|
هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#771
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الرابع عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ براءة الحلقة (771) صــ 301 إلى صــ 310 ومنه قول الآخر: (1) إِذَا لَقَيْتُكَ تُبْدِي لِي مُكَاشَرَةً ... وَإِنْ أُغَيَّبْ، فَأَنْتَ العَائِبُ اللُّمَزَهْ (2) = (فإن أعطوا منها رضوا) ، يقول: ليس بهم في عيبهم إياك فيها، وطعنهم عليك بسببها، الدِّينُ، ولكن الغضب لأنفسهم، فإن أنت أعطيتهم منها ما يرضيهم رضوا عنك، وإن أنت لم تعطهم منهم سخطوا عليك وعابوك. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: (1) هو زياد الأعجم. (2) مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 263، إصلاح المنطق: 475، والجمهرة لابن دريد 3: 18، والمقاييس 6: 66، واللسان (همز) ، وسيأتي في التفسير 30: 188 (بولاق) بغير هذه الرواية، وهي: تُدْلِي بِوُدٍّ إذَا لاقَيْتَنِي كَذِبًا ... وَإِنْ أُغَيِّبْ فأنت الهَامِزُ اللُّمَزَهْ وهي رواية ابن السكيت، وابن فارس، والطبري بعد، ورواية ابن دريد، وصاحب اللسان، وابن دريد. إذَا لَقِيتُكَ عن شَحْطٍ تُكَاشِرُني وقوله: "وإن أغيب" بالبناء للمجهول، لا كما ضبط في مجاز القرآن. 16813- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (ومنهم من يلمزك في الصدقات) ، قال: يروزك. (1) 16814- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: (ومنهم من يلمزك في الصدقات) ، يروزك ويسألك، (2) قال ابن جريج: وأخبرني داود بن أبي عاصم قال: قال أتي النبي صلى الله عليه وسلم بصدقة فقسمها ههنا وههنا حتى ذهبت. قال: ورآه رجل من الأنصار فقال: ما هذا بالعدل؟ فنزلت هذه الآية. 16815- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ومنهم من يلمزك في الصدقات) ، يقول: ومنهم من يطعُنُ عليك في الصدقات. وذكر لنا أن رجلا من أهل البادية حديثَ عهدٍ بأعرابيّةٍ، أتى نبي الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم ذهبًا وفضة، فقال: يا محمد، والله لئن كان الله أمرك أن تعدل، ما عدلت! فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: ويلك! فمن ذا يعدل عليك بعدي! ثم قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: احذروا هذا وأشباهه فإن في أمتي أشباه هذا، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، فإذا خرجوا فاقتلوهم، ثم إذا خرجوا فاقتلوهم، ثم إذا خرجوا فاقتلوهم. وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "والذي نفسي بيده ما أعطيكم شيئا ولا أمنعكموه، إنما أنا خازن." 16816- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (ومنهم من يلمزك في الصدقات) ، قال: يطعن. 16817- قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري (1) "رازه يروزه روزًا" ، اختبره وامتحنه، وقد ذكر هذا الخبر في المعاجم من كلام مجاهد، وفسروه فقالوا: "يقال: رزت ما عند فلان، إذا اختبرته وامتحنته. والمعنى: يمتحنك ويذوق أمرك، هل تخاف لائمته أم لا" . (2) "رازه يروزه روزًا" ، اختبره وامتحنه، وقد ذكر هذا الخبر في المعاجم من كلام مجاهد، وفسروه فقالوا: "يقال: رزت ما عند فلان، إذا اختبرته وامتحنته. والمعنى: يمتحنك ويذوق أمرك، هل تخاف لائمته أم لا" . عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم قَسْمًا، إذ جاءه ابن ذي الخُوَيْصِرَة التميمي، (1) فقال: اعدل، يا رسول الله! فقال: ويلك، ومن يعدل إن لم أعدل! فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله ائذن لي فأضرب عنقه! قال: دَعْه، فإن له أصحابًا يحتقر أحدكم صلاته مع صَلاتهم، (2) وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميَّة، (3) فينظر في قُذَذَه فلا ينظر شيئًا، (4) ثم ينظر في نَصْله، فلا يجد شيئًا، ثم ينظر في رِصَافه فلا يجد شيئًا، (5) قد سبق الفَرْثَ والدم، (6) آيتهم رجل، أسود، (7) إحدى يده = أو قال: يديه = مثل ثدي المرأة، أو مثل البَضْعَة تَدَرْدَرُ، (8) يخرجون على حين فترة من الناس. قال: فنزلت: (ومنهم من يلمزك في الصدقات) = قال أبو سعيد: أشهد أني سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن عليًّا رحمة الله عليه حين، قتلهم جيء بالرجل على النعت الذي نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. (9) 16817م- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في (1) في مسلم والبخاري "ذو الخويصرة" ، ليس فيها (ابن) ، وهذا هو المعروف المشهور. (2) في المطبوعة: "يحقر" ، وهي كذلك في رواية الخبر في الصحيحين، ولكن هكذا جاءت في المخطوطة. (3) "مرق السهم من الرمية" ، خرج من الجانب الآخر خروجًا سريعًا. و "الرمية" ، المرمية، يعني الصيد المرمي بالسهم ونحوه. (4) "القذذ" جمع "قذة" (بضم القاف) ، وهي ريش السهم. (5) "الرصاف" جمع "رصفة" (بفتحات) ، وهي العقبة التي تلوى على موضع الفوق من السهم. (6) "الفرث" ، سرجين الدابة، ما دام في كرشها. (7) "الآية" ، العلامة. (8) "البضعة" القطعة من اللحم. "تدردر" ، "تتدردر" ، أي: تضطرب. (9) الأثر: 16817 - هذا حديث صحيح الإسناد، رواه البخاري في صحيحه (الفتح 6: 455) ومسلم في صحيحه 7: 165، من طريق الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن. وجاء الخبر من طرق صحاح كثيرة، انظر شرح البخاري، وصحيح مسلم. قوله: (ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون) ، قال: هؤلاء المنافقون، قالوا: والله ما يعطيها محمد إلا من أحبَّ، ولا يؤثر بها إلا هواه! فأخبر الله نبيه، وأخبرهم أنه إنما جاءت من الله، وإن هذا أمر من الله ليس من محمد: (إنما الصدقات للفقراء) ، الآية. * * * القول في تأويل قوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولو أنّ هؤلاء الذين يلمزونك، يا محمد، في الصدقات، رضَوا ما أعطاهم الله ورسوله من عطاء، وقسم لهم من قسم = (وقالوا حسبنا الله) ، يقول: وقالوا: كافينا الله، (1) = (سيؤتينا الله من فضله ورسوله) ، يقول: سيعطينا الله من فضل خزائنه، ورسوله من الصدقة وغيرها (2) = (إنا إلى الله راغبون) ، يقول: وقالوا: إنا إلى الله نرغب في أن يوسع علينا من فضله، فيغنينا عن الصدقة وغيرها من صلات الناس والحاجة إليهم. * * * (1) انظر تفسير "حسب" فيما سلف ص: 49، تعليق: 1، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير "آتى" و "فضل" في فهارس اللغة (آتى) ، (فضل) . القول في تأويل قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ما الصدقات إلا للفقراء والمساكين، (1) ومن سماهم الله جل ثناؤه. * * * ثم اختلف أهل التأويل في صفة "الفقير" و "المسكين" . فقال بعضهم: "الفقير" ، المحتاج المتعفف عن المسألة، و "المسكين" ، المحتاج السائل. (2) * ذكر من قال ذلك: 16818- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن أشعث، عن الحسن: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) ، قال: "الفقير" ، الجالس في بيته = "والمسكين" ، الذي يسعى. 16819- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) ، = قال: "المساكين" ، الطوافون، و "الفقراء" ، فقراء المسلمين. 16820- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن جرير بن حازم قال، حدثني رجل، عن جابر بن زيد: أنه سئل عن "الفقراء" ، قال: "الفقراء" ، المتعففون، و "المساكين" ، الذين يسألون. (1) في المطبوعة: "لا ينال الصدقات" ، وهو كلام غير مستقيم، والصواب ما كان في المخطوطة، ولكنه لم يحسن قراءته. (2) انظر تفسير "المسكين" فيما سلف 13: 560، تعليق: 2، والمراجع هناك. 16821- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا معقل بن عبيد الله الجزريّ قال: سألت الزهري عن قوله: (إنما الصدقات للفقراء) ، قال: الذين في بيوتهم لا يسألون، و "المساكين" ، الذين يخرجون فيسألون. (1) 16822- حدثنا الحارث قال، حدثنا القاسم قال، حدثنا يحيى بن سعيد، عن عبد الوارث بن سعيد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: "الفقير" الذي لا يسأل، و "المسكين" ، الذي يسأل. 16823- حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في قوله: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) ، قال: "الفقراء" ، الذين لا يسألون الناس، أهلُ حاجة (2) = و "المساكين" ، الذين يسألون الناس. 16824- حدثنا الحارث قال، حدثني عبد العزيز قال، حدثنا عبد الوارث، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: "الفقراء" ، الذين لا يسألون، و "المساكين" الذين يسألون. * * * وقال آخرون: "الفقير" ، هو ذو الزمانة من أهل الحاجة، و "المسكين" ، هو الصحيح الجسم منهم. (3) * ذكر من قال ذلك: 16825- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) ، قال: "الفقير" ، من به زَمانة = و "المسكين" ، الصحيح المحتاج. (1) الأثر: 16821 - "معقل بن عبيد الله الجزري العبسي، الحراني" ، ثقة، ليس به بأس. مترجم في التهذيب، والكبير 4 \ 1 \ 393، وابن أبي حاتم 4 \ 1 \ 286. وكان في المطبوعة: "الحراني" ، مكان "الجزري" ، وهو صواب، ولكني أثبت ما كان في المخطوطة. (2) في المطبوعة: "وهو أهل حاجة" ، زاد ما ليس في المخطوطة. (3) في المطبوعة، أسقط "منهم" . 16826- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) ، أما "الفقير" ، فالزَّمِن الذي به زَمانة، وأما "المسكين" ، فهو الذي ليست به زمانة. * * * وقال آخرون: "الفقراء" ، فقراء المهاجرين، و "المساكين" ، من لم يهاجر من المسلمين، وهو محتاج. * ذكر من قال ذلك: 16827- حدثنا الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا جرير بن حازم، عن علي بن الحكم، عن الضحاك بن مزاحم: (إنما الصدقات للفقراء) ، قال: فقراء المهاجرين = و "المساكين" ، الذين لم يهاجروا. (1) 16828- قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم: (إنما الصدقات للفقراء) ، المهاجرين، قال: سفيان: يعني: ولا يعطى الأعراب منها شيئًا. 16829- حدثنا ابن وكيع قال: حدثني أبي، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، قال: كان يقال: إنما الصدقة لفقراء المهاجرين. 16830- قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم قال: كانت تجعل الصدقة في فقراء المهاجرين، وفي سبيل الله. 16831- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، وسعيد بن عبد الرحمن بن أبزي قالا (2) كان ناس من المهاجرين لأحدهم الدار، والزوجة، والعبد، والناقة يحج عليها ويغزو، فنسبهم الله إلى أنهم فقراء، وجعل لهم سهمًا في الزكاة. 16832- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا (1) الأثر: 16827 - "علي بن الحكم البناني" ، ثقة، له أحاديث. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3 \ 1 \ 181. (2) في المطبوعة: "قال" ، والصواب من المخطوطة. سفيان، عن منصور، عن إبراهيم قال: كان يقال: إنما الصدقات في فقراء المهاجرين، وفي سبيل الله. * * * وقال آخرون: "المسكين" ، الضعيف الكسب. (1) * ذكر من قال ذلك: 16833- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا ابن عون، عن محمد قال: قال عمر: ليس الفقير بالذي لا مال له، ولكن الفقير الأخلقُ الكسْب = قال يعقوب: قال ابن علية: "الأخلق" ، المحارَفُ، عندنا. (2) 16834- حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن أيوب عن ابن سيرين: أن عمر بن الخطاب رحمه الله قال: ليس المسكين بالذي لا مال له، ولكن المسكين الأخلقُ الكسْبِ. * * * وقال بعضهم: "الفقير" ، من المسلمين، و "المسكين" من أهل الكتاب. * ذكر من قال ذلك: 16835- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا عمر بن نافع قال: سمعت عكرمة في قوله: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) ، قال: لا تقولوا لفقراء المسلمين "مساكين" ، إنما "المساكين" ، مساكين أهل الكتاب. * * * قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قول من قال: "الفقير" ، (1) في المطبوعة: "الضعيف البئيس" ، لم يحسن قراءة المخطوطة، وكان فيها: "النسب" ، وهو تحريف، دل على صوابه الآثار التالية. (2) أراد عمر: أن الفقير، هو الذي لم يقدم لآخرته شيئًا يثاب عليه، وأن الفقر الأكبر إنما هو فقر الآخرة، وأن فقر الدنيا أهون الفقرين. و "الأخلق" من قولهم: "هضبة خلقاء" ، ملساء لا نبات بها. وللجبل المصمت الذي لا يؤثر فيه شيء "أخلق" . وفي حديث فاطمة بنت قيس: "أما معاوية، فرجل أخلق من المال" ، أي: خلو عار منه. وأما "المحارف" ، كما فسره ابن علية، فهو المنقوص الحظ، فهو محدود محروم، إذا طلب الرزق لم يرزق، ضد "المبارك" . هو ذو الفقر أو الحاجة، ومع حاجته يتعفّف عن مسألة الناس والتذلل لهم، في هذا الموضع = و "المسكين" هو المحتاج المتذلل للناس بمسألتهم. وإنما قلنا إن ذلك كذلك، وإن كان الفريقان لم يُعْطَيا إلا بالفقر والحاجة، دون الذلة والمسألة، (1) لإجماع الجميع من أهل العلم أن "المسكين" ، إنما يعطى من الصدقة المفروضة بالفقر، وأن معنى "المسكنة" ، عند العرب، الذلة، كما قال الله جل ثناؤه: (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ) ، [سورة البقرة: 61] ، يعني بذلك: الهون والذلة، لا الفقر. فإذا كان الله جل ثناؤه قد صنَّف من قسم له من الصدقة المفروضة قسمًا بالفقر، فجعلهم صنفين، كان معلومًا أن كل صنف منهم غير الآخر. وإذ كان ذلك كذلك، كان لا شك أن المقسوم له باسم "الفقير" ، غير المقسوم له باسم الفقر و "المسكنة" ، والفقير المعطَى ذلك باسم الفقير المطلق، هو الذي لا مسكنة فيه. والمعطى باسم المسكنة والفقر، هو الجامع إلى فقره المسكنة، وهي الذلّ بالطلب والمسألة. = فتأويل الكلام، إذ كان ذلك معناه: إنما الصدقات للفقراء: المتعفِّف منهم الذي لا يسأل، والمتذلل منهم الذي يسأل. * * * وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو الذي قلنا في ذلك خبَرٌ. 16836- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن شريك بن أبي نمر، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس المسكين بالذي تردّه اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، إنما المسكين المتعفف! اقرءوا إن شئتم: (لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا) ، (2) [سورة البقرة: 273] ." (1) في المطبوعة: "الذل والمسكنة" ، والصواب ما في المخطوطة، ولم يحسن قراءتها. (2) الأثر: 16836 - "إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري" روى له الجماعة، مضى برقم: 6884، 8398. و "شريك بن أبي نمر" ، هو "شريك بن عبد الله بن أبي نمر القرشي" ثقة، روى له البخاري ومسلم، مترجم في التهذيب، والكبير 2 \ 2 \ 237، وابن أبي حاتم 2 \ 1 \ 363. وهذا الخبر رواه البخاري من طريق محمد بن جعفر عن شريك بن أبي نمر (الفتح 8: 152) ، ورواه مسلم في الصحيح من طريق إسماعيل بن جعفر، عن شريك، ومن طريق محمد بن جعفر، عن شريك، عن عطاء بن يسار، وعبد الرحمن بن أبي عمرة، عن أبي هريرة (7: 129) . ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما المسكين المتعفف" على نحو ما قد جرى به استعمال الناس من تسميتهم أهل الفقر "مساكين" ، لا على تفصيل المسكين من الفقير. ومما ينبئ عن أن ذلك كذلك، انتزاعه صلى الله عليه وسلم بقول الله: (1) اقرءوا إن شئم: (لا يسألون الناس إلحافًا) ، وذلك في صفة من ابتدأ الله ذكره ووصفه بالفقر فقال: (لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا) ، [سورة البقرة: 273] . * * * وقوله: (والعاملين عليها) ، وهم السعاة في قبضها من أهلها، ووضعها في مستحقِّيها، يعطون ذلك بالسعاية، أغنياء كانوا أو فقراء. * * * وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 16837- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا معقل بن عبيد الله قال: سألت الزهري: عن "العاملين عليها" ، فقال: السعاة. 16838- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (والعاملين عليها) ، قال: جُباتها الذين يجمعونها ويسعون فيها. 16839- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: (1) في المطبوعة: "انتزاعًا لقول الله" ، وهو خطأ، صوابه في المخطوطة. يقال: "انتزع بالآية، وبالشعر" ، إذا تمثل به. ![]()
__________________
|
#772
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الرابع عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ براءة الحلقة (772) صــ 311 إلى صــ 320 (والعاملين عليها) ، الذي يعمل عليها. * * * ثُمّ اختلف أهل التأويل في قدر ما يعطى العامل من ذلك. فقال بعضهم: يعطى منه الثُّمُن. * ذكر من قال ذلك: 16840- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن حسن بن صالح، عن جويبر، عن الضحاك قال: للعاملين عليها الثمن من الصدقة. 16841- حدثت عن مسلم بن خالد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: (والعاملين عليها) ، قال: يأكل العمال من السهم الثامن. * * * وقال آخرون: بل يعطى على قدر عُمالته. * ذكر من قال ذلك: 16842- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن الأخضر بن عجلان قال، حدثنا عطاء بن زهير العامري، عن أبيه: أنه لقي عبد الله بن عمرو بن العاص فسأله عن الصدقة: أيُّ مالٍ هي؟ فقال: مالُ العُرْجان والعُوران والعميان، وكل مُنْقَطَع به. (1) فقال له: إن للعاملين حقًّا والمجاهدين! قال: إن المجاهدين قوم أحل لهم، والعاملين عليها على قدر عُمالتهم. (2) ثم قال: لا تحل الصدقة لغنيّ، ولا لذي مِرَّة سويّ (3) (1) "منقطع به" (بالبناء للمجهول) ، هو الرجل إذا عجز عن سفره من نفقة ذهبت، أو قامت عليه راحلته، أو أتاه أمر لا يقدر على أن يتحرك معه. يقال: "قطع به" ، و "انقطع به" . (2) في المطبوعة: "وللعاملين" ، وأثبت ما في المخطوطة. (3) الأثر: 16842 - "عبد الوهاب بن عطاء الخفاف" ، ثقة، مضى برقم: 5429، 5432، 10522. و "الأخضر بن عجلان الشيباني" ، ثقة. مترجم في التهذيب، والكبير 1 \ 2 \ 67. و "عطاء بن زهير بن الأصبغ العامري" ، روى عن أبيه، روى عنه شميط، والأخضر بن عجلان، هكذا ذكره ابن أبي حاتم 3 \ 1 \ 332، ولم أجد له ترجمة في غيره. وأبوه: "زهير بن الأصبغ العامري" ، روى عن عبد الله بن عمرو، روى عنه ابنه عطاء. مترجم في الكبير 2 \ 1 \ 392، وابن حاتم 1 \ 2 \ 587، ولم يذكرا فيه جرحًا. وهذا الخبر، خرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 252، ولم ينسبه إلا إلى أبي الشيخ، وفيه "عبد الله بن عمر" ، وهو خطأ. 16843- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: يكون للعامل عليها إن عمل بالحق، ولم يكن عمر رحمه الله تعالى ولا أولئك يعطون العامل الثمن، إنما يفرضون له بقدر عُمالته. 16844- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن أشعث، عن الحسن: (والعاملين عليها) ، قال: كان يعطى العاملون. * * * قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قولُ من قال: يعطى العامل عليها على قدر عُمالته وأجر مثله. وإنما قلنا: ذلك أولى بالصواب، لأن الله جل ثناؤه لم يقسم صدقة الأموال بين الأصناف الثمانية على ثمانية أسهم، وإنما عرّف خلقه أن الصدقات لن تجاوز هؤلاء الأصناف الثمانية إلى غيرهم، وإذ كان كذلك، بما سنوضح بعدُ، وبما قد أوضحناه في موضع آخر، كان معلومًا أن من أعطي منها حقًّا، فإنما يعطى على قدر اجتهاد المعطى فيه. وإذا كان ذلك كذلك، وكان العامل عليها إنما يعطى على عمله، لا على الحاجة التي تزول بالعطية، كان معلومًا أن الذي أعطاه من ذلك إنما هو عِوَض من سعيه وعمله، وأن ذلك إنما هو قدر يستحقه عوضًا من عمله الذي لا يزول بالعطية، وإنما يزول بالعزل. * * * وأما "المؤلفة قلوبهم" ، فإنهم قوم كانوا يُتَألَّفون على الإسلام، ممن لم تصحّ نصرته، استصلاحًا به نفسَه وعشيرتَه، كأبي سفيان بن حرب، وعيينة بن بدر، والأقرع بن حابس، ونظرائهم من رؤساء القبائل. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 16845- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (والمؤلفة قلوبهم) ، وهم قوم كانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أسلموا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرضَخ لهم من الصدقات، (1) فإذا أعطاهم من الصدقات فأصابوا منها خيرًا قالوا: هذا دين صالح! وإن كان غير ذلك، عابوه وتركوه. 16846- حدثنا ابن عبد الأعلى قال، (2) حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير: أن المؤلفة قلوبهم من بني أمية: أبو سفيان بن حرب = ومن بني مخزوم: الحارث بن هشام، وعبد الرحمن بن يربوع = ومن بني جُمَح: صفوان بن أمية = ومن بني عامر بن لؤي: سهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزى = ومن بني أسد بن عبد العزى: حكيم بن حزام = ومن بني هاشم: سفيان بن الحارث بن عبد المطلب = ومن بني فزارة: عيينة بن حصن بن بدر = ومن بني تميم: الأقرع بن حابس = ومن بني نصر: مالك بن عوف = ومن بني سليم: العباس بن مرداس = ومن ثقيف: العلاء بن حارثة = أعطى النبي صلى الله عليه وسلم كل رجل منهم مئة ناقة، إلا عبد الرحمن بن يربوع، وحويطب بن عبد العزى، فإنه أعطى كلَّ رجل منهم خمسين. 16847- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا (1) "رضخ له من ماله رضيخة" ، أعطاه عطية مقاربة، ليست بالكثيرة، وأصله من "الرضخ" ، وهو كسر النوى وغيره، كأنه كسر له من ماله شيئا. (2) في المطبوعة: "حدثنا عبد الأعلى" ، وهو خطأ، صوابه من المخطوطة، وهذا إسناد دائر في التفسير وشيخ الطبري "محمد بن عبد الأعلى" . عيسى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري قال، قال صفوان بن أمية: لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنه لأبغض الناس إليّ، فما بَرِح يعطيني حتى إنه لأحبُّ الناس إليّ. (1) 16848- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: ناس كان يتألفهم بالعطية، عيينة بن بدر ومن كان معه. 16849- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، عن حماد بن سلمة، عن يونس، عن الحسن: (والمؤلفة قلوبهم) ،: الذين يُؤَلَّفون على الإسلام. 16850- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: وأما "المؤلفة قلوبهم" ، فأناس من الأعراب ومن غيرهم، كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يتألفهم بالعطية كيما يؤمنوا. 16851- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا معقل بن عبيد الله قال: سألت الزهري عن قوله: (والمؤلفة قلوبهم) ، فقال: من أسلم من يهوديّ أو نصراني. قلت: وإن كان غنيًّا؟ قال: وإن كان غنيًّا. 16852- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا معقل بن عبيد الله الجزري، عن الزهري: (والمؤلفة قلوبهم) ، قال: من هو يهوديّ أو نصرانيّ. (2) (1) الأثر: 16847 - رواه مسلم في صحيحه 15: 72، 73، مطولا من طريق عبد الله بن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن صفوان بن أمية. ورواه أحمد في مسنده 3: 401 من طريق زكريا بن عدي، عن سعيد بن المسيب، عن صفوان، (هكذا جاء هنا في المسند) ، والصواب ما سيأتي في المسند 6: 465، من طريق زكريا بن عدي، عن ابن المبارك، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب. (2) الأثر: 16852 - "معقل بن عبيد الله الجزري" ، مضى قريبًا برقم: 16821، وكان في المطبوعة هنا أيضًا "الحراني" ، مكان "الجزري" ، وهو صواب، ولكني أثبت ما في المخطوطة. ثم اختلف أهل العلم في وجود المؤلفة اليوم وعدمها، وهل يعطى اليوم أحدٌ على التألف على الإسلام من الصدقة؟ فقال بعضهم: قد بطلت المؤلفة قلوبهم اليوم، ولا سهم لأحد في الصدقة المفروضة إلا لذي حاجة إليها، وفي سبيل الله، أو لعامل عليها. * ذكر من قال ذلك: 16853- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن أشعث، عن الحسن: (والمؤلفة قلوبهم) ، قال: أما "المؤلفة قلوبهم" فليس اليوم. 16854- حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسرائيل، عن جابر، عن عامر قال: لم يبق في الناس اليوم من المؤلفة قلوبهم، إنما كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. 16855- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، حدثنا عبد الرحمن بن يحيى، عن حبان بن أبي جبلة قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: وأتاه عيينة بن حصن: (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) ، [سورة الكهف: 29] ، أي: ليس اليوم مؤلفة. 168856- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا مبارك، عن الحسن قال: ليس اليوم مؤلفة. 16857- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن عامر قال: إنما كانت المؤلفة قلوبهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فلما ولي أبو بكر رحمة الله تعالى عليه، انقطعت الرشى. * * * وقال آخرون: "المؤلفة قلوبهم" ، في كل زمان، وحقهم في الصدقات. * ذكر من قال ذلك: 16858- حدثنا أحمد بن إسحاق قال حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر قال: في الناس اليوم، المؤلفة قلوبهم. 16859- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر، مثله. * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي: أن الله جعل الصدقة في معنيين أحدهما: سدُّ خَلَّة المسلمين، والآخر: معونة الإسلام وتقويته. فما كان في معونة الإسلام وتقوية أسبابه، فإنه يُعطاه الغني والفقير، لأنه لا يعطاه من يعطاه بالحاجة منه إليه، وإنما يعطاه معونةً للدين. وذلك كما يعطى الذي يُعطاه بالجهاد في سبيل الله، فإنه يعطى ذلك غنيًّا كان أو فقيرًا، للغزو، لا لسدّ خلته. وكذلك المؤلفة قلوبهم، يعطون ذلك وإن كانوا أغنياء، استصلاحًا بإعطائهموه أمرَ الإسلام وطلبَ تقويته وتأييده. وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من أعطى من المؤلفة قلوبهم، بعد أن فتح الله عليه الفتوح، وفشا الإسلام وعز أهله. فلا حجة لمحتجّ بأن يقول: "لا يتألف اليوم على الإسلام أحد، لامتناع أهله بكثرة العدد ممن أرادهم" ، وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من أعطى منهم في الحال التي وصفت. * * * وأما قوله: (وفي الرقاب) ، فإن أهل التأويل اختلفوا في معناه. فقال بعضهم، وهم الجمهور الأعظم: هم المكاتبون، يعطون منها في فك رقابهم. (1) * ذكر من قال ذلك: 16860- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الحسن بن دينار، عن الحسين: أن مكاتبًا قام إلى أبي موسى الأشعري رحمه الله تعالى وهو يخطب الناسَ يوم الجمعة، فقال له: أيها الأمير، حُثَّ الناس عليَّ! فحثَّ (1) انظر تفسير "الرقاب" فيما سلف 3: 347 \ 9: 35، 36 \ 10: 552 - 557. عليه أبو موسى، فألقى الناسُ عليه عمامة وملاءة وخاتمًا، حتى ألقوا سَوادًا كثيرًا، فلما رأى أبو موسى ما ألقي عليه قال: اجمعوه! فجمع، ثم أمر به فبيع. فأعطى المكاتب مكاتبته، ثم أعطى الفضل في الرقاب، ولم يرده على الناس، وقال: إنما أعطي الناسُ في الرقاب. 16861- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا معقل بن عبيد الله قال، سألت الزهري عن قوله: (وفي الرقاب) ، قال: المكاتَبون. 16862- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وفي الرقاب) ، قال: المكاتَب. 16863- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا سهل بن يوسف، عن عمرو، عن الحسن: (وفي الرقاب) ، قال: هم المكاتبون. * * * وروي عن ابن عباس أنه قال: لا بأس أن تُعْتَقَ الرقبة من الزكاة. * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي، قولُ من قال: "عنى بالرقاب، في هذا الموضع، المكاتبون" ، لإجماع الحجة على ذلك، فإن الله جعل الزكاة حقًّا واجبًا على من أوجبها عليه في ماله، يخرجها منه، لا يرجع إليه منها نفعٌ من عرض الدنيا، ولا عِوَض. والمعتق رقبةً منها، راجع إليه ولاء من أعتقه، وذلك نفع يعود إليه منها. * * * وأما "الغارمون" ، فالذين استدانوا في غير معصية الله، ثم لم يجدوا قضاء في عين ولا عَرَض. * * * وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 16864- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد قال: "الغارمون" ، من احترق بيته، أو يصيبه السيل فيذهب متاعه، ويدَّانُ على عياله، فهذا من الغارمين. 16865- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد في قوله: (والغارمين) ، قال: من احترق بيته، وذهب السيل بماله، وادَّان على عياله. 16866- حدثنا أحمد قال، حدثنا إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر قال: "الغارمين" ، المستدين في غير سَرَف، ينبغي للإمام أن يقضي عنهم من بيت المال. 16867- قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا معقل بن عبيد الله قال: سألنا الزهري عن "الغارمين" ، قال: أصحاب الدين. 16868- قال، حدثنا معقل، عن عبد الكريم قال، حدثني خادم لعمر بن عبد العزيز خدمه عشرين سنة قال: كتب عمر بن عبد العزيز: أن يُعْطى الغارمون = قال أحمد: أكثر ظني: من الصدقات. 16869- قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن جابر، عن أبي جعفر قال: "الغارمون" ، المستدين في غير سرف. 16870- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: أما "الغارمون" ، فقوم غرَّقتهم الديون في غير إملاق، (1) ولا تبذير ولا فساد. 16871- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: "الغارم" ، الذي يدخل عليه الغُرْم. 16872- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد: (والغارمين) ، قال: هو الذي يذهب السيل والحريق بماله، ويدَّان على عياله. (1) "الإملاق" هنا هو: إنفاق المال وتبذيره حتى يورث حاجة، و "الإملاق" أيضًا: الإفساد. وانظر ما سلف في الخبر رقم: 6233، ج 5: 602، تعليق: 2. 16873- قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن جابر، عن أبي جعفر قال: المستدين في غير فساد. 16874- قال، حدثني أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر، قال: "الغارمون" ، الذين يستدينون في غير فساد، ينبغي للإمام أن يقضي عنهم. 16875- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد: هم قوم ركبتهم الديون في غير فساد ولا تبذير، فجعل الله لهم في هذه الآية سهمًا. * * * وأما قوله: (وفي سبيل الله) ، فإنه يعني: وفي النفقة في نصرة دين الله وطريقه وشريعته التي شرعها لعباده، بقتال أعدائه، وذلك هو غزو الكفار. (1) * * * وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 16876- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وفي سبيل الله) ، قال: الغازي في سبيل الله. 16877- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: رجل عمل عليها، أو رجل اشتراها بماله، أو في سبيل الله، أو ابن السبيل، أو رجل كان له جار تصدَّق عليه فأهداها له. (2) " (1) انظر تفسير "سبيل الله" فيما سلف من فهارس اللغة (سبل) . (2) الأثر: 16877 - رواه أبو داود في سننه 2: 158، رقم: 1635 من طريق مالك، عن زيد بن أسلم، موقوفًا، ثم رواه برقم: 1636، من طريق معمر، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعًا. ورواه ابن ماجه في سننه: 589، رقم: 1841، مرفوعًا، بنحوه. 16878- قال، حدثنا أبي، عن ابن أبي ليلى، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تحل الصدقة لغني إلا لثلاثة: في سبيل الله، أو ابن السبيل، أو رجل كان له جار فتصدق عليه، فأهداها له. (1) * * * وأما قوله: (وابن السبيل) ، فالمسافر الذي يجتاز من بلد إلى بلد. * * * و "السبيل" : الطريق، (2) وقيل للضارب فيه: "ابن السبيل" ، للزومه إياه، كما قال الشاعر: (3) أنَا ابنُ الحَرْبِ رَبَّتْنِي وَلِيدًا ... إلَى أنْ شِبْتُ واكْتَهَلَتْ لِدَاتِي وكذلك تفعل العرب، تسمي اللازم للشيء يعرف به: "ابنه" . (4) * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 16879- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان، عن جابر، عن أبي جعفر قال: "ابن السبيل" ، المجتاز من أرض إلى أرض. 16880- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا (1) الأثر: 16878 - "عطية" هو "عطية بن سعد بن جنادة العوفي" ، ضعيف، مضى مرارًا. وهذا الخبر رواه أبو داود في سننه 2: 160، رقم: 1637، من طريق سفيان، عن عمران البارقي، عن عطية، بنحوه، ثم قال أبو داود: "ورواه فراس، وابن أبي ليلى، عن عطية، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثله" . وهو حديث ضعيف لضعف "عطية العوفي" . (2) انظر تفسير "السبيل" فيما سلف من فهارس اللغة (سبل) . = وتفسير "ابن السبيل" فيما سلف 3: 345 \ 4: 295 \ 8: 346 - 347. (3) لم أعرف قائله. (4) في المطبوعة والمخطوطة: "يعرف بابنه" ، وهو لا يستقيم، صوابه ما أثبت. ![]()
__________________
|
#773
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الرابع عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ براءة الحلقة (773) صــ 321 إلى صــ 330 مندل، عن ليث، عن مجاهد: (وابن السبيل) ، قال: لابن السبيل حق من الزكاة وإن كان غنيًّا، إذا كان مُنْقَطَعًا به. 16881- حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا معقل بن عبيد الله قال: سألت الزهري عن "ابن السبيل" ، قال: يأتي عليَّ ابن السبيل، وهو محتاج. قلت: فإن كان غنيًّا؟ قال: وإن كان غنيًا. 16882- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (وابن السبيل) ، الضيف، جعل له فيها حق. 16883- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال [ابن زيد] : "ابن السبيل" ، المسافر من كان غنيًّا أو فقيرًا، إذا أصيبت نفقته، أو فقدت، أو أصابها شيء، أو لم يكن معه شيء، فحقه واجب. (1) 16884- حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، أنه قال: في الغني إذا سافر فاحتاج في سفره. قال: يأخذ من الزكاة. 16885- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن جابر، عن أبي جعفر قال: "ابن السبيل" ، المجتاز من الأرض إلى الأرض. * * * وقوله: (فريضة من الله ) ) ، يقول جل ثناؤه: قَسْمٌ قسمه الله لهم، فأوجبه في أموال أهل الأموال لهم (2) = (والله عليم) ، بمصالح خلقه فيما فرض لهم، وفي غير ذلك، لا يخفى عليه شيء. فعلى علم منه فرض ما فرض من الصدقة وبما فيها من المصلحة = (حكيم) ، في تدبيره خلقه، لا يدخل في تدبيره خلل. (3) (1) الأثر: 16883 - في المطبوعة والمخطوطة: "قال قال ابن السبيل" . والزيادة بين القوسين من إسناده قبل، وهو إسناد دائر في التفسير، أقربه رقم 16876. (2) انظر تفسير "الفريضة" فيما سلف 9: 212، تعليق:، والمرجع هناك. (3) انظر تفسير "عليم" و "حكيم" فيما سلف من فهارس اللغة (علم) ، (حكم) . واختلف أهل العلم في كيفية قسم الصدقات التي ذكرها الله في هذه الآية، وهل يجب لكل صنف من الأصناف الثمانية فيها حق، أو ذلك إلى رب المال؟ ومن يتولى قسمها، في أن له أن يعطي جميعَ ذلك من شاء من الأصناف الثمانية. فقال عامة أهل العلم: للمتولي قسمُها ووضعُها في أيِّ الأصناف الثمانية شاء. وإنما سمَّى الله الأصناف الثمانية في الآية، إعلامًا منه خلقَه أن الصدقة لا تخرج من هذه الأصناف الثمانية إلى غيرها، لا إيجابًا لقسمها بين الأصناف الثمانية الذين ذكرهم. * ذكر من قال ذلك: 16886- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا هارون، عن الحجاج بن أرطاة، عن المنهال بن عمرو، عن زرّ بن حبيش، عن حذيفة في قوله: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها) ، قال: إن شئت جعلته في صنف واحد، أو صنفين، أو لثلاثة. 16887- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو معاوية، عن الحجاج، عن المنهال، عن زر، عن حذيفة قال: إذا وضعتها في صنف واحد أجزأ عنك. 16888- قال، حدثنا جرير، عن ليث، عن عطاء، عن عمر: (إنما الصدقات للفقراء) ، قال: أيُّما صنف أعطيته من هذا أجزأك. 16889- قال، حدثنا ابن نمير، عن عبد المطلب، عن عطاء: (إنما الصدقات للفقراء) ، الآية، قال: لو وضعتها في صنف واحد من هذه الأصناف أجزأك. ولو نظرت إلى أهل بيت من المسلمين فقراء متعفِّفين فجبرتهم بها، كان أحبَّ إليَّ. 16890- قال أخبرنا جرير، عن عطاء، عن سعيد بن جبير: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين ... وابن السبيل) ، فأيّ صنف أعطيته من هذه الأصناف أجزأك. 16891- قال، حدثنا عمران بن عيينة، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، مثله. 16892- قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها) ، قال: إنما هذا شيء أعلمَهُ، فأيَّ صنف من هذه الأصناف أعطيته أجزأ عنك. 16893- قال، حدثنا أبي، عن شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم: (إنما الصدقات للفقراء) ، قال: في أيّ هذه الأصناف وضعتها أجزأك. 16894- قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير قال: إذا وضعتها في صنف واحد مما سمَّى الله أجزأك. 16895- قال، حدثنا أبي، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية قال: إذا وضعتها في صنف واحد مما سمَّى الله أجزأك. 16896- قال، حدثنا خالد بن حيان أبو يزيد، عن جعفر بن يرقان، عن ميمون بن مهران: (إنما الصدقات للفقراء) ، قال: إذا جعلتها في صنف واحد من هؤلاء أجزأ عنك. (1) 16897- قال، حدثنا محمد بن بشر، عن مسعود، عن عطاء، عن سعيد بن جبير: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) ، الآية، قال: أعلمَ أهلَها مَنْ همْ. 16898- قال، حدثنا حفص، عن ليث، عن عطاء، عن عمر: أنه كان يأخذ الفرْض في الصدقة، ويجعلها في صنف واحد. * * * وكان بعض المتأخرين يقول: إذا تولى رب المال قَسْمها كان عليه وضعها في ستة أصناف، وذلك أن المؤلفة قلوبهم عنده قد ذهبوا، وأنّ سهم العاملين (1) الأثر: 16896 - "خالد بن حيان الرقي" ، أبو يزيد الكندي الخراز، ثقة، متكلم فيه، مترجم في التهذيب، والكبير 2 \ 1 \ 133، وابن أبي حاتم 1 \ 2 \ 326. يبطل بقسمه إياها. ويزعم أنه لا يجزيه أن يعطي من كل صنف أقل من ثلاثة أنفس. وكان يقول: إن تولى قَسْمها الإمامُ، كان عليه أن يقسمها على سبعة أصناف، لا يجزي عنده غير ذلك. * * * القول في تأويل قوله: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ومن هؤلاء المنافقين جماعة يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعيبونه (1) = (ويقولون هو أذن) ، سامعةٌ، يسمع من كل أحدٍ ما يقول فيقبله ويصدِّقه. * * * وهو من قولهم: "رجل أذنة" ، مثل "فعلة" (2) إذا كان يسرع الاستماع والقبول، كما يقال: "هو يَقَن، ويَقِن" إذا كان ذا يقين بكل ما حُدِّث. وأصله من "أذِن له يأذَن" ، إذا استمع له. ومنه الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أذِن الله لشيء كأذَنِه لنبيّ يتغنى بالقرآن" ، (3) ومنه قول عدي بن زيد: (1) انظر تفسير "الأذى" فيما سلف 8: 84 - 86، وص: 85، تعليق: 2، والمراجع هناك. (2) هكذا جاء في المطبوعة والمخطوطة: "رجل أذنة مثل فعلة" ، وهذا شيء لم أعرف ضبطه، ولم أجد له ما يؤيده في مراجع اللغة، والذي فيها أنه يقال: "رجل أذن" (بضم فسكون) و "أذن" (بضمتين) ، ولا أدري أهذه على وزن "فعلة" (بضم ففتح) : "همزة" و "لمزة" ، أم على نحو وزن غيره. وأنا في ارتياب شديد من صواب ما ذكره هنا، وأخشى أن يكون سقط من الناسخ شيء، أو أن يكون حرف الكلام. (3) هذا الحديث، استدل به بغير إسناد، وهو حديث صحيح، رواه مسلم في صحيحه (6: 78، 79) من حديث أبي هريرة. أَيُّها القَلْبُ تَعَلَّلْ بِدَدَنْ ... إنَّ هَمِّي فِي سَمَاعِ وَأَذَنْ (1) وذكر أن هذه الآية نزلت في نبتل بن الحارث. (2) 16899- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال، ذكر الله غشَّهم (3) = يعني: المنافقين = وأذاهم للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ومنهم الذين يؤذون النبيّ ويقولون هو أذن) ، الآية. وكان الذي يقول تلك المقالة، فيما بلغني، نبتل بن الحارث، أخو بني عمرو بن عوف، وفيه نزلت هذه الآية، وذلك أنه قال: "إنما محمد أذُنٌ! من حدّثه شيئًا صدّقه!" ، يقول الله: (قل أذن خير لكم) ، أي: يسمع الخير ويصدِّق به. (4) * * * واختلفت القرأة في قراءة قوله: (قل أذن خير لكم) . فقرأ ذلك عامة قرأة الأمصار: (قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ) ، بإضافة "الأذن" إلى "الخير" ، يعني: قل لهم، يا محمد: هو أذن خير، لا أذن شرٍّ. * * * وذكر عن الحسن البصري أنه قرأ ذلك: (قُلْ أُذُنٌ خَيْرٌ لَكُمْ) ، بتنوين "أذن" ، ويصير "خير" خبرًا له، بمعنى: قل: من يسمع منكم، أيها المنافقون، ما تقولون ويصدقكم، إن كان محمد كما وصفتموه، من أنكم إذا أتيتموه، فأنكرتم (5) ما ذكر له عنكم من أذاكم إياه وعيبكم له، سمع منكم وصدقكم = خيرٌ (1) أمالي الشريف المرتضى 1: 33، واللسان (أذن) و (ددن) ، و "الدد" (بفتح الدال) و "الددن" ، اللهو. و "السماع" ، الغناء، والمغنية يقال لها "المسمعة" . (2) في المخطوطة والمطبوعة: "في ربيع بن الحارث" ، وهو خطأ محض، لا شك فيه. (3) في المطبوعة: "ذكر الله عيبهم" ، أخطأ، والصواب ما في المخطوطة، وسيرة ابن هشام. (4) الأثر: 16899 - سيرة ابن هشام 4: 195، وهو تابع الأثر السلف رقم: 16783، وانظر خبر نبتل بن الحارث أيضًا في سيرة ابن هشام 2: 168. (5) في المطبوعة: "إذا آذيتموه فأنكرتم" ، وهو كلام لا معنى له، لم يحسن قراءة المخطوطة، والصواب ما أثبت. لكم من أن يكذبكم ولا يقبل منكم ما تقولون. ثم كذبهم فقال: بل لا يقبل إلا من المؤمنين = (يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين) . * * * قال أبو جعفر: والصواب من القراءة عندي في ذلك، قراءةُ من قرأ: (قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ) ، بإضافة "الأذن" إلى "الخير" ، وخفض "الخير" ، يعني: قل هو أذن خير لكم، لا أذن شر. (1) * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 16900- حدثني المثنى قال، حدثني عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن) ، يسمع من كل أحد. 16901- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن) ، قال: كانوا يقولون: "إنما محمد أذن، لا يحدَّث عنا شيئًا، إلا هو أذن يسمع ما يقال له" . 16902- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ويقولون هو أذن) ، نقول ما شئنا، ونحلف، فيصدقنا. 16903- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: (هو أذن) ، قال: يقولون: "نقول ما شئنا، ثم نحلف له فيصدقنا" . 16904- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه. * * * (1) انظر معاني القرآن للفراء 1: 444. وأما قوله: (يؤمن بالله) ، فإنه يقول: يصدِّق بالله وحده لا شريك له. وقوله: (ويؤمن للمؤمنين) ، يقول: ويصدق المؤمنين، لا الكافرين ولا المنافقين. وهذا تكذيب من الله للمنافقين الذين قالوا: "محمد أذن!" ، يقول جل ثناؤه: إنما محمد صلى الله عليه وسلم مستمعُ خيرٍ، يصدِّق بالله وبما جاءه من عنده، ويصدق المؤمنين، لا أهل النفاق والكفر بالله. * * * وقيل: (ويؤمن للمؤمنين) ، معناه: ويؤمن المؤمنين، لأن العرب تقول فيما ذكر لنا عنها: "آمنتُ له وآمنتُه" ، بمعنى: صدّقته، كما قيل: (رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ) ، [سورة النمل: 72] ، ومعناه: ردفكم = وكما قال: (لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) [سورة الأعراف: 154] ، ومعناه: للذين هم ربّهم يرهبون. (1) * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 16905- حدثني المثنى قال، حدثني عبد الله قال: حدثنى معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين) ، يعني: يؤمن بالله، ويصدق المؤمنين. * * * وأما قوله: (ورحمة للذين آمنوا منكم) ، فإن القرأة اختلفت في قراءته، فقرأ ذلك عامة قرأة الأمصار: (وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا) ، بمعنى: قل هو (1) انظر معاني القرآن للفراء 1: 444. أذن خير لكم، وهو رحمة للذين آمنوا منكم = فرفع "الرحمة" ، عطفًا بها على "الأذن" . * * * وقرأه بعض الكوفيين: (وَرَحْمَةٍ) ، عطفا بها على "الخير" ، بتأويل: قل أذن خير لكم، وأذن رحمة. (1) * * * قال أبو جعفر: وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندي، قراءةُ من قرأه: (وَرَحْمَةٌ) ، بالرفع، عطفًا بها على "الأذن" ، بمعنى: وهو رحمة للذين آمنوا منكم. وجعله الله رحمة لمن اتبعه واهتدى بهداه، وصدَّق بما جاء به من عند ربه، لأن الله استنقذهم به من الضلالة، وأورثهم باتِّباعه جنّاته. * * * القول في تأويل قوله: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لهؤلاء المنافقين الذين يعيبون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقولون: "هو أذن" ، وأمثالِهم من مكذِّبيه، والقائلين فيه الهُجْرَ والباطل، (2) عذابٌ من الله موجع لهم في نار جهنم. (3) * * * (1) انظر معاني القرآن للفراء 1: 444. (2) انظر تفسير "الأذى" فيما سلف ص: 324، تعليق: 1، والمراجع هناك. (3) انظر تفسير "أليم" فيما سلف من فهارس اللغة (ألم) . القول في تأويل قوله: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله صلى الله عليه وسلم: يحلف لكم، أيها المؤمنون، هؤلاء المنافقون بالله، ليرضوكم فيما بلغكم عنهم من أذاهم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وذكرِهم إياه بالطعن عليه والعيب له، ومطابقتهم سرًّا أهلَ الكفر عليكم = بالله والأيمان الفاجرة: أنهم ما فعلوا ذلك، وإنهم لعلى دينكم، ومعكم على من خالفكم، يبتغون بذلك رضاكم. يقول الله جل ثناؤه: (والله ورسوله أحق أن يرضوه) ، بالتوبة والإنابة مما قالوا ونطقوا = (إن كانوا مؤمنين) ، يقول: إن كانوا مصدِّقين بتوحيد الله، مقرِّين بوعده ووعيده. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 16906- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (يحلفون بالله لكم ليرضوكم) ، الآية، ذكر لنا أن رجلا من المنافقين قال: والله إن هؤلاء لخيارنا وأشرافنا، وإن كان ما يقول محمد حقًّا، لهم شَرٌّ من الحمير! قال: فسمعها رجل من المسلمين فقال: والله إن ما يقول محمد حق، ولأنت شر من الحمار! فسعى بها الرجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل إلى الرجل فدعاه فقال له: ما حملك على الذي قلت؟ فجعل يلتَعنُ، ويحلف بالله ما قال ذلك. (1) قال: وجعل الرجل المسلم يقول: اللهم صدِّق الصادق، وكذِّب (1) "التعن الرجل" ، إذا أنصف في الدعاء على نفسه، أو لعن نفسه. الكاذب! فأنزل الله في ذلك: (يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين) . * * * القول في تأويل قوله: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ألم يعلم هؤلاء المنافقون الذين يحلفون بالله كذبًا للمؤمنين ليرضوهم، وهم مقيمون على النفاق، أنه من يحارب الله ورسوله، ويخالفهما فيناوئهما بالخلاف عليهما = (فأن له نار جهنم) ، في الآخرة = (خالدًا فيها) ، يقول: لابثًا فيها، مقيمًا إلى غير نهاية؟ (1) = (ذلك الخزي العظيم) ، يقول: فلُبْثُه في نار جهنم وخلوده فيها، هو الهوان والذلُّ العظيم. (2) * * * وقرأت القرأة: (فَأَنَّ) ، بفتح الألف من "أن" بمعنى: ألم يعلموا أنَّ لمن حادَّ الله ورسوله نارُ جهنم = وإعمال "يعلموا" فيها، كأنهم جعلوا "أن" الثانية مكررة على الأولى، واعتمدوا عليها، إذ كان الخبر معها دون الأولى. * * * وقد كان بعض نحويي البصرة يختار الكسر في ذلك، على الابتداء، بسبب دخول "الفاء" فيها، وأن دخولها فيها عنده دليلٌ على أنها جواب الجزاء، وأنها إذا كانت للجزاء جوابًا، (3) كان الاختيار فيها الابتداء. * * * (1) انظر تفسير "الخلود" فيما سلف من فهارس اللغة (خلد) . (2) انظر تفسير "الخزي" فيما سلف ص: 160، تعليق: 1، والمراجع هناك. (3) في المطبوعة: "إذا كانت جواب الجزاء" ، وفي المخطوطة: "إذا كانت الجواب جزاء" ، والصواب ما أثبت، إنما أخطأ الناسخ. ![]()
__________________
|
#774
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الرابع عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ براءة الحلقة (774) صــ 331 إلى صــ 340 قال أبو جعفر: والقراءة التي لا أستجيز غيرها فتح الألف في كلام الحرفين، أعني "أن" الأولى والثانية، لأن ذلك قراءة الأمصار، وللعلة التي ذكرت من جهة العربية. * * * القول في تأويل قوله: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنزلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يخشى المنافقون أن تنزل فيهم (1) = (سورة تنبئهم بما في قلوبهم) ، يقول: تظهر المؤمنين على ما في قلوبهم. (2) * * * وقيل: إن الله أنزل هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن المنافقين كانوا إذا عابوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكروا شيئًا من أمره وأمر المسلمين، قالوا: "لعل الله لا يفشي سِرَّنا!" ، فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل لهم: (استهزءوا) ، متهددًا لهم متوعدًا: (إن الله مخرج ما تحذرون) . * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 16907- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة) ، قال: يقولون القول بينهم، ثم يقولون: "عسى الله أن لا يفشي سرنا علينا!" . 16908- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، (1) انظر تفسير "الحذر" فيما سلف 10: 575. (2) انظر تفسير "النبأ" فيما سلف 13: 252، تعليق: 2، والمراجع هناك. عن ابن جريج، عن مجاهد مثله = إلا أنه قال: سِرَّنا هذا. * * * وأما قوله: (إن الله مخرجٌ ما تحذرون) ، فإنه يعني به: إن الله مظهر عليكم، أيها المنافقون ما كنتم تحذرون أن تظهروه، فأظهر الله ذلك عليهم وفضحهم، (1) فكانت هذه السورة تدعَى: (الفَاضِحَةَ) . 16909- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: كانت تسمَّى هذه السورة: (الفَاضِحَةَ) ، فاضحة المنافقين. * * * القول في تأويل قوله: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) } قال أبو جعفر: يقول تعالى جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ولئن سألت، يا محمد، هؤلاء المنافقين عما قالوا من الباطل والكذب، ليقولن لك: إنما قلنا ذلك لعبًا، وكنا نخوض في حديثٍ لعبًا وهزؤًا! (2) يقول الله لمحمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، أبالله وآيات كتابه ورسوله كنتم تستهزءون؟ وكان ابن إسحاق يقول: الذي قال هذه المقالة: كما:- 16910- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: كان الذي قال هذه المقالة فيما بلغني، وديعة بن ثابت، أخو بني أمية بن زيد، من بني عمرو بن عوف. (3) * * * (1) انظر تفسير "الإخراج" فيما سلف 2: 228 \ 12: 211. (2) انظر تفسير "الخوض" فيما سلف 11: 529، تعليق: 3، والمراجع هناك. = وتفسير "اللعب" فيما سلف 11: 529، تعليق: 4، والمراجع هناك. = وتفسير "الاستهزاء" فيما سلف 11: 262، تعليق: 3، والمراجع هناك. (3) الأثر: 16910 - سيرة ابن هشام 4: 195، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16899. 16911- حدثنا علي بن داود قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثنا الليث قال، حدثني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم: أن رجلا من المنافقين قال لعوف بن مالك في غزوة تبوك: ما لقُرَّائنا هؤلاء أرغبُنا بطونًا وأكذبُنا ألسنةً، وأجبُننا عند اللقاء! فقال له عوف: كذبت، ولكنك منافق! لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم! فذهب عوف إلى رسول الله ليخبره، فوجد القرآن قد سبقه = قال زيد (1) قال عبد الله بن عمر: فنظرت إليه متعلقًا بحَقَب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنكبُهُ الحجارة، (2) يقول: (إنما كنا نخوض ونلعب) ! فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم: (أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن) ؟ ما يزيده. (3) 16912- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، حدثني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عبد الله بن عمر قال: قال رجل في غزوة تبوك في مجلس: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء، أرغبَ بطونًا، ولا أكذبَ ألسنًا، ولا أجبن عند اللقاء! فقال رجل في المجلس: كذبتَ، ولكنك منافق! لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن. قال عبد الله بن عمر: فأنا رأيته متعلقًا بحَقَب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) في المطبوعة والمخطوطة: "فقال زيد" ، بالفاء، والسياق يقتضي إسقاطها. (2) "الحقب" (بفتحتين) : حبل يشد به الرحل في بطن البعير مما يلي ثيله، لئلا يؤذيه التصدير، أو يجتذبه التصدير فيقدمه. و "نكبته الحجارة" ، لثمت الحجارة رجله وظفره، أي نالته وآذته وأصابته. (3) الأثر: 16911 - "هشام بن سعد المدني" ، ثقة، متكلم في، مضى برقم: 5490، 11704، 12821. "زيد بن أسلم العدوي" الفقيه، روى عن عبد الله بن عمر، روى له جماعة، مضى مرارًا كثيرة وسيأتي الخبر الذي يليه، من طريق ابن وهب، عنه. وهذا إسناد صحيح. تَنْكُبه الحجارة، وهو يقول: "يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب!" ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) . (1) 16913- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا أيوب، عن عكرمة في قوله: (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب) ، إلى قوله: (بأنهم كانوا مجرمين) ، قال: فكان رجل ممن إن شاء الله عفا عنه يقول: "اللهم إني أسمع آية أنا أعْنَى بها، تقشعرُّ منها الجلود، وتَجِبُ منها القلوب، (2) اللهم فاجعل وفاتي قتلا في سبيلك، لا يقول أحدٌ: أنا غسَّلت، أنا كفَّنت، أنا دفنت" ، قال: فأصيب يوم اليمامة، فما من أحدٌ من المسلمين إلا وُجد غيره. 16914- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب) ، الآية، قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في غزوته إلى تبوك، وبين يديه ناس من المنافقين فقالوا: "يرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشأم وحصونها! هيهات هيهات" ! فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "احبسوا عليَّ الرَّكْب! (3) فأتاهم فقال: قلتم كذا، قلتم كذا. قالوا:" يا نبي الله، إنما كنا نخوض ونلعب "، فأنزل الله تبارك وتعالى فيهم ما تسمعون." 16915- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب) ، قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، ورَكْب من المنافقين يسيرون بين يديه، فقالوا: يظن هذا أن يفتح قصورَ الروم وحصونها! فأطلع الله نبيه صلى الله عليه (1) الأثر: 16912 - مكرر الأثر السالف، وهو صحيح الإسناد. (2) "وجب قلبه يجب وجيبًا" ، خفق واضطرب. وكان في المطبوعة: "وتجل" باللام، كأنه يعني من "الوجل" ، ولكنه لم يحسن قراءة المخطوطة، لأنها غير منقوطة. (3) في المطبوعة: "على هؤلاء الركب" ، زاد "هؤلاء" لغير طائل. وسلم على ما قالوا، فقال: عليّ بهؤلاء النفر! فدعاهم فقال: قلتم كذا وكذا! فحلفوا: ما كنا إلا نخوض ونلعب! 16916- حدثنا الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب وغيره قالوا: قال رجل من المنافقين: ما أرى قُرَّاءنا هؤلاء إلا أرغبنا بطونًا، وأكذبنا ألسنة، وأجبننا عند اللقاء! فرُفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما كنا نخوض ونلعب! فقال: (أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون) ، إلى قوله: (مجرمين) ، وإن رجليه لتنسفان الحجارة، (1) وما يلتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو متعلق بنِسْعَةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم. (2) 16917- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (إنما كنا نخوض ونلعب) ، قال: قال رجل من المنافقين: "يحدثنا محمد أن ناقة فلان بوادي كذا وكذا، في يوم كذا وكذا! وما يدريه ما الغيب؟" . 16918- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، بنحوه. * * * (1) في المطبوعة: "ليسفعان بالحجارة" ، غير ما كان في المخطوطة مسيئًا في فعله، والصواب ما في المخطوطة. "نسفت الناقة الحجارة والتراب في عدوها تنسفه نسفًا" ، إذا أطارته، وكذلك يقال في الإنسان إذا اشتد عدوه. (2) "النسعة" (بكسر فسكون) : سير مضفور يجعل زمامًا للبعير، وقد تنسج عريضة تجعل على صدر البعير. ويقال للبطان والحقب: "النسعان" . القول في تأويل قوله: {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء الذين وصفت لك صفتهم: (لا تعتذروا) ، بالباطل، فتقولوا: (كنا نخوض ونلعب) = (قد كفرتم) ، يقول: قد جحدتم الحق بقولكم ما قلتم في رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به (1) = (بعد إيمانكم) ، يقول: بعد تصديقكم به وإقراركم به = (إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة) . (2) * * * وذكر أنه عُنِي: بـ "الطائفة" ، في هذا الموضع، رجلٌ واحد. (3) وكان ابن إسحاق يقول فيما:- 16919- حدثنا به ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: كان الذي عُفِي عنه، فيما بلغني مَخْشِيّ بن حُمَيِّر الأشجعي، (4) حليف بني سلمة، وذلك أنه أنكر منهم بعض ما سمع. (5) 16920- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا زيد بن حبان، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب: (إن نعف عن طائفة منكم) ، قال: "طائفة" ، رجل. * * * (1) في المخطوطة: "يقول: لحم الحق" ، وهي لا تقرأ، والذي في المطبوعة مقارب للصواب، فتركته على حاله. (2) انظر تفسير "العفو" فيما سلف من فهارس اللغة (عفا) . (3) انظر تفسير "الطائفة" فيما سلف 13: 398، تعليق: 1، والمراجع هناك. (4) في سيرة ابن هشام في هذا الموضع "مخشن بن حمير" ، وقد أشار ابن هشام إلى هذا الاختلاف فيما سلف من سيرته، ابن هشام 4: 168. ولكني أثبت ما في المخطوطة. (5) الأثر: 16919 - سيرة ابن هشام 4: 195، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16910. واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم: معناه: (إن نعف عن طائفة منكم) ، بإنكاره ما أنكر عليكم من قبل الكفر = (نعذب طائفة) ، بكفره واستهزائه بآيات الله ورسوله. * ذكر من قال ذلك: 16922- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر قال، قال بعضهم: كان رجل منهم لم يمالئهم في الحديث، يسير مجانبًا لهم، (1) فنزلت: (إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة) ، فسُمِّي "طائفةً" وهو واحدٌ. * * * وقال آخرون: بل معنى ذلك. إن تتب طائفة منكم فيعفو الله عنه، يعذب الله طائفة منكم بترك التوبة. * * * وأما قوله: (إنهم كانوا مجرمين) ، فإن معناه: نعذب طائفة منهم باكتسابهم الجرم، وهو الكفر بالله، وطعنهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم. (2) * * * القول في تأويل قوله: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (المنافقون والمنافقات) ، وهم الذين يظهرون للمؤمنين الإيمانَ بألسنتهم، ويُسِرُّون الكفرَ بالله ورسوله (3) = (بعضهم (1) في المطبوعة: "فيسير" ، بالفاء، أثبت ما في المخطوطة. (2) انظر تفسير "الإجرام" فيما سلف 13: 408، تعليق: 2، والمراجع هناك. (3) انظر تفسير "النفاق" فيما سلف 1: 234، 270، 273، 324 - 327، 346 - 363، 408، 409، 414 \ 4: 232، 233 \ 8: 513 \ 9: 7. من بعض) ، يقول: هم صنف واحد، وأمرهم واحد، في إعلانهم الإيمان، واستبطانهم الكفر = (يأمرون) مَنْ قبل منهم = (بالمنكر) ، وهو الكفر بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم، وبما جاء به وتكذيبه (1) = (وينهون عن المعروف) ، يقول: وينهونهم عن الإيمان بالله ورسوله، وبما جاءهم به من عند الله (2) * * * وقوله: (ويقبضون أيديهم) ، يقول: ويمسكون أيديهم عن النفقة في سبيل الله، ويكفُّونها عن الصدقة، فيمنعون الذين فرضَ الله لهم في أموالهم ما فرَض من الزكاة حقوقَهم، كما:- 16923- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: (ويقبضون أيديهم) ، قال: لا يبسطونها بنفقة في حق. 16924- حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 16925- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 16926- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه. 16927- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ويقبضون أيديهم) ، لا يبسطونها بخير. 16928- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (ويقبضون أيديهم) ، قال: يقبضون أيديهم عن كل خير. * * * (1) انظر تفسير "المنكر" فيما سلف 13: 165، تعليق: 2، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير "المعروف" فيما سلف 13: 165، تعليق: 1، والمراجع هناك. وأما قوله: (نسوا الله فنسيهم) ، فإن معناه: تركوا الله أن يطيعوه ويتبعوا أمره، فتركهم الله من توفيقه وهدايته ورحمته. * * * وقد دللنا فيما مضى على أن معنى "النسيان" ، الترك، بشواهده، فأغنى ذلك عن إعادته ههنا. (1) * * * وكان قتادة يقول في ذلك ما:- 16929- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، قتادة قوله: (نسوا الله فنسيهم) ، نُسُوا من الخير، ولم ينسوا من الشرّ. * * * قوله: (إن المنافقين هم الفاسقون) ، يقول: إن الذين يخادعون المؤمنين بإظهارهم لهم بألسنتهم الإيمانَ بالله، وهم للكفر مستبطنون، (2) هم المفارقون طاعةَ الله، الخارجون عن الإيمان به وبرسوله. (3) * * * القول في تأويل قوله: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار) بالله = (نار جهنم) ، أن يصليهموها جميعًا = (خالدين فيها) ، يقول: ماكثين فيها أبدًا، لا يحيون فيها ولا يموتون (4) = (هي حسبهم) ، يقول: هي (1) انظر تفسير "النسيان" فيما سلف 12: 475، تعليق: 2، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير "النفاق" فيما سلف قريبا ص: 337، تعليق: 3، والمراجع هناك. (3) انظر تفسير "الفسق" فيما سلف ص: 293، تعليق: 2، والمراجع هناك. (4) انظر تفسير "الخلود" فيما سلف من فهارس اللغة (خلد) . كافيتهم عقابًا وثوابًا على كفرهم بالله (1) = (ولعنهم الله) ، يقول: وأبعدهم الله وأسحقهم من رحمته = (ولهم عذاب مقيم) ، يقول: وللفريقين جميعًا: يعني من أهل النفاق والكفر، عند الله = (عذابٌ مقيم) ، دائم، لا يزول ولا يبيد. (2) * * * (1) انظر تفسير "حسب" فيما سلف ص: 403، تعليق: 1، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير "مقيم" فيما سلف 10: 293، 294 \ 14: 172. القول في تأويل قوله: {كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالا وَأَوْلادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (69) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء المنافقين الذين قالوا: (إنما كنا نخوض ونلعب) : أبالله وآيات كتابه ورسوله كنتم تستهزئون؟ = (كالذين من قبلكم) ، من الأمم الذين فعلوا فعلكم، فأهلكهم الله، وعجل لهم في الدنيا الخزي، مع ما أعدَّ لهم من العقوبة والنكال في الآخرة. يقول لهم جل ثناؤه: واحذروا أن يحل بكم من عقوبة الله مثل الذي حلّ بهم، فإنهم كانوا أشد منكم قوةً وبطشًا، وأكثر منكم أموالا وأولادًا = (فاستمتعوا بخلاقهم) ، يقول: فتمتعوا بنصيبهم وحظهم من دنياهم ودينهم، (1) ورضوا بذلك من نصيبهم في الدنيا عوضًا من نصيبهم في الآخرة، (2) (1) انظر تفسير "الاستمتاع" فيما سلف 12: 116، تعليق: 1، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير "الخلاق" فيما سلف 2: 452 - 454 \ 4: 201 - 203 \ 6: 527، 528.![]()
__________________
|
#775
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الرابع عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ براءة الحلقة (775) صــ 341 إلى صــ 350 وقد سلكتم، أيها المنافقون، سبيلهم في الاستمتاع بخلاقكم. يقول: فعلتم بدينكم ودنياكم، كما استمتع الأمم الذين كانوا من قبلكم، الذين أهلكتهم بخِلافهم أمري = (بخلاقهم) ، يقول: كما فعل الذين من قبلكم بنصيبهم من دنياهم ودينهم = (وخضتم) ، في الكذب والباطل على الله = (كالذي خاضوا) ، يقول: وخضتم أنتم أيضًا، أيها المنافقون، كخوض تلك الأمم قبلكم. (1) * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 16930- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني أبو معشر، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لتأخذُنَّ كما أخذ الأمم من قبلكم، ذراعًا بذراع، وشبرًا بشبر، وباعًا بباع، حتى لو أن أحدًا من أولئك دخل جُحر ضبٍّ لدخلتموه! = قال أبو هريرة: اقرأوا إن شئتم القرآن: (كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادًا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا) = قالوا: يا رسول الله، كما صنعت فارس والروم؟ قال: فهل الناس إلا هم؟ (2) 16931- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، (1) انظر تفسير "الخوض" فيما سلف ص: 332، تعليق: 2، والمراجع هناك. (2) الأثر: 16930 - إسناده ضعيف. "أبو معشر" ، هو: "نجيج بن عبد الرحمن السندي" ، منكر الحديث، مضى برقم: 1275. ولكن هذا الخبر له أصل في الصحيح، فقد رواه البخاري في صحيحه من طريق أحمد بن يونس، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة (الفتح 13: 254) ، بغير هذا اللفظ. يقال: "أخذ إخذ فلان" ، إذا سار بسيرته. عن ابن جريج، عن عمر بن عطاء، عن عكرمة، عن ابن عباس قوله: (كالذين من قبلكم) ، الآية قال، قال ابن عباس: ما أشبه الليلة بالبارحة! (كالذين من قبلكم) ، هؤلاء بنو إسرائيل شبهنا بهم، لا أعلم إلا أنه قال: والذي نفسي بيده لتَتَّبِعُنَّهم حتى لو دخل الرجل منهم جُحْر ضبٍّ لدخلتموه. (1) 16932- قال ابن جريج: وأخبرنا زياد بن سعد، عن محمد بن زيد بن مهاجر، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لتتبعُن سَننَ الذين من قبلكم، شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، وباعًا بباع، حتى لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه! قالوا: ومن هم، يا رسول الله؟ أهلُ الكتاب! قال: فَمَهْ! (2) (1) الأثر: 16931 - "عمر بن عطاء" ، هذا الراوي عن عكرمة هو: "عمر بن عطاء بن وراز" ، وهو ضعيف، ليس بشيء. قال أحمد: "روى ابن جريج، عن عمر بن عطاء، عن عكرمة، فهو: ابن وراز. وكل شيء روى ابن جريج، عن عمر بن عطاء، عن ابن عباس فهو ابن أبي الخوار" ، فهما رجلان. وهو مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 13 \ 126، وميزان الاعتدال 2: 265. فهذا إسناد ضعيف أيضًا، ولكن له أصل في الصحيح، كما سلف من قبل. (2) الأثر: 16932 - هذا إسناد تابع للإسناد السالف، ولكني فصلته عنه، لأن الإسناد الأول قد تم برواية ابن جريج حديث ابن عباس، ثم انتقل إلى إسناد آخر إلى أبي هريرة. و "زياد بن سعد بن عبد الرحمن الخرساني" ، وكان شريك ابن جريج، وهو ثقة، روى له الجماعة. مترجم في التهذيب، والكبير 2 \ 1 \ 327، وابن أبي حاتم 1 \ 2 \ 533. و "محمد بن زيد بن مهاجر بن قنفذ التيمي القرشي" ، ثقة، مضى برقم: 10521. فهذا خبر صحيح الإسناد. وأما قوله: "فمه" ، فقد كتبها في المطبوعة: "فمن" ، وهي في المخطوطة بالهاء واضحة عليها سكون، ويدل على صواب ذلك، اقتصار ابن جريج في الخبر التالي على ذكر "فمن" ، دون ذكر الخبر، فهذا دال على أن الأولى مخالفة للثانية، لا مطابقة لها. واستعمال "مه" بمعنى الاستفهام، قد ذكر له صاحب اللسان في مادة "ما" ، شاهدًا، ولكنه أساء في نقله عن ابن جني بعده، فلم يتبين ما أراد قبله. قال: "ما: حرف نفي، وتكون بمعنى الذي. . . وتكون موضوعة موضع: من، وتكون بمعنى الاستفهام وتبدل من الألف الهاء، فيقال: مه، قال الراجز: قَدْ وَرَدَتْ مِنْ أَمْكِنَهْ" ومِنْ هَاهُنَا وَمْنِ هُنَهْ إِنْ لَمْ أُرَوِّها فَمَهْ قال ابن جني: يحتمل، مه، هنا وجهين: أحدهما أن تكون: فمه، زجرًا منه، أي: فاكفف عني. ولست أهلا للعتاب = أو: فمه يا إنسان، يخاطب نفسه ويزجرها "." قلت: وهذا تحكم من أبي الفتح بن جني، فإن سياق الرجز يوجب أن يكون معناه: إن لم أرو أنا هذا الإبل، فمن يرويها؟ وهو صريح معنى الاستدلال الذي ساقه صاحب اللسان، ولكنه أساء في البيان وقصر، وأساء في إردافه الكلام ما أردفه من كلام أبي الفتح. وهذا الخبر الذي رواه ابن جريج، عن أبي هريرة، دليل آخر وشاهد قوي على استعمالهم "مه" ، بمعنى الاستفهام. 16933- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال أبو سعيد الخدري أنه قال: فمن. (1) 16934- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن: (فاستمتعوا بخلاقهم) ، قال: بدينهم. 16935- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حَذَّركم أن تحدثوا في الإسلام حَدَثًا، وقد علم أنه سيفعل ذلك أقوامٌ من هذه الأمة، (2) فقال الله في ذلك: (فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا) ، وإنما حسبوا أن لا يقع بهم من الفتنة ما وقع ببني إسرائيل قبلهم، وإن الفتنة عائدة كما بدأت." * * * (1) الأثر: 16933 - حديث أبي سعيد الخدري، في معنى الأخبار السالفة رواه البخاري في صحيحه (الفتح 13: 255) ، ومسلم في صحيحه 16: 219، من طريق زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري. وهذا الخبر رواه ابن جريج مختصرًا على كلمة واحدة، وهي "فمن" ، ليبين معنى رواية أبي هريرة قبل: "فمه" ، أنها بمعنى "فمن" ، استفهامًا، كما سلف في التعليق قبله. (2) جاء هكذا في المخطوطة: "حدثكم أن تحثوا في الإسلام حدثًا، وقد علمتم أنه ..." ، وهو غير مقروء، ولا مستقيم، والذي في المطبوعة، كأنه منقول من الدر المنثور 3: 255، فقد نسبه إلى أبي الشيخ، ولم ينسبه إلى ابن جرير، وهو فضلا عن ذلك، مختصر في الدر المنثور. وأما قوله: (أولئك حبطت أعمالهم) ، فإن معناه: هؤلاء الذين قالوا: (إنما كنا نخوض ونلعب، وفعلوا في ذلك فعل الهالكين من الأمم قبلهم = (حبطت أعمالهم) ، يقول: ذهبت أعمالهم باطلا. فلا ثوابَ لها إلا النار، لأنها كانت فيما يسخط الله ويكرهه (1) = (وأولئك هم الخاسرون) ، يقول: وأولئك هم المغبونون صفقتهم، ببيعهم نعيم الآخرة بخلاقهم من الدنيا اليسيرِ الزهيدِ (2) * * * القول في تأويل قوله: {أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ألم يأت هؤلاء المنافقين الذين يُسِرُّون الكفرَ بالله، وينهون عن الإيمان به وبرسوله = (نبأ الذين من قبلهم) ، يقول: خبر الأمم الذين كانوا من قبلهم، (3) حين عصوا رسلنا وخالفوا أمرنا، ماذا حلّ بهم من عقوبتنا؟ ثم بين جل ثناؤه مَنْ أولئك الأمم التي قال لهؤلاء المنافقين ألم يأتهم نَبَأهُم، فقال: (قوم نوح) ، ولذلك خفض "القوم" ، لأنه ترجم بهن عن "الذين" ، و "الذين" في موضع خفض. * * * (1) انظر تفسير "حبط" فيما سلف ص: 166، تعليق: 1، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير "الخسران" فيما سلف 13: 535، تعليق: 1، والمراجع هناك. (3) انظر تفسير "النبأ" فيما سلف ص: 331، تعليق: 2، والمراجع هناك. ومعنى الكلام: ألم يأت هؤلاء المنافقين خبر قوم نوح وصنيعي بهم، إذ كذبوا رسولي نوحًا، وخالفوا أمري؟ ألم أغرقهم بالطوفان؟ = (وعاد) ، يقول: وخبر عاد، إذ عصوا رسولي هودًا، ألم أهلكهم بريح صرصر عاتية؟ = وخبر ثمود، إذ عصوا رسولي صالحًا، ألم أهلكهم بالرجفة، فأتركهم بأفنيتهم خمودًا؟ = وخبر قوم إبراهيم، إذ عصوه وردُّوا عليه ما جاءهم به من عند الله من الحق، ألم أسلبهم النعمة، وأهلك ملكهم نمرود؟ = وخبر أصحابِ مَدْين بن إبراهيم، ألم أهلكهم بعذاب يوم الظلة إذ كذبوا رسولي شعيبًا؟ = وخبر المنقلبة بهم أرضُهم، فصار أعلاها أسفلها، إذ عصوا رسولي لوطًا، (1) وكذبوا ما جاءهم به من عندي من الحق؟ يقول تعالى ذكره: أفأمن هؤلاء المنافقون الذين يستهزءون بالله وبآياته ورسوله، أن يُسْلك بهم في الانتقام منهم، وتعجيل الخزي والنكال لهم في الدنيا، سبيلُ أسلافهم من الأمم، ويحلّ بهم بتكذيبهم رسولي محمدًا صلى الله عليه وسلم ما حلّ بهم في تكذيبهم رُسلنا، إذ أتتهم بالبينات. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 16936- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (والمؤتفكات) ، قال: قوم لوط، انقلبت بهم أرضهم، فجعل عاليها سافلها. 16937- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (والمؤتفكات) ، قال: هم قوم لوط. * * * (1) انظر تفسير "الائتفاك" فيما سلف ص: 208، تعليق: 1، والمراجع هناك. فإن قال قائل: فإن كان عني بـ "المؤتفكات" قوم لوط، فكيف قيل: "المؤتفكات" ، فجمعت ولم توحّد؟ قيل: إنها كانت قريات ثلاثًا، فجمعت لذلك، ولذلك جمعت بالتاء، على قول الله: (وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى) ، [سورة النجم: 53] . (1) فإن قال: وكيف قيل: أتتهم رسلهم بالبينات، وإنما كان المرسل إليهم واحدًا؟ قيل: معنى ذلك: أتى كل قرية من المؤتفكات رسولٌ يدعوهم إلى الله، فتكون رُسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين بعثهم إليهم للدعاء إلى الله عن رسالته، رسلا إليهم، كما قالت العرب لقوم نسبوا إلى أبي فديك الخارجي: "الفُدَيْكات" ، و "أبو فديك" ، واحدٌ، ولكن أصحابه لما نسبوا إليه وهو رئيسهم، دعوا بذلك، ونسبوا إلى رئيسهم. فكذلك قوله: (أتتهم رسلهم بالبينات) . * * * وقد يحتمل أن يقال معنى ذلك: أتت قوم نوح وعاد وثمود وسائر الأمم الذين ذكرهم الله في هذه الآية، رسلهم من الله بالبينات. * * * وقوله: (فما كان الله ليظلمهم) ، يقول جل ثناؤه: فما أهلك الله هذه الأمم التي ذكر أنه أهلكها إلا بإجرامها وظلمها أنفسها، واستحقاقها من الله عظيم العقاب، لا ظلمًا من الله لهم، ولا وضعًا منه جل ثناؤه عقوبةً في غير من هو لها أهلٌ، لأن الله حكيم لا خلل في تدبيره، ولا خطأ في تقديره، ولكن القوم الذين أهلكهم ظلموا أنفسهم بمعصية الله وتكذيبهم رسله، حتى أسخطوا عليهم ربهم، فحقت عليهم كلمة العذاب فعذِّبوا. * * * (1) انظر معاني القرآن للفراء 1: 446. القول في تأويل قوله: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وأما "المؤمنون والمؤمنات" ، وهم المصدقون بالله ورسوله وآيات كتابه، فإن صفتهم: أن بعضهم أنصارُ بعض وأعوانهم (1) = (يأمرون بالمعروف) ، يقول: يأمرون الناس بالإيمان بالله ورسوله، وبما جاء به من عند الله، (2) = [ (وينهون عن المنكر) ... ] (3) = (ويقيمون الصلاة) ، يقول: ويؤدُّون الصلاة المفروضة (4) = (ويؤتون الزكاة) ، يقول: ويعطون الزكاة المفروضةَ أهلَها (5) = (ويطيعون الله ورسوله) ، فيأتمرون لأمر الله ورسوله، وينتهون عما نهياهم عنه = (أولئك سيرحمهم الله) ، يقول: هؤلاء الذين هذه صفتهم، الذين سيرحمهم الله، فينقذهم من عذابه، ويدخلهم جنته، لا أهل النفاق والتكذيب بالله ورسوله، الناهون عن المعروف، الآمرون بالمنكر، القابضون أيديهم عن أداء حقّ الله من أموالهم = (إن الله عزيز حكيم) ، يقول: إن الله ذو عزة في انتقامه ممن انتقم من خلقه على معصيته وكفره به، لا يمنعه من الانتقام منه مانع، ولا ينصره منه ناصر = (حكيم) ، في انتقامه منهم، وفي جميع أفعاله. (6) * * * (1) انظر تفسير "الأولياء" فيما سلف من فهارس اللغة (ولي) . (2) انظر تفسير "المعروف" فيما سلف ص: 338، تعليق: 2، والمراجع هناك. (3) ما بين القوسين زدته استظهارًا، وهو تمام الآية، أخل به الناسخ، وأسقط تفسيره، كما هو بين من سياق أبي جعفر في تفسيره. انظر تفسير "المنكر" فيما سلف ص: 338، تعليق: 1، والمراجع هناك. (4) انظر تفسير "إقامة الصلاة" فيما سلف من فهارس اللغة (قوم) . (5) انظر تفسير "إيتاء الزكاة" فيما سلف من فهارس اللغة (أتى) . (6) انظر تفسير "عزيز" ، و "حكيم" ، فيما سلف من فهارس اللغة (عزز) ، (حكم) . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 16938- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية قال: كل ما ذكره الله في القرآن من "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" ، فـ "الأمر بالمعروف" ، دعاء من الشرك إلى الإسلام = و "النهي عن المنكر" ، النهي عن عبادة الأوثان والشياطين. 16939- قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (يقيمون الصلاة) ، قال: الصلوات الخمس. * * * القول في تأويل قوله: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وعد الله الذين صدقوا الله ورسوله، وأقرُّوا به وبما جاء به من عند الله، من الرجال والنساء = (جنات تجري من تحتها الأنهار) ، يقول: بساتين تجري تحت أشجارها الأنهار (1) = (خالدين فيها) ، يقول: لابثين فيها أبدًا، مقيمين لا يزول عنهم نعيمها ولا يبيد (2) = (ومساكن طيبة) ، يقول: ومنازل يسكنونها طيبةً. (3) (1) انظر تفسير "جنة" فيما سلف من فهارس اللغة (جنن) . (2) انظر تفسير "الخلود" فيما سلف من فهارس اللغة (خلد) . (3) انظر تفسير "طيبة" فيما سلف من فهارس اللغة (طيب) . و "طيبها" أنها، فيما ذكر لنا، كما:- 16940- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا إسحاق بن سليمان، عن جَسْر، عن الحسن قال: سألت عمران بن حصين وأبا هريرة عن آية في كتاب الله تبارك وتعالى: (ومساكن طيبة في جنات عدن) ، فقالا على الخبير سقطت! سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قصرٌ في الجنة من لؤلؤ، فيه سبعون دارًا من ياقوتة حمراء، في كل دار سبعون بيتًا من زمردة خضراء، في كل بيت سبعون سريرًا. (1) 16941- حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري قال، حدثنا قرة بن حبيب، عن جَسْر بن فرقد، عن الحسن، عن عمران بن حصين وأبي هريرة قالا سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: (ومساكن طيبه في جنات عدن) ، قال: قصر من لؤلؤة، في ذلك القصر سبعون دارًا من ياقوتة حمراء، في كل دار سبعون بيتًا من زبرجدة خضراء، في كل بيت سبعون سريرًا، على كل سرير فراشًا من كل لون، على كل فراش زوجة من الحور العين، في كل بيت سبعون مائدة، (1) الأثر: 16940 - "إسحاق بن سليمان الرازي" ، شيخ أبي كريب، ثقة، روى له الجماعة، مضى مرارًا، آخرها رقم: 13224. و "جسر" هو: "جسر بن فرقد، أبو جعفر القصاب" ، روى عنه إسحاق بن سليمان، وروى هو عن الحسن وغيره، وكان رجلا صالحًا، ولكنه في الحديث ليس بشيء. مترجم في الكبير 1 \ 2 \ 245، وقال: "ليس بذاك" ، وفي ابن أبي حاتم 1 \ 1 \ 538، وميزان الاعتدال 1: 184، ولسان الميزان 2: 104. وكان في المطبوعة: "إسحاق بن سليمان، عن الحسن قال سألت" ، واسقط اسم "جسر" ، لأنه كان في المخطوطة قد كتب: "عن الحسن، عن الحسن" ، ثم ضرب الناسخ على "الألف واللام" من "الحسن" الأولى، فظنه قد ضرب عليه كله، والصواب ما أثبت، وسيأتي في الإسناد التالي. وهذا الخبر، ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 7: 30، 31، وقال: "رواه البزار والطبراني في الأوسط. وفيه جسر بن فرقد، وهو ضعيف، وقد وثقه سعيد بن عامر، وبقية رجال الطبراني ثقات" . ثم خرجه في مجمع الزوائد 10: 420 وقال: "رواه الطبراني، وفيه: جسر بن فرقد، وهو ضعيف" ، فاختصر ما سلف. وهو إسناد ضعيف كما قال، فقد ضعف جسر بن فرقد، البخاري وغيره من الأئمة. على كل مائدة سبعون لونًا من طعام، في كل بيت سبعون وصيفة، ويعطى المؤمن من القوة في غَداةٍ واحدة ما يأتي على ذلك كله أجمع. (1) * * * وأما قوله: (في جنات عدن) ، فإنه يعني: وهذه المساكن الطيبة التي وصفها جل ثناؤه، (في جنات عدن) . * * * و "في" من صلة "مساكن" . * * * وقيل: "جنات عدن" ، لأنها بساتين خلد وإقامة، لا يظعَنُ منها أحدٌ. * * * وقيل: إنما قيل لها (جنات عدن) ، لأنها دارُ الله التي استخلصها لنفسه، ولمن شاء من خلقه = من قول العرب: "عَدَن فلان بأرض كذا" ، إذا أقام بها وخلد بها، ومنه "المَعْدِن" ، ويقال: "هو في معدِن صدق" ، يعني به: أنه في أصلٍ ثابت. وقد أنشد بعض الرواة بيت الأعشى: وَإنْ يَسْتَضِيفُوا إلَى حِلْمِه ... يُضَافُوا إلَى رَاجِحٍ قَدْ عَدَن (2) (1) 16941 - "قرة بن حبيب بن يزيد بن شهرزاد القنوي الرماح" ، ثقة. مترجم في التهذيب، والكبير 41 \ 183، وابن أبي حاتم 3 \ 2 \ 132. و "جسر بن فرقد" سلف في الإسناد وقبله. وكان في المطبوعة والمخطوطة: "حسن بن فرقد" ، وصوابه ما أثبت. وهو إسناد ضعيف أيضًا. (2) ديوانه: 17، ومخطوطة ديوانه القصيدة رقم: 15، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 264، واللسان "وزن" ، وهي من كلمته الأولى التي أقبل بها على قيس بن معد يكرب الكندي، ورواية الديوان "إلى حكمه" ، ولكنها في المخطوطة ومجاز القرآن كما أثبتها، ولكن المطبوعة كتب "حكمه" . يقول قبله: ولكنّ رَبِّي كَفَى غُرْبتِي ... بِحَمْدِ الإِلَهِ، فقد بَلَّغَنْ أَخَا ثِقَةٍ عَاليًا كَعْبُهْ ... جَزيلَ العَطاء كَرِيمَ المِنَنْ كَرِيمًا شَمائلُهُ، مِنْ بَني ... مُعَاوِيةَ الأَكْرَمِينَ السُّنَنْ فَإنْ يَتْبَعُوا أَمْرَهُ يَرْشُدُوا ... وَإنْ يَسْأَلُوا مَالَهُ لا يَضِنّْ و "استضاف إليه" ، لجأ إليه عند الحاجة. ![]()
__________________
|
#776
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الرابع عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ براءة الحلقة (776) صــ 351 إلى صــ 360 وينشد: "قد وَزَن" . (1) * * * وكالذي قلنا في ذلك كان ابن عباس وجماعة معه فيما ذكر، يتأوّلونه. 16942- حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال، حدثنا عتاب بن بشير، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس: (جنات عدن) ، قال: "معدن الرجل" ، الذي يكون فيه. 16943- حدثنا محمد بن سهل بن عسكر قال، حدثنا ابن أبي مريم قال، حدثنا الليث بن سعد، عن زيادة بن محمد، عن محمد بن كعب القرظي، عن فضالة بن عبيد، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يفتح الذكرَ في ثلاث ساعات يبقين من الليل، في الساعة الأولى منهن ينظر في الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره، فيمحو ما يشاء ويثبت. ثم ينزل في الساعة الثانية إلى جنة عدن، وهي في داره التي لم ترها عين ولم تخطر على قلب بشر، وهي مسكنه، ولا يسكن معه من بني آدم غير ثلاثة: النبيين، والصديقين، والشهداء، ثم يقول: طوبى لمن دخلك، وذكر في الساعة الثالثة. (2) (1) في المطبوعة والمخطوطة: "قد وزن" ، بالواو ورواية الديوان: "قد رزن" بالراء، وكله صحيح المعنى. وهذه التي ذكرها الطبري، هي الرواية التي فسرها صاحب اللسان في "وزن" . يقال: "وزن الشيء" ، أي: رجح، و "وزن الرجل وزانة" ، إذا كان متثبتًا، و "رجل وزين الرأي" ، أصيله. و "رزن" بالراء مثله في المعنى، يقال: "رجل رزين" ، أي: وقور. (2) الأثران: 16943، 16944 - "زيادة بن محمد الأنصاري" ، منكر الحديث، مترجم في التهذيب والكبير 2 \ 1 \ 407، وذكر إسناد هذا الخبر، وابن أبي حاتم 1 \ 2 \ 619، وميزان الاعتدال 1: 361، وساق هذا الحديث بطوله، وفيه ذكر الساعة الثالثة، ثم قال: "وهذه ألفاظ منكرة، لم يأت بها غير زيادة" . وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 10: 412 وقال: "رواه البزار، وفيه زيادة بن محمد، وهو ضعيف" . وكان في المطبوعة في الخبر الأول: "الكندي سعد، عن زيادة بن محمد" ، وصوابه "الليث بن سعد" ، لم يحسن قراءة المخطوطة، لأنه وصل الحروف بعضها ببعض. 16944- حدثني موسى بن سهل قال، حدثنا آدم قال، حدثنا الليث بن سعد قال، حدثنا زيادة بن محمد، عن محمد بن كعب القرظي، عن فضالة بن عبيد، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عدن دارُه = يعني دار الله = التي لم ترها عين ولم تخطر على قلب بشر، وهي مسكنه، ولا يسكنها معه من بني آدم غير ثلاثة: النبيين، والصديقين، والشهداء. يقول الله تبارك وتعالى: طوبى لمن دخلك. (1) * * * وقال آخرون: معنى (جنات عدن) ، جنات أعناب وكروم. * ذكر من قال ذلك: 16945- حدثني أحمد بن أبي سريج الرازي قال، حدثنا زكريا بن عدي قال، حدثنا عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث: أن ابن عباس سأل كعبًا عن جنات عدن، فقال: هي الكروم والأعناب، بالسريانية. (2) * * * وقال آخرون: هي اسم لبُطْنان الجنة ووَسطها. * ذكر من قال ذلك: (1) الأثر: 16944 - انظر التعليق السالف. و "آدم" ، هو "آدم بن أبي إياس" . (2) الأثر: 16945 - "أحمد بن أبي سريج الرازي" ، هو "أحمد بن الصباح النهشلي الرازي" ، شيخ أبي جعفر. روى عنه البخاري، وأبو داود، والنسائي. ثقة. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 1 \ 1 \ 56. و "زكريا بن عدي بن زريق التيمي" ، ثقة، مضى برقم: 15446. و "عبيد الله بن عمرو الرقي" ، ثقة، روى له الجماعة، مضى مرارًا، منها رقم: 7187. و "زيد بن أبي أنيسة الجزري" ، ثقة، مضى مرارًا آخرها: 13855. و "يزيد بن أبي زياد القرشي" ، مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل، ثقة، يضعف حديثه. مضى مرارًا، آخرها رقم: 13308. و "عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي" ، روى له الجماعة، مضى أيضا، برقم: 13308. 16946- حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا شعبة، عن سليمان الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله قال: "عدن" ، بُطْنان الجنة. 16947- حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى قالا حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان وشعبة، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله في قوله: (جنات عدن) ، قال: بُطْنان الجنة = قال ابن بشار في حديثه، فقلت: ما بطنانها؟ = وقال ابن المثنى في حديثه، فقلت للأعمش: ما بطنان الجنة؟ = قال: وَسطها. 16948- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، وأبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله: (جنات عدن) ، قال: بطنان الجنة. 16949- قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا شعبة، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله، بمثله. 16950- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن سليمان، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله، مثله. 16951- حدثنا أحمد بن أبي سريج قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضحى، وعبد الله بن مرة، عنهما جميعًا، أو عن أحدهما، عن مسروق، عن عبد الله: (جنات عدن) ، قال: بطنان الجنة. 16952- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود في قول الله: (جنات عدن) ، قال: بُطْنان الجنة. * * * وقال آخرون: "عدن" ، اسم لقصر. * ذكر من قال ذلك: 16953- حدثني علي بن سعيد الكندي قال، حدثنا عبدة أبو غسان، عن عون بن موسى الكناني، عن الحسن قال: "جنات عدن" ، وما أدراك ما جنات عدن؟ قصرٌ من ذهَب، لا يدخله إلا نبي، أو صدّيق، أو شهيد، أو حكم عدل، ورفع به صوته. (1) 16954- حدثنا أحمد بن أبي سريج قال، حدثنا عبد الله بن عاصم قال، حدثنا عون بن موسى قال: سمعت الحسن بن أبي الحسن يقول: جنات عدن، وما أدراك ما جنات عدن؟ قصر من ذهب، لا يدخله إلا نبيّ، أو صدّيق، أو شهيد، أو حكم عدل = رفع الحسن به صوته. (2) 16955- حدثنا أحمد قال، حدثنا يزيد قال: أخبرنا حماد بن سلمة، عن يعلى بن عطاء، عن نافع بن عاصم، عن عبد الله بن عمرو قال: إن في الجنة قصرًا يقال له "عدن" ، حوله البروج والرُّوح، له خمسون ألف باب، على كل باب حِبَرة، (3) لا يدخله إلا نبيّ أو صدّيق. 16956- حدثنا الحسن بن ناصح قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا شعبة، عن يعلى بن عطاء قال: سمعت يعقوب بن عاصم يحدث، عن عبد الله بن عمرو: (1) الأثر: 16953 - "عبدة، أبو غسان" ، لم أعرف من يكون؟ و "عون بن موسى الكنافي الليثي" ، أبو روح، ثقة سمع الحسن. مترجم في الكبير 4 \ 1 \ 17، وابن أبي حاتم 3 \ 1 \ 386. (2) الأثر: 16954 - "أحمد بن أبي سريج" ، مضى برقم: 16945. "عبد الله بن عاصم الحماني" ، صدوق، روى عنه أبو حاتم، وأبو زرعة. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 2 \ 2 \ 134. "عون بن موسى الكناني" ، مضى قبله. (3) "الحبرة" (بكسر الحاء وفتح الباء) : ضرب من برود اليمن منمر. وقالوا: "ليس: حبرة، موضعًا أو شيئًا معلومًا، إنما هو شيء" . وكأنه هو المراد في مثل هذا الخبر، أي: ستور موشية. إن في الجنة قصرًا يقال له "عدن" ، له خمسة آلاف باب، على كل باب خمسة آلاف حِبَرة، لا يدخله إلا نبي أو صدّيق أو شهيد. (1) * * * وقيل: هي مدينة الجنة. * ذكر من قال ذلك: 16957- حدثت عن عبد الرحمن المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: في (جنات عدن) ، قال: هي مدينة الجنة، فيها الرُّسُل والأنبياء والشهداء، وأئمة الهدى، والناس حولهم بعدُ، والجنات حولها. * * * وقيل: إنه اسم نهر. * ذكر من قال ذلك: 16958- حدثت عن المحاربي، عن واصل بن السائب الرقاشي، عن عطاء قال: "عدن" ، نهر في الجنة، جنّاته على حافتيه. * * * وأما قوله: (ورضوان من الله أكبر) ، فإن معناه: ورضَى الله عنهم أكبر من ذلك كله، (2) وبذلك جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. (1) الأثر: 16956 - "الحسن بن ناصح" ، هو "الحسن بن ناصح البصري السراج" ، قال ابن أبي حاتم: "روى عن عثمان بن عثمان الغطفاني، ومعتمر بن سليمان، ومعاذ بن معاذ، ويحيى بن راشد، سمع منه أبي في المرحلة الثانية" ، الجرح والتعديل 1 \ 2 \ 39، تاريخ بغداد 7: 435. وهناك أيضا: "الحسن بن ناصح الخلال المخرمي" ، روى عن إسحاق بن منصور، وغيره قال ابن أبي حاتم: "أدركته. ولم أكتب عنه، وكان صدوقًا" ، وكأن هذا هو شيخ الطبري. مترجم في ابن أبي حاتم 1 \ 2 \ 39، وتاريخ بغداد 7: 435. وكان في المطبوعة: "الحسن بن ناجح" ، وهو مخالفة لما في المخطوطة. و "يعقوب بن عاصم بن عروة بن مسعود الثقفي" ، ذكره ابن حبان في الثقات، مترجم في التهذيب، والكبير 4 \ 2 \ 388، وابن أبي حاتم 4 \ 2 \ 211. (2) انظر تفسير "الرضوان" فيما سلف ص 174، تعليق: 2، والمراجع هناك. 16959- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال: أخبرنا ابن المبارك، عن مالك بن أنس، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة! فيقولون: لبّيك ربَّنَا وسعْدَيك! فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: ما لنا لا نرضى، وقد أعطيتنا ما لم تُعْطِ أحدًا من خلقك؟ فيقول: أنا أعطيكم أفضلَ من ذلك. قالوا: يا ربّ، وأيُّ شيء أفضل من ذلك! قال: أحِلّ عليكم رضوَاني، فلا اسخط عليكم بعده أبدًا. (1) 16960- حدثنا ابن حميد قال، حدثني يعقوب، عن حفص، عن شمر قال: يجيء القرآن يوم القيامة في صورة الرجل الشاحب، إلى الرجل حين ينشقُّ عنه قبره، فيقول: أبشر بكرامة الله! أبشر برضوان الله! فيقول مثلك من يبشِّر بالخير؟ ومن أنت؟ فيقول: أنا القرآن الذي كُنْت أسهِر ليلك، وأُظمئ نهارك! فيحمله على رقبته حتى يُوافي به ربَّه، فيمثُلُ بين يديه فيقول: يا رب، عبدك هذا، اجزه عني خيرًا، فقد كنت أسهر ليله، وأظمئ نهاره، وآمره فيطيعني، وأنهاه فيطيعني. فيقول الرب تبارك وتعالى: فله حُلَّة الكرامة. فيقول: أي ربّ، زدْهُ، فإنه أهلُ ذلك! فيقول: فله رِضْواني = قال: (ورضوان من الله أكبر) . (2) (1) الأثر: 16959 - هذا حديث صحيح رواه البخاري بهذا الإسناد نفسه، وبلفظه في صحيحه (الفتح 11: 363، 364) ، واستوفى الكلام عليه الحافظ ابن حجر في شرحه. ورواه مسلم في صحيحه 17: 168، وانظر ما سلف رقم: 6751، 16567، من حديث جابر بن عبد الله، غير مرفوع، وما علقت به عليه هناك. وذكره ابن كثير في تفسيره في هذا الموضع 4: 202 وقال: "رواه البزار في مسنده، من حديث الثوري. وقال الحافظ الضياء المقدسي في كتابه صفة الجنة. هذا عندي على شرط الصحيح" . (2) الأثر: 16960 - "يعقوب" ، هو: "يعقوب بن عبد الله القمي" ، ثقة، مضى مرارًا، منها: 13045. و "حفص" هو "حفص بن حميد القمي" ، ثقة، مضى برقم: 8518. و "شمر" هو "شمر بن عطية الأسدي الكاهلي" ، ثقة، مضى برقم: 11545. وانظر شواهد لبعض ألفاظ هذا الخبر فيما رواه الهيثمي في مجمع الزوائد 7: 159 - 165. ولم أجد هذا الخبر مسندًا بلفظه هذا. وابتُدِئ الخبر عن "رضوان الله" للمؤمنين والمؤمنات أنه أكبر من كلّ ما ذكر جل ثناؤه، فرفع، وإن كان "الرضوان" فيما قد وعدهم. ولم يعطف به في الإعراب على "الجنات" و "المساكن الطيبة" ، ليعلم بذلك تفضيلُ الله رضوانَه عن المؤمنين، على سائر ما قسم لهم من فضله، وأعطاهم من كرامته، نظير قول القائل في الكلام لآخر: "أعطيتك ووصلتك بكذا، وأكرمتك، ورضاي بعدُ عنك أفضل لك" . (1) * * * = (ذلك هو الفوز العظيم) ، هذه الأشياء التي وعدت المؤمنين والمؤمنات = (هو الفوز العظيم) ، يقول: هو الظفر العظيم، والنجاء الجسيم، لأنهم ظفروا بكرامة الأبد، ونَجوْا من الهوان في سَقَر، (2) فهو الفوز العظيم الذي لا شيء أعظم منه. (3) * * * (1) في المطبوعة، جعل الكلام هكذا: "أفضل ذلك، هذه الأشياء التي وعدت المؤمنين والمؤمنات. . ." ، وهو غير مستقيم، والذي أثبته هو الذي في المخطوطة، ولكن ظاهر أنه قد سقط من الناسخ بعض كلام أبي جعفر. فاستظهرت أن السياق هو ذكر لفظ الآية، ثم تفسير "ذلك" بقوله: "هذه الأشياء. . ." ، فأثبتها كذلك، وفصلت بين الكلامين فصلا تامًا. وانظر معاني القرآن للفراء 1: 446. (2) في المطبوعة والمخطوطة: "الهوان في السفر" ، وهو لا معنى له، والصواب ما أثبت. (3) انظر تفسير "الفوز" فيما سلف، 11: 286، تعليق: 1، والمراجع هناك. القول في تأويل قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (يا أيها النبي جاهد الكفار) ، بالسيف والسلاح = (والمنافقين) . * * * واختلف أهل التأويل في صفة "الجهاد" الذي أمر الله نبيه به في المنافقين. (1) فقال بعضهم: أمره بجهادهم باليد واللسان، وبكل ما أطاق جهادَهم به. * ذكر من قال ذلك: 16961- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، ويحيى بن آدم، عن حسن بن صالح، عن علي بن الأقمر، عن عمرو بن جندب، عن ابن مسعود في قوله: (جاهد الكفار والمنافقين) ، قال: بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، فإن لم يستطع فليكفهرَّ في وجهه. (2) * * * وقال آخرون: بل أمره بجهادهم باللسان. * ذكر من قال ذلك: 16962- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن (1) انظر تفسير "الجهاد" فيما سلف ص: 257، تعليق: 1، والمراجع هناك. = وتفسير "المنافق" فيما سلف ص: 339؛ تعليق: 3، والمراجع هناك. (2) الأثر: 16961 - "حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي" ، ثقة، روى له الجماعة، مضى مرارًا. و "يحيى بن آدم" ، ثقة، روى له الجماعة، مضى مرارًا. و "حسن بن صالح بن صالح بن حي الثوري" ، ثقة، مضى مرارًا. و "علي بن الأقمر الوادعي الهمداني" ، ثقة، روى له الجماعة، مضى مرارًا. و "عمرو بن أبي جندب" أو "عمرو بن جندب" ، هو "أبو عطية الوادعي" ، مختلف في اسمه. ترجم له في التهذيب، في الأسماء، وفي الكنى، وقال: "قال البخاري في تاريخه: روى عنه أبو إسحاق، وعلي بن الأقمر" ، ثم قال: "والصواب أنه وإن كان يكنى أبا عطية، فإنه غير الوادعي" . وهو ثقة، من أصحاب عبد الله بن مسعود. ترجم له ابن أبي حاتم 3 \ 1 \ 224 باسم "عمرو بن جندب" ، وكان في المطبوعة "عمرو بن جندب" ، ولكني أثبت ما في المخطوطة، وهما صواب كما ترى. وهذا الخبر، خرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 248، ونسبه إلى ابن أبي شيبة، وابن أبي الدنيا في كتاب الأمر بالمعروف، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، وابن مردويه، والبيهقي في شعب الإيمان. وقوله: "فليكفهر في وجهه" : أي فليلقه بوجه منقبض عابس لإطلاقه فيه ولا بشر ولا انبساط. علي، عن ابن عباس قوله تعالى: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم) ، فأمره الله بجهاد الكفار بالسيف، والمنافقين باللسان، وأذهبَ الرفق عنهم. 16963- حدثنا القاسم قال، حدثني الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: (جاهد الكفار والمنافقين) ، قال: "الكفار" ، بالقتال، و "المنافقين" ، أن يغلُظ عليهم بالكلام. 16964- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم) ، يقول: جاهد الكفار بالسيف، وأغلظ على المنافقين بالكلام، وهو مجاهدتهم. * * * وقال آخرون: بل أمره بإقامة الحدود عليهم. * ذكر من قال ذلك: 16965- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن: (جاهد الكفار والمنافقين) ، قال: جاهد الكفار بالسيف، والمنافقين بالحدود، أقم عليهم حدودَ الله. 16966- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم) ، قال: أمر الله نبيّه صلى الله عليه وسلم أن يجاهد الكفار بالسيف، ويغلظ على المنافقين في الحدود. * * * قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في تأويل ذلك عندي بالصواب، ما قال ابن مسعود: من أنّ الله أمر نبيَه صلى الله عليه وسلم من جهاد المنافقين، بنحو الذي أمرَه به من جهاد المشركين. فإن قال قائل: فكيف تركهم صلى الله عليه وسلم مقيمين بين أظُهرِ أصحابه، مع علمه بهم؟ قيل: إن الله تعالى ذكره إنما أمر بقتال من أظهرَ منهم كلمةَ الكفر، ثم أقام على إظهاره ما أظهر من ذلك. وأمّا مَنْ إذا اطُّلع عليه منهم أنه تكلم بكلمة الكفر وأُخِذ بها، أنكرها ورجع عنها وقال: "إني مسلم" ، فإن حكم الله في كلّ من أظهر الإسلام بلسانه، أن يحقِنَ بذلك له دمه وماله، وإن كان معتقدًا غير ذلك، وتوكَّل هو جلّ ثناؤه بسرائرهم، ولم يجعل للخلق البحثَ عن السرائر. فلذلك كان النبيّ صلى الله عليه وسلم، مع علمه بهم وإطْلاع الله إياه على ضمائرهم واعتقاد صُدورهم، كان يُقِرّهم بين أظهر الصحابة، ولا يسلك بجهادهم مسلك جهاد من قد ناصبَه الحرب على الشرك بالله، لأن أحدهم كان إذا اطُّلِع عليه أنه قد قال قولا كفر فيه بالله، ثم أخذ به أنكره وأظهر الإسلام بلسانه. فلم يكن صلى الله عليه وسلم يأخذه إلا بما أظهر له من قوله، عند حضوره إياه وعزمه على إمضاء الحكم فيه، دون ما سلف من قولٍ كان نطقَ به قبل ذلك، ودون اعتقاد ضميرِه الذي لم يبح الله لأحَدٍ الأخذ به في الحكم، وتولَّى الأخذَ به هو دون خلقه. * * * وقوله: (واغلظ عليهم) ، (1) يقول تعالى ذكره: واشدد عليهم بالجهاد والقتال والإرْهاب. (2) * * * وقوله: (ومأواهم جهنم) ، يقول: ومساكنهم جهنم، وهي مثواهم ومأواهم (3) = (وبئس المصير) ، يقول: وبئس المكان الذي يُصَار إليه جهنَّمُ. (4) * * * (1) انظر تفسير "الغلظة" فيما سلف 7: 341. (2) في المطبوعة: "والإرعاب" بالعين، خالف ما هو الصواب في العربية، وفي المخطوطة إنما يقال: "رعبه يرعبه رعبًا، فهو مرعوب ورعيب و" رعبه "ترعيبًا" ، ونصوا فقالوا: "ولا تقل: أرعبه" . (3) انظر تفسير "المأوى" فيما سلف ص: 77، تعليق: والمراجع هناك. (4) انظر تفسير "المصير" فيما سلف 13: 441 تعليق: 4، والمراجع هناك. ![]()
__________________
|
#777
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الرابع عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ براءة الحلقة (777) صــ 361 إلى صــ 370 القول في تأويل قوله: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (74) } قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في الذي نزلت فيه هذه الآية، والقول الذي كان قاله، الذي أخبر الله عنه أنه يحلف بالله ما قاله. فقال بعضهم: الذي نزلت فيه هذه الآية: الجُلاس بن سويد بن الصامت. * * * وكان القولُ الذي قاله، ما:- 16967- حدثنا به ابن وكيع قال، حدثنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه: (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر) ، قال: نزلت في الجلاس بن سويد بن الصامت، قال: "إن كان ما جاء به محمد حقًّا، لنحن أشرُّ من الحُمُر!" ، (1) فقال له ابن امرأته: والله، يا عدو الله، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قلت، فإني إن لا أفعل أخاف أن تصيبني قارعةٌ، وأؤاخذ بخطيئتك! فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الجلاس، فقال: "يا جُلاس، أقلت كذا وكذا؟ فحلف ما قال، فأنزل الله تبارك وتعالى: (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهمُّوا بما لم ينالوا وما نَقَموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله) ." (1) انظر استعمال "أشر" ، فيما سلف في الأثرين رقم: 5080، 11723. وكان في المطبوعة: "الحمير" ، وأثبت ما في المخطوطة. 16968- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو معاوية الضرير، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: نزلت هذه الآية: (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم) ، في الجلاس بن سويد بن الصامت، أقبل هو وابن امرأته مُصْعَب من قُباء، فقال الجلاس: إن كان ما جاء به محمد حقًّا لنحن أشرُّ من حُمُرنا هذه التي نحن عليها! (1) فقال مصعب: أما والله، يا عدو الله، لأخبرنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قلتَ! فأتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وخشيت أن ينزل فيَّ القرآن، أو تصيبني قارعة، أو أن أخْلَط [بخطيئته] ، (2) قلت: يا رسول الله، (3) أقبلت أنا والجلاس من قباء، فقال كذا وكذا، ولولا مخافة أن أُخْلَط بخطيئته، (4) أو تصيبني قارعة، ما أخبرتك. قال: فدعا الجلاس فقال له: يا جلاس، أقلت الذي قال مصعب؟ قال: فحلف، فأنزل الله تبارك وتعالى: (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم) ، الآية. 16969- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: كان الذي قال تلك المقالة، فيما بلغني، الجلاس بن سويد بن الصامت، فرفعها عنه رجلٌ كان في حجره، يقال له "عمير بن سعيد" ، (5) فأنكرها، (6) فحلف (1) في المطبوعة: "حميرنا" بالإفراد وأثبت ما في المخطوطة. (2) في المطبوعة والمخطوطة: "أخلط" ، ليس فيها ذكر الخطيئة واستظهرتها من باقي الخبر، ومن تفسير ابن كثير. (3) في المطبوعة: "يا رسول أقبلت" ، وهو من الطباعة. (4) في المطبوعة: "أن أؤاخذ بخطيئته" ، غير ما في المخطوطة، وأثبت ما في المخطوطة، فهو الصواب، وهو موافق لما في تفسير ابن كثير 4: 204، 205. (5) في المخطوطة والمطبوعة: "سعيد" ، والذي في سيرة ابن هشام، "سعد" ، ولكني تركت ما في المخطوطة، لأني وجدت الحافظ ابن حجر في الإصابة، ذكر هذا الاختلاف، فأخشى أن تكون هذه رواية أبي جعفر في سيرة ابن إسحاق. (6) في المطبوعة: "فأنكر" ، أثبت ما في المخطوطة، موافقا لابن هشام. بالله ما قالها. فلما نزل فيه القرآن، تاب ونزع وحسنت، توبته فيما بلغني. (1) 16970- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (كلمة الكفر) ، قال أحدهم: "لئن كان ما يقول محمد حقًّا لنحن شر من الحمير" ! فقال له رجل من المؤمنين: أن ما قال لحقٌّ، ولأنت شر من حمار! قال: فهمَّ المنافقون بقتله، فذلك قوله: (وهموا بما لم ينالوا) . 16971- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه. 16972- قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. 16973- حدثني أيوب بن إسحاق بن إبراهيم قال، حدثنا عبد الله بن رجاء قال، حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا في ظلّ شجرة، فقال: إنه سيأتيكم إنسانٌ فينظر إليكم بعيني شيطان، فإذا جاء فلا تكلموه. فلم يلبث أن طلَع رجل أزرقُ، (2) فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: علامَ تشتمني أنت وأصحابك؟ فانطلق الرجل فجاء بأصحابه، فحلفوا بالله ما قالوا وما فعلوا، حتى تجاوَز عنهم، فأنزل الله: (يحلفون بالله ما قالوا) ، ثم نعتهم جميعًا، إلى آخر الآية. (3) (1) الأثر: 16969 - سيرة ابن هشام 4: 196، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16919. (2) إذا قيل: "رجل أزرق" ، فإنما يعنون زرقة العين، وقد عدد الجاحظ في الحيوان 5: 330، "الزرق من العرب" ، وكانت العرب تتشاءم بالأزرق، وتعده لئيما. وانظر طبقات فحول الشعراء: 111، في قول مزرد، في قاتل عمر رضي الله عنه: وَمَا كُنْتُ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ وَفَاتُهُ ... بِكَفَّيْ سَبَنْتَى أَزْرَقِ العَيْنِ مُطْرِقِ (3) الأثر: 16973 - "أيوب بن إسحاق بن إبراهيم بن سافري" ، أبو أيوب البغدادي، شيخ الطبري. قال ابن أبو حاتم: "كتبنا عنه بالرملة، وذكرته لأبي فعرفه، وقال: كان صدروقًا" . مترجم في ابن أبي حاتم 1 \ 1 \ 241، وتاريخ بغداد 7: 9، 10. و "عبد الله بن رجاء بن عمرو" ، أبو عمرو الغداني. كان حسن الحديث عن إسرائيل. وهو ثقة. مترجم في التهذيب. وهذا إسناد صحيح. وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 258، وزاد نسبته إلى الطبراني، وأبي الشيخ، وابن مردويه. وقال آخرون: بل نزلت في عبد الله بن أبيٍّ ابن سلول: قالوا: والكلمة التي قالها ما:- 16974- حدثنا به بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (يحلفون بالله ما قالوا) ، إلى قوله: (من وليّ ولا نصير) ، قال: ذكر لنا أنّ رجلين اقتتلا أحدهما من جهينة، والآخر من غِفار، وكانت جهينة حلفاء، الأنصار، وظهر الغفاريّ على الجهنيّ، فقال عبد الله بن أبيّ للأوس: انصروا أخاكم، فوالله ما مثلنا ومَثَلُ محمد إلا كما قال القائل: "سمِّن كلبك يأكلك" ، وقال: (لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنْهَا الأذَلَّ) [سورة المنافقون: 8] ، فسعى بها رجل من المسلمين إلى نبيّ الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليه فسأله، فجعل يحلف بالله ما قاله، فأنزل الله تبارك وتعالى: (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر) . 16975- حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر) ، قال: نزلت في عبد الله بن أبي ابن سلول. * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله تعالى أخبر عن المنافقين أنّهم يحلفون بالله كذبًا على كلمة كُفْر تكلموا بها أنهم لم يقولوها. وجائز أن يكون ذلك القول ما روي عن عروة: أن الجلاس قاله = وجائز أن يكون قائله عبد الله بن أبي ابن سلول، والقول ما ذكر قتادة عنه أنه قال. ولا علم لنا بأيّ ذلك من أيٍّ، (1) إذ كان لا خبر بأحدهما يوجب الحجة، ويُتوصَّل به إلى يقين العلم به، وليس مما يدرك علمه بفطرة العقل، فالصواب أن يقال فيه كما قال الله جل ثناؤه: (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم) . * * * وأما قوله: (وهموا بما لم ينالوا) ، فإن أهل التأويل اختلفوا في الذي كان همَّ بذلك، وما الشيء الذي كان هم به. [فقال بعضهم: هو رجل من المنافقين، وكان الذي همَّ به] ، قتلَ ابن امرأته الذي سمع منه ما قال، (2) وخشي أن يفشيه عليه. * ذكر من قال ذلك: 16976- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: همَّ المنافق بقتله = يعني قتل المؤمن الذي قال له: "أنت شر من الحمار" ! فذلك قوله: (وهموا بما لم ينالوا) . 16977- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. (3) * * * (1) في المطبوعة والمخطوطة: "بأن ذلك من ي" ، وهو لا معنى له، وصوابه ما أثبت، كما نبهت عليه مرارًا انظر ما سلف: 13: 260، تعليق: 1، والمراجع هناك. (2) كان في المخطوطة: ". . . وما الشيء الذي كان هم به قيل ابن امرأته، وجعلها في المطبوعة:" . . . هم به أقتل ابن امرأته، وعلق عليه فقال: "في العبارة سقط، ولعل الأصل: فقال بعضهم: كان الذي هم الجلاس بن سويد، والشيء الذي كان هم به قتل ابن امرأته إلخ، تأمل" . والصواب، إن شاء الله، ما أثبت بين القوسين، لأن الخبر التالي من خبر مجاهد، ولم يبين فيه اسم المنافق، كما لم يبينه في رقم: 16970، وما بعده، فالصواب الجيد، أن يكون اسم المنافق مبهما في ترجمة سياق الأخبار، كدأب أبي جعفر في تراجم فصول تفسيره. (3) في المطبوعة: "عن مجاهد، به" ، وفي المخطوطة، قطع فلم يذكر شيئًا، فأقررت ما درج على مثله أبو جعفر. وقال آخرون: كان الذي همَّ، رجلا من قريش = والذي همّ به، قتلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم. * ذكر من قال ذلك: 16978- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا شبل، عن جابر، عن مجاهد في قوله: (وهموا بما لم ينالوا) ، قال: رجل من قريش، همّ بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقال له: "الأسود" . * * * وقال آخرون: الذي همّ، عبد الله بن أبي ابن سلول، وكان همُّه الذي لم ينله، قوله: (لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنْهَا الأذَلَّ) ، [سورة المنافقون: 8] ، من قول قتادة وقد ذكرناه. (1) * * * وقوله: (وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله) ، ذكر لنا أن المنافق الذي ذكر الله عنه أنه قال كلمة الكفر، كان فقيرًا فأغناه الله بأن قُتِل له مولًى، فأعطاه رسول الله ديتَه. فلما قال ما قال، قال الله تعالى: (وما نقموا) ، يقول: ما أنكروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا، (2) = (إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله) . * ذكر من قال ذلك: 16979- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه: (وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله) ، وكان الجلاس قُتِل له مولًى، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بديته، فاستغنى، فذلك قوله: (وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله) . 16980- قال، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن عكرمة قال: (1) انظر ما سلف رقم: 16974. (2) انظر تفسير "نقم" 10: 433 \ 13: 35. قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالدية اثنى عشر ألفًا في مولى لبني عديّ بن كعب، وفيه أنزلت هذه الآية: (وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله) . 16981- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله) ، قال: كانت لعبد الله بن أبيٍّ ديةٌ، فأخرجها رسول الله صلى الله عليه وسلم له. 16982- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن سفيان قال، حدثنا عمرو قال: سمعت عكرمة: أن مولى لبني عدي بن كعب قتل رجلا من الأنصار، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية اثنى عشر ألفا، وفيه أنزلت: (وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله) ، قال عمرو: لم أسمع هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من عكرمة = يعني: الدية اثني عشر ألفًا. 16983- حدثنا صالح بن مسمار قال، حدثنا محمد بن سنان العَوَقيّ قال، حدثنا محمد بن مسلم الطائفي، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، مولى ابن عباس، عن ابن عباس: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم جعل الدية اثني عشر ألفًا. فذلك قوله: (وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله) ، قال: بأخذ الديِّة. (1) * * * وأما قوله: (فإن يتوبوا يك خيرًا لهم) ، يقول تعالى ذكره: فإن يتب هؤلاء القائلون كلمة الكفر من قِيلهم الذي قالوه فرجعوا عنه، يك رجوعهم وتوبتهم من (1) الأثر: 16983 - "صالح بن مسمار السلمي المروزي" ، شيخ الطبري، مضى برقم: 224. و "محمد بن سنان الباهلي العوقي" ، أبو بكر البصري، ثقة مترجم في التهذيب، والكبير 1 \ 1 \ 109 وابن أبي حاتم 3 \ 2 \ 279. و "محمد بن مسلم الطائفي" ، ثقة، يضعف، مضى برقم: 447، 3473، 4491. وهذا الخبر، لم يذكره أبو جعفر في باب الديات من تفسيره، انظر ما سلف رقم: 10143، في ج 9: 50. ذلك، خيرًا لهم من النفاق (1) = (وإن يتولوا) ، يقول: وإن يدبروا عن التوبة، فيأتوها ويصرُّوا على كفرهم، (2) = (يعذبهم الله عذابًا أليمًا) ، يقول: يعذبهم عذابًا موجعًا في الدنيا، إما بالقتل، وإما بعاجل خزي لهم فيها، ويعذبهم في الآخرة بالنار. (3) * * * وقوله: (وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير) ، يقول: وما لهؤلاء المنافقين إن عذبهم الله عاجل الدنيا = (من ولي) ، يواليه على منعه من عقاب الله (4) = (ولا نصير) ينصره من الله فينقذه من عقابه. (5) وقد كانوا أهل عز ومنعة بعشائرهم وقومهم، يمتنعون بهم من أرادهم بسوء، فأخبر جل ثناؤه أن الذين كانوا يمنعونهم ممن أرادهم بسوء من عشائرهم وحلفائهم، لا يمنعونهم من الله ولا ينصرونهم منه، إن احتاجوا إلى نصرهم. * * * وذكر أن الذي نزلت فيه هذه الآية تاب مما كان عليه من النفاق. * ذكر من قال ذلك: 16984- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه: (فإن يتوبوا يك خيرًا لهم) ، قال: قال الجلاس: قد استثنى الله لي التوبة، فأنا أتوب. فقبل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم. 16985- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة عن أبيه: (فإن يتوبوا يك خيرًا لهم) ، الآية، فقال الجلاس: (1) انظر تفسير "التوبة" فيما سلف من فهارس اللغة (توب) . (2) انظر تفسير "التولي" فيما سلف من فهارس اللغة (ولي) . (3) انظر تفسير "أليم" فيما سلف من فهارس اللغة (ألم) . (4) انظر تفسير "الولي" فيما سلف من فهارس اللغة (ولي) . (5) انظر تفسير "النصير" فيما سلف من فهارس اللغة (نصر) . يا رسول الله، إني أرى الله قد استثنى لي التوبة، فأنا أتوب! فتابَ، فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم منه. * * * القول في تأويل قوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ومن هؤلاء المنافقين الذين وصفت لك، يا محمد، صفتهم = (من عاهد الله) ، يقول: أعطى الله عهدًا (1) = (لئن آتانا من فضله) ، يقول: لئن أعطانا الله من فضله، ورزقنا مالا ووسَّع علينا من عنده (2) = (لنصدقن) ، يقول: لنخرجن الصدقة من ذلك المال الذي رزقنا ربُّنا (3) = (ولنكونن من الصالحين) ، يقول: ولنعملنّ فيها بعَمَل أهل الصلاح بأموالهم، من صلة الرحم به، وإنفاقه في سبيل الله. (4) يقول الله تبارك وتعالى: فرزقهم الله وأتاهم من فضله = (فلما آتاهم الله من فضله بخلوا به) ، بفضل الله الذي آتاهم، فلم يصدّقوا منه، ولم يصلوا منه قرابةً، ولم ينفقوا منه في حق الله = (وتولوا) ، يقول: وأدبروا عن عهدهم الذي عاهدوه الله (5) = (وهم معرضون) ، عنه (6) = (فأعقبهم) (1) انظر تفسير "عاهد" فيما سلف: ص 141، تعليق: 1، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير "آتى" ، و "الفضل" فيما سلف من فهارس اللغة (أتى) و (فضل) . (3) انظر تفسير "التصدق" فيما سلف 9: 31، 37، 38. (4) انظر تفسير "الصالح" فيما سلف من فهارس اللغة (صلح) . (5) انظر تفسير "التولي" فيما سلف من فهارس اللغة (ولي) . (6) انظر تفسير "الإعراض" فيما سلف 13: 463، تعليق: 6، والمراجع هناك. ج 14 (24) . الله = (نفاقا في قلوبهم) ، ببخلهم بحق الله الذي فرضه عليهم فيما آتاهم من فضله، وإخلافهم الوعد الذي وعدُوا الله، ونقضهم عهدَه في قلوبهم (1) = (إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه) ، من الصدقة والنفقة في سبيله = (وبما كانوا يكذبون) ، في قيلهم، وحَرَمهم التوبة منه، لأنه جل ثناؤه اشترط في نفاقهم أنَّه أعقبهموه إلى يوم يلقونه، وذلك يوم مماتهم وخروجهم من الدنيا. * * * واختلف أهل التأويل في المعني بهذه الآية. فقال بعضهم: عُني بها رجل يقال له: "ثعلبة بن حاطب" ، من الأنصار. (2) * ذكر من قال ذلك: 16986- محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله) ، الآية، وذلك أن رجلا يقال له: "ثعلبة بن حاطب" ، من الأنصار، أتى مجلسًا فأشهدهم فقال: لئن آتاني الله من فضله، آتيت منه كل ذي حقٍّ حقه، وتصدّقت منه، ووصلت منه القرابة! فابتلاه الله فآتاه من فضله، فأخلف الله ما وعدَه، وأغضبَ الله بما أخلفَ ما وعده. فقصّ الله شأنه في القرآن: (ومنهم من عاهد الله) ، الآية، إلى قوله: (يكذبون) . 16987- حدثني المثنى قال، حدثنا هشام بن عمار قال، حدثنا محمد بن شعيب قال، حدثنا معان بن رفاعة السلمي، عن أبي عبد الملك علي بن يزيد الإلهاني: أنه أخبره عن القاسم بن عبد الرحمن: أنه أخبره عن أبي أمامة الباهلي، عن ثعلبة بن حاطب الأنصاري، أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ادع (1) انظر تفسير "النفاق" فيما سلف ص: 358، تعليق: 1، والمراجع هناك. (2) في المخطوطة، وقف عند قوله: "يقال له" ، ولم يذكر اسم الرجل، واستظهره الناشر الأول من الأخبار، وأصاب فيما فعل. الله أن يرزقني مالا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويحك يا ثعلبة، قليل تؤدِّي شكره، خير من كثير لا تطيقه! قال: ثم قال مرة أخرى، فقال: أما ترضى أن تكون مثل نبيِّ الله، فوالذي نفسي بيده، لو شئتُ أن تسيرَ معي الجبال ذهبًا وفضة لسارت! قال: والذي بعثك بالحق لئن دعوتَ الله فرزقني مالا لأعطينّ كلّ ذي حق حقه! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم ارزق ثعلبه مالا! قال: فاتَّخذ غنمًا، فنمت كما ينمو الدُّود، فضاقت عليه المدينة، فتنحَّى عنها، فنزل واديًا من أوديتها، حتى جعل يصلي الظهر والعصر في جماعة، ويترك ما سواهما. ثم نمت وكثرت، فتنحّى حتى ترك الصلوات إلا الجمعة، وهي تنمو كما ينمو الدود، حتى ترك الجمعة. فطفق يتلقَّى الركبان يوم الجمعة، يسألهم عن الأخبار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما فعل ثعلبة؟ فقالوا: يا رسول الله، اتخذ غنمًا فضاقت عليه المدينة! فأخبروه بأمره، فقال: يا ويْحَ ثعلبة! يا ويح ثعلبه! يا ويح ثعلبة! قال: وأنزل الله: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً) [سورة التوبة: 103] الآية، ونزلت عليه فرائض الصدقة، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين على الصدقة، رجلا من جهينة، ورجلا من سليم، وكتب لهما كيفَ يأخذان الصدقة من المسلمين، وقال لهما: مرَّا بثعلبة، وبفلان، رجل من بني سليم، فخذا صدقاتهما! فخرجا حتى أتيا ثعلبة، فسألاه الصدقة، وأقرآه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما هذه إلا جزية! ما هذه إلا أخت الجزية! ما أدري ما هذا! انطلقا حتى تفرُغا ثم عودا إليّ. فانطلقا، وسمع بهما السُّلمي، فنظر إلى خِيار أسنان إبله، فعزلها للصدقة، ثم استقبلهم بها. فلما رأوها قالوا: ما يجب عليك هذا، وما نريد أن نأخذ هذا منك. ![]()
__________________
|
#778
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الرابع عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ براءة الحلقة (778) صــ 371 إلى صــ 380 قال: بلى، فخذوه، (1) فإنّ نفسي بذلك طيّبة، وإنما هي لي! فأخذوها منه. فلما فرغا من صدقاتهما رجعا، حتى مرَّا بثعلبة، فقال: أروني كتابكما! فنظر فيه، فقال: ما هذه إلا أخت الجزية! انطلقا حتى أرى رأيي. فانطلقا حتى أتيا النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآهما قال: يا ويح ثعلبة! قبل أن يكلِّمهما، ودعا للسلميّ بالبركة، فأخبراه بالذي صنع ثعلبة، والذي صنع السلميّ، فأنزل الله تبارك وتعالى فيه: (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين) ، إلى قوله: (وبما كانوا يكذبون) ، وعند رسول الله رجلٌ من أقارب ثعلبة، فسمع ذلك، فخرج حتى أتاه، فقال: ويحك يا ثعلبة! قد أنزل الله فيك كذا وكذا! فخرج ثعلبة حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله أن يقبل منه صدقته. فقال: إن الله منعني أن أقبل منك صدقتك! فجعل يَحْثِي على رأسه التراب، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا عملك، قد أمرتك فلم تطعني! فلما أبَى أن يقبض رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، رجع إلى منزله، وقُبِض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقبل منه شيئًا. ثم أتى أبا بكر حين اسْتخلِف، فقال: قد علمت منزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وموضعي من الأنصار، فاقبل صدقتي! فقال أبو بكر: لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقبلها! فقُبِض أبو بكر، ولم يقبضها. فلما ولي عمر، أتاه فقال: يا أمير المؤمنين، اقبل صدقتي! فقال: لم يقبلها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر، وأنا أقبلها منك! فقُبِض ولم يقبلها، ثم ولي عثمان رحمة الله عليه، فأتاه فسأله أن يقبل صدقته فقال: لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر رضوان الله عليهما وأنا أقبلها منك! (2) فلم يقبلها منه. وهلك ثَعْلبة في خلافة عثمان رحمة الله عليه. (3) 16988- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله) ، الآية: ذكر لنا أن رجلا من الأنصار أتى على مجلس من الأنصار، فقال: لئن آتاه الله مالا ليؤدِّين إلى كل ذي حقّ حقه! فآتاه الله مالا فصنع فيه ما تسمعون، قال: (فلما آتاهم من فضله بخلوا به) إلى قوله: (وبما كانوا يكذبون) . ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم حدَّث أن موسى عليه الصلاة والسلام لما جاء بالتوراة إلى بني إسرائيل، قالت بنو إسرائيل: إن التوراة كثيرة، وإنا لا نفرُغ لها، فسل لنا ربَّك جِماعًا من الأمر نحافظ عليه، ونتفرغ فيه لمعاشنا! (4) قال: يا قوم، مهلا مهلا! (1) "بلي" واستعمالها في غير جحد، قد سلف مرارًا، آخرها في رقم: 16305، ص: 67، تعليق: 3، والمراجع هناك. (2) في المطبوعة والمخطوطة: "وأنا لا أقبلها" ، والجيد حذف "لا" كما سلف في مقالة أبي بكر وعمر، وهو مطابق لما في أسد الغابة. (3) الأثر: 16987 - "هشام بن عمار بن نصير السلمي" ، ثقة، روى له البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه. وتكلموا فيه قالوا: لما كبر تغير. ومضى برقم: 11108. و "محمد بن شعيب بن شابور الأموي" ثقة، مضى برقم: 16987. و "معان بن رفاعة السلمي" أو: "السلامي" وهو المشهور، لين الحديث، يكتب حديثه ولا يحتج به. مترجم في التهذيب، والكبير 4 \ 2 \ 70، وفي إحدى نسخه "السلمي" كما جاء في الطبري، ولذلك تركته على حاله، وابن أبي حاتم. و "علي بن يزيد الألهاني" ، "أبو عبد الملك" ، ضعيف بمرة، روى من القاسم بن عبد الرحمن صاحب أبي أمامة نسخة كبيرة، وأحاديثه هذه ضعاف كلها. مضى برقم: 11525. و "القاسم بن عبد الرحمن الشامي" ، تقدم بيان توثيقه، وأن ما أنكر عليه إنما جاء من قبل الرواة عنه الضعفاء، مضى برقم: 1939، 11525. وأما ثعلبة بن حاطب الأنصاري، ففي ترجمته خلط كثير. أهو رجل واحد، أم رجلان؟ أولهما هو الذي آخى رسول الله بينه وبين معتب بن الحمراء، والذي شهد بدرًا وأحدًا. والآخر هو صاحب هذه القصة. يقال: إن الأول قتل يوم أحد. وجعلهما بعضهم رجلا واحدًا ونفوا أن يكون قتل يوم أحد. انظر ترجمته في الإصابة، والاستيعاب: 78، وأسد الغابة 1: 237، وابن سعد: 3 \ 2 \ 32. وهذا الخبر رواه بهذا الإسناد، ابن الأثير في أسد الغابة 1: 237، 238، وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 7: 21، 32، وقال: "رواه الطبراني، وفيه علي بن يزيد الألهاني، وهو متروك" . وهو ضعيف كل الضعف، ليس له شاهد من غيره، وفي بعض رواته ضعف شديد. وهذا الخبر، خرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 260، ونسبه إلى الحسن بن سفيان، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، والعسكري في الأمثال، والطبراني، وابن منده، والبارودي، وأبي نعيم في معرفة الصحابة، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل، وابن عساكر. (4) في المطبوعة: "لمعايشنا" ، وأثبت ما في المخطوطة. هذا كتاب الله، ونور الله، وعِصْمة الله! قال: فأعادوا عليه، فأعاد عليهم، قالها ثلاثًا. قال: فأوحى الله إلى موسى: ما يقول عبادي؟ قال: يا رب، يقولون: كيت وكيت. قال: فإني آمرهم بثلاثٍ إن حافظوا عليهن دخلوا بهن الجنة، أن ينتهوا إلى قسمة الميراثِ فلا يظلموا فيها، ولا يدخلوا أبصارَهم البيوت حتى يؤذن لهم، وأن لا يطعموا طعامًا حتى يتوضأوا وضوء الصلاة. قال: فرجع بهن نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم إلى قومه، ففرحوا، ورأوا أنهم سيقومون بهن. قال: فوالله ما لبث القومُ إلا قليلا حتى جَنَحُوا وانْقُطِع بهم. فلما حدّث نبيُّ الله بهذا الحديث عن بني إسرائيل، قال: تكفَّلوا لي بستٍّ، أتكفل لكم بالجنة! قالوا: ما هنّ، يا رسول الله؟ قال: إذا حدثتم فلا تكذبوا، وإذا وعدتم فلا تُخْلفوا، وإذا اؤتمنتم فلا تخونوا، وكُفُّوا أبصاركم وأيديكم وفروجكم: أبصارَكم عن الخيانة، وأيديكم عن السرقة، وفروجكم عن الزِّنا. 16989- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: ثلاثٌ من كن فيه صار منافقًا وإن صامَ وصلى وزعم أنه مُسلم: إذا حدث كذب، وإذا أؤتمن خان، وإذا وعد أخلف. * * * وقال آخرون: بل المعنيُّ بذلك: رجلان: أحدهما ثعلبة، والآخر معتب بن قشير. * ذكر من قال ذلك: 16990- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عمرو بن عبيد، عن الحسن: (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله) الآية، (1) وكان الذي عاهد الله منهم: ثعلبة بن حاطب، ومعتب بن قشير، وهما من بني (1) كان في المطبوعة: "من فضله، إلى الآخر" ، وهو غريب جدًا، وفي المخطوطة: "من فضله الآخر" ، وصواب قراءتها ما أثبت، وإنما سها الناسخ كعادته. عمرو بن عوف. (1) 16991- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله) ، قال رجلان خرجا على ملأ قُعُود فقالا والله لئن رزقنا الله لنصدقن! فلما رزقهم بخلوا به. 16992- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد: (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله) ، رجلان خرجا على ملأ قُعُود فقالا والله لئن رزقنا الله لنصدقن! فلما رزقهم بخلوا به، = (فأعقبهم نفاقًا في قلوبهم بما أخلفوا الله ما وعدوه) ، حين قالوا: "لنصدقن" ، فلم يفعلوا. 16993- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه. 16994- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله) الآية، قال: هؤلاء صنف من المنافقين، فلما آتاهم ذلك بخلوا به، فلما بخلوا بذلك أعقبهم بذلك نفاقًا إلى يوم يلقونه، ليس لهم منه توبة ولا مغفرة ولا عفو، كما أصاب إبليس حين منعه التوبة. * * * وقال أبو جعفر: في هذه الآية، الإبانةُ من الله جل ثناؤه عن علامةِ أهل النفاق، أعني في قوله: (فأعقبهم نفاقًا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون) . * * * (1) الأثر: 16990 - سيرة ابن هشام 4: 196، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16969. وبنحو هذا القول كان يقول جماعة من الصحابة والتابعين، ورُوِيت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. (1) * ذكر من قال ذلك: 16995- حدثنا أبو السائب قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمارة، عن عبد الرحمن بن يزيد قال، قال عبد الله: اعتبروا المنافق بثلاثٍ: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدَر، وأنزل الله تصديقَ ذلك في كتابه: (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله) ، إلى قوله: (يكذبون) . (2) 16996- حدثني محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن سماك، عن صبيح بن عبد الله بن عميرة، عن عبد الله بن عمرو قال: ثلاث من كن فيه كان منافقًا: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان. قال: وتلا هذه الآية: (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين) ، إلى آخر الآية. (3) (1) في المطبوعة: "ووردت به" ، وأثبت ما في المخطوطة. (2) الأثر: 16995 - "عمارة" ، هو "عمارة بن عمير التيمي" ، ثقة، روى له الجماعة، مضى برقم: 3294، 5789، 15359. و "عبد الرحمن بن يزيد النخعي" ، تابعي ثقة، روى له الجماعة. مضى برقم: 3294، 3295، 3299. و "عبد الله" ، إنما يعني "عبد الله بن مسعود" . وهذا خبر صحيح الإسناد، موقوف على ابن مسعود، ولم أجده مرفوعًا عنه. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 1: 108، بلفظه هذا، وقال: "رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح" . وذكر قبله حديثا نحوه، ليس فيه الآية: "عن عبد الله، يعني ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم" ، ثم قال: "رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح" . (3) الأثر: 16996 - هذا الخبر، يأتي بإسناد آخر بعده. و "صبيح بن عبد الله بن عميرة" و "صبيح بن عبد الله العبسي" ، في الذي يليه. وقد سلف برقم: 12741، 12742، وسلف أن البخاري ترجم له في الكبير 2 \ 2 \ 319، باسم "صبيح بن عبد الله" ، زاد في الإسناد "العبسي" ، وعلق المعلق هناك أنه في ابن ماكولا: "صبيح بن عبد الله بن عمير التغلبي" والذي قاله الطبري هنا "عميرة" ، ولم أجد ما أرجح به، وترجم له في ابن أبي حاتم 2 \ 1 \ 449، ولم يذكروا له رواية عن "عبد الله بن عمرو" ، وكان في المطبوعة هنا "عبد الله بن عمر" ، وأظنه خطأ، يدل عليه ما في الخبر بعده. (وانظر ما يلي) . وهذا الخبر بهذا الإسناد نقله أخي السيد أحمد في شرحه على المسند، في مسند "عبد الله بن عمرو بن العاص" رقم: 6879، ثم قال: "ورواه الحافظ أبو بكر الفريابي في كتاب صفة النفاق (ص: 50 - 51) ، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن غندر، عن شعبة، عن سماك بن حرب، عن صبيح بن عبد الله، عن عبد الله بن عمرو" ، ثم ساق الخبر بنحوه، ثم قال: "وهذا موقوف، وإسناده صحيح، وهو شاهد جيد لهذا الحديث، لأنه مثله مرفوع حكمًا. وصبيح بن عبد الله، بضم الصاد، تابعي كبير، أدرك عثمان وعليًا. وترجمه البخاري في الكبير 2 \ 2 \ 319، ولم يذكر فيه جرحًا" . وحديث المسند، حديث مرفوع. وحديث آية المنافق، رواه البخاري في صحيحه (الفتح 1: 83، 84) من حديث أبي هريرة. وعبد الله بن عمرو. ورواه مسلم في صحيحه (2: 46 - 48) ، من حديث عبد الله بن عمرو، وأبي هريرة. 16997- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا شعبة، عن سماك قال: سمعت صبيح بن عبد الله العبسيّ يقول: سألت عبد الله بن عمرو عن المنافق، فذكر نحوه. (1) 16998- حدثني محمد بن معمر قال، حدثنا أبو هشام المخزومي قال، حدثنا عبد الواحد بن زياد قال، حدثنا عثمان بن حكيم قال، سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: كنت أسمع أن المنافق يعرف بثلاث: بالكذب، والإخلاف، والخيانة، فالتمستُها في كتاب الله زمانًا لا أجدُها، ثم وجدتها في اثنتين من كتاب الله، (2) قوله: (ومنهم من عاهد الله) حتى بلغ: (وبما كانوا يكذبون) ، وقوله: (إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) [سورة الأحزاب: 72] ، هذه الآية. 16999- حدثني القاسم بن بشر بن معروف قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا محمد المحرم قال: سمعت الحسن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (1) الأثر: 16997 - "صبيح بن عبد الله العبسي" ، انظر ما سلف رقم: 16996، وكان في المطبوعة والمخطوطة "القيسي" بالقاف والياء، وصححته من المراجع، ومما سلف رقم: 12741، 12742. (2) في المطبوعة: "في آيتين" وأثبت ما في المخطوطة والذي رجح ذلك عندي، أن الذي ذكره بعد هذا، ثلاث آيات من سورة التوبة، وآية من سورة الأحزاب، فهذه أربعة. ولكنه أراد في سورتين من القرآن، أو نحو ذلك. ثلاث من كن فيه فهو منافق، وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان، فقلت للحسن: يا أبا سعيد، لئن كان لرجل عليّ دين فلقيني فتقاضاني، وليس عندي، وخفت أن يحبسني ويهلكني، فوعدته أن أقضيه رأسَ الهلال، فلم أفعل، أمنافق أنا؟ قال: هكذا جاء الحديث! ثم حدّث عن عبد الله بن عمرو: أن أباه لما حضره الموت قال: زوِّجوا فلانًا، فإني وعدته أن أزوجه، لا ألقى الله بثُلُثِ النفاق! قال قلت: يا أبا سعيد، ويكون ثُلُث الرجل منافقًا، وثلثاه مؤمن؟ قال: هكذا جاء الحديث. قال: فحججت فلقيت عطاء بن أبي رباح، فأخبرته الحديثَ الذي سمعته من الحسن، وبالذي قلت له وقال لي، فقال لي: (1) أعجزت أن تقول له: أخبرني عن إخوة يوسف عليه السلام، ألم يعدوا أباهم فأخلفوه، وحدَّثوه فكذبوه، وأتمنهم فخانوه، أفمنافقين كانوا؟ ألم يكونوا أنبياء؟ أبوهم نبيٌّ، وجدُّهم نبي؟ قال: فقلت لعطاء: يا أبا محمد، حدِّثني بأصل النفاق، وبأصل هذا الحديث. فقال: حدثني جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قال هذا الحديث في المنافقين خاصَّة، الذين حدَّثوا النبي فكذبوه، وأتمنهم على سرّه فخانوه، ووعدوه أن يخرجوه معه في الغزو فأخلفوه. قال: وخرج أبو سفيان من مكة، فأتى جبريلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبا سفيان في مكان كذا وكذا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: إن أبا سفيان في مكان كذا وكذا، فاخرجوا إليه، واكتموا. قال: فكتب رجل من المنافقين إليه "" إن محمدًا يريدكم، فخذوا حذرَكم ". فأنزل الله: (لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ، [سورة الأنفال: 27] ، وأنزل في المنافقين: (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله) ، إلى: (فأعقبهم نفاقًا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدو وبما كانوا يكذبون) ، فإذا لقيت الحسن فأقرئه السلام، وأخبره بأصل هذا الحديث، وبما قلت لك. قال: فقدمت على الحسن فقلت: يا أبا سعيد، إن أخاك عطاءً يقرئك السلام، فأخبرته بالحديث الذي حدث، وما قال لي، فأخذ الحسن بيدي فأشالها، (2) وقال: يا أهل العراق، أعجزتم أن تكونوا مثلَ هذا؟ سمع مني حديثًا فلم يقبله حتى استنبط أصله، صدق عطاء، هكذا الحديث، وهذا في المنافقين خاصة. (3) " 17000- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا يعقوب، عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث من كن فيه، وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم، فهو منافق. فقيل له: ما هي يا رسول الله؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان. 17001- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين، قال، حدثنا مبشّر، عن الأوزاعي عن هارون بن رباب، عن عبد الله بن عمرو بن وائل: أنه لما حضرته الوفاة قال: إنّ فلانًا خطب إليّ ابنتي، وإني كنت قلت له فيها قولا شبيهًا بالعِدَة، والله لا ألقى الله بثُلُث النفاق، وأشهدكم أني قد زوَّجته. (4) * * * (1) في المطبوعة: "فقال" ، أسقط "لي" ، وأثبت ما في المخطوطة. (2) في المطبوعة: "فأمالها" ، وهو لا معنى له البتة. وفي المخطوطة: "فأسالها" ، غير منقوطة، وهذا صواب قراءتها. يقال: "شالت الناقة بذنبها وأشالته" ، رفعته. ويقال: "أشال الحجر، وشال به، وشاوله" ، رفعه، ويقال: "شال السائل بيديه" ، إذا رفعهما يسأل بهما. (3) الأثر: 16999 - "القاسم بن بشر بن أحمد بن معروف" ، شيخ الطبري، مضى برقم: 10509، 10531. و "شبابة" ، هو "شبابة بن سوار الفزاري" ، روى له الجماعة، مضى برقم: 12851، وقبله. وكان في المطبوعة: "أسامة" ، لم يحسن قراءة المخطوطة، فحرفه تحريفًا منكرًا. و "محمد المحرم" ، هو "محمد بن عمر المحرم" ويقال هو: "محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي" ، وهو منكر الحديث. سلف بيان حاله برقم: 15922، تفصيلا، ومواضع ترجمته. وكان في المطبوعة: "محمد المخرمي" ، غير ما في المخطوطة بلا دليل ولا بيان، وهو إساءة وخطأ. وهذا خبر منكر جدًا، أشار إليه البخاري في التاريخ الكبير 1 \ 1 \ 248 في ترجمة "محمد المحرم" ، قال: "عن عطاء، والحسن. منكر الحديث: إذا وعد أخلف، سمع منه شبابة" ، يعني هذا الخبر. (4) الأثر: 17001 - "مبشر" ، هو "مبشر بن إسماعيل الحلبي" ، ثقة، من شيوخ أحمد، روى له الجماعة. مترجم في التهذيب، والكبير 4 \ 2 \ 11، وابن أبي حاتم 4 \ 1 \ 343. وكان في المطبوعة: "ميسرة" ، تصرف تصرفًا معيبًا، وفي المخطوطة: "مسر" غير منقوطة. و "هارون بن رياب التميمي الأسيدي" ، كان من العباد ممن يخفي الزهد. ثقة. قال ابن حزم: "اليمان، وهارون، وعلي، بنو رياب = كان هارون من أهل السنة، واليمان من أئمة الخوارج، وعلي من أئمة الروافض، وكانوا متعادين كلهم" ! ! مترجم في التهذيب، والكبير 4 \ 2 \ 219، وابن أبي حاتم 4 \ 2 \ 89. وأما "عبد الله بن عمرو بن وائل" ، فهذا غريب ولكنه صحيح، فإنه "عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل" ، فلا أدري لما فعل ذلك في سياق اسمه، إلا أن يكون سقط من الناسخ. هذا، وقد كان الإسناد في المطبوعة هكذا: "حدثنا القاسم، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريح، قال حدثنا ميسرة" ، وقد صححت "ميسرة" قبله، أما "قال حدثني حجاج عن ابن جريج" ، فقد كتبها ناسخ المخطوطة، ولكنه ضرب عليها ضربات بالقلم، يعني بذلك حذفه، ولكن الناشر لم يعرف اصطلاحهم في الضرب على الكلام، فأثبت ما حذفته. وقال قوم: كان العهد الذي عاهد الله هؤلاء المنافقون، شيئًا نووه في أنفسهم، ولم يتكلموا به. * ذكر من قال ذلك: 17002- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال: سمعت معتمر بن سليمان التيمي يقول: ركبت البحرَ، فأصابنا ريحٌ شديدة، فنذر قوم منا نذورًا، ونويت أنا، لم أتكلم به. فلما قدمت البصرة سألت أبي سليمانَ فقال لي: يا بُنَيّ، فِ به. (1) = قال معتمر: وحدثنا كهمس، عن سعيد بن ثابت قال قوله: (ومنهم من عاهد الله) ، الآية، قال: إنما هو شيء نووه في أنفسهم ولم يتكلموا به، ألم تسمع إلى قوله: (ألم يعلموا أن الله يعلم سِرَّهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب) ؟ (2) * * * (1) في المطبوعة: "فه به" ، ولا يقال ذلك إلا عند الوقف، والصواب "ف" على حرف واحد، أمرًا من "وفى يفي" . وأثبت ما في المخطوطة. (2) الأثر: 17002 - "كهمس بن الحسن التميمي" ، ثقة، روى له الجماعة، مترجم في التهذيب، والكبير 4\ 1 \ 239، وابن أبي حاتم 3 \ 2 \ 170. و "سعيد بن ثابت" ، هكذا هو في المخطوطة، ولم أجد له ذكرًا فيما بين يدي من كتب الرجال، وأخشى أن يكون قد دخله تحريف. القول في تأويل قوله: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلامُ الْغُيُوبِ (78) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ألم يعلم هؤلاء المنافقون الذين يكفرون بالله ورسوله سرًّا، ويظهرون الإيمان بهما لأهل الإيمان بهما جهرًا = (أن الله يعلم سرهم) ، الذي يسرُّونه في أنفسهم، من الكفر به وبرسوله = (ونجواهم) ، يقول: "ونجواهم" ، إذا تناجوا بينهم بالطعن في الإسلام وأهله، وذكرِهم بغير ما ينبغي أن يُذكروا به، فيحذروا من الله عقوبته أن يحلَّها بهم، وسطوته أن يوقعها بهم، على كفرهم بالله وبرسوله، وعيبهم للإسلام وأهله، فينزعوا عن ذلك ويتوبوا منه = (وأن الله علام الغيوب) ، يقول: ألم يعلموا أن الله علام ما غاب عن أسماع خلقه وأبصارهم وحواسّهم، مما أكنّته نفوسهم، فلم يظهرْ على جوارحهم الظاهرة، فينهاهم ذلك عن خداع أوليائه بالنفاق والكذب، ويزجرهم عن إضمار غير ما يبدونه، وإظهار خلاف ما يعتقدونه؟ (1) * * * القول في تأويل قوله: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: الذين يلمزون المطوّعين في الصدقة على أهل المسكنة والحاجة، بما لم يوجبه الله عليهم في أموالهم، ويطعنون فيها عليهم (1) انظر تفسير "علام الغيوب" فيما سلف 11: 238، تعليق: 1، والمراجع هناك. ![]()
__________________
|
#779
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الرابع عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ براءة الحلقة (779) صــ 381 إلى صــ 390 بقولهم: "إنما تصدقوا به رياءً وسُمْعة، ولم يريدوا وجه الله" (1) = ويلمزون الذين لا يجدون ما يتصدَّقون به إلا جهدهم، وذلك طاقتهم، فينتقصونهم ويقولون: "لقد كان الله عن صدقة هؤلاء غنيًّا!" سخريةً منهم بهم = (فيسخرون منهم سخر الله منهم) . * * * وقد بينا صفة "سخرية الله" ، بمن يسخر به من خلقه، في غير هذا الموضع، بما أغنى عن إعادته ههنا. (2) * * * = (ولهم عذاب أليم) ، يقول: ولهم من عند الله يوم القيامة عذابٌ موجع مؤلم. (3) * * * وذكر أن المعنيّ بقوله: (المطوعين من المؤمنين) ، عبد الرحمن بن عوف، وعاصم بن عدي الأنصاري = وأن المعنيّ بقوله: (والذين لا يجدون إلا جهدهم) ، أبو عقيل الأراشيّ، أخو بني أنيف. * ذكر من قال ذلك: 17003- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات) ، قال: جاء عبد الرحمن بن عوف بأربعين أوقية من ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وجاءه رجل من الأنصار بصاع من طعام، فقال بعض المنافقين: والله ما جاء عبد الرحمن بما جاء به إلا رياءً! وقالوا: إن كان الله ورسولُه لَغنِيّيْنِ عن هذا الصاع! (1) انظر تفسير "اللمز" فيما سلف ص: 300، 301. = وانظر تفسير "التطوع" فيما سلف 3: 247، 441، وسيأتي تفسيره بعد قليل ص: 392، 393. (2) لم يمض تفسير "سخر" ، وإنما عني أبو جعفر قوله تعالى في سورة البقرة: (الله يستهزئ بهم) ، انظر ما سلف 1: 301 - 306. (3) انظر تفسير "أليم" فيما سلف من فهارس اللغة (ألم) . 17004- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم) ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الناس يومًا فنادى فيهم: أن أجمعوا صدقاتكم! فجمع الناس صدقاتهم. ثم جاء رجل من آخرهم بِمَنٍّ من تمر، (1) فقال: يا رسول الله، هذا صاع من تمرٍ، بِتُّ ليلتي أجرُّ بالجرير الماءَ، (2) حتى نلت صاعين من تمرٍ، فأمسكت أحدَهما، وأتيتك بالآخر. فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينثره في الصدقات. فسخر منه رجال وقالوا: والله إن الله ورسوله لغنيَّان عن هذا! وما يصنعان بصاعك من شيء "! ثم إن عبد الرحمن بن عوف، رجل من قريش من بني زهرة، قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هل بقي من أحد من أهل هذه الصدقات؟ فقال: لا! فقال عبد الرحمن بن عوف: إن عندي مئة أوقية من ذهب في الصدقات. فقال له عمر بن الخطاب: أمجنون أنت؟ فقال: ليس بي جنون! فقال: فعلِّمنا ما قلت؟ (3) قال: نعم! مالي ثمانية آلاف، أما أربعة آلافٍ فأقرضها ربيّ، وأما أربعة آلاف فلي! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أعطيت! وكره المنافقون فقالوا:" والله ما أعطى عبد الرحمن عطيَّته إلا رياءً "! وهم كاذبون، إنما كان به متطوِّعًا. فأنزل الله عذرَه وعذرَ صاحبه المسكين الذي جاء بالصاع من التمر، فقال الله في كتابه: (الذين يلمزون المطوّعين من المؤمنين في الصدقات) ، الآية." (1) في المطبوعة: "من أحوجهم بمن من تمر" ، غير ما في المخطوطة بلا طائل، و "المن" مكيال. (2) "الجرير" ، الحبل، وأراد أنه أنه كان يسقي الماء بالحبل. (3) في المطبوعة: "أتعلم ما قلت" ، وفي المخطوطة: "أفعلمنا ما قلت" ، وهذا صواب قراءتها. 17005- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين) ، قال: جاء عبد الرحمن بن عوف بصدقة ماله أربعة آلاف، فلمزه المنافقون وقالوا: "راءَى" = (والذين لا يجدون إلا جهدهم) ، قال: رجل من الأنصار آجرَ نفسه بصاع من تمر، لم يكن له غيره، فجاء به فلمزوه، وقالوا: كان الله غنيًّا عن صاع هذا! 17006- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه. 17007- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه. 17008- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: قوله: (الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين) ، الآية، قال: أقبل عبد الرحمن بن عوف بنصف ماله، فتقرَّب به إلى الله، فلمزه المنافقون فقالوا: ما أعطى ذلك إلا رياء وسمعة! فأقبل رجل من فقراء المسلمين يقال له "حبحاب، أبو عقيل" (1) (1) "حبحاب" ، ذكره ابن حجر في الإصابة في "حبحاب" . ثم قال: "قليل فيه بموحدتين، والأشهر بمثلثتين، وسيأتي" ولم يذكره في "حثحاث" كما يدل عليه تعقيبه هذا، وإنما ذكره في "جثجاث" بالجيم والثاء المثلثة فيما سلف قبله، وقال هناك: "قيل: هو اسم أبي عقيل، صاحب الصاع، ضبطه السهيلي تبعًا لابن عبد البر، وضبطه غير بالحاء المهملة. وقيل في اسمه غير ذلك. وتأتي ترجمته في الكنى" بيد أن الحافظ ابن حجر قال في فتح الباري 8: 249 "وذكر السهيلي أنه رآه بخط بعض الحفاظ مضبوطًا بجيمين" . ولم أجد في الاستيعاب لابن عبد البر ضبطًا له، وهو مترجم هناك في "أبو عقيل صاحب الصاع" ص: 673، وهو في مطبوعة الاستيعاب بالحاء والثاء المثلثة من ضبط مصححه. وفي السهيلي (الروض الأنف 2: 331) : "جثجاث" ، بالجيم والثاء. وأما صاحب أسد الغابة فترجم له في "أبو عقيل، صاحب الصاع" (5: 257) ، ولم يضبطه، وهو محرف في المطبوعة. ولكنه أورده في "حبحاب" (بالحاء والباء) ، وقال: هو أبو عقيل الأنصاري. أسد الغابة 1: 366. وترجم له ابن سعد في الطبقات 3 \ 2 \ 41 في "بني أنيف بن جشم بن عائذ الله، من بلى، حلفا بني جحجبا بن كلفة" وقال: "أبو عقيل، واسمه عبد الرحمن الإراشي الأنيفي" ، ولم يذكر خبر الصاع. هذا، وقد استوفى الحافظ ابن حجر في فتح الباري 8: 249، ذكر "أبي عقيل" ، فذكر الاختلاف في صاحب الصاع، وهذا ملخصه: الأول: أنه "الحبجاب، أبو عقيل" ، وذكر ما رواه الطبري هنا وفيما سيأتي، وما رواه غيره. الثاني: أنه "سهل بن رافع" ، وحجته فيه، خبر رواه الطبراني في الأوسط من طريق سعيد بن عثمان البلوي، "عن جدته بنت عدي أن أمهما عميرة بنت سهل بن رافع صاحب الصاع الذي لمزه المنافقون" ، وهكذا قال ابن الكلبي. الثالث: من طريق عكرمة: أنه "رفاعة بن سهل بن رافع" ، وقال: وعند أبي حاتم "رفاعة بن سعد" ، ويحتمل أن يكون تصحيفًا، ويحتمل أن يكون اسم "أبي عقيل" "سهل" ، ولقبه "حبحاب" = أو هما اثنان من الصحابة. الرابع: في الصحابة "أبو عقيل بن عبد الله بن ثعلبة البلوي" ، بدري، لم يسمه موسى ابن عقبة، ولا ابن إسحاق، وسماه الواقدي "عبد الرحمن" . قال: واستشهد باليمامة. قال: وكلام الطبري يدل على أنه هو صاحب الصاع عنده. وتبعه بعض المتأخرين، والأول أولى. الخامس: أنه "عبد الرحمن بن سمحان" ؟ ؟ (هكذا جاء) . السادس: أن صاحب الصاع هو "أبو خيثمة" : "عبد الله بن خشيمة، من بني سالم، من الأنصار" ، ودليله ما جاء في حديث توبة كعب بن مالك، وانظر الأثر رقم: 17016. السابع: عن الواقدي أن صاحب الصاع، هو "علية بن زيد المحاربي" . وقال الحافظ: "وهذا يدل على تعدد من جاء بالصاع" . وهذا اختلاف شديد، يحتاج إلى فضل تحقيق ومراجعة، قيدته هنا ليكون تذكرة لمن أراد تتبعه وتحقيقه. فقال: يا نبي الله، بتُّ أجرُّ الجرير على صاعين من تمر، أما صاع فأمسكته لأهلي، وأما صاع فها هو ذا! فقال المنافقون: "والله إن الله ورسوله لغنيَّان عن هذا" . فأنزل الله في ذلك القرآن: (الذين يلمزون) ، الآية. 17009- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات) ، قال: تصدق عبد الرحمن بن عوف بشطر ماله، وكان ماله ثمانية آلاف دينار، فتصدق بأربعة آلاف دينار، فقال ناس من المنافقين: إن عبد الرحمن بن عوف لعظيم الرياء! فقال الله: (الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات) = وكان لرجل صاعان من تمر، فجاء بأحدهما، فقال ناس من المنافقين: إن كان الله عن صاع هذا لغنيًّا! فكان المنافقون يطعنون عليهم ويسخرون بهم، فقال الله: (والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم) . 17010- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال الأنماطي قال، حدثنا أبو عوانة، عن [عمر بن] أبي سلمة، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تصدقوا، فإني أريد أن أبعث بعثًا. قال: فقال عبد الرحمن بن عوف: يا رسول الله، إن عندي أربعة آلاف، ألفين أقرضهما الله، وألفين لعيالي. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بارك الله لك فيما أعطيت، وبارك لك فيما أمسكت! فقال رجل من الأنصار: وإن عندي صاعين من تمرٍ، صاعًا لربي، وصاعًا لعيالي! قال: فلمز المنافقون وقالوا: ما أعطى ابن عوف هذا إلا رياءً! وقالوا: أو لم يكن الله غنيًّا عن صاع هذا! فأنزل الله: (الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين) ، إلى آخر الآية. (1) 17011- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن (1) الأثر: 17010 - "أبو عوانة" ، هو "الوضاح بن عبد الله اليشكري" ، ثقة روى له الجماعة، مضى برقم: 4498، 10336، 10337. و "عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف" ، يضعف، مضى مرارًا، آخرها رقم: 12755. وكان في المطبوعة والمخطوطة: "أبو عوانة، عن أبي سلمة" ، وهو خطأ لا شك فيه، صوابه من إسناده في تفسير ابن كثير، ومن مجمع الزوائد. وأبوه "أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف" ، ثقة، روى له الجماعة، مضى مرارًا، آخرها: 12822. خرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 7: 32، عن أبي سلمة، وعن أبي هريرة، ثم قال: "رواه البزار من طريقين: إحداهما متصلة عن أبي هريرة، والأخرى عن أبي سلمة مرسلة. قال: ولم نسمع أحدًا أسنده من حديث عمر بن أبي سلمة، إلا طالوت بن عباد. وفيه عمر بن أبي سلمة، وثقه العجلي، وأبو خيثمة وابن حبان، وضعفه شعبة وغيره. وبقية رجالهما ثقات" . وحديث البزار رواه ابن كثير في تفسيره 4: 212، 213، وهذا إسناده: "قال الحافظ أبو بكر البزار، حدثنا طالوت بن عباد، حدثنا أبو عوانة، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة" ، وساق الخبر. ثم قال ابن كثير: "ثم رواه عن أبي كامل، عن أبي عوانة، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه مرسلا. قال: ولم يسنده أحد إلا طالوت" . بن سعد قال، أخبرنا أبو جعفر، عن الربيع بن أنس في قوله: (الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات) ، قال: أصاب الناس جَهْدٌ شديد، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتصدَّقوا، فجاء عبد الرحمن بأربعمائة أوقية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم بارك له فيما أمسك. فقال المنافقون: ما فعل عبد الرحمن هذا إلا رياء وسمعة! قال: وجاء رجل بصاع من تمر، فقال: يا رسول الله آجرت نفسي بصاعين، فانطلقت بصاع منهما إلى أهلي، وجئت بصاع من تمر. فقال المنافقون: إن الله غنىٌّ عن صاع هذا! فأنزل الله هذه الآية: (والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم) . (1) 17012- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات) ، الآية، وكان المطوعون من المؤمنين في الصدقات، (2) عبد الرحمن بن عوف، تصدق بأربعة آلاف دينار، وعاصم بن عدي أخا بني العَجلان، (3) وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رغَّب في الصدقة، وحضَّ عليها، فقام عبد الرحمن بن عوف فتصدق بأربعة آلاف درهم، وقام عاصم بن عدي فتصدق بمئة وَسْقٍ من تمر، فلمزوهما وقالوا: ما هذا إلا رياء! وكان الذي تصدّق بجهده: أبو عقيل، أخو بني أنيف، الأراشي، حليف بني عمرو بن عوف، (4) أتى بصاع من تمر فأفرغه في الصدقة، فتضاحكوا به وقالوا: إن الله لغنيٌّ عن صاع أبي عقيل!! (5) (1) الأثر: 17011 - "عبد الرحمن بن سعد" ، هو "عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد الدشتكي الرازي" ، مضى برقم: 10666، 10855. (2) في المطبوعة: "من المطوعين" ، وكان في المخطوطة قد كتب "وكان المطوعين" ، ثم عاد بالقلم على الياء فجعلها واوًا، فتصرف الناشر ولم يبال بفعل الناسخ. والذي أثبته مطابق لما في السيرة. ولذلك غير الناسخ ما بعده فكتب، "أخو بني العجلان" ، غير ما في المخطوطة. (3) في المطبوعة: "أخو بني عجلان" ، تصرف تصرفًا معيبًا. (4) قوله: "الأراشي، حليف بني عمر بن عوف" ، ليس في المطبوع من سيرة ابن هشام، وانظر التعليق السالف ص: 384، رقم: 1. (5) الأثر: 17012 - سيرة ابن هشام 4: 196، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16990. 17013- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله قال، حدثنا شعبة، عن سليمان، عن أبي وائل، عن أبي مسعود قال: لما نزلت آية الصدقة كنا نحامل (1) = قال أبو النعمان: كنا نعمل = قال: فجاء رجل فتصدق بشيء كثير. قال: وجاء رجل فتصدق بصاع تمر، فقالوا: إن الله لغنيٌّ عن صاع هذا! فنزلت: (الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم) . (2) 17014- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا زيد بن حباب، عن موسى بن عبيدة قال، حدثني خالد بن يسار، عن ابن أبي عقيل، عن أبيه قال: بتُّ أجرُّ الجرير على ظهري على صاعين من تمر (3) فانقلبتُ بأحدهما إلى أهلي يتبلَّغون به، (4) وجئت بالآخر أتقرَّب به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. (5) فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: انثره في الصدقة. فسخر المنافقون منه. وقالوا: (1) قوله "كنا نحامل" ، من "المحاملة" وفسره الحافظ ابن حجر في الفتح فقال: "أي نحمل على ظهورنا بالأجرة. يقال: حاملت، بمعنى: حملت، كسافرت. وقال الخطابي: يريد: نتكلف الحمل بالأجرة، لنكسب ما نتصدق به. ويؤيده في الرواية الثانية التي بعده - يعني في البخاري - حيث قال: انطلق أحدنا إلى السوق فيحامل، أي: يطلب الحمل بالأجرة" . ويبين هذا أيضًا، تفسير أبي النعمان بقوله: "كنا نعمل" ، وهو تفسير فيما أرجح، لا رواية أخرى في الخبر. (2) الأثر: 17013 - "أبو النعمان" ، "الحكم بن عبد الله الأنصاري" ، ثقة، قال البخاري: "حديثه معروف، كان يحفظ" . وليس له في صحيح البخاري غير هذا الحديث. مترجم في التهذيب. و "أبو مسعود" ، هو "أبو مسعود الأنصاري البدري" ، واسمه "عقبة بن عمرو بن ثعلبة" ، صاحب رسول الله، شهد العقبة. وكان في المخطوطة: "عن ابن مسعود" ، وهو خطأ صرف. وهذا الخبر، رواه البخاري في صحيحه (الفتح 3: 224) من طريق عبيد الله بن سعيد، عن أبي النعمان الحكم بن عبد الله البصري بمثله، وفيه زيادة بعد قوله: "بشيء كثير" ، هي "فقالوا: مرائي" . ثم رواه البخاري أيضًا في صحيحه (الفتح 8: 249) من طريق بشر بن خالد، عن محمد بن جعفر، عن شعبة عن سليمان، عن أبي وائل، عن أبي مسعود، بغير هذا اللفظ، وفيه التصريح باسم "أبي عقيل" الذي أتى بنصف صاع. ومن هذه الطريق رواه مسلم في صحيحه 7: 105. ثم انظر: ص: 389، تعليق رقم: 1. (3) "الجرير" : الحبل، وسلف شرحه ص: 383، تعليق: 2. (4) "تبلغ ببعض الطعام" ، أي: اكتفى به من كثيره، حتى يبلغ ما يشبعه. (5) قوله: "إلى رسول الله" ، متعلق بقوله: "جئت" ، لا بقوله: "أتقرب به" ، أي: جئت به إلى رسول الله، أتقرب به إلى الله. لقد كان الله غنيًّا عن صدقة هذا المسكين! فأنزل الله: (الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات) ، الآيتين. (1) 17015- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا الجريري، عن أبي السليل قال: وقف على الحيّ رجل، (2) فقال: حدثني أبي أو عمي فقال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: من يتصدق اليوم بصدقة أشهدُ له بها عند الله يوم القيامة؟ قال: وعليّ عمامة لي. قال: فنزعت لَوْثًا أو لوثيْن لأتصدق بهما، (3) قال: ثم أدركني ما يدرك ابن آدم، فعصبت بها رأسي. قال: فجاء (1) الأثر: 17014 - "موسى بن عبيدة بن نشيط الربذي" ، ضعيف بمرة، لا تحل الرواية عنه، كما قال أحمد. مضى مرارًا، آخرها رقم: 11811. وأما "خالد بن يسار" ، الذي روى عن ابن أبي عقيل، وروى عنه "موسى بن عبيدة" ، فلم أجد له ترجمة ولا ذكرا. وهناك "خالد بن يسار" ، روى عن أبي هريرة، روى عنه شعيب بن الحبحاب، ولا أظنه هو هو، وهذا أيضا قالوا: هو مجهول. وأما "ابن أبي عقيل" ، فاسمه "رضى بن أبي عقيل" ، مترجم في الكبير 2\ 1\ 313، وابن أبي حاتم 2 \ 1 \ 523، قالا: "روى عن أبيه، وروى عن محمد بن فضيل" ولم يذكر فيه جرحًا. و "أبو عقيل" ، مضى ذكره، وهو مترجم في الكنى للبخاري: 62، وابن أبي حاتم 4 \ 2 \ 416، وقالا: روى عنه ابنه: رضى بن أبي عقيل. وهذا خبر ضعيف الإسناد جدًا، لضعف "موسى بن عبيدة" ، وللمجهول الذي فيه، وهو "خالد بن يسار" . بيد أن الهيثمي في مجمع الزوائد 7: 32، 33، روى هذا الخبر، بنحو لفظه، ثم قال: "رواه الطبراني، ورجاله ثقات، إلا خالد بن يسار، لم أجد من وثقه ولا جرحه" . فلا أدري أرواه عن "خالد بن يسار" ، أحد غير "موسى بن عبيدة" في إسناد الطبراني، أم رواه "موسى بن عبيدة" ، فإن يكن "موسى" هو راويه، فقد سلف مرارًا أن ضعفه الهيثمي. والظاهر أنه من رواية "موسى" لأني رأيت ابن كثير في تفسيره 4: 213، نقل هذا الخبر عن الطبري، ثم قال: "وكذا رواه الطبراني من حديث زيد بن الحباب، به. وقال: اسم أبي عقيل حباب (حبحاب) ، ويقال: عبد الرحمن بن عبد الله بن ثعلبة" (انظر ص: 383، تعليق: 2) ، فهذا دال على أن في إسناد الطبراني "موسى بن عبيدة" ، الضعيف بمرة. (2) في المسند: "وقف علينا رجل في مجلسنا بالبقيع" ، واختلف لفظ الخبر بعد. (3) "لاث العمامة على رأسه، يلوثها" أي: عصبها ولفها وأدارها. و "اللوث" اللفة من لفائف العمامة. رجل لا أرى بالبقيع رجلا أقصرَ قِمَّة، (1) ولا أشدَّ سوادًا، ولا أدَمَّ بعينٍ منه، (2) يقود ناقة لا أرى بالبقيع أحسن منها ولا أجمل منها. قال: أصدقةٌ هي، يا رسول الله؟ قال: نعم! قال: فدُونَكها! (3) فألقى بخطامها = أو بزمامها (4) = قال: فلمزه رجل جالسٌ فقال: والله إنه ليتصدّق بها، ولهي خيرٌ منه! فنظر إليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: بل هو خير منك ومنها! (5) يقول ذلك ثلاثًا صلى الله عليه وسلم. (6) 17016- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني يونس، عن ابن شهاب قال، أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك يقول: الذي تصدّق بصاع التمر فلمزه المنافقون: "أبو خيثمة الأنصاري" . (7) (1) "القمة" بالكسر، شخص الإنسان إذا كان قائمًا، وهي "القامة" . وهذا هو المراد هنا. و "القمة" أيضا، رأس الإنسان، وليس بمراد هنا. (2) في المطبوعة: "ولا أذم لعيني منه" ، وهو فاسد، غير ما في المخطوطة. وهذه الجملة في مسند أحمد محرفة: "ولا آدم يعير بناقة" ، وفي تفسير ابن كثير نقلا عن المسند: "ولا أذم ببعير ساقه" ، فزاده تحريفا. والصواب ما في تفسير الطبري. "ولا أدم" من "الدمامة" ، "دم الرجل يدم دمامة" ، وهو القصر والقبح. وفي حديث ابن عمر: "لا يزوجن أحدكم ابنته بدميم" . (3) "دونكها" ، أي: خذها. (4) في المخطوطة: "فألقى الله بخطامها أبو بزمامها" ، وهو خطأ ظاهر، صوابه ما أثبت. ولكن ناشر المطبوعة حذف فكتب: "فألقى بخطامها" . (5) في المطبوعة والمخطوطة: "يقول ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم" ، وهو تحريف من الناسخ، وصوابه ما أثبت، وذلك أنه رأى في النسخة التي نقلنا عنها: "يقول ذلك ثلثا" فقرأها "نبينا" ، وصوابه "ثلثا" ، كما كانوا يكتبونها بحذف الألف. واستظهرت ذلك من حديث أحمد في المسند قال: "ثلاث مرات" . (6) الأثر: 1715 - "أبو السليل" ، هو: "ضريب بن نقير بن سمير القيسي الجريري" ، ثقة. روى عن سعيد الجريري وغيره. مترجم في التهذيب، والكبير 2 \ 2 \ 343، وابن أبي حاتم 2 \ 1 \ 470. وهذا الخبر رواه أحمد في المسند 5: 34، ونقله عن ابن كثير في تفسيره 4: 211، 212، بزيادة، واختلاف في بعض لفظه، كما أشرت إليه آنفًا في التعليقات. (7) الأثر: 17016 - "عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري" ، ثقة. مضى برقم: 16147. وانظر ما سلف ج 13: 567، تعليق: 1. ![]()
__________________
|
#780
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الرابع عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ براءة الحلقة (780) صــ 391 إلى صــ 400 17017- حدثني المثنى قال، حدثنا محمد بن رجاء أبو سهل العباداني قال، حدثنا عامر بن يساف اليمامي، عن يحيى بن أبي كثير اليمامي قال: جاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله مالي ثمانية آلاف، جئتك بأربعة آلاف، فاجعلها في سبيل الله، وأمسكت أربعة آلاف لعيالي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بارك الله فيما أعطيت وفيما أمسكت! وجاء رجل آخر فقال: يا رسول الله، بتُّ الليلة أجرُّ الماء على صاعين، فأما أحدهما فتركت لعيالي وأما الآخر فجئتك به، أجعله في سبيل الله، فقال: بارك الله فيما أعطيت وفيما أمسكت! فقال ناس من المنافقين: والله ما أعطى عبد الرحمن إلا رياءً وسمعة، ولقد كان الله ورسوله غنيَّين عن صاع فلان! فأنزل الله: (الذين يلمزون المطوّعين من المؤمنين في الصدقات) ، يعني عبد الرحمن بن عوف: (والذين لا يجدون إلا جهدهم) ، يعني صاحب الصاع = (فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم) . (1) 17018- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قال، قال ابن عباس: أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يجمعوا صدَقاتهم، وإذا عبد الرحمن بن عوف قد جاء بأربعة آلاف، فقال: هذا مالي أقرِضُه الله، وقد بقي لي مثله. فقال له: بورك لك فيما أعطيت وفيما أمسكت! فقال المنافقون: ما أعطى إلا رياءً، وما أعطى صاحبُ الصّاع إلا رياءً، إن كان الله ورسوله لغنيين عن هذا! وما يصنع الله بصاع من شيء! (1) الأثر: 17017 - "ومحمد بن رجاء" ، "أبو سهل العباداني" ، لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من المراجع. و "عامر بن يساف اليمامي" ، وهو "عامر بن عبد الله بن يساف" وثقه ابن معين وغيره، وقال ابن عدي: "منكر الحديث عن الثقات. ومع ضعفه يكتب حديثه" . مترجم في ابن أبي حاتم 3 \ 1 329، وميزان الاعتدال 2: 7، وتعجيل المنفعة: 206، ولسان الميزان 3: 224. و "يحيى بن أبي كثير اليمامي" ، ثقة، روى له الجماعة، مضى مرارًا، آخرها رقم: 12760. 17019- حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات) ، إلى قوله: (ولهم عذاب أليم) ، قال: أمر النبي عليه الصلاة والسلام المسلمين أن يتصدّقوا، فقام عمر بن الخطاب: فألفَى ذلك مالي وافرًا، فآخذ نصفه. (1) قال: فجئت أحمل مالا كثيرًا. فقال له رجل من المنافقين: ترائِي يا عمر! فقال: نعم، أرائي الله ورسوله، (2) وأما غيرهما فلا! قال: ورجلٌ من الأنصار لم يكن عنده شيء، فواجَرَ نفسه ليجرّ الجرير على رقبته بصاعين ليلته، (3) فترك صاعًا لعياله، وجاء بصاع يحمله، فقال له بعض المنافقين: إن الله ورسوله عن صاعك لغنيَّان! فذلك قول الله تبارك وتعالى: (الذين يلمزون المطوّعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم) ، هذا الأنصاري = (فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم) . * * * وقد بينا معنى "اللمز" في كلام العرب بشواهده وما فيه من اللغة والقراءة فيما مضى. (4) * * * وأما قوله: (المطوّعين) ، فإن معناه: المتطوعين، أدغمت التاء في (1) في المطبوعة: "فقام عمر بن الخطاب، فألفى مالا وافرًا، فأخذ نصفه" ، لم يحسن قراءة ما في المخطوطة، فحرف وبدل وحذف، وأساء بما فعل غاية الإساءة. وإنما هذا قول عمر، يقول: فألفى هذا الأمر بالصدفة، مالي وافرا، فآخذ نصفه. (2) في المطبوعة: "فقال عمر: أراني الله. . .، وفي المخطوطة:" فقال نعم: إن الله ورسوله "، لم يحسن كتابتها، وأثبت الصواب من الدر المنثور 3: 263." (3) في المطبوعة: "فآجر نفسه" ، وهي الصواب المحض، من قولهم: "أجر المملوك يأجره أجرًا، فهو مأجور" و "آجره إيجارًا، ومؤاجرة" . وأما ما أثبته عن المخطوطة، فليس بفصيح، وإنما هو قياس ضعيف على قولهم في: "آمرته" ، "وأمرته" ، وقولهم في "آكله" ، "وأكله" على البدل، وذلك كله ليس بفصيح ولا مرضي. وإنما أثبتها لوضوحها في المخطوطة، ولأنه من الكلام الذي يقال مثله. (4) انظر تفسير "اللمز" فيما سلف ص: 300، 301، 382. الطاء، فصارت طاء مشددة، كما قيل: (وَمَنْ يَطَّوَّعْ خَيْرًا) [سورة البقرة: 158] ، (1) يعني: يتطوّع. (2) * * * وأما "الجهد" ، فإن للعرب فيه لغتين. يقال: "أعطاني من جُهْده" ، بضم الجيم، وذلك فيما ذكر، لغة أهل الحجاز = ومن "جَهْدِه" بفتح الجيم، وذلك لغة نجد. (3) وعلى الضم قراءة الأمصار، وذلك هو الاختيار عندنا، لإجماع الحجة من القرأة عليه. وأما أهل العلم بكلام العرب من رواة الشعر وأهل العربية، فإنهم يزعمون أنها مفتوحة ومضمومة بمعنى واحد، وإنما اختلاف ذلك لاختلاف اللغة فيه، كما اختلفت لغاتهم في "الوَجْد" ، "والوُجْد" بالضم والفتح، من: "وجدت" . (4) * * * وروي عن الشعبي في ذلك ما:- 17020- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا جابر بن نوح، عن عيسى بن المغيرة، عن الشعبي قال: "الجَهْدُ" ، و "الجُهْد" ، الجَهْدُ في العمل، والجُهْدُ في القوت. (5) 17021- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حفص، عن عيسى بن المغيرة، عن الشعبي، مثله. (1) هذه القراءة، ذكرها أبو جعفر فيما سلف 3: 247، وهي قراءة عامة قرأة الكوفيين. وأما قراءتنا في مصحفنا اليوم: (ومن تطوع خيرا) . (2) انظر تفسير "التطوع" فيما سلف 3: 247، 441 \ 14: 382، وانظر معاني القرآن للفراء 1: 447. (3) انظر معاني القرآن للفراء 1: 447،ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 264، وما سلف ص: 382. (4) انظر معاني القرآن للفراء 1: 447،ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 264، وما سلف ص: 382. (5) في المطبوعة، حذف قوله: "الجهد، والجهد" وجعل "فالجهد" ، "الجهد" ، وبدأ به الكلام. وأثبت ما في المخطوطة. 17022- قال، حدثنا ابن إدريس، عن عيسى بن المغيرة، عن الشعبي قال: الجَهْد في العمل، والجُهد في القِيتَة. (1) * * * (1) في المطبوعة: "والجهد في المعيشة" ، لم يحسن قراءة المخطوطة، فغيرها. و "القوت" و "القيت" (بكسر القاف) و "القيتة" (بكسر القاف) ، كله واحد، وهو المسكة من الرزق، وما يقوم به بدن الإنسان من الطعام. القول في تأويل قوله: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ادع الله لهؤلاء المنافقين، الذين وصفت صفاتهم في هذه الآيات (1) بالمغفرة، أو لا تدع لهم بها. وهذا كلام خرج مخرج الأمر، وتأويله الخبر، ومعناه: إن استغفرت لهم، يا محمد، أو لم تستغفر لهم، فلن يغفر الله لهم. وقوله: (إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) ، يقول: إن تسأل لهم أن تُسْتر عليهم ذنوبهم بالعفو منه لهم عنها، وترك فضيحتهم بها، فلن يستر الله عليهم، ولن يعفو لهم عنها، ولكنه يفضحهم بها على رءوس الأشهاد يوم القيامة (2) (ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله) ، يقول جل ثناؤه: هذا الفعل من الله بهم، وهو ترك عفوه لهم عن ذنوبهم، من أحل أنهم جحدوا توحيد الله ورسالة رسوله = (والله لا يهدي القوم الفاسقين) ، يقول: والله لا يوفق للإيمان به وبرسوله، (3) (1) في المطبوعة والمخطوطة: "وصف صفاتهم" ، وما أثبت أبين. (2) انظر تفسير "الاستغفار" و "المغفرة" فيما سلف من فهارس اللغة (غفر) . (3) انظر تفسير "الهدى" فيما سلف من فهارس اللغة (هدى) . من آثر الكفر به والخروج عن طاعته، على الإيمان به وبرسوله. (1) * * * ويروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حين نزلت هذه الآية قال: "لأزيدنّ في الاستغفار لهم على سبعين مرة" ، رجاءً منه أن يغفر الله لهم، فنزلت: (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ) [سورة المنافقون: 6] . 17023- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبدة بن سليمان، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أن عبد الله بن أبي ابن سلول قال لأصحابه: لولا أنكم تُنْفقون على محمد وأصحابه لانفَضُّوا من حوله! وهو القائل: (لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنْهَا الأذَلَّ) [سورة المنافقون: 8] ، فأنزل الله: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لأزيدنّ على السبعين! فأنزل الله: (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) ، فأبى الله تبارك وتعالى أن يغفر لهم. 17024- حدثنا ابن حميد وابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن شباك، عن الشعبي قال: دعا عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول النبيَّ صلى الله عليه وسلم إلى جنازة أبيه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: من أنت؟ قال: حُباب بن عبد الله بن أبيّ. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: بل أنت عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول، إن "الحُبَاب" هو الشيطان. (2) ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام: إنه قد قيل لي: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) ، فأنا استغفر لهم سبعين وسبعين وسبعين، وألبسه النبي صلى الله عليه وسلم قميصَه وهو عَرِقٌ. (1) انظر تفسير "الفسق" فيما سلف: 339، تعليق: 2، والمراجع هناك. (2) "الحباب" (بضم الحاء) ، الحية، قال ابن كثير: "ويقع على الحية أيضا، كما يقال لها الشيطان، فهما مشتركان فيه" . 17025- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (إن تستغفر لهم سبعين مرة) ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سأزيد على سبعين استغفارة! فأنزل الله في السورة التي يذكر فيها المنافقون: (لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ) ، عزمًا. (1) 17026- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 17027- قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه. 17028- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه. 17029- قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة، عن الشعبي قال: لما ثَقُل عبد الله بن أبيّ، انطلق ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: إن أبي قد احْتُضِر، فأحبُّ أن تشهده وتصليّ عليه! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما اسمك؟ قال: الحُباب بن عبد الله. قال: بل أنت عبد الله بن عبد الله بن أبي، إن "الحباب" اسم شيطان. قال: فانطلق معه حتى شهده وألبسه قميصه وهو عَرِق، وصلى عليه، فقيل له: أتصلي عليه وهو منافق؟ فقال: إن الله قال: (إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) ، ولأستغفرن له سبعين وسبعين! = قال هشيم: وأشكُّ في الثالثة. 17030- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم) إلى قوله: (القوم الفاسقين) ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية: أسمعُ ربّي قد رَخّص لي فيهم، فوالله لأستغفرن أكثر من سبعين مرة، (1) "عزما" ، يعني توكيدًا، وحقًا واجبًا. فلعل الله أن يغفر لهم! فقال الله، من شدة غضبه عليهم: (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [سورة المنافقون: 6] . 17031- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) ، فقال نبي الله: قد خيَّرني ربي، فلأزيدنهم على سبعين! فأنزل الله (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ) ، الآية. 17032- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: لما نزلت: (إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لأزيدنّ على سبعين! فقال الله: (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ) . * * * القول في تأويل قوله: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فرح الذين خلَّفهم الله عن الغزو مع رسوله والمؤمنين به وجهاد أعدائه = (بمقعدهم خلاف رسول الله) ، يقول: بجلوسهم في منازلهم (1) = (خلاف رسول الله) ، يقول: على الخلاف لرسول الله في جلوسه (1) انظر تفسير "القعود" فيما سلف 9: 85 \ 14: 277. ومقعده. وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بالنَّفْر إلى جهاد أعداء الله، فخالفوا أمْرَه وجلسوا في منازلهم. * * * وقوله: (خِلاف) ، مصدر من قول القائل: "خالف فلان فلانًا فهو يخالفه خِلافًا" ، فلذلك جاء مصدره على تقدير "فِعال" ، كما يقال: "قاتله فهو يقاتله قتالا" ، ولو كان مصدرًا من "خَلَفه" لكانت القراءة: "بمقعدهم خَلْفَ رسول الله" ، لأن مصدر: "خلفه" ، "خلفٌ" لا "خِلاف" ، ولكنه على ما بينت من أنه مصدر: "خالف" ، فقرئ: (خلاف رسول الله) ، وهي القراءة التي عليها قرأة الأمصار، وهي الصواب عندنا. * * * وقد تأول بعضهم ذلك بمعنى: "بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم" ، (1) واستشهد على ذلك بقول الشاعر: (2) عَقَبَ الرَّبِيعُ خِلافَهُمْ فَكَأَنَّمَا ... بَسَطَ الشَّوَاطِبُ بَيْنَهُنَّ حَصِيرَا (3) (1) هو أبو عبيدة في مجاز القرآن 1: 264. (2) هو الحارث بن خالد المخزومي. (3) الأغاني 3: 336 (دار الكتب) 15: 128 (ساسي) ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 264، واللسان (عقب) ، (خلف) ، من قصيدة روى بعضها أبو الفرج في أغانيه، يقوله في عائشة بنت طلحة تعريضًا، وتصريحًا ببسرة جاريتها، يقول قبله: يَا رَبْع بُسرَةَ إن أضَرَّ بِكَ البِلَى ... فَلَقد عَهِدتُكَ آهلا مَعْمورًا ورواية أبي الفرج "عقب الرذاذ" ، و "الرذاذ" صغار المطر. وأما "الربيع" ، فهو المطر الذي يكون في الربيع. قال أبو الفرج الأصبهاني: "وقوله: عقب الرذاذ، يقول: جاء الرذاذ بعده. ومنه يقال: عقب لفلان غنى بعد فقر = وعقب الرجل أباه: إذا قام بعده مقامه. وعواقب الأمور، مأخوذة منه، واحدتها عاقبة. . . والشواطب: النساء اللواتي يشطبن لحاء السعف، يعملن منه الحصر. ومنه السيف المشطب، والشطبية: الشعبة من الشيء. ويقال: بعثنا إلى فلان شطبية من خيلنا، أي: قطعة" . قلت: وإنما وصف آثار الغيث في الديار، فشبه أرضها بالحصر المنمقة، للطرائق التي تبقى في الرمل بعد المطر. وذلك قريبٌ لمعنى ما قلنا، لأنهم قعدوا بعده على الخلافِ له. * * * وقوله: (وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله) ، يقول تعالى ذكره: وكره هؤلاء المخلفون أن يغزُوا الكفار بأموالهم وأنفسهم (1) = (في سبيل الله) ، يعني: في دين الله الذي شرعه لعباده لينصروه، (2) ميلا إلى الدعة والخفض، وإيثارًا للراحة على التعب والمشقة، وشحًّا بالمال أن ينفقوه في طاعة الله. * * * = (وقالوا لا تنفروا في الحر) ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم استنفرهم إلى هذه الغزوة، وهي غزوة تبوك، في حرّ شديدٍ، (3) فقال المنافقون بعضهم لبعض: "لا تنفروا في الحر" ، فقال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (قل) لهم، يا محمد = (نار جهنم) ، التي أعدّها الله لمن خالف أمره وعصى رسوله = (أشد حرًّا) ، من هذا الحرّ الذي تتواصون بينكم أن لا تنفروا فيه. يقول: الذي هو أشد حرًا، أحرى أن يُحذر ويُتَّقى من الذي هو أقلهما أذًى = (لو كانوا يفقهون) ، يقول: لو كان هؤلاء المنافقون يفقهون عن الله وعظَه، ويتدبَّرون آي كتابه، (4) ولكنهم لا يفقهون عن الله، فهم يحذرون من الحرّ أقله مكروهًا وأخفَّه أذًى، ويواقعون أشدَّه مكروهًا (5) وأعظمه على من يصلاه بلاءً. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: (1) انظر تفسير "الجهاد" فيما سلف ص: 358، تعليق: 1، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير "سبيل الله" فيما سلف من فهارس اللغة (سبل) . (3) انظر تفسير "النفر" فيما سلف 58: 536 \ 14: 251، 254. (4) انظر تفسير "فقه" فيما سلف ص: 51، تعليق: 1، والمراجع هناك. (5) في المطبوعة والمخطوطة: "ويوافقون أشده مكروهًا" ، وهو خطأ من الناسخ، والصواب ما أثبت. 17033- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله) ، إلى قوله: (يفقهون) ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرَ الناس أن ينبعثوا معه، وذلك في الصيف، فقال رجال: يا رسول الله، الحرُّ شديدٌ، ولا نستطيع الخروجَ، فلا تنفر في الحرّ! فقال الله: (قل نار جهنم أشد حرًّا لو كانوا يفقهون) ، فأمره الله بالخروج. 17034- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتاده في قوله: (بمقعدهم خلاف رسول الله) ، قال: هي غزوة تبوك. (1) 17035- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرٍّ شديدٍ إلى تبوك، فقال رجل من بني سَلِمة: لا تنفروا في الحرّ! فأنزل الله: (قل نار جهنم) ، الآية. 17036- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: [ثم] ذكر قول بعضهم لبعض، حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهاد، وأجمع السير إلى تبوك، على شدّة الحرّ وجدب البلاد. يقول الله جل ثناؤه: (وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرًّا) . (2) * * * (1) في المطبوعة: "من عزوة تبوك" ، والصواب ما في المخطوطة. (2) الأثر: 17036 - سيرة ابن هشام 4: 196، وهو تابع الأثر السالف رقم: 17012. والزيادة بين القوسين منه. ![]()
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |