تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد - الصفحة 61 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1174 - عددالزوار : 131686 )           »          3 مراحل لانفصام الشخصية وأهم أعراضها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          متلازمة الشاشات الإلكترونية: كل ما تود معرفته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          ما هي أسباب التعرق الزائد؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          أضرار الوجبات السريعة على الأطفال: عواقب يُمكنك تجنبها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          الوقاية من القمل بالقرنفل: أهم الخطوات والنصائح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          علاج جفاف المهبل: حلول طبيّة وطبيعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          الوقاية من القمل في المدارس: دليل شامل للأهل والمعلم! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          الوقاية من التهاب الكبد: 9 خطوات بسيطة لصحة أفضل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          الوقاية من الجلطات: دليلك الشامل لصحة أفضل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #601  
قديم 15-07-2025, 01:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (601)
صــ 316 إلى صــ 325





وما لا قِبَل لها به (1) = "وما يشعرون" ، يقول: وما يدرون ما هُمْ مكسبوها من الهلاك والعطب بفعلهم. (2)
* * *
والعرب تقول لكل من بعد عن شيء: "قد نأى عنه، فهو ينأى نَأْيًا" . ومسموع منهم: "نأيتُكَ" ، (3) بمعنى: "نأيت عنك" . وأما إذا أرادوا: أبعدتُك عني، قالوا: "أنأيتك" . ومن "نأيتك" بمعنى: نأيتُ عنك، قول الحطيئة:
نَأَتْكَ أُمَامَةُ إلا سُؤَالا ... وَأَبْصَرْتَ مِنْهَا بِطَيْفٍ خَيَالا (4)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم: "ولو ترى" ، يا محمد، هؤلاء العادلين بربهم الأصنامَ والأوثانَ، الجاحدين نبوّتك، الذين وصفت لك صفتهم = "إذ وُقفوا" ، يقول: إذ حُبِسوا = "على النار" ، يعني: في النار- فوضعت "على" موضع "في" كما قال: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو
(1)
انظر تفسير "الهلاك" فيما سلف قريبًا ص: 263.

(2)
انظر تفسير "شعر" فيما سلف 1: 277، 278/6: 502.

(3)
في المطبوعة: "مسموع منهم: نأيت" ، خطأ، صوابه في المخطوطة.

(4)
ديوانه: 31، من قصيدته التي مدح بها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، معتذرًا له من هجاء الزبرقان بن بدر، وبعد البيت: خَيَالا يَرُوعُكَ عِنْدَ المَنَا ... مِ وَيَأْبَى مَعَ الصُّبْحِ إِلا زَوَالا

كِنَانيَّةٌ، دَارُهَا غَرْبَةٌ ... تُجِدُّ وِصَالا وتُبْلِي وصَالا
الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ [سورة البقرة: 102] ، بمعنى في ملك سليمان. (1)
* * *
وقيل: "ولو ترى إذ وقفوا" ، ومعناه: إذا وقفوا = لما وصفنا قبلُ فيما مضى: أن العرب قد تضع "إذ" مكان "إذا" ، و "إذا" مكان "إذ" ، وإن كان حظّ "إذ" أن تصاحب من الأخبار ما قد وُجد فقضي، وحظ "إذا" أن تصاحب من الأخبار ما لم يوجد، (2) ولكن ذلك كما قال الراجز، وهو أبو النجم:
مَدَّ لَنَا فِي عُمْرِهِ رَبُّ طَهَا ... ثُمَّ جَزَاهُ اللهُ عَنَّا إذْ جَزَى
جَنَّاتِ عَدْنٍ فِي العَلالِيِّ العُلَى (3)
فقال: "ثم جزاه الله عنا إذ جزى" فوضع، "إذ" مكان "إذا" .
* * *
وقيل: "وقفوا" ، ولم يُقَل: "أُوقِفوا" ، لأن ذلك هو الفصيح من كلام العرب. يقال: "وقَفتُ الدابة وغيرها" ، بغير ألف، إذا حبستها. وكذلك: "وقفت الأرضَ" ، إذا جعلتها صدقةً حَبيسًا، بغير ألف، وقد:-
13179- حدثني الحارث، عن أبي عبيد قال: أخبرني اليزيديّ والأصمعي، كلاهما، عن أبي عمرو قال: ما سمعت أحدًا من العرب يقول: "أوقفت الشيء" بالألف. قال: إلا أني لو رأيت رجلا بمكانٍ فقلت: "ما أوقفك ها هنا؟" ، بالألف، لرأيته حسنًا. (4)
(1)
انظر تفسير "على" بمعنى "في" فيما سلف 1: 299/ 2: 411، 412/11: 200، 201 ومواضع أخرى، التمسها في فهارس النحو والعربية.

(2)
انظر "إذا" و "إذ" فيما سلف ص: 236، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(3)
مضى بيتان منها فيما سلف ص: 235، والبيت الأول من الرجز، في اللسان (طها) وقال: "وإنما أراد: رب طه، فحذف الألف" . وكان رسم "طها" في المطبوعة والمخطوطة: "طه" ، فآثرت رسمها كما كتبها صاحب اللسان (طها) .

(4)
الأثر: 13179 - انظر هذا الخبر في لسان العرب "وقف" . وكان في المطبوعة: "الحارث بن أبي عبيد" ، وهو خطأ، صوابه من المخطوطة. وقد مضى هذا الإسناد مرارًا.

= "فقالوا يا ليتنا نردّ" ، يقول: فقال هؤلاء المشركون بربهم، إذ حُبسوا في النار: "يا ليتنا نردّ" ، إلى الدنيا حتى نتوب ونراجعَ طاعة الله = "ولا نكذب بآيات ربنا" ، يقول: ولا نكذّب بحجج ربنا ولا نجحدها = "ونكون من المؤمنين" ، يقول: ونكون من المصدّقين بالله وحججه ورسله، متَّبعي أمره ونهيه.
* * *
واختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قرأة الحجاز والمدينة والعراقيين: (يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبُ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ، بمعنى: يا ليتنا نردُّ، ولسنا نكذب بآيات ربنا، ولكنّا نكون من المؤمنين.
* * *
وقرأ ذلك بعض قرأة الكوفة: يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، بمعنى: يا ليتنا نرد، وأن لا نكذب بآيات ربنا، ونكونَ من المؤمنين. وتأوَّلوا في ذلك شيئًا:-
13180 - حدثنيه أحمد بن يوسف قال، حدثنا القاسم بن سلام قال، حدثنا حجاج، عن هارون قال: في حرف ابن مسعود: (يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ فَلا نُكَذِّبَ) بالفاء.
* * *
وذكر عن بعض قرأة أهل الشام، أنه قرأ ذلك: (يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبُ) بالرفع (وَنَكُونَ) بالنصب، كأنه وجَّه تأويله إلى أنهم تمنوا الردَّ، وأن يكونوا من المؤمنين، وأخبروا أنهم لا يكذِّبون بآيات ربهم إن رُدُّوا إلى الدنيا.
* * *
واختلف أهل العربية في معنى ذلك منصوبًا ومرفوعًا.
فقال بعض نحويي البصرة: "ولا نكذِّبَ بآيات ربِّنا ونكونَ من المؤمنين" ، نصبٌ، لأنه جواب للتمني، وما بعد "الواو" كما بعد "الفاء" . قال: وإن شئت رفعتَ وجعلته على غير التمني، كأنهم قالوا: ولا نكذِّبُ والله بآيات ربنا، ونكونُ
والله من المؤمنين. هذا، إذا كان على ذا الوجه، كان منقطعًا من الأوّل. قال: والرفع وجهُ الكلام، لأنه إذا نصب جعلها "واوَ" عطف. فإذا جعلها "واو" عطف، فكأنهم قد تمنوا أن لا يكذِّبوا، وأن يكونوا من المؤمنين. قال: وهذا، والله أعلم، لا يكون، لأنهم لم يتمنوا هذا، إنما تمنوا الردّ، وأخبروا أنهم لا يكذبون، ويكونون من المؤمنين.
* * *
وكان بعض نحويي الكوفة يقول: لو نصب "نكذب" و "نكون" على الجواب بالواو، لكان صوابًا. قال: والعرب تجيب ب "الواو" ، و "ثم" ، كما تجيب بالفاء. يقولون: "ليت لي مالا فأعطيَك" ، "وليت لي مالا وأُعْطيَك" ، "وثم أعطيَك" . قال: وقد تكون نصبًا على الصَّرف، كقولك: "لا يَسَعُنِي شيء ويعجِزَ عَنك. (1) "
* * *
وقال آخر منهم: لا أحبُّ النصب في هذا، لأنه ليس بتمنٍّ منهم، إنما هو خبرٌ، أخبروا به عن أنفسهم. ألا ترى أن الله تعالى ذكره قد كذَّبهم فقال: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ؟ وإنما يكون التكذيب للخبر لا للتمنِّي.
* * *
وكان بعضهم ينكر أن يكون الجواب "بالواو" ، وبحرف غير "الفاء" . وكان يقول: إنما "الواو" موضع حال، لا يسعني شيء ويضيقَ عنك"، أي: وهو يضيق عنك. قال: وكذلك الصَّرف في جميع العربية. قال: وأما "الفاء" فجواب جزاء:"ما قمت فنأتيَك"، أي: لو قمت لأتينَاك. قال: فهذا حكم الصرف و "الفاء" . قال: وأمّا قوله:"ولا نكذب"، و "نكون" فإنما جاز، لأنهم قالوا:"يا ليتنا نرد "، في غير الحال التي وقفنا فيها على النار. فكان وقفهم في تلك،"
(1)
"الصرف" ، مضى تفسيره فيما سلف 1: 569، تعليق: 1/3: 552، تعليق: 1/7: 247، تعليق: 2.

فتمنَّوا أن لا يكونوا وُقِفُوا في تلك الحال.
* * *
قال أبو جعفر: وكأنّ معنى صاحب هذه المقالة في قوله هذا: ولو ترى إذ وقفوا على النار، فقالوا: قد وقفنا عليها مكذِّبين بآيات ربِّنا كفارًا، فيا ليتنا نردّ إليها فنُوقَف عليها غير مكذبين بآيات ربِّنا ولا كفارًا.
وهذا تأويلٌ يدفعه ظاهر التنزيل، وذلك قول الله تعالى ذكره: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ، فأخبر الله تعالى أنهم في قيلهم ذلك كذبة، والتكذيب لا يقع في التمني. ولكن صاحب هذه المقالة أظنُّ به أنَّه لم يتدبر التأويل، ولَزِم سَنَن العربيّة.
* * *
قال أبو جعفر: والقراءة التي لا أختار غيرها في ذلك: (يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبُ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) بالرفع في كليهما، بمعنى: يا ليتنا نردّ، ولسنا نكذب بآيات ربِّنا إن رددنا، ولكنا نكون من المؤمنين= على وجه الخبر منهم عما يفعلون إن هم ردُّوا إلى الدنيا، لا على التمنّي منهم أن لا يكذِّبوا بآيات ربهم ويكونوا من المؤمنين. لأن الله تعالى ذكره قد أخبر عنهم أنهم لو ردُّوا لعادوا لما نهوا عنه، وأنهم كذبة في قيلهم ذلك. ولو كان قيلهم ذلك على وجه التمني، لاستحال تكذيبهم فيه، لأن التمني لا يكذَّب، وإنما يكون التصديقُ والتكذيبُ في الأخبار.
* * *
وأما النصب في ذلك، فإني أظنّ بقارئه أنه توخَّى تأويل قراءة عبد الله التي ذكرناها عنه، (1) وذلك قراءته ذلك: (يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ فَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ، على وجه جواب التمني بالفاء. وهو إذا قرئ بالفاء
(1)
في المطبوعة: "فإني أظن بقارئه أنه برجاء تأويل قراءة عبد الله" ، وهو كلام غث.

وفي المخطوطة: ". . . أنه برحا تأويل قراءة عبد الله" غير منقوطة، وصواب قراءتها ما أثبت.
كذلك، لا شك في صحة إعرابه. ومعناه في ذلك: أن تأويله إذا قرئ كذلك: لو أنّا رددنا إلى الدنيا ما كذَّبنا بآيات ربِّنا، ولكُنَّا من المؤمنين. فإن يكن الذي حَكَى من حكى عن العرب من السماع منهم الجوابَ بالواو، و "ثم" كهيئة الجواب بالفاء، صحيحًا، فلا شك في صحّة قراءة من قرأ ذلك: يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ نصبًا على جواب التمني بالواو، على تأويل قراءة عبد الله ذلك بالفاء. وإلا فإن القراءة بذلك بعيدةُ المعنى من تأويل التنزيل. ولستُ أعلم سماعَ ذلك من العرب صحيحًا، بل المعروف من كلامها: الجوابُ بالفاء، والصرفُ بالواو.
* * *
القول في تأويل قوله: {بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ما بهؤلاء العادلين بربهم، (1) الجاحدين نبوتك، يا محمد، في قيلهم إذا وقفوا على النار: "يا ليتنا نردُّ ولا نكذب بأيات ربنا ونكون من المؤمنين" = الأسَى والندمُ على ترك الإيمان بالله والتصديق بك، (2) لكن بهم الإشفاق مما هو نازلٌ بهم من عقاب الله وأليم عذابه، على معاصيهم التي كانوا يخفونها عن أعين الناس ويسترونها منهم، فأبداها الله منهم يوم القيامة وأظهرها على رؤوس الأشهاد، ففضحهم بها، ثم جازاهم بها جزاءَهم.
يقول: بل بدا لهم ما كانوا يخفون من أعمالهم السيئة التي كانوا يخفونها "من قبل ذلك في الدنيا، فظهرت =" ولو رُدُّوا "، يقول: ولو ردّوا إلى الدنيا فأمْهلوا"
(1)
في المطبوعة: "ما قصد هؤلاء" ، وهو لا شيء ولكن حمله عليه أنه في المخطوطة "ما هؤلاء العادلين" ، واستظهرت الصواب من قوله بعد: "لكن بهم الإشفاق" .

(2)
السياق: "ما بهؤلاء العادلين بربهم. . . الأسى والندم. . ." .

= "لعادوا لما نهوا عنه" ، يقول: لرجعوا إلى مثل العمل الذي كانوا يعملونه في الدنيا قبل ذلك، من جحود آيات الله، والكفر به، والعمل بما يسخط عليهم ربِّهم = "إنهم لكاذبون" ، في قيلهم: "لو رددنا لم نكذب بآيات ربّنا وكنا من المؤمنين" ، لأنهم قالوه حين قالوه خشية العذاب، لا إيمانًا بالله.
* * *
وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13181 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل" ، يقول: بدت لهم أعمالهم في الآخرة، التي أخفوها في الدنيا.
13182 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل" ، قال: من أعمالهم.
13183 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "ولو ردُّوا لعادُوا لما نهوا عنه" ، يقول: ولو وصل الله لهم دُنيا كدنياهم، لعادوا إلى أعمالهم أعمالِ السوء.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (29) }
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن هؤلاء المشركين، العادلين به الأوثان والأصنام، الذين ابتدأ هذه السورة بالخبرعنهم.
يقول تعالى ذكره: "وقالوا إنْ هي إلا حياتنا الدنيا" ، يخبر عنهم أنهم ينكرون أنّ الله يُحيي خلقه بعد أن يُميتهم، ويقولون: "لا حياة بعد الممات، ولا بعث ولا نشور بعد الفناء" . فهم بجحودهم ذلك، وإنكارهم ثوابَ الله وعقابَه في الدار الآخرة، لا يبالون ما أتوا وما ركبوا من إثم ومعصية، لأنهم لا يرجون ثوابًا على إيمان بالله وتصديق برسوله وعملٍ صالح بعد موت، ولا يخافون عقابًا على كفرهم بالله ورسوله وسيّئٍ من عمل يعملونه. (1)
* * *
وكان ابن زيد يقول: هذا خبر من الله تعالى ذكره عن هؤلاء الكفرة الذين وقفوا على النار: أنهم لو ردُّوا إلى الدنيا لقالوا: "إن هي إلا حياتُنا الدنيا وما نحن بمبعوثين" .
13184- حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه" ، وقالوا حين يردون: "إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين" .
* * *
القول في تأويل قوله: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (30) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: "لو ترى" ، يا محمد، هؤلاء القائلين: ما هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين = "إذ وقفوا" ، يوم القيامة،
(1)
في المطبوعة: "وشيء من عمل" ، وهي في المخطوطة غير منقوطة، وصواب قراءتها ما أثبت.

أي: حبسوا، (1) "على ربهم" ، يعني على حكم الله وقضائه فيهم = "قال أليس هذا بالحق" ، يقول: فقيل لهم: أليس هذا البعثُ والنشر بعد الممات الذي كنتم تنكرونَه في الدنيا، حقًّا؟ فأجابوا، فقالوا: بلى "والله إنه لحقّ =" قال فذوقوا العذاب "، يقول: فقال الله تعالى ذكره لهم: فذوقوا العذاب الذي كنتم به في الدنيا تكذبون (2) =" بما كنتم تكفرون "، يقول: بتكذيبكم به وجحودكموه الذي كان منكم في الدنيا."
* * *
القول في تأويل قوله: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا}
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله" ، قد هلك ووُكس، في بيعهم الإيمان بالكفر (3) = "الذين كذبوا بلقاء الله" ، يعني: الذين أنكروا البعثَ بعد الممات، والثواب والعقابَ، والجنةَ والنارَ، من مشركي قريش ومَنْ سلك سبيلهم في ذلك = "حتى إذا جاءَتهم الساعة" ، يقول: حتى إذا جاءتهم السَّاعة التي يَبْعث الله فيها الموتى من قبورهم.
* * *
وإنما أدخلت "الألف واللام" في "الساعة" ، لأنها معروفة المعنى عند المخاطبين بها، وأنها مقصود بها قصدُ الساعة التي وصفت.
* * *
(1)
انظر تفسير "وقف" فيما سلف قريبا ص: 316.

(2)
انظر تفسير "ذاق العذاب" فيما سلف ص: 47، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "خسر" فيما سلف ص: 294، تعليق: 1، والمراجع هناك.

ويعني بقوله: "بغتة" ، فجأةً، من غير علم من تفجؤه بوقت مفاجأتها إيّاه.
* * *
يقال منه: "بغتُّه أبغته بَغْتةً" ، إذا أخذته كذلك:
* * *
= "قالوا يا حَسْرتَنا على ما فرّطنا فيها" ، يقول تعالى ذكره: وُكس الذين كذبوا بلقاء الله ببيعهم منازلهم من الجنة بمنازل من اشتروا منازله من أهل الجنة من النار، فإذا جاءتهم الساعة بغتةً قالوا إذا عاينوا ما باعوا وما اشتروا، وتبيَّنوا خسارة صفقة بَيْعهم التي سلفت منهم في الدنيا، تندُّمًا وتلهُّفًا على عظيم الغَبْن الذي غبنوه أنفسهم، وجليلِ الخسران الذي لا خسرانَ أجلَّ منه = "يا حسرتنا على ما فرطنا فيها" ، يقول: يا ندامتنا على ما ضيّعنا فيها، يعني: صفقتهم تلك. (1)
* * *
و "الهاء والألف" في قوله: "فيها" ، من ذكر "الصفقة" ، ولكن اكتفى بدلالة قوله: "قد خسر الذين كذّبوا بلقاء الله" عليها من ذكرها، إذ كان معلومًا أن "الخسران" لا يكون إلا في صفقة بيع قد جرت. (2)
* * *
وإنما معنى الكلام: قد وُكس الذين كذبوا بلقاء الله، ببيعهم الإيمان الذي يستوجبون به من الله رضوانَه وجنته، بالكفر الذي يستوجبون به منه سَخَطه وعقوبته، ولا يشعرون ما عليهم من الخسران في ذلك، حتى تقوم الساعة، فإذا جاءتهم الساعة بغتةً فرأوا ما لحقهم من الخسران في بيعهم، قالوا حينئذ، تندمًا: "يا حسرتنا على ما فرطنا فيها" .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
(1)
انظر تفسير "الحسرة" فيما سلف 3: 295/7: 335.

(2)
في المطبوعة: "قد خسرت" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو الصواب.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #602  
قديم 15-07-2025, 01:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (602)
صــ 326 إلى صــ 335





13185 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: "يا حسرتنا على ما فرطنا فيها" ، أمّا "يا حسرتنا" ، فندامتنا = "على ما فرطنا فيها" ، فضيعنا من عمل الجنة.
13186 - حدثنا محمد بن عمارة الأسدي قال، حدثنا يزيد بن مهران قال، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "يا حسرتنا" ، قال: "يرى أهلُ النار منازلهم من الجنة فيقولون: يا حسرتنا" . (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وهؤلاء الذين كذَّبوا بلقاء الله، "يحملون أوزارهم على ظهورهم" . وقوله: "وهم" من ذكرهم = "يحملون أوزارهم" ، يقول: آثامهم وذنوبهم.
* * *
واحدها "وِزْر" ، يقال منه: "وَزَر الرجل يزِر" ، إذا أثم، قال الله: "ألا ساء ما يزرون" . (2) فإن أريد أنهم أُثِّموا، (3) قيل: "قد وُزِر القوم فهم يُوزَرُون، وهم موزورون" .
* * *
(1)
الأثر: 13186 - "يزيد بن مهران الأسدي" ، الخباز، أبو خالد. صدوق، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: "يغرب" . مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 4/2/290.

وهذا الخبر خرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 9، وقال: "أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبو الشيخ، وابن مردويه، والخطيب بسند صحيح، عن أبي سعيد الخدري" ، وذكر الخبر.
(2)
في المطبوعة، حذف قوله: "قال الله: ألا ساء ما يزرون" .

(3)
"أثموا" بضم الهمزة وتشديد الثاء المكسورة، بالبناء للمجهول أي: رموا بالإثم.

قد زعم بعضهم أن "الوِزْر" الثقل والحمل. ولست أعرف ذلك كذلك في شاهد، ولا من رواية ثِقة عن العرب.
* * *
وقال تعالى ذكره: "على ظهورهم" ، لأن الحمل قد يكون على الرأس والمنكِب وغير ذلك، فبيَّن موضع حملهم ما يحملون منْ ذلك.
* * *
وذكر أنّ حملهم أوزارهم يومئذ على ظهورهم، نحو الذي:-
13187 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا الحكم بن بشير بن سَلْمان قال، حدثنا عمرو بن قيس الملائي قال: إن المؤمن إذا خرج من قبره استقبله أحسن شيء صورة وأطيبُه ريحًا، (1) فيقول له: هل تعرفني؟ فيقول: لا إلا أن الله قد طيَّب ريحك وحسَّن صورتك! فيقول: كذلك كنت في الدنيا، أنا عملك الصالح، طالما ركبتك في الدنيا، فاركبني أنت اليوم! وتلا يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا، [سورة مريم: 85] . وإن الكافر يستقبله أقبح شيء صورة وأنتنُه ريحًا، فيقول، هل تعرفني؟ فيقول: لا إلا أن الله قد قَبّح صورتك وأنتن ريحك! فيقول: كذلك كنتُ في الدنيا، أنا عملك السيئ، طالما ركبتني في الدنيا، فأنا اليوم أركبك = وتلا "وهم يحملون أوزارهم على ظُهورهم ألا ساء ما يزرون" . (2)
(1)
في المطبوعة: "استقبله عمله في أحسن صورة وأطيبه ريحًا" ، وهو كلام غث غير مستقيم، وكان في المخطوطة: "استقبله أحسن صورة وأطيبه ريحًا" ، سقط من الناسخ ما أثبته "شيء" ، واستظهرته من قوله بعد: "يستقبله أقبح شيء صورة وأنتنه ريحًا" .

(2)
الأثر: 13187 - "الحكم بن بشير بن سلمان النهدي" ، ثقة، مضى مرارًا رقم: 1497، 2872، 3014، 6171، 9646. وكان في المطبوعة هنا "سليمان" وهو خطأ، صححته في المخطوطة، والمراجع، كما سلف أيضًا.

و "عمرو بن قيس الملائي" ، مضى مرارًا، رقم: 886، 1497، 3956، 6171، 9646.
وهذا الخبر خرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 9، وزاد نسبته لابن أبي حاتم. وإسناد أبي حاتم فيما رواه ابن كثير في تفسيره 3: 303: "حدثنا أبو سعيد الأشج، قال حدثنا أبو خالد الأحمر، عن عمرو بن قيس، عن أبي مرزوق" ، وساق الخبر مختصرًا بغير هذا اللفظ.
13188 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم" ، فإنه ليس من رجل ظالم يموت فيدخل قبره، (1) إلا جاء رجل قبيح الوجه، أسودُ اللون، مُنتن الريح، عليه ثياب دَنِسة، حتى يدخل معه قبره، فإذا رآه قال له: ما أقبح وجهك! قال: كذلك كان عملك قبيحًا! قال: ما أنتن ريحك! قال: كذلك كان عملك منتنًا! قال: ما أدْنس ثيابك! قال فيقول: إن عملك كان دنسًا. قال: من أنت؟ قال: أنا عملك! قال: فيكون معه في قبره، فإذا بعث يوم القيامة قال له: إني كنت أحملك في الدنيا باللذَّات والشهوات، فأنت اليوم تحملني. قال: فيركب على ظهره فيسوقه حتى يدخلَه النار، فذلك قوله: "يحملون أوزارهم على ظهورهم" .
* * *
وأما قوله تعالى ذكره: "ألا ساء ما يزرون" ، فإنه يعني: ألا ساء الوزر الذي يزرون - أي: الإثم الذي يأثمونه بربهم، (2) كما:-
13189 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "ألا ساء ما يزرون" ، قال: ساء ما يعملون.
* * *
(1)
في المطبوعة: "قال ليس من رجل ظالم يموت" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(2)
كان في المطبوعة: "الذي يأثمونه كفرهم بربهم" ، زاد "كفرهم" ، وأفسد الكلام.

وأثبت ما في المخطوطة، وهو الصواب المحض. وقد بينت آنفا معنى قوله "أثم فلان بربه" 4: 530، تعليق: 3/6: 92/11: 180، تعليق: 3.
القول في تأويل قوله: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (32) }
قال أبو جعفر: وهذا تكذيب من الله تعالى ذكره هؤلاء الكفارَ المنكرين البعثَ بعد الممات في قولهم: إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ، [سورة المائدة: 29] .
يقول تعالى ذكره، مكذبًا لهم في قبلهم ذلك: "ما الحياة الدنيا" ، أيها الناس = "إلا لعب ولهو" ، يقول: ما باغي لذاتِ الحياة التي أدْنيت لكم وقرّبت منكم في داركم هذه، (1) ونعيمَها وسرورَها، فيها، (2) والمتلذذُ بها، والمنافسُ عليها، إلا في لعب ولهو، لأنها عما قليل تزول عن المستمتع بها والمتلذذِ فيها بملاذّها، أو تأتيه الأيام بفجائعها وصروفها، فَتُمِرُّ عليه وتكدُر، (3) كاللاعب اللاهي الذي يسرع اضمحلال لهوه ولعبه عنه، ثم يعقبه منه ندمًا، ويُورثه منه تَرحًا. يقول: لا تغتروا، أيها الناس، بها، فإن المغتر بها عمّا قليل يندم = "وللدار الآخرة خير للذين يتقون" ، يقول: وللعمل بطاعته، والاستعدادُ للدار الآخرة بالصالح من الأعمال التي تَبقى منافعها لأهلها، ويدوم سرورُ أهلها فيها، خيرٌ من الدار التي تفنى وشيكًا، (4) فلا يبقى لعمالها فيها سرور، ولا يدوم لهم فيها نعيم = "للذين"
(1)
انظر تفسير "الحياة الدنيا" فيما سلف 1: 245.

(2)
سياق الجملة: "ما باغي لذات الحياة. . . ونعيمها وسرورها" ، بالعطف ثم قوله: "فيها" ، سياقه: "ما باغي لذات الحياة. . . فيها" . وقوله بعد: "والمتلذذ بها" مرفوع معطوف على قوله: "ما باغي لذات الحياة" .

(3)
في المطبوعة: "فتمر عليه وتكر" غير ما في المخطوطة، وهو ما أثبته، وهو الصواب "تمر" من "المرارة" ، أي: تصير مرة بعد حلاوتها، وكدرة بعد صفائها.

(4)
في المطبوعة، حذف قوله "وشيكا" ، كأنه لم يحسن قراءتها. "وشيكا" : سريعًا.

يتقون "، يقول: للذين يخشون الله فيتقونه بطاعته واجتناب معاصيه، والمسارعة إلى رضاه =" أفلا تعقلون "، يقول: أفلا يعقل هؤلاء المكذّبون بالبعث حقيقةَ ما نخبرهم به، من أن الحياة الدنيا لعب ولهوٌ، وهم يرون من يُخْتَرم منهم، (1) ومن يهلك فيموت، ومن تنوبه فيها النوائب وتصيبُه المصائب وتفجعه الفجائع. ففي ذلك لمن عقل مدَّكر ومزدجر عن الركون إليها، واستعباد النفس لها = ودليلٌ واضح على أن لها مدبِّرًا ومصرفًا يلزم الخلقَ إخلاصُ العبادة له، بغير إشراك شيءٍ سواه معه."
* * *
القول في تأويل قوله: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "قد نعلم" ، يا محمد، إنه ليحزنك الذي يقول المشركون، وذلك قولهم له: إنه كذّاب = "فإنهم لا يكذبونك" .
* * *
واختلفت القرأة في قراءة ذلك
[فقرأته جماعة من أهل الكوفة: (فَإنَّهُمْ لا يُكْذِبونَكَ) بالتخفيف] ، (2) بمعنى: إنهم لا يُكْذِبونك فيما أتيتهم به من وحي الله، ولا يدفعون أن يكون ذلك صحيحًا، بل يعلمون صحته، ولكنهم يجحَدون حقيقته قولا فلا يؤمنون به.
* * *
(1)
"اخترم الرجل" (بالبناء للمجهول) و "اخترمته المنية من بين أصحابه" ، أخذته من بينهم وخلا منه مكانه، كأن مكانه صار خرمًا في صفوفهم.

(2)
هذه الزيادة بين القوسين، ساقطة من المخطوطة والمطبوعة، ولكن زيادتها لا بد منها، واستظهرتها من نسبة هذه القراءة، فهي قراءة علي ونافع والكسائي. انظر معاني القرآن للفراء 1: 331، وتفسير أبي حيان 4: 111، وغيرهما.

وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يحكي عن العرب أنهم يقولون: "أكذبت الرجل" ، إذا أخبرت أنه جاءَ بالكذب ورواه. قال: ويقولون: "كذَّبْتُه" ، إذا أخبرت أنه كاذبٌ. (1)
* * *
وقرأته جماعة من قرأة المدينة والعراقيين والكوفة والبصرة: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ بمعنى: أنهم لا يكذّبونك علمًا، بل يعلمون أنك صادق = ولكنهم يكذبونك قولا عنادًا وحسدًا.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان، قد قرأ بكل واحدة منهما جماعة من القرأة، ولكل واحدة منهما في الصحة مخرج مفهوم.
وذلك أن المشركين لا شكَّ أنه كان منهم قوم يكذبون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، ويدفعونه عما كان الله تعالى ذكره خصه به من النبوّة، فكان بعضهم يقول: "هو شاعر" ، وبعضهم يقول: "هو كاهن" ، وبعضهم يقول: "هو مجنون" ، وينفي جميعُهم أن يكون الذي أتَاهم به من وحي السماء، ومن تنزيل رب العالمين، قولا. وكان بعضهم قد تبين أمرَه وعلم صحة نبوّته، وهو في ذلك يعاند ويجحد نبوّته حسدًا له وبغيًا.
* * *
فالقارئ: (فَإنَّهُمْ لا يُكْذِبونَكَ) = بمعنى (2) أن الذين كانوا يعرفون
(1)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 331.

(2)
في المطبوعة: "يعني به" وفي المخطوطة: "معنى أن الذين. . ." ، وصواب قراءتها ما أثبت.

حقيقة نبوّتك وصدق قولك فيما تقول، يجحدونَ أن يكون ما تتلوه عليهم من تنزيل الله ومن عند الله، قولا - وهم يعلمون أن ذلك من عند الله علمًا صحيحًا = مصيبٌ، (1) لما ذكرنا من أنه قد كان فيهم من هذه صفته.
وفي قول الله تعالى في هذه السورة: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ [سورة المائدة: 20] ، أوضح الدليل على أنه قد كان فيهم المعاند في جحود نبوّته صلى الله عليه وسلم، مع علمٍ منهم به وبصحة نبوّته. (2)
* * *
وكذلك القارئ: (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) = (3) بمعنى: أنهم لا يكذبون رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عنادًا، لا جهلا بنبوّته وصدق لَهْجته = مصيب، (4) لما ذكرنا من أنه قد كان فيهم مَنْ هذه صفته.
وقد ذَهب إلى كل واحد من هذين التأويلين جماعة من أهل التأويل.
* * *
* ذكر من قال: معنى ذلك: فإنهم لا يكذبونك ولكنهم يجحدون الحقّ على علم منهم بأنك نبيٌّ لله صادق.
13190 - حدثنا هناد قال، حدثنا أبو معاوية عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح في قوله: "قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك" ، قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو جالس حزينٌ، فقال له: ما يُحزنك؟ فقال: كذَّبني هؤلاء! قال فقال له جبريل: إنهم لا يكذبونك، هم يعلمون أنك صادق، "ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون" .
13191- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو معاوية، عن إسماعيل، عن
(1)
السياق: "فالقارئ. . . مصيب" .

(2)
في المطبوعة: ". . . على أنه قد كان فيهم العناد في جحود نبوته. . . مع علم منهم به وصحة نبوته" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب، إلا أنه في المخطوطة أيضًا "به وصحة نبوته" ، فرأيت السياق يقتضي أن تكون "وبصحة" ، فأثبتها.

(3)
في المطبوعة: "يعني أنهم. . ." ، وأثبت ما في المخطوطة.

(4)
السياق: "وكذلك القارئ. . . مصيب" .

أبي صالح قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس حزين، فقال له: ما يحزنك؟ . فقال: كذَّبني هؤلاء! فقال له جبريل: إنهم لا يكذبونك، إنهم ليعلمون أنك صادق، "ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون" .
13192 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون" ، قال: يعلمون أنك رسول الله ويجحدون.
13193 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط: عن السدي في قوله: "قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون" ، لما كان يوم بدر قال الأخنس بن شريق لبني زهرة: يا بني زهرة، إن محمدًا ابن أختكم، فأنتم أحقُّ مَنْ كَفَّ عنه، (1) فإنه إن كان نبيًّا لم تقاتلوهُ اليوم، وإن كان كاذبًا كنتم أحق من كف عن ابن أخته! قفوا ههنا حتى ألقى أبا الحكم فإن غُلب محمدٌ [صلى الله عليه وسلم] رجعتم سالمين، وإن غَلَب محمدٌ فإن قومكم لا يصنعون بكم شيئًا = فيومئذ سمّي "الأخنس" ، وكان اسمه "أبيّ" = (2) فالتقى الأخنس وأبو جهل، فخلا الأخنس بأبي جهل، فقال: يا أبا الحكم، أخبرني عن محمد، أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس ههنا من قريش أحد غيري وغيرك يسمع كلامنا! فقال أبو جهل: وَيْحك، والله إن محمدًا لصادق، وما كذب محمّد قط، ولكن إذا ذهب بنو قُصَيِّ باللواء والحجابة والسقاية والنبوة، فماذا يكون لسائر قريش؟ فذلك قوله: "فإنهم لا يكذّبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون" ، "فآيات الله" ، محمدٌ صلى الله عليه وسلم.
(1)
في تفسير ابن كثير 3: 305، في هذا الموضع: "فأنتم أحق من ذب عنه" .

(2)
سمى "الأخنس" ، لأنه من "خنس يخنس خنوسا" ، إذا انقبض عن الشيء وتأخر ورجع.

13194- حدثني الحارث بن محمد قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا قيس، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير: "فإنهم لا يكذبونك" ، قال: ليس يكذّبون محمدًا، ولكنهم بآيات الله يجحدون.
* * *
* ذكر من قال: ذلك بمعنى: فإنهم لا يكذّبونك، ولكنهم يكذِّبون ما جئت به.
13195 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن ناجية قال: قال أبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم: ما نتهمك، ولكن نتَّهم الذي جئت به! فأنزل الله تعالى ذكره: "فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون" .
13196- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن ناجية بن كعب: أنّ أبا جهل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنّا لا نكذبك، ولكن نكذب الذي جئت به! فأنزل الله تعالى ذكره: "فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون" .
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك، فإنهم لا يبطلون ما جئتهم به.
* ذكر من قال ذلك:
13197 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا إسحاق بن سليمان، عن أبي معشر، عن محمد بن كعب: "فإنهم لا يكذبونك" ، قال: لا يبطلون ما في يديك.
* * *
وأما قوله: "ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون" ، فإنه يقول: ولكن المشركين بالله، بحجج الله وآي كتابه ورسولِه يجحدون، فينكرون صحَّة ذلك كله.
* * *
وكان السدي يقول: "الآيات" في هذا الموضع، معنيٌّ بها محمّد صلى الله عليه وسلم. وقد ذكرنا الرواية بذلك عنه قبلُ. (1)
* * *
(1)
انظر آخر الأثر السالف رقم: 13193.

القول في تأويل قوله: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) }
قال أبو جعفر: وهذا تسلية من الله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وتعزيةٌ له عما ناله من المساءة بتكذيب قومه إيّاه على ما جاءهم به من الحق من عند الله.
يقول تعالى ذكره: إن يكذبك، يا محمد، هؤلاء المشركون من قومك، فيجحدوا نبوّتك، وينكروا آيات الله أنّها من عنده، فلا يحزنك ذلك، واصبر على تكذيبهم إياك وما تلقى منهم من المكروه في ذات الله، حتى يأتي نصر الله، (1) فقد كُذبت رسلٌ من قبلك أرسلتهم إلى أممهم، فنالوهم بمكروه، فصبروا على تكذيب قومهم إياهم، ولم يثنهم ذلك من المضيّ لأمر الله الذي أمرهم به من دعاء قومهم إليه، حتى حكم الله بينهم وبينهم = "ولا مبدّل لكلمات الله" ، يقول: ولا مغيِّر لكلمات الله = و "كلماته" تعالى ذكره: ما أنزل الله إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، من وعده إياه النصر على من خَالفه وضادّه، والظفرَ على من تولّى عنه وأدبر = "ولقد جاءك من نبإ المرسلين" ، يقول: ولقد جاءك يا محمد، من خبر من كان قبلك من الرسل، (2) وخبر أممهم، وما صنعتُ بهم = حين جحدوا آياتي وتمادَوا في غيهم وضلالهم = أنباء = وترك ذكر "أنباء" ، لدلالة "مِنْ" عليها.
يقول تعالى ذكره: فانتظر أنت أيضًا من النصرة والظفر مثل الذي كان منِّي فيمن
(1)
إذ في المخطوطة: "حتى أتاهم نصر الله" ، وهو سهو من الناسخ، صوابه ما في المطبوعة.

(2)
انظر تفسير "النبأ" فيما سلف ص: 262، تعليق: 3، والمراجع.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #603  
قديم 15-07-2025, 02:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (603)
صــ 336 إلى صــ 345






كان قبلك من الرسل إذ كذبهم قومهم، واقتد بهم في صبرهم على ما لَقُوا من قومهم.
* * *
وبنحو ذلك تأوَّل من تأوَّل هذه الآية من أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13198 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا" ، يعزِّي نبيه صلى الله عليه وسلم كما تسمعون، ويخبره أن الرسل قد كُذّبت قبله، فصبروا على ما كذبوا، حتى حكم الله وهو خير الحاكمين.
13199 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك: "ولقد كذبت رسل من قبلك" ، قال: يعزّي نبيَّه صلى الله عليه وسلم.
13200 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: "ولقد كذبت رسل من قبلك" ، الآية، قال: يعزِّي نبيّه صلى الله عليه وسلم.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن كان عظم عليك، يا محمد، إعراض هؤلاء المشركين عنك، وانصرافهم عن تصديقك فيما جئتهم به من الحق الذي
بعثتُك به، فشقَّ ذلك عليك، ولم تصبر لمكروه ما ينالك منهم (1) = "فإن استطعت أن تبتغي نفقًا في الأرض" ، يقول: فإن استطعت أن تتَّخذ سَرَبا في الأرض مثلَ نَافِقاء اليَرْبُوع، وهي أحد جِحَرِته فتذهب فيه (2) = "أو سُلمًا في السماء" ، يقول: أو مصعدًا تصعد فيه، كالدَّرَج وما أشبهها، كما قال الشاعر: (3)
لا تُحْرِزُ الْمَرْءُ أَحْجَاءُ البِلادِ، وَلا ... يُبْنَى لَهُ فِي السَّمَاوَاتِ السَّلالِيم (4)
= "فتأتيهم بآية" ، منها = يعني بعلامةٍ وبرهان على صحة قولك، (5) غير الذي أتيتك = فافعل. (6)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك: قال بعض أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13201 - حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني
(1)
انظر تفسير "الإعراض" فيما سلف ص: 262، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "ابتغى" فيما سلف 10: 394، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(3)
هو تميم بن أبي بن مقبل.

(4)
من قصيدة له جيدة، نقلها قديمًا، والبيت في مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 190، وشرح شواهد المغني: 227، واللسان (سلم) (حجا) ، وغيرها، وقبل البيت، وهي أبيات حسان: إنْ يَنْقُصِ الدّهْرُ مِنِّي، فالفَتَى غَرَضٌ ... لِلدَّهْرِ، من عَوْدهِ وَافٍ وَمَثْلُومُ

وَإنْ يَكُنْ ذَاكَ مِقْدَارًا أُصِبْتُ بِهِ ... فَسِيرَة الدَّهْرِ تَعْوِيجٌ وتَقْويمُ
مَا أطْيَبَ العَيْشَ لَوْ أَن الفَتَى حَجَرٌ ... تَنْبُو الحَوَادِثَ عَنْهُ وهو مَلْمُومُ
لا يمنع المرءَ أنصارٌ وَرَابيةٌ ... تَأْبَى الهَوَانَ إذَا عُدَّ الجَرَاثِيمُ
لا يُحْرِزُ المَرْءَ. . . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
و "أحجاه البلاد" : نواحيها وأطرافها. ويروى "أعناء البلاد" ، وهو مثله في المعنى.
(5)
انظر تفسير "آية" فيما سلف في فهرس اللغة (أيي) .

(6)
قوله: "فافعل" ، أي: "إن استطعت أن تبتغي نفقًا. . . فافعل" .

معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقًا في الأرض أو سلمًا في السماء" ، و "النفق" السَّرب، فتذهب فيه = "فتأتيهم بآية" ، أو تجعل لك سلَّمًا في السماء، (1) فتصعد عليه، فتأتيهم بآية أفضل مما أتيناهم به، فافعل.
13202 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "فإن استطعت أن تبتغي نفقًا في الأرض" ، قال: سَرَبًا = "أو سلمًا في السماء" ، قال: يعني الدَّرَج.
13203 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقًا في الأرض أو سلمًا في السماء" ، أما "النفق" فالسرب، وأما "السلم" فالمصعد.
13204- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس قوله: "نفقًا في الأرض" ، قال: سربًا.
* * *
وتُرِك جواب الجزاء فلم يذكر، لدلالة الكلام عليه، ومعرفة السامعين بمعناه. وقد تفعل العرب ذلك فيما كان يُفهم معناه عند المخاطبين به، فيقول الرجل منهم للرجل: "إن استطعت أن تنهض معنا في حاجتنا، إن قدرت على مَعُونتنا" ، ويحذف الجواب، وهو يريد: إن قدرت على معونتنا فافعل. فأما إذا لم يعرف المخاطب والسامع معنى الكلام إلا بإظهار الجواب، لم يحذفوه. لا يقال: "إن تقم" ، فتسكت وتحذف الجواب، لأن المقول ذلك له لا يعرف جوابه إلا بإظهاره،
(1)
في المخطوطة: "تجعل لهم سلمًا" ، والجيد ما في المطبوعة.

حتى يقال: "إن تقم تصب خيرًا" ، أو: "إن تقم فحسن" ، وما أشبه ذلك. (1) ونظيرُ ما في الآية مما حذف جَوَابه وهو مراد، لفهم المخاطب لمعنى الكلام قول الشاعر: (2)
فَبِحَظٍّ مِمَّا نَعِيشُ، وَلا تَذْ ... هَبْ بِكِ التُّرَّهَاتُ فِي الأهْوَالِ (3)
والمعنى: فبحظٍّ مما نعيش فعيشي. (4)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن الذين يكذبونك من هؤلاء الكفار، يا محمد، فيحزنك تكذيبهم إياك، لو أشاء أن أجمعهم على استقامة من الدِّين، وصوابٍ من محجة الإسلام، حتى تكون كلمة جميعكم واحدة، وملتكم وملتهم واحدة، لجمعتهم على ذلك، ولم يكن بعيدًا عليَّ، لأنّي القادرُ على ذلك بلطفي، ولكني لم أفعل ذلك لسابق علمي في خلقي، ونافذ قضائي فيهم، من قبل أن أخلقهم وأصوِّر أجسامهم = "فلا تكونن" ، يا محمد، "من الجاهلين" ، يقول:
(1)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 331، 332.

(2)
هو عبيد بن الأبرص.

(3)
مضى البيت وتخريجه فيما سلف 3: 284. وكان البيت في المخطوطة على الصواب كما أثبته، وإن كان غير منقوط. أما المطبوعة، فكان فيها هكذا. فتحطْ مما يعش ولا تذهب ... بك التُرهّات في الأهوال

أساء قراءة المخطوطة، وحرفه.
(4)
في المطبوعة: "والمعنى: فتحط مما يعش فيعشى" ، وهو خطأ، صوابه في المخطوطة.

فلا تكونن ممن لا يعلم أن الله لو شاء لجَمع على الهدى جميع خلقه بلطفه، (1) وأنَّ من يكفر به من خلقه إنما يكفر به لسابق علم الله فيه، ونافذ قضائه بأنه كائنٌ من الكافرين به اختيارًا لا إضطرارًا، فإنك إذا علمت صحة ذلك، لم يكبر عليك إعراضُ من أعرض من المشركين عما تدعُوه إليه من الحق، وتكذيبُ من كذَّبك منهم.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال بعض أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13205 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثنى معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: يقول الله سبحانه: لو شئتُ لجمعتهم على الهدى أجمعين.
* * *
قال أبو جعفر: وفي هذا الخبر من الله تعالى ذكره، الدلالةُ الواضحة على خطإ ما قال أهل التَّفْويض من القدريّة، (2) المنكرون أن يكون عند الله لطائف لمن شاءَ توفيقه من خلقه، يلطفُ بها له حتى يهتدِيَ للحقّ، فينقاد له، وينيبَ إلى الرشاد فيذعن به ويؤثره على الضلال والكفر بالله. وذلك أنه تعالى ذكره أخبر أنه لو شاءَ الهداية لجميع من كفر به، حتى يجتمعوا على الهدى، فعلَ. ولا شك أنه لو فعل ذلك بهم، كانوا مهتدين لا ضلالا. وهم لو كانوا مهتدين، كان لا شك أنّ كونهم مهتدين كان خيرًا لهم. وفي تركه تعالى ذكره أن يجمعهم على الهدى، تركٌ منه أن يفعل بهم في دينهم بعض ما هو خيرٌ لهم فيه، مما هو قادر على فعله بهم، وقد
(1)
انظر تفسير "الجاهل" فيما سلف 2: 182، وتفسير "جهالة" 8: 88 - 92.

(2)
"أهل التفويض" : هم الذين يقولون: إن الأمر فوض إلى الإنسان، فإرادته كافية في إيجاد فعله، طاعة كان أو معصية، وهو خالق لأفعاله، والاختيار بيده. انظر ما سلف 1: 162، تعليق: 1.

وأما "القدرية" ، و "أهل القدر" ، فهم الذين ينفون القدر. وأما الذين يثبتون القدر، وهم أهل الحق، فهم: "أهل الإثبات" . وانظر ما سلف 1: 162، تعليق: 1.
ترك فعله بهم. وفي تركه فعل ذلك بهم، أوضحُ الدليل أنه لم يعطهم كل الأسباب التي بها يصلون إلى الهداية، ويتسبّبون بها إلى الإيمان.
* * *
القول في تأويل قوله: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لا يكبُرنّ عليك إعراض هؤلاء المعرضين عنك، وعن الاستجابة لدعائك إذا دعوتهم إلى توحيد ربّهم والإقرار بنبوّتك، فإنه لا يستجيب لدعائك إلى ما تدعوه إليه من ذلك، (1) إلا الذين فتح الله أسماعهم للإصغاء إلى الحق، وسهَّل لهم اتباع الرُّشد، دون من ختم الله على سمعه، فلا يفقه من دعائك إياه إلى الله وإلى اتباع الحق إلا ما تفقه الأنعام من أصوات رُعاتها، فهم كما وصفهم به الله تعالى ذكره: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ [سورة البقرة: 171] = "والموتى يبعثهم الله" ، يقول: والكفارُ يبعثهم الله مع الموتى، فجعلهم تعالى ذكره في عداد الموتى الذين لا يسمعون صوتًا، ولا يعقلون دعاء، ولا يفقهون قولا إذ كانوا لا يتدبرون حُجج الله، ولا يعتبرون آياته، ولا يتذكرون فينزجرون عما هم عليه من تكذيب رُسل الله وخلافهم. (2)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
(1)
انظر تفسير "الاستجابة" فيما سلف 3: 483، 484/7: 486 - 488.

(2)
في المطبوعة: "ولا يتذكرون فينزجروا" وفي المخطوطة: "ولا يتذكروا فينزجروا" والصواب ما أثبته.

13206 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "إنما يستجيب الذين يسمعون" ، المؤمنون، للذكر = "والموتى" ، الكفار، حين يبعثهم الله مع الموتى.
13207- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
13208 - حدثني بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "إنما يستجيب الذين يسمعون" ، قال: هذا مَثَل المؤمن، سمع كتاب الله فانتفع به وأخذ به وعقله. والذين كذَّبوا بآياتنا صم وبكم، وهذا مثل الكافر أصم أبكم، لا يبصر هدًى ولا ينتفع به.
13209 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن سفيان الثوري، عن محمد بن جحادة، عن الحسن: "إنما يستجيب الذين يسمعون" ، المؤمنون = "والموتى" ، قال: الكفار.
13210- حدثني ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن محمد بن جحادة قال: سمعت الحسن يقول في قوله: "إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله" ، قال: الكفار.
* * *
وأما قوله: "ثم إليه يرجعون" ، فإنه يقول تعالى ذكره: ثم إلى الله يرجع المؤمنون الذين استجابوا لله والرسول، (1) والكفارُ الذين يحول الله بينهم وبين أن يفقهوا عنك شيئًا، فيثيب هذا المؤمن على ما سلف من صالح عمله في الدنيا بما وعد أهل الإيمان به من الثواب، ويعاقب هذا الكافرَ بما أوعدَ أهل الكفر به من العقاب، لا يظلم أحدًا منهم مثقال ذرة.
* * *
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "ثم إلى الله يرجعون المؤمنون" ، وليس بشيء هنا، والجيد ما أثبته.


القول في تأويل قوله: {وَقَالُوا لَوْلا نزلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنزلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (37) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء العادلون بربهم، المعرضون عن آياته: "لولا نزل عليه آيه من ربه" ، يقول: قالوا: هلا نزل على محمد آية من ربه؟ (1) كما قال الشاعر: (2)
تَعُدُّونَ عَقْرَ النِّيبِ أَفْضَل مَجْدِكُمْ ... بَنِي ضَوْطَرَي، لَولا الكَمِيَّ المُقَنَّعَا (3)
بمعنى: هلا الكميَّ.
* * *
و "الآية" ، العلامة. (4)
* * *
وذلك أنهم قالوا: مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأسْوَاقِ لَوْلا أُنزلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنز أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا [سورة الفرقان: 7،8] . قال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لقائلي هذه المقالة لك: "إنّ الله قادر على أن ينزل آية" ، يعني: حجة على ما يريدون ويسألون= "ولكن أكثرهم لا يعلمون" ، يقول: ولكن أكثر الذين يقولون ذلك فيسألونك آية، (5) لا يعلمون ما عليهم في الآية إن نزلها من البلاء، ولا يدرون ما وجه ترك إنزال ذلك عليك، ولو علموا السبب الذي من أجله لم أنزلها عليك، لم يقولوا ذلك، ولم يسألوكه، ولكن أكثرهم لا يعلمون ذلك.
* * *
(1)
انظر تفسير "لولا" فيما سلف 2: 552، 553/10: 448/ 11: 262،

(2)
هو جرير.

(3)
مضى البيت وتخريجه وتفسيره وصواب نسبته فيما سلف 2: 552، 553.

(4)
انظر تفسير "الآية" فيما سلف من فهارس اللغة (أيي) .

(5)
في المخطوطة: "ولكن أكثرهم الذين يقولون" ، والجيد ما في المطبوعة.

القول في تأويل قوله: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء المعرضين عنك، المكذبين بآيات الله: أيها القوم، لا تحسبُنَّ الله غافلا عما تعملون، أو أنه غير مجازيكم على ما تكسبون! وكيف يغفل عن أعمالكم، أو يترك مجازاتكم عليها، وهو غير غافل عن عمل شيء دبَّ على الأرض صغيرٍ أو كبيرٍ، (1) ولا عمل طائر طار بجناحيه في الهواء، بل جعل ذلك كله أجناسًا مجنَّسة وأصنافًا مصنفة، (2) تعرف كما تعرفون، وتتصرف فيما سُخِّرت له كما تتصرفون، ومحفوظ عليها ما عملت من عمل لها وعليها، ومُثْبَت كل ذلك من أعمالها في أم الكتاب، ثم إنه تعالى ذكره مميتها ثم منشرها ومجازيها يوم القيامة جزاءَ أعمالها. يقول: فالرب الذي لم يضيِّع حفظَ أعمال البهائم والدوابّ في الأرض، والطير في الهواء، حتى حفظ عليها حركاتها وأفعالها، وأثبت ذلك منها في أم الكتاب، وحشرها ثم جازاها على ما سلف منها في دار البلاء، أحرى أن لا يُضيع أعمالكم، ولا يُفَرِّط في حفظ أفعالكم التي تجترحونها، أيها الناس، حتى يحشركم فيجازيكم على جميعها، إن خيرًا فخيرًا، وإن شرًّا فشرًّا، إذ كان قد خصكم من نعمه، وبسط عليكم من فضله، ما لم يعمَّ به غيركم في الدنيا، وكنتم بشكره أحقَّ، وبمعرفة واجبه عليكم أولى، لما أعطاكم من العقل الذي به بين الأشياء تميِّزون، والفهم
(1)
انظر تفسير "دابة" فيما سلف 3: 275.

(2)
انظر تفسير "أمة" فيما سلف 10: 465، تعليق: 1، والمراجع هناك.

الذي لم يعطه البهائم والطيرَ، الذي به بين مصالحكم ومضارِّكم تفرِّقون.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13211 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: "أمم أمثالكم" ، أصناف مصنفة تُعرَف بأسمائها.
13212- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
13213- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم" ، يقول: الطير أمة، والإنس أمة، والجن أمة.
13214 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: "إلا أمم أمثالكم" ، يقول: إلا خلق أمثالكم.
13215- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنى حجاج، عن ابن جريج في قوله: "وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم" ، قال: الذرّة فما فوقها من ألوان ما خلق الله من الدواب.
* * *
وأما قوله: "ما فرطنا في الكتاب من شيء" ، فإن معناه: ما ضيعنا إثبات شيء منه، كالذي:-
13216 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "ما فرطنا في الكتاب من شيء" ، ما تركنا شيئًا إلا قد كتبناه في أم الكتاب.
13217 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:
"ما فرطنا في الكتاب من شيء" ، قال: لم نُغفِل الكتاب، ما من شيء إلا وهو في الكتاب. (1)
13218- وحدثني به يونس مرة أخرى، قال في قوله: "ما فرطنا في الكتاب من شيء" ، قال: كلهم مكتوبٌ في أم الكتاب.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #604  
قديم 15-07-2025, 02:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (604)
صــ 346 إلى صــ 355





وأما قوله: "ثم إلى ربهم يحشرون" ، فإن أهل التأويل اختلفوا في معنى "حشرهم" ، الذي عناه الله تعالى ذكره في هذا الموضع. (2)
فقال بعضهم: "حشرها" ، موتها.
* ذكر من قال ذلك:
13219- حدثني محمد بن عمارة الأسدي قال، حدثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن سعيد، عن مسروق، عن عكرمة، عن ابن عباس: "وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم" ، قال ابن عباس: موت البهائم حشرها. (3)
13220- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "ثم إلى ربهم يحشرون" ، قال: يعني بالحشر، الموت.
13221- حدثنا عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: "ثم"
(1)
في المطبوعة: "لم نغفل ما من شيء. . ." ، أسقط "الكتاب" ، وهي ثابتة في المخطوطة.

(2)
انظر تفسير "الحشر" فيما سلف ص: 297، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(3)
الأثر: 13219 - "عبيد الله بن موسى بن أبي المختار العبسي" ، سلف قريبًا رقم: 13177، وكان هنا في المطبوعة والمخطوطة أيضًا "عبد الله بن موسى" ، وهو خطأ، أشرت إليه فيما سلف.

إلى ربهم يحشرون "، يعني بالحشر: الموت."
* * *
وقال آخرون: "الحشر" في هذا الموضع، يعني به الجمعُ لبعث الساعة وقيام القيامة.
* ذكر من قال ذلك:
13222 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر = وحدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر = عن جعفر بن برقان، عن يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة في قوله: "إلا أمم أمثالكم ما فرَّطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون" ، قال: يحشر الله الخلق كلهم يوم القيامة، البهائمَ والدوابَّ والطيرَ وكل شيء، فيبلغ من عدل الله يومئذ أن يأخذَ للجمَّاء من القَرْناء، ثم يقول: "كوني ترابًا" ، فلذلك يقول الكافر: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا [سورة النبأ: 40] . (1)
13223 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر = وحدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر=، عن الأعمش، عمن ذكره، (2) عن أبي ذر قال: بينا أنا عند رسول الله صلى الله عليه
(1)
الأثر: 13222 - "جعفر بن برقان الكلابي" ، ثقة، مضى برقم: 4577، 7836.و "يزيد بن الأصم بن عبيد البكائي" ، تابعي ثقة، مضى برقم: 7836.وهذا الخبر رواه الحاكم في المستدرك 2: 316، من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن جعفر الجذري، عن يزيد بن الأصم، وقال: "جعفر الجذري هذا، هو ابن برقان، قد احتج به مسلم، وهو صحيح على شرطه، ولم يخرجاه" ، ووافقه الذهبي.

وخرجه ابن كثير في تفسيره 3: 308، 309، ثم قال: "وقد روي هذا مرفوعًا في حديث الصور" . وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 11، وزاد نسبته لأبي عبيد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم. و "الجماء" : الشاة إذا لم تكن ذات قرن. و "القرناء" : الشاة الكبيرة القرن.
(2)
في المطبوعة والمخطوطة: "عن الأعمش ذكره" ، وهو سهو من الناسخ، صوابه من تفسير ابن كثير. وقوله "عمن ذكره" كأنه يعني: "منذر الثوري" أو "الهزيل بن شرحبيل" كما يتبين من التخريج.

وسلم إذ انتطحت عنزان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتدرون فيما انتطحتا؟ قالوا: لا ندري! قال: "لكن الله يدري، وسيقضي بينهما. (1) "
13224- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق بن سليم قال، حدثنا فطر بن خليفة، عن منذر الثوري، عن أبي ذر قال: انتطحت شاتان عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: يا أبا ذَرّ، أتدري فيم انتطحتا "؟ قلت: لا! قال: لكن الله يدري وسيقضي بينهما! قال أبو ذر: لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يقلِّب طائرٌ جناحيه في السماء إلا ذكرنا منه علمًا."
* * *
(1)
الأثران: 13223، 13224 - "إسحق بن سليمان الرازي العبدي" ، ثقة مضى برقم: 6456، 10238، 11240.و "فطر بن خليفة القرشي" ، ثقة، مضى برقم: 3583، 6175، 7511. وكان في المطبوعة: "مطر بن خليفة" ، وهو خطأ، صوابه في المخطوطة. و "منذر الثوري" ، هو: "منذر بن يعلى الثوري" ، ثقة، قليل الحديث روى عن التابعين، لم يدرك الصحابة. مضى برقم: 10839. وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده 5: 153، مختصرًا من طريق ابن نمير، عن الأعمش، عن منذر، عن أشياخ من التيم، قالوا، قال أبو ذر: "لقد تركنا محمد صلى الله عليه وسلم وما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا أذكرنا منه علمًا" . ثم رواه أيضًا في المسند 5: 162، من ثلاث طرق، مطولا ومختصرًا كالسالف، أولها مطولا من طريق محمد بن جعفر، عن سليمان، عن منذر الثوري، عن أشياخ لهم، عن أبي ذر = ثم من الطريق نفسه مختصرًا كالسالف = ثم من طريق حجاج، عن فطر، عن المنذر، بمعناه. قد تبين من رواية أحمد أن الذي روى عنه الأعمش في الإسناد الأول، هو منذر الثوري نفسه.

وإسناد هذه كلها إما منقطعة، كإسناد أبي جعفر = أو فيها مجاهيل، كأسانيد أحمد. ثم رواه أحمد في مسنده بغير هذا اللفظ، (5، 172، 173) من طريق عبيد الله بن محمد، عن حماد بن سلمة، عن عبد الرحمن بن ثروان، عن الهزيل بن شرحبيل، عن أبي ذر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسًا وشاتان تقترتان، فنطحت إحداهما الأخرى فأجهضتها. قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل له: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: عجبت لها! والذي نفسي بيده ليقادن لها يوم القيامة ".وكان في المسند:" عبد الرحمن بن مروان "، وهو خطأ، وإنما الراوي عن الهزيل، هو" ابن ثروان ". وهذا إسناد حسن متصل."
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أنّ كل دابة وطائر محشورٌ إليه. وجائز أن يكون معنيًّا بذلك حشر القيامة = وجائز أن يكون معنيًّا به حشر الموت = وجائز أن يكون معنيًّا به الحشران جميعًا، ولا دلالة في ظاهر التنزيل، ولا في خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أيُّ ذلك المراد بقوله: "ثم إلى ربهم يحشرون" ، إذ كان "الحشر" ، في كلام العرب الجمع، (1) ومن ذلك قول الله تعالى ذكره: وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ [سورة ص: 19] ، يعني: مجموعة. فإذ كان الجمع هو "الحشر" ، وكان الله تعالى ذكره جامعًا خلقه إليه يوم القيامة، وجامعهم بالموت، كان أصوبُ القول في ذلك أن يُعَمَّ بمعنى الآية ما عمه الله بظاهرها = وأن يقال: كل دابة وكل طائر محشورٌ إلى الله بعد الفناء وبعد بعث القيامة، إذ كان الله تعالى ذكره قد عم بقوله: "ثم إلى ربهم يحشرون" ، ولم يخصص به حشرًا دون حشر.
* * *
فإن قال قائل: فما وجهُ قوله: "ولا طائر يطير بجناحيه" ؟ وهل يطير الطائر إلا بجناحيه؟ فما في الخبر عن طيرانه بالجناحين من الفائدة؟
قيل: قد قدمنا القول فيما مضى أن الله تعالى ذكره أنزل هذا الكتاب بلسان قوم، وبلغاتهم وما يتعارفونه بينهم ويستعملونه في منطقهم خاطبهم. فإذ كان من كلامهم إذا أرادوا المبالغة في الكلام أن يقولوا: "كلمت فلانًا بفمي" ، و "مشيت إليه برجلي" ، و "ضربته بيدي" ، خاطبهم تعالى بنظير ما يتعارفونه في كلامهم، ويستعملونه في خطابهم، ومن ذلك قوله تعالى ذكره: (إنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً أُنْثَي) [سورة ص: 23] . (2)
(1)
انظر تفسير "الحشر" فيما سلف ص: 346، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(2)
في المطبوعة: ذكر الآية كقراءتها في مصحفنا، هكذا: "إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة" ، وليس هذا موضع استشهاد أبي جعفر، والصواب في المخطوطة كما أثبته. وهي قراءة عبد الله بن مسعود، وقد ذكرها أبو جعفر في تفسيره بعد (23: 91، بولاق) ثم قال: [وذلك على سبيل توكيد العرب الكلمة، كقولهم: هذا رجل ذكر "، ولا يكادون يفعلون ذلك إلا في المؤنث والمذكر الذي تذكيره وتأنيثه في نفسه، كالمرأة والرجل والناقة، ولا يكادون أن يقولوا:" هذه دار أنثى، وملحفة أنثى "، لأن تأنيثها في اسمها لا في معناها] ."

القول في تأويل قوله: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (39) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: والذين كذبوا بحجج الله وأعلامه وأدلته (1) = "صمٌّ" ، عن سماع الحق = "بكم" ، عن القيل به (2) = "في الظلمات" ، يعني: في ظلمة الكفر حائرًا فيها، (3) يقول: هو مرتطم في ظلمات الكفر، لا يبصر آيات الله فيعتبر بها، ويعلم أن الذي خلقه وأنشأه فدبَّره وأحكم تدبيره، وقدَّره أحسن تقدير، وأعطاه القوة، وصحح له آلة جسمه = لم يخلقه عبثًا، ولم يتركه سدًى، ولم يعطه ما أعطاه من الآلات إلا لاستعمالها في طاعته وما يرضيه، دون معصيته وما يسخطه. فهو لحيرته في ظلمات الكفر، وتردّده في غمراتها، غافلٌ عمَّا الله قد أثبت له في أمّ الكتاب، وما هو به فاعلٌ يوم يحشر إليه مع سائر الأمم. ثم أخبر تعالى ذكره أنه المضِلّ من يشاء إضلالَه من خلقه عن الإيمان إلى الكفر، والهادي إلى الصراط المستقيم منهم من أحبَّ هدايته، فموفّقه بفضله وطَوْله للإيمان به، وترك الكفر به وبرسله وما جاءت به أنبياؤه، وأنه لا يهتدي من خلقه أحد إلا من سبق له في أمّ الكتاب السعادة، ولا يضل منهم أحد إلا من سبق له فيها الشقاء، وأنّ بيده الخير كلُّه، وإليه الفضل كله، له الخلق والأمر. (4)
* * *
(1)
انظر تفسير "الآية" فيما سلف من فهارس اللغة (أيي) .

(2)
انظر تفسير "صم" و "بكم" فيما سلف 1: 328 - 331/3: 315.

(3)
وحد الضمير بعد الجمع فقال: "حائرا فيها" ، يعني الكافر المكذب بآيات الله، وهو جائز في مثل هذا الموضع من التفسير.

(4)
انظر تفسير "الضلال" فيما سلف من فهارس اللغة (ضلل) .

= وتفسير "الصراط المستقيم" فيما سلف 10: 429، تعليق: 4، والمراجع هناك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال قتادة:
13225 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "صم وبكم" ، هذا مثل الكافر، أصم أبكم، لا يبصر هدًى، ولا ينتفع به، صَمَّ عن الحق في الظلمات، لا يستطيع منها خروجًا، متسكِّع فيها.
* * *
القول في تأويل قوله: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40) }
قال أبو جعفر: اختلف أهل العربية في معنى قوله: "أرأيتكم" .
فقال بعض نحويي البصرة: "الكاف" التي بعد "التاء" من قوله: "أرأيتكم" إنما جاءت للمخاطبة، وتركت "التاء" مفتوحة = كما كانت للواحد. قال: وهي مثل "كاف" "رويدك زيدًا" ، إذا قلت: أرود زيدًا = هذه "الكاف" ليس لها موضع مسمى بحرف، لا رفع ولا نصب، وإنما هي في المخاطبة مثل كاف "ذاك" . ومثل ذلك قول العرب: "أبصرَك زيدًا" ، (1) يدخلون "الكاف" للمخاطبة.
* * *
وقال آخرون منهم: معنى: "أرأيتكم إن أتاكم" ، أرأيتم. قال: وهذه "الكاف" تدخل للمخاطبة مع التوكيد، و "التاء" وحدها هي الاسم، كما أدخلت "الكاف" التي تفرق بين الواحد والاثنين والجميع في المخاطبة، كقولهم: "هذا، وذاك، وتلك، وأولئك" ، فتدخل "الكاف" للمخاطبة، وليست باسم، و "التاء" هو الاسم للواحد والجميع، تركت على حال واحدة، ومثل ذلك قولهم:
(1)
في المطبوعة: "انصرك زيدًا" بالنون، والصواب بالباء كما سيأتي.

"ليسك ثَمَّ إلا زيد" ، يراد: ليس = و "لا سِيَّك زيد" ، فيراد: ولا سيما زيد = و "بلاك" فيراد، "بلى" في معنى: "نعم" = و "لبئسك رجلا ولنعمك رجلا" . وقالوا: "انظرك زيدًا ما أصنع به" = و "أبصرك ما أصنع به" ، بمعنى: أبصره. وحكى بعضهم: "أبصركُم ما أصنع به" ، يراد: أبصروا = و "انظركم زيدًا" ، أي انظروا. وحكي عن بعض بني كلاب: "أتعلمك كان أحد أشعرَ من ذي الرمة؟" فأدخل "الكاف" .
وقال بعض نحويي الكوفة: "أرأيتك عمرًا" أكثر الكلام فيه ترك الهمز. قال: و "الكاف" من "أرأيتك" في موضع نصب، كأن الأصل: أرأيت نفسك على غير هذه الحال؟ قال: فهذا يثني ويجمع ويؤنث، فيقال: "أرأيتما كما" و "أرأيتموكم" . و "وَأَرَأَيْتُنَّكُنَّ" ، (1) أوقع فعله على نفسه، وسأله عنها، ثم كثر به الكلام حتى تركوا "التاء" موحدة للتذكير والتأنيث والتثنية والجمع، فقالوا: "أرأيتكم زيدًا ما صنع" ، و "أرأيتكنّ ما صنع" ، فوحدوا التاء وثنوا الكاف وجمعوها، فجعلوها بدلا من "التاء" ، (2) كما قال: هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ [سورة الحاقة: 19] ، و "هاء يا رجل" ، و "هاؤما" ، ثم قالوا: "هاكم" ، اكتفى بالكاف والميم مما كان يثنى ويجمع. فكأن "الكاف" في موضع رفع، إذ كانت بدلا من "التاء" . وربما وحدت للتثنية والجمع والتذكير والتأنيث، وهي كقول القائل: "عليك زيدًا" ، "الكاف" في موضع خفض، والتأويل رفع. فأما ما يُجْلب فأكثر ما يقع على الأسماء، ثم تأتي بالاستفهام فيقال: "أرأيتك زيدًا هل قام" ، لأنها صارت بمعنى: أخبرني عن زيد، ثم بيَّن عما يستخبر. فهذا أكثر الكلام. ولم يأت
(1)
في المطبوعة فصل وكتب "أرأيتن كن" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو المطابق لما في معاني القرآن للفراء.

(2)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 333، 334.

الاستفهام يليها. (1) لم يقل: "أرأيتك هل قمت" ، لأنهم أرادوا أن يبيِّنوا عمن يسأل، ثم تُبيّن الحالة التي يسأل عنها. وربما جاء بالجزاء ولم يأت بالاسم، (2) فقالوا: "أرأيت إن أتيت زيدًا هل يأتينا" (3) = و "أرأيتك" أيضًا = و "أرأيتُ زيدًا إن أتيته هل يأتينا" ، إذا كانت بمعنى: "أخبرني" ، فيقال باللغات الثلاث.
* * *
قال أبو جعفر: وتأويل الكلام: قل، يا محمد، لهؤلاء العادلين بالله الأوثانَ والأصنامَ: أخبروني، إن جاءكم، أيها القوم، عذاب الله، كالذي جاء من قبلكم من الأمم الذين هلك بعضهم بالرجفة، وبعضهم بالصاعقة = أو جاءتكم الساعة التي تنشرون فيها من قبوركم، وتبعثون لموقف القيامة، أغير الله هناك تدعون لكشف ما نزل بكم من البلاء، أو إلى غيره من آلهتكم تفزعون لينجيكم مما نزل بكم من عظيم البلاء؟ = "إن كنتم صادقين" ، يقول: إن كنتم محقّين في دعواكم وزعمكم أنّ آلهتكم التي تدعونها من دون الله تنفع أو تضر.
* * *
القول في تأويل قوله: {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، مكذِّبًا لهؤلاء العادلين به الأوثان: ما أنتم، أيها المشركون بالله الآلهةَ والأندادَ، إن أتاكم عذابُ الله أو أتتكم الساعة،
(1)
في المطبوعة، مكان "يليها" "ثنيها" وهو خطأ، صوابه في المخطوطة.

(2)
في المطبوعة: "وربما جاء بالخبر" وهو خطأ، صوابه في المخطوطة، وإن كانت غير منقوطة ولا مهموزة. ومن أجل هذا التصرف، تصرف في عبارة أبي جعفر كما سترى في التعليق التالي.

(3)
في المطبوعة: "فقالوا: أرأيت زيدًا هل يأتينا" ، حذف "إن أتيت" لسوء تصرفه كما في التعليق السابق.

بمستجيرين بشيء غير الله في حال شدة الهول النازل بكم من آلهة ووثن وصنم، بل تدعون هناك ربّكم الذي خلقكم، وبه تستغيثون، وإليه تفزعون، دون كل شيء غيره = "فيكشف ما تدعون إليه" ، يقول: فيفرِّج عنكم عند استغاثتكم به وتضرعكم إليه، عظيم البلاء النازل بكم إن شاء أن يفرج ذلك عنكم، لأنه القادر على كل شيء، ومالك كل شيء، دون ما تدعونه إلهًا من الأوثان والأصنام = "وتنسون ما تشركون" ، يقول: وتنسون حين يأتيكم عذاب الله أو تأتيكم الساعة بأهوالها، ما تشركونه مع الله في عبادتكم إياه، فتجعلونه له ندًّا من وثن وَصنم، وغير ذلك مما تعبدونه من دونه وتدعونه إلهًا.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: = متوعدًا لهؤلاء العادلين به الأصنامَ = ومحذِّرَهم أن يسلك بهم إن هم تمادَوا في ضلالهم سبيلَ من سلك سبيلهم من الأمم قبلهم، في تعجيل الله عقوبته لهم في الدنيا = ومخبرًا نبيَّه عن سنته في الذين خلوا قبلهم من الأمم على منهاجهم في تكذيب الرسل =: "لقد أرسلنا" ، يا محمد، "إلى أمم" ، يعني: إلى جماعات وقرون (1) = "من قبلك فأخذناهم بالبأساء" ، يقول: فأمرناهم ونهيناهم، فكذبوا رسلنا، وخالفوا أمرنا ونهينا، فامتحناهم بالابتلاء = "بالبأساء" ، وهي شدة الفقر والضيق في المعيشة (2) = "والضراء" ، وهي
(1)
انظر تفسير "أمة" فيما سلف ص: 344، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "البأساء فيما سلف 3: 349 - 252/ 4: 288."

الأسقام والعلل العارضة في الأجسام. (1)
* * *
وقد بينا ذلك بشواهده ووجوه إعرابه في "سورة البقرة" ، بما أغني عن إعادته في هذا الموضع. (2)
* * *
وقوله: "لعلهم يتضرعون" يقول: فعلنا ذلك بهم ليتضرعوا إليّ، ويخلصوا لي العبادة، ويُفْردوا رغبتهم إليَّ دون غيري، بالتذلل منهم لي بالطاعة، والاستكانة منهم إليّ بالإنابة.
* * *
وفي الكلام محذوفٌ قد استغني بما دلّ عليه الظاهرمن إظهاره دون قوله: (3) "ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم" ، وإنما كان سبب أخذه إياهم، تكذيبهم الرسل وخلافهم أمرَه = لا إرسال الرسل إليهم. وإذ كان ذلك كذلك، فمعلوم أن معنى الكلام: "ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك" رسلا فكذبوهم، "فأخذناهم بالبأساء" .
* * *
و "التضرع" : هو "التفعل" من "الضراعة" ، وهي الذلة والاستكانة.
* * *
(1)
انظر تفسير "الضراء" فيما سلف 3: 349 - 352/4: 288/7: 214.

(2)
انظر المراجع كلها في التعليقين السالفين.

(3)
في المطبوعة: "بما دل عليه الظاهر عن إظهاره من قوله" ، غير ما في المخطوطة، وأثبت في المخطوطة بنصه، وإن كنت أخشى أن يكون سقط من الناسخ كلام.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #605  
قديم 15-07-2025, 02:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (605)
صــ 356 إلى صــ 365





القول في تأويل قوله: {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) }
قال أبو جعفر: وهذا أيضًا من الكلام الذي فيه متروك استغني بدلالة الظاهر عن ذكر ما تُرك. وذلك أنه تعالى ذكره أخبرَ عن الأمم التي كذّبت رسلها أنه أخذهم بالبأساء والضراء ليتضرعوا له، (1) ثم قال: "فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا" ، ولم يخبر عما كان منهم من الفعل عند أخذه إياهم بالبأساء والضراء. ومعنى الكلام: "ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون" ، فلم يتضرعوا، "فلولا إذا جاءهم بأسنا تضرعوا" .
ومعنى: "فلولا" ، في هذا الموضع، فهلا. (2) والعرب إذ أوْلَتْ "لولا" اسمًا مرفوعًا، جعلت ما بعدها خبرًا، وتلقتها بالأمر، (3) فقالت: "فلولا أخوك لزرتك" و "لولا أبوك لضربتك" ، وإذا أوْلتها فعلا أو لم تُولها اسمًا، جعلوها استفهامًا فقالوا: "لولا جئتنا فنكرمك" ، و "لولا زرت أخاك فنزورك" ، بمعنى: "هلا" ، كما قال تعالى ذكره: لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ [سورة المنافقون: 10] . وكذلك تفعل ب "لوما" مثل فعلها ب "لولا" . (4)
* * *
فتأويل الكلام إذًا: فهلا إذ جاء بأسنا هؤلاء الأمم المكذبة رسلَها، الذين لم يتضرعوا عند أخذِناهم بالبأساء والضراء = "تضرعوا" ، فاستكانوا لربهم، وخضعوا لطاعته، فيصرف ربهم عنهم بأسه، وهو عذابه.
* * *
(1)
في المطبوعة حذف "له" وهي في المخطوطة: "به" ، وهذا صواب قراءتها.

(2)
انظر تفسير "لولا" فيما سلف ص: 343، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(3)
في المطبوعة: "وتلتها" ، غير ما في المخطوطة وأفسد الكلام.

(4)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 334، 335.

وقد بينا معنى "البأس" في غير هذا الموضع، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (1)
* * *
= "ولكن قست قلوبهم" ، يقول: ولكن أقاموا على تكذيبهم رسلهم، وأصرُّوا على ذلك، واستكبروا عن أمر ربهم، استهانةً بعقاب الله، واستخفافًا بعذابه، وقساوةَ قلب منهم. (2) "وزين لهم الشيطانُ ما كانوا يعملون" ، يقول: وحسن لهم الشيطان ما كانوا يعملون من الأعمال التي يكرهها الله ويسخطها منهم.
* * *
القول في تأويل قوله: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "فلما نسوا ما ذكروا به" ، فلما تركوا العمل بما أمرناهم به على ألسن رسلنا، (3) كالذي:-
13226 - حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "فلما نسوا ما ذكروا به" ، يعني: تركوا ما ذكروا به.
13227 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن
(1)
انظر تفسير "البأس" فيما سلف 3: 354، 355/8: 580.

(2)
انظر تفسير "قسا" فيما سلف 2: 233 - 237/10: 126، 127.

(3)
انظر تفسير "النسيان" فيما سلف 2: 9، 473 - 480/5: 164/6: 132، 133 - 135/10: 129.

= وانظر تفسير "التذكير" فيما سلف 10: 130، تعليق 2، والمراجع هناك.
ابن جريج قوله: "نسوا ما ذكروا به" ، قال: ما دعاهم الله إليه ورسله، أبوْه وردُّوه عليهم.
* * *
= "فتحنا عليهم أبوابَ كل شيء" ، يقول: بدلنا مكان البأساء الرخاء والسعة في العيش، ومكان الضراء الصحة والسلامة في الأبدان والأجسام، استدراجًا منَّا لهم، كالذي:-
13228 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثني عيسى = وحدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل =، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: "فتحنا عليهم أبواب كل شيء" ، قال: رخاء الدنيا ويُسْرها، على القرون الأولى.
13229 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "فتحنا عليهم أبواب كل شيء" ، قال: يعني الرخاء وسعة الرزق.
13230 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط. عن السدي قوله: "فتحنا عليهم أبواب كل شيء" ، يقول: من الرزق.
* * *
فإن قال لنا قائل: وكيف قيل: "فتحنا عليهم أبوابَ كل شيء" ، وقد علمت أن بابَ الرحمة وباب التوبة [لم يفتحا لهم] ، لم تفتح لهم أبواب أخر غيرهما كثيرة؟ (1)
قيل: إن معنى ذلك على غير الوجه الذي ظننتَ من معناه، وإنما معنى ذلك: فتحنا عليهم، استدراجًا منا لهم، أبوابَ كل ما كنا سددنا عليهم بابه، عند أخذنا إياهم بالبأساء والضراء ليتضرعوا، إذ لم يتضرعوا وتركوا أمر الله تعالى
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "أن باب الرحمة وباب التوبة لم يفتح لهم وأبواب أخر غيره كثيرة" إلا أن المخطوطة ليس فيها إلا "أبواب أخر" بغير واو، ورجحت أنه سقط من الكلام ما أثبته، وأن صوابه ما صححت من ضمائره.

ذكره، لأنّ آخر هذا الكلام مردودٌ على أوله. وذلك كما قال تعالى ذكره في موضع آخر من كتابه: وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ، [سورة الأعراف: 94-95] ، ففتح الله على القوم الذين ذكر في هذه الآية [أنهم نسوا ما] ذكرهم، (1) بقوله: "فلما نسوا ما ذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء" ، هو تبديله لهم مكانَ السيئة التي كانوا فيها في حال امتحانه إياهم، من ضيق العيش إلى الرخاء والسعة، ومن الضر في الأجسام إلى الصحة والعافية، وهو "فتح أبواب كل شيء" كان أغلق بابه عليهم، مما جرى ذكره قبل قوله: "فتحنا عليهم أبواب كل شيء" ، فردّ قوله: "فتحنا عليهم أبواب كل شيء" ، عليه.
* * *
ويعني تعالى بقوله: "حتى إذا فرحوا بما أتوا" ، يقول: حتى إذا فرح هؤلاء المكذّبون رسلهم بفتحنا عليهم أبوابَ السَّعة في المعيشة، والصحة في الأجسام، كالذي:-
13231 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "حتى إذا فرحوا بما أوتوا" ، من الرزق.
13232 - حدثنا الحارث قال، حدثنا القاسم بن سلام قال، سمعت عبد الرحمن بن مهدي يحدّث، عن حماد بن زيد قال: كان رجل يقول: رَحم الله رجلا تلا هذه الآية، ثم فكر فيها ماذا أريد بها: "حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة" .
13233 - حدثني الحارث قال، حدثنا القاسم قال، حدثنا ابن أبي رجاء رجل من أهل الشعر، عن عبد الله بن المبارك، عن محمد بن النضر الحارثي في
(1)
هذه الزيادة بين القوسين، يقتضيها السياق.

قوله: "أخذناهم بغتة" ، قال: أُمهلوا عشرين سنة. (1)
* * *
ويعني تعالى ذكره بقوله: "أخذناهم بغتة" ، أتيناهم بالعذاب فجأة، وهم غارُّون لا يشعرون أن ذلك كائن، ولا هو بهم حالٌّ، (2) كما:-
13234 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: "حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة" ، قال: أعجبَ ما كانت إليهم، وأغَرَّها لهم. (3)
13235 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي "أخذناهم بغتة" ، يقول: أخذهم العذابُ بغتةً.
13236 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "أخذناهم بغتة" ، قال: فجأة آمنين.
* * *
وأما قوله: "فإذا هم مبلسون" ، فإنهم هالكون، منقطعة حججهم، نادمون على ما سلف منهم من تكذيبهم رسلَهم، كالذي:-
13237- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال:
(1)
الأثر: 13233 - "ابن أبي رجاء" ، لم أعرفه، وكان في المطبوعة: "من أهل الثغر" ، وحذف "رجل" ، وأثبت ما في المخطوطة. و "محمد بن النضر الحارثي" ، أبو عبد الرحمن العابد، مترجم في الكبير1/1/252، وابن أبي حاتم 4/1/110، وحلية الأولياء 8: 217، وصفة الصفوة 3: 93. وهذا الخبر رواه أبو نعيم في الحلية 8: 220 من طريق أبي بكر بن مالك، عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أحمد بن إبراهيم، عن محمد بن منبه، ابن أخت ابن المبارك، عن عبد الله بن المبارك.

فأخشى أن يكون "ابن أبي رجاء" هو "محمد بن منبه" ابن أخت بن المبارك. وعسى أن توجد ترجمته "محمد بن منبه" ، فيعرف منها ما نجهل، ويصحح ما في المخطوطة أهو "رجل من أهل الشعر" ، أم "من أهل الثغر" ، كما في المطبوعة.
(2)
انظر تفسير "بغتة" فيما سلف ص: 325.

(3)
في المطبوعة: "وأعزها لهم" (بالعين والزاي) والصواب "أغرها" ، من "الغرور" و "الغرة" (بالغين والراء المهملة) .

حدثنا أسباط، عن السدي: "فإذا هم مبلسون" ، قال: فإذا هم مهلكون، متغيِّر حالهم.
13238 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا شيخ، عن مجاهد: "فإذا هم مبلسون" ، قال: الاكتئاب. (1)
13239 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: "فإذا هم مبلسون" ، قال: "المبلس" الذي قد نزل به الشرّ الذي لا يدفعه. والمبلس أشد من المستكين، وقرأ: فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ، [سورة المؤمنون: 76] . وكان أول مرة فيه معاتبة وبقيّة. (2) وقرأ قول الله: "أخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون" = "فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا" ، حتى بلغ "وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون" ، ثم جاء أمرٌ ليس فيه بقية. (3) وقرأ: "حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون" ، فجاء أمر ليس فيه بقية. وكان الأوّل، لو أنهم تضرعوا كُشف عنهم.
13240 - حدثني سعيد بن عمرو السكوني قال، حدثنا بقية بن الوليد، عن أبي شريح ضبارة بن مالك، عن أبي الصلت، عن حرملة أبي عبد الرحمن، عن عقبة بن مسلم، عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيت الله يعطي عبدَه في دنياه، إنما هو استدراج. ثم تلا هذه الآية: "فلما نسوا ما ذكِّروا به" إلى قوله: "والحمد لله رب العالمين" . (4)
13241- وحدثت بهذا الحديث عن محمد بن حرب، عن ابن لهيعة، عن عقبة
(1)
في المطبوعة: "فإذا هم مبلسون قال: فإذا هم مهلكون" ، لا أدري من أين جاء بهذا. والذي في المخطوطة هو ما أثبت، إلا أنه غير منقوط، فرجحت قراءته كما أثبته. وسيأتي أن معنى "الإبلاس" ، الحزن والندم.

(2)
في المطبوعة: "معاتبة وتقية" ، ولا معنى لذلك هنا، وفي المخطوطة: "ولقية" وصواب قراءتها ما أثبت. و "البقية" ، الإبقاء عليهم.

(3)
في المخطوطة والمطبوعة هنا في الموضعين: تقية "، وهو خطأ، انظر التعليق السالف."

(4)
الأثران: 13240، 13241 - "سعيد بن عمرو السكوني" ، مضى برقم: 5563، 6521. و "بقية بن الوليد الحمصي" ، مضى مرارًا، أولها رقم: 152، وآخرها: 9224. وهو ثقة، ولكنهم نعوا عليه التدليس. و "ضبارة بن مالك" نسب إلى جده هو "ضبارة بن عبد الله بن مالك بن أبي السليك الحضري الألهاني" ، "أبو شريح الحمصي" ، ويقال أيضًا "ضبارة بن أبي السليك" ، ذكره ابن حبان في الثقات وقال: "يعتبر حديثه من رواية الثقات عنه" . وذكره ابن عدي في الكامل وساق له ستة أحاديث مناكير. مترجم في التهذيب، والكبير 2/2/343، وابن أبي حاتم 2/1/471. و "أبو الصلت" ، مذكور في ترجمة "ضبارة" في التهذيب، وموصوف بأنه "الشامي" ، ولم أجد له ذكرًا فيما بين يدي من كتب التراجم. وأما "حرملة، أبو عبد الرحمن" ، فهذا مشكل، فإن "حرملة بن عمران بن قراد التجيبي المصري" ، كنيته "أبو حفص" ، لم أجد له كنية غيرها. ولا أستخير أن يكون ذلك خطأ من ناسخ، فأخشى أن تكون "أبو عبد الرحمن" ، كنية أخرى له. وهو ثقة، كان من أولى الألباب. مترجم في التهذيب، والكبير 2/1/64، وابن أبي حاتم 1/2/273.و "عقبة بن مسلم التجيبي المصري" ، إمام المسجد العتيق، مصري تابعي ثقة. مترجم في التهذيب. و "عقبة بن عامر الجهني" ، قديم الهجرة والسابقة والصحبة. وكان عالمًا فقهيًا فصيح اللسان، شاعرًا، كاتبًا، وهو أحد من جمع القرآن. وهذا الخبر سيرويه أبو جعفر بعد من طريق ابن لهيعة، عن عقبة بن مسلم، ورواه أحمد في مسنده 4: 145، من طريق يحيى بن غيلان، عن رشدين بن سعد، عن حرملة بن عمران، عن عقبة بن مسلم، عن عقبة بن عامر، بمثله. وخرجه الهيثمي في مجمع الزاوئد 7: 20، ونسبه لأحمد والطبراني، ولم يذكر في إسناده شيئًا من صحة أو ضعف. وذكره ابن كثير في تفسيره 3: 311 من رواية أحمد، وأشار إلى طريق ابن جرير، وابن أبي حاتم. وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 12، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم، وابن المنذر، وأبي الشيخ، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب.




بن مسلم، عن عقبة بن عامر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وإذا رأيت الله تعالى ذكره يعطي العبادَ ما يسألون على معاصيهم إياه، فإنما ذلك استدراج منه لهم! ثم تلا "فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء" الآية.
* * *
وأصل "الإبلاس" في كلام العرب، عند بعضهم: الحزن على الشيء والندم عليه = وعند بعضهم: انقطاع الحجة، والسكوت عند انقطاع الحجة = وعند
بعضهم: الخشوع = وقالوا: هو المخذول المتروك، ومنه قول العجاج:
يَا صَاحِ هَلْ تَعْرِفُ رَسْمًا مُكْرَسَا ? ... قَالَ: نَعَمْ! أَعْرِفُه! وَأَبْلَسَا (1)
فتأويل قوله: "وأبلسا" ، عند الذين زعموا أن "الإبلاس" ، انقطاع الحجة والسكوت عنده، بمعنى: أنه لم يُحِرْ جوابًا. (2)
وتأوَّله الآخرون بمعنى الخشوع، وترك أهله إياه مقيمًا بمكانه.
والآخرون بمعنى الحزن والندم.
يقال منه: "أبلس الرجل إبلاسًا" ، ومنه قيل: لإبليس "إبليس" . (3)
* * *
(1)
مضى البيت وتخريجه وتفسيره فيما سلف 1: 509، ولم أشر هناك إلى مجيئه في التفسير في هذا الموضع ثم في 21: 18 (بولاق) ، وأزيد أنه في مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 192، ومعاني القرآن للفراء 1: 335.

(2)
هو الفراء في معاني القرآن 1: 335.

(3)
انظر ما قاله أبو جعفر في تفسير "إبليس" فيما سلف 1: 509، 510.

القول في تأويل قوله: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "فقطع دابر القوم الذين ظلموا" ، فاستؤصل القوم الذين عَتَوا على ربهم، وكذّبوا رسله، وخالفوا أمره، عن آخرهم، فلم يترك منهم أحد إلا أهلك بغتةً إذ جاءهم عذاب الله.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13242 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال،
حدثنا أسباط، عن السدي: "فقطع دابر القوم الذين ظلموا" ، يقول: قُطع أصل الذين ظلموا.
13243 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "فقطع دابر القوم الذين ظلموا" ، قال: استؤصلوا.
* * *
و "دابر القوم" ، الذي يدبرُهم، وهو الذي يكون في أدبارهم وآخرهم. يقال في الكلام: "قد دَبَر القومَ فلانٌ يدبُرُهم دَبْرًا ودبورًا" ، إذا كان آخرهم، ومنه قول أمية:
فَاُهْلِكُوا بِعَذَابٍ حَصَّ دَابِرَهُمْ ... فَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ صَرْفًا وَلا انْتَصَرُوا (1)
* * *
= "والحمد لله رب العالمين" ، يقول: والثناء الكامل والشكر التام = "لله رب العالمين" ، على إنعامه على رسله وأهل طاعته، (2) بإظهار حججهم على من خالفهم من أهل الكفر، وتحقيق عِدَاتِهم ما وَعدوهم على كفرهم بالله وتكذيبهم رسله (3) = من نقم الله وعاجل عذابه. (4)
* * *
(1)
ديوانه: 32، من أبيات يحكى فيها صفة الموقف في يوم الحشر. يقال: "حص الشعر" ، إذا حلقه، لم يبق منه شيئًا.

(2)
انظر تفسير "الحمد" ، و "رب العالمين" فيما سلف في سورة الفاتحة.

(3)
في المطبوعة: "وتحقيق عدتهم ما وعدهم" ، وفي المخطوطة: "عداتهم ما وعدوهم" ، وصواب قراءة ذلك كله ما أثبته.

(4)
السياق: ". . . ما وعدوهم. . . من نقم الله وعاجل عذابه" .

القول في تأويل قوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء العادلين بي الأوثانَ والأصنامَ، المكذبين بك: أرأيتم، أيها المشركون بالله غيرَه، إن أصمَّكم الله فذهب بأسماعكم، وأعماكم فذهب بأبصاركم، وختم على قلوبكم فطبع عليها، حتى لا تفقهوا قولا ولا تبصروا حجة، ولا تفهموا مفهومًا، (1) أيّ إله غير الله الذي له عبادة كل عابد = "يأتيكم به" ، يقول: يرد عليكم ما ذهب الله به منكم من الأسماع والأبصار والأفهام، فتعبدوه أو تشركوه في عبادة ربكم الذي يقدر على ذهابه بذلك منكم، وعلى ردّه عليكم إذا شاء؟
وهذا من الله تعالى ذكره، تعليم نبيَّه الحجة على المشركين به، يقول له: قل لهم: إن الذين تعبدونهم من دون الله لا يملكون لكم ضرًّا ولا نفعًا، وإنما يستحق العبادةَ عليكم من كان بيده الضر والنفع، والقبض والبسط، القادرُ على كل ما أراد، لا العاجز الذي لا يقدر على شيء.
ثم قال تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "انظر كيف نصرف الآيات" ، يقول: انظر كيف نتابع عليهم الحجج، ونضرب لهم الأمثال والعبر، ليعتبروا ويذكروا فينيبوا، (2) = "ثم هم يصدفون" ، يقول: ثم هم مع متابعتنا عليهم الحجج، وتنبيهنا إياهم بالعبر، عن الادّكار والاعتبار يُعْرضون.
* * *
(1)
انظر تفسير "الختم على القلب" فيما سلف 1: 258 262.

(2)
انظر تفسير "التصريف" فيما سلف 3: 275، 276.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #606  
قديم 15-07-2025, 02:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (606)
صــ 366 إلى صــ 375





يقال منه: "صدف فلانٌ عني بوجهه، فهو يصدِفُ صُدوفًا وصَدفًا" ، أي: عدل وأعرض، ومنه قول ابن الرقاع:
إِذَا ذَكَرْنَ حَدِيثًا قُلْنَ أَحْسَنَهُ، ... وَهُنَّ عَنْ كُلِّ سُوءٍ يُتَّقَى صُدُفُ (1)
وقال لبيد:
يُرْوِي قَوامِحَ قَبْلَ اللَّيْلِ صَادِفَةً ... أَشْبَاهَ جِنّ، عَلَيْهَا الرَّيْطُ وَالأزُرُ (2)
فإن قال قائل: وكيف قيل: "من إله غير الله يأتيكم به" ، فوحّد "الهاء" ،
(1)
لم أجد البيت، ولم أعرف مكان القصيدة.

(2)
ديوانه، القصيدة رقم: 12، البيت: 22. وهذا البيت من أبيات أحسن فيها الثناء على نفسه، وقبله: ولا أقُولُ إذا ما أزْمَةٌ أزَمَتْ ... يَا وَيْحَ نَفْسِيَ مَمَّا أَحْدَثَ القَدَرُ

ولا أضِلُّ بأَصْحَابٍ هَدَيْتُهُمُ ... إذَا المُعَبَّدُ في الظَّلْمَاء يَنْتَشِرُ
وأُرْبِحُ التَّجْرَ، إنْ عَزَّتْ فِضَالُهُمُ ... حَتَّى يَعُودَ سَلِيمًا حَوْلَهُ نَفَرُ
غَرْبُ المَصَبَّةِ، مَحْمُودٌ مَصَارِعُهُ ... لاَهِي النَّهَارِ، أسِيرُ الليل، مُحْتَقِرُ
يُرْوى قَوَامحَ. . . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ولا أضِلُّ بأَصْحَابٍ هَدَيْتُهُمُ ... إذَا المُعَبَّدُ في الظَّلْمَاء يَنْتَشِرُ
وأُرْبِحُ التَّجْرَ، إنْ عَزَّتْ فِضَالُهُمُ ... حَتَّى يَعُودَ سَلِيمًا حَوْلَهُ نَفَرُ
إِنْ يُتْلِفُوا يُخْلِفُوا فِي كُلِّ مَنْفَضَةٍ ... مَا أَتْلَفُوا لاِبْتِغَاءِ الحَمْدِ أوْ عَقَرُوا
"المعبد" : الطريق الموطوء، يقول: إذا انتشر الطريق المعبد، فصار طرقًا مختلفة، اهتديت إلى قصده ولزمته، فلم أضل. و "التجر" باعة الخمر، و "الفضال" بقايا الخمر في الباطية والدن. و "عزت" : قلت وغلت. يقول: اشتري الخمر بالثمن الغالي إذا عزت، ثم أسقي أصحابي حتى يصرعوا حول الزق، كأنهم يعودون سليما ملدوغًا. وقوله: "غرب المصبة" ، يصف "الزق" ، يقول: يكثر ما يصبه من خمر، وإذا صرع شاربًا، كانت صرعته محمودة الأثر، محمودة العاقبة. وقوله: "لاهي النهار" ، يعني أنه لا يمس بها، فإذا جاء الليل أخذوه كالأسير بينهم، ومحتقر، لأنه يدفع من هنا ومن هنا. وقوله: "يروى قوامح" ، يعني الزق، يبلغ بهم الري، و "القوامح" : التي كرهت الشراب وعافته. يقول: كانوا يكرهون الشراب نهارًا فيصدفون عنه، فإذا أقبل الليل أقبل على أشباه جن من النشاط والإقبال، عليهم الريط والأزر، يعني أنهم أهل ترف ونعمة إذا جاء الليل، وسمروا، وشربوا.
وقد مضى الذكر قبلُ بالجمع فقال: "أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأنصاركم وختم على قلوبكم" ؟
قيل: جائز أن تكون "الهاء" عائدة على "السمع" ، فتكون موحّدة لتوحيد "السمع" = وجائز أن تكون معنيًّا بها: من إله غير الله يأتيكم بما أخذ منكم من السمع والأبصار والأفئدة، فتكون موحده لتوحيد "ما" . والعرب تفعل ذلك، إذا كنتْ عن الأفعال وحّدت الكناية، وإن كثر ما يكنى بها عنه من الأفاعيل، كقولهم: "إقبالك وإدبارك يعجبني" . (1)
* * *
وقد قيل: إن "الهاء" التي في "به" كناية عن "الهدى" . (2)
* * *
وبنحو ما قلنا في تأويل قوله: "يصدفون" ، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13244- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: "يصدفون" ، قال: يعرضون.
13245- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
13246 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "يصدفون" ، قال: يعدلون.
13247 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "نصرف الآيات ثم هم يصدفون" ، قال: يعرضون عنها.
(1)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 335.

(2)
وهذا أيضًا ذكره الفراء في معاني القرآن 1: 335.

13248 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ثم هم يصدفون" ، قال: يصدُّون.
* * *
القول في تأويل قوله: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم الأوثانَ، المكذبين بأنك لي رسول إليهم: أخبروني (1) = "إن أتاكم عذاب الله" ، وعقابه على ما تشركون به من الأوثان والأنداد، وتكذيبكم إيايَ بعد الذي قد عاينتم من البرهان على حقيقة قولي = "بغتة" ، يقول: فجأة على غرة لا تشعرون (2) = "أو جهرة" ، يقول: أو أتاكم عذاب الله وأنتم تعاينونه وتنظرون إليه = "هل يهلك إلا القوم الظالمون" ، يقول: هل يهلك الله منا ومنكم إلا من كان يعبد غير من يستحق علينا العبادة، وترك عبادة من يستحق علينا العبادة؟
وقد بينا معنى "الجهرة" في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته، وأنها من "الإجهار" ، وهو إظهار الشيء للعين، (3) كما:-
13249 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "جهرة" ، قال: وهم ينظرون.
13250- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
(1)
انظر تفسير "أرأيتكم" فيما سلف قريبًا ص: 351 353.

(2)
انظر تفسير "بغتة" فيما سلف: 325، 360.

(3)
انظر تفسير "الجهرة" فيما سلف 2: 80/9: 358.

ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة" ، فجأة آمنين = "أو جهرة" ، وهم ينظرون.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (48) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وما نرسل رسلنا إلا ببشارة أهل الطاعة لنا بالجنة والفوز المبين يوم القيامة، جزاءً منَّا لهم على طاعتنا (1) = وبإنذار من عصَانا وخالف أمرنا، عقوبتنا إياه على معصيتنا يوم القيامة، جزاءً منا على معصيتنا، لنعذر إليه فيهلك إن هلك عن بينة (2) = "فمن آمن وأصلح" ، يقول: فمن صدَّق من أرسلنا إليه من رسلنا إنذارهم إياه، وقبل منهم ما جاؤوه به من عند الله، وعمل صالحًا في الدنيا = "فلا خوف عليهم" ، عند قدومهم على ربهم، من عقابه وعذابه الذي أعدَّه الله لأعدائه وأهل معاصيه = "ولا هم يحزنون" ، عند ذلك على ما خلَّفوا وراءَهم في الدنيا. (3)
* * *
(1)
انظر تفسير "التبشير" فيما سلف 9: 318، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "النذير" فيما سلف 10: 158.

(3)
انظر تفسير نظيرة هذه الآية فيما سلف 1: 551/2: 150، 512، 513/5: 519/7: 396.

القول في تأويل قوله: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (49) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وأما الذين كذَّبوا بمن أرسلنا إليه من رسلنا، وخالفوا أمرنا ونهينا، ودافعوا حجتنا، فإنهم يباشرهم عذابُنا وعقابنا، على تكذيبهم ما كذبوا به من حججنا (1) = "بما كانوا يفسقون" ، يقول: بما كانوا يكذّبون.
* * *
وكان ابن زيد يقول: كل "فسق" في القرآن، فمعناه الكذب. (2)
13251 - حدثني بذلك يونس قال، أخبرنا ابن وهب، عنه. (3)
* * *
(1)
انظر تفسير "المس" فيما سلف ص: 287، تعليق: 1؛ والمراجع هناك.

(2)
انظر ما سلف قريبًا ص: 206، تعليق: 2، والمراجع هناك. وانظر أيضًا الأثران رقم: 12103، 12983.

(3)
عند هذا الموضع، انتهى جزء من التقسيم القديم الذي نقلت عنه نسختنا، وفيها ما نصه:

"يتلوه القولُ في تأويل قوله {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ الله وَلا أَعْلَمُ الغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إنِّي مَلَكٌ إنْ أَتَّبِعُ إلا مَا يُوحَى إليِّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى والبَصِيرُ أفَلا تتفكَّرُون} وَصَلَّى الله على محمد النبي وآله وسلم كثيرًا" ثم يتلوه ما نصه: "بِسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحِيم رَبِّ أَعِنْ"
القول في تأويل قوله: {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ (50) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قل لهؤلاء المنكرين نبوّتك: لستُ أقول لكم إنّي الرب الذي له خزائنُ السماوات والأرض، وأعلم غيوب الأشياء الخفية التي لا يعلمها إلا الرب الذي لا يخفى عليه شيء، (1) فتكذبوني فيما أقول من ذلك، لأنه لا ينبغي أن يكون ربًّا إلا من له ملك كل شيء، وبيده كل شيء، ومن لا يخفى عليه خافية، وذلك هو الله الذي لا إله غيره = "ولا أقول لكم إني ملك" ، لأنه لا ينبغي لملك أن يكون ظاهرًا بصورته لأبصار البشر في الدنيا، فتجحدوا ما أقول لكم من ذلك (2) = "إن أتبع إلا ما يوحى إليّ" ، يقول: قل لهم: ما أتبع فيما أقول لكم وأدعوكم إليه، إلا وحي الله الذي يوحيه إليّ، وتنزيله الذي ينزله عليّ، (3) فأمضي لوحيه وأئتمر لأمره، (4) وقد أتيتكم بالحجج القاطعة من الله عذركم على صحة قولي في ذلك، وليس الذي أقول من ذلك بمنكر في عقولكم ولا مستحيل كونه، بل ذلك مع وجود البرهان على حقيقته هو الحكمة البالغة، فما وجه إنكاركم ذلك؟
وذلك تنبيه من الله تعالى نبيَّه صلى الله عليه وسلم على موضع حُجته على منكري نبوّته من مشركي قومه.
= "قل هل يستوي الأعمى والبصير" ، يقول تعالى ذكره: قل، يا محمد،
(1)
انظر تفسير "الغيب" فيما سلف: 238، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "ملك" فيما سلف 1: 444 - 447/4: 262، 263.

(3)
انظر تفسير "الوحي" فيما سلف: 290، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(4)
في المطبوعة: "وأمر لأمره" ، والصواب من المخطوطة، ولم يحسن قراءتها.

لهم: هل يستوي الأعمى عن الحق، والبصير به = "والأعمى" ، هو الكافر الذي قد عَمى عن حجج الله فلا يتبيَّنها فيتبعها = "والبصير" ، المؤمن الذي قد أبصرَ آيات الله وحججه، فاقتدى بها واستضاء بضيائها (1) = "أفلا تتفكرون" ، يقول لهؤلاء الذين كذبوا بآيات الله: أفلا تتفكرون فيما أحتجّ عليكم به، أيها القوم، من هذه الحجج، فتعلموا صحة ما أقول وأدعوكم إليه، من فساد ما أنتم عليه مقيمون من إشراك الأوثان والأنداد بالله ربّكم، وتكذيبكم إياي مع ظهور حجج صدقي لأعينكم، فتدعوا ما أنتم عليه من الكفر مقيمون، إلى ما أدعوكم إليه من الإيمان الذي به تفوزون؟ (2)
* * *
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال جماعة من أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13252 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: "قل هل يستوي الأعمى والبصير" ، قال: الضال والمهتدي.
13253-حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
13254 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله: "قل هل يستوي الأعمى والبصير" ، الآية، قال: "الأعمى" ، الكافر الذي قد عمي عن حق الله وأمره ونعمه عليه = و "البصير" ، العبد المؤمن الذي أبصر بصرًا نافعًا، فوحّد الله وحده، وعمل بطاعة ربه، وانتفع بما آتاه الله.
* * *
(1)
انظر تفسير "الأعمى" و "البصير" فيما سلف من فهارس اللغة (عمى) ، و (بصر) .

(2)
في المخطوطة: "تعودون" ، والجيد ما في المطبوعة.

القول في تأويل قوله: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وأنذر، يا محمد، بالقرآن الذي أنزلناه إليك، القومَ الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم، علمًا منهم بأن ذلك كائن، فهم مصدقون بوعد الله ووعيده، عاملون بما يرضي الله، دائبون في السعي، (1) فيما ينقذهم في معادهم من عذاب الله (2)
= "ليس لهم من دونه وليّ" ، أي ليس لهم من عذاب الله إن عذبهم =، "وليّ" ، ينصرهم فيستنقذهم منه، (3) = "ولا شفيع" ، يشفع لهم عند الله تعالى ذكره فيخلصهم من عقابه (4) = "لعلهم يتقون" ، يقول: أنذرهم كي يتقوا الله في أنفسهم، فيطيعوا ربهم، ويعملوا لمعادهم، ويحذروا سَخطه باجتناب معاصيه.
* * *
وقيل: "وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا" ، ومعناه: يعلمون أنهم يحشرون، فوضعت "المخافة" موضع "العلم" ، (5) لأنّ خوفهم كان من أجل علمهم بوقوع ذلك ووجوده من غير شك منهم في ذلك. (6)
* * *
(1)
في المطبوعة: "دائمون في السعي" ، والصواب ما في المخطوطة.

(2)
انظر تفسير "الإنذار" فيما سلف: 290، 369.

= وتفسير "الحشر" فيما سلف ص: 346 - 349، تعليق: 1، والمراجع هناك.
(3)
انظر تفسير "ولى" فيما سلف من فهارس اللغة (ولى) .

(4)
انظر تفسير "شفيع" فيما سلف 8: 580، تعليق: 3، والمراجع هناك.

(5)
انظر تفسير "الخوف" فيما سلف 4: 550/8: 298، 299، 318/9: 123، 267.

(6)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 336.

وهذا أمرٌ من الله تعالى ذكره نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم بتعليم أصحابه ما أنزل الله إليه من وحيه، وتذكيرهم، والإقبال عليهم بالإنذار = وصدَّ عنه المشركون به، (1) بعد الإعذار إليهم، وبعد إقامة الحجة عليهم، حتى يكون الله هو الحاكم في أمرهم بما يشاء من الحكم فيهم.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52) }
قال أبو جعفر: ذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، في سبب جماعة من ضعفاء المسلمين، قال المشركون له: لو طردت هؤلاء عنك لغشيناك وحضرنا مجلسك!
* ذكر الرواية بذلك:
13255 - حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا أبو زبيد، عن أشعث، عن كردوس الثعلبي، عن ابن مسعود قال: مرّ الملأ من قريش بالنبيّ صلى الله عليه وسلم، وعنده صهيب وعمار وبلال وخبّاب، ونحوهم من ضعفاء المسلمين، فقالوا: يا محمد، أرضيت بهؤلاء من قومك؟ هؤلاء الذين منّ الله عليهم من بيننا؟ أنحن نكون تبعًا لهؤلاء؟ اطردهم عنك! فلعلك إن طردتهم أن نتّبعك! فنزلت
(1)
في المطبوعة: "وصده عن المشركين به" ، غير ما في المخطوطة فأفسد الكلام إفسادًا لا يحل.

هذه الآية: "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه" = "وكذلك فتنا بعضهم ببعض" ، إلى آخر الآية. (1)
13256-حدثنا جرير، عن أشعث، عن كردوس الثعلبي، عن عبد الله قال: مرّ الملأ من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر نحوه. (2)
13257 - حدثني أبو السائب قال، حدثنا حفص بن غياث، عن أشعث، عن كردوس، عن ابن عباس قال: مرّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ملأ من قريش، ثم ذكر نحوه. (3)
(1)
الأثر: 13255 - "أبو زبيد" هو: "عبثر بن القاسم الزبيدي" ، ثقة، مضى برقم: 12336، 12402، وكان في المطبوعة "أبو زيد" خالف المخطوطة وأخطأ. و "أشعث" ، هو "أشعث بن سوار" ، ثقة، مضى مرارًا و "كردوس الثعلبي" ، هو "كردوس بن العباس الثعلبي" ، تابعي ثقة، مترجم في التهذيب، والكبير 4/1/242، 243، وابن أبي حاتم 3/2/175، وفيها الاختلاف في اسم أبيه، وفي نسبته "التغلبي" بالتاء والغين، و "الثعلبي" ، كما جاءت في رواية أبي جعفر.

وهذا الخبر رواه أبو جعفر بثلاثة أسانيد، هذا واللذان يليانه. . . وأخرجه أحمد في مسنده رقم: 3985، من طريق أسباط، عن أشعث، عن كردوس، عن ابن مسعود، بمثله مختصرًا وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد، وقال: "رواه أحمد والطبراني = وذكر زيادة الطبراني، وهي موافقة لما في التفسير = ورجال أحمد رجال الصحيح، غير كردوس، وهو ثقة" . وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 12، وزاد نسبته لابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، وابن مردويه، وأبي نعيم في الحلية.
(2)
الأثر: 13256 - وضعت نقطًا في صدر هذا الإسناد، فإن أبا جعفر لا يدرك أن يروي عن "جرير بن عبد الحميد الضبي" ، وإنما يروى عنه شيوخه، مثل "محمد بن حميد الرازي" ، كما في الأثر رقم: 10، وغيره.

(3)
الأثر: 13257 - في المطبوعة والمخطوطة: "عن كردس، عن ابن عباس" وهو خطأ لا شك فيه، فإن هذا الخبر لم يرو عن غير ابن مسعود، وكردوس لم يذكر أنه روى عن ابن عباس، والخبر لم ينسبه أحد في الكتب إلى غير عبد الله بن مسعود، وكردوس، هو "كردوس بن عباس الثعلبي" كما سلف في التعليق رقم: 13255، وفي المخطوطة كتب "عن" بين "كردوس بن عباس" ، من فوق، فكأنه زيادة من الناسخ. وهذا الخبر رواه أبو جعفر، غير مرفوع إلى عبد الله بن مسعود، فلا أدري أوهم الناسخ وأسقط، أم هكذا الرواية.

13258 - حدثني الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي قال




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #607  
قديم 15-07-2025, 02:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (607)
صــ 376 إلى صــ 385





13258 - حدثني الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي قال، حدثنا أبي قال، حدثنا أسباط، عن السدي، عن أبي سعد الأزدي = وكان قارئ الأزد =، عن أبي الكنود، عن خبّاب، في قول الله تعالى ذكره: "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه" إلى قوله: "فتكون من الظالمين" ، قال: جاء الأقرع بن حابس التميمي، وعيينة بن حصن الفزاريّ، فوجدوا النبيّ صلى الله عليه وسلم قاعدًا مع بلال وصهيب وعمار وخباب، في أناس من الضعفاء من المؤمنين. (1) فلما رأوهم حوله حَقَروهم، فأتوه فقالوا: إنا نحب أن تجعل لنا منك مجلسًا تعرف لنا العرب به فضلَنا، فإنّ وفود العرب تأتيك فنستحيي أن ترانا العرب مع هؤلاء الأعبُد، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا، فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت! قال: نعم! قالوا: فاكتب لنا عليك بذلك كتابًا. قال: فدعا بالصحيفة، ودعا عليًّا ليكتب. قال: ونحن قعود في ناحية، إذ نزل جبريل بهذه الآية: "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ يردون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين" ، ثم قال: "وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين" ، ثم قال: "وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة" ، فألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيفةَ من يده، ثم دعانا فأتيناه وهو يقول: "سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة" ! فكنا نقعد معه، فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا، فأنزل الله تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، [سورة الكهف: 28] . قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقعد معنا بعد،
(1)
في المطبوعة: "من ضعفاء المؤمنين" ، غير ما في المخطوطة.

فإذا بلغ الساعة التي يقوم فيها، قمنا وتركناه حتى يقوم. (1)
13259- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي، عن أبي سعيد الأزدي، عن أبي الكنود، عن خباب بن الأرت = بنحو حديث الحسين بن عمرو، إلا أنه قال في حديثه: فلما رأوهم حوله نفّروهم، فأتوه فخلَوا به. وقال أيضًا: "فتكون من الظالمين" ، ثم ذكر الأقرع وصاحبه فقال: "وكذلك فتنا بعضهم ببعض" الآية. وقال أيضًا: فدعانا فأتيناه وهو يقول: "سلام عليكم" ، فدنونا منه يومئذ حتى وَضعنا ركبنا على ركبتيه = وسائر الحديث نحوه. (2)
(1)
الأثر: 13258 - "الحسن بن عمرو بن محمد العنقري" ، ضعيف لين، مضى برقم: 1625، 1883، 6139، 8035. وأبوه "عمرو بن محمد العنقري" ، ثقة جائز الحديث، مضى برقم: 6139. و "أسباط" ، هو "أسباط بن نصر الهمداني" ، ضعفه أحمد، ورجح أخي توثيقه، كما مضى في التعليق على الأثر رقم: 168. وأما "السدي" ، فهو "إسمعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي" ، وهو ثقة، مضى أيضًا برقم: 168. و "أبو سعيد الأزدي" ، قارئ الأزد، فهو "أبو سعد الأرحبي" ، أو "أبو سعيد الأرحبي" ، كما سيأتي في الأثر التالي، ذكره ابن حبان في الثقات، مضى برقم: 8700، وكان في المطبوعة هنا "أبو سعيد" ، وأثبت ما في المخطوطة. و "أبو الكنود الأزدي" ، مختلف في اسمه، قيل "عبد الله بن عامر" ، وقيل "عبد الله بن عمران" ، وغير ذلك. ذكره ابن حبان في الثقات، ولم يرو له غير ابن ماجه من أصحاب الكتب الستة، روى له هذا الخبر نفسه. مترجم في التهذيب. وهذا الخبر رواه ابن ماجه من هذه الطريق نفسها، مع زيادة يسيرة في لفظه، في سننه ص1382، رقم: 4127. وقال في الزوائد: "إسناده صحيح، ورجاله ثقات، وقد روى مسلم، والنسائي، والمصنف بعضه من حديث سعد بن أبي وقاص و" .أما ابن كثير، فقد قال في تفسيره، وذكر الخبر من تفسير ابن أبي حاتم من هذه الطريق نفسها (3: 315، 316) : "وهذا حديث غريب، فإن هذه الآية مكية، والأقرع بن حابس، وعيينة، إنما أسلما بعد الهجرة بدهر" . وهذا هو الحق إن شاء الله.

وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 13، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة، وأبي يعلى، وأبي نعيم في الحلية، وابن المنذر، وأبي الشيخ، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل.
(2)
الأثر: 13259 - "أبو سعيد الأزدي" ، هو "أبو سعيد الأرحبي" ، وهو الذي سلف في الأثر السابق، وهو "أبو سعد" هناك، ولكنه هنا "أبو سعيد" ، وكلاهما صواب كما أسلفت.

13260- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة = وحدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة والكلبي: أنّ ناسًا من كفار قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن سرَّك أن نتبعك، فاطرد عنا فلانًا وفلانًا، ناسًا من ضعفاء المسلمين! فقال الله تعالى ذكره: "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه" .
13261 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ" إلى قوله: "وكذلك فتنا بعضهم ببعض" الآية، قال: وقد قال قائلون من الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا محمد، إن سرك أن نتبعك فاطرد عنا فلانًا وفلانًا = لأناس كانوا دونهم في الدنيا، ازدراهم المشركون، فأنزل الله تعالى ذكره هذه الآية إلى آخرها.
13262 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي" ، بلال وابن أم عبد، كانا يجالسان محمدًا صلى الله عليه وسلم، فقالت قريش محقِّرتهما: لولاهما وأمثالهما لجالسناه! فنُهي عن طردهم، حتى قوله: "أليس الله بأعلم بالشاكرين" ، قال: "قل سلام عليكم" ، فيما بين ذلك، في هذا.
13263 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا سفيان، عن المقدام بن شريح، عن أبيه قال، قال سعد: نزلت هذه الآية في ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم ابن مسعود، قال: كنا نسبق إلى النبي صلى الله عليه وسلم وندنو منه ونسمع منه، فقالت قريش: يدني هؤلاء دوننا! فنزلت: "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي" . (1)
(1)
الأثر: 13263 - "سفيان" ، هو الثوري.

"المقدام بن شريح بن هانئ بن يزيد الحارثي" . ثقة. مترجم في التهذيب.
وأبوه "شريح بن هانئ بن يزيد الحارث" ، أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يره، وروى عن أبيه، وعمر، وعلي، وبلال، وسعد، وأبي هريرة، ذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل الكوفة. مترجم في التهذيب. و "سعد" هو "سعد بن أبي وقاص" ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان في المطبوعة والمخطوطة: "سعيد" ، وهو خطأ. وهذا الخبر رواه مسلم في صحيحه 15: 187 من طريقين، من طريق سفيان، عن المقدام ابن شريح = وعن طريق إسرائيل، عن المقدام. ورواه ابن ماجه في سننه ص 1383 رقم: 4128، من طريق قيس بن الربيع، عن المقدام بن شريح، بمثله، بغير هذا اللفظ. وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 13، وزاد نسبته لأحمد، والفريابي، وعبد بن حميد، والنسائي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان، وأبي الشيخ، وابن مردويه، والحاكم، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في الدلائل.
13264 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة في قوله: "وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم" الآية، قال: جاء عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، ومطعم بن عديّ، والحارث بن نوفل، وقرظة بن عبد عمرو بن نوفل، في أشراف من بني عبد مناف من الكفار، إلى أبي طالب فقالوا: يا أبا طالب، لو أن ابن أخيك يطرد عنه موالينا وحلفاءَنا، فإنما هم عبيدنا وعُسَفاؤنا، (1) كان أعظم في صدورنا، وأطوع له عندنا، وأدنى لاتّباعنا إياه، وتصديقنا له! قال: فأتى أبو طالب النبي صلى الله عليه وسلم فحدثه بالذي كلموه به، فقال عمر بن الخطاب: لو فعلتَ ذلك، حتى تنظر ما الذي يريدون، وإلام يصيرون من قولهم؟ فأنزل الله تعالى ذكره هذه الآية: "وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون ولا تطرد الذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه" إلى قوله: "أليس الله بأعلم بالشاكرين" ، قال: وكانوا: بلال، وعمارُ بن ياسر، وسالم مولى أبي حذيفة، وصبيح مولى أسيد (2) = ومن الحلفاء: ابن
(1)
"العسفاء" جمع "عسيف" ، وهو العبد، والأجير المستهان به.

(2)
في المطبوعة: "وكانوا بلالا. . . وسالما. . . وصبيحا" ، بالنصب، كما في الدر المنثور، وابن كثير، ولكن الذي في المخطوطة هو الصواب الجيد. هذا إن صح أن هذه الرواية هي الصواب، وإلا فإني وجدت في الإصابة، في ترجمة "صبيح" هذا وفيه: "عن حجاج، عن ابن جريج، وفيه: كانوا ثلاثة، عمار بن ياسر، وسالم مولى أبي حذيفة، وصبيح" . فإن صح هذا، كان خطأ قوله "بلال" ، وإنما صوابه "ثلاثة" ، ولكنني لا أستطيع أن أرجح ذلك الآن.

مسعود، والمقداد بن عمرو، ومسعود بن القاريّ، وواقد بن عبد الله الحنظلي، وعمرو بن عبد عمرو ذو الشمالين، ومرثد بن أبي مرثد = وأبو مرثد، من غنيّ، حليفُ حمزة بن عبد المطلب = وأشباههم من الحلفاء. ونزلت في أئمة الكفر من قريش والموالي والحلفاء: "وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا" الآية. فلما نزلت، أقبل عمر بن الخطاب فاعتذر من مَقالته، فأنزل الله تعالى ذكره: "وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم" ، الآية. (1)
13265 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: إني أستحيي من الله أن يرَاني مع سلمان وبلال وذَوِيهم، (2) فاطردهم عنك، وجالس فلانًا وفلانًا! قال فنزل القرآن: "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه" فقرأ، حتى بلغ: "فتكون من الظالمين" ، ما بينك وبين أن تكون من الظالمين إلا أن تطردهم. ثم قال: "وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين" . ثم قال: وهؤلاء الذين أمروك أن تطردهم، فأبلغهم منّي السلام، وبشرهم وأخبرهم أني قد غفرت لهم! وقرأ: "وإذا جاءك الذين يؤمنون"
(1)
الأثر: 13264 - "مسعود بن القاري" ، هو "مسعود بن ربيعة بن عمرو القاري" ، نسبة إلى "القارة" ، وهو حليف بني زهرة.

و "واقد بن عبد الله الحنظلي التميمي" ، حليف بني عدي بن كعب. و "عمرو بن عبد عمرو بن فضلة الخزاعي" ، "ذو الشمالين" ، حليف بني زهرة. وقد روي أن عمارًا قال: "كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة كلهم أضبط: ذو الشمالين، وعمر بن الخطاب، وأبو ليلى" ، و "الأضبط" : الذي يعمل بيديه جميعًا.
(2)
قوله: "وذويهم" يعني: أصحابهم وأشباههم، وقد أسلفت في الجزء 3: 261، تعليق: 2، أن للنحاة كلامًا كثيرًا، ودعوى أن إضافة "ذو" إلى الضمير، يكون في ضرورة الشعر، وقلت إنه أتى في النثر قديمًا، وهذا الخبر من أدلة ما قلت.

بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة "، فقرأ حتى بلغ:" وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين "، قال: لتعرفها."
* * *
واختلف أهل التأويل في الدعاء الذي كان هؤلاء الرَّهط، الذين نهى الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم عن طردهم، يدعون ربّهم به.
فقال بعضهم: هي الصلوات الخمس. (1)
* ذكر من قال ذلك:
13266 - حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ" ، يعني: يعبدون ربّهم = "بالغداة والعشيّ" ، يعني: الصلوات المكتوبة.
13267- حدثنا المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا حماد، عن أبي حمزة، عن إبراهيم في قوله: "يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه" ، قال: هي الصلوات الخمس الفرائض. ولو كان ما يقول القُصَّاص، (2) هلك من لم يجلس إليهم.
13268 - حدثنا هناد بن السري وابن وكيع قالا حدثنا ابن فضيل،
(1)
في المطبوعة: "الصلوات المكتوبة" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(2)
كان في المطبوعة والمخطوطة: "ولو كان يقول القصاص" بإسقاط "ما" وهو خطأ.

"القصاص" جمع "قاص" ، وهو الذي يتصدر في مسجد أو غيره، ثم يأخذ يعظ الناس، ويذكرهم بأخبار الماضين، فربما دخل قصصه الزيادة والنقصان، ولذلك جاء في الحديث: "القاص ينتظر المقت" . وفي الحديث: "إن بني إسرائي لما قصوا هلكوا" ، يعني: لما تزيدوا في الخبر والحديث وكذبوا، وهذا من شر الفعل، ولكن ما دخلت فيه بنو إسرائيل فعذبهم الله وأهلكهم به، ودخلناه نحن سعيًا، فعاقبنا الله بشتات أمرنا، وضعف علمائنا، وذهاب هيبتنا من صدور أعدائنا.
فاللهم اهدنا سواء سبيلك. ثم انظر الأثر التالي رقم: 13270، والأثر: 132277، 13282
عن الأعمش، عن إبراهيم: "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه" ، قال: هي الصلاة.
13269 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي" ، الصلاة المفروضة، الصبح والعصر.
13270 - حدثني محمد بن موسى بن عبد الرحمن الكندي قال، حدثنا حسين الجعفي قال، أخبرني حمزة بن المغيرة، عن حمزة بن عيسى قال: دخلت على الحسن فسألته فقلت: يا أبا سعيد، أرأيت قول الله: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ [سورة الكهف: 28] ، أهم هؤلاء القُصّاص؟ قال: لا ولكنهم المحافظون على الصلوات في الجماعة. (1)
13271 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، وحدثني الحارث قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا ورقاء = جميعًا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: "الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي" ، قال: الصلاة المكتوبة.
13272 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: "يدعون ربهم بالغداة والعشي" ، قال: يعبدون ربّهم = "بالغداة والعشي" ، يعني الصلاة المفروضة.
13273 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن
(1)
الأثر: 13270 - "محمد بن موسى بن عبد الرحمن الكندي" ، شيخ الطبري، لم أجد له ذكرًا. وكان في المطبوعة هنا "موسى بن عبد الرحمن الكندي" ، غير ما في المخطوطة، وحذف "محمد بن" ، وهذا تصرف معيب قبيح. و "حسين الجعفي" هو "حسين بن علي بن الوليد الجعفي" ، مضى مرارًا كثيرة، وكان في المطبوعة: "حسن الجعفي" ، وهو خطأ محض. و "حمزة بن المغيرة بن نشيط المخزومي" العابد، مضى برقم: 184.

وأما "حمزة بن عيسى" ، فلم أجد في الرواة من يسمى بذلك، وأرجح أن الناسخ أخطأ، فأعاد كتابة "حمزة" ، فاختلط الاسم، فلا يصححه إلا أن يوجد في مكان آخر.
قتادة قوله: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ [سورة الكهف: 28] ، هما الصلاتان: صلاة الصبح وصلاة العصر.
13274 - حدثني ابن البرقي قال، حدثنا ابن أبي مريم قال، حدثنا يحيى بن أيوب قال، حدثنا محمد بن عجلان، عن نافع، عن عبد الله بن عمر في هذه الآية: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ الآية، أنهم الذين يشهدون الصلوات المكتوبة. (1)
13275 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد وإبراهيم: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ، قالا الصلوات الخمس.
13276-حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله.
13277- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي" ، قال: المصلين المؤمنين، بلال وابن أم عبد = قال ابن جريج، وأخبرني عبد الله بن كثير، عن مجاهد قال: صليت الصبح مع سعيد بن المسيب، فلما سلّم الإمام ابتدر الناس القاصَّ، فقال سعيد: ما أسرعَ بهم إلى هذا المجلس! (2) قال مجاهد: فقلت يتأولون ما قال الله تعالى ذكره. قال: وما قال؟ قلت: "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي" ، قال: وفي هذا ذَا؟ إنما ذاك في الصلاة التي انصرفنا عنها الآن، إنما ذاك في الصلاة.
(1)
الأثر: 13274 - خرجه السيوطي في الدر المنثور 4: 219، وزاد نسبته إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه. وهذا إسناد صحيح.

(2)
في المطبوعة: "ما أسرعهم إلى هذا المجلس" ، وفي المخطوطة: "ما أسرع إلى هذا المجلس" ، فرأيت أن يكون الصواب ما أثبت.

13278 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا وكيع، عن أبيه، عن منصور، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة قال: الصلاة المكتوبة. (1)
13279 - حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن عامر قال: هي الصلاة.
13280- حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا وكيع، عن أبيه، عن إسرائيل، عن عامر قال: هي الصلاة.
13281- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه" ، يقول: صلاة الصبح وصلاة العصر.
13282 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد قال: صلى عبد الرحمن بن أبي عمرة في مسجد الرسول، فلما صلى قامَ فاستند إلى حجرة النبي صلى الله عليه وسلم، فانثال الناس عليه، فقال: يا أيها الناس، إليكم! فقيل: يرحمك الله، إنما جاؤوا يريدون هذه الآية: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ [سورة الكهف: 28] . فقال: وهذا عُنِي بهذا! إنما هو في الصلاة. (2)
(1)
الأثر: 13278 - "عبد الرحمن بن أبي عمرة بن محصن بن ثعلبة الأنصاري" ، روى عن أبيه، وعثمان بن عفان، وعبادة بن الصامت. قال ابن سعد: "كان ثقة كثير الحديث" مترجم في التهذيب.

وسيأتي هذا الأمر مطولا برقم: 13282.
(2)
الأثر: 13282 هو مطول الأثر السالف رقم: 13278. وقوله: "انثال عليه الناس" : تتابعوا عليه وتقاطروا من كل ناحية.

وهذا الخبر، دليل على صحة معرفة أئمتنا السالفين بحق دينهم، وحق كتابهم المنزل عليهم من ربهم = ودليل أيضًا على فساد ما وقع فيه علماؤنا وكتابنا، ومن تعرض منا لكتاب الله بالهوى، حتى صار هذا المرفوض الذي رفضه الأئمة، حجة يستدل بها الجهال من الصوفية وأهل المخرقة بالولايات وادعاء الكرامات. فاللهم باعد بيننا وبين الجهالة، واحملنا على سواء السبيل.
* * *
هذا وهذه الأخبار التي ذكرها هنا، وفسر فيها آية سورة الكهف: 28، لم يرو أكثره في تفسير "سورة الكهف" ، وهذا باب من أبواب اختصار أبي جعفر تفسيره هذا.
وقال آخرون: هي الصلاة، ولكن القوم لم يسألوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم طردَ هؤلاء الضعفاء عن مجلسه، ولا تأخيرهم عن مجلسه، وإنما سألوه تأخيرهم عن الصفّ الأول، حتى يكونوا وراءهم في الصفّ.
* ذكر من قال ذلك:
13283 - حدثني محمد بن سعد، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "وكذلك فتنا بعضهم ببعض" الآية، فهم أناس كانوا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم من الفقراء، فقال أناس من أشراف الناس: نؤمن لك، وإذا صلينا فأخِّر هؤلاء الذين معك فليصلُّوا خلفنا!
* * *
وقال آخرون: بل معنى "دعائهم" كان، ذكرُهم الله تعالى ذكره.
* ذكر من قال ذلك:
13284 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي = وحدثنا هناد قال، حدثنا وكيع = عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم قوله: "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي" ، قال: أهل الذكر.
13285 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن منصور: "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغذاة والعشي" ، قال: هم أهل الذكر.
13286- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم: "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي" ، قال: لا تطردهم عن الذكر.
* * *
وقال آخرون: بل كان ذلك، تعلمهم القرآن وقراءته.
* ذكر من قال ذلك:




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #608  
قديم 15-07-2025, 02:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (608)
صــ 386 إلى صــ 395





13287 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر قوله: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ [سورة الكهف: 28] ، قال: كان يقرئهم القرآن، من الذي يَقُصُّ على النبي صلى الله عليه وسلم؟! (1)
* * *
وقال آخرون: بل عنى بدعائهم ربّهم، عبادتهم إياه.
* ذكر من قال ذلك:
13288 - حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: "يدعون ربهم بالغداة والعشي" ، قال: يعني: يعبدون، ألا ترى أنه قال: لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ [سورة غافر: 43] ، يعني: تعبدون. (2)
* * *
(1)
في المطبوعة: "قال كان يقرئهم القرآن النبي صلى الله عليه وسلم" حذف من المخطوطة.

ما أثبته: "من الذي يقص على" ، ثم وصل الكلام، فأساء وخان وأفسد!! وهذا الكلام جملتان منفصلتان، الأولى: "كان يقرئهم القرآن" والأخرى الاستفهام: "من الذي يقص على النبي صلى الله عليه وسلم" ، وكلتاهما رد على من تأول الآية، على أنها مراد بها القصاص وهم الوعاظ، كما يظهر من الآثار: 13267، 13270، 13277، 13282، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرئ هؤلاء القرآن، فأمر أن يصبر نفسه معهم. ولو كان مرادًا بالآية القصاص، لكان النبي صلى الله عليه وسلم مأمورًا أن يصبر نفسه مع من يجلس يعظه ويذكره بالله - بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم! فلذلك قال: "من الذي يقص على النبي صلى الله عليه وسلم!" ، أي: من هذا الذي يعظ رسول الله ويذكره بالله وبأيام الله؟!
وهذه حجة مبينة في فساد من تأول الآية على غير الوجه الصحيح الذي أجمعت عليه الحجة.
(2)
هكذا جاءت الآية في المخطوطة والمطبوعة، وأنا أكاد أقطع بأن ذلك خطأ، من سهو راو أو سهو من أبي جعفر نفسه، وأرجح أنه أراد آية "سورة غافر: 66"

{قُلْ إنّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدُ الذِّيِنَ تَدْعُونَ مِنْ دُون اللهِ}
أما الآية التي استبدل بها، فلا يستقيم أن يكون الدعاء فيها بمعنى العبادة.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره نهى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يطرُد قومًا كانوا يدعون ربّهم بالغداة والعشي، و "الدعاء لله" ، يكون بذكره وتمجيده والثناء عليه قولا وكلامًا = وقد يكون بالعمل له بالجوارح الأعمالَ التي كان عليهم فرضُها، وغيرُها من النوافل التي ترضي عن العامل له عابدَه بما هو عامل له. (1) وقد يجوز أن يكون القوم كانوا جامعين هذه المعاني كلها، فوصفهم الله بذلك بأنهم يدعونه بالغداة والعشي، لأن الله قد سمى "العبادة" ، "دعاء" ، فقال تعالى ذكره: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ، [سورة غافر: 60] . وقد يجوز أن يكون ذلك على خاصّ من الدعاء.
ولا قول أولى بذلك بالصحة، من وصف القوم بما وصفهم الله به: من أنهم كانوا يدعون ربهم بالغداة والعشي، فيعمُّون بالصفة التي وصفهم بها ربهم، ولا يخصُّون منها بشيء دون شيء.
فتأويل الكلام إذًا: يا محمد، أنذر القرآن الذي أنزلته إليك، الذين يعلمون أنهم إلى ربهم محشورون = فهم من خوف ورودهم على الله الذي لا شفيع لهم من دونه ولا نصير، في العمل له دائبون (2) = إذ أعرض عن إنذارك واستماع ما أنزل الله عليك المكذبون بالله واليوم الآخر من قومك، استكبارًا على الله = ولا تطردهم ولا تُقْصِهم، فتكون ممن وضع الإقصاء في غير موضعه، فأقصى وطرد من لم يكن له طرده وإقصاؤه، وقرّب من لم يكن له تقديمه بقربه وإدناؤه، فإن الذين نهيتُك عن طردهم هم الذين يدعون ربهم فيسألونه عفوه ومغفرته بصالح أعمالهم، وأداء ما ألزمهم من فرائضه، ونوافل تطوّعهم، وذكرهم إياه بألسنتهم بالغداة
(1)
في المطبوعة: والمخطوطة التي ترضى والعامل له عابده "، وهو لا يستقيم، وكأن الصواب ما أثبت."

(2)
في المطبوعة والمخطوطة: "دائمون" ، وأرجح أن الذي أثبت هو الصواب.

والعشي، يلتمسون بذلك القربة إلى الله، والدنوّ من رضاه = "ما عليك من حسابهم من شيء" ، يقول: ما عليك من حساب ما رزقتهم من الرزق من شيء = وما عليهم من حساب ما رزقتك من الرزق من شيء = "فتطردهم" ، حذارَ محاسبتي إياك بما خوّلتهم في الدنيا من الرزق.
* * *
وقوله: "فتطردهم" ، جواب لقوله: "ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء" .
وقوله: "فتكون من الظالمين" جواب لقوله: "ولا تطرد الذين يدعون ربهم" .
* * *
القول في تأويل قوله: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "وكذلك فتنا بعضهم ببعض" ، وكذلك اختبرنا وابتلينا، كالذي:-
13289 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر = وحدثنا الحسين بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر = عن قتادة: "وكذلك فتنا بعضهم ببعض" ، يقول: ابتلينا بعضهم ببعض.
* * *
وقد دللنا فيما مضى من كتابنا هذا على معنى "الفتنة" ، وأنها الاختبار والابتلاء، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (1)
* * *
(1)
انظر تفسير "الفتنة" فيما سلف ص: 297، تعليق: 2، والمراجع هناك.

وإنما فتنة الله تعالى ذكره بعضَ خلقه ببعضٍ، مخالفتُه بينهم فيما قسم لهم من الأرزاق والأخلاق، فجعل بعضًا غنيًّا وبعضًا فقيرًا، وبعضًا قويًّا، وبعضًا ضعيفًا، فأحوج بعضهم إلى بعض، اختبارًا منه لهم بذلك.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13290 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "وكذلك فتنا بعضهم ببعض" ، يعني أنه جعل بعضهم أغنياء وبعضهم فقراء، فقال الأغنياء للفقراء: "أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا" ، يعني: هداهم الله. وإنما قالوا ذلك استهزاءً وسُخريًّا. (1)
* * *
وأما قوله: "ليقولوا أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا" ، يقول تعالى: اختبرنا الناس بالغنى والفقر، والعزّ والذل، والقوة والضعف، والهدى والضلال، كي يقول من أضلّه الله وأعماه عن سبيل الحق، للذين هداهم الله ووفقهم: "أهؤلاء منّ الله عليهم" ، بالهدى والرشد، وهم فقراء ضعفاء أذلاء (2) = "من بيننا" ، ونحن أغنياء أقوياء؟ استهزاءً بهم، ومعاداةً للإسلام وأهله.
يقول تعالى ذكره: "أليس الله بأعلم بالشاكرين" ، وهذا منه تعالى ذكره إجابة لهؤلاء المشركين الذين أنكروا أن يكون الله هدى أهل المسكنة والضعف للحق، وخذلهم عنه وهم أغنياء = وتقريرٌ لهم: أنا أعلم بمن كان من خلقي شاكرًا نعمتي، ممن هو لها كافر. فمنِّي على من مَنَنْتُ عليه منهم بالهداية، جزاء شكره
(1)
في المطبوعة: "سخرية" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(2)
انظر تفسير "المن" فيما سلف 7: 369/9: 71.

إياي على نعمتي، وتخذيلي من خذلت منهم عن سبيل الرشاد، عقوبة كفرانه إياي نعمتي، لا لغنى الغني منهم ولا لفقر الفقير، لأن الثواب والعقاب لا يستحقه أحدٌ إلا جزاءً على عمله الذي اكتسبه، لا على غناه وفقره، لأن الغنى والفقر والعجز والقوة ليس من أفعال خلقي.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) }
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في الذين عنى الله تعالى ذكره بهذه الآية.
فقال بعضهم: عنى بها الذين نهى الله نبيَّه عن طردهم. وقد مضت الرواية بذلك عن قائليه. (1)
وقال آخرون: عنَى بها قومًا استفتوا النبي صلى الله عليه وسلم في ذنوب أصابوها عظامٍ، فلم يؤيسهم الله من التوبة.
* ذكر من قال ذلك:
13291- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا يحيى بن سعيد قال، حدثنا سفيان، عن مجمع قال، سمعت ماهان قال: جاء قوم إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم قد أصابوا ذنوبًا عظامًا. قال ماهان: فما إخاله ردّ عليهم شيئًا. قال: فأنزل
(1)
انظر ما سلف رقم: 13258، وما بعده.

الله تعالى ذكره هذه الآية: "وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم" الآية. (1)
13292- حدثنا هناد قال، حدثنا قبيصة، عن سفيان، عن مجمع، عن ماهان: أنّ قومًا جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد، إنا أصبنا ذنوبًا عظامًا! فما إخاله ردّ عليهم شيئًا، فانصرفوا فأنزل الله تعالى ذكره: "وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة" . قال: فدعاهم فقرأها عليهم.
13293- حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن مجمّع التميمي قال، سمعت ماهان يقول: فذكر نحوه.
* * *
وقال آخرون: بل عُني بها قومٌ من المؤمنين كانوا أشاروا على النبي صلى الله عليه وسلم بطرد القوم الذين نهاه الله عن طردهم، فكان ذلك منهم خطيئة، فغفرها الله لهم وعفا عنهم، وأمر نبيَّه صلى الله عليه وسلم إذا أتوه أن يبشرهم بأن قد غفر لهم خطيئتهم التي سلفت منهم بمشورتهم على النبي صلى الله عليه وسلم بطرد القوم الذين أشاروا عليه بطردهم. وذلك قول عكرمة وعبد الرحمن بن زيد، وقد ذكرنا الرواية عنهما بذلك قبل. (2)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندي بتأويل الآية، قولُ من قال: المعنيُّون بقوله: "وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم" ، غيرُ الذين نهى الله النبي صلى الله عليه وسلم عن طردهم. لأن قوله: "وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا" ، خبر مستأنَفٌ بعد تقضِّي الخبر عن الذين نهى الله نبيه صلى الله
(1)
الآثار: 13291 - 13293 - "سفيان" هو: ابن عيينة.

و "مجمع" ، هو "مجمع بن صمان" أبو حمزة التميمي "، ثقة، مضى برقم: 12710."
و "ماهان" الحنفي، أبو سالم الأعور العابد، مضى برقم: 3226.
(2)
انظر ما سلف رقم: 13264، 13265.

عليه وسلم عن طردهم. ولو كانوا هم، لقيل: "وإذا جاؤوك فقل سلام عليكم" . وفي ابتداء الله الخبرَ عن قصة هؤلاء، وتركه وصلَ الكلام بالخبر عن الأولين، ما ينبئ عن أنهم غيرُهم.
فتأويل الكلام إذًا = إذ كان الأمر على ما وصفنا = وإذا جاءك، يا محمد، القومُ الذين يصدِّقون بتنزيلنا وأدلتنا وحججنا، فيقرّون بذلك قولا وعملا مسترشديك عن ذنوبهم التي سلفت منهم بيني وبينهم، هل لهم منها توبة، فلا تؤيسهم منها، وقل لهم: "سلام عليكم" ، أَمَنَةُ الله لكم من ذنوبكم، أن يعاقبكم عليها بعد توبتكم منها (1) = "كتب ربكم على نفسه الرحمة" ، يقول: قضى ربكم الرحمة بخلقه (2) = "أنه من عمل منكم سوءًا بجهالة ثم تابَ من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم" .
* * *
واختلفت القرأة في قراءة ذلك:
فقرأته عامة قرأة المدنيين: (أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا) ، فيجعلون "أنّ" منصوبةً على الترجمة بها عن "الرحمة" = (ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، على ائتناف "إنه" بعد "الفاء" فيكسرونها، ويجعلونها أداة لا موضع لها، بمعنى: فهو له غفور رحيم = أو: فله المغفرة والرحمة. (3)
* * *
وقرأهما بعض الكوفيين بفتح "الألف" منهما جميعًا، بمعنى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ = ثم ترجم بقوله: أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ، عن الرحمة، (فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، فيعطف ب "أنه" الثانية على "أنه" الأولى، ويجعلهما اسمين منصوبين على ما بينت. (4)
* * *
(1)
انظر تفسير "سلام" فيما سلف 10: 145، ومادة (سلم) في فهارس اللغة.

(2)
انظر تفسير "كتب" فيما سلف ص: 273، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(3)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 336، 337.

(4)
انظر ما قاله أبو جعفر في بيان هذه القراءة فيما سلف ص: 278 - 280.

وقرأ ذلك بعض المكيين وعامة قرأة أهل العراق من الكوفة والبصرة: بكسر "الألف" من "إنه" و "إنه" على الابتداء، وعلى أنهما أداتان لا موضع لهما. (1)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القراءات في ذلك عندي بالصواب، قراءة من قرأهما بالكسر: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ إِنَّهُ) ، على ابتداء الكلام، وأن الخبر قد انتهى عند قوله: "كتب ربكم على نفسه الرحمة" ، ثم استؤنف الخبر عما هو فاعلٌ تعالى ذكره بمن عمل سوءًا بجهالة ثم تاب وأصلح منه.
* * *
ومعنى قوله: "إنه من عمل منكم سوءًا بجهالة" ، أنه من اقترف منكم ذنبًا، فجهل باقترافه إياه (2) = ثم تاب وأصلح = "فإنه غفورٌ" ، لذنبه إذا تاب وأناب، وراجع العمل بطاعة الله، وترك العود إلى مثله، مع الندم على ما فرط منه = "رحيم" ، بالتائب أن يعاقبه على ذنبه بعد توبته منه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13294- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن عثمان، عن مجاهد: "من عمل منكم سوءًا بجهالة" ، قال: من جهل: أنه لا يعلم حلالا من حرام، ومن جهالته ركب الأمر.
13295 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد، عن جويبر، عن الضحاك، مثله.
13296- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد:
(1)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 336، 337.

(2)
انظر تفسير "الجهالة" فيما سلف 8: 89 - 93، وهو بيان جيد جدًا.

"يعملون السوء بجهالة" ، قال: من عمل بمعصية الله، فذاك منه جهل حتى يرجع.
13297- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا بكر بن خنيس، عن ليث، عن مجاهد في قوله: "من عمل منكم سوءًا بجهالة" ، قال: كل من عمل بخطيئة فهو بها جاهل. (1)
13298 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا خالد بن دينار أبو خلدة قال: كنا إذا دخلنا على أبي العالية قال: "وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة" . (2)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "وكذلك نفصل الآيات" ، وكما فصلنا لك في هذه السورة من ابتدائها وفاتحتها، يا محمد، إلى هذا الموضع، حجتَنا على المشركين من عبدة الأوثان، وأدلتَنا، وميَّزناها لك وبيَّناها، كذلك نفصِّل لك أعلامنا وأدلتنا في كل حقّ ينكره أهل الباطل من سائر أهل الملل
(1)
الأثر: 13297 - "بكر بن خنيس الكوفي" العابد، يروى عن ليث بن أبي سليم، وعبد الرحمن بن زياد، وإسمعيل بن أبي خالد، وعطاء بن أبي رباح. قال ابن عدي: "وهو ممن يكتب حديثه، ويحدث بأحاديث مناكير عن قوم لا بأس بهم، وهو نفسه رجل صالح، إلا أن الصالحين يشبه عليهم الحديث، وربما حدثوا بالتوهم، وحديثه في جملة الضعفاء، وليس ممن يحتج بحديثه" ، وقيل فيه ما هو أشد. مترجم في التهذيب.

(2)
الأثر: 13298 - "خالد بن دينار التميمي السعدي" ، "أبو خلدة" ، ثقة، مضى برقم: 44، 12239.

غيرهم، فنبينها لك، حتى تبين حقه من باطله، وصحيحهُ من سقيمه.
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله: "ولتستبين سبيل المجرمين" .
فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة: (وَلِتَسْتَبِينَ) بالتاء (سَبِيلَ الْمُجِرمِينَ) بنصب "السبيل" ، على أن "تستبين" ، خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، كأن معناه عندهم: ولتستبين، أنت يا محمد، سبيل المجرمين.
* * *
وكان ابن زيد يتأول ذلك: ولتستبين، أنت يا محمد، سبيلَ المجرمين الذين سألوك طردَ النفر الذين سألوه طردهم عنه من أصحابه.
13299 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن ريد: "ولتستبين سبيلَ المجرمين" ، قال: الذين يأمرونك بطرد هؤلاء.
* * *
وقرأ ذلك بعض المكيين وبعض البصرين: (وَلِتَسْتَبِينَ) بالتاء (سَبِيلُ الْمُجِرمِينَ) برفع "السبيل" ، على أن القصد للسبيل، ولكنه يؤنثها = وكأن معنى الكلام عندهم: وكذلك نفصل الآيات، ولتتضح لك وللمؤمنين طريقُ المجرمين.
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة أهل الكوفة: (وَلِيَسْتَبِينَ) بالياء (سَبِيلُ الْمُجِرمِينَ) برفع "السبيل" على أن الفعل للسبيل، ولكنهم يذكرونه = ومعنى هؤلاء في هذا الكلام، ومعنى من قرأ ذلك بالتاء في: "ولتستبين" ورفع "السبيل" ، واحدٌ، وإنما الاختلاف بينهم في تذكير "السبيل" وتأنيثها. (1)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القراءتين بالصواب عندي في "السبيل" الرفع، لأن الله تعالى ذكره فصَّل آياته في كتابه وتنزيله، ليتبين الحقَّ بها من الباطل جميعُ من خوطب بها، لا بعضٌ دون بعض.
(1)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 337.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #609  
قديم 15-07-2025, 02:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (609)
صــ 396 إلى صــ 405





ومن قرأ "السبيل" بالنصب، فإنما جعل تبيين ذلك محصورًا على النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما القراءة في قوله: "ولتستبين" ، فسواء قرئت بالتاء أو بالياء، لأن من العرب من يذكر "السبيل" = وهم تميم وأهل نجد = ومنهم من يؤنث "السبيل" = وهم أهل الحجاز. وهما قراءتان مستفيضتان في قرأة الأمصار، ولغتان مشهورتان من لغات العرب، وليس في قراءة ذلك بإحداهما خلافٌ لقراءته بالأخرى، ولا وجه لاختيار إحداهما على الأخرى = بعد أن يرفع "السبيل" = للعلة التي ذكرنا. (1)
* * *
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: "نفصل الآيات" قال أهل التأويل.
13300 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة: "وكذلك نفصل الآيات" ، نبين الآيات.
13301 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في: "نفصل الآيات" ، نبين.
* * *
القول في تأويل قوله: {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء المشركين بربّهم من قومِك، العادلين به الأوثان والأنداد، الذين يدعونك إلى موافقتهم على دينهم وعبادة الأوثان: إنّ الله نهاني أن أعبد الذين
(1)
انظر تفسير "السبيل" فيما سلف من فهارس اللغة (سبل) = وتفسير "استبان" في مادة (بين) من فهارس اللغة.

تدعون من دونه، فلن أتبعكم على ما تدعونني إليه من ذلك، ولا أوافقكم عليه، ولا أعطيكم محبّتكم وهواكم فيه. وإن فعلت ذلك، فقد تركت محجَّة الحق، وسلكت على غير الهدى، فصرت ضالا مثلكم على غير استقامة. (1)
* * *
وللعرب في "ضللت" لغتان: فتح "اللام" وكسرها، واللغة الفصيحة المشهورة هي فتحها، وبها قرأ عامة قرأة الأمصار، وبها نقرأ لشهرتها في العرب. وأما الكسر فليس بالغالب في كلامها، والقراأة بها قليلون. فمن قال "ضَلَلتُ" قال: "أَضِلُّ" ، ومن قال "ضَلِلتُ" قال في المستقبل "أَضَلُّ" . وكذلك القراءة عندنا في سائر القرآن: (وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلنَا) بفتح اللام [سورة السجدة: 10] .
* * *
القول في تأويل قوله: {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: "قل" ، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم، الداعين لك إلى الإشراك بربك = "إني على بيّنة من ربي" ، أي إني على بيان قد تبينته، وبرهان قد وضح لي = "من ربي" ، يقول: من توحيدي، (2) وما أنا عليه من إخلاص عُبُودته (3) من غير إشراك شيء به.
* * *
وكذلك تقول العرب: "فلان على بينة من هذا الأمر" ، إذا كان على بيان
(1)
انظر تفسير "الضلال" فيما سلف من فهارس اللغة (ضلل) .

(2)
في المطبوعة: "توحيده" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(3)
في المطبوعة: "عبوديته" ، وأثبت ما في المخطوطة.

منه، (1) ومن ذلك قول الشاعر: (2)
أَبَيِّنَةً تَبْغُونَ بَعْدَ اعْتِرَافِهِ ... وقَوْلِ سُوَيْدٍ قَدْ كَفَيْتُكُمُ بِشْرَا (3)
* * *
"وكذبتم به" يقول: وكذبتم أنتم بربكم = و "الهاء" في قوله "به" من ذكر الرب جلّ وعز = "ما عندي ما تستعجلون به" ، يقول: ما الذي تستعجلون من نقم الله وعذابه بيدي، ولا أنا على ذلك بقادر. وذلك أنهم قالوا حين بعث الله نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم بتوحيده، فدعاهم إلى الله، وأخبرهم أنه رسوله إليهم: هَلْ هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ [سورة الأنبياء: 3] . وقالوا للقرآن: هو أضغاث أحلام. وقال بعضهم: بل هو اختلاق اختلقه. وقال آخرون: بل محمد شاعر، فليأتنا بآية كما أرسل الأولون = فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: أجبهم بأن الآيات بيد الله لا بيدك، وإنما أنت رسول، وليس عليك إلا البلاغ لما أرسلت به، وأنّ الله يقضي الحق فيهم وفيك، ويفصل به بينك وبينهم، فيتبين المحقُّ منكم والمبطل (4) = "وهو خير الفاصلين" ، أي: وهو خير من بيّن وميّز بين المحق والمبطل وأعدلهم، لأنه لا يقع في حكمه وقضائه حَيْف إلى أحد لوسيلة له إليه ولا لقرابة ولا مناسبة، ولا في قضائه جور، لأنه لا يأخذ الرشوة في الأحكام فيجور، فهو أعدل الحكام وخيرُ الفاصلين.
وقد ذكر لنا في قراءة عبد الله: (وَهُو أَسْرَعُ الْفَاصِلِينَ) .
13302 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير: أنه قال: في قراءة عبد الله:
(1)
انظر تفسير "البينة" فيما سلف من فهارس اللغة (بين) .

(2)
لم أعرف قائله.

(3)
مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 193.

(4)
انظر تفسير "الفصل" فيما سلف 5: 338.

(يَقْضِي الْحَقَّ وَهُو أَسْرَعُ الْفَاصِلِينَ) .
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله: "يقصُّ الحق" . (1)
فقرأه عامة قرأة الحجاز والمدينة وبعض قرأة أهل الكوفة والبصرة: "إنِ الْحُكْمُ إلا لِلهِ يَقُصُّ الْحَقَّ" ، بالصاد، بمعنى "القصص" ، وتأوّلوا في ذلك قول الله تعالى ذكره: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ [سورة يوسف: 3] . وذكر ذلك عن ابن عباس.
13303 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس قال، "يقص الحق" ، وقال: نحن نقص عليك أحسن القصص.
* * *
وقرأ ذلك جماعة من قرأة الكوفة والبصرة: (إنِ الْحُكْمُ إلا لِلهِ يَقْضِي الْحَقَّ) بالضاد، من "القضاء" ، بمعنى الحكم والفصل بالقَضَاء، (2) واعتبروا صحة ذلك بقوله: "وهو خير الفاصلين" ، وأن "الفصل" بين المختلفين إنما يكون بالقضاء لا بالقَصَص.
* * *
وهذه القراءة عندنا أولى القراءَتين بالصواب، لما ذكرنا لأهلِها من العلّة.
* * *
فمعنى الكلام إذًا: ما الحكم فيما تستعجلون به، أيها المشركون، من عذاب الله وفيما بيني وبينكم، إلا الله الذي لا يجور في حكمه، وبيده الخلق والأمر، يقضي الحق بيني وبينكم، وهو خير الفاصلين بيننا بقضائه وحكمه.
* * *
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "يقضي الحق" ، وهو سهو هنا، والصواب ما أثبته.

(2)
انظر تفسير "قضى" فيما سلف 2: 542، 543، وسائر فهارس اللغة.

القول في تأويل قوله: {قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم الآلهة والأوثان، المكذبيك فيما جئتهم به، السائليك أن تأتيهم بآية استعجالا منهم بالعذاب: لو أنّ بيدي ما تستعجلون به من العذاب = "لقضي الأمر بيني وبينكم" ، ففصل ذلك أسرع الفصل، بتعجيلي لكم ما تسألوني من ذلك وتستعجلونه، ولكن ذلك بيد الله، الذي هو أعلم بوقت إرساله على الظالمين، الذين يضعون عبادتهم التي لا تنبغي أن تكون إلا لله في غير موضعها، فيعبدون من دونه الآلهة والأصنام، وهو أعلم بوقت الانتقام منهم، وحالِ القضاء بيني وبينهم.
* * *
وقد قيل: معنى قوله: "لقضي الأمر بيني وبينكم" ، بذبح الموت. (1)
13304 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن ابن جريج قال، بلغني في قوله: "لقضي الأمر" ، قال: ذبح الموت.
* * *
وأحسب أن قائل هذا القول، نزع لقوله (2) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ [سورة مريم: 39] ، فإنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك قصة تدل على معنى ما قاله هذا القائل في "قضاء الأمر" ، (3) وليس
(1)
في المطبوعة: "الذبح للموت" ، وفي المخطوطة: "الذبح الموت" ، وآثرت قراءتها كما أثبتها.

(2)
في المطبوعة والمخطوطة: "أن قائل هذا النوع نزع" ، وهو كلام عجب، لا أظن أبا جعفر يتدانى إلى مثله. والصواب ما أثبته بلا شك.

(3)
رواه أبو جعفر في تفسيره 16: 66 (بولاق) ، وهو الخبر الذي جاء فيه أنه يجاه يوم القيامة بالموت كأنه كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار، ثم ينادي في أهل الجنة والنار هل يعرفونه، فيقولون: لا! فيقال: هذا الموت، ثم يؤخذ فيذبح، ثم ينادي: يا أهل النار، خلود فلا موت، ويا أهل الجنة، خلود فلا موت.

قوله: "لقضي الأمر بيني وبينكم" من ذلك في شيء، وإنما هذا أمرٌ من الله تعالى ذكره نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يقول لمن استعجله فصلَ القضاء بينه وبينهم من قوله بآية يأتيهم بها: لو أن العذاب والآيات بيدي وعندي، لعاجلتكم بالذي تسألوني من ذلك، ولكنه بيد من هو أعلم بما يُصلح خلقه، منّي ومن جميع خلقه.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}
قال أبو جعفر: يقول: وعند الله مفاتح الغيب. (1)
و "المفاتح" : جمع "مِفْتَح" ، يقال فيه: "مِفْتح" و "مِفْتَاح" . فمن قال: "مِفْتَح" ، جمعه "مفاتح" ، ومن قال: "مفتاح" ، جمعه "مفاتيح" .
* * *
ويعني بقوله: "وعنده مفاتح الغيب" ، خزائن الغيب، كالذي:-
13305- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وعنده مفاتح الغيب" ، قال، يقول: خزائن الغيب.
13306- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن مسعر، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، عن ابن مسعود قال: أعطي نبيُّكم كل شيءٍ إلا مفاتح الغيب. (2)
(1)
في المطبوعة: "يقول: وعنده مفاتح الغيب" ، والصواب ما في المخطوطة.

(2)
الأثر: 13306 - "عبد الله بن سلمة المرادي" ، تابعي ثقة، من فقهاء الكوفة بعد الصحابة. مضى برقم: 12398.

وهذا خبر الإسناد، رواه أحمد في مسنده: 3659، انظر شرح أخي السيد أحمد لهذا الخبر هناك.
13307 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس: "وعنده مفاتح الغيب" ، قال: هن خمس: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ إلى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [سورة لقمان: 34] .
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذًا: والله أعلم بالظالمين من خلقه، وما هم مستحقُّوه وما هو بهم صانع، فإنّ عنده علم ما غاب علمه عن خلقه فلم يطلعوا عليه ولم يدركوه، ولن يعلموه ولن يدركوه (1) = "ويعلم ما في البر والبحر" ، يقول: وعنده علم ما لم يغب أيضًا عنكم، لأن ما في البر والبحر مما هو ظاهر للعين، يعلمه العباد. فكأن معنى الكلام: وعند الله علم ما غابَ عنكم، أيها الناس، مما لا تعلمونه ولن تعلموه مما استأثرَ بعلمه نفسَه، ويعلم أيضًا مع ذلك جميع ما يعلمه جميعُكم، لا يخفى عليه شيء، لأنه لا شيءَ إلا ما يخفى عن الناس أو ما لا يخفى عليهم. فأخبر الله تعالى ذكره أن عنده علم كل شيء كان ويكون، وما هو كائن مما لم يكن بعد، وذلك هو الغيب. (2)
* * *
(1)
في المطبوعة: "ولم يعلموه، ولن يدركوه" ، وفي المخطوطة: "ولم يعلموه ولا يدركوه" ، والصواب الدال عليه السياق، هو ما أثبته.

(2)
انظر تفسير "الغيب" فيما سلف ص: 371 تعليق: 1، والمراجع هناك.

القول في تأويل قوله: {وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولا تسقط ورقةٌ في الصحاري والبراري، ولا في الأمصار والقرى، إلا الله يعلمها = "ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين" ، يقول: ولا شيء أيضًا مما هو موجود، أو ممّا سيوجد ولم يوجد بعد، إلا وهو مثبت في اللوح المحفوظ، مكتوبٌ ذلك فيه، ومرسوم عددُه ومبلغه، والوقت الذي يوجد فيه، والحالُ التي يفنى فيها.
ويعني بقوله: "مبين" ، أنه يبين عن صحة ما هو فيه، بوجود ما رُسم فيه على ما رُسم. (1)
* * *
فإن قال قائل: وما وجهُ إثباته في اللوح المحفوظ والكتاب المبين، ما لا يخفى عليه، وهو بجميعه عالم لا يُخَاف نسيانَه؟
قيل له: لله تعالى ذكره فعل ما شاء. وجائز أن يكون كان ذلك منه امتحانًا منه لحفَظَته، واختبارًا للمتوكلين بكتابة أعمالهم، فإنهم فيما ذُكر مأمورون بكتابة أعمال العباد، ثم بعرضها على ما أثبته الله من ذلك في اللوح المحفوظ، حتى أثبت فيه ما أثبت كل يوم. وقيل إن ذلك معنى قوله: إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، [سورة الجاثية: 29] . وجائز أن يكون ذلك لغير ذلك، مما هو أعلم به، إمّا بحجة يحتج بها على بعض ملائكته، وأما على بني آدم وغير ذلك، وقد:-
(1)
انظر تفسير "مبين" فيما سلف من فهارس اللغة (بين) .

13308 - حدثني زياد بن يحيى الحسّاني أبو الخطاب قال، حدثنا مالك بن سعير قال، حدثنا الأعمش، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث قال: ما في الأرض من شجرة ولا كمغرِز إبرة، إلا عليها ملك موكّل بها يأتي الله بعلمها: (1) يبسها إذا يبست، ورطوبتها إذا رَطبت. (2)
* * *
(1)
في المطبوعة: "يأتي الله يعلمه يبسها" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو الصواب، وهذا عبث من الناشر.

(2)
الأثر: 13308 - "زياد بن يحيى بن زياد بن حسان الحساني النكري" ، أبو الخطاب، ثقة، روى له الستة. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 1/2/549.

هذا، وقد جاء في المخطوطة وتفسير ابن كثير "زياد بن عبد الله الحساني أبو الخطاب" ، وهو خطأ لا شك فيه، فإن الذي يروي عن "مالك بن سعير" هو "زياد بن يحيى الحساني، أبو الخطاب" ، فضلا عن أنه ليس في الرواة من يسمى "زياد بن عبد الله الحساني أبو الخطاب" . و "مالك بن سعير بن الخمس التميمي" ، قال أبو زرعة وأبو حاتم: "صدوق" ، وضعفه أبو داود، وذكره ابن حبان في الثقات، وهو مترجم في التهذيب، والبخاري في الكبير 4/1/315، ولم يذكر فيه جرحًا، وابن أبي حاتم 4/1/209.
و "يزيد بن أبي زياد القرشي الهاشمي" هو مولى "عبد الله بن الحارث" ، مضى مرارًا، آخرها رقم: 12740.
و "عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم" ، هو "ببة" ، ثقة، مضى برقم: 12740.
وهذا الخبر، ذكره ابن كثير في تفسيره من طريق ابن أبي حاتم، عن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن المسور الزهري، عن مالك بن سعير، بمثله.
وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 15، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة، وأبي الشيخ.
القول في تأويل قوله: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: وقل لهم، يا محمد، والله أعلم بالظالمين، والله هو الذي يتوفى أرواحكم بالليل فيقبضها من أجسادكم = "ويعلم ما جرحتم بالنهار" ، يقول: ويعلم ما كسبتم من الأعمال بالنهار.
ومعنى "التوفي" ، في كلام العرب استيفاء العدد، (1) كما قال الشاعر: (2)
إِنَّ بَنِي الأدْرَم لَيْسُوا مِنْ أَحَدْ ... وَلا تَوَفَّاهُمْ قُرَيْشٌ فِي العَدَدْ (3)
بمعنى: لم تدخلهم قريش في العدد.
* * *
وأما "الاجتراح" عند العرب، فهو عمل الرجل بيده أو رجله أو فمه، وهي "الجوارح" عندهم، جوارح البدن فيما ذكر عنهم. ثم يقال لكل مكتسب عملا "جارح" ، لاستعمال العرب ذلك في هذه "الجوارح" ، ثم كثر ذلك في الكلام حتى قيل لكل مكتسب كسبًا، بأيّ أعضاء جسمه اكتسب: "مجترِح" . (4)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13309 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي: "وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار" ، أما "يتوفاكم بالليل" ففي النوم = وأما "يعلم ما جرحتم بالنهار" ، فيقول: ما اكتسبتم من الإثم.
13310 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار" ، يعني: ما اكتسبتم من الإثم.
(1)
انظر تفسير: التوفي "فيما سلف 6: 455، 456/8: 73/9: 100/11: 239"

(2)
هو منظور الوبري.

(3)
اللسان (وفي) ، وسيأتي في التفسير 21: 61 (بولاق) ، وكان في المطبوعة هنا: "إن بني الأدم" ، وفي اللسان "إن بني الأدرد" ، وهما خطأ، صوابه ما جاء في التفسير بعد.

و "بنو الأدرم" هو بنو "تيم بن غالب بن فهر بن مالك" ، وهم من قريش الظواهر، لا قريش الأباطح. وهذا الراجز يهجوهم بأن قريشًا أهل الأباطح، لا يجعلون بني الأدرم (وهم من قريش الظواهر) تمامًا لعددهم، ولا يستوفون بهم عددهم إذا عدوا.
(4)
انظر تفسير "الجوارح" و "الاجتراح" فيما سلف 9: 543، 544.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #610  
قديم 15-07-2025, 02:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (610)
صــ 406 إلى صــ 415






13311 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، حدثنا معمر، عن قتادة: "ما جرحتم بالنهار" ، قال: ما عملتم بالنهار.
13312- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله.
13313 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "وهو الذي يتوفاكم بالليل" ، يعني بذلك نومهم = "ويعلم ما جرحتم بالنهار" ، أي: ما عملتم من ذنب فهو يعلمه، لا يخفى عليه شيء من ذلك.
13314 - حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار" ، قال: أمّا وفاته إياهم بالليل، فمنامهم = وأما "ما جرحتم بالنهار" ، فيقول: ما اكتسبتم بالنهار.
* * *
قال أبو جعفر: وهذا الكلام وإن كان خبرًا من الله تعالى عن قدرته وعلمه، فإنّ فيه احتجاجًا على المشركين به، الذين كانوا ينكرون قدرته على إحيائهم بعد مماتهم وبعثهم بعد فنائهم. فقال تعالى ذكره محتجًا عليهم: "وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضي أجل مسمى" ، يقول: فالذي يقبض أرواحكم بالليل ويبعثكم في النهار، لتبلغوا أجلا مسمى، وأنتم ترون ذلك وتعلمون صحّته، غير منكرٍ له القدرة على قبض أرواحكم وإفنائكم، ثم ردِّها إلى أجسادكم، وإنشائكم بعد مماتكم، فإن ذلك نظير ما تعاينون وتشاهدون، وغير منكر لمن قدر على ما تعاينون من ذلك، القدرةُ على ما لم تعاينوه. وإن الذي لم تروه ولم تعاينوه من ذلك، شبيه ما رأيتم وعاينتم.
* * *
القول في تأويل قوله: {ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60) }
(1)

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: "ثم يبعثكم" ، يثيركم ويوقظكم من منامكم (2) = "فيه" يعني في النهار، و "الهاء" التي في "فيه" راجعة على "النهار" (3) = "ليقضي أجلٌ مسمى" ، يقول: ليقضي الله الأجل الذي سماه لحياتكم، وذلك الموت، فيبلغ مدته ونهايته (4) = "ثم إليه مرجعكم" ، يقول: ثم إلى الله معادكم ومصيركم (5) = "ثم ينبئكم بما كنتم تعملون" ، يقول: ثم يخبركم بما كنتم تعملون في حياتكم الدنيا، (6) ثم يجازيكم بذلك، إن خيرًا فخيرًا وإن شرًّا فشرًّا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13315 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "ثم يبعثكم فيه" ، قال: في النهار.
13316 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، حدثنا معمر، عن قتادة: "ثم يبعثكم فيه" ، في النهار، و "البعث" ، اليقظة.
13317- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة مثله.
(1)
أسقط في المطبوعة والمخطوطة: "ثم يبعثكم فيه" ، وهو نص التلاوة.

(2)
انظر تفسير "البعث" فيما سلف 2: 84، 85/5: 457/10: 229.

(3)
في المطبوعة والمخطوطة: "والهاء التي فيه راجعة" ، بإسقاط "في" ، والصواب إثباتها.

(4)
انظر تفسير "أجل مسمى" فيما سلف 6: 43/11: 259.

(5)
انظر تفسير "المرجع" فيما سلف 6: 464/10: 391/11: 154.

(6)
انظر تفسير "النبأ" فيما سلف ص: 335 تعليق: 2، والمراجع هناك.

13318 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ثم يبعثكم فيه" ، قال: بالنهار. (1)
13319 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال عبد الله بن كثير: "ثم يبعثكم فيه" ، قال: يبعثكم في المنام.
* * *
= "ليقضي أجل مسمى" ، وذلك الموت.
* ذكر من قال ذلك:
13320 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "ليقضي أجل مسمى" ، وهو الموت.
13321 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ليقضي أجل مسمى" ، قال: هو أجل الحياة إلى الموت.
13322 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال عبد الله بن كثير: "ليقضي أجل مسمى" ، قال: مدّتهم.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (61) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: "وهو القاهر" ، والله الغالب خلقه، العالي عليهم بقدرته، (2) لا المقهور من أوثانهم وأصنامهم، المذلَّل المعْلُوّ عليه
(1)
في المطبوعة: "في النهار" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(2)
انظر تفسير "القاهر" فيما سلف ص: 288.

لذلته (1) = "ويرسل عليكم حفظة" ، وهي ملائكته الذين يتعاقبونكم ليلا ونهارًا، يحفظون أعمالكم ويحصونها، ولا يفرطون في حفظ ذلك وإحصائه ولا يُضيعون. (2)
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13323 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: "ويرسل عليكم حفظة" ، قال: هي المعقبات من الملائكة، يحفظونه ويحفظون عمله.
13324 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون" ، يقول: حفظة، يا ابن آدم، يحفظون عليك عملك ورزقك وأجلك، إذا توفَّيت ذلك قبضت إلى ربك = "حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون" ، يقول تعالى ذكره: إن ربكم يحفظكم برسل يعقِّب بينها، يرسلهم إليكم بحفظكم وبحفظ أعمالكم، إلى أن يحضركم الموت، وينزل بكم أمر الله، فإذا جاء ذلك أحدكم، توفاه أملاكنا الموكَّلون بقبض الأرواح، ورسلنا المرسلون به = "وهم لا يفرطون" ، في ذلك فيضيعونه. (3)
* * *
فإن قال قائل: أو ليس الذي يقبض الأرواح ملك الموت، فكيف قيل: "توفته رسلنا" ، "والرسل" جملة وهو واحد؟ أو ليس قد قال: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ
(1)
في المطبوعة: "المغلوب عليه لذلته" وهو خطأ وسوء تصرف، والذي في المخطوطة هو الصواب.

(2)
انظر تفسير "الحفظ" بمعانيه فيما سلف 5: 167/8: 296، 297، 562/10: 343، 562.

(3)
انظر تفسير "التوفي" فيما سلف ص: 405 تعليق: 1، والمراجع هناك.

الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ [سورة السجدة: 11] ؟
قيل: جائز أن يكون الله تعالى ذكره أعان ملك الموت بأعوان من عنده، فيتولون ذلك بأمر ملك الموت، فيكون "التوفي" مضافًا = وإن كان ذلك من فعل أعوان ملك الموت = إلى ملك الموت (1) إذ كان فعلهم ما فعلوا من ذلك بأمره، كما يضاف قتلُ من قتل أعوانُ السلطان وجلدُ من جلدوه بأمر السلطان، إلى السلطان، وإن لم يكن السلطان باشر ذلك بنفسه، ولا وليه بيده.
* * *
وقد تأول ذلك كذلك جماعة من أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13325 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، حدثنا الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم في قوله: "حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون" ، قال: كان ابن عباس يقول: لملك الموت أعوانٌ من الملائكة.
13326- حدثني أبو السائب قال، حدثنا ابن إدريس، عن الحسن بن عبيد الله في قوله: "توفته رسلنا وهم لا يفرطون" ، قال: سئل ابن عباس عنها فقال: إن لملك الموت أعوانًا من الملائكة.
13327 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم في قوله: "توفته رسلنا وهم لا يفرطون" ، قال: أعوان ملك الموت.
13328- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم: "توفته رسلنا وهم لا يفرطون" ، قال: الرسل توفَّى الأنفس، ويذهب بها ملك الموت.
13329 - حدثنا هناد قال، حدثنا حفص، عن الحسن بن عبيد الله،
(1)
السياق: "فيكون التوفي مضافًا. . . إلى ملك الموت" .

عن إبراهيم، عن ابن عباس: "توفته رسلنا وهم لا يفرطون" ، أعوان ملك الموت من الملائكة. (1)
13330- [حدثنا هناد قال، حدثنا حفص، عن الحسن بن عبيد الله، عن ابن عباس: "توفته رسلنا وهم لا يفرطون" . قال: أعوان ملك الموت من الملائكة] . (2)
13331- حدثنا هناد قال، حدثنا قبيصة، عن سفيان، عن الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم: "توفته رسلنا" ، قال: هم الملائكة أعوان ملك الموت.
13332 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، حدثنا معمر، عن قتادة: "توفته رسلنا" ، قال: إن ملك الموت له رسل، فيرسل ويرفع ذلك إليه = وقال الكلبي: إن ملك الموت هو يلي ذلك، فيدفعه، إن كان مؤمنًا، إلى ملائكة الرحمة، وإن كان كافرًا إلى ملائكة العذاب.
13333 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة: "توفته رسلنا" ، قال: يلي قبضَها الرسل، ثم يدفعونها إلى ملك الموت.
13334 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن منصور عن إبراهيم في قوله: "توفته رسلنا" ، قال: تتوفاه الرسل، ثم يقبض منهم ملك الموت الأنفس = قال الثوري: وأخبرني الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم قال: هم أعوان لملك الموت = قال الثوري: وأخبرني
(1)
الأثر: 13329 - كان تفسير هذه الآية في هذا الخبر: "قال: الرسل توفى الأنفس، ويذهب بها ملك الموت" ، وهذا مخالف كل المخالفة لما في المخطوطة، فأثبت ما فيها، وكأنه الصواب إن شاء الله.

(2)
الأثر: 13330 - هذا الأثر ليس في المخطوطة، ولذلك وضعته بين قوسين، وظني أنه تكرار من تصرف ناسخ، فإن إسناده إسناد الذي قبله، إلا أنه ليس فيه "عن إبراهيم" بين "الحسن بن عبيد الله" و "ابن عباس" .

رجل، عن مجاهد قال: جعلت الأرض لملك الموت مثل الطست يتناول من حيث شاء، وجعلت له أعوان يتوفَّون الأنفس ثم يقبضها منهم.
13335 حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن إدريس، عن الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم، عن ابن عباس في قوله: "توفته رسلنا" ، قال: أعوان ملك الموت من الملائكة.
13336 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم قال: الملائكة أعوان ملك الموت.
13337- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا قبيصة، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم: "توفته رسلنا" ، قال: يتوفونه، ثم يدفعونه إلى ملك الموت.
13338 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه قال: سألت الربيع بن أنس عن ملك الموت، أهو وحده الذي يقبض الأرواح، قال: هو الذي يلي أمرَ الأرواح، وله أعوان على ذلك، ألا تسمع إلى قول الله تعالى ذكره: حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ؟ [سورة الأعراف: 37] . وقال: "توفته رسلنا وهم لا يفرطون" ، غير أن ملك الموت هو الذي يسير كل خطوة منه من المشرق إلى المغرب. قلت: أين تكون أرواح المؤمنين؟ قال: عند السدرة في الجنة.
13339- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا محمد بن مسلم، عن إبراهيم بن ميسرة، عن مجاهد قال: ما من أهل بيت شَعَرٍ ولا مَدَرٍ إلا وملك الموت يُطيف بهم كل يوم مرتين.
* * *
وقد بينا أن معنى "التفريط" ، التضييع، فيما مضى قبل. (1) وكذلك تأوله المتأوّلون في هذا الموضع.
(1)
انظر تفسير "التفريط" فيما سلف ص: 345، 346.

13340- حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "وهم لا يفرطون" ، يقول: لا يضيعون.
13341 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وهم لا يفرطون" ، قال: لا يضيعون.
* * *
القول في تأويل قوله: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (62) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ثم ردت الملائكة الذين توفَّوهم فقبضوا نفوسهم وأرواحهم، إلى الله سيدهم الحق، (1) "ألا له الحكم" ، يقول: ألا له الحكم والقضاء دون من سواه من جميع خلقه (2) = "وهو أسرعُ الحاسبين" ، يقول: وهو أسرع من حسب عددكم وأعمالكم وآجالكم وغير ذلك من أموركم، أيها الناس، وأحصاها، وعرف مقاديرها ومبالغها، (3) لأنه لا يحسب بعقد يد، ولكنه يعلم ذلك ولا يخفى عليه منه خافية، ولا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (4) [سورة سبأ: 3] .
* * *
(1)
انظر تفسير "المولى" فيما سلف 6: 141/7: 278، وغيرها من فهارس اللغة مادة (ولي) .

(2)
انظر تفسير "الحكم" فيما سلف 9: 175، 324، 462.

(3)
انظر تفسير "الحساب" فيما سلف: 207، 274، 275/6: 279.

(4)
هذا تضمين آية "سورة سبأ" : 3.

القول في تأويل قوله: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم، الداعين إلى عبادة أوثانهم: من الذين ينجيكم = "من ظلمات البر" ، إذا ضللتم فيه فتحيَّرتم، فأظلم عليكم الهدى والمحجة = ومن ظلمات البحر إذا ركبتموه، فأخطأتم فيه المحجة، فأظلم عليكم فيه السبيل، فلا تهتدون له = غير الله الذي إليه مفزعكم حينئذ بالدعاء (1) = "تضرعًا" ، منكم إليه واستكانة جهرًا (2) = "وخفية" ، يقول: وإخفاء للدعاء أحيانًا، وإعلانًا وإظهارًا تقولون: لئن أنجيتنا من هذه يا رب (3) = أي من هذه الظلمات التي نحن فيها = "لنكونن من الشاكرين" ، يقول: لنكونن ممن يوحدك بالشكر، ويخلص لك العبادة، دون من كنا نشركه معك في عبادتك.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
(1)
في المطبوعة: "الذي مفزعكم" ، والصواب من المخطوطة.

(2)
انظر تفسير "التضرع" فيما سلف ص: 355.

(3)
في المطبوعة والمخطوطة، كان نص الآية {لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هذِهِ} وهي قراءة باقي السبعة، وقراءتنا المثبتة في مصحفنا هي قراءة الكوفيين. وقد جرى أبو جعفر في تفسيره على قراءة عامة الناس، ولم يشر إلى قراءتنا، وجرى على ذلك في تفسيره الآية. وقال القرطبي: قرأ الكوفيون "لئن أنجانا" ، واتساق المعنى بالتاء، كما قرأ أهل المدينة والشام.

وانظر معاني القرآن للفراء 1: 338. وظني أن أبا جعفر قد اختصر التفسير في هذا الموضع اختصارًا شديدًا، فترك كثيرًا كان يظن به أن يقوله.
* ذكر من قال ذلك:
13342 - حدثني محمد بن سعيد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعًا وخفية" ، يقول: إذا أضل الرجل الطريق، دعا الله: "لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين" . (1)
13343 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر" ، يقول: من كرْب البر والبحر.
* * *
القول في تأويل قوله: {قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء العادلين بربهم سواه من الآلهة، إذا أنت استفهمتهم عمن به يستعينون عند نزول الكرب بهم في البر والبحر: الله القادرُ على فَرَجكم عند حلول الكرب بكم، ينجيكم من عظيم النازل بكم في البر والبحر من همّ الضلال وخوف الهلاك، ومن كرب كل سوى ذلك وهمّ = لا آلهتكم التي تشركون بها في عبادته، ولا أوثانكم التي تعبدونها من دونه، التي لا تقدر لكم على نفع ولا ضرّ، ثم أنتم بعد تفضيله عليكم بكشف النازل بكم من الكرب، ودفع الحالِّ بكم من جسيم الهم، تعدلون به آلهتكم وأصنامكم، فتشركونها في عبادتكم إياه. وذلك منكم جهل
(1)
تركت الخبر على قراءة الناس لا قراءتنا في مصحفنا.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 105 ( الأعضاء 0 والزوار 105)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 430.66 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 424.81 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (1.36%)]