شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله - الصفحة 7 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 874 - عددالزوار : 119470 )           »          الوصايا النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 27 - عددالزوار : 8862 )           »          البشعة وحكمها في الشريعة الإسلامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الألباني.. إمام الحديث في العصر الحديث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 4 - عددالزوار : 1197 )           »          لا تقولوا على الله ما لا تعلمون (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          نصائح وضوابط إصلاحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 50 - عددالزوار : 21978 )           »          اصطحاب الأطفال إلى المساجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          صلة الرحم ليس لها فترة زمنية محددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الدعاء بالثبات والنصر للمستضعفين من المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الأسباب المعينة على قيام الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 14-09-2021, 01:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,281
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله


شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

المواضع التي نهي عن البول فيها

صــ 1إلى صــ8
الحلقة (53)

شرح سنن أبي داود [025]
من الأمور المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم المسح على الخفين، ومسألة المسح على الخفين من المسائل التي ذكرها العلماء في كتب الفقه وكتب العقيدة، وسبب إدخالها في كتب العقيدة إنكار بعض أهل البدع للمسح على الخفين، مع ثبوته في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المتواترة.
المسح على الخفين
[شرح حديث المغيرة بن شعبة في المسح على الخفين]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب المسح على الخفين.حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب حدثني عباد بن زياد أن عروة بن المغيرة بن شعبة أخبره أنه سمع أباه المغيرة رضي الله عنه يقول: (عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه في غزوة تبوك قبل الفجر، فعدلت معه، فأناخ النبي صلى الله عليه وسلم فتبرز، ثم جاء فسكبت على يده من الإداوة، فغسل كفيه، ثم غسل وجهه، ثم حسر عن ذراعيه فضاق كما جبته، فأدخل يديه فأخرجهما من تحت الجبة فغسلهما إلى المرفق ومسح برأسه، ثم توضأ على خفيه، ثم ركب، فأقبلنا نسير حتى نجد الناس في الصلاة قد قدموا عبد الرحمن بن عوف فصلى بهم حين كان وقت الصلاة، ووجدنا عبد الرحمن وقد ركع بهم ركعة من صلاة الفجر، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصف مع المسلمين فصلى وراء عبد الرحمن بن عوف الركعة الثانية، ثم سلم عبد الرحمن فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته ففزع المسلمون، فأكثروا التسبيح؛ لأنهم سبقوا النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: قد أصبتم أو قد أحسنتم)].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: باب المسح على الخفين، والمسح على الخفين ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاء عن جماعة كثيرة من الصحابة، وهو من الأحاديث المتواترة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والرافضة لا يقولون بالمسح كما لا يقولون بغسل الرجلين،
ولهذا يذكر بعض المؤلفين في العقائد على مذهب أهل السنة والجماعة هاتين المسألتين إشارة إلى مخالفة هؤلاء المبتدعة الذين خالفوا فيهما:
إحداهما ثابتة بنص القرآن، وهي غسل الرجلين، والثانية ثابتة بالسنة المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي المسح على الخفين،
ولهذا يقول الطحاوي رحمه الله في عقيدة أهل السنة والجماعة:
ونرى غسل الرجلين ومسح الخفين في الحضر والسفر كما قد جاء في الآثار.وهذه المسألة هي من مسائل الفروع والعبادات، وليست من مسائل العقيدة، لكن لما كانت إحدى هاتين المسألتين جاءت في القرآن والثانية جاءت في السنة المتواترة وكان من أهل البدع من يخالف ما جاء في القرآن من غسل الرجلين وما جاء في السنة المتواترة من المسح على الخفين ذكروا ذلك لمجانبة أهل البدع، وللإشارة إلى مفارقتهم لأهل البدع الذين خالفوا نص القرآن وخالفوا السنة المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لذا أدخلوها في باب العقائد مع أنها من المسائل الفقهية، ومن مسائل الفروع، وليست من مسائل العقيدة، لكن من حيث التصديق والامتثال، وأن ما جاء في القرآن حق يمكن أن تكون مما يعتقد؛ لأن كل ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم من أخبار يجب أن تصدق، لكن من حيث الذي اشتهر عند العلماء في ذكر مباحث العقيدة أنهم يذكرون ما يتعلق بالإيمان والأمور التي تعتقد، ولم يكن ذكر المسائل الفقهية يأتي في العقائد إلا من أجل أنه اشتهر عن بعض المبتدعة، وقد جاء به القرآن والسنة المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.وأورد أبو داود رحمه الله حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه وأنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر،
وكان معه أصحابه رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم قال:
(فعدل الرسول)،
يعني:
عن الطريق، فبدل ما كان يمشي في الطريق والناس يمشون فيها عدل إلى ناحية من أجل أن يقضي حاجته، وهذا يفيد أن الطرق لا تقضى فيها الحاجة، كما سبق في الحديث النهي عن قضاء الحاجة في طريق الناس وظلهم، فالرسول عدل عن الطريق الذي يمشي فيه الناس وذهب إلى مكان غير الطريق المسلوك، فقضى حاجته.قوله: [(فعدلت معه فأناخ النبي صلى الله عليه وسلم فتبرز)].(فعدلت معه)،
يعني:
تبعته (فأناخ النبي صلى الله عليه وسلم فتبرز)، يعني: قضى حاجته.
قوله: (ثم جاء فسكبت على يده من الإداوة)].
يعني: ثم جاء من مكان قضاء حاجته، فسكب على يده من الإداوة، وهذا فيه معاونة الشخص ومساعدته في الوضوء، وأن للإنسان أن يوضئ غيره،
يعني: أن يصب على غيره، وغيره يتوضأ، وليس بلازم أن الإنسان هو الذي يفرغ، بل له أن يفرغ ولغيره أن يفرغ عليه، وكل ذلك جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما في الأحاديث الكثيرة التي سبق أن مرت في صفة وضوء الرسول أنه أفرغ على يديه، وهنا أفرغ عليه المغيرة بن شعبة فهذا فيه دليل على أن مثل ذلك سائغ، وأن لغيره أن يوضئه وأن يصب عليه الماء وهو يتوضأ.قوله: [(فغسل كفيه ثم غسل وجهه)].
يعني:
غسل كفيه الغسل الذي يكون قبل الوضوء، وهذا كما هو معلوم غسل بدون إدخال يد في الإناء، فالرسول غسل يديه وغيره يصب عليه، فلا يدخل الإنسان يده في الإناء مباشرة، وقد جرى سؤال عن الصنابير هل يغسل الإنسان يديه عندما يتوضأ بها، وقلنا: إن له أن يغسل يديه منها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم صب عليه المغيرة وغسل يديه، وهذا مثل صب الصنابير، لأنه ليس فيه إدخال اليد في الإناء، فلا تدخل اليد في الإناء؛ لأن المقصود هو النظافة، واليد قد تكون غير نظيفة، وإذا استعملها الإنسان وهي غير نظيفة فقد يذهب بالذي فيها إلى وجهه إذا بدأ به دون أن يغسلها، أو إلى فمه للمضمضة، فكونه يغسلها سواء كان سيدخلها في الإناء أو لا يدخلها في الإناء أمر مطلوب، فيصب عليها من صنبور الماء أو يفرغ عليه أحد فيغسل يديه قبل أن يبدأ بأعضاء الوضوء، وهذا كما هو معلوم على سبيل الاستحباب، ولا يجب ذلك إلا إذا علم أن في اليد نجاسة أو كان القيام من نوم الليل كما سبق ذكر ذلك.
قوله:
[(ثم حسر عن ذراعيه فضاق كما جبته)].
أي: أنه أراد أن يخرج الذراعين من الكم فضاق، فرجع وأدخلهما حتى خرج من الجبة وجعلها على كتفيه، وظهر الذراعان من تحت الجبة، وغسلهما إلى المرفقين.
قوله:
[(ومسح برأسه ثم توضأ على خفيه)].
أي:
مسح على خفيه، وهذا محل الشاهد للترجمة وهو المسح على الخفين.
قوله:
[(ثم ركب فأقبلنا نسير حتى نجد الناس في الصلاة قد قدموا عبد الرحمن بن عوف فصلى بهم حين كان وقت الصلاة)].
أي: أن الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه المغيرة بن شعبة ركبوا فأدركوا الناس وقد بدأوا بالصلاة وقدموا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ليصلي للناس، فجاءوا وقد صلى عبد الرحمن بن عوف ركعة فصلوا، فصلى الرسول صلى الله عليه وسلم والمغيرة بن شعبة وهم مسبوقون في الصلاة، ولما فرغوا من الصلاة ورأى الناس رسول الله يصلي ما بقي من صلاته فزعوا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء ولم يصل بهم، وأنه كان مسبوقا،
ففزعوا وقالوا:
سبحان الله! تعجبوا لكونهم سبقوا الرسول ولكون الرسول صلى وراء إمامهم.
قوله: [فأكثروا التسبيح؛ لأنهم سبقوا النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: (قد أصبتم أو قد أحسنتم)].
يعني:
فيما فعلتم، وفي هذا دليل على أن الصلاة تصلى في أول وقتها، وأنه إذا تأخر الإمام عن أول الوقت شيئا من التأخير واحتاجوا إلى أن يصلوا لأنهم خشوا ألا يلحق أو أنه لا يأتيهم أو أنه مشغول أو ما إلى ذلك فإن لهم أن يقدموا واحدا منهم؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم قدموا عبد الرحمن بن عوف، فصلى بهم الصبح، والنبي صلى الله عليه وسلم أدرك معه ركعة، فقام وقضى الركعة الباقية، وهذا هو الذي عرف في الإسلام أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى وراء إمام من رعيته، وهذا فيه دليل على جواز صلاة الرسول وراء أحد رعيته؛ لأنه صلى عليه الصلاة والسلام وراء عبد الرحمن بن عوف ووراء أبي بكر رضي الله عنه، كما ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم ذهب ليصلح بين بني عمرو بن عوف فتأخر، فجاء بلال إلى أبي بكر يستأذنه في الإقامة، فأقام الصلاة وقام أبو بكر ودخل في الصلاة، ولكنه لما دخل كان في أول الصلاة، فالرسول صلى الله عليه وسلم جاء فسبح الصحابة؛ فالتفت أبو بكر -وكان لا يلتفت في صلاته- فرأى الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فأراد أن يتأخر، فأشار إليه مكانك، فتأخر وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى بالناس،
ولما فرغ من صلاته قال:
(ما منعك أن تصلي؟ قال: ما كان لـ ابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم)، لأن هذا كان في أول الصلاة، وأما عبد الرحمن بن عوف فكان قد مضى إلى نصف الصلاة، وهي صلاة الفجر، وقد جاء في بعض الروايات أنه علم وأن الرسول أشار إليه أن يمكث،
والفرق بين حالته وحالة أبي بكر: أن أبا بكر كان في أول الصلاة، فالرسول يصلي بالناس ويسلم بهم، لكن عبد الرحمن سبق أن مضى نصف الصلاة فواصل الصلاة واستمر فيها كما سيأتي في الحديث أن الرسول أشار إليه.
[تراجم رجال إسناد حديث المغيرة بن شعبة في المسح على الخفين]

قوله:
[حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب عن يونس بن يزيد].

أحمد بن صالح وعبد الله بن وهب مر ذكرهما، ويونس بن يزيد الأيلي ثم المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].

هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني عباد بن زياد].

عباد بن زياد وثقه ابن حبان وأخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[أن عروة بن المغيرة بن شعبة أخبره أنه سمع أباه المغيرة].

عروة بن المغيرة بن شعبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.وأبوه المغيرة بن شعبة رضي الله عنه حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[شرح حديث المغيرة في المسح على الخفين وعلى العمامة والناصية]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى -يعني: ابن سعيد - ح وحدثنا مسدد حدثنا معتمر عن التيمي حدثنا بكر عن الحسن عن ابن المغيرة بن شعبة عن المغيرة بن شعبة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على ناصيته.وذكر: فوق العمامة) قال عن المعتمر: سمعت أبي يحدث عن بكر بن عبد الله عن الحسن عن ابن المغيرة بن شعبة عن المغيرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الخفين وعلى ناصيته وعلى عمامته) قال بكر: وقد سمعته من ابن المغيرة].
أورد أبو داود رحمه الله حديث المغيرة بن شعبة وفيه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على العمامة وعلى الناصية)،
يعني: مسح مقدم الرأس الذي بدأ منه وعلى العمامة، وهذا فيه دليل على المسح على العمامة كما سبق ذلك في الترجمة السابقة ولم يذكره المصنف هناك، وهذا مما ورد في المسح على العمامة، وفيه الجمع، فإنه مسح على الناصية وعلى العمامة،
يعني:
إذا كانت الناصية بدا منها شيء فإنه يمسح على ما بدا من ناصيته، وهو مقدم الرأس وعلى العمامة.
قوله:
[(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح ناصيته، وذكر: فوق العمامة)].
يعني: أنه مسح على العمامة.
وفي الطريق الثانية قال:
(كان يمسح على الخفين وعلى ناصيته وعلى عمامته).وهذه الطريق الثانية هي طريق المعتمر بن سليمان عن أبيه سليمان بن طرخان التيمي، وهذه الطريق هي التي فيها الشاهد للترجمة، وهو ذكر المسح على الخفين، والمسح على الناصية وعلى العمامة.
[تراجم رجال إسناد حديث المغيرة في المسح على الخفين وعلى العمامة والناصية]

قوله:

[حدثنا مسدد].

مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا يحيى يعني: ابن سعيد].

يحيى بن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا مسدد].

ح لتحويل السند.ومسدد مر ذكره.
[حدثنا معتمر].

المعتمر هو ابن سليمان بن طرخان التيمي.
[عن التيمي].

هو والد المعتمر، وهذا يعني أن أبا داود رحمه الله روى عن مسدد من طريقين: يروي من طريق مسدد عن يحيى بن سعيد عن سليمان التيمي، ويروي عن مسدد عن المعتمر بن سليمان عن أبيه سليمان التيمي، وهو التيمي،
لكنه اختصره وقال: عن التيمي أي: عن سليمان بن طرخان التيمي، والمعتمر بن سليمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأبوه سليمان بن طرخان التيمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا بكر].

بكر بن عبد الله المزني وقد جاء بيانه في الإسناد الذي بعد هذا، فهنا في هذه الطريق قال: بكر، وفي الطريق الأخرى قال: بكر بن عبد الله، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحسن].

الحسن بن أبي الحسن البصري ثقة يرسل ويدلس، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن المغيرة بن شعبة عن أبيه].

ابن المغيرة بن شعبة وأبوه قد مر ذكرهما.
وقوله:

[قال عن المعتمر: سمعت أبي يحدث عن بكر بن عبد الله عن الحسن عن ابن المغيرة بن شعبة عن المغيرة].

يعني: أن طريق المعتمر بن سليمان فيها تسمية والد بكر وهو أنه ابن عبد الله وهو المزني، وفيه أن المسح يكون على الخفين وعلى الناصية والعمامة، ففيه زيادة المسح على الخفين وهو محل الشاهد للترجمة.
ثم قال:

[قال بكر: وقد سمعته من ابن المغيرة]

يعني: أن بكرا في الإسناد المتقدم يروي عن ابن المغيرة بواسطة الحسن،
وهنا يقول: سمعته من ابن المغيرة يعني: بدون واسطة الحسن،
ومعنى هذا: أنه رواه بواسطة ورواه بغير واسطة، رواه بواسطة الحسن بن أبي الحسن البصري عن ابن المغيرة وسمعه هو من ابن المغيرة،
يعني:
أنه يرويه من طريقين: طريق عال وطريق نازل، والطريق الأول فيه زيادة رجل وهو الحسن، والطريق الثاني فيه نقصان رجل وهو الحسن،
لأن بكرا يقول:
سمعته من ابن المغيرة، وطريق نازل والطريق العالي هو الذي يقل فيه الرواة والطريق النازل هو الذي يكثر فيه الرواة.
وابن المغيرة قال الحافظ في التقريب:
ابن المغيرة عن أبيه في مسح الناصية قيل: هو حمزة.وحمزة بن المغيرة بن شعبة الثقفي ثقة، أخرج له مسلم والنسائي وأبو داود والترمذي وابن ماجة.ذكر له في تحفة الأشراف حديثين أحدهما هذا.وعروة أخوة ثقة، فمادام هذا ثقة وهذا ثقة فالحديث كيفما دار يدور على ثقة.والحديث إذا دار بين ثقتين لا يؤثر سواء كان هذا أو هذا، وإنما يؤثر لو كان أحدهما ضعيفا والثاني ثقة.والله تعالى أعلم.
[شرح حديث: (دع الخفين فإني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان)]

قال المصنف رحمه الله تعالى:
[حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس حدثني أبي عن الشعبي قال: سمعت عروة بن المغيرة بن شعبة يذكر عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركبه ومعي إداوة، فخرج لحاجته، ثم أقبل فتلقيته بالإداوة، فأفرغت عليه فغسل كفيه ووجهه، ثم أراد أن يخرج ذراعيه وعليه جبة من صوف من جباب الروم ضيقة الكمين فضاقت فادرعهما ادراعا، ثم أهويت إلى الخفين لأنزعهما فقال لي: دع الخفين؛ فإني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان فمسح عليهما) قال أبي: قال الشعبي: شهد لي عروة على أبيه وشهد أبوه على رسول الله صلى الله عليه وسلم].
ذكر أبو داود هذا الحديث تحت ترجمة: المسح على الخفين، وقد ذكرنا أن الأحاديث فيه متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنها قد جاءت عن جماعة كثيرة من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وأن هذا مما تميز في السنة، وأن بعض أهل البدع كالرافضة لا يقولون بذلك ولا يمسحون على الخفين، وقد تواترت في ذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أورد أبو داود رحمه الله جملة من الأحاديث مرت في الدرس الماضي، وهذه أحاديث أو طرق أخرى لتلك المسألة التي جاءت في الترجمة، وهي المسح على الخفين،
فأورد حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في ركبه يعني:
كان في ركب، والركب: هو الجماعة المسافرون على الدواب،
قال:
فقضى حاجته.وكان مع المغيرة إداوة،
وهي:
الإناء الذي فيه الماء الذي يتوضأ به،
قال:
فلما انتهى أقبل فتلقاه المغيرة فجعل يصب عليه، وكان عليه جبة من صوف من جباب الروم، وكانت ضيقت الكمين، فلما غسل وجهه وأراد أن يغسل اليدين إلى المرفقين إذا الكمان ضيقان لا يمكن معهما إخراج الذراعين حتى يتمكن من غسلهما، فأخرجهما من الداخل ورفع الجبة على كتفيه ومد يديه، فجعل المغيرة يصب عليه وهو يغسلهما، فغسلهما إلى المرفقين،
ثم لما وصل إلى الرجلين وكان عليه خفان أهوى المغيرة بن شعبة إلى الخفين لينزعهما أي:
ليغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجلين، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: (دعهما؛ فإني أدخلت القدمين في الخفين وهما طاهرتان) يعني: أنه أدخلهما وهو على وضوء، وفي هذا دليل على أنه يقال للمتوضئ: متطهر، أو إنه على طهارة، وليس المقصود أن الطهارة لا تكون إلا في مقابل النجاسة؛ فإن الطهارة يراد بها الوضوء، والإنسان إذا لم يكن متوضئا يكون على غير طهارة، وإذا توضأ يكون على طهارة، لكن ليس معنى ذلك أن عدم الوضوء يكون فيه نجاسة، فهو حصل له الحدث ولم يرفعه، وإذا رفعه فإنه يوصف بأنه على طهارة،
ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دعهما فإني أدخلتهما وهما طاهرتان) يعني: أدخل النعلين في الخفين بعد الطهارة.وفي هذا دليل على أن الإنسان إذا توضأ فليس له أن يلبس الخفين إلا بعد غسل الرجل اليسرى؛ لأنه بذلك يكون على تمام الطهارة، ويعتبر متوضئا متطهرا، ولا يجوز له أن يغسل الرجل اليمنى ثم يلبس الخف، وإذا لبس الخف غسل الرجل اليسرى؛ لأنه إذا فعل ذلك يكون لبس وهو على غير تمام الطهارة؛ لأن الإنسان لا يعتبر متوضئا إلا إذا أكمل غسل الرجل اليسرى التي هي آخر أعضاء الوضوء، فلو غسل اليمنى ثم لبس الخف قبل أن يغسل اليسرى فلبسه غير صحيح، ولا يجوز له أن يمسح؛ لأنه لبس الخف وهو على غير طهارة؛ لأنه ما دام أنه غسل الرجل اليمنى واليسرى ما غسلت فإن الطهارة ما وجدت إلى الآن؛ إذ لا توجد الطهارة إلا إذا أكمل الوضوء.
وبعض أهل العلم قال: إن ذلك يصح،
لكن قوله صلى الله عليه وسلم: (إني أدخلتهما وهما طاهرتان) يعني: أن الطهارة إنما تكون بعد الفراغ من الوضوء، وليست في أثناء الوضوء، وهذا هو الذي يتضح به النص، وهو الذي فيه الاحتياط في الدين أيضا؛ لأن هذا لا شبهة ولا إشكال فيه، وأما ذاك ففيه شبهة وفيه إشكال، وأيضا لم تكن الطهارة موجودة؛ لأن المقصود بالطهارة الطهارة الشرعية، وليس المقصود بها النظافة، فالنظافة قد يراد بها الطهارة اللغوية؛
لأن تغسيل اليدين يقال له:
وضوء أي: أنه تنظف؛ لأن الوضوء مأخوذ من الوضاءة وهي النظافة والنزاهة، فالمقصود الطهارة الشرعية التي هي كمال الوضوء.وقوله: (فإني أدخلتهما وهما طاهرتان) أي: أدخلت القدمين في الخفين وهما طاهرتان، أي: أنه قد غسلهما قبل لبس الخفين.(فمسح عليهما)، أي: مسح على الخفين،
وهذا محل الشاهد للترجمة التي هي:
المسح على الخفين، فهو لم ينزع الخفين، ولم يأذن للمغيرة أن ينزع الخفين، بل مسح عليهما؛ لأنه لبسهما وهو على طهارة أي: على وضوء.
[تراجم رجال إسناد حديث: (دع الخفين فإني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان)]

قوله:
[حدثنا مسدد].

هو ابن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا عيسى بن يونس].

عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبي].
هو يونس بن أبي إسحاق السبيعي وهو صدوق يهم قليلا أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن الشعبي].

هو عامر بن شراحيل الشعبي ثقة، فقيه، إمام مشهور، أخرج له أصحاب الكتب الستة،
وهو الذي أثرت عنه الكلمة المشهورة فيما يتعلق بالرافضة وهي المقولة العظيمة التي يقول فيها:
إن اليهود والنصارى فضلوا على الرافضة بخصلة.
يعني: أن اليهود والنصاري تميزوا على الرافضة بخصلة وهي: أن اليهود إذا قيل لهم: من أفضل أهل ملتكم؟
قالوا: أصحاب موسى،
والنصارى إذا قيل لهم:
من أفضل أهل ملتكم؟
قالوا:
أصحاب عيسى والرافضة إذا قيل لهم من شر أهل ملتكم؟
قالوا:
أصحاب محمد! هذه الكلمة مشهورة ومأثورة عن الشعبي،
وقد ذكرها الشيخ ابن تيمية في أول كتابه:
منهاج السنة، وهذه الكلمة التي قالها الشعبي قد قالها رافضي نطق وفاه بها في قصيدة طويلة خبيثة سيئة قذرة فيها ذم الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم وفي مقدمتهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، وكان مما قاله في ذم الصحابة مستفهما استفهام إنكار: أهم خير أمة أخرجت للناس هيهات ذاك بل أشقاها أي: بل هم أشقى أمة أخرجت للناس! وكان من جملة ما قاله من الوقاحة في بيت من الشعر ما معناه: إن سورة براءة خلت من البسملة؛ لأنه أشير فيها إلى أبي بكر! وهذا هو المنتهى في الخسة والقبح والفحش في القول والعياذ بالله! وعامر بن شراحيل الشعبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: سمعت عروة بن المغيرة].

عروة بن المغيرةبن شعبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].

هو المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، الصحابي المشهور، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
قوله:

[قال أبي: قال الشعبي: شهد لي عروة على أبيه، وشهد أبوه على رسول الله صلى الله عليه وسلم].

هذا من تأكيد الكلام وضبط الكلام وإتقانه،
والشهادة:
هي الإخبار،
وقوله:
(قال الشعبي: شهد لي عروة على أبيه، وشهد أبوه على رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني: أن كلا منهما شهد على الآخر، وهذا فيه الضبط والتحقق؛ لأن هذا هو المقصود من هذا الكلام.
وقوله: (جبة من صوف من جباب الروم) فيه أن الثياب التي تأتي من الكفار يجوز أن تلبس، وكذلك الأواني التي تأتي من الكفار يجوز أن تستعمل.وهذه الألبسة هي من الألبسة التي كانوا يصنعونها ويلبسونها لكن ليست من خصائصهم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 24-09-2021, 07:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,281
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

المواضع التي نهي عن البول فيها

صــ 1إلى صــ28
الحلقة (55)

شرح سنن أبي داود [027]

من المسائل المتعلقة بالمسح على الخفين: المسح على الجوربين والنعلين، وهي من المسائل التي تهم كل مسلم في طهارته وعبادته، لذا ينبغي معرفة شروط المسح عليها، ومعرفة المسائل المتعلقة بها.

التوقيت في المسح


شرح حديث خزيمة بن ثابت في توقيت المسح

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التوقيت في المسح. حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن الحكم و حماد عن إبراهيم عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام وللمقيم يوم وليلة). قال أبو داود : رواه منصور بن المعتمر عن إبراهيم التيمي بإسناده قال فيه: (ولو استزدناه لزادنا). أورد أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باب التوقيت في المسح على الخفين،
والمقصود من هذه الترجمة بيان المدة التي يكون فيها المسح على الخفين، وأنها يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، والأحاديث التي تتعلق بالترجمة هي دالة أيضاً على ثبوت المسح على الخفين؛ لأن الأحاديث التي فيها كيفية المسح وزيادة،
فيها إثبات المسح وزيادة التوقيت، أو إثبات المسح وزيادة الكيفية. إذاً: كل حديث فيه ذكر التوقيت وفيه ذكر الكيفية فهو دال على إثبات أصل المسح، وعلى هذا فإن حديث المسح على الخفين متواتر عن جماعة كثيرة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث خزيمة بن ثابت رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:
(المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام وللمقيم يوم وليلة) يعني: ثلاثة أيام بلياليها، وللمقيم يوم وليلة، وهذا فيه بيان مدة الوقت الذي يجوز أن يمسح فيه، وإذا بلغ الغاية فإنه يتعين خلع الخفين، ثم الوضوء، ثم يلبسهما، ثم يعود إلى المسح من جديد، لكنه لا يزيد على ثلاثة أيام بلياليها إذا كان مسافراً، ولا على اليوم والليلة إذا كان مقيماً، فإذا انتهت المدة لهذا ولهذا تعين خلع الخفين والوضوء، ثم إن أراد أن يلبسهما فليلبسهما ويبدأ المسح من جديد، وإن أراد ألا يلبس فإن حكم الرجلين هو الغسل كما هو معروف، وإن كانت مستورة فحكمها المسح.
والغسل جاء في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمسح جاء في سنة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
ثم إن هذا الفرق الذي بين المسافر والمقيم في اليوم والليلة فيه حكمة ومصلحة، وذلك أن المقيم موجود وعنده الماء متوفر، ويسهل عليه أن يخلع ويلبس في مدة وجيزة، بخلاف المسافر فإنه قد يحتاج إلى المكث مدة أكثر، ولهذا جعلت المدة في حقه أزيد، بل جعلت مثل المقيم وزيادة ضعفين، أي: ثلاثة أيام بلياليها. وأما مسألة مدة المسح لثلاثة أيام بلياليها فاختلف فيها أهل العلم؛ فمنهم من قال:
إنه من حين ما يحدث يبدأ يحسب المدة؛ لأنه يكون بذلك على غير طهارة، وقبل أن يحدث لا تحسب؛ لأنه كان كما لو لم يلبس الخفين؛ لأنه إذا كان على طهارة واستمر على طهارته فهيئة لبسه كهيئته وهو لم يلبس؛ لأنه لو خلع خفيه قبل أن يحدث فهو على وضوئه وما حصل شيء، ولكنه إذا وجد الحدث عند ذلك يتغير الوضع. ومن أهل العلم من قال: إنه يبدأ من المسح بعد الحدث، والذي يظهر أنه يبدأ من الحدث؛ لأن هذا هو أول وقت يكون الحكم فيه مخالفاً لما كان قبل ذلك؛ لأنه قبل ذلك كان على طهارة، وبعد ذلك هو على غير طهارة، فيحسب من الحدث، وتلك المدة السابقة بين قبل المسح وبعد الحدث هي الفرق بين الاثنين، فالإنسان إذا اعتبر المدة من البدء بالحدث أخذ بالاحتياط. ثم قال في آخر الحديث في رواية أخرى: (ولو استزدناه لزادنا)، يعني:
على الثلاث وعلى اليوم والليلة، وهذه الزيادة جاءت من بعض الرواة، ولكن الطريق الأولى التي فيها حماد و الحكم لم يذكر فيها هذه الزيادة، وأيضاً الأحاديث الأخرى التي جاءت عن علي وعن غيره من الصحابة فيها ذكر ثلاثة أيام ويوم وليلة، وليس فيها ذكر الزيادة، ثم أيضاً قوله: (ولو استزدناه لزادنا) ظن من الصحابي، ولا يزاد على مدة المسح عن ثلاثة أيام أو يوم وليلة بناءً على ظن صحابي؛
لأن الأحاديث التي جاءت عن غير خزيمة فيها التنصيص على يوم وليلة وثلاثة أيام بلياليها، فهي مطابقة لإحدى الروايات التي جاءت عن خزيمة وهي الرواية الأولى التي ذكرها المصنف في رواية حماد و الحكم ، فهذه الرواية مطابقة لرواية الصحابة الآخرين الذين ذكروا اليوم والليلة والثلاثة الأيام بلياليها، وقد جاء في صحيح مسلم عن علي أنه قال:
ثلاثة أيام ويوم وليلة. ولم يذكر الزيادة، فعلى هذا تكون إحدى الروايات التي جاءت عن خزيمة مطابقة للروايات الأخرى التي جاءت عن الصحابة، ثم أيضاً هذه الزيادة هي ظن وتوهم من الراوي، فإنه ظن أنه لو استزاد لزاد، ولكن هذا لا يمنع الحكم، فالأصل أنه لا يزاد على ثلاثة أيام للمسافر ولا على يوم وليلة للمقيم.
تراجم رجال إسناد حديث خزيمة بن ثابت في توقيت المسح

قوله:
[حدثنا حفص بن عمر ].
حفص بن عمر بن الحارث ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي .
[حدثنا شعبة ].
شعبة بن حجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن الحكم ]. الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[و حماد ].
حماد بن أبي سليمان الكوفي صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن .
[عن إبراهيم ].
إبراهيم بن يزيد التيمي ثقة يرسل ويدلس، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن أبي عبد الله الجدلي ].

هو عبد الرحمن بن عبد وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و النسائي .

[عن خزيمة بن ثابت ].

خزيمة بن ثابت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[قال أبو داود : رواه منصور بن المعتمر عن إبراهيم التيمي ].

منصور بن المعتمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث أبي بن عمارة في توقيت المسح

قال المصنف رحمه الله تعالى:
[حدثنا يحيى بن معين حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق أخبرنا يحيى بن أيوب عن عبد الرحمن بن رزين عن محمد بن يزيد عن أيوب بن قطن عن أبي بن عمارة رضي الله عنه - قال يحيى بن أيوب : وكان قد صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلتين -أنه قال: (يا رسول الله! أمسح على الخفين؟ قال: نعم. قال: يوماً؟ قال: يوماً، قال: ويومين؟ قال: ويومين، قال: وثلاثة؟ قال: نعم وما شئت).
قال أبو داود : رواه ابن أبي مريم المصري عن يحيى بن أيوب عن عبد الرحمن بن رزين عن محمد بن يزيد بن أبي زياد عن عبادة بن نسي عن أبي بن عمارة قال فيه: حتى بلغ سبعاً قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (نعم ما بدا لك).
قال أبو داود وقد اختلف في إسناده وليس هو بالقوي، ورواه ابن أبي مريم و يحيى بن إسحاق السيلحيني عن يحيى بن أيوب ، وقد اختلف في إسناده].
أورد أبو داود رحمه الله هذا الحديث الذي فيه عدم التوقيت، وأن الإنسان يمسح بما بدا له سبعاً أو أكثر من سبع، ولكن الحديث الذي ورد في ذلك غير صحيح؛ لأن فيه من هو مجهول، فلا يصح الحديث، وإنما الذي صح هو التحديد بيوم وليلة للمقيم، وبثلاثة أيام بلياليها للمسافر، وهنا هو الذي جاء عن خزيمة بن ثابت في الحديث الذي قبل هذا، وهو الذي جاء عن علي و صفوان بن عسال وجماعة من الصحابة، فقد رووا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التوقيت بيوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر.
وحديث أبي بن عمارة هذا فيه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! أمسح على الخفين؟ قال: نعم. قال: يوماً؟... قال: وما شئت)، وفي بعض رواياته أنه قال: (حتى بلغ سبعاً ثم قال: نعم. وما بدا لك)، يعني:
وما أردت وما ظهر لك أن تفعله فافعله، ولكن الحديث غير صحيح فلا يعول عليه، وإنما التعويل على الأحاديث التي جاءت عن جماعة من الصحابة، وفيها التوقيت بيوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر. قوله: [قال يحيى بن أيوب عن أبي بن عمارة : وكان قد صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلتين].
المقصود أنه تقدم إسلامه، وكان قد صلى إلى القبلة الأولى قبل أن تنسخ ثم إلى القبلة الثانية. قوله: [أنه قال: (يا رسول الله! أمسح على الخفين؟ قال: نعم. قال: يوماً؟ قال: يوماً،
قال: ويومين؟ قال:
ويومين، قال: وثلاثة؟ قال: نعم وما شئت)]. وهذا تقدم الكلام عليه، ثم بعد ذلك قال أبو داود :
رواه ابن أبي مريم المصري عن يحيى بن أيوب عن عبد الرحمن بن رزين عن محمد بن يزيد بن أبي زياد عن عبادة بن نسي عن أبي بن عمارة قال فيه: حتى بلغ سبعاً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم ما بدا لك) .
تراجم رجال إسناد حديث أبي بن عمارة في توقيت المسح

قوله:
[حدثنا يحيى بن معين ].
يحيى بن معين ثقة إمام في الجرح والتعديل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو الذي في اصطلاحه أن (لا بأس به) تعادل (ثقة)، ولهذا يقولون: (لا بأس به) عند ابن معين توثيق، ولكن المعروف عند المحدثين أنها بمعنى صدوق؛ لأنها أقل من ثقة، والصدوق: هو الذي خف ضبطه، ويكون حديثه حسناً، لكن ابن معين رحمة الله عليه عنده اصطلاح مشهور، وهو: أن (لا بأس به) تعادل (ثقة) ولهذا يصف بعض كبار المحدثين بأنه لا بأس به وهو من كبار المحدثين.
[حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق ].
عمرو بن الربيع بن طارق ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود .
[أخبرنا يحيى بن أيوب ].
يحيى بن أيوب الغافقي المصري صدوق ربما أخطأ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن عبد الرحمن بن رزين ].

عن عبد الرحمن بن رزين صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و ابن ماجة .
[عن محمد بن يزيد ].
محمد بن يزيد بن أبي زياد مجهول الحال، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة .

[عن أيوب بن قطن ].

أيوب بن قطن قالوا عنه: فيه لين، وبعضهم يقول: إنه مجهول، وحديثه أخرجه أبو داود و ابن ماجة .
[عن أبي بن عمارة ].
أبي بن عمارة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج له أبو داود و ابن ماجة .

[قال أبو داود : رواه ابن أبي مريم المصري ].

هو سعيد بن الحكم بن أبي مريم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن أيوب عن عبد الرحمن بن رزين عن محمد بن يزيد بن أبي زياد عن عبادة بن نسي ].
هؤلاء مر ذكرهم إلا عبادة بن نسي وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب السنن.
[عن أبي بن عمارة ].
أبي بن عمارة مر ذكره.

[قال أبو داود : وقد اختلف في إسناده وليس هو بالقوي].

يعني: أنه ضعيف؛ لأن فيه من هو مجهول أو من فيه لين، وأيضاً هو معارض للأحاديث الكثيرة الثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في التوقيت، وقد جاءت عن جماعة من الصحابة. [ورواه ابن أبي مريم و يحيى بن إسحاق السيلحيني عن يحيى بن أيوب وقد اختلف في إسناده]. يحيى بن إسحاق السيلحيني صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
المسح على الجوربين


شرح حديث: (أن رسول الله توضأ ومسح على الجوربين والنعلين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب المسح على الجوربين. حدثنا عثمان بن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان الثوري عن أبي قيس الأودي -هو عبد الرحمن بن ثروان - عن هزيل بن شرحبيل عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه:
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين). قال أبو داود : كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث بهذا الحديث؛ لأن المعروف عن المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين.
قال أبو داود : وروي هذا أيضاً عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الجوربين، وليس بالمتصل ولا بالقوي. قال أبو داود : ومسح على الجوربين علي بن أبي طالب و ابن مسعود و البراء بن عازب و أنس بن مالك و أبو أمامة و سهل بن سعد و عمرو بن حريث ، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب و ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: باب المسح على الجوربين، وذلك بعد ما ذكر المسح على الخفين، والجوربان: هما المصنوعان من الصوف أو ما يشبهه، وهما مثل الخفين؛ لأنهما يشتركان في الستر للرجلين، وقد ذكرنا أن الرجل إذا كانت مكشوفة يجب غسلها، وإذا كانت مستورة فحكمها أنه يمسح عليها، وسواء كان الذي سترت به جلداً وهو الخف، أو شيئاً من الصوف أو القطن أو غير ذلك مما يستر الرجل وهو الجورب. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث المغيرة بن شعبة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الجوربين والنعلين) يعني:
أنه كان لابساً الجورب، والجورب أيضاً معه نعل؛ لأن الجورب من القطن، وليس مثل الجلد أو الشيء الذي فيه قوة بحيث يباشر الأرض، وإنما يتلف بسرعة وتصيبه الأوساخ، أما بالنسبة للنعل التي تخلع وهي سميكة فيجمع اللابس بين هذا وهذا، بحيث يلبس نعلاً وجورباً، ويكون الجورب في النعل، فيكون مسح على الجوربين والنعلين يعني: أنه كان الجوربان والنعلان عليه أيضاً، فمسح على ظهرهما أي:
على بعض الجورب وبعض النعل، فهذا هو المقصود من الحديث، أي: أنه مسح عليهما مجتمعين وليسا متفرقين، فلم يمسح على النعلين على حدة، ولا على الجوربين على حدة، وإنما مسح عليها في حال الاجتماع بحيث يكون لابساً الجورب والنعل، وقد جاء عن ثلاثة عشر صحابياً القول بالمسح على الجوارب، وأنهم كانوا يمسحون على الجوارب.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله توضأ ومسح على الجوربين والنعلين)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].
عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[عن وكيع ].
وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان الثوري ].
سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي قيس الأودي هو عبد الرحمن بن ثروان ].
أبو قيس الأودي عبد الرحمن بن ثروان صدوق ربما خالف، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
[عن هزيل بن شرحبيل ].
هزيل بن شرحبيل ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
[عن المغيرة بن شعبة ].
المغيرة بن شعبة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال أبو داود : كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث بهذا الحديث؛ لأن المعروف عن المغيرة :
(أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين).
أي: فيحتمل أن يكون هذا وهماً؛ لأن المعروف عنه صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الخفين، لكن كونه معروفاً عنه أنه مسح على الخفين، لا ينافي أن يمسح على الخفين وأيضاً يمسح على الجوربين؛ لأن كلاً منهما فيه ستر للرجلين، فكونه جاء عنه هذا لا يمنع أن يجيء عنه هذا أيضاً. ومما يوضح ذلك أن ثلاثة عشر من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام جاء عنهم المسح على الجوارب.
[قال أبو داود : وروي هذا أيضاً عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم:
(أنه مسح على الجوربين) وليس بالمتصل ولا بالقوي].
أشار المصنف إلى أن المسح على الجوربين روي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، ولكن قال: إنه ليس بالمتصل ولا بالقوي يعني: أن فيه انقطاعاً. [قال أبو داود : ومسح على الجوربين علي بن أبي طالب و ابن مسعود و البراء بن عازب و أنس بن مالك و أبو أمامة و سهل بن سعد و عمرو بن حريث ، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب و ابن عباس ].
هؤلاء تسعة، وقد ذكر ابن القيم في تهذيب السنن أنه جاء عن ثلاثة عشر من الصحابة، وهذا الحديث ضعفه وتكلم فيه، ولكن قال: العمدة في ذلك ما جاء عن ثلاثة عشر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يمسحون على الجوارب، وكما ذكرنا أن الحديث ثابت، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء عنهم هذا، فهذا دليل وهذا دليل.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24-09-2021, 07:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,281
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

المواضع التي نهي عن البول فيها

صــ 1إلى صــ28
الحلقة (56)

المسح على النعلين والقدمين


شرح حديثأن رسول الله توضأ ومسح على نعليه وقدميه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب. حدثنا مسدد و عباد بن موسى قالا: حدثنا هشيم عن يعلى بن عطاء عن أبيه قال عباد : قال: أخبرني أوس بن أبي أوس الثقفي : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على نعليه وقدميه) وقال عباد : (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى كظامة قوم -يعني: الميضأة، ولم يذكر مسدد الميضأة والكظامة، ثم اتفقا- فتوضأ ومسح على نعليه وقدميه) ].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي باب، وفي بعض النسخ بدون ذكر الباب، والمعروف أنه إذا قال باب، دون أن يذكر له ترجمة أنه يكون متعلقاً بالباب الذي قبله، أو كأنه حيث لا يذكر له ترجمة يكون كالفصل من الباب الذي قبله، ويكون متعلقاً بالباب الذي قبله، وفي بعض النسخ ليس فيه ذكر لكلمة (باب) فتكون الترجمة هي الترجمة السابقة،
وهذا الحديث داخل تحت الترجمة السابقة، وهذه الطريقة مستعملة في اصطلاح المحدثين، ويستعملها البخاري كثيراً، فإنه يذكر الباب ولا يذكر له ترجمة؛ لتعلقه بالترجمة السابقة أو أنه كالفصل من الترجمة السابقة. وهذا الحديث متعلق بالترجمة السابقة، ولهذا فإن المقصود منه في كونه مسح على النعلين والقدمين أي: وهي مغطاة بالجوارب، وليس أن القدمين مكشوفتان؛ لأن القدمين إذا كانتا مكشوفتين فلا بد من الغسل،
ولا يمسح عليهما إذا كان فيهما نعلان، وإنما يمسح عليهما إذا كان فيهما جوارب ولو كانت في نعلين، أما إذا كانت مكشوفة فحكمها الغسل كما جاء في القرآن، وكما جاء في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كانت مغطاة فحكمها المسح.
والمسح في هذا الحديث على القدمين والنعلين هو مثل الحديث الذي قبله الذي فيه المسح على النعلين والجوربين، فالرجلان إذا كانت مغطاة بالجوربين فيكون المسح على النعلين والجوربين وليس على النعلين إذا كانت القدمان مكشوفتين، ولهذا بعض النسخ ليس فيها ذكر الباب. وقوله: [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على نعليه وقدميه) وقال عباد : (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى كظامة قوم -يعني: الميضأة، ولم يذكر مسدد الميضأة والكظامة، ثم اتفقا- فتوضأ ومسح نعليه وقدميه)].
ذكر أبو داود رحمه الله عن شيخيه أنهما اختلفا في بعض الألفاظ، واتفقا في أكثر الألفاظ، فذكر اختلاف عباد واختلاف مسدد فقال: قال عباد قال: أخبرني أوس بن أبي أوس الثقفي : (أن رسول صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على نعليه وقدميه) ] أي: أن عباداً قال: أخبرني، ومسدد قال: عن. هذا الاختلاف الأول. الاختلاف الثاني: أن عباداً قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم...) وأما مسدد فقال: (أن رسول الله...). الاختلاف الثالث: أن عباداً ذكر الميضأة والكظامة ولم يذكرها مسدد .
تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله توضأ ومسح على نعليه وقدميه)
قوله: [حدثنا مسدد ].
مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي .

[و عباد بن موسى ].

عباد بن موسى ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي .
[حدثنا هشيم ].
هشيم بن بشير الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن يعلى بن عطاء ].

يعلى بن عطاء ثقة أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن.
[عن أبيه].
عطاء العامري مقبول، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و النسائي .
[عن أوس بن أبي أوس الثقفي ].
أوس بن أبي أوس الثقفي صحابي رضي الله عنه، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
الأسئلة


خصائص شهر رجب
السؤال: هل لشهر رجب فضائل وخصائص عن بقية الشهور؟

الجواب: لا نعلم فيه شيئاً يخصه إلا أنه من الأشهر الحرم التي ذكرها الله في القرآن، لأن الأشهر الحرم أربعة: رجب في وسط السنة، وثلاثة أشهر متوالية في نهايتها وفي أولها وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، شهر الحج، وشهر قبله، وشهر بعده، وشهر في أثناء السنة وهو رجب، ويقال فيها: ثلاثة سرد وواحد فرد، والفرد هو رجب، ولهذا يقال له: رجب الفرد؛ لأنه شهر محرم جاء وحده، يعني: ليس بجواره شهر حرام، وأما الثلاثة الأشهر الأخرى التي هي محرمة فهي مسرودة: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، من أجل أن الناس إذا ذهبوا يحجون يذهبون ويرجعون في أشهر حرم حتى لا يؤذي بعضهم بعضاً؛ لأنهم يحترمون الأشهر الحرم، ويمتنعون من القتال فيها، فجعل الله عز وجل الأشهر الحرم ثلاثة متوالية، وجعل رجباً في أثناء السنة وحده، وهو الشهر الرابع من الأشهر الأربعة، ولا نعلم شيئاً ثابتاً فيه يخصه إلا أنه من الأشهر الحرم.
وقت انتهاء مدة المسح على الخفين
السؤال: إذا انتهت مدة المسح على الخفين وهو على طهارة ثم أراد أن يزيد المدة فخلعهما، ثم أراد أن يلبسهما هل يحتاج إلى الوضوء مرة ثانية ثم يلبسهما، أم لا يحتاج إلى ذلك بناءً على أنه على طهارة؟

الجواب: إذا انتهت المدة فإنه يتعين عليه الخلع، ثم إن أراد أن يلبسهما فليتوضأ قبل أن يلبسهما ويبدأ مدة جديدة، وإذا خلعهما قبل انتهاء المدة تعين عليه أن يتوضأ.

حكم المسح على النعل
السؤال: في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم مسح على الجوربين والنعلين، فإذا أراد أن يصلي فهل يخلع النعلين؟

الجواب: لا بأس؛ لأن النعل تبع للجورب.
بيان متى يجوز المسح على النعل
السؤال: إذا كانت النعل تغطي الرجل كلها فهل يمسح عليها؟

الجواب: إذا كانت مغطية للقدم كله صارت خفاً ولم تعد نعالاً.
المدة التي يمسح فيها المقيم إذا سافر والعكس
السؤال: إذا مسح المقيم ثم سافر أو مسح المسافر ثم وصل بلده. فما العمل في التوقيت؟

الجواب: يحسب من حين بدأ باللبس؛ لأنه لو مسافراً فما عنده إلا ثلاث ليالٍ، وليس هناك أكثر، فأقصى مدة تكون الرجل مغطاة ثلاث ليالٍ، فإذا كان لبس وهو في الحضر ثم سافر، فعندما تنتهي الثلاث الليالي يخلع، وإذا مسح وهو مسافر ثم وصل البلد فيخلع؛ لأنه انتهى السفر، ولم يبق عنده سفر حتى يواصل إلى ثلاثة أيام بلياليها.
بيان الوقت الذي يبدأ منه المسح
السؤال: إذا توضأ الإنسان لصلاة الصبح ثم لبس الخفين ثم أحدث أول النهار ثم جاء وقت الظهر، فمتى يبدأ وقت المسح؟

الجواب: المسألة فيها قولان: قول إنه من الحدث، وقول إنه من المسح، يعني: عندما يتوضأ أول وضوء بعد الحدث ويحصل المسح يبدأ الحساب.
حكم المسح على الجورب إذا كان مغطى بجورب آخر
السؤال: إذا كان الإنسان لابساً جوربين مسح على الأعلى في أول النهار وفي الظهر تضايق من الحرارة فنزع الجورب الأعلى فهل يمسح على الجورب المتبقي؟

الجواب: لا بأس أن يمسح؛ لأن الرجل مغطاة، فما دام لابساً أكثر من جورب ونزع أحد الجوربين فإن الرجل لا زالت مغطاة، والمسح هو على ما تغطى به الرجل.
الكلام في رجال البخاري
السؤال: جاء في البخاري أن سفيان الثوري لا يروي إلا عن ثقة، وقد روى عن إبراهيم التيمي والسؤال هو: أن إبراهيم التيمي اتهم، حتى إن سفيان الثوري هجره وترك السلام عليه فكيف يحمل هذا الكلام وقد روى له البخاري ؟

الجواب: هذا يمكن أن يرجع فيه إلى هدي الساري؛ لأن الحافظ ابن حجر ذكر الرجال الذين تكلم فيهم في صحيح البخاري ، وذكر الكلام فيهم، وأجاب عنهم واحداً واحداً على حروف المعجم، ومن الأجوبة أن القدح قد يكون غير ثابت؛ لأنه جاء من طريق غير صحيح، ففي ترجمة أبان بن يزيد العطار ذكر أنه تكلم فيه، ولكنه ذكر أن الإسناد إلى الشخص الذي تكلم فيه غير ثابت، ومنها أنه قد يتكلم في رواية الراوي عن شخص معين و البخاري ما روى من هذا الطريق شيئاً، أو أنه روى عنه مقروناً ولم يرو عنه استقلالاً، وذكر أجوبة كثيرة متنوعة، فيمكن أن يرجع في أي شخص تكلم فيه من رجال البخاري إلى مقدمة فتح الباري؛ فإن فيها ذكر الكلام الذي قيل في الراوي والجواب عنه.
حال أبي عبد الله الجدلي
السؤال: ضعف ابن حزم أبا عبد الله الجدلي بحجة أنه رفع الراية مع المختار الذي ثأر لمقتل الحسين ، فما حقيقة القصة؟ وما حقيقة المختار ؟
الجواب: المختار بن أبي عبيد الثقفي هو الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: (يخرج في ثقيف كذاب ومبير) ولما ذهب الحجاج بن يوسف إلى مكة وقتل ابن الزبير وجاء إلى أمه قالت له: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج في ثقيف كذاب ومبير) أما الكذاب فقد عرفناه، وأما المبير فلا أخاله إلا أنت، فالكذاب هو المختار بن أبي عبيد الثقفي ، والقصة هذه التي فيها أن أبا عبد الله الجدلي خرج معه ورفع الراية ما أعرف عنها شيئاً، لكن ابن القيم رحمه الله في تهذيب السنن يقول: وقد أعل أبو محمد بن حزم حديث خزيمة هذا بأن قال: رواه عنه أبو عبد الله الجدلي صاحب راية الكافر المختار وهو لا يعتمد على روايته. قال ابن القيم معقباً: وهذا تعليل في غاية الفساد؛ فإن أبا عبد الله الجدلي قد وثقه الأئمة: أحمد و يحيى وصحح الترمذي حديثه ولا يعلم أحد من أئمة الحديث طعن فيه، وأما كونه صاحب راية المختار فإن المختار بن أبي عبيد الثقفي إنما أظهر الخروج لأخذه بثأر الحسين بن علي رضي الله عنهما، والانتصار له من قتلته، وقد طعن أبو محمد بن حزم في أبي الطفيل ورد روايته بكونه كان صاحب راية المختار أيضاً مع أن أبا الطفيل كان من الصحابة، ولكن لم يكونوا يعلمون ما في نفس المختار وما يسره، فرد رواية الصاحب والتابع الثقة بذلك باطل .
حكم البصاق في ساحة المسجد
السؤال: هل يجوز البصاق في ساحة المسجد النبوي؟

الجواب: لا يجوز أن يبصق الإنسان في صرح المسجد، وإنما يبصق في ثيابه أو فيما يكون معه من مناديل، فهذا الصرح لو كان من التراب فيمكن أن يدفن فيه، لكن البلاط يظهر عليه أي شيء يؤذي الناس، وأي مناظر كريهة وأوساخ بينة.
حكم صلاة الجماعة في البيوت
السؤال: هل يفهم من الحديث أنه لا يؤم الرجلُ الرجلَ في بيته إلا بإذنه جواز الصلاة في البيوت؟

الجواب: لا يدل على ترك الجماعة وجواز الصلاة في البيوت، ولكن إذا حصل أمر اقتضى ذلك بأن تكون الصلاة قد فاتت أو أنهم اضطروا إلى الصلاة في البيت، فلا يؤم الرجلُ الرجلَ في بيته، فالجماعة لا تكون في بيوتنا بل تكون في المساجد، ولو كانت البيوت تقام فيها جماعة فما فائدة المساجد؟! ولماذا تبنى المساجد؟! ولكن حيث يكون هناك أمر اقتضى ذلك كأمر طارئ أو مناسبة من المناسبات أو حالة من الأحوال فيجوز، لا أن يصير قاعدة متبعة، فمثلاً: لو أن جماعة فاتتهم الصلاة فلهم أن يصلوا في البيت، أو كانوا نائمين واستيقظوا وإذا الناس قد صلوا، فلهم أن يصلوا في البيت، هذه هي الحالات التي يمكن أن يحمل عليها مثل هذه الصورة. والمقصود: أنه هو الذي له أن يقدم وأن يؤخر، فلا يأتي أي واحد يختار له أي مكان ويجلس فيه ويصلي بالناس بدون إذن صاحب البيت؛ فإن صاحب البيت هو الذي له أن يوزع الناس، وأن يجلسهم في الأماكن التي يريد أن يجلسوا فيها. ومن المشهور عند الناس أنهم يقولون: صاحب المكان لا يكرم ولا يهان. وهذا غير صحيح؛ فإن الإكرام طيب والإهانة ليست بطيبة. فإذا احتجنا أن نكرم الرجل في بيته لكون الناس يستفيدون منه ويتحدثون معه وغير ذلك فلا نعلم شيئاً يمنع من هذا، ولا نعلم شيئاً يدل على أنه لا يكرم.
حجم الجورب الذي يمسح عليه
السؤال: هل الجورب الذي يمسح عليه له حجم معين؟

الجواب: يشترط فيه أن يغطي الكعبين؛ لأن المقصود هو أن تغطى أعضاء الوضوء، فالذي يغسل لابد أن يكون مغطى.

حكم المسح على النعل

السؤال: هل يصلي الإنسان بالنعلين إذا مسح عليهما أم لا؟

الجواب: النعلان بدون جوارب لا يمسح عليهما؛ لأن الرجل مكشوفة، وإذا كانت مكشوفة فحكمها الغسل لا المسح، لكن حيث يكون معه جورب فيمكن أن يمسح عليها، وإذا نزع النعل وصلى بالجورب فلا بأس.
وقت تخليل اللحية
السؤال: هل يكون تخليل اللحية بعد الفراغ من الوضوء أم بعد الفراغ من غسل الوجه؟

الجواب: يبدو أنه مع غسل الوجه، وليس بعد ما ينتهي من الوضوء، وعلى كل: الأمر في ذلك واسع، فمادام أنه في الوجه فسواء كان في الأول أو في الآخر أو في أثنائه فالأمر في ذلك واسع.
الحكم على حديث العرباض: (وعظنا رسول الله...)
السؤال: هل حديث العرباض بن سارية : (وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم...) إلى آخره صحيح أو ضعيف؟

الجواب: حديث العرباض هذا حديث صحيح. وحديث العرباض بن سارية هذا تكلم عليه الحافظ ابن رجب في كتابه جامع العلوم والحكم؛ لأنه من الأربعين حديثاً التي اختارها الإمام النووي وهي من جوامع الكلم، والحديث هذا منها، وقد شرحه الحافظ ابن رجب شرحاً مستوفى كما شرح الأحاديث الأخرى."

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 12-10-2021, 01:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,281
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

المواضع التي نهي عن البول فيها
شرح سنن أبي داود [028]
الحلقة (58)


تراجم رجال إسناد حديث: (ما كنت أرى باطن القدمين إلا أحق بالغسل...)
قوله:
[حدثنا محمد بن رافع ].
محمد بن رافع النيسابوري القشيري شيخ الإمام مسلم ، وهو مثله نسباً ووطناً؛ لأن مسلماً قشيري، هذا من حيث النسب، ومن حيث الموطن هو نيسابوري ، وشيخه محمد بن رافع مثله في النسب والوطن، فهو قشيرياً نيسابوري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[حدثنا يحيى بن آدم ].
يحيى بن آدم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يزيد بن عبد العزيز ].
يزيد بن عبد العزيز بن سياه ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي .
[عن الأعمش بإسناده بهذا الحديث].
يعني: بهذا الإسناد الذي تقدم، وهو: عن أبي إسحاق عن عبد خير عن أبيه.
طريق أخرى لحديث: (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه...)
قال المصنف رحمه الله تعالى:
[حدثنا محمد بن العلاء حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش بهذا الحديث، قال: (لو كان الدين بالرأي لكان باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما، وقد مسح النبي صلى الله عليه وسلم على ظهر خفيه) ]. أورد أبو داود رحمه الله الإسناد من طريق أخرى، وهو مثل الطريق الأولى التي فيها أبو كريب محمد بن العلاء عن حفص بن غياث عن الأعمش .
فهذا الإسناد هو مثل الذي قبله سنداً ومتناً إلا أنه يختلف عنه في بعض الألفاظ. وقد سبق لنا عندما كنا ندرس في صحيح البخاري أحاديث متفقة من حيث السند والمتن أيضاً ولا يكون بينها اختلاف، لكن البخاري رحمه الله يوردها في مواضع متعددة من أجل الاستدلال، وكان عندما يأتي بالحديث مرة أخرى للاستدلال به يأتي به من طريق آخر، وأحياناً تضيق الطرق عنه فيضطر إلى أن يعيد سنده ومتنه؛ لأنه يطابق الترجمة الجديدة التي ذكرها، فيحتاج إلى أنه يكرره بسنده ومتنه، وقد يكون هناك اختلاف في بعض الألفاظ في المتن، وهنا المصنف كرر السند والمتن إلا أن المتن مختلف، ولكن هذا في ترجمة واحدة، وفي باب واحد، فهو ليس كالبخاري يأتي بالحديث في أماكن أخرى وفي أبواب مختلفة من أجل الاستدلال على موضوع آخر، فيحتمل أن تكون هذه الطريق هنا زائدة، ويحتمل أن تكون طريقاً أخرى متفقة من حيث المعنى مختلفة من حيث اللفظ. قوله: [ (وقد مسح النبي صلى الله عليه وسلم على ظهر خفيه) ].
أن المقصود منه هو أن المسح على الخفين وليس على القدمين المكشوفتين؛ لأن القدمين المكشوفتين حكمهما الغسل، ولا يجوز في حقهما المسح إذا كانتا مكشوفتين، وإنما المسح فيما إذا كانتا مستورتين في خفاف أو جوارب فهو مثل الذي قبله، فذكر القدمين ليس المقصود أنهما يمسحان، لأنه بينه في الحديث في قول قوله: (وقد مسح الرسول صلى الله عليه وسلم على ظهر خفيه).

طرق أخرى لحديث: (ما كنت أرى باطن القدمين إلا أحق بالمسح...) وتراجم رجال إسنادها

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ورواه وكيع عن الأعمش بإسناده قال: (كنت أرى أن باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهرهما)، قال وكيع : يعني الخفين. ورواه عيسى بن يونس عن الأعمش كما رواه وكيع ]. (أُرى) إذا كانت الهمزة مضمومة هي بمعنى: أظن، وإذا كانت مفتوحة فهي بمعنى: أعلم، فيحتمل هذا وهذا.
وقوله: (كنت أرى أن باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهرهما) هذا مثل الذي قبله. وقوله: [قال وكيع : يعني: الخفين].
وكيع هو ابن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ورواه عيسى بن يونس عن الأعمش كما رواه وكيع ]. عيسى بن يونس ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ورواه أبو السوداء عن ابن عبد خير عن أبيه قال: (رأيت علياً رضي الله عنه توضأ فغسل ظاهر قدميه وقال: لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله...)، وساق الحديث].
هنا ظاهر قدميه يعني: ظاهر الخفين وليس القدمين المكشوفتين؛ لأن القضية هي في المسح، وكلها تدور على مسح الخفين، يعني: أن كل الآثار التي جاءت عن علي فيما يتعلق بأنه لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى من أعلاه المقصود من ذلك هو المسح على الخفين، وما جاء في بعض الروايات من ذكر القدمين فإن المقصود به المسح على الخفين. وأبو السوداء هو عمرو بن عمران ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي في مسند علي .
[عن ابن عبد خير ].
هو المسيب بن عبد خير وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي في مسند علي أيضاً.
[عن أبيه].
هو عبد خير وقد مر ذكره.
[عن علي ].
علي قد مر ذكره.
شرح حديث: (وضأت النبي في غزوة تبوك فمسح أعلى الخفين وأسفلهما)
قال المصنف رحمه الله تعالى:
[حدثنا موسى بن مروان و محمود بن خالد الدمشقي المعنى قالا: حدثنا الوليد قال محمود : أخبرنا ثور بن يزيد عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة بن شعبة عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: (وضأت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فمسح أعلى الخفين وأسفلهما). قال أبو داود : وبلغني أنه لم يسمع ثور هذا الحديث من رجاء بن حيوة ].
أورد أبو داود رحمه الله حديث المغيرة بن شعبة : (أنه وضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فمسح أعلى الخفين وأسفلهما). وهذا فيه أن المسح يكون على ظهرهما -أي: الخفين- وعلى أسفلهما، لكن الحديث غير ثابت، وذلك من أجل ذكر الأسفل، وأما من حيث ذكر الأعلى فهذا ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي:
أن الشيء الذي فيه المخالفة والذي فيه الضعف إنما هو من أجل ذكر الأسفل، وإلا فإن الطرف الآخر الذي هو الأعلى كل الأحاديث التي مرت وغيرها دالة على ثبوته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإسناد ذُكرت فيه علل متعددة أشار أبو داود رحمه الله إلى واحدة منها.
تراجم رجال إسناد حديث: (وضأت النبي في غزوة تبوك فمسح أعلى الخفين وأسفلهما)
قوله:
[حدثنا موسى بن مروان ].
موسى بن مروان مقبول، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
[و محمود بن خالد الدمشقي ].
محمود بن خالد الدمشقي ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [المعنى]. يعني: أن ألفاظهما متقاربة ومتفقة من حيث المعنى، وإن كان بينهما اختلاف في الألفاظ، وهذه طريقة أبي داود رحمه الله، أنه عندما يذكر الرواية عن عدد من شيوخه سواء كانوا اثنين أو أكثر وتكون ألفاظهم متفقة من حيث المعنى مختلفة من حيث اللفظ يأتي بهذه الكلمة فيقول: المعنى، يعني: أنهم متفقون في المعنى مع وجود شيء من الاختلاف في الألفاظ.
[قالا: حدثنا الوليد].
وهو ابن مسلم الدمشقي وهو ثقة إلا أنه يرسل ويدلس ويسوي، أي: أن عنده تدليس الإسناد والتسوية، وهذه علة من علل الحديث هذا؛ لأنه ما جاء إلا من طريق الوليد و الوليد عنعنه.
[قال محمود : أخبرنا ثور ].
هذا فيه تصريح بالسماع من ثور ، ولكنه معروف بتدليس الإسناد والتسوية، وهو كونه يعمد إلى شيوخ فوقه له رووا عن أناس ضعفاء فيحذفهم ويجعل شيخه يروي عن الثقة الذي بعد الضعيف فيسوي الإسناد ويجعله صحيحاً، فهذا الحديث في إسناده الوليد وهو ممن وصف بتدليس الإسناد وتدليس التسوية. ولكنه من حيث الإسناد هنا صرح كما في طريق محمود بن خالد و محمود بن خالد ثقة. وثور هو ابن يزيد الحمصي وهو ثقة، أخرج له البخاري و أصحاب السنن الأربعة.
[عن رجاء بن حيوة ].
رجاء بن حيوة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. و أبو داود رحمه الله قال: بلغني أن ثوراً لم يسمعه من رجاء ، أي: أن بينه وبينه واسطة. فإذاً: الحديث فيه الوليد بن مسلم وفيه كلام أبي داود من جهة كون ثور لم يسمع هذا الحديث من رجاء ، وأيضاً ذكروا أن رجاء قال: حدثت عن كاتب المغيرة . وهذا فيه الإشارة إلى الانقطاع؛ لأن قوله: حدثت عن كاتب المغيرة . معناه: أن بينه وبينه واسطة. فكل هذه علل يضعف بها هذا الحديث، فلا يعارض الأحاديث الصحيحة الثابتة الدالة على أن المسح إنما يكون على ظهر القدم ولا يكون على أسفل القدم.
[عن كاتب المغيرة بن شعبة].
كاتب المغيرة هو وراد الثقفي ، وبعض أهل العلم يقول أيضاً: فيه علة رابعة، وهي: جهالة كاتب المغيرة ، لكن كاتب المغيرة مشهور، وقد يترك الشخص ولا يذكر لشهرته. وكاتب المغيرة ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن المغيرة بن شعبة ] . المغيرة قد مر ذكره.
ما جاء في الانتضاح


شرح حديث: (كان رسول الله إذا بال يتوضأ وينتضح)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الانتضاح. حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان -هو الثوري - عن منصور عن مجاهد عن سفيان بن الحكم الثقفي أو الحكم بن سفيان الثقفي قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بال يتوضأ وينتضح). قال أبو داود : وافق سفيان جماعة على هذا الإسناد. وقال بعضهم: الحكم أو ابن الحكم ].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: باب في الانتضاح. والانتضاح فسر بتفسيرين: أحدهما أنه الاستنجاء، والثاني: أنه الرش على الثوب بماء حتى لا يكون هناك مجال للوسواس فيما إذا ظهر منه شيء، وهذا حتى لا يشوش على نفسه، فإن هذه الرطوبة التي في ثوبه قد تكون دافعة لتشويشه بالوسواس، وأن هذا خرج منه. فهذا هو المقصود بالانتضاح، وهذا هو المشهور والمقصود بهذه الترجمة، والاستنجاء سبق أن مرت له ترجمة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم جاءت عنه أحاديث الاستجمار وأحاديث الاستنجاء، وأنه يكون بالحجارة ويكون بالماء، وسبق أن مر ذلك.
أورد أبو داود رحمه الله حديث الحكم بن سفيان أو سفيان بن الحكم رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان إذا بال يتوضأ وينتضح) يعني: ليبين للناس أنه إذ فعل شيء من هذا أنه يقطع أثر الوسواس عن نفسه.
تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله إذا بال يتوضأ وينتضح)
قوله:
[حدثنا محمد بن كثير ].
محمد بن كثير العبدي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سفيان هو الثوري ].
سفيان الثوري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و سفيان متقدم الوفاة، لكن محمد بن كثير عمر تسعين أو فوق التسعين، ولهذا أدرك سفيان الثوري ، فسفيان الثوري مات سنة (161هـ) وهذا كانت وفاته بعد سنة (220هـ) يعني: أن بين وفاتيهما أكثر من ستين سنة، لكن هذا الذي كان عمره تسعين أو اثنين وتسعين أدرك من آخر عمر ذاك مدة طويلة كافية للأخذ عنه، ولهذا هذا في طبقة متقدمة، وهذا في طبقة متأخرة، ولكنه أدركه وسمع منه.
[عن منصور ].
منصور بن المعتمر الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مجاهد ].
مجاهد بن جبر المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان بن الحكم الثقفي أو الحكم بن سفيان الثقفي ].
سفيان بن الحكم الثقفي أو الحكم بن سفيان أو ابن أبي الحكم جاء اختلاف كثير في إسناد الحديث إليه وهل هو الحكم بن سفيان أو سفيان بن الحكم أو سفيان بن أبي الحكم ، جاء عنه بألفاظ مختلفة، وحديثه أخرجه أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
[قال أبو داود : وافق سفيان جماعة على هذا الإسناد. وقال بعضهم: الحكم أو ابن الحكم ]. يعني: وافق جماعة سفيان على هذا الإسناد في كونه قال: سفيان بن الحكم أو الحكم بن سفيان ، وغير الذين وافقوا سفيان قالوا: الحكم أو ابن الحكم ولم يزيدوا شيئاً.
شرح حديث: (رأيت رسول الله بال ثم نضح فرجه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إسحاق بن إسماعيل حدثنا سفيان -هو ابن عيينة - عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن رجل من ثقيف عن أبيه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم نضح فرجه) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، إلا أنه أبهم هذا الراوي وقال: عن رجل من ثقيف، وهو الحكم عن أبيه، أي: أنه هو وأبوه لهم صحبة، فيكون الحديث من رواية صحابي عن صحابي، أو يكون من رواية صحابي إذا كان يروي مباشرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث: (رأيت رسول الله بال ثم نضح فرجه)
قوله:
[حدثنا إسحاق بن إسماعيل ].
إسحاق بن إسماعيل بن المهلب الطالقاني ثقة، أخرج حديثه أبو داود .

[حدثنا سفيان هو ابن عيينة ].

سفيان بن عيينة مكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن أبي نجيح ].
هو عبد الله بن يسار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مجاهد عن رجل من ثقيف عن أبيه].
مجاهد مر ذكره.
شرح حديث: (أن رسول الله بال ثم توضأ ونضح فرجه) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا نصر بن المهاجر حدثنا معاوية بن عمرو حدثنا زائدة عن منصور عن مجاهد عن الحكم أو ابن الحكم عن أبيه: (أن رسول صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ ونضح فرجه) ]. قوله: [حدثنا نصر بن المهاجر ]. نصر بن المهاجر ثقة، أخرج له أبو داود . [حدثنا معاوية بن عمرو ]. معاوية بن عمرو بن المهلب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا زائدة ]. زائدة بن قدامة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب. [عن منصور عن مجاهد عن الحكم أو ابن الحكم عن أبيه]. هؤلاء قد مر ذكرهم. والحديث صححه بعض أهل العلم؛ لأن القضية هي في الكلام على الصحابي، والحكم أو ابن أبي الحكم له صحبة. وابن حجر يقول: في حديثه اضطراب، لكن هذا الاضطراب هو من جهة نسبه هل هو فلان أو فلان أو فلان.
الأسئلة


اشتراط المرأة الإحلال إن حبسها حابس
السؤال: إذا أرادت المرأة أن تعتمر واشترطت إن حبسها حابس فمحلها حيث حبسها، فإذا جاء الحيض قبل عمرتها أو في أثنائها فهل عليها شيء، أم أنها تلغي العمرة؟
الجواب: الذي يبدو أن مثل هذا لا يعتبر مما يحبس أو يمنع، وإنما تنتظر حتى ينتهي حيضها وتغتسل ثم تكمل عمرتها.
كفارة المحصر الذي لم يشترط الإحلال

السؤال: المحصر الذي ما اشترط الإحلال وحصل له شيء ورجع ماذا عليه؟

الجواب: عليه دم، فيذبح فدية، ويحلق ويقصر؛ لأن الرسول حلق لما أحصر، وذبح ما معه من الهدي. أما إذا اشترط فلا ذبح عليه ولا حلق. والله تعالى أعلم."



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 13-10-2021, 03:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,281
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

المواضع التي نهي عن البول فيها
شرح سنن أبي داود [029]
الحلقة (60)

شرح حديث: (صلى رسول الله يوم الفتح خمس صلوات بوضوء واحد...)
[حدثنا مسدد أخبرنا يحيى عن سفيان حدثني علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح خمس صلوات بوضوء واحد، ومسح على خفيه، فقال له عمر : إني رأيتك صنعت اليوم شيئاً لم تكن تصنعه. قال: عمداً صنعته) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصلوات الخمس يوم الفتح بوضوء واحد ومسح على خفيه، فقال له عمر : رأيناك صنعت شيئاً اليوم لم تكن تصنعه. قال: عمداً صنعته)، وهذا يتفق مع الحديث السابق: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة وكنا نصلي الصلوات بوضوء واحد)، هذا الحديث يدل على أنه فعله صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز؛ لأن الذي كان يداوم عليه والذي كان يحصل منه كثيراً هو أنه كان يتوضأ لكل صلاة، يعني: أن الإنسان له أن يتوضأ وضوءاً واحداً ويصلي به الصلوات الخمس كلها؛ لأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم وتعمده لهذا يدل على الجواز، وإن كان المعروف من عادته ومن فعله صلى الله عليه وسلم أنه كان يتوضأ لكل صلاة؛ ولهذا عمر قال: (رأيتك صنعت شيئاً ما كنت تصنعه)، يعني: أنه صلى الصلوات الخمس بوضوء واحد، فقال: (عمداً صنعته) يعني: أنه صنعه متعمداً ليبين أن ذلك جائز.

تراجم رجال إسناد حديث: (صلى رسول الله يوم الفتح خمس صلوات بوضوء واحد...)
[حدثنا مسدد ].
هو مسدد بن مسرهد البصري وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي .
[أخبرنا يحيى ].
هو يحيى بن سعيد القطان وهو ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان ].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني علقمة بن مرثد ].
علقمة بن مرثد ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن سليمان بن بريدة ].
سليمان بن بريدة الأسلمي وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
[عن أبيه].
أبوه هو بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

حكم تفريق الوضوء


شرح حديث: (... ارجع فأحسن وضوءك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تفريق الوضوء. حدثنا هارون بن معروف حدثنا ابن وهب عن جرير بن حازم أنه سمع قتادة بن دعامة حدثنا أنس بن مالك : (أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد توضأ وترك على قدمه مثل موضع الظفر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارجع فأحسن وضوءك).
قال أبو داود هذا الحديث ليس بمعروف عن جرير بن حازم ولم يروه إلا ابن وهب وحده وقد روي عن معقل بن عبيد الله الجزري عن أبي الزبير عن جابر عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه قال:
(ارجع فأحسن وضوءك)]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي تفريق الوضوء، والمقصود بتفريقه عدم اتصال بعضه ببعض، بأن تكون الأعضاء بعضها يغسل في وقت وبعضها في وقت آخر، ولو كان بعد جفاف بعض الأعضاء، لكن الأحاديث التي أوردها أبو داود رحمه الله تحت هذه الترجمة تدل على عدم تفريق الوضوء، وأنه لا بد فيه من الموالاة ولا بد فيه من الترتيب بين الأعضاء،
فلا يقدم غسل اليدين إلى المرفقين على الوجه، أو غسل الرجلين على الوجه أو على مسح الرأس بل كل عضو يأتي بعد العضو الذي ذكر قبله، كما جاء في القرآن في قوله تعالى: إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6]. وأيضاً لابد من الموالاة وذلك بأن يستمر ولا يقطع الوضوء، ولو حصل أنه تبين له أن هناك عضواً من أعضائه لم يصل إلى جزء منه الماء فإن عليه أن يعيد الوضوء وأن يعيد الصلاة إذا كان قد صلى،
وهذا دليل على عدم تفريق الوضوء، وأنه لا بد منه. والحديث أيضاً يدل على أن حكم الرجلين الغسل، وليس المسح؛ لأنه لو كان المسح فكيف ينكر الرسول صلى الله عليه وسلم على شخص بقي في قدمه لمعة أو مقدار الدرهم ثم يأمره بأن يعيد الوضوء؟! فدل هذا على أن حكم الرجلين الغسل وليس المسح كما تقوله الرافضة. وأورد فيه أبو داود رجمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه:
(أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً وقد توضأ وترك على قدمه موضعاً مثل الظفر -يعني: ظفر اليد أو ظفر الرجل- فقال له: ارجع فأحسن وضوءك) يعني: توضأ وضوءاً حسناً تأتي به على الوجه المشروع، بحيث لا تترك أي جزء من أجزاء الأعضاء التي يجب استيعابها ويجب فعلها إلا وقد أتيت به،
فكونه صلى الله عليه وسلم أمره بأن يرجع وأن يحسن الوضوء دل على أن عمله هذا غير صحيح، وأن عليه أن يعيد الوضوء، وبعض أهل العلم أجاز غير ذلك، ولكن الذي تقتضيه الأحاديث وتدل عليه الأحاديث هو أن الوضوء لا يفرق وأن من وجد منه شيء لم يصل إليه الماء فإن عليه أن يرجع ويتوضأ.

تراجم رجال إسناد حديث: (...ارجع فأحسن وضوءك)
قوله:
[حدثنا هارون بن معروف ].
هارون بن معروف ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود .
[حدثنا ابن وهب ].
هو عبد الله بن وهب المصري وهو ثقة فقيه مر ذكره.
[عن جرير بن حازم ].
جرير بن حازم ثقة، لكن حديثه عن قتادة فيه ضعف، وله أوهام إذا حدث من حفظه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أنه سمع قتادة ].
هو قتادة بن دعامة السدوسي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أنس بن مالك ].
أنس بن مالك رضي الله عنه مر ذكره.
[قال أبو داود : هذا الحديث ليس بمعروف عن جرير بن حازم ، ولم يروه إلا ابن وهب وحده، وقد روي عن معقل بن عبيد الله الجزري عن أبي الزبير عن جابر عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه قال: (ارجع فأحسن وضوءك) ]. هذا لا يعل الحديث؛ لأنه جاء من طرق متعددة وجاء من وجوه مختلفة، فالحديث ثابت. [عن معقل بن عبيد الله الجزري ]. معقل بن عبيد الله الجزري صدوق يخطئ، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي .
[عن أبي الزبير ].
هو أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي وهو صدوق يدلس، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر ].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[عن عمر ].
هو عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وقد مر ذكره.

طريق أخرى لحديث: (...ارجع فأحسن وضوءك) وتراجم رجال الإسناد
[حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا يونس و حميد عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى حديث قتادة ].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، ولكنه مرسل من مرسلات الحسن يضيفه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى حديث قتادة ، ولكن العمدة على ما تقدم من كونه موصولاً، فكونه جاء مرسلاً لا يؤثر؛ لأن الموصول هو المعول عليه. قوله:
[حدثنا موسى بن إسماعيل ].
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد ].
هو حماد بن سلمة بن دينار البصري وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن.
[أخبرنا يونس ].
هو يونس بن عبيد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[و حميد ].
هو حميد بن أبي حميد الطويل وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحسن ].
هو الحسن بن أبي الحسن البصري وهو ثقة يدلس ويرسل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (أن النبي رأى رجلاً يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حيوة بن شريح حدثنا بقية عن بحير -هو ابن سعد - عن خالد عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء والصلاة)]. أورد أبو داود حديث بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (أن النبي عليه الصلاة والسلام رأى رجلاً وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره بإعادة الوضوء والصلاة)، وهذا يبين لنا أنه أمره بالإعادة، وأن الذي تقدم من أمره بأن يحسن الوضوء المقصود به أنه يعيد الوضوء كما وضحته هذه الرواية وهذا الحديث.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي رأى رجلاً وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم...)
قوله:
[حدثنا حيوة بن شريح ].
حيوة بن شريح وهو شامي ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة .
[حدثنا بقية ].
هو بقية بن الوليد الدمشقي وهو صدوق كثير التدليس عن الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
[عن بحير هو ابن سعد ].
بحير بن سعد ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن الأربعة.
[عن خالد ].
هو خالد بن معدان وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم].

الأسئلة


حكم ترتيب الوضوء
السؤال: إذا توضأ الإنسان ورأى عضواً من الأعضاء لم يصبه الماء ماذا يفعل؟

الجواب: إذا كان حديث عهد بالوضوء ولما فرغ وجد أن في إحدى رجليه جزءاً لم يمسه الماء وأجرى عليه الماء حتى أصابه فلا بأس، وأما إذا كان في غير الرجلين فلابد أن كل عضو من الأعضاء يقدم غسله على ما وراءه، فيعيد الوضوء.

حكم لبس الخاتم والساعة من الحديد
السؤال: ما حكم لبس الخاتم أو ساعة اليد التي تصنع من الحديد؟

الجواب: ليس للإنسان أن يتختم بخاتم حديد ولا أن يتحلى بحديد؛ لأنه جاء أنه حلية أهل النار، ولكن لبس الساعة لا بأس به؛ لأن الإنسان لا يتحلى بالساعة ولا يتجمل بالساعة التي تصنع من حديد، والإنسان يضعها في يده حتى يسهل عليه رؤيتها من أجل معرفة الزمان والوقت.

حكم تكرار صلاة الجماعة في المسجد الواحد
السؤال: ما حكم تكرار الجماعة في مسجد واحد؟

الجواب: تكرار الجماعة في مسجد واحد له حالتان: الحالة الأولى: أن تكون الجماعة الثانية جاءت عمداً من أجل مخالفة الجماعة الأولى، بمعنى أن الجماعة الثانية لا تريد أن تصلي وراء الجماعة الأولى، فهذا لا يجوز، بل المسجد تقام فيه جماعة واحدة، لكن من جاء وقد فاتته الصلاة وهم عدد فلهم أن يصلوا جماعة؛ لأن هذا هو الذي أمكنهم. وقد كان في الحرم المكي قبل زمن الملك عبد العزيز رحمة الله عليه أربعة مقامات، كل مقام فيه إمام من المذاهب الأربعة، وكل أصحاب مذهب يصلون على حدة متفرقين حول الكعبة، فلما جاء الملك عبد العزيز رحمة الله عليه وحد الناس على إمام واحد ومنع تكرر الجماعة في المسجد، ولكن الحالة الثانية كما ذكرت هي أن جماعة جاءوا يريدون أن يصلوا ولكن فاتتهم الصلاة ورأوا الناس قد صلوا، فهؤلاء لهم أن يصلوا جماعة ولا بأس بذلك، والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء رجل وقد فاتته الصلاة قال لبعض الذين صلوا معه: (من يتصدق على هذا فيصلي معه؟)، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى إيجاد جماعة ثانية ولو عن طريق الصدقة فإذا جاء اثنان أو ثلاثة نقول: صلوا جماعة ولا بأس؛ لأنه إذا جاء واحد وحده فإننا نبحث له عن واحد يصلي معه حتى يصلي جماعة، فإذا جاء اثنان فأكثر فيصلون جماعة من باب أولى، ولا نقول: كل واحد يصلي في بيته؛ لأن الجماعة تقام ولو عن طريق الصدقة.

حكم الرعاف في الصلاة
السؤال: إذا نزل الدم من أنف إنسان أثناء الصلاة فماذا يفعل؟ وهل هو من نواقض الوضوء؟
الجواب: يقطع الصلاة ويذهب ولا يترك الدم يسيل على نفسه وعلى ثيابه؛ لأن الدم اختلف في نجاسته، والمشهور عن أكثر أهل العلم بل قد حكى بعضهم الإجماع على أنه نجس، فخروج الدم من الإنسان لكونه يرعف يجوز له أن يقطع الصلاة ويذهب، لكن إذا كان حصل له مثل ما يحصل في القتال فيصلي على حسب حاله لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] حتى الإنسان الذي فيه سلسل البول يصلي والبول موجود معه.

كيفية العمرة بالنسبة للحائض
السؤال: إذا جاء المرأةَ الحيضُ قبل العمرة بيوم وستذهب إلى العمرة وإجازتها أسبوع فقط، وممكن ألا تطهر في هذه المدة، فماذا تفعل؟ الجواب: إذا كانت تعلم من نفسها أنها لن تطهر في هذه المدة فلا تحرم بالعمرة، وإذا كانت ستبقى حتى تطهر فتحرم للعمرة وتجلس في مكة ولا تدخل المسجد حتى تطهر وتغتسل، ثم تدخل وتطوف وتسعى. والله تعالى أعلم."
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 12-11-2021, 08:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,281
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

المواضع التي نهي عن البول فيها
شرح سنن أبي داود [031]
الحلقة (62)


شرح سنن أبي داود [031]

جاء في بعض الأحاديث الوضوء مما مست النار، ومن أكل لحوم الإبل، وجاء في أحاديث أخرى ترك الوضوء من ذلك، وقد اختلف العلماء في الجمع بين هذه الأحاديث.

ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل


شرح حديث الوضوء من لحوم الإبل
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الوضوء من لحوم الإبل. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عبد الله بن عبد الله الرازي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل، فقال: توضئوا منها. وسئل عن لحوم الغنم فقال: لا توضئوا منها. وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل؛ فقال: لا تصلوا في مبارك الإبل؛ فإنها مأوى الشياطين.
وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم فقال: صلوا فيها؛ فإنها بركة) ]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باباً في الوضوء من لحوم الإبل، أي: من أكلها، وأن الإنسان إذا أكلها فإن عليه أن يتوضأ، وذلك للحديث الذي ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الوضوء من لحم الإبل، فقال: توضئوا من لحوم الإبل، وسئل عن الوضوء من لحم الغنم فقال: لا توضئوا منها، وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل فقال:
لا تصلوا فيها، وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم فقال: صلوا فيها). والحديث دليل على الوضوء من لحم الإبل، وأن من أكل من لحوم الإبل فإن عليه أن يتوضأ، وعليه أن يعيد الوضوء إذا كان قد توضأ وأكل بعد الوضوء؛ لأن أكل لحوم الإبل ناقض من نواقض الوضوء، كما ثبت في ذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو المشهور عن كثير من المحدثين، وذهب أكثر الفقهاء إلى عدم الوضوء من لحم الإبل، واستدلوا على ذلك بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار، قالوا: ولحم الإبل مما مسته النار، فكان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار، لكن الذين قالوا بلزوم الوضوء من لحم الإبل، قالوا: إن ذاك عام، وهذا خاص، فإنه كان في أول الأمر أن الوضوء يكون مما مست النار مطلقاً، وكل شيء مسته النار أو غيرته النار فإنه يتوضأ منه، وبعد ذلك جاء ما ينسخ ذلك، وهو ترك الوضوء مما مست النار؛ لقول جابر :
(كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار)، وحديث الوضوء من لحم الإبل خاص، فلا يدخل تحت ذلك العموم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم: سئل عن هذا فقال: (توضئوا ، وسئل عن الوضوء من لحم الغنم فقال: لا توضئوا)، وفي بعض الروايات قال: (إن شئتم). فدل هذا على أن الوضوء من أكل لحم الإبل أمر مطلوب وأمر متعين، وقد قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: وهذا المذهب هو الأقوى دليلاً، وإن كان الجمهور على خلافه. قوله: [ (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل فقال: توضئوا منها، وسئل عن لحوم الغنم؟ فقال: لا توضئوا)].
وقد جاء في بعض الروايات: (إن شئتم) وهذا يدلنا على الفرق بين لحوم الإبل وغيرها، فلحوم الإبل هي التي جاء فيها دليل على الوضوء، وأما الغنم فقد جاء الدليل على أنه لا يتوضأ منها، وغيرها سكت عنه، فلا يصار إلى الوضوء منه إلا بدليل، والدليل إنما دل على الوضوء من لحم الإبل فقط، أما غيرها فإنه لم يأت دليل يدل عليه، والأصل هو ما جاء عن جابر قال: (كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار) يعني: من غير لحوم الإبل، وعلى هذا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل عن لحوم الإبل قال: (توضئوا منها، ولما سئل عن لحم الغنم قال: لا تتوضئوا منها). وهذا التفريق من رسول الله صلى الله عليه وسلم بين لحوم الإبل ولحوم الغنم يرشد إلى مسألة أخرى وهي فيما يتعلق بالإحسان إلى الأموات في الصدقة عنهم، والحج عنهم، والدعاء لهم، وكذلك قراءة القرآن وإهدائها لهم، فإن بعض أهل العلم الذين قالوا بالجواز مطلقاً قاسوا الذي لم ينص عليه على المنصوص عليه، وقالوا:
إن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الصدقة؟ فقال: (تصدق أو تصدقوا) يعني: أن الإنسان يتصدق عن قريبه الميت، وسئل عن الحج فقال للمرأة التي سألته عن الحج: (حجي) ، وسئل أسئلة فأجاب بالإذن، فالذين يقولون بجواز إهداء ثواب قراءة القرآن إلى الأموات، يقولون: الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن أمور فأذن فيها، فيقاس عليها قراءة القرآن وإهدائها للأموات؛ لأنه لو سئل عنها لأجاب؛ لأن هذه أمور سئل عنها فأجاب، وتلك لم يسأل عنها ولو سئل لأجاب، وهذا الذي جاء من التفريق بين لحوم الإبل ولحوم الغنم يدلنا على عدم صحة هذا القول، وأنه قد يسأل عن الشيء فيجاب عنه بجواب، ويسأل عن غيره فيجاب عنه بجواب آخر، فلو أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يسئل عن الوضوء من لحم الغنم وإنما سئل عن الوضوء من لحم الإبل فقط، فقال: (توضئوا) فهل يقال: إنه لو سئل عن الوضوء من لحم الغنم لقال: توضئوا؟! الجواب: لا يقال هذا؛ لأنه لما سئل أجاب بجواب آخر، فدل هذا على أن ما نص عليه الشارع لا يلحق به ما يشابهه إذا كان يختلف عنه، لاسيما في هذه الأمور التي تتعلق بإضافة شيء للأموات أو إهداء شيء لهم، فإن هذه يقتصر فيها على ما ورد عليه الدليل.
والقول بأن هذا مثله ويلحق به ولو سئل لأجاب؛ يدلنا هذا التفريق بين لحوم الغنم ولحوم الإبل على أن الجواب قد يختلف وليس بلازم أن يتحد، والقول بأنه لو سئل عن الإهداء لأجاب غير صحيح؛ لأن سؤاله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الإبل، وإجابته بالوضوء، وسؤاله عن لحم الغنم وإجابته بعدم الوضوء، يدلنا على التفريق بين الأشياء، وأن المعول في الفرق هو ما جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنفع الأموات بسعي الأحياء ما ورد فيه دليل يصار إليه، وما ورد من دليل فيه خلاف بين أهل العلم، والأقرب أنه لا يصار إليه، ولا يصار إلا إلى ما ورد عليه الدليل من نفع الأموات بسعي الأحياء كالصدقة والصيام كقوله عليه الصلاة والسلام: (من مات وعليه صيام صام عنه وليّه)، وكذلك الحج، والعمرة:
(حج عن أبيك واعتمر) وهكذا الدعاء. أما الأمور التي لم ترد فلا تلحق بحجة أن هذه أمور سئل عنها، ولم يسأل عن هذه، ولو سئل لأجاب، فقد يسئل ولا يجيب، وقد يجيب بجواب آخر، كما أنه سئل عن الوضوء من لحم الإبل فأجاب بجواب، وسئل عن الوضوء من لحم الغنم فأجاب بجواب آخر غير الجواب الأول. قوله: [ (وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل، فقال: لا تصلوا في مبارك الإبل؛ فإنها من الشياطين) ]. المقصود بقوله:
(فإنها من الشياطين) يعني: أن الإبل فيها شدة، وفيها غلظة، وفيها نفار، وإذا حصل منها نفور فإنها تؤذي أو تتلف من يكون حولها، ومن يكون معها في معاطنها ومباركها، والمعاطن هي: المبارك التي تختص بها، والتي إذا شربت الماء بركت فيها، يعني: ما حول المكان الذي تشرب منه يقال له: معاطن الإبل، فلو حصل لها شيء ينفرها فإنها تتلف من حولها، وتؤذي من حولها إذا لم تتلفه.
ولهذا جاء التفريق بين أصحاب الإبل وأصحاب الغنم؛ لأن أصحاب الإبل عندهم الغلظة، وعندهم التكبر، كما جاء في بعض الأحاديث، وأصحاب الغنم عندهم السكينة والهدوء، والرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام كانوا يرعون الغنم، وهي ذات سكينة وهدوء، ورعاية الإبل أو الاشتغال بالإبل فيه غلظة وفيه قوة؛ لأن فيها قوة، وفيها قسوة، فصاحبها يكون فيه شبه بها من حيث القسوة، ولهذا فإن أهل الإبل هم أهل الكبر وأهل الخيلاء، بخلاف أهل الغنم فإنهم أهل سكينة وأهل وقار، كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذاً: قوله فيها: (فإنها من الشياطين)، أي: أنها فيها من صفات الشياطين، وهي الغلظة والشدة والنفرة، وأنها تؤذي من حولها، ومنهم من يقول:
إنها من الشياطين معناه: أن الذي فيه عتو وفيه قوة وفيه غلظة يقال له: شيطان، فما كان من الإبل ومن الإنس والجن والدواب وما حصل منه عتو وإيذاء وما إلى ذلك فإنه يوصف بهذا الوصف ويقال له: شيطان، فقوله: (إنها من الشياطين) يعني: أن عندها الغلظة والشدة والقسوة، وأن كل من عتا من الإنس والجن والدواب يوصف بهذا الوصف. أو أنها ذات نفار، وذات غلظة وجفوة، وأنها إذا حصل منها نفور فإنها تتلف من يكون حولها، وليس ذلك لنجاسة أرواثها وأبوالها فإن أرواثها وأبوالها طاهرة، وكل مأكول اللحم فإن روثه وبوله طاهر، والدليل على ذلك إذن الرسول صلى الله عليه وسلم للعرانيين بأن يشربوا من أبوال الإبل وألبانها، فلو كانت أبوالها نجسة ما أذن لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالشرب من الأبوال للاستشفاء؛ لأنه لا يتداوى بحرام، كما جاءت في ذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأيضاً ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على بعير، وأدخله المسجد، ولا يؤمن من حصول الروث منه وحصول البول منه، فهذا يدل على طهارة بوله وروثه؛ لأنه لا يعرض المسجد لأن يحصل فيه ما ينجسه بأن يدخل فيه شيئاً أبواله نجسه وأرواثه نسجه، بل الأبوال طاهرة والأرواث طاهرة. وأما ما جاء أن الرسول صلى الله عليه وسلم طلب من أحد أصحابه أن يأتي بثلاثة أحجار فجاء بحجرين وروثة فردها وقال: (إنها رجس)، فهذا المقصود منه أنها تكون من روث ما لا يؤكل لحمه كالحمار، ويقال:
إن الروث يكون للحمير والبغال والخيل، ولكن الخيل كما هو معلوم أيضاً مأكول لحمها، فكل مأكول اللحم يكون طاهراً، فيحمل ذلك على أنها روثة حمار، وقد سبق أن ذكرنا أن الروث وإن كان من مأكول اللحم فإنه لا يستنجى به؛ لأن الاستنجاء به تقذير له، وقد جاء أنه طعام لدواب الجن، كما أن العظام لا يستنجى بها؛ لأنها تكون طعاماً للجن. وعلى هذا فإن الحكم بعدم الصلاة بمعاطن الإبل ومباركها لا لنجاسة أبوالها وأرواثها فهي طاهرة، وإنم

تراجم رجال إسناد حديث الوضوء من لحوم الإبل

قوله:
[حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[حدثنا أبو معاوية ].
هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الأعمش ].
هو سليمان بن مهران الكاهلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الله بن عبد الله الرازي ].
عبد الله بن عبد الله الرازي صدوق، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و النسائي في مسند علي و ابن ماجة .
[ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ].
هو عبد الرحمن بن أبي ليلى الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن البراء بن عازب ].
البراء بن عازب رضي الله عنه صحابي ابن صحابي، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. (لحوم الإبل) بعض أهل العلم يقول: إن كل ما يطلق عليه لحم فإنه يجب الوضوء منه، وبعضهم يستثني من ذلك بعض الأشياء كالكرش والأمعاء ويقول: إن هذه لا يقال لها: لحم، ولكن كما هو معلوم فإنه من باب الأخذ بالحيطة إنما هو في الوضوء من جميع أجزاء الإبل. وأما المرق فإنه لا يقال له: لحم.

الوضوء من مس اللحم النيئ وغسله


شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بغلام وهو يسلخ شاة...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الوضوء من مس اللحم النيئ وغسله. حدثنا محمد بن العلاء و أيوب بن محمد الرقي و عمرو بن عثمان الحمصي المعنى قالوا: حدثنا مروان بن معاوية أخبرنا هلال بن ميمون الجهني عن عطاء بن يزيد الليثي قال هلال : لا أعلمه إلا عن أبي سعيد رضي الله عنه وقال أيوب و عمرو : وأراه عن أبي سعيد : (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بغلام وهو يسلخ شاة ،فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: تنحَّ حتى أريك، فأدخل يده بين الجلد واللحم فدحس بها حتى توارت إلى الإبط، ثم مضى فصلى للناس ولم يتوضأ). قال أبو داود : زاد عمرو في حديثه: (يعني لم يمس ماءً)، وقال: عن هلال بن ميمون الرملي ].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي (الوضوء من مس اللحم النيء وغسله) يعني: قد يكون فيه دم، فهل يتوضأ من هذا الفعل أو يغسل؟ أورد أبو داود رحمه الله في هذا حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بغلام يسلخ شاة، فقال: تنح حتى أريك) يعني: أريك كيفية السلخ، ولعله رآه يفصل الجلد من اللحم بالسكين، فأراه النبي صلى الله عليه وسلم الطريقة السهلة التي ليس فيها عناء ولا مشقة، (فتنحى الغلام، فأدخل النبي صلى الله عليه وسلم يده بين اللحم والجلد فدحس بها) يعني: حركها ودفع يديه حتى غاصت إلى الإبط، أي: بدون سكين فما دام أنه يدخل يده ويحركها بين الجلد واللحم فإنه ينفصل الجلد من اللحم، ولا يلحق بالجلد شيء، بل يكون الجلد مستقلاً بنفسه وليس عليه لحم، ويكون اللحم مستقلاً لم يذهب منه شيء، بخلاف الدحس بالسكين فإنه قد يقطع قطعة من الجلد فتكون مع اللحم، وقد يقطع قطعة من اللحم فتكون مع الجلد، وأما هذه الطريقة التي أرشده إليها الرسول صلى الله عليه وسلم -والتي يعرفها كثير من الناس- فهي أنه يدخل يده ويحركها حتى ينفصل الجلد من اللحم. قوله: [ (فدحس بها حتى توارت إلى الإبط)].
يعني: أن يده دخلت حتى ذهبت إلى مكان بعيد، بسبب هذا الدفع الذي حصل ليده وانفصل بسببها الجلد من اللحم. قوله: [ (ثم مضى فصلى للناس ولم يتوضأ)]. يعني: لكونه لمس هذا اللحم، وهذا اللحم إن كان فيه دم، فإن كان نجساً فهو لا يحتاج إلى وضوء، وإنما يحتاج إلى غسل؛ لأن النجاسة لا تحتاج إلى وضوء، فإذا جاءت على جسد الإنسان وهو متوضئ فيزيله وهو باقٍ على وضوئه، وإن كان غير نجس فليس في ذلك إشكال.
وذكر في بعض الروايات قال: (يعني: لم يمس ماءً) ولعل ذلك لكونه لم يكن عليها شيء من الدم؛ لأن الغالب أن ما بين الجلد واللحم لا يكون فيه دم، وإنما ينفصل الجلد من اللحم، واليد لا يكون فيها شيء من الدم؛ لأن اللحم لم يقطع حتى يخرج منه شيء من الدم. فمس اللحم النيء لا يتوضأ منه، وكذلك لا تغسل اليد منه، ما دام أنه لم يعلق بها شيء، فإن علق بها شيء فيغسل غسلاً بدون وضوء.
وقوله: [ باب: الوضوء من مس اللحم النيء وغسله ] لا أدري، هل يقصد بقوله: (وغسله) أن الإنسان إذا لمسه يتوضأ ويغسل، أو أن المقصود به إذا غسله بماء وحركه بيده فإنه يتوضأ؛ لأنه قد يكون خالطه شيء من الدم، فإذا كان يرجع الضمير إلى اللحم النيء فمعناه: أنه لا يتوضأ منه، لأنه إن كان نجساً فيغسل النجاسة، وإن كان غير نجس فليس هناك أمر يقتضي الوضوء، وكأن الضمير يرجع إلى اللحم، وليس إلى الإنسان.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بغلام وهو يسلخ شاة...)
قوله:
[حدثنا محمد بن العلاء ].
هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ و أيوب بن محمد الرقي ].
أيوب بن محمد الرقي ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
[وعمرو بن عثمان الحمصي ].
عمرو بن عثمان الحمصي صدوق، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
[ المعنى ].
يعني: أن هؤلاء الثلاثة متفقون في المعنى، حتى وإن كان بينهم اختلاف في اللفظ، وهذه طريقة أبي داود رحمه الله عندما يذكر عدداً من شيوخه ويكون اللفظ ليس متفقاً، فإنه يقول: المعنى، فهذه الكلمة (المعنى) المقصود بها: أنهم متفقون في المعنى وبينهم اختلاف في الألفاظ.
[قالوا: حدثنا مروان بن معاوية ].
هو مروان بن معاوية الفزاري، وهو ثقة، يدلس أسماء الشيوخ، وهذا نوع من التدليس؛ لأن التدليس ينقسم إلى تدليس الشيوخ، وتدليس الإسناد، وتدليس التسوية. وتدليس الإسناد هو: أن يروي عن شيخه مالم يسمعه منه بلفظ موهم للسماع كـ(عن) أو (قال).
وتدليس التسوية هو: أن يأتي إلى الإسناد الذي يروي فيه شيوخه عن رجال ضعفاء بين ثقات، فيحذف الضعفاء ويسوي الإسناد كأنه ثقات. وتدليس الشيوخ هو: أن يذكر الشخص بغير ما اشتهر به، بأن يذكره بكنيته مع اسم أبيه، أو يذكره باسمه ويحذف اسم أبيه وينسبه إلى جد بعيد من أجداده، فإن هذا فيه توعير للطريق أمام معرفة الشخص، والمضرة منه أنه قد يصير المعروف مجهولاً؛ لأنه يظن أنه شخص غير معروف؛ لأنه ذُكر بغير ما اشتهر به، مع أنه لو ذكر بما اشتهر به لعرف، لكن كونه يذكر بغير ما اشتهر به؛ بأن تكون كنيته غير مشهورة فتذكر كنيته، واسمه مشهور فيحذف، وأبوه غير مشهور فيذكر منسوباً إلى أبيه، فيقال: أبو فلان بن فلان، أو يكون اسمه مشهوراً وكنيته غير مشهورة واسم أبيه أيضاً غير مشهور، فيذكر كنيته أو يذكر اسمه وينسبه إلى جد من أجداده لا يعرف به، كل هذا يسمونه تدليس أسماء الشيوخ. والمضرة التي تنتج من ورائه هو توعير الطريق أمام معرفة الشخص، وقد يظن المعروف مجهولاً؛ لأنه ذكر بغير ما اشتهر به، فمروان بن معاوية قالوا فيه: يدلس أسماء الشيوخ، يعني: أنه معروف بتدليس أسماء الشيوخ.
قالوا: وكان الخطيب البغدادي أيضاً يفعل هذا الفعل في كتبه، يعني: يذكر شيخه بألفاظ متعددة، وبصيغ مختلفة.
[أخبرنا هلال بن ميمون الجهني ].
هو هلال بن ميمون الجهني الرملي، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود و ابن ماجة .
[ عن عطاء بن يزيد الليثي ].
عطاء بن يزيد الليثي ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[قال هلال : لا أعلمه إلا عن أبي سعيد ].
يعني: أنه يروي عن عطاء لا يعلمه إلا عن أبي سعيد ، يعني: أن الشك هو في أبي سعيد ، هل هو عن أبي سعيد أو لا؟ فهلال يروي عن عطاء بن يزيد الليثي قال: لا أعلمه إلا حدثه عن أبي سعيد الخدري .
[وقال عمرو و أيوب : وأراه عن أبي سعيد ].
يعني: أظنه عن أبي سعيد ، يعني: أن كلهم غير جازمين بأنه أبو سعيد ، لكن جاء في صحيح ابن حبان الجزم بأنه أبو سعيد ، كما ذكره في عون المعبود، ثم إذا كانت الرواية عن صحابي فجهالة الصحابي لا تؤثر؛ لأن الصحابة كلهم عدول. و أبو سعيد هو سعد بن مالك بن سنان ، مشهور بكنيته ونسبته أبي سعيد الخدري ، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[ قال أبو داود : زاد عمرو في حديثه: (لم يمس ماءً) وقال: عن هلال بن ميمون الرملي ]. قوله: (لم يمس ماءً) تفسير لقوله: (لم يتوضأ). وقوله: [ وقال: عن هلال بن ميمون الرملي ]. يعني: أن شيخه عمرو بن عثمان الحمصي قال: عن هلال بن ميمون الرملي ، فخالف صاحبيه: أيوب و محمد بن العلاء ؛ فإنهما قالا: أخبرنا هلال بن ميمون الجهني ، فأيوب و محمد بن العلاء لفظهما:
(أخبرنا) وأما عمرو بن عثمان فعبر بـ(عن)، في الرواية عن هلال بن ميمون ولم يعبر بالإخبار. والأمر الثاني: أنه أتى بالرملي وأولئك أتوا بالجهني ، يعني: هذا نسبة إلى بلد، وذاك نسبة إلى قبيلة، فالشيخان الأولان اتفقا في الإتيان وفي لفظ الإخبار، فقد أتيا بلفظ الجهني ، نسبة إلى قبيلته، وأما عمرو بن عثمان فأتى بالرواية عنه بـ(عن)، وأتى بنسبته إلى بلده فقال: الرملي ، هذا هو المقصود من قول أبي داود : (وقال: عن هلال بن ميمون الرملي )، يعني: أنه خالف صاحبيه باثنتين: التعبير بـ(عن) بدل (أخبرنا)، وأتى بالرملي بدل الجهني .
[ قال أبو داود : ورواه عبد الواحد بن زياد و أبو معاوية عن هلال عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، لم يذكر أبا سعيد ]. ذكر أبو داود رحمه الله أن بعض الرواة رووه عن عطاء بن يزيد مرسلاً، ولم يذكروا أبا سعيد ، وهذا على تعريف المرسل المشهور، وهو: أن المرسل قول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا..، فقد مر بنا أنه يعبر بالمرسل أحياناً بما هو مشهور عند المحدثين وهو هذا، وبالانقطاع يعني:
كون الراوي يروي عمن لم يلقه ولم يدركه، أو أدرك عصره ولكنه لم يلقه، وهذا هو الذي يسمى المرسل الخفي، وهذا المعنى العام للمرسل؛ لأن المعنى العام للمرسل أنه ليس مقصوراً على قول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، وهذا الذي في هذا الإسناد هو من قبيل المرسل على المعنى المشهور، وقد سبق رواية إبراهيم التيمي عن عائشة ، وقال أبو داود :
(وهو مرسل؛ لأن إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة شيئاً)، يعني: أنه مرسل على الانقطاع، فرواية الراوي عمن لم يسمع منه أو لم يدركه من المرسل بالمعنى العام، وقول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، من المرسل على المعنى المشهور عند المحدثين.
قوله:
[رواه عبد الواحد بن زياد ].
عبد الواحد بن زياد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ و أبو معاوية ].
أبو معاوية مر ذكره.
[ عن هلال عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ].
هلال وعطاء مر ذكرهما.

ترك الوضوء من مس الميتة


شرح حديث ترك الوضوء من مس الميتة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ترك الوضوء من مس الميتة. حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا سليمان -يعني: ابن بلال - عن جعفر عن أبيه عن جابر رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالسوق داخلاً من بعض العالية والناس كنفتيه، فمر بجدي أسكّ ميت، فتناوله فأخذ بأذنه، ثم قال: أيكم يحب أن هذا له؟) وساق الحديث]. أورد أبو داود رحمه الله: باباً في ترك الوضوء من مس الميتة، يعني: أن الميتة إذا لمسها الإنسان وهو على وضوء فهو باقٍ على وضوئه. وقد أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله :
(أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بالسوق داخلاً من بعض العالية والناس كنفتيه) يعني: أنهم حوله محيطون به وعلى جانبيه صلى الله عليه وسلم، (فمر بجدي أسك) الأسك قيل: ملتصق الأذنين، وقيل: صغير الأذنين، وهو ميت، فلمسه وأمسك بأذنيه وقال: (أيكم يكون هذا له؟ فقالوا: إنه ليس بمرغوب فيه لو كان حياً فكيف وهو ميت؟)، ثم قال: وساق الحديث؛ لأنه أتى بمحل الشاهد، وترك باقيه؛ لأنه يتعلق بأمور أخرى، فذكره اختصاراً، وفي باقيه قال: (للدّنيا أهون على الله من هذا عليكم)، أي:
إذا كان هذا هين عليكم، وهو رخيص عندكم فالدنيا كلها أهون على الله من هذا عليكم، وهذا من كمال بيانه صلى الله عليه وسلم وفصاحته وبلاغته وكمال نصحه لأمته صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أراد أن يبين حقارة الدنيا، وأنه ليس لها شأن عند الله عز وجل، وإنما المهم هو الآخرة، وأما الدنيا فهي أهون عند الله من هذا الجدي الأسك الذي هو ميت عليهم، ومع ذلك فأذنه صغيرة أو ملتصق الأذنين، والواحد يزهد فيه ولا يحب أن يكون له لو كان حياً، وإنما يحب أن يكون له من نفائس الغنم، وأحسنها منظراً وأكملها. والمقصود: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لمس أذنه، ومضى ولم يتوضأ، فدل هذا على أن لمس الميتة لا ينتقض به الوضوء.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 12-11-2021, 08:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,281
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

تراجم رجال إسناد حديث ترك الوضوء من مس الميتة
قوله:
[ حدثنا عبد الله بن مسلمة ].
هو عبد الله بن مسلمة القعنبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[حدثنا سليمان -يعني: ابن بلال- ].
سليمان بن بلال ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جعفر عن أبيه].
هو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وهو إمام من أئمة أهل السنة، وهو من الأئمة الاثني عشر عند الرافضة، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. وهو يروي عن أبيه، وأبوه هو محمد بن علي بن الحسين ، المشهور بالباقر ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر ].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد فيه إمامان من أئمة أهل السنة، وهما من الأئمة الاثني عشر عند الرافضة الذين يغلون فيهم، ويصفونهم بصفات لا تليق ولا تنبغي لهم، ولا يجوز أن تطلق عليهم، كما جاء في كتاب الكافي للكليني في جملة أبواب من أبوابه أنه قال:
(باب: أن الأئمة يعلمون ما كان وما سيكون، وأنهم يعلمون متى يموتون، وأنهم لا يموتون إلا باختيارهم!) ثم ساق أحاديث من أحاديثهم التي هي من جنس هذا الباب، وكتاب الكليني الكافي منزلته عند الرافضة كمنزلة صحيح البخاري عند أهل السنة. ومن أبوابه أيضاً أنه يقول:
(باب: أنه ليس شيء من الحق إلا ما خرج من عند الأئمة، وأن كل شيء لم يخرج من عندهم فهو باطل!) وهذا معناه: أن الأحاديث التي جاءت عن أبي بكر و عمر و عثمان و طلحة و الزبير و أبي هريرة وغيرهم من الصحابة أنها باطلة وأنه لا يعول عليها، ولا يحتج بها -حسب زعمهم-؛ لأنها لم تخرج من عند الأئمة! بل إن القرآن الذي في أيدي الناس جمعه أبو بكر الجمعة الأولى، وجمعه عثمان الجمعة الأخيرة، والمصحف العثماني الموجود بين أيدينا هو من جمع عثمان ، وهو لم يخرج من عند الأئمة الاثني عشر. فأهل السنة والجماعة يوقرون أهل البيت، ويحترمونهم، وينزلونهم منازلهم، فلا يجفون ولا يغلون فيهم، وإنما اعتدال وتوسط.

ترك الوضوء مما مست النار


شرح حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في ترك الوضوء مما مست النار. حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ)].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي في ترك الوضوء مما مست النار، يعني: إذا أكل الإنسان من لحم الغنم أو غيرها -روى الإبل- فإنه لا يحتاج إلى وضوء لكونه أكل من ذلك اللحم، وقد جاء في بعض الأحاديث التي سيذكرها المصنف أنه أمر بالوضوء مما مست النار، وقال: (توضئوا مما مست النار) فيكون المقصود أن هذا كان في أول الأمر، ولكن ذلك نُسخ كما جاء في حديث جابر : (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار) يعني:
أن في المسألة حديثين: الأول متقدم، والثاني متأخر، والأول فيه الأمر بالوضوء، والآخر هو الترك.
فإذاً: لا يتوضأ مما مست النار إذا لم يكن لحم إبل؛ لأن لحم الإبل جاءت فيه أحاديث تخصه، فهو مستثنى من هذا العموم. و أبو داود رحمه الله بدأ بالأحاديث التي فيها ترك الوضوء، وبعد ذلك أتى بالأحاديث التي فيها الوضوء مما مست النار، والإمام مسلم رحمه الله لما ذكر الأحاديث في الوضوء مما مست النار وترك الوضوء بدأ بالأحاديث التي فيها الوضوء، ثم عقبها بالأحاديث التي فيها ترك الوضوء، قال النووي أو غيره:
إن طريقة مسلم أنه عندما يذكر الأحاديث المتعارضة فإنه يبدأ بالأحاديث المنسوخة، ثم يأتي بعدها بالناسخة، والإمام مسلم رحمه الله لا يبوب، ولكنه يجمع الأحاديث المتعلقة بموضوع واحد، ويجعلها مع بعض، هذه طريقة مسلم رحمه الله، فإنه يذكر الأحاديث والأسانيد في مكان واحد، وأما التكرار فإنه قليل بالنسبة للأحاديث، وقد أحصاها الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي في خدمته لصحيح مسلم ، وفي الطبعة التي طبعت بعمل محمد فؤاد عبد الباقي جعل فيها مجلداً خاصاً وهو المجلد الخامس، وكله يتعلق بالفهارس، وقد ذكر الأحاديث التي جاءت في أكثر من موضع، وأظنها تبلغ مائة واثنين وثلاثين موضعاً، هذه هي الأحاديث التي كررها، وإلا فالغالب عليه أنه يجمع الأحاديث في مكان واحد، وهنا أتى مسلم بالأحاديث المتعلقة بالوضوء مما مست النار أولاً، ثم عقبها مباشرة بالأحاديث التي فيها ترك الوضوء مما مست النار، فقال النووي أو غيره:
إن مسلماً رحمه الله قدم الأحاديث المنسوخة وعقبها بالأحاديث الناسخة. وأبو داود رحمه الله ذكر أحاديث ترك الوضوء ثم أتى بالأحاديث التي فيها الأمر بالوضوء مما مست النار، لكنه لا يعني أنه يرى الوضوء مما مست النار؛ لأنه هو نفسه روى حديث:
(كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار)، لكن هذا يدل على أنه ليس عنده هذا المنهج الذي عند مسلم ، وهو تقديم المنسوخ والإتيان بالناسخ وراءه. وقد أورد حديث ابن عباس : (أن النبي أكل كتف شاة، ثم صلى ولم يتوضأ) يعني: أنه أكل لحماً من كتف شاة، (ثم صلى ولم يتوضأ) يعني: أنه ترك الوضوء مما مست النار، فدل هذا على أن أكل ما مست النار من غير الإبل لا يتوضأ منه.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة ].
عبد الله بن مسلمة مرّ ذكره.
[حدثنا مالك ].
هو مالك بن أنس، الإمام المشهور بإمام دار الهجرة.
[ عن زيد بن أسلم ].
زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عطاء بن يسار ]. عطاء بن يسار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث المغيرة: (ضفت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فأمر بجنب فشوي...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة و محمد بن سليمان الأنباري المعنى قالا: حدثنا وكيع عن مسعر عن أبي صخرة جامع بن شداد عن المغيرة بن عبد الله عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: (ضفت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فأمر بجنب فشوي، وأخذ الشفرة فجعل يحزّ لي بها منه، قال: فجاء بلال فآذنه بالصلاة، قال: فألقى الشفرة، وقال: ما له تربت يداه؟ وقام يصلي) زاد الأنباري :
(وكان شاربي وفى فقصّه لي على سواك) أو قال: (أقصه لك على سواك) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه قال: (ضفت النبي صلى الله عليه وسلم) يعني: صرت ضيفاً عنده، (فأمر بجنب فشوي -يعني: جنب شاة أو ذبيحة- وأخذ الشفرة فجعل يحز لي منها) يعني: لما قدمه أخذ الشفرة -وهي السكين العريضة أو الغليظة- فجعل يحز، يعني:
يقطع من الجنب، منها ويعطي للمغيرة ، وهذا دليل على استعمال السكين في قطع اللحم، لاسيما إذا كان حاراً أو كان كثيراً، فكونه يستعمل السكين للحاجة فلا بأس بذلك، فإذا كان المقصود منه أمراً اقتضى هذا فلا بأس باستعمال السكين، وقد جاء في بعض الأحاديث المنع من ذلك، لكنه لم يثبت، ولعل ذلك إن ثبت محمول على من يترفع أو يستكبر، وأنه لا يأكل بيده، ولا يريد أن تمس يده الطعام وإنما يريد أن يقطع بالسكين عند أكله. فاستعمال السكين عند الحاجة لا بأس به، وقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. والحديث فيه خدمة الضيف أيضاً، والتقديم له، وكون المضيف يقطع اللحم، ويجعله في جهة ضيفه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحز للمغيرة ، يعني: يقطع له ويضعه في جانبه.
ثم إن مثل هذا العمل يمكن أن يفعله الناس بعضهم ببعض، ولاسيما مع الكبير؛ لأنه جاء عن أنس بن مالك رضي الله أنه أكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً وكان فيه دباء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الدباء، فكان النبي صلى الله عليه وسلم تمتد يده إلى شيء فوق الجهة التي يأكل منها، فلما رآه يرغب في الدباء، وأنه يعجبه؛ جعل يأخذ ويلقيه في الجهة التي تليه صلى الله عليه وسلم. فقوله: (يحز لي) فيه دليل على إكرام الضيف فكما يقدم له الطعام أيضاً يقطع ويعطيه ويناوله أو يضع في جهته التي يأكل منها. قوله: [ (فجاء بلال فآذنه بالصلاة، قال: فألقى الشفرة وقال: ما له تربت يداه؟) ].
يعني: جاء بلال فأعلمه بأن الناس ينتظرون وسيقيم الصلاة، فقال: (ما له تربت يداه؟ وألقى الشفرة)، وقوله: (تربت يداه) هذه كلمة اعتادوا أن يقولوها، وهي من الكلام الذي يجري على الألسنة، مثل: لا والله، وبلى والله، فمثل هذا الكلام لا يحتاج إلى كفارة، وإنما يجرى على الألسنة فلا يؤاخذ به الناس، وهذه أيضاً مثل قولهم: عقرى حلقى، وقولهم: ثكلتك أمك، وتربت يداك، وغير ذلك من الألفاظ التي كانوا يستعملونها وهم لا يريدون مقتضاها ومعناها، وأنهم يدعون على من فعلها. وقوله: (ما له؟) يعني: أعجلنا (فألقاها وقام إلى الصلاة)، قال بعض أهل العلم: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:
(إذا قدم الطعام وأقيمت الصلاة فإنه يبدأ بالطعام)، والرسول صلى الله عليه وسلم هنا ترك الطعام وألقى الشفرة ومشى، قالوا: فهذا يحمل على من كان إماماً؛ لأن الناس ينتظرونه، فالأمر بأن يجلس على المائدة ويأكل هو فيما إذا كان مأموماً وهو بحاجة إلى الطعام، لاسيما إذا كان صائماً, والنفس متعلقة بالطعام فإنه قد يشوش. وأما الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه قد أكل، وحصل منه ذلك، سواء كان صائماً أو غير صائم، المهم أنه وُجد منه الأكل، فمنهم من قال: إن هذا يحمل على أنه كان إماماً، والإمام ليس له أن يتأخر عن الناس، بل عليه أن يأتي لكي يصلي بهم، والمأموم هو الذي له أن يجلس ويأكل حتى يفرغ من الطعام. قوله: [ زاد الأنباري : (وكان شاربي وفى فقصه لي على سواك) ].
الأنباري هو أحد الشيخين لأبي داود ، زاد أمراً آخر خارجاً عن قضية الأكل أو ترك الوضوء مما مست النار، فالنبي صلى الله عليه وسلم قام وصلى ولم يتوضأ، وهذا هو محل الشاهد. وقوله: (وكان شاربي وفى) يعني: قد طال، وكان ينزل عن شفتيه، قال: (فقصه لي على سواك) يعني: أنه وضع السواك على الشفة وقص ما فوق ذلك، وفي لفظ آخر -وهو شك من الراوي-: (أو قال: أقصه لك) يعني:
في بعض الروايات: أنه قصه، وفي بعضها: قال: (أقصه لك)، يعني: أنه يستفهم منه أو يستأذنه في أن يقصه له. وهذا يدل على سنة وهي قص الشوارب، وهي من سنن الفطرة، كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سبق أن مر بنا ذلك.

تراجم رجال إسناد حديث المغيرة: (ضفت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فأمر بجنب فشوي...)
قوله:
[حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].
عثمان بن أبي شيبة مر ذكره.
[ و محمد بن سليمان الأنباري ].
محمد بن سليمان الأنباري صدوق، أخرج حديثه أبو داود وحده.
[ المعنى، قالا: حدثنا وكيع ].
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن مسعر ].
هو مسعر بن كدام، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي صخرة جامع بن شداد ]. أبو صخرة جامع بن شداد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المغيرة بن عبد الله ]. المغيرة بن عبد الله ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي . [ عن المغيرة بن شعبة ]. المغيرة بن شعبة هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم كتفاً ثم مسح يده بمسح كان تحته ثم قام فصلى)
قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا مسدد حدثنا أبو الأحوص حدثنا سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم كتفاً ثم مسح يده بمسح كان تحته ثم قام فصلى) ]. قد سبق ذكر بعض الأحاديث التي اشتملت عليها الترجمة، وهي ترك الوضوء مما مست النار. وقد ذكرنا أن أبا داود رحمه الله ذكر الأحاديث التي فيها الترك، ثم ذكر بعدها الأحاديث التي فيها الوضوء مما مست النار، وأن آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار، وعلى هذا فيكون الوضوء مما مست النار قد نُسخ، وأنه لا يحتاج إلى وضوء من أكل ما مسته النار، ولا يستثنى من ذلك إلا لحوم الإبل؛ لأنه قد ورد فيها بعض الأحاديث التي تخصها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوضوء من أكلها، وأما ما سواها فإنه لا يتوضأ من أكله. وهذا حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما:
(أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل كتفاً ثم مسح يده بمسح وصلى ولم يتوضأ)، وهذا كغيره مما تقدم من الأحاديث التي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل شيئاً مسته النار، ثم صلى ولم يتوضأ، وهذا إنما هو في غير الإبل كما ذكرنا، وأما الإبل فإن الأكل منها يوجب الوضوء، وفي الحديث:
(أنه صلى الله عليه وسلم أكل كتفاً ومسح يده بمسح -أي: بكساء- ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ) فدلنا هذا على أن الوضوء مما مست النار ليس لازماً، وأن الوضوء كان أولاً، ثم نسخ إلى الترك كما سيأتي مبيناً في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

تراجم رجال إسناد حديث: (أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم كتفاً ثم مسح يده بمسح كانت تحته ثم قام فصلى)
قوله: [حدثنا مسدد ].
هو ابن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي .
[حدثنا أبو الأحوص ].
هو سلام بن سليم الحنفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سماك ].
هو سماك بن حرب، وهو صدوق، وفي حديثه عن عكرمة اضطراب، أخرج حديثه البخاري تعلقاً و مسلم وأصحاب السنن الأربعة، وهنا يروي عن عكرمة .
[ عن عكرمة ].
وهو مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وروايته عن ابن عباس هنا لا تؤثر؛ لأنها متفقة مع أحاديث كثيرة، كلها جاءت في ترك الوضوء مما مست النار، فكون رواية سماك عن عكرمة فيها اضطراب فلا يؤثر ذلك على روايته هذه؛ لأن هذه الرواية مطابقة لروايات عديدة ولأحاديث عديدة جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ترك الوضوء مما مست النار.
[عن ابن عباس ].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وهم: عبد الله بن عباس و عبد الله بن عمر و عبد الله بن عمرو و عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين. وهو أيضاً أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة و ابن عمر و ابن عباس و أبو سعيد الخدري و أنس بن مالك و جابر بن عبد الله الأنصاري وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين.

شرح حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهش من كتف ثم صلى ولم يتوضأ)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حفص بن عمر النمري حدثنا همام عن قتادة عن يحيى بن يعمر عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهش من كتف ثم صلى ولم يتوضأ) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس من طريق أخرى، وهي مثل التي قبلها من حيث المعنى. وقوله: (انتهش من كتف) يعني: أكل، وقوله: (ثم صلى ولم يتوضأ) أي: أنه ترك الوضوء مما مست النار، فهو مثل الذي قبله مما تقدم من الأحاديث.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهش من كتف ثم صلى ولم يتوضأ)
قوله:
[حدثنا حفص بن عمر النمري ].
حفص بن عمر النمري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي .
[حدثنا همام ].
هو همام بن يحيى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن قتادة ].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن يحيى بن يعمر ].
يحيى بن يعمر ثقة يرسل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
ابن عباس قد مر ذكره. وفي بعض النسخ: (انتهس) بالسين المهملة، وهذه النسخة فيها (انتهش)، فقيل: إن أحدها في الأضراس، والثاني في الأسنان.

شرح حديث جابر: (قربت للنبي صلى الله عليه وسلم خبزاً ولحماً فأكل ثم دعا بوضوء فتوضأ به...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن الحسن الخثعمي حدثنا حجاج قال ابن جريج : أخبرني محمد بن المنكدر قال: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: (قربت للنبي صلى الله عليه وسلم خبزاً ولحماً، فأكل ثم دعا بوضوء، فتوضأ به ثم صلى الظهر، ثم دعا بفضل طعامه فأكل، ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما أنه قال: (قربت للنبي صلى الله عليه وسلم لحماً وخبزاً فأكل، ثم دعا بوضوء -وهو الماء الذي يتوضأ به- فتوضأ وصلى الظهر، ثم دعا بفضل طعامه، وأكل منه ثم صلى ولم يتوضأ) .
وهذا فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أكل اللحم توضأ، ثم أكل فضل طعامه وصلى ولم يتوضأ، فكان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار؛ لأنه أولاً توضأ ثم بعد ذلك ترك الوضوء ولم يتوضأ، ومعلوم أن هذا خاص في غير الإبل كما أسلفت، وحيث إن الإبل قد جاء فيها حديثان عن صحابيين، فيهما أنه صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء من أكل لحوم الإبل، وأما الغنم فقال: (إن شئتم) في بعض الروايات، وقال:
(لا تتوضئوا) في بعض الروايات. وهنا ذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم: (أكل لحماً وخبزاً ثم توضأ وصلى، ثم دعا بفضل طعامه، ثم أكل ولم يتوضأ للصلاة) وهذا فيه الدليل على أنه كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ترك الوضوء مما مست النار، فيكون ذلك ناسخاً، وقد سبق أن الإمام مسلماً رحمه الله ذكر في كتابه الصحيح الأحاديث التي فيها الوضوء مما مست النار، ثم عقبها بالأحاديث التي فيها ترك الوضوء مما مست النار، وقال النووي في شرحه:
إن هذه طريقة مسلم : حيث يبدأ بالأحاديث المنسوخة ثم يعقبها بالأحاديث الناسخة. ثم إن الحديث فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم عاد إلى طعامه، وهذا فيه دليل على أن العودة إلى الطعام فيما إذا كان الإنسان بحاجة إليه لا بأس بذلك، وأن الإنسان يمكن أن يأكل ثم يعود إلى الأكل بعد ذلك لاسيما إذا كان قد ترك الأكل لكونه قام إلى الصلاة، فإنه بعد ذلك يعود إلى طعامه ويأكل منه، وهذا الحديث يدلنا على جواز العود إلى الأكل، أو إلى فضل ما أبقاه الإنسان وما أكله من قبل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أكل ثم توضأ وصلى، ثم عاد وأكل من فضل طعامه الذي بقي، ثم صلى ولم يتوضأ.

تراجم رجال إسناد حديث جابر: (قربت للنبي صلى الله عليه وسلم خبزاً ولحماً فأكل ثم دعا بوضوء فتوضأ به...)
قوله:
[ حدثنا إبراهيم بن الحسن الخثعمي ].
هو إبراهيم بن الحسن الخثعمي المصيصي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي .
[حدثنا حجاج ].
هو ابن محمد المصيصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال ابن جريج ].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وهو ثقة يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني محمد بن المنكدر ].
محمد بن المنكدر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[سمعت جابر بن عبد الله ].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن سهل أبو عمران الرملي حدثنا علي بن عياش حدثنا شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه قال: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار) قال أبو داود : وهذا اختصار من الحديث الأول ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث جابر من طريق أخرى، وفيه: أنه قال: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار)، والمراد بهذه الجملة:
أن الرسول صلى الله عليه وسلم حصل منه الوضوء مما مست النار، وحصل منه ترك الوضوء مما مست النار، ولكن الترك هو الأخير، فيكون ناسخاً للأول، وعلى هذا يكون الأخير هو الذي يُعمل به؛ لأنه هو آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون الترك ناسخاً للفعل الذي هو الوضوء؛ نسخه كون النبي صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء، فآخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ترك الوضوء مما مسته النار؛ لأنه كان يتوضأ أولاً مما مست النار، ثم بعد ذلك ترك الوضوء مما مست النار، إلا لحوم الإبل كما سبق.

تراجم رجال إسناد حديث: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار)
قوله:
[ حدثنا موسى بن سهل أبو عمران الرملي ].
موسى بن سهل أبو عمران الرملي ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي .
[حدثنا علي بن عياش ].
علي بن عياش ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا شعيب بن أبي حمزة ].
شعيب بن أبي حمزة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن محمد بن المنكدر عن جابر ].
محمد بن المنكدر وجابر قد مر ذكرهما.
وقوله:
[ قال أبو داود : هذا اختصار من الحديث الأول ].
الحديث الأول فيه: أنه أكل ثم دعا بوضوء وتوضأ، ثم بعدما صلى عاد وأكل فضل طعامه، ثم صلى ولم يتوضأ، فكان من رسول الله صلى الله عليه وسلم الوضوء أولاً ثم الترك آخراً، والحديث الأخير اختصار له؛ لأن جابر رضي الله عنه يقول: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار) يعني: أنه وجد منه الوضوء قبل صلاة الظهر، فإنه أكل ثم توضأ وصلى، وبعد صلاة الظهر أكل بقية طعامه الذي هو لحم وخبز، ثم صلى ولم يتوضأ، فصار الترك هو الآخر. فالحديث الثاني اختصار له؛ لأنه قال: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار).

شرح حديث: (... فتناول منها بضعة فلم يزل يعلكها حتى أحرم بالصلاة وأنا أنظر إليه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا عبد الملك بن أبي كريمة قال ابن السرح : ابن أبي كريمة من خيار المسلمين قال: حدثني عبيد بن ثمامة المرادي قال: قدم علينا مصر عبد الله بن الحارث بن جزء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يحدث في مسجد مصر قال:
(لقد رأيتني سابع سبعة أو سادس ستة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار رجل فمر بلال رضي الله عنه فناداه بالصلاة، فخرجنا، فمررنا برجل وبُرْمته على النار، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أطابت بُرْمتك؟ قال: نعم بأبي أنت وأمي. فتناول منها بضعة، فلم يزل يعلكها حتى أحرم بالصلاة وأنا أنظر إليه) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن الحارث بن جزء رضي الله تعالى عنه أنه قال:
(كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة أو سادس ستة في دار رجل، فجاء بلال وآذنه بالصلاة، فخرج ومرّ برجل وبُرْمته على النار، -يعني: يطبخ فيها اللحم- فقال: أطابت بُرْمتك؟) يعني: هل استوى ما فيها وصار صالحاً للأكل؟ فقال: نعم بأمي أنت وأمي، وقوله: (بأمي أنت وأمي) هذا ليس قسم، وإنما هو تفدية، يعني: أنت مفدي بأبي وأمي، ، هذا هو المقصود من مثل هذه العبارة عندما يقولها الصحابة أو غير الصحابة، وليس المقصود بها القسم؛ لأن القسم لا يكون إلا بالله، ولا يكون بأحد سواه، ولكن ما جاء من هذا القبيل المراد به التفدية، أي: أنت مفدي بأبي وأمي، قال: (فأخذ بضعة منها فأكل، فجعل يعلكها حتى أحرم بالصلاة وأنا أنظر إليه) يعني:
إلى حين دخوله في الصلاة وهو يعلكها، أو المقصود أنه ينظر إلى العلك، وأنه متحقق من ذلك، وأنه قد شاهده وعاينه. والمقصود هنا: أنه لم يتوضأ لتلك القطعة من اللحم التي أكلها، فكان الذي دل عليه هو الترك، ولكن الحديث فيه ضعف، وفي معناه شيء من النكارة من جهة أنه كان يعلكها حتى أحرم بالصلاة، لكن معناه من حيث ترك الوضوء مما مست النار قد ثبت في أحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومنها حديث جابر وغيره من الأحاديث المتقدمة التي ذكرها أبو داود رحمه الله قبل.

تراجم رجال إسناد حديث: (... فتناول منها بضعة فلم يزل يعلكها حتى أحرم بالصلاة وأنا أنظر إليه)
قوله:
[حدثنا أحمد بن عمرو السرح ].
هو أحمد بن عمرو السرح المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
[حدثنا عبد الملك بن أبي كريمة ].
عبد الملك بن أبي كريمة صدوق، أخرج حديثه أبو داود وحده، وقال فيه أحمد بن أبي السرح : هو من خيار المسلمين، وهذه تزكية وثناء على شيخه ابن أبي كريمة .
[حدثني عبيد بن ثمامة المرادي ].
عبيد بن ثمامة المرادي مقبول، أخرج حديثه أبو داود وحده.
[قال: قدم علينا مصر عبد الله بن الحارث بن جزء ].
عبد الله بن الحارث بن جزء هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة ."







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 05-12-2021, 04:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,281
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله


شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

المواضع التي نهي عن البول فيها
شرح سنن أبي داود [033]
الحلقة (64)

شرح سنن أبي داود [033]

أمر النبي صلى الله عليه وسلم من نام أن يتوضأ؛ لأنه إذا نام العبد استرخت مفاصله واستطلق الوكاء فربما انتقض وضوءه، والنوم ليس ناقضاً للوضوء بنفسه، ولكنه مظنة لحصول الحدث.

الوضوء من الدم


شرح حديث جابر (خرجنا مع رسول الله في غزوة ذات الرقاع...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الوضوء من الدم. حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع حدثنا ابن المبارك عن محمد بن إسحاق حدثني صدقة بن يسار عن عقيل بن جابر عن جابر رضي الله عنه قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع، فأصاب رجل امرأة رجل من المشركين؛ فحلف ألا أنتهي حتى أهريق دماً في أصحاب محمد، فخرج يتبع أثر النبي صلى الله عليه وسلم، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم منزلاً فقال: من رجل يكلؤنا؟ فانتدب رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار فقال: كونا بفم الشعب، قال: فلما خرج الرجلان إلى فم الشعب اضطجع المهاجري وقام الأنصاري يصلي،
وأتى الرجل فلما رأى شخصه عرف أنه ربيئة للقوم، فرماه بسهم فوضعه فيه، فنزعه حتى رماه بثلاثة أسهم، ثم ركع وسجد، ثم انتبه صاحبه، فلما عرف أنهم قد نذروا به هرب، ولما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدم قال: سبحان الله! ألا أنبهتني أول ما رمى؟! قال: كنت في سورة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها) ]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باب الوضوء من الدم، أي: هل خروجه يوجب الوضوء أم لا؟ ذهب بعض العلماء إلى أنه لا يؤثر خروجه، وبعضهم قال:
إذا خرج شيء كثير فإن على الإنسان أن يتوضأ، وهذا مبني على القول بنجاسة الدم وعدم نجاسته، فمن قال: إنه نجس يقول: إنه يتوضأ منه، ومن قال: إنه ليس بنجس يقول: إنه لا يتوضأ منه، ولا يحتاج إلى وضوء، لكن على القول بأنه نجس إذا حصل خروج الدم من جرح أو بأمر يكون الإنسان معذوراً في الصلاة فإنه يكون شبيهاً بمن به سلس البول، وشبيهاً بالمستحاضة، وهؤلاء لهم أن يصلوا على حسب حالهم . أورد أبو داود رحمه الله حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما في قصة خروجهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع، وسميت غزوة ذات الرقاع لما كانوا عليه من القلة، ولأنهم كانوا يلفون على أرجلهم الخرق، حتى يسلموا من حر الأرض والحصى والشوك، فسميت ذات الرقاع. وفي تلك الغزوة أصاب رجل من المسلمين امرأة رجل من الكفار، يعني:
أنه قتلها، ولعل ذلك القتل ليس مقصوداً؛ لأن المرأة لا تقتل في الجهاد إلا إذا كانت مقاتلة، أو حصل منها مضرة على المسلمين في معاونتها لأهلها وقومها الكفار، فإذا حصل منها ذلك فإنها تقتل لكونها مقاتلة، فلعل هذه المرأة قتلت خطأً أو أنها كانت معينة لقومها فقتلت، فزوجها حلف ألا ينتهي حتى يهريق دماً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فخرج يتبع أثر الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلما نزلوا في مكان قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يكلؤنا؟) يعني: من يرقبنا ويحرسنا؛ لأن الكلأ هو الحفظ، فانتدب لذلك رجلان: أنصاري ومهاجري يعني: استعدا لهذه المهمة، وقاما بها. فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لهما: (كونا بفم الشعب) يعني: أن المكان الذي يكونان فيه هو فم الشعب، والشعب: هو الطريق بين جبلين، يعني: الفج بين الجبلين، وهو الذي يمكن أن يوصل منه الإنسان إلى ما يريد لسهولة الطريق،
فكانا على هذه المهمة، فاضطجع أحدهما، وقام الآخر يصلي، ولعلهما كانا يتناوبان، بحيث يكون أحدهما مستيقظاً والآخر نائماً، فاضطجع المهاجري وقام الأنصاري يصلي، فجاء ذلك الرجل ولما رأى ذلك الشخص الواقف علم أنه ربيئة للرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، يعني: أنه جعل للحراسة ولتنبيههم إذا حصل أمر يخشى منه،
فهذا هو المقصود بالربيئة؛ فإن الربيئة هو الذي يشرف من مكان عالٍ أو يرصد باباً أو طريقاً بين جبلين كما حصل لهم في هذه المناسبة وفي هذا الموقف، حيث كانا في فم الشعب الذي يأتي الآتي منه، فلما علم أنه ربيئة رماه بسهم فأصابه، يعني: أصاب ذلك الذي يصلي، فنزع ذلك الأنصاري السهم، واستمر في صلاته، حتى رماه بثانٍ وثالث،
وبعد ذلك انتبه المهاجري، وقال له: ألا نبهتني من أول مرة، فقال: كنت أقرأ في سورة فكرهت أن أقطعها، يعني: لم يحب أن يقطعها، بل أحب أن يواصل قراءتها حتى يكملها، وحصل ما حصل.
فلما علم الكافر الذي لحق بهم، والذي رمى هذا الأنصاري الذي يصلي أنهم علموا به هرب حتى لا يدركوه. ومحل الشاهد من إيراد القصة: أن هذا الأنصاري كان يصلي في دمائه؛ لأنه نزع السهم، واستمر في الصلاة، ثم نزع الثاني واستمر في الصلاة، ثم نزع السهم الثالث حتى فرغ من صلاته. ولامه ذلك المهاجري الذي كان معه، وقال: ألا نبهتني لما رمى بأول سهم؟ فأخبره بأنه كان مشتغلاً بقراءة سورة، فلم يحب أن يقطع صلاته حتى يكمل السورة التي كان مشتغلاً بقراءتها رضي الله تعالى عنه. والمقصود: أن هذا الرجل صلى في الدم الذي كان يخرج منه، قالوا:
فهذا دليل على أن خروج الدم لا ينقض الوضوء ولا يلزم منه طهارة، والذي يقول: إنه ينقض الوضوء يقول: إن الضرورات لها أحوالها، ويمكن للإنسان أن يصلي إذا كان مضطراً ولو كان عليه نجاسة، وهذا على القول بأن الدم نجس.
تراجم رجال إسناد حديث جابر (خرجنا مع رسول الله في غزوة ذات الرقاع)

قوله:
[ حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع ].
أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ حدثنا ابن المبارك ].
عبد الله بن المبارك المروزي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن محمد بن إسحاق ].
محمد بن إسحاق المدني صدوق مدلس، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن.
[ حدثني صدقة بن يسار ].
صدقة بن يسار ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
[ عن عقيل بن جابر ].
عقيل بن جابر مقبول، أخرج له أبو داود .
[ عن جابر ].
جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أرجح الأقوال في نجاسة الدم وحكم الصلاة به
أما حكم صلاة من به دم ينزف فعند الضرورة فلا إشكال أنه يسوغ للإنسان أن يصلي بدمائه، ولكن حيث لا يكون هناك ضرورة فالاحتياط أن الإنسان يتوضأ، وأما نجاسة الدم فالذي يظهر أنه نجس.
الوضوء من النوم


شرح حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شغل عنها ليلة فأخرها)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الوضوء من النوم. حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق حدثنا ابن جريج أخبرني نافع حدثني عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شغل عنها ليلة فأخرها حتى رقدنا في المسجد، ثم استيقظنا، ثم رقدنا، ثم استيقظنا، ثم رقدنا، ثم خرج علينا فقال: ليس أحد ينتظر الصلاة غيركم) ]. أورد أبو داود رحمه الله باباً في الوضوء من النوم، يعني: هل يتوضأ منه أو لا يتوضأ منه؟ والجواب: أن فيه تفصيلاً:
فالنوم الكثير المستغرق ينقض الوضوء، وليس هو الناقض بذاته ولكنه مظنة للنقض، وأما النوم الذي يكون عن جلوس، أو أن يكون الإنسان قائماً ثم يحصل له النعاس ويخفق رأسه ثم ينتبه، فهذا ليس مظنة لنقض الوضوء. وإنما المظنة هو الذي يكون معه استغراق، ويكون معه تمكن كالمضطجع أو المستند إلى شيء، والذي يغط من الاستغراق في النوم، أو يرى رؤيا في نومته، فهذا هو الذي يكون معه نقض الوضوء، وليس لأن النوم ناقض، ولكن لأنه مظنة النقض، يعني:
أنه قد تخرج الريح من الإنسان فينتقض وضوءه بذلك. وأما إذا كان جالساً يخفق رأسه، وإذا خفق رأسه يصحو وينتبه فهذا لا يحصل معه انتقاض الوضوء، والدليل على ذلك ما كان يحصل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من كونهم كانوا يجلسون ينتظرون الصلاة فتخفق رءوسهم، ثم يقومون ولا يتوضئون. وقد أورد أبو داود رحمه الله عدة أحاديث: أولها: حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم شغل عن صلاة العشاء فأخرها،
وكان الناس في انتظاره، قال عبد الله بن عمر فرقدنا، ثم استيقظنا، ثم رقدنا، ثم استيقظنا، ثم رقدنا، ثم استيقظنا، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى بنا)، وهنا لم يذكر أنهم لم يتوضئوا، والذي يفهم منه هو إما أن يكون مقصوده أنهم كانوا جالسين، والمقصود بالرقاد هو النعاس وخفقان الرءوس، فهذا أمره واضح لا إشكال فيه، وأما إذا كان مع اضطجاع فإنه لابد من الوضوء، وكونه لم يذكر أنهم لم يتوضئوا لا يدل على عدمه، ولم يأت فيه أنهم لم يتوضئوا والحالة هذه: كونهم رقدوا ثم قاموا ثم رقدوا ثم قاموا ثم رقدوا ثم قاموا، يعني: إن لم ينقل أنهم توضئوا فإن ذلك لا يدل على أنهم يصلون بدون وضوء مع الاستغراق في النوم، أما إذا كان المقصود به الإشارة إلى حصول النعاس عن طريق الجلوس فهذا يحصل منهم، فكانت تخفق رءوسهم ويقومون ويصلون ولا يتوضئون؛ لأنهم كانوا جالسين متمكنين، وخفق الرأس غالباً إذا حصل من الجالس سببه أنه نعس، يعني: أنه بمجرد خفق الرأس يصحو وينتبه فإنه حصل له نعاس. أما إذا كان مضطجعاً أو مستنداً أو رأى رؤيا فهذا نوم يحصل معه نقض الوضوء؛
لأنه مظنة لحصول خروج الريح غالباً. والحاصل: أن النوم الذي يكون عن جلوس وعن غير تمكن، ويكون معه خفق الرأس لا ينتقض معه الوضوء، وإذا كان عن طريق اضطجاع أو استناد، أو تمكن في النوم، فإن هذا لابد فيه من الوضوء. قوله: [ (ليس أحد ينتظر الصلاة غيركم) ]. يعني: أن الناس غيركم قد صلوا، وأنتم الذين تنتظرون الجماعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهؤلاء الصحابة رضي الله عنهم انتظروا الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما غيرهم فإنهم صلوا عند أول الوقت، وما حصل لهم ذلك الشغل الذي شغلهم، ومن المعلوم أن الإنسان في صلاة ما انتظر الصلاة، وتأخير صلاة العشاء جاء ما يدل عليه، ولكن إذا كان التأخير يترتب عليه مشقة على الناس، أو حصول النوم عن الصلاة، فإنه تقدم الصلاة في أول وقتها،
وإذا كانوا جماعة وهم مع بعضهم، وكان الأمر لا يترتب عليه محظور وأخروا الصلاة بحيث لا يصل إلى نصف الليل فهو أفضل، وتأخيرها إلى نصف الليل لا يجوز؛ لأن هذا هو نهاية الوقت الاختياري، فلا يجوز تأخيرها عن نصف الليل، ولا الوصول إلى نصف الليل؛ لأنه بذلك يكون الإنسان قد أخرجها عن وقتها، وذلك لا يجوز. وإذا كان يترتب على التأخير مضرة على الناس، أو أن الناس ينامون عن الصلاة، فالأفضل هو صلاتها في أول الوقت.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله شغل عنها ليلة فأخرها...)
قوله:
[ حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل ].
أحمد بن محمد بن حنبل الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عبد الرزاق ].
عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا ابن جريج ].
عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ثقة فقيه يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني نافع ].
نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني ابن عمر ]
عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث: (كان أصحاب رسول الله ينتظرون العشاء الآخرة) وتراجم رجال إسناده
قال المصنفر رحمه الله تعالى: [ حدثنا شاذ بن فياض حدثنا هشام الدستوائي عن قتادة عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رءوسهم، ثم يصلون ولا يتوضئون) ].
أورد أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أنهم كانوا يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة، فينتظرون الصلاة، فتخفق رءوسهم يعني: من النوم وهم جالسون، فيقومون للصلاة ولا يتوضئون، وهذا يدل على أن مثل ذلك لا يحصل معه انتقاض الوضوء؛ لأن الإنسان منتبه ومتمكن في الجلوس، وإذا حصل منه النعاس خفق رأسه فتنبه،
وذهب عنه النوم، فمثل ذلك لا يحصل معه انتقاض وضوء؛ لأنه لا يمكن أن يكون أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يفعلون ذلك بين يديه، وبحضرته صلى الله عليه وسلم، ويصلون بغير وضوء، فدل على أن مثل هذا النوم هو النعاس، وهو لا ينقض الوضوء، وإنما الذي ينقضه هو الذي يكون مظنة الحدث، وهو الذي أشرت إليه آنفاً. قوله:
[ حدثنا شاذ بن فياض ].
شاذ بن فياض قيل
: إن هذا لقبه واسمه هلال ، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أبو داود و النسائي .
[ حدثنا هشام الدستوائي ].
هشام بن عبد الله الدستوائي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن قتادة ].
قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أنس ].
أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث: (كان أصحاب رسول الله ينتظرون العشاء الآخرة...) من طريق ثانية

[ قال أبو داود زاد فيه شعبة عن قتادة قال: (كنا نخفق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) ورواه ابن أبي عروبة عن قتادة بلفظ آخر ]. أورد أبو داود الإشارة إلى طريق أخرى لحديث أنس وفيها:
(كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رءوسهم ثم يصلون ولا ينتظرون) يعني: على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعنى ذلك أنه لو كان ذلك الفعل الذي فعلوه لا تصح معه صلاة لأنهم يعتبرون غير متوضئين لنزل الوحي، ولعرفوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما جاء عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:
(كنا نعزل والقرآن ينزل، ولو كان شيء ينهى عنه لنهانا عنه القرآن) فأضاف ذلك إلى العمل إلى عهد النبوة. فكذلك هنا على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، كانوا تخفق رءوسهم ثم يصلون، فدل هذا على أن مثل هذا العمل ومثل هذا النوم اليسير الذي يكون عن جلوس في انتظار الصلاة أنه لا يؤثر؛ لأنه ليس مظنة الحدث، وإنما الذي يتوضأ منه هو ما كان مظنة الحدث وهو النوم المستغرق.

تراجم رجال إسناد حديث (كان أصحاب رسول الله ينتظرون العشاء...) من طريق ثانية

قوله:
[ زاد فيه شعبة ].
شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. قوله:
[ ورواه ابن أبي عروبة عن قتادة ].
هو سعيد بن أبي عروبة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث: (..فقام يناجيه حتى نعس القوم...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل و داود بن شبيب قالا: حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني : أن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (أقيمت صلاة العشاء فقام رجل فقال: يا رسول الله! إن لي حاجة، فقام يناجيه حتى نعس القوم أو بعض القوم، ثم صلى بهم ولم يذكر وضوءاً)].
أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وفيه: (أقيمت الصلاة فقام رجل وقال: يا رسول الله! إن لي حاجة، فوقف معه يسمع منه ويقضي حاجته، حتى نعس الناس) يعني: أنه حصل منهم النعاس وهم جالسون، ثم قاموا، ثم دخل الرسول في الصلاة وصلى بهم، وهذا يدلنا على أن مثل ذلك النعاس الذي يحصل في حال الجلوس لا يؤثر، وأنه لا ينتقض به الوضوء، وكان ذلك بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي هذا الحديث دليل على أنه يمكن الفصل بين الإقامة والصلاة، وذلك أن الصلاة أقيمت، فجعل الرجل يناجيه حتى حصل النعاس لبعض الصحابة، يعني: أنه مكث مدة وهو يناجيه، فدل ذلك على أن حصول مثل ذلك لا يؤثر، فإذا أقيمت الصلاة وحصل شيء يشغل، أو كان الناس ينتظرون إمامهم، بأن يكون مثلاً عرضت له حاجة أو حصل له شيء،
وأراد أن ينتظروه قليلاً فانتظروه، فإن هذا الفصل الذي بين الإقامة والصلاة لا يؤثر. ثم أيضاً فيه رد على من يقول من الحنفية: إذا قال المؤذن في الإقامة: قد قامت الصلاة، يدخل الإمام في الصلاة، فيقول: الله أكبر؛
فهذا الحديث يرد هذا، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أقيمت الصلاة ومكثوا مدة ينتظرون دخوله في الصلاة، فلا يكون الدخول في الصلاة عند قول المؤذن: قد قامت الصلاة، بل السنة أنه يجاب المؤذن عند ذكر الإقامة كما يجاب بالنسبة للأذان، ويصلى ويسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدعى بدعاء الوسيلة؛ لأن ذلك داخل تحت عموم قوله: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن) ثم بعد ذلك يأتي بالصلاة والدعاء بالوسيلة للرسول صلى الله عليه وسلم.
فالقول بأنه عندما يقول: قد قامت الصلاة، يقول الإمام: الله أكبر، ويدخل الإمام في الصلاة والمؤذن ما أكمل الإقامة، هذا الذي جاء في هذا الحديث يدل على خلافه من جهة أنهم بعد الإقامة انتظروا حتى فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من مناجاة ومحادثة ذلك الشخص الذي كان يحدثه.
تراجم رجال إسناد حديث: (...فقام يناجيه حتى نعس القوم...)

قوله:
[ حدثنا موسى بن إسماعيل ].
موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ و داود بن شبيب ].
داود بن شبيب صدوق، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و ابن ماجة .
[ قالا: حدثنا حماد بن سلمة ].
حماد بن سلمة ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن.
[ عن ثابت البناني ].
ثابت بن أسلم البناني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أنس ].
أنس بن مالك رضي الله عنه وقد مر ذكره. وهذا الإسناد رباعي، وهذا من أعلى الأسانيد عند أبي داود ؛ لأنه من الرباعيات و موسى بن إسماعيل و داود بن شبيب في طبقة واحدة؛ لأنهما يعتبران شيخين لأبي داود ، ووجود الاثنين وهما من مشايخ أبي داود في طبقة واحدة لا يمنع أن يقال له: رباعي؛ لأنه عن موسى بن إسماعيل عن حماد عن ثابت عن أنس ، وعن داود بن شبيب أيضاً عن حماد عن ثابت عن أنس ، فهو رباعي. فذكر الاثنين فيه لكونهم من الشيوخ لا يقال: إنه خماسي؛ لأن الاثنين في طبقة واحدة، وكل واحد منهم قد أسند الحديث، فهو حديث رباعي يرويه أبو داود عن شيخين من مشايخه. وهو من أعلى ما يكون عند أبي داود ، وأصحاب الكتب الستة الذين هم: البخاري و مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة .
و البخاري هو أكثر أصحاب الكتب الستة ثلاثيات؛ لأن الأحاديث الثلاثية بلغت عنده اثنين وعشرين حديثاً، كلها ثلاثية، ليس بين البخاري وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها سوى ثلاثة أشخاص. و الترمذي عنده حديث واحد ثلاثي. و ابن ماجة : عنده خمسة أحاديث ثلاثية، ولكن الخمسة الأحاديث كلها بإسناد واحد وهو إسناد ضعيف. وأما مسلم فليس عنده ثلاثيات، و أبو داود ليس عنده ثلاثيات، و النسائي ليس عنده ثلاثيات، فمسلم و أبو داود و النسائي أعلى ما عندهم الرباعيات،
والذي معنا هو من أعلى ما يكون عند أبي داود ، فإن أعلى ما يكون عند أبي داود هو أربعة أشخاص بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهكذا الإسناد الذي قبله الذي هو شاذ بن فياض عن هشام الدستوائي عن قتادة عن أنس بن مالك ، هو أيضاً رباعي، ومن أعلى الأسانيد عند أبي داود .
شرح حديث: (..إنما الوضوء على من نام مضطجعاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يحيى بن معين و هناد بن السري و عثمان بن أبي شيبة عن عبد السلام بن حرب ، وهذا لفظ حديث يحيى عن أبي خالد الدالاني عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسجد وينام وينفخ، ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ، قال فقلت له:
صليت ولم تتوضأ وقد نمت؟ فقال: إنما الوضوء على من نام مضطجعاً) زاد عثمان و هناد (فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله). قال أبو داود : قوله: (الوضوء على من نام مضطجعاً) هو حديث منكر لم يروه إلا يزيد أبو خالد الدالاني عن قتادة وروى أوله جماعة عن ابن عباس ولم يذكروا شيئاً من هذا، وقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم محفوظاً. وقالت عائشة رضي الله عنها: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تنام عيناي ولا ينام قلبي). وقال شعبة :
إنما سمع قتادة من أبي العالية أربعة أحاديث: حديث يونس بن متى، وحديث ابن عمر في الصلاة، وحديث (القضاة ثلاثة)، وحديث ابن عباس : (حدثني رجال مرضيون منهم عمر وأرضاهم عندي عمر ). قال أبو داود : وذكرت حديث يزيد الدالاني لأحمد بن حنبل فانتهرني استعظاماً له وقال: ما ليزيد الدالاني يدخل على أصحاب قتادة ؟ ولم يعبأ بالحديث ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسجد وينام وينفخ) يعني: ينفخ في نومه. وقوله: [ (ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ) ]. أي: أنه كان يقوم ويصلي ولا يتوضأ، ولما قال له ابن عباس في ذلك، قال: (إنما الوضوء على من نام مضطجعاً) يعني: وذكر بعد ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم محفوظ يعني: أنه تنام عينه ولا ينام قلبه،
ولا يحصل له ما يحصل لغيره. ثم ذكر أن الإشكال فيما يتعلق بقوله: (إنما الوضوء على من نام مضطجعاً)، وقصره عليه، وأن هذا يكون للأمة، وأنه لا ينقض الوضوء إلا إذا كان مضطجعاً، ولكن هذا الحديث منكر، كما قال أبو داود رحمه الله؛ لأن النوم المستغرق سواء كان مضطجعاً أو غير مضطجع ناقض للوضوء، وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاء عنه شيء من هذا ولم يحصل منه أنه توضأ، فإنه لم ينتقض وضوءه عليه الصلاة والسلام؛ لأنه محفوظ من أن يحصل منه ذلك،
ولأنه قد قال: (تنام عيناي ولا ينام قلبي)، وهذا من خصائصه التي يتميز بها صلوات الله وسلامه وبركاته عليه عن الأمة. فما جاء متعلقاً بالرسول صلى الله عليه وسلم يكون من خصائصه، يعني: من كونه يحصل منه النوم، ثم يقوم ويصلي؛ لأن عينه تنام ولا ينام قلبه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وأما قوله: (إنما الوضوء على من نام مضطجعاً)،
فهذا منكر، ولا يصح وقد جاء من طريق قتادة عن أبي العالية ، وقال شعبة : لم يسمع قتادة من أبي العالية إلا أربعة أحاديث، يعني: وهذا الحديث ليس منها، فقتادة مدلس، ولم يسمع من أبي العالية إلا أربعة أحاديث، وليس هذا منها، إذاً: فيكون ضعيفاً. قوله: [ عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسجد وينام وينفخ، ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ، قال فقلت له: صليت ولم تتوضأ وقد نمت؟ فقال: إنما الوضوء على من نام مضطجعاً) زاد عثمان و هناد :
(فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله) ]. يعني: وكان ذلك أدعى لحصول الحدث منه. [ قال أبو داود : قوله: (والوضوء على من نام مضطجعاً) هو حديث منكر لم يروه إلا يزيد أبو خالد الدالاني عن قتادة ]. قوله: [ وروى أوله جماعة عن ابن عباس رضي الله عنهما ولم يذكروا شيئاً من هذا ]. أي: لم يذكروا أن الوضوء على من نام مضطجعاً. يعني: أنه أراد أن يميز بين ما جاء في أوله، وما جاء في آخره، يعني: ما جاء في أوله يتعلق بالرسول صلى الله عليه وسلم وله طرق أخرى، وما جاء في آخره إنما جاء من طريق أبي خالد الدالاني عن قتادة ، و قتادة يرويه عن طريق أبي العالية ، والأحاديث التي سمعها قتادة من أبي العالية أربعة أحاديث وليس هذا منها، إذاً: فهو ضعيف لا يحتج به. قوله: [ وكان النبي صلى الله عليه وسلم محفوظاً.
وقالت عائشة رضي الله عنها: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تنام عيناي ولا ينام قلبي) ]. يعني: أن هذا كله يتعلق بأول الحديث، وهو الذي جاء له شواهد وطرق، وأما ما جاء في آخره فهو المنكر، وهو الذي فيه تشريع للأمة، وهو يخالف ما جاء من الأحاديث الأخرى المتعلقة بالنوم، وأنه يكون فيه نقض الوضوء، لأنه مظنة الحدث. قوله:
[ وقال شعبة : إنما سمع قتادة من أبي العالية أربعة أحاديث: حديث يونس بن متى وحديث ابن عمر في الصلاة، وحديث: (القضاة ثلاثة) وحديث ابن عباس رضي الله عنهما: (حدثني رجال مرضيون منهم عمر وأرضاهم عندي عمر ) ]. يعني: أن شعبة أشار إلى الأحاديث التي سمعها قتادة من أبي العالية ، وليس هذا منها، إذاً: فهو حديث معلول وضعيف؛ لأن قتادة مدلس ولم يسمع من أبي العالية إلا أربعة أحاديث وليس هذا الحديث من تلك الأحاديث الأربعة التي ذكرها شعبة . [ قال أبو داود : وذكرت حديث يزيد الدالاني لأحمد بن حنبل فانتهرني استعظاماً له وقال ما ليزيد الدالاني يدخل على أصحاب قتادة ؟ ولم يعبأ بالحديث ]. ثم قال أبو داود : إنه ذكر ذلك للإمام أحمد بن حنبل فانتهرني استعظاماً لما جاء فيه من كون الوضوء على من نام مضطجعاً، يعني: انتهره في أن يشتغل بمثل ذلك، وأن يلتفت إلى مثل ذلك، وقال: ما ليزيد الدالاني يدخل على أصحاب قتادة ؟ ولم يعبأ به،
يعني: أنه يأتي بشيء انفرد به عن أصحاب قتادة ، وأيضاً هذا الحديث لم يكن من الأحاديث التي سمعها قتادة من أبي العالية ، يعني: ففيه عدة علل: مخالفة أبي خالد لأصحاب قتادة ، وكون قتادة سمع أربعة أحاديث من أبي العالية ، وهذا الحديث مما يرويه قتادة عن أبي العالية ، وهو ليس بواحد من تلك الأحاديث التي تعتبر أنها من مسموعاته، والتي لا تدليس فيها.
تراجم رجال إسناد حديث: (إنما الوضوء على من نام مضطجعاً)
قوله:
[ حدثنا يحيى بن معين ].
يحيى بن معين المحدث الناقد الإمام في الجرح والتعديل، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ و هناد بن السري ].
هناد بن السري أبو السري ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد، و مسلم وأصحاب السنن.
[ و عثمان بن أبي شيبة ].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ عن عبد السلام بن حرب ].
عبد السلام بن حرب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ وهذا لفظ حديث يحيى ]. يعني: أنه لما ذكر ثلاثة من شيوخه أخبر بأن اللفظ الموجود إنما هو ليحيى بن معين الذي هو الشيخ الأول. [ عن أبي خالد الدالاني ]. يزيد بن عبد الرحمن الأسدي أبو خالد الدالاني صدوق يخطئ كثيراً، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة. [ عن قتادة ]. قتادة قد مر ذكره. [ عن أبي العالية ]. هو رفيع بن مهران وهو ثقة،
أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الأحاديث التي سمعها قتادة من أبي العالية
والأحاديث التي سمعها قتادة من أبي العالية هي: حديث يونس بن متى الحديث الذي يقول فيه الرسول: (لا ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى).
وحديث ابن عمر في الصلاة قال في عون المعبود: لعله الحديث الذي فيه: (لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس). وحديث: (القضاة ثلاثة: واحد في الجنة، واثنان في النار)، وسيأتي. وحديث ابن عباس : (حدثني رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر ...) وهو يتعلق بالصلاة بعد العصر.
شرح حديث: (وكاء السه العينان، فمن نام فليتوضأ)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حيوة بن شريح الحمصي في آخرين قالوا: حدثنا بقية عن الوضين بن عطاء عن محفوظ بن علقمة عن عبد الرحمن بن عائذ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وكاء السه العينان، فمن نام فليتوضأ) ]. أورد أبو داود حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وكاء السه العينان، فمن نام فليتوضأ)، وهذا يدل على أن النوم مظنة الحدث،
وليس هو الحدث؛ لأنه لو كان النوم هو الحدث لكان يسيره وقليله سواء، كغيره من النواقض إذا خرج من أحد السبيلين، فإن أي شيء يسير ينتقض به الوضوء، والإنسان إذا أكل لحم جزور قليلاً أو كثيراً ينتقض به الوضوء، ولا يفرق بين القليل والكثير، لكن النوم ليس هو الحدث، وإنما هو مظنة الحدث؛ لأنه لو كان هو الحدث لكان لا فرق بين القليل ولا الكثير، ولكان أي نوم ينتقض به الوضوء. وقوله: (العينان وكاء السه) يعني: كالوكاء، والسه: هو الدبر؛ والإنسان ما دام مستيقظاً وأراد شيء أن يخرج منه فإنه يمنعه ويحبسه؛ لأنه مستيقظ متنبه، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء، يعني: لا يكون عنده علم،
وليس عنده شعور وإدراك بحيث إنه يمنع، فإذاً: يحصل الناقض. فقوله: (العينان وكاء السه) يعني: هما كالوكاء الذي يوكى به الوعاء، فهما وكاء للدبر، والإنسان ما دام مستيقظاً فهو متنبه، وعندما يأتي شيء يريد أن يخرج فإنه يحبسه ويمنعه من أن يخرج، فلا يحصل منه الحدث؛ لأنه عنده العلم والشعور لكونه مستيقظاً، أما إذا نام وكان هناك شيء سيخرج فإنه يخرج. وقوله: (العينان وكاء السه فمن نام فليتوضأ) لأنه مظنة نقض الوضوء غالباً.
تراجم رجال إسناد حديث: (وكاء السه العينان، فمن نام فليتوضأ)
قوله: [ حدثنا حيوة بن شريح ].
حيوة بن شريح الحمصي ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة .
[ في آخرين ].
يعني: ليس هو الذي حدثه وحده، بل معه ناس آخرون لكنه لم يذكرهم أبو داود .
[ قالوا: حدثنا بقية ].
هو ابن الوليد الحمصي وهو صدوق كثير التدليس عن الضعفاء وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن الوضين بن عطاء ]. الوضين بن عطاء صدوق سيئ الحفظ، أخرج له أبو داود و النسائي في مسند علي و ابن ماجة . [ عن محفوظ بن علقمة ]. محفوظ بن علقمة صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي في مسند علي و ابن ماجة . [ عن عبد الرحمن بن عائذ ].
عبد الرحمن بن عائذ ثقة، أخرج له أصحاب السنن الأربعة. [ عن علي ]. علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهاديين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، أبو السبطين رضي الله تعالى وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. والحديث صححه بعض أهل العلم."


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 05-12-2021, 10:50 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,281
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

المواضع التي نهي عن البول فيها
شرح سنن أبي داود [034]
الحلقة (65)

شرح سنن أبي داود [034]


اجتناب النجاسات شرط من شروط الصلاة، ومن ذلك اجتناب الأذى، وما كان من الأذى خارجاً من الجسم كالمذي فله أحكام تتعلق به، وقد بينت ذلك الأحاديث النبوية.

ما جاء في الرجل يطأ الأذى برجله


شرح حديث: (كنا لا نتوضأ من موطئ ولا نكف شعراً ولا ثوباً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يطأ الأذى برجله. حدثنا هناد بن السري و إبراهيم بن أبي معاوية عن أبي معاوية ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثني شريك و جرير و ابن إدريس عن الأعمش عن شقيق قال: قال عبد الله رضي الله عنه: (كنا لا نتوضأ من موطئ ولا نكف شعراً ولا ثوباً). قال أبو داود : قال إبراهيم بن أبي معاوية فيه: عن الأعمش عن شقيق عن مسروق أو حدثه عنه قال: قال عبد الله . وقال هناد : عن شقيق أو حدثه عنه، قال:
قال عبد الله ]. أورد أبو داود رحمه الله باباً في الرجل يطأ الأذى برجله، يعني: ماذا يصنع؟ هل يعيد الوضوء أم ماذا يفعل؟ أما إعادة الوضوء فلا إعادة، لكن الكلام هو على هذا الذي وطئه، هل هو نجاسة أو غير نجاسة، فإن كان ليس بنجاسة فلا يؤثر؛ لأن الإنسان إذا صلى وعلى قدمه شيء من الأذى الذي هو طاهر وليس بنجس، فلا يؤثر ذلك، وأما إن كان يعلم أنه نجاسة فعليه أن يزيل النجاسة، وهو باقٍ على طهارته، وباقٍ على وضوئه، أي: إذا وطئت رجله شيئاً فيه نجاسة فلا ينتقض وضوءه بوطء النجاسة، وإنما عليه أن يزيل تلك النجاسة وبأن يغسلها، هذا إذا عرف أنه شيء نجس، وأنه رطب، وأنه يعلق بالقدم. أما لو وطئ على أرض متنجسة ورجله يابسة، فأيضاً لا يحتاج إلى غسل ما دام أن رجله ليس فيها رطوبة أو الأرض التي فيها النجاسة ليست رطبة تعلق بالرجل، فإنه لا يلزم الغسل؛ لأنه لم يعلق برجله شيء. أما إذا كانت الرجل رطبة ووطئت على أرض متنجسة، أو كانت الرجل يابسة ووطئت على نجاسة رطبة فعلقت بالرجل فعليه أن يزيل تلك النجاسة وأن يغسلها، والوضوء يبقى على حاله؛
لأن إزالة النجاسة شيء، والوضوء شيء آخر، وكون الإنسان يطأ النجاسة فلا ينتقض بهذا وضوءه، وإنما عليه أن يزيل النجاسة التي حصلت له بغسلها، والوضوء على حاله، وباقٍ على أصله. فالذي يطأه الناس أو يطأه الإنسان فيه تفصيل: إن كان ليس بنجس لا يؤثر، ولكن كونه يغسل حتى يزول أثر هذا الشيء عن رجله فهذا شيء طيب وهذا شيء مما ينبغي، لكنه ليس بلازم، وإن كانت الرجل رطبة أو الأرض رطبة وفيها نجاسة وحصل علوقها بالرجل بسبب الرطوبة فإنه يلزم غسل النجاسة. وإن كان يجهل أنه نجس أو غير نجس، فالأصل هو الطهارة، مثل المياه التي تكون في الأسواق وفي الشوارع، فالإنسان إذا لم يتحقق نجاستها فالأصل فيها الطهارة، ولا يحتاج إلى أن يغسل رجليه بسبب ذلك الذي وطئه في الشوارع وفي الطرقات إذا لم يكن متحققاً بأنه نجس. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال: (كنا لا نتوضأ من موطئ) يعني:
بسبب وطء الشيء، ولعل المقصود هنا بالوضوء: الوضوء اللغوي، الذي هو غسل الرجل، وليس الوضوء الشرعي، الذي هو غسل الوجه واليدين, وعلى هذا يكون قوله هنا: (لا نتوضأ من موطئ) يعني: لا نغسل الرجلين بسبب وطئهما للأذى. لكن كما قلت: إذا كانت النجاسة معروفة ومحققة، والإنسان وطئها وهي رطبة وعلقت برجله، أو كانت النجاسة يابسة ورجله رطبة ووقعت على النجاسة، فالنجاسة تغسل، ما دام أنه تحقق أن النجاسة وصلت إلى رجله؛ لأنه يلزم عند الصلاة طهارة البدن والثوب والبقعة، وذلك بأن يكون بدنه ليس فيه نجاسة، وثيابه ليس فيها نجاسة، والبقعة التي يصلي فيها ليس فيها نجاسة، إلا إذا كانت متنجسة وفرش عليها فراش، والإنسان يصلي على الفراش فهذا لا يؤثر. وقوله: (ولا نكف شعراً ولا ثوباً) يعني: في الصلاة، فلا نرفعها،
وإنما نرسلها حتى يصيبها ما يصيب غيرها من مواضع السجود، فالإنسان لا يكف شعراً، فإذا كان شعره متدلياً فلا يكفه من أجل أن يسجد، بل يجعله يسجد معه، وكذلك الثوب لا يرفعه عن الأرض حتى يسجد، بل عليه أن يترك ثيابه ويصلي على هيئته ولا يكف شعراً ولا ثوباً.

تراجم رجال إسناد حديث: (كنا لا نتوضأ من موطئ ولا نكف شعراً ولا ثوباً)
قوله:
[ حدثنا هناد بن السري ].
هو هناد بن السري أبو السري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد و مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
[ و إبراهيم بن أبي معاوية ].
أبو معاوية هو محمد بن خازم الضرير الكوفي ، و إبراهيم بن أبي معاوية صدوق أخرج حديثه أبو داود وحده.
[ عن أبي معاوية ].
هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة ].
(ح) هي للتحول من إسناد إلى إسناد، و عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ حدثني شريك ].
هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي، وهو صدوق يخطئ كثيراً، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ و جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي، ثم الرازي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ و ابن إدريس ].
هو عبد الله بن إدريس الأودي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأعمش ].
هنا يلتقي الإسنادان -الإسناد الأول والإسناد الثاني- عند الأعمش ، و الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن شقيق ].
هو شقيق بن سلمة الكوفي أبو وائل، مشهور بكنيته، ويأتي ذكره بالكنية كثيراً، ويأتي ذكره بالاسم كما هنا شقيق بن سلمة ، وهو ثقة مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ قال عبد الله ].
هو عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله تعالى عنه،
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أحد فقهاء الصحابة، وكانت وفاته سنة (32هـ) في خلافة عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وأرضاه. وقد ذكر بعض أهل العلم أنه أحد العبادلة الأربعة؛ لكن الصحيح أنه ليس منهم؛ لأن المشهور أن العبادلة هم من صغار الصحابة، وهم متقاربون في السن، وقد عاشوا إلى ما بعد سنة 60هـ، وأدركهم من لم يدرك ابن مسعود ؛
وهم عبد الله بن عمر و عبد الله بن عمرو و عبد الله بن الزبير و عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين. وعبد الله بن مسعود حديثه عند أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : قال إبراهيم بن أبي معاوية فيه: عن الأعمش عن شقيق عن مسروق أو حدثه عنه قال: عبد الله ]. يعني أن أبا دواد له فيه ثلاثة شيوخ: هناد بن السري و إبراهيم بن أبي معاوية و عثمان بن أبي شيبة ،
واللفظ الذي ساقه هو بلفظ عثمان بن أبي شيبة ، ليس فيه شك، ولما ذكر الإسناد والمتن أشار بعد ذلك إلى ما عند شيخه الأول وشيخه الثاني إبراهيم بن أبي معاوية و هناد بن السري ، فإن آخر الإسناد عندهما يختلف عما عند عثمان بن أبي شيبة ؛ لأن اللفظ الذي سيق هو لفظ عثمان بن أبي شيبة . [عن الأعمش عن شقيق قال: قال عبد الله ]. يعني أن الرواية من طريق عثمان بن أبي شيبة فيها الأعمش عن شقيق قال: قال عبد الله ، هذه هي الصيغة التي جاءت من طريق عثمان بن أبي شيبة .
[عن شقيق عن مسروق أو حدثه عنه].
يعني: أن شقيقاً يروي عن مسروق بالعنعنة أو بالتحديث، ففيه شك هل قال شقيق :
عن مسروق أو أن شقيقاً حدثه عن عبد الله بن مسعود . [وقال هناد عن شقيق أو حدثه عنه أنه قال: قال عبد الله ]. إسناد هناد بن السري هو نفس الإسناد الأول، ولا توجد زيادة، ولكن فيه الشك هل قال الأعمش عن شقيق أو قال: حدثه عنه، يعني: هل أتى بـ(عن) أو أتى بصيغة التحديث.

حكم من يحدث في الصلاة


شرح حديث: (إذا فسا أحدكم في الصلاة ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن يحدث في الصلاة. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير بن عبد الحميد عن عاصم الأحول عن عيسى بن حطان عن مسلم بن سلام عن علي بن طلق رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف فليتوضأ وليعد الصلاة)]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: باب من يحدث في الصلاة، يعني: ماذا يصنع؟ والجواب: أنه يقطع صلاته وينصرف ويتوضأ ويعيد الصلاة.
وقد أورد فيه حديث علي بن طلق رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف وليتوضأ وليعد الصلاة). (فلينصرف): يعني يقطع صلاته؛ لأنه حصل منه الحدث، وخروج الريح من الإنسان هو حدث ينتقض به الوضوء، ومن كان في الصلاة وحصل منه الحدث فإن عليه أن يقطع صلاته،
وهذا فيما إذا تحقق خروج الريح؛ لأنه سبق أن مر بنا في الحديث: (إذا شك أحدكم أنه خرج منه شيء في الصلاة فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) فالشيء الخارج من دبره إما صوت يسمع للريح الخارجة، أو يشم رائحة لتلك الريح التي خرجت منه، فعند ذلك يكون متحققاً بأن وضوءه انتقض، وإذا كان الأمر كذلك فعليه أن يقطع الصلاة وينصرف ويتوضأ ثم يعيد الصلاة، يعني: يستأنف الصلاة من جديد، ولا يبني على ما تقدم مما كان قبل الإحداث، وإنما عليه أن يعيد كما جاء في هذا الحديث،
وقد جاء حديث فيه ضعف، وفيه: أنه يذهب ويتوضأ وهو في ذلك لا يتكلم ثم يبني على ما كان قد صلى، لكن الذي جاء في هذا الحديث هو الأظهر وهو الأولى؛ لأن الصلاة حصل بطلانها بخروج الريح التي خرجت من الإنسان، فعليه أن يتوضأ لتلك الريح التي خرجت ويعيد الصلاة من أولها.

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا فسا أحدكم في الصلاة ..)
قوله:
[حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير بن عبد الحميد عن عاصم الأحول ].
عاصم بن سليمان الأحول ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عيسى بن حطان ].
عيسى بن حطان مقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي .
[عن مسلم بن سلام ].
وهو صدوق، يعني: مقبول، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و النسائي .
[عن علي بن طلق ].
هو صحابي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أبو داود و الترمذي و النسائي . وهؤلاء ثلاثة رواة على نسق وعلى ولاء، كلهم أخرج لهم أبو داود و الترمذي و النسائي !

الوضوء من المذي


شرح حديث: (كنت رجلاً مذاءً فجعلت أغتسل ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في المذي. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبيدة بن حميد الحذاء عن الركين بن الربيع عن حصين بن قبيصة عن علي رضي الله عنه أنه قال: (كنت رجلاً مذّاءً فجعلت أغتسل حتى تشقق ظهري، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم أو ذُكر له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفعل،
إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك وتوضأ وضوءك للصلاة، فإذا فضخت الماء فاغتسل) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: باب في المذي. والمذي: بسكون الذال والياء مخففة، ويكون بكسر الذال وتشديد الياء، وهو سائل خفيف يخرج عند المداعبة والملاعبة، وهو نجس، فإذا خرج يغسل الإنسان ذكره، ويغسل ذلك الذي خرج بالماء،
ولم يأت فيه ذكر الاستجمار بالحجارة، وإنما يغسل بالماء، وخروجه ينتقض به الوضوء، ويلزم الإنسان أن يغسل ذكره وأنثييه، ويتوضأ ويصلي، وكل ما يخرج من السبيل يعتبر نجس، إلا المني فإنه طاهر.
عن علي رضي الله تعالى عنه قال: (كنت رجلاً مذاء) أي: كثير المذي، يعني: يخرج منه المذي كثيراً، وكان يظن أنه يوجب الغسل؛ لأنه حاصل بسبب الشهوة، فظن أن له حكم الإنزال وحكم المني إذا خرج من الإنسان، فكان يغتسل كلما حصل منه ذلك حتى تشقق ظهره من البرد، فإما أنه سأل الرسول صلى الله عليه وسلم أو ذُكر ذلك له، وفي بعض الأحاديث ما يدل على أنه لم يسأل بنفسه،
وأرسل المقداد بن الأسود ليسأل، وقد استحيا لكونه زوج فاطمة ، فهو يستحي من أن يتكلم بشيء حول الجماع والاستمتاع أمام الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أبوها، فأرسل المقداد بن الأسود، فكان الجواب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (لا تفعل) يعني: لا تفعل الاغتسال الذي كنت تفعل، وإنما يكفيك أن تغسل ذكرك وتتوضأ. قوله: [ (إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك، وتوضأ وضوءك للصلاة) ] معناه: أنه ناقض للوضوء، وعليه أن يتوضأ. وقوله: (فإذا فضخت الماء فاغتسل).
معناه: إذا وجد المني -الذي هو خروج بدفق ولذة- فهذا هو الذي يوجب الغسل، أما إذا لم يحصل شيء من هذا، وإنما حصل بدون لذة وبدون دفق فإنه لا يوجب الغسل، وإنما يوجب غسل الذكر والنجاسة التي خرجت، ويوجب الوضوء، وأما الغسل فلا يوجبه إلا خروج المني.

تراجم رجال إسناد حديث: (كنت رجلاً مذاءً فجعلت أغتسل ...)
قوله:
[حدثنا قتيبة بن سعيد ].
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبيدة بن حميد الحذّاء ].
عبيدة بن حميد الحذاء جاء ذكره تحت من اسمه عبيدة، بفتح أوله، وهو صدوق ربما أخطأ، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
[عن الركين بن الربيع ].
وهو ثقة، أخرج له البخاري حديث مفرد، و مسلم وأصحاب السنن.
[عن حصين بن قبيصة ].
وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
[عن علي ].
علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمّة والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. الحديث السابق (إذا فسا أحدكم ...) فيه ضعف، ولكن يشهد له حديث: (فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)، متفق عليه، فحديث:
(فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) يشهد له من حيث الانصراف، لكن من حيث كونه يعيد الصلاة فلا يدل له، لكن هذا هو الذي يظهر من جهة أن الصلاة بطلت بحصول الناقض؛ فيتوضأ ويعيد الصلاة من أصلها، ولا يبني على ما تقدم.

شرح حديث: (... إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه وليتوضأ ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي النضر عن سليمان بن يسار عن المقداد بن الأسود (أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمره أن يسأل له رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل إذا دنا من أهله فخرج منه المذي، ماذا عليه؟ فإن عندي ابنته أستحي أن أسأله، قال المقداد : وسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: إذا وجد أحدكم ذلك فلينضخ فرجه وليتوضأ وضوءه للصلاة) ]. هذا فيه بيان أن علياً رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بواسطة المقداد بن الأسود رضي الله عنه، وبين له العلة، وقال: إنه يستحي أن يسأله لكون ابنته فاطمة رضي الله تعالى عنها هي زوجته، فاستحيا أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يواجهه بهذا السؤال حياءً منه صلى الله عليه وسلم، فسأله المقداد بن الأسود فقال:
(إذا وجد أحدكم ذلك فلينضخ فرجه) يعني: ليغسله وليتوضأ وضوءه للصلاة، ولا يوجب هذا غسلاً، وإنما يوجب الوضوء فقط؛ لأنه حصل نقض الوضوء فيتعين الوضوء. وهذا فيه أن السائل ينبغي أن يبهم الفاعل، فيقول: ما حكم الرجل يرى كذا وكذا؟ ولكن لو جاء علي رضي الله عنه وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: ماذا تقول في الرجل يحصل منه كذا،
فإنه سيفهم أنه هو صاحب القصة، وأنه هو الذي يحصل منه ذلك؛ ولهذا أمر المقداد بن الأسود رضي الله عنه أن يسأله، فسأله وأجابه بأنه إذا وجد أحدكم ذلك فلينضخ فرجه وليتوضأ وضوءه للصلاة. وفي هذا دليل على أن الإنسان عندما يكون مع أصهاره وأقاربه فلا يتحدث معهم بالشيء الذي يتعلق بالجماع وبالاتصال بالنساء؛ لأن هذا من الأشياء التي يستحيا منها مع الأقارب ومع الأصهار، كما حصل ذلك من علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث: (... إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه وليتوضأ ...)
قوله:
[حدثنا عبد الله بن مسلمة ].
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[عن مالك ].
مالك بن أنس هو إمام دار الهجرة، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي النضر ].
وهو سالم بن أبي أمية ، وهو ثقة يرسل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن سليمان بن يسار ].
سليمان بن يسار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين.
[عن المقداد بن الأسود ].
وهو المقداد بن عمرو رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهذا الحديث من مسند المقداد وليس من مسند علي رضي الله عنهما.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 05-12-2021, 10:50 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,281
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح حديث: (... ليغسل ذكره وأنثييه ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير عن هشام بن عروة عن عروة أن علي بن أبي طالب قال للمقداد : .. وذكر نحو هذا، قال: فسأله المقداد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليغسل ذكره وأنثييه). قال أبو داود : ورواه الثوري وجماعة عن هشام عن أبيه عن المقداد عن علي رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. أورد أبو داود رحمه الله الحديث من طريق أخرى، وفيه: أنه يغسل ذكره وأنثييه، يعني يغسلهما عند خروج المذي، وعرفنا أنه لا يكفي فيه الاستجمار، بل لابد فيه من الغسل.

تراجم رجال إسناد حديث: (... ليغسل ذكره وأنثييه ...)
قوله:
[حدثنا أحمد بن يونس ].
هو أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا زهير ].
هو ابن معاوية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام بن عروة ].
وهو ثقة ربما دلّس، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عروة ].
هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [أن علي بن أبي طالب قال للمقداد ]. هو المقداد بن الأسود رضي الله عنه، وقد مر ذكره.
[قال أبو داود : ورواه الثوري وجماعة عن هشام عن أبيه عن المقداد عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم ].
ورواه ابن إسحاق عن هشام عن أبيه، عن المقداد عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. الثوري هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. قوله: [عن هشام عن أبيه عن المقداد عن علي ] يعني: أنه من مسند علي لا أنه مسند المقداد .

شرح حديث علي: (قلت للمقداد ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي حدثنا أبي عن هشام بن عروة عن أبيه عن حديث حدثه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: قلت للمقداد فذكر بمعناه.
قال أبو داود : ورواه المفضل بن فضالة وجماعة و الثوري و ابن عيينة عن هشام عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ورواه ابن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن المقداد عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر (أنثييه) ]. قوله: [فذكر بمعناه]: أي: معنى الحديث المتقدم، يعني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمره بأن يغسل ذكره وأنثييه، ويتوضأ وضوءه للصلاة.

تراجم رجال إسناد حديث علي: (قلت للمقداد)
قوله:
[حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن أبيه ].
عبد الله بن مسلمة مر ذكره، وأبوه هو مسلمة بن قعنب ، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود وحده.
[حدثنا أبي عن هشام بن عروة عن أبيه عن حديث حدثه عن علي ].
عن هشام بن عروة عن أبيه عن حديث حدثه عن علي ، أبوه عروة حدثه عن علي .
[قال أبو داود : ورواه المفضل بن فضالة وجماعة و الثوري و ابن عيينة عن هشام عن أبيه عن علي بن أبي طالب ].
وهذا فيه أن الحديث من مسند علي ، يعني: أن عروة يرويه عن علي رضي الله تعالى عنه. والثوري مر ذكره، و ابن عيينة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
قوله: [ورواه ابن إسحاق ]
هو محمد بن إسحاق صاحب السيرة، صدوق يدلس، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن.
[عن هشام بن عروة عن أبيه عن المقداد ].
وقد مرّ ذكرهم. [عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر (أنثييه_. ووجه غسل الأنثيين وإن لم يصبهما المذي؛ لأن الأنثيين لهما دخل في إفراز المني والمذي، فغسلهما مع الذكر فيه تعويض لهما عما حصل من الكسل بسبب ذلك الانتشار والانقباض الذي بعده، وأيضاً: لما قد يكون علق بهما من النجاسة التي هي من المذي.

شرح حديث (... إنما يجزيك من ذلك الوضوء ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا إسماعيل -يعني: ابن إبراهيم - أخبرنا محمد بن إسحاق قال: حدثني سعيد بن عبيد بن السباق عن أبيه عن سهل بن حنيف رضي الله عنه أنه قال: (كنت ألقى من المذي شدة، وكنت أكثر منه الاغتسال، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: إنما يجزيك من ذلك الوضوء، قلت: يا رسول الله! فكيف بما يصيب ثوبي منه؟ قال: يكفيك بأن تأخذ كفاً من ماء فتنضح بها من ثوبك حيث ترى أنه أصابه) ].
أورد أبو داود حديث سهل بن حنيف رضي الله عنه، وقصته مثل قصة علي ، فقد كان يلقى من المذي شدة، وكان يكثر من الاغتسال مثل ما كان يفعل علي ، ولعلهما كانا يظنان أن هذا يوجب الغسل؛ لأنه متعلق بالشهوة، ومتعلق بخروج شيء، قال: (فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: إنما يجزيك من ذلك الوضوء) يعني:
يكفيك أن تتوضأ، ولا يحتاج الأمر إلى أن تغتسل، قال: (قلت: يا رسول الله! فكيف بما يصيب ثوبي منه؟ قال: يكفيك بأن تأخذ كفاً من ماء فتنضح بها من ثوبك حيث ترى أنه أصابه) يعني: تأخذ ماء في كفك، وترش به على المكان الذي ترى أن المذي قد أصابه، ويكفيك ذلك.

تراجم رجال إسناد حديث: (... إنما يجزيك من ذلك الوضوء ...)
قوله: [حدثنا مسدد ].
هو مسدد بن مسرهد، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي .
[حدثنا إسماعيل يعني ابن إبراهيم ].
هو ابن علية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا محمد بن إسحاق حدثني سعيد بن عبيد بن السباق ].
محمد بن إسحاق مر ذكره، و سعيد بن عبيد بن السباق ثقة أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [عن أبيه ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سهل بن حنيف ].
سهل بن حنيف هو صحابي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو ممن بايع تحت الشجرة، وهو ممن تأثر وتألم كثيراً بسبب إبرام الصلح مع قريش، وكان مع علي في صفين، ولما طلب أهل الشام التحكيم كان بعض أصحاب علي يرون المواصلة والاستمرار في القتال، وكان سهل رضي الله عنه يرى أن توقف الحرب، وأن يكف الناس عن القتال، وكان يقول للذين يرون المواصلة: يا أيها الناس! اتهموا الرأي. يعني: اتهموا هذا الرأي الذي ترونه من مواصلة الحرب، ثم ذكر قصة صلح الحديبية وما حصل من كونهم رأوا رأياً وظنوا أنه الحق، ثم تبين لهم أن الحق على خلافه.

شرح حديث: (... ذاك المذي وكل فحل يمذي ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عبد الله بن وهب حدثنا معاوية -يعني: ابن صالح - عن العلاء بن الحارث عن حرام بن حكيم عن عمه عبد الله بن سعد الأنصاري رضي الله عنه أنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يوجب الغسل، وعن الماء يكون بعد الماء، فقال: ذاك المذي، وكل فحل يمذي، فتغسل من ذلك فرجك وأنثييك، وتوضأ وضوءك للصلاة) ]. ثم أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن سعد الأنصاري رضي الله عنه،
أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يوجب الغسل، وعن الماء يكون بعد الماء، والمقصود بقوله: (الماء يكون بعد الماء) أي: المذي؛ لأن المذي يأتي شيئاً فشيئاً، ويأخذ له وقت، وقد يغسله الإنسان في أول الأمر ويخرج منه شيء بعد ذلك، بخلاف المني فإنه يخرج بشهوة وبدفق وينقطع بعد وقت وجيز، وأما المذي فإنه يستمر في الخروج ويتكرر،
وقد يبادر الإنسان إلى غسله ثم يخرج منه بعد غسله، فالمذي هو الماء بعد الماء، يعني المذي بعد المذي، لكونه يمذي ثم يغسله ثم يأتي المذي مرة أخرى، فالرسول صلى الله عليه وسلم بين أن الحكم فيه أنه يغسل ذكره وأنثييه، ويتوضأ وضوءه للصلاة. والحديث فيه اختصار؛ لأنه لم يذكر ما يوجب الغسل، ولكنه ذكر الذي لا يوجب الغسل وهو المذي.

تراجم رجال إسناد حديث: (... ذاك المذي وكل فحل يمذي ...)
قوله:
[حدثنا إبراهيم بن موسى ].
هو إبراهيم بن موسى الرازي، ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا عبد الله بن وهب ].
هو عبد الله بن وهب المصري ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا معاوية يعني: ابن صالح ].
معاوية بن صالح صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، و مسلم وأصحاب السنن. [عن العلاء بن الحارث ]. وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
[عن حرام بن حكيم ].
حرام بن حكيم ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن.
[عن عمه عبد الله بن سعد الأنصاري ].
وهو صحابي رضي الله عنه، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة .

شرح حديث: (... لك ما فوق الإزار ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هارون بن محمد بن بكار حدثنا مروان -يعني: ابن محمد - حدثنا الهيثم بن حميد حدثنا العلاء بن الحارث عن حرام بن حكيم عن عمه رضي الله عنه: (أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ قال: لك ما فوق الإزار)، وذكر مؤاكلة الحائض أيضاً، وساق الحديث ]. حديث عبد الله بن سعد فيه: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحل له من امرأته فقال: (لك ما فوق الإزار) يعني: أنك تستمتع بها بما فوق الإزار، وذكره في باب المذي؛ لأن الاستمتاع والمباشرة بدون جماع سبب لحصول المذي، هذا هو السبب في إيراد الحديث.
والحديث مشتمل على عدة أمور، منها ما تقدم، ومنها ما يتعلق باستمتاع الرجل بأهله في حال الحيض، والحائض يستمتع بها زوجها في غير الفرج، فالفرج لا يجوز إتيانه في حال الحيض، وما عدا ذلك فيمكن الاستمتاع به. قوله: [وذكر مؤاكلة الحائض أيضاً]. يعني: أنها تؤاكل، ولا يبتعد عنها زوجها أو يطلب منها أن تبتعد عن الناس في حال حيضها،
بل تؤاكل وتضاجع ولكن لا يجامعها زوجها في حال الحيض في فرجها، ويجوز الاستمتاع بها في غير الفرج، وكذا مؤاكلتها ومضاجعتها وكل شيء إلا الجماع. وهذا فيه وسطية دين الإسلام بين ما عند اليهود وما عند النصارى، فإن اليهود عندهم التشدد في عدم مؤاكلتها ومضاجعتها، والنصارى عندهم العكس، وهو وطؤها في حال الحيض، فهؤلاء متشددون، وهؤلاء مفرّطون، والإسلام وسط بين هذا وهذا، ليس فيه الابتعاد كما يحصل من تشدد اليهود، وليس فيه التفريط كما يحصل من فعل النصارى، فهي تؤاكل وتضاجع، ولكن لا تجامَع، والحق وسط بين الطرفين المتناقضين.

تراجم رجال إسناد حديث: (... لك ما فوق الإزار ...)
قوله:
[حدثنا هارون بن محمد بن بكار ].
وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [حدثنا مروان يعني: ابن محمد ]. وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا الهيثم بن حميد].
وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن.
[حدثنا العلاء بن الحارث عن حرام بن حكيم عن عمه ].
وقد مرّ ذكر الثلاثة.

شرح حديث: (... ما فوق الإزار والتعفف عن ذلك أفضل)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هشام بن عبد الملك اليزني حدثنا بقية بن الوليد عن سعد الأغطش -وهو ابن عبد الله - عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي -قال هشام : وهو ابن قرط أمير حمص- عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحل للرجل من امرأته وهي حائض؟ فقال: ما فوق الإزار،
والتعفف عن ذلك أفضل). قال أبو داود : وليس هو -يعني: الحديث- بالقوي ]. هذا الحديث مثل الحديث المتقدم عن عبد الله بن سعد عندما سأل عما يحل له، فقال: (ما فوق الإزار)، وهنا الجواب مثله إلا أنه قال: (والتعفف أفضل). وهذه الجملة الأخيرة فيها شيء من جهة أن الذي جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم ثبوت ما فوق الإزار، وأنه كان عليه الصلاة والسلام يستمتع بأهله في حال الحيض، وذلك فيما فوق الإزار، وذكر التعفف يخالف ما جاء من فعله وإرشاده صلى الله عليه وسلم،
فهذه اللفظة غير مستقيمة، ولهذا فإن أبا داود رحمه الله قال عن هذا الحديث: ليس بالقوي. وقيل: إن السبب في ذلك أن عبد الرحمن بن عائذ لم يسمع من معاذ ، وقيل أيضاً: إن بقية بن الوليد الذي في الإسناد كثير التدليس على الضعفاء، وقد روى الحديث بالعنعنة. ومناسبة الحديث في باب المذي من جهة أن المباشرة يحصل بها خروج المذي.

تراجم رجال إسناد حديث: (... ما فوق الإزار والتعفف عن ذلك أفضل)
قوله:
[حدثنا هشام بن عبد الملك اليزني ].
هشام بن عبد الملك اليزني صدوق ربما وهم، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
[حدثنا بقية بن الوليد ].
بقية بن الوليد صدوق كثير التدليس على الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن.
[عن سعد الأغطش ].
هو سعد بن عبد الله الأغطش، وهو لين الحديث، وحديثه أخرجه أبو داود وحده.
[عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي ].
عبد الرحمن بن عائذ الأزدي ثقة، أخرج حديثه أصحاب السنن. قال هشام وهو ابن قرط أمير حمص].
وهذا زيادة تعريف له.
[عن معاذ بن جبل ].
معاذ بن جبل رضي الله عنه هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحديث فيه علل: فيه الأغطش وهو لين الحديث، وفيه بقية ، وفيه عبد الرحمن بن عائذ، فهو لم يسمع من معاذ ، لكن قوله: (ما فوق الإزار) هذا ثابت من طرق متعددة، ومن أحاديث مختلفة، ومنها الحديث المتقدم، وهو حديث عبد الله بن سعد ، وأيضاً ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر إحدى زوجاته وهي حائض فتأتزر ثم يباشرها. وكل شيء يحل للرجل من زوجته الحائض إلا الفرج، فإذا وضع شيء يمنع الوصول إلى الفرج فكل شيء منها يمكن الاستمتاع به ولو كان تحت الإزار، لكن الإنسان الذي يخشى على نفسه أن يقع في المحظور يبتعد.

الأسئلة


سفر المرأة لطلب العلم
السؤال: هل يجوز للمرأة أن تسافر من أجل طلب العلم حيث لا تجد حلقة علم في منطقتها؟

الجواب: تحصيل العلم في هذا الزمان صار متيسراً بحيث أن المرأة وغير المرأة يستطيعان طلبه في أماكنهما، عن طريق الأشرطة، وعن طريق إذاعة القرآن الكريم، وعن طريق الكتب النافعة، فمن يريد أن يحصل العلم فهو يحصله بدون سفر.

سكن المرأة بعيداً عن أسرتها بدون محرم
السؤال: هل يجوز للطالبة أن تسكن بعيداً عن أسرتها بدون محرم؟
الجواب: إذا كان لا يخشى عليها ضرر من سكناها في مكان بعيد فلا بأس بذلك، لكن إذا كان أسرتها موجودين وإياها في بلد واحد فينبغي لها أن تكون معهم، وإذا كان عندها أولاد وسكنها معهم فيه مشقة عليهم، وعندها مكان هي وأولادها، فلا بأس من بقائها وحدها.

سفر المرأة بدون محرم مع امرأة أخرى معها محرم
السؤال: هل للمرأة أن تسافر بدون محرم بصحبة امرأة أخرى ذات محرم؟

الجواب: المحرم الذي معهما هو لتلك المرأة، وأما هي فليس لها محرم، والمرأة ليست محرماً للمرأة، بل محرمها هو زوجها أو من تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح، هذا هو محرم المرأة، قال عليه الصلاة والسلام: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم)، والمرأة ليس لها أن تسافر مع امرأة ذات محرم؛ لأن محرم المرأة ليس محرماً للمرأة الأخرى، وإنما يجوز لها أن تسافر مع وجود محرم لها هي.

تأجيل بعض المهر إلى أجل غير معلوم
السؤال: ما حكم تأجيل بعض المهر الشرعي إلى أجل غير معلوم كالطلاق مثلاً؟
الجواب: إذا كان محدداً عند الطلاق فوجوده مثل عدمه، وماذا تستفيد منه؟! والناس قد يتخذون مثل هذا من أجل الربط، وهذا غير مستقيم. لكن كونه يكون مؤجلاً وليس محدداً، بل على حسب التيسر فلا بأس، وليس بلازم أن يقول: إنه يحل في الوقت الفلاني، وإنما يكون مؤجلاً متى ما تيسر له.

حكم الصلاة في الثوب المتنجس إذا جفت النجاسة
السؤال: إذا كانت النجاسة جافة في فراش، فهل يصلح للمصلي أن يصلي على هذا الفراش؟
الجواب: الفراش إذا كان متنجساً فلا يصلي عليه أحد إلا إذا غسل، حتى ولو كان جافاً؛ لأن من شروط صحة الصلاة: الطهارة في البدن والثوب والبقعة. فإذا كانت الأرض نجسة -ولو كانت جافة- لا يصلي عليها، وإنما تغسل الأرض حتى تطهر، ثم يصلى عليها بعد ذلك. أما أن يعلم أن هذا المكان متنجس ثم يأتي ويصلي فوقه إذا كان جافاً، فليس له أن يصلي عليه. والذي سبق أن مر معنا هو أن يمشي ويطأ على مكان متنجس ورجله جافة، والأرض يابسة، وما علق بالرجل شيء؛ فلا يلزم غسلها، وأما كونه يصلي فوق المكان المتنجس إذا كان جافاً فلا يجوز هذا.

حكم تعليق الآيات القرآنية من باب الحرز
السؤال: ما حكم تعليق الآيات القرآنية لدفع الشر وجلب الخير؟
الجواب: لا يجوز ذلك؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (من تعلق تميمة فلا أتم الله له).

مكان العقل من جسد الإنسان
السؤال: أين العقل من جسد الإنسان؟ وهل يعقل الإنسان بقلبه أو بمخه؟

الجواب: العقل في القلب قال الله: لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا [الحج:46]، فأضاف العقل إلى القلوب، لكن لا شك أن له اتصالاً بالدماغ، بحيث إنه عندما يحصل خلل في الدماغ يتأثر العقل، والله تعالى أعلم."

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 7 ( الأعضاء 0 والزوار 7)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 437.10 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 431.22 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (1.35%)]