرك وبه حياة وذبح حل بذبحه. وهذا الإسناد فيه مجالد بن سعيد وهو ليس بالقوي، والشيخ الألباني قال: إن ذكر الباز فيه منكر، ولكن قد جاء في القرآن قوله تعالى: وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ [المائدة:4]، والجوارح تشمل الكلاب والصقور، وقد جاء عن ابن عباس في تفسيرها أن المقصود بها الطيور والكلاب، وأنها كلها تعلم، وأن ما صيد بواسطتها فإنه يكون حلالاً، فالحديث وإن كان فيه من هو متكلم فيه، إلا أن القرآن دل على ما يشمل الكلاب ويشمل غير الكلاب من الجوارح التي تجرح وتصيد. قول أبي داود : [ الباز إذا أكل فلا بأس به، والكلب إذا أكل كره، وإن شرب الدم فلا بأس به ]. الحديث كما هو معلوم جاء فيه: [ (مما أمسك عليك) ] فإذا أكل الجارح من الصيد سواء كان الكلب أو الباز فإنه يكون قد أمسكه لنفسه، لكن لعل أبا داود إنما قال: الباز إذا أكل فلا بأس به، يعني أنه لا يتعلم إلا بالأكل، وليس مثل الكلب يتعلم بدون أكل. قوله: [ والكلب إذا أكل كره ]. يعني أنه إذا أكل فإنما قتل لنفسه. وقوله: [ وإن شرب الدم فلا بأس ] يعني أن الدم الذي يسيل إذا شربه الكلب فليس فيه محذور؛ لأن الدم المسفوح لا يحل، فإذا شرب الكلب دماً مسفوحاً يسيل من هذا الصيد فلا يقال: إنه أكل؛ لأنه شرب شيئاً محرماً على الإنسان، وليس للإنسان أن يشرب ذلك الشيء الذي شربه الكلب وهو الدم المسفوح. ولكن فيما ذكر من التفريق بين الكلب والطير أن هذا لا بأس به وأن هذا يكره غير واضح، لأن القرآن جاء مطلقاً في قوله: فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ [المائدة:4] والضمير يعود على الجوارح مطلقاً، سواء كانت كلاباً أو غير كلاب. وقوله: [ كره ] يحتمل أن يكون كراهية تحريم أو تنزيه. تراجم رجال إسناد حديث عدي في الصيد بالباز قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا عبد الله بن نمير ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا مجالد ]. مجالد بن سعيد ، وهو ليس بالقوي، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن الشعبي عن عدي بن حاتم ]. وقد مر ذكرهما. شرح حديث أبي ثعلبة الخشني في أكل صيد الكلب وإن أكل منه قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عيسى حدثنا هشيم حدثنا داود بن عمرو عن بسر بن عبيد الله عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صيد الكلب: (إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل وإن أكل منه، وكل ما ردَّت عليك يداك) ]. أورد أبو داود حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه. قوله: [ (إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل وإن أكل منه) ]، يخالف ما جاء في حديث عدي بن حاتم أنه (إذا أكل منه فلا تأكل، فإنما أخشى أن يكون أمسك لنفسه ولم يمسك لك) وهنا يقول: [ فكل وإن أكل منه) ] ، ومعنى هذا أنه حلال سواء أكل أو لم يأكل، ولكن قوله: (( فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ))، وقوله: (إذا أمسك لك) يدلان على أن إباحة الأكل فيما إذا أمسك لصاحبه لا لنفسه، ولهذا قال الشيخ الألباني : إن هذه الزيادة منكرة. وبعض أهل العلم جمع بين ما جاء في حديث أبي ثعلبة هنا وما جاء في حديث عدي بن حاتم أن حديث عدي بن حاتم محمول على ما إذا أكل منه ابتداء، بمعنى أنه من حين أمسك جعل يأكل، قالوا: ويحمل حديث أبي ثعلبة على ما إذا أمسكه وطال انتظاره لصاحبه وجاع فاحتاج إلى أن يأكل. والألباني يقول: هذه الزيادة منكرة، والصحيح أنه لا يحل إلا ما أمسك لصاحبه، وأنه إذا أكل لم يحل. قوله: [ (وكل ما ردت عليك يداك) ]. أي: ما اصطدته بالرمح وبالسهم، وهو ما أصبته بيديك؛ لأن الصيد يكون باليد ويكون بالكلاب والطيور. تراجم رجال إسناد حديث أبي ثعلبة الخشني في أكل صيد الكلب وإن أكل منه قوله: [ حدثنا محمد بن عيسى عن هشيم ]. محمد بن عيسى الطباع مر ذكره، و هشيم هو هشيم بن بشير الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا داود بن عمرو ]. وهو صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود . [ عن بسر بن عبيد الله ]. ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي إدريس الخولاني ]. واسمه عائذ الله ، وقد ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من ثقات التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي ثعلبة الخشني ]. أبو ثعلبة الخشني قيل اسمه: جرثوم بن ناشر، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث عدي في أكل الصيد يجده بعد يومين أو ثلاثة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسين بن معاذ بن خليف حدثنا عبد الأعلى حدثنا داود عن عامر عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه قال: (يا رسول الله! أحدنا يرمي الصيد فيقتفي أثره اليومين والثلاثة، ثم يجده ميتاً وفيه سهمه، أيأكل؟ قال: نعم إن شاء، أو قال: يأكل إن شاء) ]. أورد أبو داود حديث عدي بن حاتم أنه قال: [ (أحدنا يرمي الصيد فيقتفي أثره اليومين والثلاثة ثم يجده ميتاً وفيه سهمه) ]. يعني يصيب أحدنا الصيد فيقتفي أثره اليومين والثلاثة فيجده ميتاً وفيه سهمه. قوله: (أيأكل؟ قال: نعم إن شاء، أو قال: يأكل إن شاء) ] معناه أنه أباحه له صلى الله عليه وسلم وقال: إن شئت فكل وإن شئت فلا تأكل؛ وشرط ذلك كما سيأتي في بعض الروايات ألا ينتن أو يَصِلَّ، ومعلوم أنه إذا مضى عليه الوقت المذكور يتغير أو تخرج منه بعض الرائحة أو النتن، والرسول أباحه ولكنه قال: [ (نعم إن شاء) ]، ومعنى هذا أنه إن عافته نفسك فالأمر واسع. تراجم رجال إسناد حديث عدي في أكل الصيد يجده بعد يومين أو ثلاثة قوله: [ حدثنا الحسين بن معاذ بن خليف ]. الحسين بن معاذ بن خليف ثقة، أخرج له أبو داود . [ حدثنا عبد الأعلى ]. عبد الأعلى بن عبد الأعلى ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن داود ]. داود بن أبي هند ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عامر عن عدي بن حاتم ]. عامر الشعبي عن عدي بن حاتم قد مر ذكرهما. شرح حديث عدي بن حاتم في الصيد وما يشترط فيه قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير حدثنا شعبة عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي قال: قال عدي بن حاتم رضي الله عنه: (سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن المعراض فقال: إذا أصاب بحده فكل، وإذا أصاب بعرضه فلا تأكل فإنه وقيذ، قلت: أرسل كلبي؟ قال: إذا سميت فكل وإلا فلا تأكل، وإن أكل منه فلا تأكل فإنما أمسك لنفسه، فقال: أرسل كلبي فأجد عليه كلباً آخر؟ فقال: لا تأكل؛ لأنك إنما سميت على كلبك) ]. أورد أبو داود حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: [ (سألت النبي عن المعراض، فقال: إن أصاب بحده فكل، وإذا أصاب بعرضه فلا تأكل فإنه وقيذ) ] ، ومعناه أنه يكون ميتة؛ لأنه مات بسبب الثقل وبسبب الضربة فيكون مثل الذي رمي بحجر أو نحوه فمات به، فيكون بذلك وقيذاً لا يحل، وإنما الذي يحل هو الذي أصيب بحده وخرج منه الدم. قوله: [ (قلت: أرسل كلبي؟ قال: إذا سميت فكل وإلا فلا تأكل) ]. معناه أنك إذا أرسلت كلبك وسميت فكل وإلا فلا تأكل، وهذا يدل على أنه لابد من التسمية، ولابد من كونه أرسله، وأن يكون معلماً، وأن يمسك لك لا لنفسه. وقال بعض أهل العلم: إنه إذا لم يسم نسياناً فإنه يحل ولا بأس بذلك. قوله: [ (قال: إذا سميت فكل وإلا فلا تأكل، وإن أكل منه فلا تأكل فإنما أمسك لنفسه، فقال: أرسل كلبي فأجد عليه كلباً آخر؟ فقال: لا تأكل لأنك إنما سميت على كلبك) ]. هذا مثل الذي سبق أن تقدم.
__________________
|
#564
|
||||
|
||||
![]() تراجم رجال إسناد حديث عدي بن حاتم في الصيد وما يشترط فيه قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. محمد بن كثير العبدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي البصري ، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن أبي السفر ] وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن الشعبي قال: قال عدي بن حاتم ]. وقد مر ذكرهما. شرح حديث أبي ثعلبة في أكل صيد الكلب غير المعلم إن ذكي قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد بن السري عن ابن المبارك عن حيوة بن شريح قال: سمعت ربيعة بن يزيد الدمشقي يقول: أخبرني أبو إدريس الخولاني عائذ الله قال: سمعت أبا ثعلبة الخشني رضي الله عنه يقول: (قلت: يا رسول الله! إني أصيد بكلبي المعلم وبكلبي الذي ليس بمعلم؟ قال: ما صدت بكلبك المعلم فاذكر اسم الله وكل، وما صدت بكلبك الذي ليس بمعلم فأدركت ذكاته فكل) ]. أورد أبو داود حديث أبي ثعلبة الخشني وفيه أنه يرسل كلبه المعلم وغير المعلم، فأفتاه في المعلم أن إذا أرسلته وذكرت اسم الله فكل، وأما غير المعلم فإذا أرسلته وأدركته حياً وذبحته فكل، ومعنى هذا أنه لو أمسكه وقتله الكلب فإنه لا يحل لأنه كلب غير معلم، ومن شرط إباحة الصيد من الكلب أن يكون معلماً، قال تعالى: وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ [المائدة:4] فغير المعلم إنما يفيد إذا أمسك وبقي الصيد الذي أمسكه على قيد الحياة، حتى جاء صاحبه ليذبحه ويستفيد منه ويأكله، وأما إن قتله فإنه لا يحل؛ لأنه غير معلم. تراجم رجال إسناد حديث أبي ثعلبة في أكل صيد الكلب غير المعلم إن ذكي قوله: [ حدثنا هناد بن السري عن ابن المبارك ]. هناد بن السري مر ذكره، وابن المبارك هو عبد الله بن المبارك المروزي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حيوة بن شريح ]. حيوة بن شريح المصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت ربيعة بن يزيد الدمشقي ]. ربيعة بن يزيد الدمشقي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني أبو إدريس الخولاني عائذ الله قال: سمعت أبا ثعلبة الخشني ]. وقد مر ذكرهما. شرح حديث أبي ثعلبة في أكل الصيد ذكياً وغير ذكي قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المصفى حدثنا محمد بن حرب ، ح وحدثنا محمد بن المصفى حدثنا بقية عن الزبيدي حدثنا يونس بن سيف حدثنا أبو إدريس الخولاني حدثني أبو ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا أبا ثعلبة ! كل ما ردت عليك قوسك وكلبك -زاد عن ابن حرب المعلم- ويدك فكل؛ ذكياً وغير ذكي) ]. أورد أبو داود حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه: [ (قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا أبا ثعلبة ! كل ما ردت عليك قوسك) ]. يعني: ما اصطدته بقوسك، ومعلوم أن صيده بقوسه هو إذا أصاب بحده. قوله: [ (وكلبك المعلم) ] يعني بالشروط التي سبق أن تقدمت؛ وهي أن يكون أرسله، وأن يكون ذكر اسم الله عليه، وأن يكون أمسك لصاحبه لا لنفسه. قوله: [ (ويدك) ]. أي: ما اصطدته بيدك. قوله: [ (فكل ذكياً وغير ذكي) ]. فسر الذكي بأنه أدركته حياً وذكيته، وفسر غير الذكي بما لم تدركه حياً، ولكنه أصابه السهم وجرحه أو أصابه الكلب وجرحه، ومات بسبب ذلك؛ فهذا غير ذكي، بمعنى أنك لم تذكه، وإنما أصيب بالسهم الذي أصابه أو الكلب الذي جرحه، ولم تذكه أنت، فالذكي هو الذي أدركه حياً وذكاه، بأن أمسكه الكلب أو أصابه المعراض أو السهم وأدركه الرجل حياً فذكاه، أو أنه لم يدركه ولم يتمكن من تذكيته، ولكنه مات بسبب جرح الكلب أو سبب خرق السهم. تراجم رجال إسناد حديث أبي ثعلبة في أكل الصيد ذكياً وغير ذكي قوله: [ حدثنا محمد بن المصفى ]. محمد بن المصفى صدوق له أوهام، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا محمد بن حرب ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا محمد بن المصفى حدثنا بقية ]. بقية هو بقية بن الوليد ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم و أصحاب السنن. [ عن الزبيدي ]. وهو محمد بن الوليد الزبيدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا يونس بن سيف ]. وهو مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبو إدريس الخولاني حدثني أبو ثعلبة الخشني ]. وقد مر ذكرهما. شرح حديث أبي ثعلبة في الصيد وآنية المجوس قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المنهال الضرير حدثنا يزيد بن زريع حدثنا حبيب المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن أعرابياً يقال له: أبو ثعلبة قال: (يا رسول الله! إن لي كلاباً مكلبة فأفتني في صيدها؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن كان لك كلاب مكلبة فكل مما أمسكن عليك، قال: ذكياً أو غير ذكي؟ قال: نعم، قال: فإن أكل منه؟ قال: وإن أكل منه، فقال: يا رسول الله؛ أفتني في قوسي؟ قال: كل ما ردت عليك قوسك ذكياً أو غير ذكي، قال: وإن تغيب عني؟ قال: وإن تغيب عنك ما لم يَصِلَّ أو تجد فيه أثراً غير سهمك، قال: أفتني في آنية المجوس إن اضطررنا إليها؟ قال: اغسلها وكل فيها) ]. أورد أبو داود حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما يروي حديث أبي ثعلبة الخشني مفصلاً. قوله: [ (يا رسول الله! إن لي كلاباً مكلبة) ]. أي: معلمة. قوله: [ (فأفتني في صيدها) ]. أي: إذا صادت فهل يحل لي أكل صيدها أو لا؟ قوله صلى الله عليه وسلم: [ (إن كان لك كلاب مكلبة فكل مما أمسكن عليك) ]. أي: إذا أرسلتها وذكرت اسم الله عليها كما جاء مبيناً في الروايات الأخرى. وقوله: [ (ذكياً أو غير ذكي؟ قال: نعم.) ] يعني إذا أدركته حياً وذكيته أو أدركته ميتاً وقد جرحه الكلب فإنك تأكله، سواء أدركت فيه حياة فذكيته أو أدركته وقد مات بسبب جرح الكلب له وكان غير ذكي. قوله: [ (قال: وإن أكل منه؟ قال: وإن أكل منه!) ]. وهذا كما عرفنا يحمل على أنه لم يأكل منه ابتداء كما تقدم، وإنما أكل منه بعد انتظار صاحبه وحاجته إلى الأكل، فيكون أمسك لصاحبه، ولكنه احتاج إلى أن يأكل بسبب طول انتظار صاحبه له فأكل. قوله: [ (فقال: يا رسول الله! أفتني في قوسي؟ قال: كل ما ردت عليك قوسك ذكياً أو غير ذكي) ]. تأكله ذكياً بمعنى أنك أدركته وفيه حياة وذكيته، أو غير ذكي بأن أصابه سهمك ومات بسبب الإصابة ولم تذكه، فإنه يكون حلالاً، كما تقدم. قوله: [ (أو تجد فيه أثراً غير سهمك) ] معناه: أن السهم أو الإصابة ليست منك، وكانت إصابته بسبب غيرك أو وجدت فيه أثر عضة كلب مثلاً؛ فإذا كان الأمر كذلك فلا تأكل منه. وقوله: [ (ما لم يصل) ] أي: ما لم تحصل له رائحة، وقيل: إن النهي عما حصلت فيه الرائحة محمول على الكراهة، وإلا فإنه حلال ولو كان فيه رائحة مادام أنه لا يخشى أن يقع لآكله من ورائه ضرر، والرسول صلى الله عليه وسلم قد أكل إهالة سنخة، أي فيها شيء من التغير في الرائحة. قوله: [ (قال: أفتني في آنية المجوس إن اضطررنا إليها؟ قال: اغسلها وكل فيها) ]. معناه أن استعمال آنية الكفار المجوس أو أهل الكتاب الذين يستعملون النجاسات ويأكلون الخنازير والميتة؛ يجوز إذا غسلها الإنسان مما قد يكون علق بها من نجاسة حتى ذهبت بالغسل؛ وهذا إنما يكون في الإناء المستعمل، أما إذا كانت جديدة كالتي تأتي من المصانع، فإنها لا تحتاج إلى أن تغسل؛ لأنهم لم يستعملوها، وإنما الشك في الشيء الذي قد استعمل، وهو الذي يحتاج إلى أن يغسل. تراجم رجال إسناد حديث أبي ثعلبة في الصيد وآنية المجوس قوله: [ حدثنا محمد بن منهال الضرير ]. محمد بن منهال الضرير ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا يزيد بن زريع ]. يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حبيب المعلم ]. وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن شعيب ]. وهو صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. أبوه شعيب بن محمد ، وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وجزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن جده ]. جده عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. الصيد تقطع منه قطعة شرح حديث: (ما قطع من البهيمة وهي حية فهي ميتة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في صيد قطع منه قطعة. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي واقد رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما قطع من البهيمة وهي حية فهي ميتة) ]. هذا باب في صيد قطع منه قطعة، أي: فما حكم تلك القطعة التي قطعت من الصيد؟ وهنا أورد الحديث في كتاب الصيد؛ لأن الصيد من جملة ما يندرج تحت الحديث، وليس الحديث خاصاً بالصيد، بل هو عام في الصيد وغيره. فإذا قطع من الحيوان قطعة سواء كان مستأنساً أو متوحشاً، فإنها تكون حراماً؛ لأن القطعة التي تبان من الحي تعتبر ميتة، ولا تعتبر ذبيحة مباحة، بل هي قطعة انفصلت من حي فكانت ميتة، أي: حكمها حكم الميتة في أنها لا تحل سواء كان ذلك في صيد أو غيره. وأورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة في كتاب الصيد مع أن الحكم يشمل الصيد وغير الصيد، لأن الغالب أن القطعة التي تقتطع تكون برمي الصيد، فتنقطع قطعة منه ويبقى حياً، فهذه القطعة التي قطعت منه تكون حراماً ولا تحل، وتعتبر ميتة لا يجوز أكلها، هذا هو مقتضى ما تدل عليه الترجمة. وقد أورد أبو داود حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه: [ (ما قطع من البهيمة وهي حية فهي ميتة) ] أي الذي قطع منها وهي حية فهي ميتة؛ لأنها انفصلت من حي فيكون حكمها حكم الميتة، وعلى هذا فالصيد إذا رمي ثم سقط منه قطعة وبقي هو حياً، فهرب أو بقي على قيد الحياة؛ فإن هذه القطعة التي انفصلت منه ميتة، لكن لو أنه رمى الصيد حتى مزقه وتقطع قطعاً ومات بسبب ذلك فالقطع كلها حلال، لأن إزهاق نفسه حصل بتمزيقه وتقطيعه بتلك الرمية، فليس هناك شيء انفصل من حي؛ فيكون مباحاً. فلو رمي الطير أو الأرنب أو الغزال حتى تفرق قطعاً أو أنه ضربها فقطعها قطعتين وماتت بسبب ذلك القطع، فإن الكل يكون حلالاً. تراجم رجال إسناد حديث: (ما قطع من البهيمة وهي حية فهي ميتة) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا هاشم بن قاسم ]. هاشم بن قاسم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ]. وهو صدوق يخطئ، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن زيد بن أسلم ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء بن يسار ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي واقد ]. أبو واقد الليثي رضي الله عنه، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. اتباع الصيد شرح حديث ابن عباس في اتباع الصيد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في اتباع الصيد. حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان حدثني أبو موسى عن وهب بن منبه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقال مرة سفيان : ولا أعلمه إلا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقال: (من سكن البادية جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى السلطان افتتن) ]. معنى اتباع الصيد أن يهوى الإنسان الصيد وينشغل به حتى يتعلق قلبه بالصيد، فالمقصود باتباع الصيد من يشغل نفسه بمتابعة الصيد والسعي وراءه وتحصيله، فيضيع عليه الوقت وهو يتبع الصيد. وقد أورد أبو داود حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (من سكن البادية جفا) ]، أي صار من الأعراب الذين هم جفاة، وعندهم غلظ في الطباع، فليس عندهم سهولة وليونة، وإنما عندهم شدة وقسوة وغلظ في الطباع، والمعنى أنه صار عنده جفوة. قوله: [ (ومن اتبع الصيد غفل) ] أي: صار عنده غفلة؛ لأنه يضيع وقته في اللهو بالصيد ومتابعته وقطع المسافات وقتل الأوقات في سبيل متابعته، ثم قد يحصل شيئاً، وقد لا يحصل شيئاً فيكون في ذلك غفلة، والمعنى أنه يكون عنده شيء من الغفلة بسبب اتباعه للصيد وافتتانه وتعلقه به، فتجده يقتل الأوقات ويمضي الساعات في متابعة الصيد، وهذا شيء مذموم. قوله: [ (ومن أتى السلطان افتُتن) ] أو افتَتن، أي حصلت له فتنة في دينه، وهذا فيما إذا أتى السلطان من أجل تحصيل دنيا، أو من أجل متابعته على ظلم إذا كان ظالماً. فإتيان السلطان يكون مذموماً إذا كان من أجل تحصيل الدنيا، ومن أجل متابعته وأن يكون معه، وإذا كان ظالماً تجده يحبب له الظلم ويؤيده على الظلم ويساعده عليه، فإن تلك فتنة للإنسان. وأما إذا أتى السلطان لحاجته أو لأمر يتعلق بمصلحته، أو كان له حق فاحتاج إلى أن يذهب إلى السلطان، وكذلك من ذهب إلى السلطان لنصحه وما إلى ذلك؛ فإن هذا أمر محمود وليس فيه افتتان، بل هذا فيه نصح لولاة الأمور، وهو أمر مطلوب، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم). وعلى هذا فالدخول على السلطان والإتيان إليه قد يكون محموداً وقد يكون مذموماً، فيكون مذموماً إذا كان المقصود هو الدنيا، أو الرغبة في متابعته، وكان يترتب على ذلك تأييده في أمر لا يسوغ من الظلم أو غير ذلك، ويكون محموداً إذا كان لغير ذلك؛ بأن ذهب إليه من أجل حاجة أو كانت له مظلمة واحتاج إلى أن يذهب إلى السلطان لتخليص مظلمته، أو لنصحه؛ فهذا أمر محمود. تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في اتباع الصيد قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. يحيى بن سعيد القطان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي ، ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثني أبو موسى ]. أبو موسى يروي عن وهب بن منبه وهو مجهول، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن وهب بن منبه ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة فقد أخرج له في التفسير. [ عن ابن عباس ]. عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. والحديث في إسناده رجل مجهول، ولكن له شاهد من حديث أبي هريرة عند الإمام أحمد وغيره، فيكون ثابتاً لذلك، ويشهد له ما يأتي أيضاً. [ وقال مرة سفيان : ولا أعلمه إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. يعني أن سفيان أتى به مرة على أنه مرفوع جزماً، ومرة على أن عنده فيه شكَّاً. شرح حديث أبي هريرة في اتباع الصيد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عيسى حدثنا محمد بن عبيد حدثنا الحسن بن الحكم النخعي عن عدي بن ثابت عن شيخ من الأنصار عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمعنى مسدد قال: (ومن لزم السلطان افتتن)، زاد: (وما ازداد عبد من السلطان دنواً إلا ازداد من الله بعداً) ]. هذا الحديث عن أبي هريرة في إسناده رجل مجهول، ولكن نحوه في مسند الإمام أحمد بإسناد متصل وليس فيه من هو مجهول، فيكون شاهداً للحديث الأول، وهذا أيضاً يكون شاهداً له، أعني الجملة السابقة التي بمعنى حديث مسدد ، التي هي: (من سكن البادية جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى السلطان افتتن). قوله: [ (ومن لزم السلطان افتتن، وما ازداد عبد من السلطان دنواً إلا ازداد من الله بعداً) ]. هنا قال: [ (من لزم السلطان افتتن) ] ففيه ملازمة السلطان، وما تقدم ذكر الإتيان، ومن المعلوم أن الملازمة غير الإتيان، فالملازمة أن يكون موجوداً معه بصفة دائمة، وأما الذي يأتيه فقد يأتيه للحاجة. وقد كان بعض العلماء يتكلمون في بعض الرواة يقولون: إنه كان يدخل على السلطان، وكان هذا قدحاً ولكنه غير مؤثر؛ لأن الدخول على السلطان قد يكون لحاجته هو أو لأمر يخصه، أو لمظلمة تتعلق به، أو لنصحه، أما إذا كان على الوجه الذي ذكرت في الحديث السابق، وهو طلب الدنيا والإعانة على الظلم؛ فهذا يكون مذموماً. فتجد في بعض التراجم عندما يذكرون الرجل يقولون: إلا أنه كان يدخل على السلطان أو يأتي السلطان، وهذا لا يؤثر كما ذكرت، وهناك من رجال الكتب الستة من كان كذلك، مثل حميد بن أبي حميد الطويل قال في التقريب: عابوا عليه الدخول على السلطان، وهو من رجال الكتب الستة، ومن الثقات الأثبات. قوله: [ (وما ازداد عبد من السلطان دنوًّا إلا ازداد من الله بعداً) ]. معناه فيما إذا كان من أجل مناصرته على الظلم إذا كان ظالماً، أو من أجل تحصيل أمور دنيوية والتكاثر فيها، ولكن الحديث في إسناده رجل مجهول، فهو غير ثابت بهذه الزيادة. تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في اتباع الصيد قوله: [ حدثنا محمد بن عيسى ]. محمد بن عيسى الطباع ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا محمد بن عبيد ]. محمد بن عبيد الطنافسي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الحسن بن الحكم النخعي ]. وهو صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي في مسند علي و ابن ماجة . [ عن عدي بن ثابت ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شيخ من الأنصار ]. هذا يقال له: مبهم؛ لأنه ما ذكر اسمه، فالذي لم يذكر اسمه يقال له: مبهم، فالمبهم أن يقال: رجل أو شيخ أو امرأة أو ما إلى ذلك، أما إذا ذكر اسمه ولم يذكر اسم أبيه وهو يلتبس بغيره، فهذا يقال له: المهمل. [ عن أبي هريرة ]. عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق؛ رضي الله عنه وأرضاه. [ بمعنى مسدد ]. يعني بمعنى حديث مسدد الذي مر قبل هذا. ذكر المراد بالسلطان في حديث ذم اتباع الصيد السلطان هو الوالي الأعظم، وكذلك الأمراء، ونائب السلطان يعتبر سلطاناً؛ لأن من لازم الدخول على الوالي، سواء كان الوالي الأعظم أو نائب الوالي الأعظم، للأغراض التي أشرنا إليها فيما مضى، وهي أن يحصل منه دنيا، أو يناصره أو يؤيده على ظلم أو ما إلى ذلك؛ فهذا هو الذي يذم؛ سواء كان هو الإمام الأعظم أو من نواب الإمام الأعظم. شرح حديث أبي ثعلبة في أكل الصيد إذا غاب ما لم ينتن قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يحيى بن معين حدثنا حماد بن خالد الخياط عن معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا رميت الصيد فأدركته بعد ثلاث ليال وسهمك فيه، فكله ما لم ينتن) ]. أورد أبو داود حديث أبي ثعلبة الخشني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [ (إذا رميت الصيد فأدركته بعد ثلاث ليال وسهمك فيه، فكله ما لم ينتن) ]. وهذا يدل على أن الصيد إذا أدرك ولو بعد مدة وأثر سهمه فيه فإنه يكون حلالاً ما لم ينتن، أما إذا أنتن فلا ينبغي للإنسان أن يستعمله. وقد اختلف العلماء: فمنهم من حرمه ومنهم من قال: إن هذا المنع إنما هو للتنزيه. والتقييد بكونه لم ينتن يدل على أنه لو زاد على ثلاث ليال ولم ينتن فإنه يكون مباحاً، ولو قل عن ثلاث ليال وأنتن لم يكن مباحاً؛ لأنه علق الحكم بكونه ينتن. تراجم رجال إسناد حديث أبي ثعلبة في أكل الصيد إذا غاب ما لم ينتن قوله: [ حدثنا يحيى بن معين ]. يحيى بن معين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد بن خالد الخياط ]. حماد بن خالد الخياط ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن معاوية بن صالح ]. معاوية بن صالح بن حدير ، وهو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ]. وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. وهو كذلك ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي ثعلبة الخشني ]. أبو ثعلبة الخشني جرثوم بن ناشر رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. الأسئلة حكم قتل الكلب الأسود المختص بالغير السؤال: هل يجوز لي قتل الكلب الأسود وإن لم يكن ملكاً لي؟ الجواب: إذا كان الإنسان اتخذه لحراسة أو لماشية فليس له أن يقتله، والكلب لا يكون ملكاً له ولا لغيره، فقد قلنا: إنه لا يملك، ولكنه يختص بمن يضع يده عليه. حكم قتل الكلب الأسود السؤال: هل نقول بسنية قتل الكلب الأسود لأمر النبي صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: نعم، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر بقتله وقال: (عليكم بالكلب الأسود). حكم أكل الصيد المقتول بحجر السؤال: إذا قتلت الطير بحجر، هل يجوز أن آكله؟ الجواب: هذا هو الوقيذ، فالوقيذ هو الذي يرمى بحجر. حكم اتخاذ الكلاب في البيوت السؤال: ما حكم اتخاذ كلب الحراسة، وذلك إذا كان البيت كبيراً وفيه حوش، أو كان للبيت مزرعة ملحقة به فجاء بالكلب للمزرعة، وهو كذلك يحرس البيت؟ الجواب: إذا كانت المزرعة تابعة للبيت فهذه لا يقال لها: مزرعة، إنما المزرعة ما كانت واسعة، وكانت نائية عن البيوت، أما أن يأتي بالكلب بحجة أنه يوجد زرع أو شيء من النبات بجوار البيت، فغير صحيح. حكم الحج عن المريض بغير إذنه السؤال: هل يجوز الحج عن المريض الذي لا يرجى برؤه من غير إذنه؟ أي: هل يشترط الإذن في الحج عن الغير؟ الجواب: إذا كان المرء حياً فلابد أن يكون على علم. حكم الإحرام للمتمتع عند الرجوع إلى مكة السؤال: جئت للحج من بلدي فذهبت إلى مكة واعتمرت، ثم أتيت لزيارة المسجد النبوي؛ فهل يجب علي الإحرام إذا رجعت إلى مكة مع أني لا أريد عمرة ثانية؟ الجواب: يجب عليك الإحرام، فإن أحرمت بعمرة ثانية فهو أولى لك، وإن لم تحرم بالعمرة فإنك تحرم بالحج، فلابد أن تحرم عند مرورك بالميقات، فإن أحرمت بعمرة فهو أولى لك؛ لأنك تحصل عمرتين وحجاً، وإن لم ترد العمرة فأحرم بالحج وأنت متمتع. حكم صيد المحرم للبرمائيات السؤال: المحرم ممنوع من صيد البر، فما الحكم في الحيوان البرمائي؟ الجواب: ما كان مشتبهاً فقد قال الرسول: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)، وقال: (فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه)، فالشيء الذي فيه اشتباه الأولى للإنسان تركه. حكم تكرار العمرة بعد الحج السؤال: يقول ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: ""فالعمرة التي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرعها، عمرة الداخل إلى مكة لا عمرة من كان بها فخرج إلى الحل ليعتمر، ولم يفعل ذلك أحد قط في عهده إلا عائشة رضي الله عنها وحدها من بين سائر من كان معه"". يقول: أرجو إيضاح هذه العبارة، وهل يفهم من هذا أن الذي أصله من خارج مكة ومكث في مكة للدراسة، لا يسن له أن يخرج إلى الحل ليعتمر، وماذا يفعل أهل مكة إذا أرادوا الحج أو العمرة؟ الجواب: أهل مكة إذا أرادوا العمرة يخرجون إلى الحل، وإذا أرادوا الحج يحرمون من منازلهم، والذي يكون ساكناً في مكة وإن لم يكن من أهل مكة حكمه حكم أهل مكة، ولكن الشأن في الذي يأتي حاجاً ثم يأتي بعمرة، ثم يتردد بين التنعيم والكعبة يعتمر مرات كثيرة، هذا هو الذي لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولم يفعله إلا عائشة ، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن لعائشة إلا بعد إلحاح، وقال: (يكفيك طوافك وسعيك عن حجك وعمرتك) ولأنها قارنة، ولكنها رضي الله عنها أرادت أن يحصل لها مثلما حصل لأمهات المؤمنين اللاتي أحرمن وطفن وسعين للعمرة، ثم طفن وسعين للحج، وهي منعها الحيض من أن تطوف وتسعى للعمرة، فأدخلت الحج على العمرة وصارت قارنة. حكم اتخاذ الكلاب لحراسة البيوت السؤال: ما حكم اتخاذ الكلب للحراسة في البيوت؟ الجواب: لا يجوز ذلك، وهذا يدخل في حديث: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب)؛ لأن الاستثناء جاء في هذه الثلاثة، والبيوت كانت موجودة، وما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إلا كلب حراسة للبيت، بل جاء ما يدل على أن البيت الذي فيه كلب لا تدخله الملائكة. ولا يقاس ذلك على حراسة الماشية وحراسة الزرع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة) ولم يستثن الرسول صلى الله عليه وسلم غير هذه الثلاثة. حكم بيع الكلب السؤال: الكلاب التي يجوز اتخاذها، هل يجوز شراؤها وبيعها؟ الجواب: لا يجوز شراؤها ولا بيعها، وإنما يجوز اتخاذها، ومن استغنى عنها تركها لغيره، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثمن الكلب خبيث) فلا تباع الكلاب ولا يكون لها ثمن، ولكن من احتاج إليها أخذها ومن استغنى عنها تركها. قد يحتج البعض بأنه يأخذ تكاليف التدريب، خاصة في الكلب المتخذ للصيد، وهذا لا يصح، وفائدة التدريب كونه علمه وحصل صيداً بسببه، وكونه علمه لا يقتضي أن يباح ثمنه؛ لأن الكلب أبيح لحاجة، وهو ممنوع من اتخاذه في غيرها، فمن أخذه فهو يعتبر أولى به لاختصاصه به، وأما كونه يجعله من جملة المال المتمول الذي يباع ويشترى فليس كذلك لأن الكلاب ليست من المال الذي يملك، ولكنها تتخذ في الأمور التي وردت بها خاصة. استواء الكلب المعلم وغير المعلم في النجاسة السؤال: هل الكلب المعلم يختلف عن الكلب غير المعلم من حيث الطهارة والنجاسة؟ الجواب: لا يختلفان، فهما من حيث الحكم بالطهارة والنجاسة سيان؛ ولكن هذا استثني فأبيح اتخاذه من أجل الصيد أو الماشية أو الزرع، وغير ذلك لا يجوز اتخاذه. وإذا قلنا بالنجاسة فمعلوم أن الكلب إذا ولغ في الإناء يغسل سبع مرات، وسواء في ذلك المعلم وغيره، وإذا عض الصيد فإنه يغسل؛ لكن لا كما يغسل الإناء، فلا يشترط العدد ولا التراب. حكم ما يقطع من البهيمة من الشعر والصوف وهي حية السؤال: ذكرتم أن ما قطع من حي فهي ميتة، فهل يعم ذلك الشعر ونحوه؟ الجواب: هذا الذي ذكرناه كائن فيما إذا كان المقطوع من اللحم، أما إذا كان شيئاً مما ينبت ويستخلف مرة أخرى مثل الشعر والصوف والوبر، فإن هذا لا يقال: إنه ميتة، ولا يوصف بأنه ميت، بل هذا مباح، وإنما الكلام في العضو يقطع كالرجل واليد والألية والأذن، أو غيرها مما فيه لحم. حكم المقطوع من السمك وهو حي السؤال: ما حكم المقطوع من السمك وهو حي؟ الجواب: السمك ميتته حلال كما هو معلوم، أي أنه لو وجد ميتاً فهو حلال، فالذي قطع منه يكون حلالاً."
__________________
|
#565
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الاضحية شرح سنن أبي داود [336] الحلقة (368) شرح سنن أبي داود [336] يستحب للإنسان أن يوصي بما له وما عليه، لكي يبرئ ذمته من كل الحقوق المالية، وأجاز الشرع لصاحب المال بأن يوصي لغير وارث بالثلث من ماله، واستثني من كل أحكام الوصية الأنبياء؛ إذ لا أموال لهم تورث. ما جاء فيما يؤمر به من الوصية شرح حديث: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ كتاب الوصايا. باب ما جاء فيما يؤمر به من الوصية. حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله حدثني نافع عن عبد الله -يعني ابن عمر - رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده) ]. أورد أبو داود كتاب الوصايا، والوصايا: جمع وصية، والوصية هي عهد خاص يكون فيما بعد الموت، هذا هو المقصود بالوصية، أن تكون لشيء متعلق بالموت، أو تابع للموت، أو يأتي بعد الموت سواء كان عتقاً أو ثلثاً أو استخلافاً على شيء؛ لأنه كله يتعلق بما بعد الموت. أما ما يكون في الحياة فلا يدخل في الوصية، لأن المقصود والمراد بها شيء يوصى به لكي ينفذ ويعمل به بعد الموت. والوصية تطلق على فعل الوصية وعلى الموصى به، يقال: وصية فلان، يعني: هذا الشيء أوصى به فهو موصى به، فيطلق على الفعل وعلى الأمر الموصى به الذي هو موضوع الوصية، والذي عهد به، وهو شيء بعد الموت. قوله: [ باب ما جاء فيما يؤمر به من الوصية]. أي: أن الوصية عند الحاجة إليها وعند وجود ما يقتضيها تكون مطلوبة، لاسيما إذا كان على الإنسان حقوق فإنه يكتب هذه الحقوق التي عليه، حتى إذا مات عرفت الحقوق التي عليه حتى توفى، ويكتب ما له وما عليه، ولكن المهم أن يكتب ما عليه حتى يتخلص من الديون، ومن حقوق الناس، وحتى تعرف وتقضى عنه بعد موته. والعلماء منهم من قال بوجوب الوصية في حق من كان عنده شيء يريد أن يوصي به، ومنهم من قال: إنها ليست للوجوب وإنما هي على الاستحباب وهم الجمهور، ولكن إذا كان الإنسان عليه حقوق فالوصية فيها متعينة؛ لأن هذا من الطرق التي يتوصل به إلى إبراء الذمة، وإلى التخلص من الديون أو الحقوق التي عليه، ويتعين عليه ذلك ويجب لئلا يكون مفرطاً، ثم تضيع تلك الحقوق فيطالبه بها أصحابها في الدار الآخرة في الوقت الذي ليس فيه إلا الحسنات والسيئات، كما جاء في حديث المفلس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس من لا درهم عنده ولا متاع، قال النبي صلى الله عليه وسلم: المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام وحج، ويأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا، وسفك دم هذا، وأخذ مال هذا؛ فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرح عليه، ثم طرح في النار)، فالحقوق التي عليه من ديون أو مظالم ولم يتخلص منها فإنه يوصي بها حتى تعرف، وتوصل الحقوق إلى أصحابها لئلا تثبت عليه ويطالب بها في الدار الآخرة. أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده) يعني: أن الذي عليه حق لا ينبغي له أن تمر عليه ليلتان إلا وقد كتب وصيته لئلا يفاجئه الموت، وقد ورد في بعض الأحاديث: (ثلاث ليال) ، والمقصود بذلك التقريب، وأنه لا تمضي عليه مدة وجيزة إلا وقد كتب وصيته، قوله: (ليلتين) المقصود من ذلك: أنه عندما يكون في باله أن يوصي فإنه يفكر ويتأمل ويتذكر ما يكون عليه من الحقوق وما يريد أن يوصي به فيوصي به، والمقصود من ذلك: تقليل المدة، وأنه لا يمضي عليه مدة وجيزة إلا وقد كتب وصيته ببيان ما له وما عليه، والمهم بيان ما عليه. قوله: (ما حق امرئ مسلم) معلوم أن الحكم هنا عام للرجال والنساء، فليس خاصاً بالرجال دون النساء، ولا بالنساء دون الرجال، وإنما هو عام. والمعنى: ليس من حق المرء المسلم الذي عليه شيء يوصي به أن تمضي عليه ليلتان إلا وقد كتب وصيته. ومن شروط الوصية: أنها لابد أن تكون مطابقة للشرع، وليس فيها حيف، أو جور، ولا يضر فيها بالورثة أو بأحد من الورثة. وأما عن وجوب الإشهاد فيها، فالذي يبدو أنه ليس بلازم؛ لأنه لو كتبها بخطه وكان خطه معروفاً فإن ذلك يكون كافياً. تراجم رجال إسناد حديث: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه ...) قوله: [ حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا يحيى بن سعيد ]. مسدد مر ذكره، ويحيى بن سعيد مر ذكره. [ عن عبيد الله ]. هو: عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر العمري المصغر وهو ثقة؛ أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني نافع ]. نافع مولى ابن عمر وهو ثقة؛ أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله - يعني: ابن عمر - ]. عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، والتنفيذ لما يروي، ومن هذا أنه ما مضى عليه ليلتان إلا ووصيته عنده، وهذا يدل على سرعة مبادرته إلى تطبيق ما جاء به من السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . من أحكام الوصية ما تقدم إذا كان يريد أن يوصي من ماله لأحد من الناس غير الورثة أو لوجوه البر أو ما إلى ذلك، وأما إذا أراد ألا يوصي ويجعل المال كله للورثة فله ذلك. والوصية -كما سبق- عند الجمهور مستحبة وليست واجبة، فإن أوصى فقد أتى بأمر مستحب، وإن لم يوص فلا شيء عليه. وله أن يوصي بشيء من ماله من أجل أن يصرف في وجوه البر، وله ألا يوصي، وإن أوصى به فلا شك أن هذا مستحب له؛ لأنه يعود عليه بالأجر، وإن تركه لأولاده إن كانوا بحاجة إليه لأنهم كثيرون والمال قليل فيتركه لهم، ولكل امرئ ما نوى، وقد تكون المصلحة بالوصية، وقد تكون المصلحة في غيرها، على حسب الورثة وحاجتهم، وضعف الورثة وقوتهم؛ لأن الورثة قد يكونون أغنياء كلهم فيوصي والإيصاء طيب، أو يكونون فقراء أو ضعافاً أو صغاراً فإذا ترك الوصية وجعل المال لهم فلكل امرئ ما نوى. أما عن صيغة الوصية فالمشهور عند سلف هذه الأمة أنهم كانوا يبدءون الوصية بعبارة أو بجملة وهي: (هذا ما أوصى به فلان بن فلان، أوصى بأنه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وأن الساعة حق، والجنة حق، والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأوصي بني بأن يتقوا الله، ويصلحوا ذات بينهم، وأوصيهم بما أوصى به إبراهيم ويعقوب بنيه أن لا تموتن إلا وأنتم مسلمون)، جاءت هذه الصيغة وذكرها الشيخ الألباني في إرواء الغليل، وقال: إنها صحيحة أو حسنة، وإن ذلك ثابت عن بعض السلف أنهم كانوا يفتتحون وصاياهم بهذه الجملة. شرح حديث: (ما ترك رسول الله ديناراً ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد و محمد بن العلاء قالا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ديناراً، ولا درهماً، ولا بعيراً، ولا شاة، ولا أوصى بشيء) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم ما ترك بعيراً ولا شاة ولا درهماً. يعني: ما ترك مالاً يورث عنه، ويحتاج إلى أن يوصى به، وأن يكون لأحد دون أحد، لأنه قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنا معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة)، فهو ما ترك شيئاً من المال يوصى به، وأما كونه أوصى بوصايا غير المال فهذا موجود، وكان مما أوصى به صلوات الله وسلامه وبركاته عليه في آخر أيامه عليه الصلاة والسلام، ما جاء عن علي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم) ، قال علي رضي الله عنه: وهؤلاء الكلمات هن آخر شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعناه: أن علياً رضي الله عنه ما سمع صوت النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن سمعه يقول: (الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم)، فهذا مما أوصى به في مرض موته وعند وفاته صلى الله عليه وسلم، وقول عائشة : (ولا أوصى بشيء) يعني: مما يتعلق بالمال؛ لأنه جاء عنه: (إنا معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة) ، وهذا يدل على أن الإنسان إذا لم يكن عنده شيء يوصي به فإن الوصية لا حاجة لها. تراجم رجال إسناد حديث: (ما ترك رسول الله ديناراً ...) قوله: [ حدثنا مسدد و محمد بن العلاء ]. مسدد مر ذكره، ومحمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قالا: حدثنا أبو معاوية ]. أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. الأعمش سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي وائل ]. أبو وائل هو شقيق بن سلمة وهو ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مسروق ]. مسروق بن الأجدع وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. مصارف أموال الأنبياء بعد موتهم قولها رضي الله عنها: (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ديناراً، ولا درهماً، ولا بعيراً، ولا شاة) لا يعارض ما كان له صلى الله عليه وسلم من أراض في خيبر وفدك، فالمقصود: أنه ما ترك شيئاًَ يورث يحتاج إلى أن يوصى به، وما كان له من أموال إنما ينتقل أمرها إلى الخليفة، فهو من يصرفها في الأمور التي كان يصرفها فيها النبي صلى الله عليه وسلم في حياته بمعنى: أنه ينفق على أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وقرابته؛ ولهذا قال أبو بكر رضي الله عنه: إنما يأكل آل محمد من هذا المال، وذلك في قصة طلب الإرث، فذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إنا معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة)، ثم قال: إنما يأكل آل محمد من هذا المال. ما جاء فيما لا يجوز للموصي في ماله شرح حديث: (الثلث والثلث كثير) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء فيما لا يجوز للموصي في ماله. حدثنا عثمان بن أبي شيبة و ابن أبي خلف قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (مرض مرضاً -قال ابن أبي خلف : بمكة. ثم اتفقا- أشفى فيه، فعاده رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: يا رسول الله! إن لي مالاً كثيراً وليس يرثني إلا ابنتي، أفأتصدق بالثلثين؟ قال: لا، قال: فبالشطر؟ قال: لا، قال: فبالثلث؟ قال: الثلث، والثلث كثير، إنك أن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس، وإنك لن تنفق نفقة إلا أُجرت بها حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك، قلت: يا رسول الله! أتخلف عن هجرتي؟ قال: إنك إن تخلف بعدي فتعمل عملاً صالحاً تريد به وجه الله لا تزداد به إلا رفعة ودرجة، لعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون، ثم قال: اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم، لكن البائس سعد بن خولة يرثي له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن مات بمكة) ]. أورد أبو داود : [ باب فيما لا يجوز للموصي في ماله ]. أي: ما لا يجوز للموصى أن يوصي به في ماله، والمراد بيان الشيء الذي لا يجوز أن يفعله من يريد أن يوصي بشيء من ماله أو بماله، وذلك أنه لا يوصي بأكثر من الثلث؛ لأن الوصية بأكثر من الثلث ليست جائزة، وكذلك لا يوصي للوارث لا من الثلث ولا من غير الثلث، فالمقصود من ذلك: بيان الشيء الذي لا يجوز للإنسان أن يوصي به في ماله. أورد أبو داود حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه كان مرض بمكة مرضاًً شديداً أشفى فيه وأشرف على الموت، واشتد مرضه، وقوله: [ أشفى فيه ] كناية عن شدة مرضه، وأنه خشي أن يموت به، ولهذا قال: [ إن لي مالاً كثيراً ولا يرثني إلا ابنتي ] يعني: لا يرثه بالفرض، وليس معنى ذلك أنه ليس له عصبة فإنه من بني زهرة من قريش، وله أقارب وله عصبة، ولكن في ذلك الوقت ليس له إلا ابنتين، ومعلوم أنه رضي الله عنه عاش ومكث مدة طويلة، وحصل على يديه خير كثير، وفتحت فتوحات على يديه، وكان على إمرة الجيش في القادسية وغير ذلك من الفتوحات التي حصلت على يديه رضي الله عنه وأرضاه، فقد عُمَّر وانتفع به أقوام دخلوا في هذا الدين، وتضرر به آخرون قتلوا وهم كفار في إمارته وفي قيادته لبعض الجيوش في خلافة عمر رضي الله عنه وأرضاه. (أفأتصدق بالثلثين؟ قال: لا، قال: فبالشطر -أي النصف-؟ قال: لا، قال: فبالثلث؟ قال: الثلث، والثلث كثير) معناه: أنه ليس الثلث بقليل؛ لأنه يريد أن يوصي بشيء كثير، فهو لما انتهى إلى الثلث قال: (والثلث كثير) يعني: هذا الذي أذن له في أن يوصي به كثير وليس بقليل. وهذا يدل على أن الإنسان عندما يوصي بشيء من ماله لا يجوز له الزيادة عن الثلث، وهذا هو الذي أراده المصنف من قوله: [ ما لا يجوز للموصي في ماله ] بمعنى: أنه لا يجوز له أن يزيد عن الثلث، وإن نقص عن الثلث لا بأس، لكن الذي لا يجوز هو الزيادة على الثلث. قوله: (إنك أن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس) . بين فيه صلى الله عليه وسلم الحكمة من كون الإنسان لا تزيد وصيته عن الثلث إلى الثلثين أو النصف أو ما فوق الثلث، قال: (إنك أن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس) يعني: كونك تجعل عندهم شيئاً يغنيهم -سواء كان الذي يرث بالفرض وهما ابنتاه، أو الذي يرث بالتعصيب وهم قرابته الذين يعصبونه- خير من أن تذرهم عالة على غيرهم فقراء، والعائل هو الفقير، قال الله: وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى [الضحى:8] يعني: فقيراً فأغناه الله عز وجل، إنك أن تذرهم أغنياء بما تخلفه لهم من المال خيراً من أن تذرهم عالة يسألون الناس بأكفهم، ويمدون أيديهم للناس يستجدون لحاجتهم، ووجود مال لهم يغنيهم عن السؤال خير لك. (وإنك لن تنفق نفقة إلا أجرت بها، حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك) معناه: أن الإنسان حتى في الأمور التي للنفس فيها حظوظ إذا احتسب الأجر عند الله عز وجل فإنه يؤجر على ذلك، بل الأمور الواجبة على الإنسان من النفقات الواجبة من الناس من يحتسب الأجر ويرجو الثواب، ومنهم من يكون غافلاً عن ذلك ولا يفكر، ومن الناس من يمنع الحق الواجب عليه، ولا يخرج إلا عن طريق القاضي أو السلطان، مثل هذا لا يحصل أجراً على النفقة التي ألزم بها من جهة السلطان وهو غير منشرح الصدر لها، والإنسان الذي يؤدي ما هو واجب عليه، وما هو متعلق بحظ نفسه حتى مع أهله وزوجته فإنه يكون مأجوراً على ذلك. (قلت: يا رسول الله! أتخلف عن هجرتي؟ قال: إنك إن تخلف بعدي فتعمل عملاً صالحاً تريد به وجه الله لا تزداد به إلا رفعة ودرجة). قال رضي الله عنه:[ أتخلف عن هجرتي؟ ]؛ لأنه كان من المهاجرين، والمهاجرون تركوا أوطانهم لله عز وجل، فهم لا يحبون أن يموتوا في البلد الذي هاجروا منه، وإنما يحبون أن يموتوا في البلد الذي هاجروا إليه، فقال: [ أتخلف عن هجرتي؟ ]، فهو يخشى أن يموت بمكة فيكون مات في البلد الذي هاجر منه، ويحب أن يموت في البلد الذي هاجر إليه، ولهذا جاء عن عمر رضي الله عنه أنه قال في سفر: (اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل وفاتي في بلد رسولك صلى الله عليه وسلم)، فهو يريد أن يموت في مكان هجرته، وفي الدار التي هاجر إليها، وقد تحقق ذلك؛ فحصلت له الشهادة، وحصل أن مات في دار هجرته مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكرمه الله بالدفن بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجوار أبي بكر رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فكانوا يكرهون أن يموتوا في الدار التي هاجروا منها وهي مكة. وهذا عام في كل الذين تركوا أوطانهم، أما في ذلك الزمن فلا هجرة بعد فتح مكة؛ لأنها صارت دار إسلام، ولكن الإنسان إذا هاجر من بلد كافر إلى بلد مسلم فلا شك أن كونه يموت في دار هجرته أحسن من كونه يموت في البلد الذي هاجر منه. (إنك إن تخلف بعدي فتعمل عملاً صالحاً تريد به وجه الله لا تزداد به إلا رفعة ودرجة). أخبر صلى الله عليه وسلم أنه إن يخلف ويعيش بعده؛ فإن زيادة عمره يحصل بها زيادة أجر وزيادة ثواب وزيادة عمل، فيحصل رفعة وثواباً عند الله سبحانه وتعالى؛ لأن الإنسان إذا وفق لأن يطول عمره ويحسن عمله فإن ذلك من الخير له، وكونه يطول عمره ويحسن عمله فعلى مر الأيام والسنين يعمل أعمالاً صالحة يؤجر عليها ويثاب. قوله: (لعلك أن تخلف) يعني: تعيش (فينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون) ، وكان أشفى على الموت في ذلك المرض، وقد وقع ما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه عاش مدة طويلة، وانتفع به أناس وتضرر به أناس، فأناس دخلوا في الدين الإسلامي على يديه وبقيادة الجيوش التي ذهبت في الجهاد في سبيل الله، ومنهم من مات على الكفر على أيدي المجاهدين في سبيل الله الذين هو على رأسهم؛ فتضرر به أناس وانتفع به أناس كما أخبر بذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام، فقد أخبر عن أمر يقع وقد وقع كما أخبر عليه الصلاة والسلام. [ (ثم قال: اللهم أمض لأصحابي هجرتهم، ولا تردهم على أعقابهم) ]. يعني: كونهم يبقون على ما صاروا عليه من الهجرة، وأن يموتوا في دار هجرتهم، وألا يعودوا إلى البلد الذي هاجروا منه، ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الحج يأمر الناس بأن يقيموا ثلاثة أيام ثم ينصرفوا عن دار هجرتهم التي هاجروا منها، إلى الدار التي هاجروا إليها وهي المدينة . (اللهم أمض لأصحابي هجرتهم) يعني: أنهم يبقون على هجرتهم وأن يموتوا في غير البلد الذي هاجروا منه حتى تتحقق لهم الهجرة. ثم بعد ذلك قال: (لكن البائس سعد بن خولة) . سعد بن خولة من المهاجرين، قيل: إنه لم يهاجر ومات بمكة، وقيل: إنه هاجر ورجع إلى مكة ومات بها فلم يحصل أن مات في الدار التي هاجر إليها. ثم قال راوي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص أو الزهري : [ يرثي له ] ؛ لأنه ما حصل له كالذي حصل لغيره من أنه يموت في الدار التي هاجر إليها، بل مات في الدار التي هاجر منها، ومعناه: أنه فاته ما حصل لغيره ممن كملت هجرته ومات في دار هجرته فكان أقل منه. تراجم رجال إسناد حديث: (الثلث والثلث كثير ) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة و ابن أبي خلف ]. عثمان بن أبي شيبة مر ذكره، و ابن أبي خلف هو: محمد بن أحمد بن أبي خلف وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود . [ حدثنا سفيان عن الزهري ]. سفيان هو ابن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. والزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عامر بن سعد ]. عامر بن سعد بن أبي وقاص وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو سعد بن أبي وقاص، أحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. ومما يلاحظ أن عامر بن سعد هو ابن لسعد ، وهو يقول: [ ليس يرثني إلا ابنتي ]، وهذا كان فيما بعد، أما حين أشفى على الموت فلم يكن عنده إلا ابنتين، ولكنه بعد ذلك عاش وولد له. الأسئلة إثم الذين يطعنون في الصحابة السؤال: من يطعنون في سعد رضي الله عنه هل لهم حظ من قوله صلى الله عليه وسلم: (ويضر بك آخرون)؟ الجواب: لا شك أن لهم نصيباً من هذا، ومعلوم أن هذا لا يختص بسعد بل كل من تكلم في الصحابة فإنه يضر نفسه ويجني عليها، كما قال الحافظ ابن حجر لما جاء عند حديث المصراة في فتح الباري، وكان بعض أتباع الأئمة الذين لا يقولون بمقتضى حديث المصراة الذي رواه أبو هريرة قالوا عنه: و أبو هريرة ليس كعبد الله بن مسعود في الفقه، وكأنه يغمز له بأنه ليس صاحب فقه كابن مسعود ، قال الحافظ ابن حجر : وقائل هذا الكلام إنما آذى نفسه، ومجرد تصوره كاف عن الحاجة إلى بيان فساده. ولا شك أن كل من يقع في أعراض آحاد المسلمين فإنه قد جنى على نفسه وضر نفسه؛ لأن الوقوع في سلف هذه الأمة وفي خير هذه الأمة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين هم الواسطة بين الناس وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام الذين نقلوا الكتاب والسنة لا شك أنه من أعظم الجناية من الإنسان على نفسه؛ لأنه يتكلم في خيار الناس، وفي سادات هذه الأمة الذين هم خيرها وأفضلها، ولم يأت أحد بعدهم مثلهم؛ لأن الله تعالى أكرمهم في هذه الحياة الدنيا بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واختار الله نبيه للرسالة، واختار له أصحاباً يجاهدون معه، ويتلقون الكتاب والسنة عنه، ويؤدونهما إلى الناس من بعدهم، فهم الواسطة بين الناس وبين الرسول صلى الله عليه وسلم، وما عرف الناس حقاً ولا هدى إلا عن طريق الصحابة، ومن لم يصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم عن طريق الصحابة فإنه لا صلة له بالرسول صلى الله عليه وسلم، ولا علاقة له بالرسول صلى الله عليه وسلم، وصلته بالرسول مبتورة مقطوعة؛ لأن الخير والحق والهدى ما وصل إلى الناس إلا عن طريق الصحابة، والله عز وجل اختاره للرسالة، واختار أصحابة لتحمل الرسالة وتلقيها عنه. ولهذا قال أبو زرعة الرازي : إذا رأيتم من ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلموا أنه زنديق؛ وذلك أن الكتاب حق، والرسول حق، وإنما أدى إلينا الكتاب والسنة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء -أي: الذين يتكلمون في أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم- يريدون أن يجرحوا شهودنا، ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة؛ لأن القدح في الناقل قدح في المنقول، فالقاضي إذا جاء عنده شهود يشهدون فالمدعى عليه قدح في الشهود، فهذا الذي شهد به لا يعتبر؛ لأن الشاهد ردت شهادته، ولهذا يقول أبو زرعة : وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة؛ لأن القدح في الناقل قدح في المنقول، فليست القضية قضية أن من تكلم في سعد تضرر، بل من تكلم في آحاد من المسلمين فضلاً عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يضر نفسه. حكم المراثي السؤال: يقول صاحب العون: [ يرثي له ] من رثيت الميت مرثية إذا عددت محاسنه، ورثأت بالهمزة لغة فيه، فإن قيل: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المراثي) كما رواه أحمد و ابن ماجة وصححه الحاكم ، فكيف يفعله؟ فالجواب: أن المرثية المنهي عنها ما فيه مدح الميت وذكر محاسنه الباعث على تهييج الحزن وتجديد اللوعة، أو فعلها مع الاجتماع لها، أو على الإكثار منها دون ما عدا ذلك، فما رأيكم؟ الجواب: الظاهر أن الحديث ليس من هذا القبيل؛ لأنه قال: [ يرثي له ]، وما قال: يرثيه، يعني: يتأسف عليه، ويحزن؛ لأنه ما حصل له الذي حصل لغيره، فهذا هو معنى [ يرثي له ]؛ لأن يرثي له غير كونه يرثيه، فهو هنا يحزن أو يتأسف على الشيء الذي فاته من الخير، فهو بمثابة الفقير الذي فاته الغنى، فيكون هذا فاته ثواب تمام الهجرة. (والمراد هنا توجعه عليه السلام وتحزنه على سعد ؛ لكونه مات بمكة بعد الهجرة منها لا مدح الميت لتهييج الحزن، كذا ذكره القسطلاني )."
__________________
|
#566
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الاضحية شرح سنن أبي داود [337] الحلقة (369) شرح سنن أبي داود [337] حض الشرع الناس على الصدقة، وجعل أفضلها ما يكون في وقت الصحة في البدن والحرص على المال، وشرع الوصية لما بعد الموت، ويجب أن يكون الوصي أميناً قوياً، وأن يجتهد في عمل كل ما يحفظ مال اليتيم، وإن كان فقيراً فله أن يأكل بالمعروف، وإن كان غنياً فليستعفف. ما جاء في كراهية الإضرار في الوصية شرح حديث: (أن تصدق وأنت صحيح حريص ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في كراهية الإضرار في الوصية. حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله! أي الصدقة أفضل؟ قال: أن تصدق وأنت صحيح حريص، تأمل البقاء وتخشى الفقر، ولا تُمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في كراهية الإضرار بالوصية ] أي: أنه عندما يوصي لا يحصل منه إضرار بأحد، أو قصد لإلحاق الضرر بأحد، وإنما عليه أن يكون عادلاً في وصيته، كما عليه أن يكون عادلاً في جميع تصرفاته. أورد رحمه الله حديث أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل: أي الصدقة أفضل؟ وهذا يدلنا على حرص أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام على معرفة الأعمال الفاضلة، وحرصهم على معرفة الأفضل، وهذا يدلنا على عنايتهم وحرصهم على معرفة ما هو خير وما هو أفضل من غيره ليأخذوا به وليعملوا به رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبره أن خير الصدقة أن يتصدق الإنسان وهو (صحيح) يعني: في حال صحته لا في حال مرضه، (حريص) في حال حرصه ورغبته، وكونه يأمل الغنى ويخشى الفقر، ويأمل في الحياة ويخشى الفقر؛ لأنه يطمع في الحياة ويرغب فيها، فهو يبقي على ما عنده، وخير الصدقة ما كان وهو في هذه الحال، يعني: كونه يتصدق في حال صحته، وفي حال رغبته في المال، وحرصه عليه؛ لأنه يأمل الحياة ويخشى الفقر، فإذا تصدق وهو في هذه الحال فهذا هو خير الصدقة. قال: (ولا تمهل) يعني: لا تؤخر حتى إذا مرضت وكادت الروح أن تخرج عند ذلك تفكر في الإنفاق؛ ففي هذه الحال سهل عليه المال ورخص؛ لأنه سينتقل إلى الورثة، فهنا قد يلحق ضرراً بالورثة بأن يعطي عطيات أو يوصي بوصايا، لكن الوصايا كما هو معلوم لا تتجاوز الثلث، وإذا أوصى بشيء زائد عن الثلث فيحتاج الأمر إلى إقرار الورثة، لكن كونه يعطي في حال مرضه وتسمح نفسه وتجود في حال المرض؛ لأنه أيس من الحياة، وكاد أن يفارق الحياة، فقد يدفعه ذلك إلى كونه يضر بالورثة بأن ينفق المال ويتصدق به في حال مرضه بقصد الإضرار، وهذا هو وجه إيراد المصنف هذا الحديث تحت هذه الترجمة، وهي: [ باب ما جاء في كراهية الإضرار بالوصية ]. قال: (ولا تمهل) يعني: لا تؤخر عن حال صحتك وحال حرصك إلى أن يأتي المرض وتشرف على الموت، وترخص عندك الدنيا، ويرخص عندك المال؛ لأنك لم تعد تطمع في البقاء فيها، فعندها تقول: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان، يعني: يعطي ويتصدق، وسمحت نفسه بالمال، وفي هذه الحال يترتب على ذلك إضرار بالورثة؛ لأنه أنفق المال وحال بينهم وبينه، وهذا يدخل في تصرفات المريض، وتصرف المريض في حال المرض المخوف له أحكام التصرف فيه والإعطاء، وله أحكام تخصه، وحتى التطليق في حال المرض المخوف إن كان طلاقاً بائناً من أجل قصد الحرمان من الإرث قال بعض أهل العلم: إنها ترثه إن كان متهماً بحرمانها، أما إذا كان طلاقاً رجعياً فإن الرجعية زوجة، وتجري عليها أحكام الزوجات، ولا فرق بينها وبينهن ما دامت في العدة، ولكن كونه يطلق طلاقاً بائناً من أجل أن يحرمها، قال بعض أهل العلم: إنه إذا كان تطليقه إياها طلاقاً بائناً من أجل حرمانها من الإرث فإنه يعامل بنقيض قصده، وترث ولا تمنع من الميراث؛ لأن هذا التصرف تصرف في حال مرض الموت، فيعامل بنقيض قصده. تراجم رجال إسناد حديث: (أن تصدق وأنت صحيح حريص ...) قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عبد الواحد بن زياد ]. عبد الواحد بن زياد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عمارة بن القعقاع ]. عمارة بن القعقاع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير ]. أبو زرعة بن عمرو بن جرير وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. شرح حديث: (لأن يتصدق المرء في حياته بدرهم ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن أبي فديك أخبرني ابن أبي ذئب عن شرحبيل عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لأن يتصدق المرء في حياته بدرهم خير له من أن يتصدق بمائة درهم عند موته) ]. أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (لأن يتصدق المرء في حياته -يعني: في حال صحته وعافيته- بدرهم خير من أن يتصدق بمائة درهم عند موته) يعني: عندما ييئس من الحياة ويشرف على الموت؛ لأن الأول تصدق بدرهم في حال حرصه على الدنيا، ورغبته في الحياة، وخوفه من الفقر، فإنفاقه درهماً واحداً في حال كون المال عنده غالياً وليس برخيص يحصل فيه الأجر العظيم، وأما إذا أنفق مائة درهم في حال مرضه ويأسه من الحياة، وحال رخص الدنيا والمال عنده؛ فإن ذلك الدرهم أفضل من تلك المائة؛ لأن هذا في حال الرغبة في الحياة، والحرص على المال، وهذا في حال اليأس من الحياة ورخص المال؛ لأنه سيغادر هذه الحياة الدنيا، وإنفاقه قد يكون فيه شيء من الإضرار، وقد يكون ليس فيه إضرار، ولكنه ما فعله إلا لكونه يئس من الحياة. والحديث في إسناده رجل متكلم فيه، فالحديث ضعيف من أجله. تراجم رجال إسناد حديث: (لأن يتصدق المرء في حياته بدرهم ...) قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا ابن أبي فديك ]. ابن أبي فديك هو محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني ابن أبي ذئب ]. ابن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شرحبيل ]. شرحبيل بن سعد أبو سعد وهو صدوق اختلط بآخره، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و ابن ماجة . [ عن أبي سعيد الخدري ]. أبو سعيد الخدري هو سعد بن مالك بن سنان رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث ضعفه الألباني من أجل شرحبيل بن سعد أبو سعد . شرح حديث: (إن الرجل ليعمل والمرأة بطاعة الله ستين سنة ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبدة بن عبد الله أخبرنا عبد الصمد حدثنا نصر بن علي الحداني حدثنا الأشعث بن جابر حدثني شهر بن حوشب أن أبا هريرة رضي الله عنه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن الرجل ليعمل والمرأة بطاعة الله ستين سنة، ثم يحضرهما الموت فيضاران في الوصية؛ فتجب لهما النا)، قال: وقرأ عليَّ أبو هريرة من هاهنا: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ [النساء:12] حتى بلغ: َذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [النساء:13]. قال أبو داود : هذا -يعني: الأشعث بن جابر - جد نصر بن علي ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرجل ليعمل والمرأة ستين سنة في طاعة الله، ثم يحضرها الموت، فيضاران في الوصية، فتجب لهما النار) ، ثم قرأ أبو هريرة من قوله: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ [النساء:12] حتى بلغ: ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [النساء:13]، والمقصود: أن هذا من الإضرار بالوصية. والحديث ضعفه الألباني من أجل شهر بن حوشب . تراجم رجال إسناد حديث: (إن الرجل ليعمل والمرأة بطاعة الله ستين سنة ...) قوله: [ حدثنا عبدة بن عبد الله ]. عبدة بن عبد الله الضبي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ أخبرنا عبد الصمد ]. عبد الصمد بن عبد الوارث صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا نصر بن علي الحداني ]. نصر بن علي الحداني ثقة، أخرج له أصحاب السنن. [ حدثنا الأشعث بن جابر ]. الأشعث بن جابر وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ حدثني شهر بن حوشب ]. شهر بن حوشب صدوق كثير الإرسال والأوهام، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلموأصحاب السنن. [ أن أبا هريرة ]. أبا هريرة رضي الله عنه مر ذكره في الإسناد السابق. نصر بن علي ونصر بن علي الحداني صدوق كثير الإرسال والأوهام، أبي داود، وهذا الذي معنا الجد الحداني الجهضمي ، أما الحفيد نصر بن علي فهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، والجد صدوق، أخرج له أصحاب السنن . [ قال أبو داود : هذا -يعني: الأشعث بن جابر - جد نصر بن علي ]. معناه: أن نصر بن عليالجد يروي عن جده لأمه الأشعث بن جابر . ومن أوجه المضارة بالوصية: أن يوصي بأكثر من الثلث لشخص من غير الورثة، أو يوصي لأحد من الورثة بالثلث أو بحدود الثلث، فهذا من الإضرار بالوصية. ما جاء في الدخول في الوصايا شرح حديث: (... ولا تولين مال يتيم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في الدخول في الوصايا. حدثنا الحسن بن علي حدثنا أبو عبد الرحمن المقري حدثنا سعيد بن أبي أيوب عن عبيد الله بن أبي جعفر عن سالم بن أبي سالم الجيشاني عن أبيه عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا أبا ذر ! إني أراك ضعيفاً وإني أحب لك ما أحب لنفسي، فلا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم). قال أبو داود : تفرد به أهل مصر ]. أورد أبو داود [ باب ما جاء في الدخول في الوصايا ] يعني: كون الإنسان يقبل الوصية، أو يطلب أن يكون قائماً بالوصية، والدخول فيها يعني قبولها وكونه يوصى إليه ويقبل، أو يعرض عليه فيقبل، فالمقصود من الدخول: كون الإنسان يصير وصياً، ويقبل أن يكون وصياً، أو يسعى إلى أن يكون وصياً، أو يرغب في أن يكون وصياً. هذا هو الدخول فيها. والدخول في الوصية إنما يكون لمن عنده قدرة وأهليه وأمانة وقوة؛ لأن الأمين يحافظ على المال، والقوي يكون عنده قدرة على المحافظة عليه؛ لأنه قد توجد الأمانة مع الضعف، وقد يوجد الضعف مع الأمانة، ولكن إذا اجتمعت القوة والأمانة فذلك الخير . ولهذا جاء عن عمر رضي الله عنه وأرضاه أنه جعل الأمر شورى في ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن بينهم سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه، وكان سعد أميراً لعمر على الكوفة، وحصل بينه وبين جماعة من أهل الكوفة شيء من الوحشة، وتكلموا فيه وذموه وعابوه، وشكوه إلى عمر، حتى أنهم تكلموا في صلاته، وهذا يدلنا على أن السلامة من الناس حصولها صعب، فهذا رجل من أهل الجنة يمشي على الأرض، والناس يعلمون أنه من أهل الجنة، ومع ذلك يتكلمون فيه وفي صلاته، وشكوه إلى عمر في صلاته، وزعموا أن رجلاً من أهل الجنة لا يحسن أن يصلي! وهكذا الأشرار والذين عندهم سوء طوية لا يقفون عند حد، ولكنه عزله لما خشي أن يحصل شيء من هؤلاء السفهاء لا تحمد عقباه، فرأى أن المصلحة أن يعزله حتى لا يحصل شيء بسبب هذه الشحناء التي بينهم وبينه، ولكنه عندما اختار هؤلاء الستة، وكان من بينهم سعد خشي أن أحداً يقول: إنه نسي، كيف يعزله من الكوفة ويرشحه للخلافة؟! يعزله من إمارة مدينة، ثم يرشحه للخلافة! فكان من إنصاف وعدل عمر وفضله رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: [ إن أصابت الإمارة سعداً فذاك ] يعني: فهو أهل لها، [ وإن لم تصبه فليستعن به من أمر ] يعني: من يكون أميراً يستعين به إذا لم تصله الإمارة. [ فإنني لم أعزله من عجز ولا خيانة ] يعني: عن الكوفة. أورد أبو داود حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا أبا ذر ! إني أراك رجلاً ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، فلا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم) يعني: لا تكن أميراً على اثنين أو ثلاثة وذلك لضعفه، ولا يلين مال يتيم أيضاً لضعفه، نعم هو أمين، ولكن فيه ضعف. وقوله: (أحب لك ما أحب لنفسي) المقصود: كما أني أحب الخير لنفسي أحب الخير لك، ولكن ليس معنى ذلك: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لن يلي أمر أحد، بل هو إمام المسلمين واختاره الله لرسالته، ولكن من الخير لك ألا تلين مال يتيم، وإن كان غيره قد يكون من الخير له أن يلي مال اليتيم، وأن يكون أميراً على أكثر من اثنين حيث يكون عنده الأمانة مع القوة. إذاً: قوله: (أحب لك ما أحب لنفسي) لا إشكال فيه من ناحية أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يريده أن يكون أميراً على اثنين مع أنه إمام المسلمين صلى الله عليه وسلم وهو قدوة المسلمين عليه الصلاة والسلام، فالمقصود من ذلك أنني أحب لك الخير كما أحب الخير لنفسي، وأنت من هذه الجهة لست أهلاً لذلك، فلا تقدمن على الدخول في الوصايا، يعني: أنه لا يقبل أن يكون وصياً لما فيه من ضعف، أما الأمانة فهي موجودة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إني أراك ضعيفاً) ثم قال له: (فلا تأمرن على اثنين)، أي: لا يكون أميراً على أحد من الناس، وكذلك أيضاً في حال السفر، فإذا سافر ثلاثة فإنهم يولون واحداً منهم، فلا يكون هو الأمير عليهم وإنما يكون الأمير غيره. إذاً: الدخول في الوصية أو قبول الوصية، أو كون الإنسان يرغب في أن يكون قائماً بالوصية فيه خطر، فلابد أن يكون عنده القوة مع الأمانة. تراجم رجال إسناد حديث: (... ولا تولين مال يتيم) قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. الحسن بن علي الحلواني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا أبو عبد الرحمن المقري ]. أبو عبد الرحمن المقري هو عبد الله بن يزيد المقري المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سعيد بن أبي أيوب ]. سعيد بن أبي أيوب المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن أبي جعفر ]. عبيد الله بن أبي جعفر المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سالم بن أبي سالم الجيشاني ]. سالم بن أبي سالم الجيشاني المصري مقبول، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن أبيه ]. أبوه أبو سالم وهو تابعي مخضرم، ويقال: له صحبة؛ أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن أبي ذر ]. أبو ذر جندب بن جنادة رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : تفرد به أهل مصر ]. يعني: أن رواته أكثرهم من أهل مصر؛ لأن الأول والثاني والثالث ليسوا من مصر، الذين هم: الحسن بن علي الحلواني و أبو عبد الرحمن المقري المكي و أبو ذر ، وأما الباقون فهم من أهل مصر. والحديث أخرجه مسلم في صحيحه، وأما الراوي الذي طعن فيه الحافظ في التقريب فمردود؛ لأن الحديث أخرجه مسلم ، والرجل من رجال مسلم . ما جاء في نسخ الوصية للوالدين والأقربين شرح أثر ابن عباس في قوله تعالى: (إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في نسخ الوصية للوالدين والأقربين. حدثنا أحمد بن محمد المروزي حدثني علي بن حسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ [البقرة:180]، فكانت الوصية كذلك حتى نسختها آية الميراث ]. أورد أبو داود باب نسخ الوصية للوالدين والأقربين، أي: نسخها بآيات وأحاديث المواريث. أورد أبو داود الأثر عن ابن عباس في أن قوله: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ [البقرة:180] الآية، أن الوصية كانت واجبة للوالدين والأقربين، بمعنى: أن الوالدين لهم نصيبهم من الميراث، والأقربين الذين يرثون لهم نصيبهم من الميراث؛ فنسخت تلك آية المواريث، والذين لا يرثون إذا أوصي لهم في حدود الثلث فإن ذلك سائغ، أما إذا كانوا من الورثة فقد أخذوا نصيبهم من الميراث بالفرض الذي فرضه الله عز وجل والذي شرعه الله، سواء كانوا من أهل الفرض أو من أهل التعصيب؛ فنسخت آية المواريث الوصية للوالدين والأقربين، فلا يجوز أن يوصى لوارث، وقد جاء في الحديث: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه؛ فلا وصية لوارث) . أما الوصية لغير الوارث من الأقربين غير الوارثين، فهو سائغ في حدود الثلث، والذي يبدو أنه على الجواز لا استحباباً؛ لأنه لو لم يوص فليس عليه شيء في هذا. تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس في قوله تعالى: (إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين) قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد المروزي ]. أحمد بن محمد المروزي هو أحمد بن محمد بن ثابت بن شبويه وهو ثقة، أخرج له أبو داود . [ حدثني علي بن حسين بن واقد ]. علي بن حسين بن واقد صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. وهو ثقة له أوهام أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن يزيد النحوي ]. يزيد بن أبي سعيد النحوي وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن عكرمة ]. عكرمة مولى ابن عباس وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. ما جاء في الوصية للوارث شرح حديث: (... فلا وصية لوارث) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في الوصية للوارث. حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا ابن عياش عن شرحبيل بن مسلم سمعت أبا أمامة رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه؛ فلا وصية لوارث) ]. أورد أبو داود حديث أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه تحت باب ما جاء في الوصية لوارث، أي: أنها لا تجوز؛ لأن الميراث قد شرعه الله عز وجل وكل يأخذ نصيبه من الميراث؛ فلا يوصى لوارث لا من الثلث ولا من غير الثلث؛ لأن الله تعالى قد أعطى كل ذي حق حقه. وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن ذلك لا يجوز بحال لقوله: (لا وصية لوارث)، حتى ولو أجاز الورثة؛ لأن ذلك دخول في شيء منع منه، ولأن هذا فيه إيثار وتقديم لبعض الورثة، ومنهم من أجاز ذلك إذا أجازت الورثة؛ فتصح الوصية بإجازة الورثة. أورد أبو داود حديث أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه؛ فلا وصية لوارث) أي: أعطى كل ذي حق حقه من المواريث التي بينها في كتابه العزيز، وكذلك بينها رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة. ثم قال: (فلا وصية لوارث) يعني: أنه بعد أن أعطى كل ذي حق حقه من الميراث فلا يوصى للورثة. وهذا الحديث مما يستدل به بعض الأصوليين على نسخ القرآن بالسنة، وذلك أن قوله: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ [البقرة:180]، حكم ثبت بالكتاب، وقوله: (لا وصية لوارث)، حكم ثبت في السنة، فقالوا: إن هذه الآية نسخت بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا وصية لوارث). والذي يبدو أن القول الأول هو الأولى، وأنه لا يجوز أن يوصى للوارث ولو أجاز ذلك الورثة. وما جاء نفيه من أنه لا وصية له، يعني: الوصية في حدود الثلث، لكن إذا أوصى بغيره، فإذا أجازه الورثة فلا بأس بذلك، وكما هو معلوم حتى في الحياة فإن التمييز بينهم في العطية لا يجوز، بل يجب التسوية بينهم في العطية، وهنا يوجد تمييز لهم، فالأجنبي له أن يعطيه في حياته، ولكن ليس له أن يعطي أحد أولاده ويحرم الباقين، لكن إذا أعطى واحداً من أولاده يعطي الباقين مثله، ولا عبرة برضاهم أو عدم رضاهم في الحياة وبعد الممات؛ لأنهم حتى لو رضوا فإن النفوس قد لا يوجد فيها ارتياح واطمئنان .
__________________
|
#567
|
||||
|
||||
![]() تراجم رجال إسناد حديث: (... فلا وصية لوارث) قوله: [ حدثنا عبد الوهاب بن نجدة ]. عبد الوهاب بن نجدة ثقة أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا ابن عياش ]. ابن عياش هو إسماعيل بن عياش وهو صدوق يحتج به في روايته عن الشامين، وهذه منها، أخرج له البخاري في رفع اليدين وأصحاب السنن. [ عن شرحبيل بن مسلم ]. شرحبيل بن مسلم وهو صدوق فيه لين أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ سمعت أبا أمامة ]. أبو أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهذا سند رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود . ما جاء في مخالطة اليتيم في الطعام شرح أثر سبب نزول قوله تعالى: (ويسألونك عن اليتامى...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب مخالطة اليتيم في الطعام. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أنزل الله عز وجل: وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الأنعام:152]، و إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا [النساء:10] الآية. انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه، فجعل يفضل من طعامه فيحبس له حتى يأكله أو يفسد؛ فاشتد ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ فأنزل الله عز وجل: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ [البقرة:220]، فخلطوا طعامهم بطعامه وشرابهم بشرابه ]. أورد أبو داود باب مخالطة اليتيم في الطعام، يعني: أن ذلك سائغ، وأن الإنسان إذا كان عنده يتيم يأكل معه وأراد الولي أن ينفق على اليتيم من مال اليتيم نفسه فإنه يتحرج من ذلك، فله أن يخالطه لكن بحيث يؤخذ من طعام هذا ومن طعام هذا، أو يصرف من نقود هذا ومن نقود هذا .. كل بحسبه، وكل على قدره، فيؤخذ من اليتيم مقدار ما يستحقه الشخص المفرد، وصاحب البيت ينفق على قدر أهل البيت، ويخلط هذا مع هذا ويشترى الطعام، يعني: تدفع النقود من هذا والنقود من صاحب البيت ثم يشترى الطعام ويطبخ ويأكل الجميع منه، وهذه هي المخالطة، في الأكل، ولما نزل قول الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا [النساء:10]، عزلوا طعامهم من طعامهم وشرابهم من شرابهم، فصار الطعام لليتيم يعطى منه، وإذا فضل فضلة حبست له حتى يأكلها، أو تنتن فتفسد فلا يستفيد منها لا هو ولا غيره، فأنزل الله عز وجل هذه الآية: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ [البقرة:220] يعني: يعلم الذي عنده إحسان إلى اليتيم، والذي عنده إساءة إلى اليتيم، والذي عنده إصلاح لمال اليتيم، والذي عنده إفساد لمال اليتيم، الله تعالى يعلم ذلك ولا يخفى عليه، ولكن المخالطة لا بأس بها ولا مانع منها، والحرج والمشقة التي تحصل لعزل طعامه من طعامه الله تعالى رفعها وأباح المخالطة، فالمخالطة لا بأس بها ولا مانع منها، والشيء الذي كانوا يفعلونه في الأول سائغ لكن مع العدل، فلا يؤخذ من مال اليتيم إلا على قدر حاجة اليتيم فقط، ويخلط الطعام مع الطعام، ويأكل الجميع من الطعام، ويكون الطعام للجميع، والجميع يستفيدون منه. وأثر ابن عباس هو في بيان سبب نزول هذه الآية، وأنهم تحرجوا وعزلوا طعامهم من طعامهم، فتعرض للفساد فرخص وأذن لهم بأن يخلطوا طعامهم مع طعامهم وأنزل الله هذه الآية. تراجم رجال إسناد أثر سبب نزول قوله تعالى: (ويسألونك عن اليتامى...) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، وأخرج له النسائي في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا جرير ]. جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء ]. عطاء بن السائب صدوق اختلط، وجرير ممن سمع منه بعد الاختلاط، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن سعيد بن جبير ]. سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس مر ذكره. والحديث في إسناده عطاء بن السائب وقد اختلط، وسماع من سمع منه قبل الاختلاط هو المعتبر، ومن سمع منه بعد الاختلاط فهذا غير معتبر، و جرير ممن سمع منه بعد الاختلاط، والذين سمعوا منه قبل الاختلاط سبعة، أورد الحافظ ابن حجر في آخر ترجمة عطاء بن السائب في تهذيب التهذيب ستة، ويضاف إليهم الأعمش فيكونون بذلك سبعة، وجرير ليس منهم، بل جاء التصريح بأنه سمع منه حديثاً. والحديث صححه الألباني و ابن كثير رحمه الله، وفيه ذكر سبب نزول الآية وهو: أنهم كانوا يتحرجون، وبعد ذلك أذن لهم، والذي يدل عليه الحديث هو مقتضى الآية. إذاً: سبب نزولها هو هذا الذي كان موجوداً من قبل، والآية صريحة في جواز هذا الذي جاء في هذا الحديث، والحديث صححه الألباني ، ولعل له طرقاً أخرى غير الطريق التي فيها جرير عن عطاء بن السائب ، و النسائي رواه وفي إسناده من هو من غير السبعة الذين سمعوا قبل الاختلاط مثل جرير . والذين رووا عن عطاء بن السائب قبل الاختلاط هم : سفيان الثوري و شعبة و زهير و زائدة و حماد بن زيد و أيوب السختياني و الأعمش . راجح السلسلة الصحيحة رقم (660). ما جاء فيما لولي اليتيم أن ينال من مال اليتيم شرح حديث: (كُلْ من مال يتيمك غير مسرف ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء فيما لولي اليتيم أن ينال من مال اليتيم. حدثنا حميد بن مسعدة أن خالد بن الحارث حدثهم حدثنا حسين -يعني المعلم - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (إني فقير ليس لي شيء ولي يتيم، قال: فقال: كل من مال يتيمك غير مسرف، ولا مبادر، ولا متأثل) ]. أورد أبو داود [ باب ما لولي اليتيم أن ينال من مال اليتيم، يعني: هذا الذي يلي مال اليتيم، ويتصرف فيه لمصلحة اليتيم، هل له أن يأخذ شيئاً مقابل هذا العمل الذي يقوم به؟ إذا كان فقيراً فله أن يأكل بالمعروف، وأما إذا كان غنياً فعليه أن يستعفف كما جاء في القرآن: وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:6]. (إني فقير ليس لي شيء ولي يتيم) يعني أنه قائم على شئونه وله مال. فقال: (كل من مال يتيمك غير مسرف، ولا مبادر، ولا متأثل) . (كل من مال يتيمك) يعني: فيما هو مقابل عملك، معناه: أنك لا تأكل بدون عمل وبدون مقابل حتى تفنيه وتأكله، فمال اليتيم لليتيم، ولكن إذا عملت عملاً في مال اليتيم لمصلحة اليتيم فلك أجرة على هذا، وهذا في حق من يكون فقيراً، أما من كان غنياً فعليه أن يستعفف، ويكون عمله لليتيم مما يرجو به الثواب من الله عز وجل، والله تعالى ميز بين الغني والفقير فقال: (فليأكل بالمعروف)، والحديث أيضاً بين ما يأكله فقال: (كل من مال يتيمك غير مسرف) يعني: في الأكل، بمعنى: لا يتوسع في الأكل. (ولا مبادر) يعني: مبادر بلوغه، كما قال: وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا [النساء:6] يعني: أنه لا يبادر إلى التصرف في ماله قبل أن يكبر، ثم يذهب عنه المال عندما يبلغ ويسلم له ماله، فلا يصير في يد الولي، فهو ينتهز فرصة وجوده في يده فيبادر إلى الاستفادة منه. (ولا متأثل) يعني: لا يأخذ قطعة منه فيجعلها رأس مال له أو يجعلها مالاً له، وإنما أبيح له أن يأخذ شيئاً يجعله من جملة ماله ولا يتموله ويتملكه، وإنما يأكل فقط دون أن يتملك، وهذا إذا كان فقيراً. تراجم رجال إسناد حديث: (كُلْ من مال يتيمك غير مسرف ...) قوله: [ حدثنا حميد بن مسعدة ]. حميد بن مسعدة صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ أن خالد بن الحارث ]. خالد بن الحارث البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حسين -يعني: المعلم - ]. حسين المعلم ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ]. عمرو بن شعيب بن محمد ، وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ورفع اليدين وجزء القراءة وأصحاب السنن، وجده هو عبد الله بن عمرو بن العاص ، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وأما ما ذكره الخطابي من آثار على أن من أكل من مال اليتيم يؤديه إليه إذا كبر؛ فالصحيح أنه لا يقضيه؛ لأنه أذن له في أكله فأبيح له ولا يقضيه، وهو في مقابل التصرف فيه لمصلحة اليتيم. قوله: مَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ [النساء:6] المراد به: أنه واجب عليه أن يستعفف، حتى لو قال: أنا صحيح غني، لكني أشتغل في المال فأريد المقابل، لكن الله تعالى أمره بالاستعفاف فعليه أن يستعفف. متى ينقطع اليتم شرح حديث: (لا يتم بعد احتلام) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء متى ينقطع اليتم. حدثنا أحمد بن صالح حدثنا يحيى بن محمد المديني حدثنا عبد الله بن خالد بن سعيد بن أبي مريم عن أبيه عن سعيد بن عبد الرحمن بن رقيش أنه سمع شيوخاً من بني عمرو بن عوف ومن خاله عبد الله بن أبي أحمد أنه قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يتم بعد احتلام، ولا صمات يوم إلى الليل) ]. أورد أبو داود [ باب متى ينقطع اليتم ] يعني: متى ينتهي اليتم، ويكون الإنسان صار كبيراً تجاوز حد اليتم، ولا يصدق عليه أنه يتيم؟ والجواب: بأن يبلغ، والبلوغ يكون بالاحتلام، ويكون بنبات الشعر الخشن حول القبل، ويكون بإتمام خمس عشرة سنة، ولو لم يكن احتلام ولا نبات شعر، هذا هو الذي يكون به البلوغ، وعند ذهاب اليتم وحصول البلوغ يكون الإنسان مكلفاً، ولكن من ناحية التصرف بالمال لابد من الرشد وزوال السفه مع البلوغ؛ لأن الله تعالى قال: حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء:6]، فقيد إيصال أموال اليتامى بقيدين: أحدهما: البلوغ، والثاني: الرشد؛ وذلك أنه إذا لم يكن رشيداً كان سفيهاً، ولو كان بالغاً فإنه يضيع المال، ولهذا فإنه يحجر على الشخص من أجل السفه؛ لأن الله تعالى قيد إعطاءه المال بقيدين: البلوغ، وحصول الرشد، وذهاب وزوال السفه، ولهذا يحجر على السفيه في ماله ويعطى منه على قدر حاجته، والباقي يحفظ له. أورد أبو داود هذا الحديث: (لا يتم بعد احتلام) يعني: الإنسان إذا احتلم خرج من كونه يتيماً؛ لأنه بلغ مبلغ الرجال، أو بلغت المرأة مبلغ النساء، وخرجت من كونها يتيمة، فصارت من أهل التكاليف، وصار القلم الذي كان مرفوعاً يجري بالحسنات والسيئات والمؤاخذة. (ولا صمات يوم إلى الليل) يعني: كون الإنسان يسكت ويصمت وينذر ذلك، أو يحصل منه الالتزام بالصمت إلى الليل فلا يتكلم، وقوله: (إلى الليل)، لا يعني أنه إذا كان هناك صمت، ولكن قبل الليل أنه يكون سائغاً، ولكن لعل ذلك كان على اعتبار ما كان في الجاهلية أنه يحصل منهم الصمت يوماً كاملاً، فجاء التنصيص إلى الليل لبيان أن هذا من عادة الجاهلية، وأنه لا يسوغ، وأن كون الإنسان يصمت ويمتنع من الكلام ولا يتكلم ولا يذكر الله فليس له ذلك حتى ولو كان إلى قبل الليل. أما قوله جل وعلا: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا [مريم:26] ، فليس فيه دليل، إنما ذاك شيء خاص بها، وهو من شرع من قبلنا. تراجم رجال إسناد حديث: (لا يتم بعد احتلام) قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. أحمد بن صالح مر ذكره. [ حدثنا يحيى بن محمد المديني ]. يحيى بن محمد المديني صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عبد الله بن خالد بن سعيد بن أبي مريم ]. عبد الله بن خالد بن سعيد بن أبي مريم ، مستور -بمعنى: مجهول الحال- أخرج له أبو داود . [ عن أبيه ]. أبوه مقبول، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ عن سعيد بن عبد الرحمن بن يزيد بن رقيش ]. سعيد بن عبد الرحمن بن يزيد بن رقيش ثقة، أخرج له أبو داود . [ أنه سمع شيوخاً من بني عمرو بن عوف ]. هذا مبهم، ولكن فيه المسمى خاله عبد الله بن أبي أحمد ، وقد قيل: إنه صحابي، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره جماعة في ثقات التابعين، أخرج له أبو داود . [ قال علي بن أبي طالب ]. علي بن أبي طالب رضي الله عنه رابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. وفي إسناد الحديث من هو متكلم فيهم، من قيل فيه: مستور، ومن قيل فيه: صدوق يخطئ، ولكن الحديث له شواهد، وقد ذكر الشيخ الألباني رحمه الله لهذا الحديث شواهد في إرواء الغليل. الأسئلة ضابط السفه السؤال: ما ضابط السفه؟ الجواب: كونه يبذر ماله ويضيعه، وليس عنده العقل الذي يجعله يحافظ على ماله. كيفية استخراج الثلث من التركة السؤال: إذا أوصى رجل بالثلث هل يقسم كل شيء مما يملك بالثلث؟ الجواب: يمكن ذلك بقسمة كل شيء، ويمكن بالمعاينة بحيث إنه إذا كان عنده مثلا ً عقار ويعرف الثلث في العمارة، والباقي يعادل الثلثين، وليس بلازم أن كل شيء يخرج منه ثلثه، بل يمكن أن يكون الثلث مشاعاً، ويمكن أن يكون متميزاً، بحيث يعرف أن هذا يساوي كذا، وهذا يساوي كذا، وهذا يساوي كذا، فالثلث يكون متميزاً. حكم الوصية لغير الورثة السؤال: عندما يوصي المريض لغير الورثة أو لأحد الورثة، هل للموصى له أن يأخذ المال الموصى له في هذه الحالة؟ الجواب: إن كان أكثر من الثلث لغير الورثة فإن هذا يتوقف على إجازة الورثة، وأما الوصية للوارث فلا تجوز؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا وصية لوارث)، وليس له أن يأخذ، ولا تنفذ الوصية، ويبقى المال للورثة. حكم اختصاص بعض الأبناء بالعطية مقابل الخدمة والرعاية السؤال: رجل كبير في السن وعنده مال كثير، وأولاده كثيرون لكنهم يعقونه، وبعضهم لا يرد عليه السلام ولا يزوره، ولا يسأل عن والده، وله ولد واحد منهم يبره ويحسن إليه ويخدمه في شيخوخته، فهل يجوز له أن يخص هذا الولد بشيء من المال والحالة هذه؟ الجواب: لا يخصه في الوصية، ولكن يمكن أن يعطيه ويملك مالاً في مقابل خدمته له ومقابل قيامه به في الحياة. حكم الوصية لوارث مقابل الخدمة والرعاية السؤال: إذا أوصى الرجل لأحد ولديه بقطعة من الأرض لخدمته وعنايته به، فهل يجوز هذا أو لا؟ وإذا لم يجز ذلك فماذا يفعل في هذه القطعة؟ الجواب: إذا أعطاه في الحياة، وكان يستحق مثل ذلك لقيامه به؛ فلا بأس بذلك، لكن الذي ينبغي أن ينجز ذلك في الحياة، والعطية في الحياة سائغة، وكونه يوصي له مقابل عمل لا بأس به، ولا تدخل في الوصية للوارث؛ لأنها مقابل عمل مثل العطية في الحياة، والعطية في الحياة لا تجوز إلا في مقابل عمل، فإذا كانت في مقابل عمل فيجوز ذلك سواء كثر المال أو قل المال، فله أن يعطيه في حياته وله أن يوصي له؛ لأنه ما أوصى له من أجل تمييزه على غيره، وإنما مقابل عمله الذي عمله، فهي مثل الأجرة، وكأنه كان عليه دين ويريد أن يتخلص من هذا الدين، لكن كونه يعطيه في الحياة وينجزه في الحياة هو أولى. حكم من طلق امرأته في مرض ثم شفي منه السؤال: شخص طلق زوجته طلاقاًَ بائناً في مرض موته بقصد عدم توريثها، ثم برئ من مرضه، فهل تعتبر طالقاً منه؟ الجواب: إذا برئ فلا شك أنها تعتبر طالقاً، والمقصود من الطلاق قد حصل، ولم يلغ الطلاق، ولكن الكلام على النتيجة والغاية التي من أجلها حصل الطلاق؛ أما إذا طلقها في مرض موته، ثم شفي؛ فإنها تبين منه. حكم منع المورث للوارث من الميراث السؤال: رجل أوصى في مرض الموت فقال: إن ابني فلاناً لا يرث، فما الحكم؟ الجواب: ليس له ذلك؛ لأن الله تعالى هو الذي ورّث، وهو الذي أعطى كل ذي حق حقه، فهو يرثه إلا إن قام به مانع من الموانع المعروفة: الرق، والقتل، واختلاف الدين. حكم الضعيف إن اختير للإمارة السؤال: إذا كان الشخص ضعيفاً ووضعوه أميراً في سفر، فهل له أن يرفض؟ الجواب: نعم له أن يرفض، ويقول: فلان أولى مني. حكم الوقف بأكثر من الثلث السؤال: هل يمكن للرجل أن يوقف أكثر من الثلث؟ الجواب: نعم، فإن الوقف في الحياة ليس له حد. حكم الأخذ من مساعدات طلاب العلم السؤال: إذا كان ولي الأمر يعطي مساعدات مالية لطلاب العلم، فهل الأفضل لي أن آخذ من هذه المساعدات أو أستعفف؟ الجواب: إذا كنت غنياً فاستعففت فلا بأس، وإن كنت بحاجة إليها فخذ، وأما إن كان يعطي كل طالب سواء كان غنياً أو فقيراً وهذا أمر يكون لكل من يقوم بهذا العمل من غير تقييد بالحاجة فله أن يأخذ، وإن استعفف فله أن يستعفف. كتاب الأعلام للزركلي السؤال: ما رأيكم في كتاب الأعلام للزركلي ؟ الجواب: هو كتاب تراجم، لكنه مشتمل على صور، وكتاب كحالة أولى منه."
__________________
|
#568
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الاضحية شرح سنن أبي داود [338] الحلقة (370) شرح سنن أبي داود [338] من السبع الموبقات والكبائر المهلكات: أكل مال اليتيم ظلماً، وقد وردت آيات وأحاديث في الترهيب من ذلك، فيجب على ولي مال اليتيم ألا يقرب ماله إلا بالتي هي أحسن، وأن يرجو بقيامه على ماله وجه الله والدار الآخرة. ما جاء في التشديد في أكل مال اليتيم شرح حديثي أبي هريرة وعبيد بن عمير في اجتناب الموبقات قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في التشديد في أكل مال اليتيم. حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني حدثنا ابن وهب عن سليمان بن بلال عن ثور بن زيد عن أبي الغيث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: يا رسول الله! وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات). قال أبو داود : أبو الغيث سالم مولى ابن مطيع . حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني حدثنا معاذ بن هانئ حدثنا حرب بن شداد حدثنا يحيى بن أبي كثير عن عبد الحميد بن سنان عن عبيد بن عمير عن أبيه رضي الله عنه أنه حدثه -وكانت له صحبة- أن رجلاً سأله فقال: (يا رسول الله! ما الكبائر؟ فقال: هن تسع -فذكر معناه، زاد-: وعقوق الوالدين المسلمين، واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتاً) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في التشديد في أكل مال اليتيم ]. أي: بيان أن ذلك خطير وشديد، وأنه من الكبائر التي حرمها الله عز وجل، وقد جاء في القرآن الكريم بيان خطورته، وكذلك في السنة، وقد جاء في القرآن: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء:10]. وجاء في السنة أحاديث منها هذا الحديث: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات) (اجتنبوا) أي: ابتعدوا واحذروا أن تقعوا فيها، ولتكن هي في جانب وأنتم في جانب بحيث لا تقربوها ولا تفعلوا شيئاً منها، وأولها: الشرك بالله عز وجل. عظم ذنب الشرك الشرك بالله عز وجل هو أظلم الظلم، وأبطل الباطل، وهو الذنب الذي لا يغفره الله عز وجل، وكل ذنب دونه هو تحت مشيئة الله إن شاء عفا عن صاحبه ولم يعذبه وأدخله الجنة، وإن شاء أدخله النار، ولكنه يخرجه منها ويدخله الجنة، ولا يبقى في النار أبد الآباد إلا من كان كافراً أو مشركاً، فهذا هو الذي يخلد صاحبه في النار، وكل ما دون ذلك من المعاصي وإن كبرت فأمر صاحبها إلى الله عز وجل، كما قال الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] أي: دون الشرك (( لِمَنْ يَشَاءُ ))؛ لأنه تحت المشيئة إن شاء غفر الله له ولم يعذبه على ما اقترفه من الكبائر والمعاصي التي هي دون الشرك، وإن شاء عذبه عليها وأدخله النار، ولكنه لا يبقى في النار ولا يخلد فيها كما يخلد الكفار، بل لابد أن يأتي عليه وقت يخرج من النار ويدخل الجنة، فلا يخلد في النار إلا الكفار الذين هم أهلها، ولا سبيل لهم إلى الخروج منها أبداً. والشرك بالله عز وجل بينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (أن تجعل لله نداً وهو خلقك)، فالله تعالى هو الذي خلق ورزق، وهو الذي يحيي ويميت، فكيف يجعل لله نداً؟! وهذه الأنداد مخلوقة كانت بعد أن لم تكن، فكيف يعبد الإنسان مخلوقاً مثله! أين العقول؟! العبادة إنما تكون لله عز وجل الذي تفرد بالخلق والإيجاد، وهو الذي يجب أن يفرد ويخص بالعبادة، ولا يجعل مع الله شريك في العبادة، بل يجب أن تكون خالصة لوجه الله، كما قال الله عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، وقال: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110]، فلابد من الإخلاص لله عز وجل، ولابد من إفراد الله بالعبادة، وهذا هو مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله؛ لأن مقتضاها: ألا يعبد إلا الله، وأن تكون العبادة خالصة لوجه الله، لا شريك له فيها، كما أنه لا شريك له في الخلق والإيجاد والإحياء والإماتة، فلا شريك له في العبادة، بل المتفرد بالخلق والإيجاد هو الذي يجب أن يفرد بالعبادة، ولهذا يأتي كثيراً في القرآن الكريم بيان تفرد الله بالخلق والإيجاد، وأنه هو الذي ينفع ويضر، ويأتي بعد ذلك التنبيه على أن من يكون كذلك فهو الذي يجب أن يعبد وحده لا شريك له، كما قال الله عز وجل: أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا [النمل:60]، ثم قال بعد ذلك: أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ أي: الذي يتفرد بهذا الخلق والإيجاد هو الذي يجب أن يكون وحده المعبود، فلا يجعل معه آلهة ولا يعبد مع الله غيره، (أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ [النمل:60] أي: يسوون غير الله بالله. أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ * أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [النمل:61-62]، وهكذا يأتي ذكر تفرده بالخلق والإيجاد والتصرف في الكون كيف يشاء، وأنه هو الذي (( يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ))، ويكون المقصود من ذلك الإلزام بأن تكون العبادة لله وحده لا شريك له، ولهذا يقولون: توحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية، فمن أقر بالربوبية يلزمه أن يأتي بالألوهية؛ لأنه إذا كان الله هو الخالق وحده، والرازق وحده، وكل ما سواه مخلوق، فكيف يعبد المخلوق؟! وكيف تصرف العبادة للمخلوق الذي كان عدماً فأوجده الله؟! هذا المعدوم الذي أوجده الله يعبد فيكون له نصيب من العبادة.. أين العقول؟! أين الفهم؟ ولا بد مع إفراد الله بالعبادة أن تكون العبادة مطابقة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن كانت على خلاف ذلك كانت من البدع المحرمة التي لا يجوز التعبد لله عز وجل بها؛ لأن الله تعالى يتعبد بما شرع، ولهذا قال بعض أهل العلم في تفسير شهادة أن محمداً رسول الله: هي طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرع، لا يعبد الله إلا بما شرع عز وجل من الشرع الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا عبد الله، وأخلصت العبادة لله، ولكنها كانت مبنية على بدعة؛ فإنها تكون مردودة على صاحبها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم ، وفي لفظ لمسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، وهو أعم من الذي قبله؛ لأنه يشمل ما إذا كان هو المحدث للعمل الذي عمله مخالفاً للشرع به، أو كان المحدث غيره ولكنه اتبع من أحدثه، فقوله: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أعم من قوله: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد)؛ لأن الأول جزء من الثاني، أي: أن المحدث للعمل الذي عمله، وكذلك الذي لم يحدثه ولكنه تابع المحدث، كل من هؤلاء وهؤلاء الذين عملوا عملاً على غير وفق السنة أعمالهم مردودة عليهم، وهذا هو مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن مقتضى الشهادة بأنه رسول الله أن يتابع، وأن يلتزم بما جاء به عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. إذاً: مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله: ألا يعبد إلا الله، ومقتضى شهادة أن محمداً رسول الله: ألا يعبد الله إلا طبقاً لما شرع رسول الله، كما قال الله عز وجل: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31] فعلامة محبة الإنسان لله عز وجل: أن يكون متبعاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي ، لابد من البينة على الدعوى، وإذا كانت البينة كاذبة تكون الدعوى كاذبة، فإذا قال: إنه يحب الله ورسوله، ولا يطيع الله ورسوله، ولا يعمل بما جاء عن الله ورسوله؛ فهذه الدعوى غير صادقة بل هي كاذبة. فالدعوى إنما تكون صحيحة إذا قامت البينة عليها، والبينة عليها هي الاتباع، وعلى هذا فلابد من أمرين، وهما: تجريد الإخلاص لله وحده، وتجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يعبد إلا الله، ولا يعبد الله إلا طبقاً لما شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يعبد بالبدع والهوى ومحدثات الأمور، وإنما يعبد بالشرع الذي شرعه الله لرسوله، والذي أنزله الله على رسوله، سواء كان كتاباً أو سنة، هذا هو الذي يتعبد الله به. ولهذا يلزم علي المسلم أن يكون حريصاً على اتباع الكتاب والسنة، وأن يسأل عما جاء في الكتاب والسنة ليعمل به، وهذا هو الذي قامت عليه الرسالات، قال الله عز وجل: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، فكل رسول أرسله الله يدعو قومه الذين أرسل إليهم إلى أن يعبدوا الله وحده وأن يجتنبوا عبادة غيره. وقال عز وجل: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25] (( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ )) أي: أن أي رسول أرسلناه من قبلك نوحي إليه: ((أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ )). إذاً: أظلم الظلم، وأبطل الباطل، وأعظم الذنوب على الإطلاق: الإشراك بالله، وهو صرف حق الله إلى غير الله، كالاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، ودعاء الجن، ودعاء الملائكة، ودعاء الغائبين ممن لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، وإنما يسأل الإنسان فيما يقدر عليه، ويطلب من الإنسان الحي ما يقدر عليه، أما أن يطلب من الأموات أشياء، ويطلب من الجن أشياء، ويطلب من الملائكة أشياء، وهذه الأشياء لا يجوز أن تطلب إلا من الله؛ فهذا هو الشرك بالله عز وجل، وإن لم يكن هذا شركاً فما هو الشرك؟! هل الشرك فقط أن يدعى أن السماوات والأرض شارك في خلقهما أحد غير الله؟! لا أحد يقول: إن السماوات والأرض شارك في خلقهما أحد غير الله، والكفار لما بعث فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يقرون بأن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت المتصرف في الكون، ولكنهم مع ذلك كانوا يجعلون معه آلهة أخرى، وتلك الآلهة يزعمون أنها تقربهم إلى الله، والله عز وجل لا يحتاج في عبادته إلى واسطة تكون بينه وبين خلقه، يقول الله عز وجل: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186]، وقال: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ [الإسراء:57]، فالملائكة والأنبياء وغيرهم الذين يدعونهم من دون الله، هؤلاء كلهم يتنافسون في التقرب إلى الله، ويعملون الأعمال التي تقربهم من الله سبحانه وتعالى، فلا يصرف إليهم شيء من العبادة، ولا تصرف العبادة إلا لله عز وجل. هذا هو الأمر الأول من الأمور السبعة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات). وجوب اجتناب الموبقات من الأعمال هذه السبع التي أولها الشرك وآخرها قذف المؤمنات كلها من الكبائر، والكبائر كثيرة، وأحسن ما قيل فيها: الكبيرة هي الذنب الذي جعل الله عليه حداً في الدنيا، أو توعد عليه بلعنة أو غضب أو نار أو حبوط عمل، فما كان كذلك فهو من الكبائر، وغيره من الصغائر، وعلى الإنسان أن يجتنب الكبائر ويجتنب الصغائر، ولكن الصغائر إذا لم يصر عليها فإن الأعمال الصالحة تكفرها، قال الله عز وجل: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31]، ويقول صلى الله عليه وسلم: (رمضان إلى رمضان، والجمعة إلى الجمعة، والعمرة إلى العمرة كفارة لما بينهن، ما اجتنبت الكبائر)، فالأعمال الصالحة تكفر الصغائر، ولكن إذا أصر على الصغائر فإنها تلحق بالكبائر؛ لأن الكبائر إذا حصل معها خوف من الله ووجل، وخوف من العقوبات التي تترتب عليها تتضاءل حتى تضمحل وتصبح لا وجود لها، والصغيرة إذا أصر عليها، واستهان بها، ولم يهتم بها الإنسان، ولم يخف من مغبتها؛ تعظم وتضخم حتى تلتحق بالكبائر، ولهذا جاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار، فالكبيرة مع الاستغفار تتلاشى وتضمحل، والصغيرة مع الإصرار عليها تضخم وتعظم حتى تلتحق بالكبائر، فلا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار. وجوب اجتناب السحر وبيان خطره قوله: (والسحر)، السحر هو من أكبر الكبائر، وهو من الكفر، وقد جاء في القرآن بيان أنه كفر، وأن صاحبه ليس له خلاق عند الله عز وجل، وهو: عقد ورقى ينفث فيها، ويحصل بها الضرر بإذن الله عز وجل بهذه الوسيلة المحرمة، والله عز وجل بيده النفع والضر إذا شاء أن يوجد الضر وجد، وإذا شاء أن يسلم منه حصلت السلامة منه، ولكنه عمل محرم، وهو من أكبر الكبائر، وأعظم المصائب، وهو لا يتأتى ولا يحصل إلا عن طريق الكفر، ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يعاملون السحرة بالقتل، واعتبروا حدهم القتل. قوله: (وقتل النفس التي حرم الله) أي: المعصومة التي لا يجوز للإنسان أن يتعدى عليها إلا إذا كان بحق، وذلك بالقصاص، أما في غير ذلك فإن الأصل هو العصمة، ولا يجوز للإنسان أن يقدم على مضرة الإنسان وسفك دمه إلا إذا كان بحق، والحق هو القصاص، فإن قتل عمداً فيقتل قصاصاً، كما قال الله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ [البقرة:179]. وجوب اجتناب الربا وبيان أنه من الكبائر قوله: (وأكل الربا)، وهو أن يباع الذهب بالذهب مع التفاضل، كجنيه بجنيهين، أو ذهب رديء بذهب جيد مع اختلاف الوزن؛ لأنه لا بد من التساوي والتقابض في المثلين، فلا فضل الذي هو زيادة هذا على هذا، ولا نسيئة وهو أن يشترى ذهب بذهب ثم يسلم أحدهم ويؤجل الآخر، فلا بد من التماثل، ولا بد من التقابض؛ فلا ربا فضل ولا ربا نسيئة، وربا الفضل: هو الزيادة في أحد العوضين في النوع الواحد كالذهب بالذهب، وربا النسيئة هو التأجيل، بأن يحصل التساوي ولكن بعضه حاضر وبعضه غائب، أو بعض هذا حاضر وبعضه غائب، فلابد أن يكون كله حاضراًَ، وأن يقبض هذا مع هذا، وكذلك الأشياء المتماثلة مثل التمر بالتمر، والشعير بالشعير، والبر بالبر، لا بد من التماثل فيها والتقابض. فإذا اختلف الجنس بأن بيع ذهب بفضة، أو تمر ببر، فالتفاضل لا بأس به، ولكن لا بد من التقابض، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (إذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد). إذاً: التقابض لابد منه في جميع الأحوال، والتماثل لابد منه فيما إذا كانا جنساً واحداً، والتقابض لا بد منه إذا كانا جنساً واحداً، وإذا كانا جنسين فلا بأس بالتفاضل لكن بشرط التقابض. أما بالنسبة للأثمان فكون الإنسان يشتري تمراً بفضة أو بذهب يجوز، وإن كانت هذه كلها ربوية، إلا أنها لما كانت أثماناً فلا بأس بأن يكون الثمن حاضراً والمثمن غائباً، أو المثمن حاضراً والثمن غائباً، فتعجيل الثمن وتأجيل المثمن -مثل السلم الذي جاء جوازه- لا بأس به. والله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282] يكتب؛ لأن الذهب والفضة أثمان، وكذلك الأوراق النقدية أثمان، فلا يقال: إنه جنس بآخر، فلا بد فيه من التقابل. وأخذ الربا حرام سواء أكل أو أخذ عن طريق الربا، أو بني به بيت، أو اشتريت به سيارة، كل ذلك حرام، ولكنه عبر بالأكل -وإن كانت جميع أوجه الانتفاع ممنوعة ومحرمة- لأن الأكل هو الغالب في الاستعمال بين الناس؛ لأنهم يأكلون من المال الذي يحصلونه، ويعتمدون على المال الذي يحصلونه في القوت، فليس الأمر مقصوراً على الأكل، بل إذا أخذ الربا واشترى به سيارة أو مسكناً أو لباساً فهو حرام، ولكنه عبر بالأكل لأنه أعم وجوه الانتفاع. قوله: (وأكل مال اليتيم)، المقصود به أن يأخذ الإنسان مال اليتيم سواء اشترى به لباساً أو سيارة أو أي شيء، فصاحبه مرتكب كبيرة، ولكنه عبر بالأكل أيضاً لأنه أعم وجوه الانتفاع، وأكثر وجوه الانتفاع، وإلا فالحكم يعم جميع وجوه الانتفاع. قوله: (والتولي يوم الزحف) أي: عند التقاء المسلمين بالكفار في سبيل الله، ثم يفر؛ لأن هذا يسبب الهزيمة للمسلمين، وينتج عنه ضعفهم أمام عدوهم. قذف المحصنات الغافلات المؤمنات من الكبائر قوله: (وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) أي: قذفهن بالزنا، والمحصنات هن العفيفات، والإحصان يأتي ويراد به العفة، ويأتي ويراد به حصول الزواج، ولهذا قال الله عز وجل: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:24] فقوله: (( وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ )) أي: المتزوجات، ومعنى الآية: أنه لا يجوز للإنسان أن يتزوج بامرأة ذات زوج (( إِلَّا مَا مَلَكَتْ ))، فإن المرأة التي تسبى وهي ذات زوج يبطل زواجها بزوجها الأول، فيحل للإنسان أن ينكحها ولو كانت ذات زوج؛ لأن الزواج الأول ذهب، وملك اليمين حل محله، فلا يجوز الزواج بالمحصنات، ويستثنى من ذلك ذات الزوج الكافر التي سبيت وهي كافرة، وسواء بقيت على كفرها أو أسلمت فإنه تنقطع صلتها بزوجها الأول، ويحل لمالكها ومن وقعت في سهمه أن يطأها على اعتبار أنها ملك يمين، كما قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المؤمنون:5-6]؛ لأن قضاء الشهوة لا يحل إلا بطريقين اثنين: الأول: الزوجة. والثاني: الأمة التي يملكها الإنسان، وغير ذلك لا يجوز وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المؤمنون:5-7]، فكل شيء وراء الزوجة وملك اليمين من العدوان، حتى العادة السرية؛ لأنها مما وراء ذلك وداخلة في قوله: (( فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ ))، فكل شيء غير الزوجة وملك اليمين محرم، وهو من العدوان. فالإحصان يأتي بمعنى العفة كما يأتي في القذف، ويأتي بمعنى الزواج والتزوج؛ ولذا فإن الزاني المحصن يرجم وإن لم يكن عنده زوجة حين زنى، ولكنه سبق أن تزوج، واستمتع بالطريق المشروع بالزواج، فيقال له: محصن أو محصنة، لكن الإحصان عندما يأتي فيما يتعلق بالقذف فإن المراد به العفيفات. وليس المقصود قذف النساء فقط دون قذف الرجال، بل قذف الرجال أيضاً مثل قذف النساء، قذف المحصنين العفيفين مثل قذف العفيفات، ولكنه جاء التعبير بالمحصنات لأن إلصاق هذا العيب بهن أخطر وأشد من إلحاقه بالرجل؛ لأنه يترتب على زنا المرأة إفساد الفراش، وإلحاق الولد بغير أهله، وربما ينتفي منه بلعان، فيكون في ذلك إفساد للفراش واختلاط الأنساب، وأن يكون في البيت من ليس من أهله، فلذلك جاء التنصيص على المحصنات، وإلا فإن المحصنين مثلهن، ولكن لبيان أن قذف النساء أخطر وأعظم لما يترتب عليه من تلويث للفراش، واختلاط الأنساب، وإلحاق من ليس من البيت بأهل البيت بسبب هذه الجريمة، وبسبب هذا الأمر المنكر؛ نص على (المحصنات المؤمنات الغافلات) أي: اللاتي لم يقعن في الريبة، ولا في الأمر المحرم، ومع ذلك تقذف وهي بريئة. وقوله: (المؤمنات) هذا قيد؛ أي أن هذا الحكم إنما هو في حق العفيفات المؤمنات، وقد عرفنا أن الحكم لا يختص بالنساء وقذفهن، بل قذف الرجال الذين هم عفيفون من الكبائر، كما أن قذف المحصنات من الكبائر. عدم اختصاص الكبائر بما جاء في الحديث وهذه السبع جاءت في هذا الحديث، ولا يعني ذلك أن الكبائر محصورة فيها، فإن الكبائر أكثر من ذلك، وكل ما جاء من أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على أن هذا العمل كبيرة فإنه يلحق بها، ولهذا ذكر العلماء أكثر من هذا العدد، أخذوه من الأحاديث ومن الآيات الكريمة، والإمام الذهبي رحمه الله ألف كتاباً في الكبائر أوصل الكبائر فيه إلى سبعين كبيرة، وجعل آخر الكبائر سب الصحابة؛ لأن سب الصحابة من أكبر الكبائر؛ لأن الصحابة هم الذين جاء عن طريقهم الكتاب والسنة، وهم الواسطة بين الناس وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما عرف الناس حقاً ولا هدى إلا عن طريق الصحابة، والله تعالى اختار نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم للرسالة واختار له أصحاباً أوجدهم في زمانه أكرمهم الله بصحبته، وشرف أسماعهم بسماع حديثه وصوته صلى الله عليه وسلم، ومتع أبصارهم بالنظر إليه؛ فحصل لهم ما لم يحصل للناس، وهم الذين تلقوا الكتاب والسنة، وما عرف الناس كتاباً ولا سنة إلا عن طريق الصحابة، فكبيرة سب الصحابة هي الكبيرة المتممة للسبعين في كتاب الذهبي. شرح الزيادة الواردة في حديث عبيد بن عمير ثم أورد أبو داود حديث عبيد بن عمير بن قتادة الليثي وفيه زيادة كبيرتين وهما: (وعقوق الوالدين المسلمين) عقوق الوالدين من أكبر الكبائر، والله تعالى يقرن الإحسان إلى الوالدين بحقه سبحانه وتعالى، وعندما يأتي الأمر بالعبادة يأتي مع ذلك الوصية بالوالدين، قال الله: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:23] أي: وأحسنوا بالوالدين إحساناً، وذلك لأهمية البر بالوالدين، وخطورة عقوقهما؛ لأنهما السبب في وجودك، وهما اللذان تعبا من أجلك حتى بلغت مبلغ الرجال، فإحسانهما عليك عظيم، فإذا قابلت الإحسان بالإساءة فهذا يدل على شدة اللؤم، وعلى خبث الطبع. قوله: (واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتاً). المحرمات في كل وقت وفي كل حين محرمة، ولكنها في المكان المقدس أخطر؛ لأن المعصية في الحرم أشد من المعصية في غير الحرم، لأن المعاصي في الزمان الفاضل والمكان الفاضل أعظم منها في غيره، والمعاصي لا تتضاعف بكمياتها بأن تكون السيئة في الحرم بسيئتين أو ثلاث أو عشر، ولكن السيئة في الحرم أعظم من حيث الكيف، ومن حيث الخطورة، أي أنها تضخم وتعظم، والسيئة في الحرم أعظم من السيئة في غير الحرم؛ لأن من يعصي الله في حماه وفي حرمه ليس كالذي يعصيه في مكان آخر، وإن كان الكل معصية لله عز وجل لكن يزداد الأمر خطورة إذا كان في المكان المقدس. وكذلك ما يختص بالحرم مثل الصيد فلا يجوز الصيد في الحرم، ولا يجوز قطع الشجر الذي نبت بدون سبب من الناس، أما ما يزرعه الناس لحاجتهم ومصالحهم فلهم أن يقطعوه، فإذا زرعوا زرعاً أو علفاً لبهائمهم فإنهم يقطعون الذي زرعوه ويعلفونه لبهائمهم، ولكن الشجر الذي نبت من دون فعل الآدميين ليس لهم أن يقطعوه. وقوله: (قبلتكم أحياء وأمواتاً)، هذا يدل على أن الناس عندما يموتون يوجهون إلى القبلة؛ لأنه قال: (قبلتكم أحياء وأمواتاً) أي: في حال حياتكم تتعبدون وتؤدون الصلاة وتتجهون إلى القبلة، وفي حال الموت يوجه الميت إلى القبلة، وعندما يدفن في قبره يكون وجهه إلى القبلة وليس إلى جهة أخرى.
__________________
|
#569
|
||||
|
||||
![]() تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في اجتناب الموبقات قوله: [ حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني ]. أحمد بن سعيد الهمداني صدوق، أخرج له أبو داود . [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان بن بلال ]. سليمان بن بلال ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ثور بن زيد ]. هو ثور بن زيد الديلي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الغيث ]. هو سالم مولى ابن مطيع وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. تراجم رجال إسناد حديث عبيد بن عمير في اجتناب الموبقات قوله: [ حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني ]. إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي . [ حدثنا معاذ بن هانئ ]. وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا حرب بن شداد ]. حرب بن شداد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا يحيى بن أبي كثير ]. هو يحيى بن أبي كثير اليمامي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الحميد بن سنان ]. عبد الحميد بن سنان مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي . [ عن عبيد بن عمير ]. عبيد بن عمير ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من ثقات التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو عمير بن قتادة الليثي وهو صحابي، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . و الألباني صحح الحديث، فلعل له شواهد. ما جاء في الدليل على أن الكفن من جميع المال شرح حديث استشهاد مصعب بن عمير في أحد وتكفينه قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في الدليل على أن الكفن من جميع المال. حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن الأعمش عن أبي وائل عن خباب رضي الله عنه قال: (مصعب بن عمير رضي الله عنه قتل يوم أحد ولم تكن له إلا نمرة، كنا إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطينا رجليه خرج رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غطوا بها رأسه، واجعلوا على رجليه من الإذخر) ]. أورد أبو داود : باب ما جاء في الدليل على أن الكفن يكون من جميع المال، أي: أن الميت إذا مات فإن كفنه ومئونة تجهيزه مقدمة على كل شيء في ماله، بمعنى: أنه ليس هناك ميراث ولا وصية؛ كل هذه تؤخر، ويكون المقدم هو كفنه وما يلزم لتجهيزه، هذا هو المقصود بالترجمة، فإن كان المال كثيراً فيؤخذ منه، وإن كان المال قليلاً جداً وما يكفي إلا للكفن؛ فإنه يكون للكفن، وليس هناك ميراث ولا وصية؛ لأنه لم يبق لهم مجال؛ لأن الكفن مقدم، ولأن مئونة تجهيزه وستر عورته مقدمة في ماله. وقد أورد أبو داود حديث خباب بن الأرت رضي الله عنه أن مصعب بن عمير لما استشهد لم يجدوا له إلا نمرة، إن غطوا بها رأسه بدت رجلاه، وإن غطوا بها رجليه بدا رأسه، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (غطوا بها رأسه، واجعلوا على رجليه من الإذخر) أي: غطوه بهذا النبات، واجعلوه غطاء له، فهذا يدل على أن الكفن مقدم؛ لأنهم ما وجدوا له إلا هذا يكفن به، فدل هذا على أن الكفن يؤخذ من أصل المال، وأنه المقدم على غيره، فإن كان المال كثيراً أخذ منه ما يلزم للتجهيز، وإن كان قليلاً لا يكفي إلا للتجهيز أخذ للتجهيز، ولا يقدم عليه أي أمر من المستحقات التي تؤخر. والشهيد يكفن في ثيابه التي مات فيها، ولا يغسل. تراجم رجال إسناد حديث (غطوا بها رأسه واجعلوا على رجليه من الإذخر) قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري وهو ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي وائل ]. هو شقيق بن سلمة وهو ثقة مخضرم مشهور بكنيته، أخرج له أصحاب الكتب الستة، ويأتي ذكره بكنيته كثيراً، وهو مشهور بها، ويأتي ذكره باسمه، ومعرفة كنى المحدثين من أنواع علوم الحديث، وفائدة معرفته: ألا يظن الشخص الواحد شخصين إذا ذكر بكنيته مرة وباسمه مرة، فإن الذي لا يعرف ذلك يظن أن هذا غير هذا، ولكن من يعرف أن أبا وائل كنية لشقيق ، فإذا وجد شقيقاً في إسناد، ووجد أبا وائل في إسناد آخر يقول: هذا هو هذا، ولا يلتبس عليه ويظنه شخصين مع أنه شخص واحد. [ عن خباب بن الأرت ]. هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. ما جاء في الرجل يهب الهبة ثم يوصى له بها أو يرثها شرح حديث ( قد وجب أجرك ورجعت إليك في الميراث...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يهب الهبة ثم يوصى له بها أو يرثها. حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا عبد الله بن عطاء عن عبد الله بن بريدة عن أبيه بريدة رضي الله عنه: أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالت: (كنت تصدقت على أمي بوليدة، وإنها ماتت وتركت تلك الوليدة، قال: قد وجب أجرك، ورجعت إليك في الميراث، قالت: وإنها ماتت وعليها صوم شهر، أفيجزئ -أو يقضي- عنها أن أصوم عنها؟ قال: نعم، قالت: وإنها لم تحج، أفيجزئ -أو يقضي- عنها أن أحج عنها؟ قال: نعم) ]. أورد أبو داود رحمه الله باباً في الرجل يهب الهبة ثم يوصى له بها أو يرثها، أي: ما الحكم في ذلك؟ وقوله: (الرجل)، ليس المقصود تخصيص الرجال بالذكر، وإنما المقصود أن الكلام يكون مع الرجال غالباً، مع أن سبب الحديث هو امرأة، فهي التي سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه المسألة، فذكر الرجل لأن الخطاب في الغالب يكون للرجال. فإذا أعطى إنسان عطية، أو وهب هبة لإنسان، ثم مات ذلك الإنسان وورثه المعطي، فإن رجوعها إليه بالميراث أو بالوصية لا بأس به، وهو مأجور على عطيته، ولكن الله تعالى ملكه إياها بأن ورثها أو أوصي له بها حيث جازت الوصية له، أما إذا لم تجز الوصية له كأن يكون وارثاًَ، فإن ذلك لا يسوغ إلا بإجازة الورثة على قول بعض أهل العلم. وقد أورد أبو داود حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه: أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (إني تصدقت على أمي بوليدة) أي: جارية ملكتها إياها، فماتت، فهي تسأل عن هل ترثها مع أنها هي التي أعطتها؟ (قال: قد وجب أجرك) على الله من أجل العطية والهبة (ورجعت إليك في الميراث) أي بأن ورثتيها، فهذا شأن الأموات إذا ماتوا يرثهم أقرباؤهم. ولو كان هذا المال الذي ورثه الميت جاء عن طريق الوارث فإن الوارث أحسن إلى الميت بأن أعطاه في حياته تلك العطية، ولما مات فإن الملك ينتقل من المورث إلى الوارث، ولا بأس أن ينتقل مثل ذلك إلى من حصل منه الذي هو المعطي؛ لأنه قال: (قد وجب أجرك) أي: كونك أعطيتها حصل لك الأجر على العطية، ولكن وصلت إليك بالإرث، فإذا تصدق الإنسان بصدقة أو أعطى عطية، ثم مات من تصدق عليه وهو وارث له، أو وهبه؛ فإن ملكه لذلك الذي خرج منه حق وسائغ ولا بأس به، ولكن الذي لا يسوغ هو أن يشتري الإنسان صدقته ممن تصدق عليه؛ لأنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن عمر رضي الله عنه قال: حملت على فرس في سبيل الله، فأضاعه الذي كان عنده، فأردت أن أشتريه وظننت أنه يبيعه برخص، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (لا تشتره ولو أعطاكه بدرهم)؛ لأن الإنسان إذا تصدق على إنسان ثم جاء ليشتري منه فقد يستحي فلا يأخذ حقه كاملاً؛ لأنه في الأصل محسن إليه، فيكون في ذلك مجاملة، وقد يخجل من أن يعامله معاملة الناس الآخرين، فمنع من هذا، أما إذا وصل إليه عن طريق الميراث أو الوصية والموصى له غير وارث وكان في حدود الثلث، فهذا هو الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (قد وجب أجرك وردها عليك الميراث). قوله: (قالت: وإنها ماتت وعليها صوم شهر، أفيجزئ أو يقضي أن أصوم عنها؟ قال: نعم)، دل هذا على أن الإنسان إذا مات وعليه صوم، سواء كان ذلك الصوم واجباً بأصل الشرع كصوم رمضان، أو واجباً بإيجاب الإنسان على نفسه كالنذر؛ فإن غيره يصوم عنه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صوم صام عنه وليه)، فصوم النذر الإنسان أوجبه على نفسه، وصوم رمضان أوجبه الله عليه، فإذا كان قد أفطر لعذر كالمرض أو السفر، وبعد ذلك شفي من مرضه ولم يحصل منه الصيام، فلوليه أن يقضي عنه، أما إذا كان قد أفطر رمضان لمرض واستمر معه المرض حتى مات؛ فإنه لا قضاء عليه؛ لأنه لم يتمكن من القضاء، أو مرض في رمضان ومات فيه، فإن هذه الأيام التي أفطرها لا قضاء عليه فيها، وإنما القضاء على من تمكن من القضاء بحيث خرج رمضان وشفي بعد رمضان، ولم يحصل منه القيام بالواجب، فهذا هو الذي يقضى عنه. وقوله: (قالت: وإنها لم تحج أفيجزىء أو يقضي عنها أن أحج عنها؟ قال: نعم). كذلك أيضاً سألت عن الحج فقالت: (وإنها لم تحج أفيجزئ أن أحج عنها؟ قال: نعم)، فدل هذا على أن الحج أيضاً تدخله النيابة، وأن الإنسان يمكن أن يحج عن غيره. تراجم رجال إسناد حديث (قد وجب أجرك ورجعت إليك في الميراث...) قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ]. أحمد بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا زهير ]. زهير بن معاوية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الله بن عطاء ]. عبد الله بن عطاء صدوق يخطئ، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن بريدة ]. هو عبد الله بن بريدة بن الحصيب وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. الأسئلة حكم لبس ثياب الإحرام من المدينة السؤال: هل يجوز للحجاج الذين يذهبون من المدينة إلى مكة أن يلبسوا الإحرام من مساكنهم في الفندق؟ الجواب: يجوز ذلك، فإذا أراد الحاج وهو بالمدينة أن يذهب إلى مكة فله أن يستعد للإحرام وهو في منزله حيث يكون على سعة ومهل، فيغتسل ويتجرد من المخيط، ويلبس الإزار والرداء، ويطيب رأسه ولا يطيب ثيابه، ولكنه لا ينوي الإحرام إلا إذا جاء إلى الميقات؛ لأن الإحرام هو النية، وأما لبس الإحرام فليس إحراماً، فالإنسان عندما يلبس إزاره ورداءه وهو في المدينة له أن يغطي رأسه حتى يصل إلى الميقات؛ لأنه ما أحرم إلى الآن، وهذا استعداد للإحرام وليس هو الإحرام؛ لأن الإحرام هو النية، فإذا لبس إزاره ورداءه فله أن يجعل رداءه فوق رأسه لأنه لا يقال له محرم حتى ينوي ويلبي، وعند ذلك لا يغطي رأسه. إذاً: الاستعداد والتهيؤ للإحرام لا بأس أن يكون من المنزل بالمدينة؛ لأن الماء متوافر والدفء متوافر على راحة ومهل، فيغتسل ويلبس إزاره ورداءه فإذا جاء إلى الميقات ينوي ويلبي. حكم من انتقض وضوءه في طواف الإفاضة السؤال: كنت حاجاً في سنة من السنوات الماضية، وفي طواف الإفاضة انتقض وضوئي إما في الشوط الثالث أو الرابع، ولكثرة الزحام لم أتمكن من الوضوء، فأكملت الطواف بدون وضوء، فماذا علي؟ الجواب: هذا من سنوات، وكيف لا يسأل الإنسان عن الشيء في وقته حتى يتدارك، وإنما يسأل عنه بعد أن مضى وقت طويل! هذا من الغلط، والإنسان عليه أن يسأل عما أشكل عليه في الحج في وقته؛ لأنه إذا نبه يتدارك، لكن أن يمضي عليه وقت طويل ثم بعد ذلك يسأل فهذا غلط. أما من انتقض وضوءه في الطواف ولم يتوضأ، فما طاف طواف الإفاضة، وطواف الإفاضة باق في ذمته، ويمكن أن يتدارك الآن ولو مضى على ذلك وقت طويل؛ لأن طواف الإفاضة ركن من أركان الحج لا يتم الحج إلا به، فيمكنه أن يأتي به الآن عندما يذهب إلى مكة معتمراً، فبعد أن يطوف ويسعى ويقصر للعمرة يطوف طواف الإفاضة الذي كان عليه فيما مضى، وإن كان متزوجاً وقد وطئ زوجته فإنه يجب عليه أن يذبح شاة؛ لأنه جامع بعد التحلل الأول، لأنه لما حلق رأسه ورمى الجمرة تحلل التحلل الأول، فيبقى عليه التحلل الثاني، فإذا جامع قبل التحلل الثاني فإنه يلزمه أن يذبح شاة في مكة، وتوزع على فقراء الحرم، هذا إن كان متزوجاً، وإن كان غير متزوج فعليه أن يطوف طواف الإفاضة؛ لأنه ركن من أركان الحج، فيأتي به ولو مضى عليه وقت طويل. حال حديث سجود النبي صلى الله عليه وسلم على الحجر الأسود السؤال: في الحديث الذي صححه الشيخ الألباني رحمه الله: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الحجر الأسود ويسجد عليه)، فكيف يكون السجود عليه؟ الجواب: لا أعرف صحة السجود عليه، وإنما الذي ثبت وجاء في الأحاديث الكثيرة عنه وعن أصحابه: أنهم كانوا يقبلونه، والسجود إذا ثبت فمعناه: أنه يضع جبهته عليه، هذا إذا ثبت. حكم التلبية ورفع الصوت بها السؤال: قال صلى الله عليه وسلم: (أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال)، رواه الخمسة، وصححه الحافظ ابن حجر والألباني ، فهل هذا الحديث يدل على وجوب التلبية، وعلى وجوب رفع الصوت بالتلبية لأن الأمر يقتضي الوجوب؟ الجواب: المشهور عند جماعة من أهل العلم أن التلبية ليست من الواجبات، وإنما هي من الأمور المستحبة، والإهلال هو الإحرام، والإنسان عندما يحرم يقول: لبيك عمرة؛ لأنه ينوي ويذكر ما أحرم به، فإن كان معتمراً بعمرة متمتعاً يقول: لبيك عمرة، وإن كان مفرداً يقول: لبيك حجاً، وإن كان قارناً قال: لبيك عمرة وحجة، والإنسان يهل ويرفع صوته ليتبين له ولغيره النسك الذي دخل فيه، ويحصل به التعييناً، فالإهلال هو عندما يدخل في النسك فينوي بقلبه ويتلفظ بلسانه بالشيء الذي نواه؛ لأن الحج فيه أنساك، فكونه ينوي واحداً منها ويظهره قد جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. أما الأعمال الأخرى فلا يجوز التلفظ بنيتها، فلا يقول الإنسان: نويت أن أصلى الظهر أربع ركعات، أو نويت أن أصلي الفجر ركعتين، أو نويت أن أطوف، أو نويت أن أتصدق، أو نويت أن أصلي النافلة؛ فهذا كله لا يجوز، ولكن الحج جاء فيه جواز أن يظهر الإنسان ما نواه ويتلفظ به؛ لأنه ثلاثة أنساك، فيظهر ويبين لنفسه ولغيره النسك الذي دخل فيه. حكم توكيل البنك الإسلامي في ذبح الهدي السؤال: هل يجوز للحاج أن يودع ثمن الهدي في البنك عوضاً عن أن يذبح بنفسه؟ الجواب: نعم يجوز ذلك؛ لأنك عندما تدفع للبنك الإسلامي للتنمية فهو وكيل عنك، فكأنك أعطيت إنساناً نقوداً وقلت له: اشتره لي ذبيحة واذبحها يوم العيد أو يوم أحد عشر أو اثني عشر أو ثلاثة عشر، فهذا سائغ وجائز، ولا يقال: إن الإنسان قد ساق الهدي، فلا يقال: إن من أحرم بعمرة أو بحج وعمرة يجب عليه الهدي؛ لأن الهدي إنما يجب على القارن والمتمتع، وأما المفرد لا هدي عليه، فالإنسان إذا أعطى البنك لينوب عنه لا يعتبر ساق الهدي، وعليه فلا يحول إحرامه إلى عمرة بأن يفسخ إحرامه بالقران أو الإفراد، فهذا سائغ، والقارن عليه هدي ولا يعتبر بهذا أنه ساق الهدي، فيبقى على إحرامه؛ لأن هذا توكيل، فكأنك وكلت إنساناً يوم العيد أن يشتري لك ذبيحة ويذبحها، ولا بأس بذلك. حكم من نسي التلبية من الميقات السؤال: من نسي التلبية من الميقات ولم يتذكرها إلا بعد أن ابتعد عنه كيلو تقريباً، ولا يستطيع الرجوع، فما الحكم؟ الجواب: التلبية ليست بلازمة، وإنما المهم هو النية، وكون الإنسان نوى بقلبه الدخول في النسك وإن لم ينطق فإن هذا يكفيه؛ لأن النطق ليس بلازم ولا واجب، وإنما الواجب هو النية التي في القلب، فالإنسان ينوي بقلبه أنه دخل في الإحرام، وعند ذلك يحرم عليه بهذه النية كل ما كان حلالاً له قبل أن ينوي؛ لأن معنى الإحرام: هو الدخول في النسك، وقيل له: إحرام؛ لأن الإنسان بدخوله في النسك حرمت عليه أشياء كانت حلالاً له قبل أن يدخل في النسك، فقد كان يحل له أن يصيد الصيد، -أي: في غير المدينة؛ لأنه لا يجوز الصيد فيها- ويحل له أن يأخذ شاربه، ويقص أظفاره، ويلبس المخيط، ويغطي رأسه، فإذا دخل في النسك حرمت عليه هذه الأمور كلها، فقيل له: إحرام، لأنه حرم عليه بالإحرام أمور كانت حلالاً له قبل أن يدخل في الإحرام. إذاً: الركن هو الدخول في النسك، وتلفظه بما نواه من حج أو عمرة أو قران ليس بلازم، وإنما اللازم هو الدخول في النسك بقلبه، وإن لم يتلفظ. توحيد الحاكمية داخل في توحيد الربوبية والألوهية السؤال: هل يصح تقسيم التوحيد إلى أربعة أقسام رابعها توحيد الحاكمية؟ الجواب: هذا ليس بصحيح؛ لأن الحاكمية داخلة في الثلاثة، وليست خارجة عنها؛ لأنها قسم منها، وليست قسيماً لها؛ لأن القسيم معناه غيره، وأما كونه داخلاً فيه فلا يحتاج إلى أن يفرد ويميز مع أنه داخل في غيره، فأنواع التوحيد ثلاثة وهي: الربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات. وتوحيد الحاكمية داخل في الربوبية من جهة أن الحكم لله، والله تعالى هو الذي يحكم، وهو الذي يشرع، وداخل في توحيد الألوهية لأن التنفيذ والتطبيق هو عبادة لله عز وجل، وهذا هو توحيد الألوهية."
__________________
|
#570
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الاضحية شرح سنن أبي داود [339] الحلقة (371) شرح سنن أبي داود [339] إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث بينها النبي عليه الصلاة والسلام، ومنها الصدقة الجارية كالوقف ونحوه، فهي مما ينفع الميت بعد موته، كما دلت على ذلك الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم. ما جاء في الرجل يوقف الوقف شرح حديث وقف عمر لأرضه التي بخيبر قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في الرجل يوقف الوقف. حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع ح وحدثنا مسدد حدثنا بشر بن المفضل ح وحدثنا مسدد حدثنا يحيى عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (أصاب عمر رضي الله عنه أرضاً بخيبر، فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: أصبت أرضاً لم أصب مالاً قط أنفس عندي منه، فكيف تأمرني به؟ قال: إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها، فتصدق بها عمر : أنه لا يباع أصلها، ولا يوهب، ولا يورث: للفقراء والقربى والرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل)، وزاد عن بشر: (والضيف)، ثم اتفقوا: (لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، ويطعم صديقاً غير متمول فيه)، زاد عن بشر: قال: وقال محمد : (غير متأثل مالاً) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب الرجل يوقف الوقف ]. ذكر الرجل هنا لأن الخطاب في الغالب مع الرجال، والنساء كذلك إذا أوقفن الأوقاف فلا فرق بين الرجال والنساء في الأحكام. والوقف: هو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة، بمعنى: أن أصل الشيء كالعمارة أو كالبستان أو غير ذلك من الأعيان يوقف، فالأصل يكون محبساً لأعمال يعينها الواقف، ومنفعة وغلة هذا الأصل أو هذه الأعيان أو العين تكون في الجهات الخيرية التي نص عليها الواقف، هذا إن كان الوقف طبقاً للشريعة، أما إذا كان الوقف فيه مخالفة للشريعة فإن ذلك لا يسوغ ولا يجوز صرف الأوقاف في أمور غير مشروعة. والوقف يكون ناجزاً؛ لأن الواقف إذا وقف خرج من ملكه، وصار مخصصاً للشيء الذي وقف عليه، فلا يباع ولا يورث ولا يوهب، وإنما هو شيء ثابت مستقر يصرف في وجوه الخير التي خصصها وعينها الواقف. وقد أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أن (عمر رضي الله عنه أصاب أرضاً بخيبر)، ومعنى أصاب أرضاً: أي أنها حصلت له من قسمة السهام من الغنائم والفيء، فحصل عليها بهذا الطريق، وكانت أنفس مال تموله، وأنفس مال حصل له، فجاء يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في التصدق بها، فقال: (أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالاً قط أنفس عندي منه، فكيف تأمرني به؟). يريد بذلك المال الأرض، لأن الأرض مال، وأنه لم يصب أنفس من هذا المال الذي هو الأرض، فرجع الضمير مذكراً باعتبار المال، وأن هذه الأرض مال لم يصب مالاً أنفس ولا أفضل منه. قال: (فماذا تأمرني به؟) يستشيره في العمل المشروع أو الفاضل الذي يضع فيه تلك الأرض، أو ذلك المال الذي اعتبره خير مال وصل إليه وتملكه. (فقال: إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها) أي: بثمرتها وبغلتها؛ لأن الأصل إذا حبس معناه أنه لا يتصرف فيه، ولكن المنفعة هي التي تصرف في وجوه الخير التي يعينها الواقف، وبهذا يكون من الصدقات الجارية التي يستمر نفعها، أصولها باقية تثمر وتدر وتغل وتستعمل غلتها وثمرتها في أوجه البر المختلفة التي عينها الواقف، ففي كل سنة تحصل ثمرة أو ما يخرج من وراء هذا الوقف فيوزع على الجهات التي عينها الواقف. وقوله: (وتصدقت بها) أي: تصدقت بالمنفعة في وجوه الخير، فالأصول باقية والثمرة هي التي تصرف في وجوه الخير. قوله: . (فتصدق بها عمر)، أي: جعلها صدقة جارية وهي الوقف، (أنه لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث)؛ لأن الأصل محبس ممنوع من التصرف فيه، وإنما يتصرف في المنفعة بحيث تصرف في وجوه الخير التي عينها، ولو كان الأصل يمكن التصرف فيه لزال، والوقف ثابت ومستقر، ولا يحول إلا إذا تعطلت منافعه، فإذا تعطلت منافعه يمكن أن يباع ويحول إلى وقف آخر ينتفع به، ولا يبقى مهملاً معطلاً لا يستفاد منه؛ لأن المقصود هو المنفعة التي تترتب عليه، فإذا تعطل الوقف فإنه يحول إلى وقف آخر بحيث يباع هذا الذي تعطلت منافعه ثم يحول إلى وقف آخر. قوله: (لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث)، أي: ليس من قبيل المال الذي يمكن أن يهبه لأحد أو يبيعه، لا الذي أوقفه، ولا الناظر للوقف من بعده، فلا يبيع الأصل ولا يهبه ولا يورث عنه؛ لأنه خرج من ملكه الذي يورث؛ فهو شيء خرج منه ابتغاء وجه الله عز وجل، وخرج منه من حين وقف، فلم يبق في ملكه الذي يتصرف فيه بالبيع والشراء والأخذ والإعطاء، وإنما تؤخذ منفعته وتصرف في وجوه البر والخير التي أرادها الواقف. قوله: [ (للفقراء والقربى والرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل)، وزاد عن بشر : (والضيف) ]. هذه وجوه الخير ووجوه البر التي تصرف فيها الغلة والمنفعة لهذا الوقف. والفقراء: هم المحتاجون، والفقير: هو الذي لا يجد حاجته مطلقاً، أو لا يجد كفايته لمدة سنة. والفرق بين الفقير والمسكين: أن الفقير والمسكين إذا جمع بينهما في الذكر فرق بينهما في المعنى، وإذا انفرد أحدهما عن الآخر دخل الثاني معه، فإذا جمع بين الفقراء والمساكين كما في قول الله عز وجل: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ [التوبة:60]، فسر الفقراء بأنهم الذين لا يجدون شيئاً، والمساكين الذين لا يجدون شيئاً يكفيهم، وهنا قال: الفقراء، ولم يقل: المساكين، فيدخل في ذلك من لم يكن عنده شيء أصلاً أو عنده شيء لا يكفيه، فإنه يستحق الصرف؛ لأن هذين اللفظين من جملة الألفاظ التي إذا جمع بينها في الذكر وزع المعنى عليها، وإذا انفرد أحدهما عن الآخر فالمعنى الذي يوزع عند الاجتماع يسند ويضاف إلى أي واحد منهما. إذاً: الذي لا يجد شيئاً يكفيه، والذي لا يجد شيئاً أصلاً، يطلق على الفقير إذا ذكر وحده، وإذا ذكر المسكين فيطلق عليه هذا المعنى أيضاً، ولكن إذا قيل: الفقراء والمساكين، حمل الفقراء على الذين لا يجدون شيئاً أصلاً، والمساكين على الذين يجدون شيئاً ولكنه لا يكفيهم. قوله: (والقربى) أي: قرابة عمر . (والرقاب) أي: شراء الرقاب وإعتاقها. (وفي سبيل الله) أي: في الجهاد في سبيل الله؛ لأن المقصود بسبيل الله إذا جاء مقروناً مع غيره كما في آية الزكاة: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ [التوبة:60] فمعناه: الجهاد في سبيل الله، ويأتي سبيل الله عاماً فيدخل فيه وجوه الخير كلها، لكن عندما يأتي ذكر سبيل الله مقروناً مع غيره كما في آية الصدقات، وكما في الحديث الذي معنا هنا في الوقف؛ فيراد به الجهاد؛ لأنه ذكر الفقراء والقربى والرقاب، والرقاب هي في سبيل الله بالمعنى العام، وكلها مما يراد به وجه الله، ولكن عندما جاء (في سبيل الله) معطوفاً على الفقراء والرقاب وغير ذلك فيراد به الجهاد في سبيل الله. قوله: (وابن السبيل) هو الذي انقطع به السفر، ونفد زاده، ولم يكن معه شيء، وإن كان غنياً في بلده فإنه يستحق أن يعطى من الوقوف والزكاة. قوله: [ زاد بشر : (والضيف) ]. بشر أحد الرواة الذين رووا الحديث، وقد زاد لفظة: (والضيف)، أي أنه يكرم الضيف، ويعطى الضيفان من هذا الوقف. قوله: [ (ثم اتفقوا: لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف)، أي: لا يأكل مسرفاً ومتمولاً، وإنما يأكل بالمعروف. (ويطعم صديقاً) أي: الوالي وليس الصديق، ومعنى ذلك: أنه لا يتمول، وكذلك لا يعطي الصديق شيئاً يتموله، ولكنه يمكن أن يعطي الفقير شيئاً يكفيه قوتاً وطعاماً، لكن لا يعطيه رأس مال أو شيئاً كثيراً ويحرم غيره. قوله: [ زاد عن بشر : قال: وقال محمد : (غير متأثل مالاً) ]. زاد مسدد الذي يروي عن الثلاثة ومنهم بشر قال: (غير متأثل مالاً) أي: هذا الوالي يأكل بالمعروف ولا يتمول ولا يتأثل؛ لأنه في بعض الألفاظ (يتمول) وفي بعضها (يتأثل). تراجم رجال إسناد حديث وقف عمر لأرضه التي بخيبر قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد هو ابن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود و الترمذي والنسائي . [ حدثنا يزيد بن زريع ]. يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا مسدد حدثنا بشر بن المفضل ]. بشر بن المفضل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا مسدد حدثنا يحيى ]. يحيى هو ابن سعيد القطان البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عون ]. هو عبد الله بن عون ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عمر بن الخطاب ]. i, الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة وهم: عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عباس ، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [زاد عن بشر : قال: وقال محمد ]. قيل: هو محمد بن سيرين ؛ لأنه ليس في رجال الإسناد من اسمه محمد، فقيل: لعله محمد بن سيرين أو شخص آخر. شرح حديث وقف عمر لأرضه التي بخيبر من طريق أخرى حدثنا سليمان بن داود المهري حدثنا ابن وهب أخبرني الليث عن يحيى بن سعيد عن صدقة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: نسخها لي عبد الحميد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما كتب عبد الله عمر في ثمغ.. فقص من خبره نحو حديث نافع ، قال: غير متأثل مالاً، فما عفا عنه من ثمره فهو للسائل والمحروم، قال: وساق القصة، قال: وإن شاء ولي ثمغ اشترى من ثمره رقيقاً لعمله. وكتب معيقيب وشهد عبد الله بن الأرقم: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به عبد الله عمر أمير المؤمنين إن حدث به حدث: أن ثمغاً وصرمة بن الأكوع والعبد الذي فيه، والمائة سهم التي بخيبر، ورقيقه الذي فيه، والمائة التي أطعمه محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالوادي تليه حفصة ما عاشت، ثم يليه ذو الرأي من أهلها، ألا يباع ولا يشترى، ينفقه حيث رأى من السائل والمحروم وذوي القربى، ولا حرج على من وليه إن أكل أو آكل أو اشترى رقيقاً منه ]. قوله: (عبد الله) وصف له، أي: أن عمر عبد من عبيد الله رضي الله تعالى عنه، وكانوا يقدمون لذلك بأن يقولوا: عبد الله فلان، أي: أنه من شأنه أنه عبد من عبيد الله، وكثيراً ما يأتي في كلامهم وحديثهم التعبير عنه بأنه عبد، وكذلك عندما يتكلم بالكلام العام يقال: يا عبد الله! وأي واحد يقال له: عبد الله. وثمغ اسم مكان. قوله: [ (فقص من خبره نحو حديث نافع ، قال: غير متأثلٍ مالاً ]. أيضاً جاء في بعض الروايات في حديث نافع : متأثل، أي: متمول، أو متملك؛ لأنه خارج عن الإنفاق في المعروف، أو الأكل بالمعروف؛ لأنه إذا أنفق على نفسه أو أكل فهذا لا يعتبر تملكاً. قوله: [ (وما عفا عنه من ثمره فهو للسائل والمحروم) ]. يعني: فهو للسائل الذي يسأل ويتعرض للسؤال، وللمحروم الذي لا يسأل، ومعلوم أن الذي لا يسأل ويتعفف أشد حاجة من الذي يسأل، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس المسكين الذي ترده الأكلة والأكلتان، وإنما المسكين الذي لا يجد ما يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه) ، هذا هو المسكين حقاً، وإن كان ذاك مسكيناً، لكن هذا أشد مسكنة منه. قوله: [ فما عفا ]. أي: فضل وبقي. قوله: [ (وساق القصة، قال: وإن شاء ولي ثمغ اشترى من ثمره رقيقاً لعمله) ]. ولي ثمغ له أن يشتري رقيقاً للعمل في الوقف، ولمصالح الوقف، وتدبير شئون الوقف. قوله: [ (قال: وكتب معيقيب وشهد عبد الله بن أرقم) ]. أي: كتب الوقف معيقيب ، وشهد عليه عبد الله بن أرقم . قوله: [ (بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به عبد الله عمر أمير المؤمنين إن حدث به حدث) ]. هذا ليس هو الوقف، ولكن هذه وصية لمن يليه؛ لأنه كان يلي الوقف هو في حياته، فأوصى إذا حدث به حادث الموت فإنه يلي الأمر من بعده فلان، أو فلان ثم فلان، وهذا يعتبر وصية؛ لأنه بعد الموت، فإذا كان له وقف، وهو ناظر الوقف في حياته، وأراد أن يخص أحداً بالنظر فيه فيعينه، وهذا يطابق قول أمير المؤمنين؛ لأن هذا شيء حصل في خلافته وإمارته، بخلاف الوقف فإنه حصل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن هذه وصية في الولاية والنظارة. قوله: [ (أن ثمغاً وصرمة بن الأكوع والعبد الذي فيه، والمائة سهم التي بخبير، ورقيقه الذي فيه، والمائة التي أطعمه محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالوادي تليه حفصة ما عاشت) ]. هذا الذي رأى، وحصلت به الوصية، وكأن هذه الأمور حصل فيها الوقف، ولكن الشأن في الولاية من بعده، وكأنه هو الذي كان يلي ذلك في حياته، فأراد أن يعين الناظر للوقف بعد وفاته، فقال: تليه حفصة ما عاشت. قوله: [ (ثم يليه ذو الرأي من أهلها) ]. أي: من أهل عمر الذي يكون موجوداً في ذلك الوقت بعد وفاتها. قوله: [ (ألا يباع ولا يشترى، ينفقه حيث رأى من السائل والمحروم وذوي القربى، ولا حرج على من وليه إن أكل أو آكل أو اشترى رقيقاً منه) ]. وهذا مطابق للوقف الذي قد حصل من قبل، وهو أنه يكون في هذه الأمور التي ذكرها. وقوله: (آكل) أي: أطعم غيره، كصديق ونحوه . تراجم رجال إسناد الطريق الأخرى لحديث وقف عمر لأرضه التي بخيبر قوله:[ حدثنا سليمان بن داود المهري ]. سليمان بن داود المهري المصري ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني الليث ]. هو الليث بن سعد المصري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو من صغار التابعين، وهذا يقال له: وجادة، وهو صحيح الوجادة، كما قال الشيخ الألباني رحمه الله؛ لأن يحيى بن سعيد كتبت له نسخة منه، أي: من ذلك الوقف الذي كان موجوداً عند آل عمر وقد أشهد عليه، فهذه نسخة استنسخها من ذلك الوقف، وقد استنسخها من عبد الحميد بن عبد الله بن عبد الله بن عمر ، وقال عنه في التقريب : مجهول الحال، أخرج له من أصحاب الكتب الستة أبو داود . أما عن مكان هذا الوقف، وهل هو باقٍ إلى الآن أم لا؟ فلا أدري عن ذلك، ولعله اشتري به رقيق للعمل به فيما مضى، وكذا أي وقف لا حرج على من وليه إن أكل أو آكل أو اشترى رقيقاً منه، وقد كان عمر أوقف الأرض مع الرقيق الموجود فيها. ما جاء في الصدقة عن الميت شرح حديث: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة أشياء ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في الصدقة عن الميت. حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن حدثنا ابن وهب عن سليمان -يعني: ابن بلال - عن العلاء بن عبد الرحمن أُراه عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة أشياء: من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) ]. قال المصنف: [ باب ما جاء في الصدقة عن الميت ]. كون الإنسان يتصدق عن نفسه بصدقة جارية، أو يتصدق عنه غيره بصدقة جارية كل ذلك ينفعه، وكل ذلك يصل إليه، سواء كانت هذه الصدقة هو الذي تصدق بها عن نفسه؛ فإنها تبقى بعد وفاته، وهي من عمله، أو أن إنساناً تصدق عنه بصدقة جارية، أو صدقة غير جارية؛ فإن كل ذلك ينفعه، وقد وردت الأحاديث بأن الصدقة عنه تنفعه، أي أن يتصدق عنه غيره فإنه ينفعه ذلك، كما جاء في الأحاديث التي سيذكر المصنف بعضها. وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة أشياء: من صدقة جارية) ، وهي الصدقة التي تصدق بها عن نفسه، وهي دائمة ومستقرة بخلاف المحددة أو المعينة التي ليست مستمرة فإنها تنتهي، كما لو وجد فقيراً فأعطاه مبلغاً من المال فإن هذه صدقة تنتهي بانتهاء المال، ولكن الصدقة الجارية مثل الوقف، مثل صدقة عمر رضي الله عنه، كونه يتصدق بشيء من ماله يبقى فإنه ينتفع به في حياته وبعد وفاته بصفة مستمرة، وما دام الوقف موجوداً فإن الانتفاع حاصل، فهذه صدقة جارية. قوله: (أو علم ينتفع به)، المقصود بالعلم: العلم الذي يأخذه عنه تلاميذه، ويأخذ عنهم تلاميذهم وهكذا، أو عن طريق كتابة العلم، والمؤلفات النافعة التي يخلفها الإنسان وتبقى بعده سنيناً طويلة، وقد تمكث مئات السنين، فإنه كلما انتفع من هذه المؤلفات منتفع وصل إليه ثوابه، وقد مضى على موته مئات السنين، ولهذا جاء عن ابن الجوزي في كتابه صيد الخاطر أنه قال: إن الكتاب الذي يخلفه الإنسان يعتبر ولده المخلد، كأنه قد خلد ولداً يدعو له، فيكون ذلك الكتاب معناه أنه خالد وأنه باق، وأنه يمكث المدة الطويلة التي يعود عليه فيها نفعه بعد وفاته بمئات السنين، فالعلم الذي يخلفه الإنسان سواء كان عن طريق تعليم التلاميذ، والتلاميذ يأخذ عنهم تلاميذ، وهكذا، ويتسلسل حتى يصل إليه نفعه، ويصل إليه فوائده، وكذلك المؤلفات؛ ولهذا نجد أن هناك من مضى على موتهم مئات السنين، ومع ذلك ذكرهم مخلد، يأتي ذكرهم في المؤلفات، أو في الأسانيد، أو الفتوى، فيقال: قال فلان كذا، وقال فلان رحمه الله كذا، وأفتى فلان بكذا، وروى فلان كذا، فيأتي ذكرهم مع أنه كان في زمانهم أناس كثيرون لا يعرفون عنهم شيئاً لا في حياتهم ولا بعد موتهم، ولكن خلد ذكرهم العلم النافع الذي ورثوه وخلفوه. قوله: (أو ولد صالح يدعو له) سواء كان ولده من صلبه المباشر أو ممن هو من نسله، وسواء كان من أبنائه أو من بناته؛ لأن هؤلاء كلهم أولاد له، وكلهم أبناء له القريب والبعيد وإن نزل، ابن الابن وإن نزل، كما في الفرائض، إذ كلهم يقال لهم: أبناء، فأولاد البنين وأولاد البنات يعتبرون أولاداً للميت، فإذا دعوا له بدعاء فإن ذلك ينفعه. وخص من الأولاد الولد الصالح؛ لأن هذا هو مظنة الدعاء، وهو الذي ينفع نفسه وينفع غيره، أما إذا كان فاسداً فلن ينفع نفسه ولا غيره ولا أصله؛ لأنه منصرف عن الدعاء بالكلية، بل قد يحصل منه دعاء عليه، كما جاء في الحديث : (إن من الكبائر أن يسب الرجل والديه، قيل: وكيف يسب الرجل والديه؟! قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه)، فقد يتسبب في أن يذكروا بسوء. إذاً: ذكر الصلاح هنا لأن الصالح هو الذي ينفع نفسه وينفع غيره؛ لأنه هو الذي يشتغل بالدعاء لنفسه ولغيره. وقد جاءت زيادات في أحاديث، ولكن غالبها أو كلها تفاصيل وجزئيات ترجع للصدقة الجارية، وقد ذكرها بعض أهل العلم، وذكر صاحب عون المعبود أن السيوطي أوصلها إلى إحدى عشرة، وذكر فيها شعراً، وأنه سبقه ابن العماد فأوصلها إلى ثلاث عشرة، وأنه ساق الأحاديث التي وردت فيها، وهي غالباً ترجع إلى جزئيات للصدقة الجارية. تراجم رجال إسناد حديث: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة أشياء ...) قوله: [ حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن ] الربيع بن سليمان المؤذن هو المهري المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب السنن الأربعة. [ حدثنا ابن وهب ]. ابن وهب قد مر ذكره . [ عن سليمان -يعني: ابن بلال - ]. سليمان بن بلال ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن العلاء بن عبد الرحمن ]. هو العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي، وهو صدوق ربما وهم، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي هريرة ]. قد مر ذكره . الأعمال التي يصل أجرها للميت اختلف العلماء في الأعمال التي يصل أجرها للميت على قولين: القول الأول: أن كل عمل صالح يصل إلى الميت، قالوا: إن الذي لم يرد يقاس على ما ورد، هذه هي الحجة، وقالوا: إن الأجوبة التي أجاب بها النبي صلى الله عليه وسلم أجاب بها عن أسئلة معينة، سئل عن كذا فأجاب بكذا، قالوا: ولو سئل عن غير ذلك لأجاب بمثله، فهناك أشياء لم يسأل عنها فما جاء فيها جواب، إذاً: يقاس ما لم يذكر على ما ذكر، والعبادات التي لم تذكر تقاس على العبادات التي ذكرت، وهؤلاء يعممون في كل شيء، ويقولون: إن أي قربة فعلها أحد وجعل ثوابها لميت مسلم نفعه ذلك، فيعممون ويقيسون ما لم يرد على ما ورد. ثانيهما: أنه يقتصر على ما ورد، ولا يزاد عليه، والوارد هو في الصدقة، والحج، والعمرة، والدعاء، والعتق، والصيام إذا كان واجباً؛ لحديث: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه). والصحيح -والله أعلم-: أن من أراد أن ينفع موتاه فينفعهم في حدود ما ورد، أما القول بأنه سئل عن هذه الأمور التي يصل نفعها، وأنه لم يسأل عن الأشياء الأخرى، ولو سئل عنها لأجاب بمثل ما أجاب؛ فهذا غير مسلم؛ لأنه قد يسأل عن الشيء ولا يجيب، ومما يدل على ذلك: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الوضوء من لحم الإبل، فقال: توضئوا، وسئل عن الوضوء من لحم الغنم، فقال: إن شئتم) ، فهل يقال: إنه لو سئل عنه لكان الجواب مثل لحم الإبل؟ لا، بل إن الجواب يختلف، وليس الجواب واحداً، فقد سئل عن شيء فأجاب بجواب، وسئل عن شيء آخر فأجاب بجواب آخر. فالذي يظهر -والله أعلم- أن هذه المسألة الصواب فيها: أن يقتصر في نفع الأموات على حدود ما ورد، وفي ذلك الخير الكثير لمن أراد أن ينفع الموتى. ما جاء فيمن مات عن غير وصية يتصدق عنه شرح حديث: (أن امرأة قالت يا رسول الله! إن أمي افتلتت نفسها ولولا ذلك لتصدقت...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء فيمن مات عن غير وصية يتصدق عنه. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: (أن امرأة قالت: يا رسول الله! إن أمي افتلتت نفسها، ولولا ذلك لتصدقت وأعطت، أفيجزئ أن أتصدق عنها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، فتصدقي عنها) ]. أورد أبو داود [ باب ما جاء فيمن مات عن غير وصية يتصدق عنه ]. أي: من مات ولم يوص فإنه يخرج شيء من ثلث ماله، أو يصرف كذا وكذا من ماله، ويكون ذلك في حدود الثلث -كما هو معلوم- فإنه يتصدق عنه، وينفعه ذلك. وقد أورد أبو داود في الباب حديث عائشة : (أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: إن أمي افتلتت نفسها) أي: ماتت فجأة. (ولولا ذلك لتصدقت وأعطت) أي: لولا أنها ماتت فجأة لتصدقت وأعطت وأوصت، ولكن فجأها الأجل وماتت فجأة، (أفيجزئ أن أتصدق عنها؟) وهي تعرف منها أنها ترغب في الخير، وتريد أن تتصدق، ولكن حيل بينها وبين ما تريد بالموت المفاجيء الذي بغتها، ولهذا جاء في الحديث: (ما حق امرئ مسلم عنده شيء يريد أن يوصي به يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده)؛ لئلا يفجأه الأجل فلا يتمكن من الشيء الذي يريد أن يوصي به، فقال: (نعم، فتصدقي عنها)، فهذا يدل على أن الصدقة عن الميت سائغة وأنها تنفعه، والصدقة عن الميت مما وردت به السنة، والأموات ينتفعون بإحسان الأحياء إليهم. تراجم رجال إسناد حديث: (أن امرأة قالت يا رسول الله! إن أمي افتلتت نفسها ولولا ذلك لتصدقت...) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. وهو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن . [ عن هشام ]. هشام بن عروة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين في المدينة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (... إن أمي توفيت أفينفعها إن تصدقت عنها؟...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن منيع حدثنا روح بن عبادة حدثنا زكريا بن إسحاق أخبرنا عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً قال: (يا رسول الله! إن أمي توفيت أفينفعها إن تصدقت عنها؟ فقال: نعم، قال: فإن لي مخرفاً، وإني أشهدك أني قد تصدقت به عنها)]. أورد أبو داود حديث ابن عباس أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (إن أمي توفيت، أفينفعها إن تصدقت عنها؟ قال: نعم، قال: فإن لي مخرفاً، وإني أشهدك أني قد تصدقت به عنها) . لما أفتاه بأن له أن يتصدق عنها، وأنه ينفعها أن يتصدق عنها، قال: (إن لي مخرفاً)، وهو البستان الذي به ثمر، قال: (وإني أشهدك أني قد تصدقت به عنها) فيكون وقفاً عليها وهي صدقة جارية. ويحتمل أن يكون بستاناً، أو أن يكون الثمرة التي في البستان.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |