الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله - الصفحة 8 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         كتاب الصيام والحج من الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 19 - عددالزوار : 22 )           »          واتساب يستخدم وضع الإضاءة المنخفضة لمكالمات الفيديو.. كيف يعمل؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          هل يعانى هاتف أيفون 16 من مشكلات فى عمر البطارية؟ إليكم ما نعرفه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          استكشف مزايا أنظمة شبكة Wi-Fi مقارنة بأجهزة التوجيه التقليدية فى منزلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          كوالكوم تلغي إنتاج نظام Windows المصغر على أجهزة الكمبيوتر بهذا المعالج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          تطبيق ChatGPT متوفر الآن لنظام Windows.. اعرف التفاصيل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          ما تخافش لو اتسرق منك.. 3 مزايا جديدة من جوجل تساعدك على استعادة هاتفك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          Android 15 متاح الآن لهواتف Pixel.. كيفية التحديث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          علامات إدمان الأطفال للهواتف الذكية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          هل سقط الماء على اللاب توب؟ إليك كيفية إصلاحه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة
التسجيل التعليمـــات التقويم

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #71  
قديم 19-12-2021, 04:23 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,266
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله



الموافقات
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الثانى
الحلقة (71)
صـ344 إلى صـ 360

المسالة السادسة

العمل إذا وقع على وفق المقاصد التابعة ; فلا يخلو أن تصاحبه المقاصد الأصلية ، أو لا .

فأما الأول ; فعمل بالامتثال بلا إشكال ، وإن كان سعيا في حظ النفس .

وأما الثاني ; فعمل بالحظ والهوى مجردا .

والمصاحبة إما بالفعل ، ومثاله أن يقول مثلا : هذا المأكول ، أو هذا الملبوس ، أو هذا الملموس ، أباح لي الشرع الاستمتاع به ; فأنا أستمتع بالمباح وأعمل باستجلابه لأنه مأذون فيه ، وإما بالقوة ، ومثاله أن يدخل في التسبب إلى ذلك المباح من الوجه المأذون فيه ، لكن نفس الإذن لم يخطر بباله ، وإنما خطر له أن هذا يتوصل إليه من الطريق الفلاني ، فإذا توصل إليه منه فهذا في الحكم كالأول ، إذا كان الطريق التي توصل إلى المباح من جهته مباحا ; إلا أن المصاحبة بالفعل أعلى ، ويجري غير المباح مجراه في الصورتين .

فإذا تقرر هذا ; فبيان كونه عاملا بالحظ والامتثال أمران :

[ ص: 345 ] أحدهما : أنه لو لم يكن كذلك ; لم يجز لأحد أن يتصرف في أمر عادي حتى يكون القصد في تصرفه مجرد امتثال الأمر ، من غير سعي في حظ نفسه ولا قصد في ذلك ، بل كان يمتنع للمضطر أن يأكل الميتة حتى يستحضر هذه النية ويعمل على هذا القصد المجرد من الحظ ، وهذا غير صحيح باتفاق ، ولم يأمر الله تعالى ولا رسوله بشيء من ذلك ، ولا نهى عن قصد الحظوظ في الأعمال العادية على حال مع قصد الشارع للإخلاص في الأعمال وعدم التشريك فيها ، وأن لا يلحظ فيها غير الله تعالى ; فدل على أن القصد للحظ في الأعمال إذا كانت عادية لا ينافي أصل الأعمال .

فإن قيل : كيف يتأتى قصد الشارع للإخلاص في الأعمال العادية وعدم التشريك فيها ؟

قيل : معنى ذلك أن تكون معمولة على مقتضى المشروع ، لا يقصد بها عمل جاهلي ، ولا اختراع شيطاني ، ولا تشبه بغير أهل الملة ; كشرب الماء أو العسل في صورة شرب الخمر ، وأكل ما صنع لتعظيم أعياد اليهود أو النصارى وإن صنعه المسلم ، أو ما ذبح على مضاهاة الجاهلية ، وما أشبه ذلك مما هو نوع من تعظيم الشرك .

كما روى ابن حبيب عن ابن شهاب أنه ذكر له أن إبراهيم بن هشام بن [ ص: 346 ] إسماعيل المخزومي أجرى عينا ، فقال له المهندسون عند ظهور الماء : لو أهرقت عليها دما كان أحرى أن لا تغيض ولا تهور فتقتل من يعمل فيها ، فنحر جزائر حين أرسل الماء فجرى مختلطا بالدم ، وأمر فصنع له ولأصحابه منها طعام ، فأكل وأكلوا ، وقسم سائرها بين العمال فيها ، فقال ابن شهاب : بئس والله ما صنع ، ما حل له نحرها ولا الأكل منها ، أما بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يذبح للجن ؟ ; لأن مثل هذا وإن ذكر اسم الله عليه مضاه لما ذبح [ ص: 347 ] على النصب وسائر ما أهل لغير الله به .

وكذلك جاء النهي عن معاقرة الأعراب ، وهي أن يتبارى الرجلان [ ص: 348 ] فيعقر كل واحد منهما ، يجاود به صاحبه ; فأكثرهما عقرا أجودهما ، نهى عن أكله لأنه مما أهل لغير الله به . قال الخطابي : وفي معناه ما جرت به عادة الناس من ذبح الحيوان بحضرة الملوك والرؤساء عند قدومهم البلدان ، وأوان حوادث يتجدد لهم ، وفي نحو ذلك من الأمور .

وخرج أبو داود : " نهى عليه الصلاة والسلام عن طعام المتباريين أن يؤكل " ، وهما المتعارضان ليرى أيهما يغلب صاحبه ; فهذا وما كان نحوه إنما [ ص: 349 ] شرع على جهة أن يذبح على المشروع بقصد مجرد الأكل ، فإذا زيد فيه هذا القصد ; كان تشريكا في المشروع ، ولحظا لغير أمر الله تعالى ، وعلى هذا وقعت الفتيا من ابن عتاب بنهيه عن أكل اللحوم في النيروز ، وقوله فيها : إنها مما [ ص: 350 ] أهل لغير الله به وهو باب واسع .

والثاني : أنه لو كان قصد الحظ مما ينافي الأعمال العادية ; لكان العمل بالطاعات وسائر العبادات رجاء في دخول الجنة أو خوفا من دخول النار عملا بغير الحق ، وذلك باطل قطعا ; فيبطل ما يلزم عنه .

أما بيان الملازمة ; فلأن طلب الجنة أو الهرب من النار سعي في حظ ، لا فرق بينه وبين طلب الاستمتاع بما أباحه له الشارع وأذن له فيه من حيث هو حظ ; إلا أن أحدهما عاجل والآخر آجل ، والتعجيل والتأجيل في المسألة طردي كالتعجيل والتأجيل في الدنيا لا منافسة فيه ، ولما كان طلب الحظ الآجل سائغا كان طلب العاجل أولى بكونه سائغا .

وأما بطلان التالي ; فإن القرآن قد جاء بأن من عمل جوزي ، واعملوا يدخلكم الجنة ، واتركوا تدخلوا الجنة ، ولا تعملوا كذا فتدخلوا النار ، ومن يعمل كذا يجز بكذا ، وهذا بلا شك تحريك على العمل بحظوظ النفوس ، فلو كان طلب الحظ قادحا في العمل لكان القرآن مذكرا بما يقدح في العمل ، وذلك باطل باتفاق ، فكذلك ما يلزم عنه .

وأيضا ; فإن النبي كان يسأل عن العمل الذي يدخل الجنة ويبعد من النار ; فيخبر به من غير احتراز ولا تحذير من طلب الحظ في ذلك ، وقد أخبر الله تعالى عمن قال : إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا [ الإنسان : 9 ] .

[ ص: 351 ] بقولهم : إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا [ الإنسان : 10 ] .

وفي الحديث : مثلكم ومثل اليهود والنصارى كمثل رجل استأجر قوما إلى آخر الحديث ، وهو نص في العمل على الحظ .

وفي حديث بيعة الأنصار قولهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - : اشترط لربك واشترط لنفسك . فلما اشترط ; قالوا : فما لنا ؟ قال : الجنة الحديث .

[ ص: 352 ] وبالجملة ; فهذا أكثر من أن يحصى ، وجميعه تحريض على العمل بالحظ ، وإن لم يقل : اعمل لكذا ; فقد قال : اعمل يكن لك كذا ، فإذا لم [ ص: 353 ] يكن مثله قادحا في العبادات ; فأولى أن لا يكون قادحا في العادات .

فإن قيل : بل مثل هذا قادح في العمل بالنص والمعقول .

أما المعقول ; فإن العامل بقصد الحظ قد جعل حظه مقصدا والعمل وسيلة ، لأنه لو لم يكن مقصدا لم يكن مطلوبا بالعمل ، وقد فرضناه كذلك ، هذا خلف ، وكذلك العمل ولو لم يكن وسيلة لم يطلب الحظ من طريقه ، وقد فرضناه أنه يعمله ليصل به إلى غيره ، وهو حظه ; فهو بالنسبة إلى ذلك الحظ وسيلة ، وقد تقرر أن الوسائل من حيث هي وسائل غير مقصودة لأنفسها ، وإنما هي تبع للمقاصد بحيث لو سقطت المقاصد سقطت الوسائل ، وبحيث لو توصل إلى المقاصد دونها لم يتوسل بها ، وبحيث لو فرضنا عدم المقاصد جملة لم يكن للوسائل اعتبار ، بل كانت تكون كالعبث ، وإذا ثبت هذا ، فالأعمال المشروعة إذا عملت للتوصل بها إلى حظوظ النفوس ، فقد صارت غير متعبد بها إلا من حيث الحظ ، فالحظ هو المقصود بالعمل لا التعبد ، فأشبهت العمل بالرياء لأجل حظوظ الدنيا من الرياسة والجاه والمال وما أشبه ذلك ، والأعمال المأذون فيها كلها يصح التعبد بها إذا أخذت من حيث أذن فيها ، فإذا أخذت من جهة [ ص: 354 ] الحظوظ سقط كونها متعبدا بها ; فكذلك العمل بالأعمال المأمور بها والمتعبد بها كالصلاة والصيام وأشباههما ، ينبغي أن يسقط التعبد بها ، وكل عمل من عادة أو عبادة مأمور به ; فحظ النفس متعلق به ، فإذا أخذ من ذلك الوجه لا من جهة كونه متعبدا به سقط كونه عبادة ; فصار مهمل الاعتبار في العبادة ، فبطل التعبد فيه ، وذلك معنى كون العمل غير صحيح .

وأيضا ; فهذا المأمور أو المنهي بما فيه حظه ، يا ليت شعري ما الذي كان يصنع لو ثبت أنه عري عن الحظوظ ؟ ! هل كان يلزمه التعبد لله بالأمر والنهي أم لا ؟ فإذا كان من المعلوم أنه يلزمه ; فالمأمور به والمنهي عنه بلا بد مقصود في نفسه لا وسيلة ، وعلى هذا نبه القائل بقوله :


هب البعث لم تأتنا رسله وجاحمة النار لم تضرم أليس من الواجب المستحق
ثناء العباد على المنعم
ويعني بالوجوب بالشرع ، فإذا جعل وسيلة ; أخرج عن مقتضى المشروع ، وصار العمل بالأمر والنهي على غير ما قصد الشارع ، والقصد المخالف لقصد الشارع باطل ، والعمل المبني ، عليه مثله ; فالعمل المبني على الحظ كذلك .

وإلى هذا فقد ثبت أن العبد ليس له في نفسه مع ربه حق ، ولا حجة له عليه ، ولا يجب عليه أن يطعمه ولا أن يسقيه ولا أن ينعمه ، بل لو عذب أهل السماوات والأرض لكان له ذلك بحق الملك ، قل فلله الحجة البالغة [ الأنعام : 149 ] ; فإذا لم يكن له إلا مجرد التعبد ; فحقه أن يقوم به من غير طلب حظ ، فإن طلب الحظ بالعمل لم يكن قائما بحقوق السيد بل بحظوظ نفسه .

[ ص: 355 ] وأما النصوص الدالة على صحة هذا النظر ; فالآيات والأحاديث الدالة على إخلاص الأعمال لله ، وعلى أن ما لم يخلص لله منها ; فلا يقبله الله ، كقوله تعالى : وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين [ البينة : 5 ] .

وقوله : فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا [ الكهف : 110 ] .

وفي الحديث : أنا أغنى الشركاء عن الشرك .

وفيه : فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه ; أي : ليس له من التعبد لله بالأمر بالهجرة شيء ، فإن كل أمر ونهي عقل معناه أو لم يعقل معناه ; ففيه تعبد حسبما يأتي إن شاء الله ; فالعامل لحظه مسقط لجانب التعبد ، ولذلك عد جماعة من السلف المتقدمين العامل للأجر خديم السوء وعبد السوء ، وفي الآثار من ذلك أشياء ، وقد جمع الأمر كله قوله تعالى : ألا لله الدين الخالص [ الزمر : 3 ] .

وأيضا ; فقد عد الناس من هذا ما هو قادح في الإخلاص ومدخل للشوب في الأعمال ; فقال الغزالي : كل حظ من حظوظ الدنيا تستريح إليه النفس ، ويميل إليه القلب قل أو كثر إذا تطرق إلى العمل ، تكدر به صفوه ، وقل به [ ص: 356 ] إخلاصه .

قال : " والإنسان منهمك في حظوظه ومنغمس في شهواته ، قلما ينفك فعل من أفعاله ، وعبادة من عباداته عن حظوظ ما وأغراض عاجلة [ من هذه الأجناس ] ، ولذلك [ قيل ] : من سلم له في عمره خطرة واحدة خالصة لوجه الله نجا ، وذلك لعز الإخلاص ، وعسر تنقية القلب عن هذه الشوائب ، بل الخالص هو الذي لا باعث فيه إلا طلب القرب من الله تعالى " .

ثم قال : " وإنما الإخلاص تخليص العمل عن هذه الشوائب كلها قليلها وكثيرها ، حتى يتجرد فيه قصد التقرب ; فلا يكون فيه باعث سواه " .

قال : " وهذا لا يتصور إلا من محب لله مستهتر ، مستغرق الهم بالآخرة ، بحيث لم يبق ل [ حب ] الدنيا في قلبه قرار ، حتى لا يحب الأكل والشرب أيضا ، بل تكون رغبته فيه كرغبته في قضاء الحاجة من حيث إنه ضرورة الجبلة ; فلا يشتهي الطعام لأنه طعام ، بل لأنه يقويه على العبادة ، ويتمنى [ أن ] لو كفي شر الجوع حتى لا يحتاج إلى الأكل ; فلا يبقى في قلبه حظ في الفضول الزائدة على الضرورة ، ويكون قدر الضرورة مطلوبا عنده لأنه ضرورة دينية ; فلا يكون له هم إلا الله تعالى ، فمثل هذا الشخص لو أكل أو شرب أو قضى حاجته ; كان خالص العمل صحيح النية في جميع حركاته وسكناته ، فلو نام مثلا ليريح نفسه ليتقوى على العبادة بعده ; كان نومه عبادة وحاز درجة المخلصين ، ومن ليس كذلك ; فباب الإخلاص في الأعمال كالمسدود عليه إلا على سبيل الندور " . ثم تكلم على باقي المسألة ، وله في الإحياء من هذا المعنى مواضع يعرفها من زواله ، فإذا كان كذلك ; فالعامل الملتفت إلى حظ نفسه على [ ص: 357 ] خلاف ما وقع الكلام عليه .

فالجواب أن ما تعبد العباد به على ضربين :

أحدهما : العبادات المتقرب بها إلى الله بالأصالة ، وذلك الإيمان وتوابعه من قواعد الإسلام وسائر العبادات .

والثاني : العادات الجارية بين العباد التي في التزامها نشر المصالح بإطلاق ، وفي مخالفتها نشر المفاسد بإطلاق ، وهذا هو المشروع لمصالح العباد ودرء المفاسد عنهم ، وهو القسم الدنيوي المعقول المعنى ، والأول هو حق الله من العباد في الدنيا ، والمشروع لمصالحهم في الآخرة ودرء المفاسد عنهم .

فأما الأول ; فلا يخلو أن يكون الحظ المطلوب دنيويا أو أخرويا .

فإن كان أخرويا ; فهذا حظ قد أثبته الشرع حسبما تقدم ، وإذا ثبت شرعا ; فطلبه من حيث أثبته صحيح ، إذ لم يتعد ما حده الشارع ، ولا أشرك مع الله في ذلك العمل غيره ، ولا قصد مخالفته ; إذ قد فهم من الشارع حين رتب على الأعمال جزاء أنه قاصد لوقوع الجزاء على الأعمال ; فصار العامل ليقع له الجزاء عاملا لله وحده على مقتضى العلم الشرعي ، وذلك غير قادح في [ ص: 358 ] إخلاصه ; لأنه علم أن العبادة المنجية والعمل الموصل ما قصد به وجه الله لا ما قصد به غيره ; لأنه عز وجل يقول : إلا عباد الله المخلصين أولئك لهم رزق معلوم إلى قوله في جنات النعيم [ الصافات : 40 - 43 ] الآية .

فإذا كان قد رتب الجزاء على العمل المخلص - ومعنى كونه مخلصا أن لا يشرك معه في العبادة غيره - ; فهذا قد عمل على وفق ذلك ، وطلب الحظ ليس بشرك ، إذ لا يعبد الحظ نفسه ، وإنما يعبد من بيده بذل الحظ المطلوب ، وهو الله تعالى ، لكن لو أشرك مع الله من ظن بيده بذل حظ ما من العباد ; فهذا هو الذي أشرك ، حيث جعل مع الله غيره في ذلك الطلب بذلك العمل ، والله لا يقبل عملا فيه شرك ، ولا يرضى بالشرك ، وليست مسألتنا من هذا .

فقد ظهر أن قصد الحظ الأخروي في العبادة لا ينافي الإخلاص فيها ، بل إذا كان العبد عالما بأنه لا يوصله إلى حظه من الآخرة إلا الله تعالى ; فذلك باعث له على الإخلاص ، قوي لعلمه أن غيره لا يملك ذلك .

وأيضا ; فإن العبد لا ينقطع طلبه للحظ لا في الدنيا ولا في الآخرة ، على ما نص عليه أبو حامد رحمه الله ; لأن أقصى حظوظ المحبين التنعم في الآخرة بالنظر إلى محبوبهم والتقرب منه ، والتلذذ بمناجاته ، وذلك حظ عظيم ، بل هو أعظم ما في الدارين ، وهو راجع إلى حظ العبد من ذلك ، فإن الله تعالى غني عن العالمين ، قال تعالى : ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين [ العنكبوت : 6 ] .

[ ص: 359 ] وإلى هذا فإن كون الإنسان يعمل لمجرد امتثال الأمر نادر قليل إن وجد ، والله عز وجل قد أمر الجميع بالإخلاص ، والإخلاص البريء عن الحظوظ العاجلة والآجلة عسير جدا لا يصل إليه إلا خواص الخواص ، وذلك قليل ، فيكون هذا المطلوب قريبا من تكليف ما لا يطاق ، وهذا شديد .

وعلى أن بعض الأئمة قال : " إن الإنسان لا يتحرك إلا بحظ ، والبراءة من الحظوظ صفة إلهية ، ومن ادعاه فهو كافر ، قال أبو حامد : وما قاله حق ، ولكن القوم إنما أرادوا به - يعني الصوفية - البراءة عما يسميه الناس حظوظا ، وذلك الشهوات الموصوفة في الجنة فقط ، فأما التلذذ بمجرد المعرفة والمناجاة ، والنظر إلى وجه الله العظيم ; فهذا حظ هؤلاء ، وهذا لا يعده الناس حظا ، بل يتعجبون منه " .

قال : " وهؤلاء لو عوضوا عما هم فيه من لذة الطاعة والمناجاة ، وملازمة الشهود للحضرة الإلهية سرا وجهرا نعيم الجنة ، لاستحقروها ولم يلتفتوا إليها ; فحركتهم لحظ ، وطاعتهم لحظ ، ولكن حظهم معبودهم دون غيره " . هذا ما قال ، وهو إثبات لأعظم الحظوظ ، ولكن هؤلاء على ضربين :

[ ص: 360 ] أحدهما : من يسبق له امتثال أمر الله الحظ ، فإذا أمر أو نهي لبى قبل حضور الحظ ، فهم عاملون بالامتثال لا بالحظ ، وأصحاب هذا الضرب على درجات ، ولكن الحظ لا يرتفع خطوره على قلوبهم إلا نادرا ، ولا مقال في صحة إخلاص هؤلاء .

والثاني : من يسبق له الحظ الامتثال ، بمعنى أنه لما سمع الأمر أو النهي خطر له الجزاء ، وسبق له الخوف أو الرجاء ، فلبى داعي الله ، فهو دون الأول ، ولكن هؤلاء مخلصون أيضا ; إذ طلبوا ما أذن لهم في طلبه ، وهربوا عما أذن لهم في الهرب عنه ، من حيث لا يقدح في الإخلاص عما تقدم .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #72  
قديم 19-12-2021, 04:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,266
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله


الموافقات
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الثانى
الحلقة (72)
صـ361 إلى صـ 373


فصل

وإن كان الحظ المطلوب بالعبادات ما في الدنيا ; فهو قسمان :

قسم يرجع إلى صلاح الهيئة ، وحسن الظن عند الناس ، واعتقاد الفضيلة للعامل بعمله .

وقسم يرجع إلى نيل حظه من الدنيا ، وهذا ضربان :

أحدهما : يرجع إلى ما يخص الإنسان في نفسه مع الغفلة عن مراءاة الناس بالعمل .

والآخر يرجع إلى المراءاة لينال بذلك مالا أو جاها أو غير ذلك ; فهذه ثلاثة أقسام .

[ ص: 361 ] أحدها : يرجع إلى تحسين الظن عند الناس واعتقاد الفضيلة .

فإن كان هذا القصد متبوعا ; فلا إشكال في أنه رياء لأنه إنما يبعثه على العبادة قصد الحمد وأن يظن به الخير ، وينجر مع ذلك كونه يصلي فرضه أو نفله ، وهذا بين .

وإن كان تابعا ; فهو محل نظر واجتهاد ، واختلف العلماء في هذا الأصل ; فوقع في العتبية في الرجل الذي يصلي لله ثم يقع في نفسه أنه يحب أن يعلم ، ويحب أن يلقى في طريق المسجد ، ويكره أن يلقى في طريق غيره ; فكره ربيعة هذا ، وعده مالك من قبيل الوسوسة العارضة للإنسان ; أي أن الشيطان يأتي للإنسان إذ سره مرأى الناس له على الخير ; فيقول له : إنك لمراء وليس كذلك ، وإنما هو أمر يقع في قلبه لا يملك ، وقد قال تعالى : وألقيت عليك محبة مني [ طه : 39 ] .

وقال عن إبراهيم عليه السلام : واجعل لي لسان صدق في الآخرين [ الشعراء : 84 ] . وفي حديث ابن عمر : وقع في نفسي أنها النخلة ، فأردت أن أقولها ، فقال عمر : لأن تكون قلتها أحب إلي من كذا وكذا .

وطلب العلم عبادة ، قال ابن العربي : سألت شيخنا الإمام أبا منصور الشيرازي الصوفي عن قوله تعالى : إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا [ البقرة : 160 ] [ ص: 362 ] ما بينوا ؟ قال : أظهروا أفعالهم للناس بالصلاح والطاعات . قلت : ويلزم ذلك ؟ قال : نعم ; لتثبت أمانته ، وتصح إمامته ، وتقبل شهادته " .

قال ابن العربي : ويقتدي به غيره ; فهذه الأمور وما كان مثلها تجري هذا المجرى والغزالي يجعل مثل هذا مما لا تتخلص فيه العبادة .

والثاني : ما يرجع إلى ما يخص الإنسان في نفسه ، مع الغفلة عن مراءاة الغير ، وله أمثلة :

أحدها : الصلاة في المسجد للأنس بالجيران ، أو الصلاة بالليل لمراقبة أو مراصدة أو مطالعة أحوال .

والثاني : الصوم توفيرا للمال ، أو استراحة من عمل الطعام وطبخه ، أو احتماء لألم يجده ، أو مرض يتوقعه أو بطنة تقدمت له .

والثالث : الصدقة للذة السخاء والتفضل على الناس .

والرابع : الحج لرؤية البلاد ، والاستراحة من الأنكاد ، أو للتجارة ، أو لتبرمه بأهله وولده ، أو إلحاح الفقر .

[ ص: 363 ] والخامس : الهجرة مخافة الضرر في النفس أو الأهل أو المال .

والسادس : تعلم العلم ليحتمي به عن الظلم .

والسابع : الوضوء تبردا .

والثامن : الاعتكاف فرارا من الكراء .

والتاسع : عيادة المرضى والصلاة على الجنائز ليفعل به ذلك .

والعاشر : تعليم العلم ليتخلص به من كرب الصمت ويتفرج بلذة الحديث .

والحادي عشر : الحج ماشيا ليتوفر له الكراء .

وهذا الموضع أيضا محل اختلاف إذا كان القصد المذكور تابعا لقصد العبادة ، وقد التزم الغزالي فيها وفي أشباهها أنها خارجة عن الإخلاص ، لكن بشرط أن يصير العمل عليه أخف بسبب هذه الأغراض ، وأماابن العربي ، فذهب إلى خلاف ذلك ، وكأن مجال النظر في المسألة يلتفت إلى انفكاك القصدين أو عدم انفكاكهما ; فابن العربي يلتفت إلى وجه الانفكاك فيصحح العبادات ، وظاهر الغزالي الالتفات إلى مجرد الاجتماع وجودا ، كان القصدان مما يصح انفكاكهما أو لا ، وذلك بناء على مسألة الصلاة في الدار المغصوبة ، والخلاف فيها واقع ، ورأي أصبغ فيها البطلان ، فإذا كان كذلك ; اتجه [ ص: 364 ] النظران ، وظهر مغزى المذهبين .

على أن القول بصحة الانفكاك فيما يصح فيه الانفكاك أوجه ; لما جاء [ ص: 365 ] [ ص: 366 ] من الأدلة على ذلك ; ففي القرآن الكريم : ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم [ البقرة : 198 ] ، يعني في مواسم الحج .

وقال ابن العربي في الفرار من الأنكاد بالحج أو الهجرة : إنه دأب المرسلين ; فقد قال الخليل عليه السلام : إني ذاهب إلى ربي سيهدين [ الصافات : 99 ] ، وقال الكليم : ففررت منكم لما خفتكم [ الشعراء : 21 ] ، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعلت قرة عينه في الصلاة ; فكان يستريح إليها [ ص: 367 ] من تعب الدنيا ، وكان فيها نعيمه ولذته ، أفيقال : إن دخوله فيها على هذا الوجه قادح فيها ؟ كلا ، بل هو كمال فيها وباعث على الإخلاص فيها .

وفي الصحيح : يا معشر الشباب ! من استطاع منكم الباءة فليتزوج ; فإنه أغض للبصر ، وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع ; فعليه بالصوم فإنه له وجاء .

ذكر ابن بشكوال عن أبي علي الحداد ; قال : حضرت القاضي أبا بكر بن زرب شكا إلى الترجيلي المتطبب ضعف معدته وضعف هضمه ، على ما لم يكن يعهد من نفسه ، وسأله عن الدواء ، فقال : اسرد الصوم تصلح معدتك . فقال له : يا أبا عبد الله ! على غير هذا دلني ، ما كنت لأعذب نفسي بالصوم إلا لوجهه خالصا ، ولي عادة في الصوم الاثنين والخميس لا أنقل نفسي عنها . قال أبو علي : وذكرت في ذلك المجلس حديث الرسول عليه الصلاة والسلام - يعني : هذا الحديث - وجبنت عن إيراد ذلك عليه في ذلك المجلس ، وأحسبني ذاكرته في ذلك في غير هذا المجلس ; فسلم للحديث .

[ ص: 368 ] وقد بعث عليه الصلاة والسلام رجلا ليكون رصدا في شعب ، فقام يصلى ولم يكن قصده بالإقامة في الشعب إلا الحراسة والرصد .

[ ص: 369 ] والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ، ويكفي من ذلك ما يراعيه الإمام في صلاته من أمر الجماعة ; كانتظار الداخل ليدرك الركوع معه على ما جاء في الحديث ، وما لم يعمل به مالك فقد عمل به غيره ، وكالتخفيف لأجل [ ص: 370 ] الشيخ والضعيف وذي الحاجة ، وقوله عليه الصلاة والسلام : " إني لأسمع بكاء [ ص: 371 ] الصبي " الحديث .

وكرد السلام في الصلاة ، وحكاية المؤذن ، وما أشبه ذلك مما هو [ ص: 372 ] عمل خارج عن حقيقة الصلاة ، مفعول فيها مقصود يشرك قصد الصلاة ، ومع ذلك ; فلا يقدح في حقيقة إخلاصها .

بل لو كان شأن العبادة أن يقدح في قصدها قصد شيء آخر سواه ; لقدح فيها مشاركة القصد إلى عبادة أخرى ، كما إذا جاء المسجد قاصدا للتنفل فيه ، وانتظار الصلاة ، والكف عن إذاية الناس ، واستغفار الملائكة له ، فإن كل قصد منها شاب غيره ، وأخرجه عن إخلاصه عن غيره ، وهذا غير صحيح باتفاق ، بل كل قصد منها صحيح في نفسه ، وإن كان العمل واحدا ; لأن الجميع محمود شرعا ، فكذلك ما كان غير عبادة من المأذون فيه ، لاشتراكهما في الإذن الشرعي ، فحظوظ النفوس المختصة بالإنسان لا يمنع اجتماعها مع العبادات إلا ما كان بوضعه منافيا لها ، كالحديث ، والأكل ، والشرب ، والنوم ، والرياء ، وما أشبه ذلك ، أما ما لا منافاة فيه ، فكيف يقدح القصد إليه في العبادة ؟ هذا لا ينبغي أن يقال ، غير أنه لا ينازع في أن إفراد قصد العبادة عن قصد الأمور الدنيوية أولى ، ولذلك إذا غلب قصد الدنيا على قصد العبادة كان [ ص: 373 ] الحكم للغالب ، فلم يعتد بالعبادة فإن غلب قصد العبادة فالحكم له ، ويقع الترجيح في المسائل بحسب ما يظهر للمجتهد .

والثالث : ما يرجع إلى المراءات ، فأصل هذا إذا قصد به نيل المال أو الجاه ، فهو الرياء المذموم شرعا ، وأدهى ما في ذلك فعل المنافقين الداخلين في الإسلام ظاهرا بقصد إحراز دمائهم وأموالهم ، ويلي ذلك عمل المرائين العاملين بقصد نيل حطام الدنيا ، وحكمه معلوم ; فلا فائدة في الإطالة فيه .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #73  
قديم 19-12-2021, 04:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,266
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله


الموافقات
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الثانى
الحلقة (73)
صـ374 إلى صـ 379

فصل

وأما الثاني ; وهو أن يكون العمل إصلاحا للعادات الجارية بين العباد ، كالنكاح ، والبيع ، والإجارة ، وما أشبه ذلك من الأمور التي علم قصد الشارع إلى القيام بها لمصالح العباد في العاجلة ; فهو حظ أيضا قد أثبته الشارع وراعاه في الأوامر والنواهي ، وعلم ذلك من قصده بالقوانين الموضوعة له ، وإذا علم ذلك بإطلاق ; فطلبه من ذلك الوجه غير مخالف لقصد الشارع ; فكان حقا وصحيحا ، هذا وجه .

[ ص: 374 ] ووجه ثان : أنه لو كان طلب الحظ في ذلك قادحا في التماسه وطلبه ; لاستوى مع العبادات كالصيام والصلاة وغيرهما في اشتراط النية والقصد إلى الامتثال ، وقد اتفقوا على أن العادات لا تفتقر إلى نية ، وهذا كاف في كون القصد إلى الحظ لا يقدح في الأعمال التي يتسبب عنها ذلك الحظ ، بل لو فرضنا رجلا تزوج ليرائي بتزوجه ، أو ليعد من أهل العفاف ، أو لغير ذلك لصح تزوجه من حيث لم يشرع فيه نية العبادة من حيث تزوج ، فيقدح فيها الرياء والسمعة ، بخلاف العبادات المقصود بها تعظيم الله تعالى مجردا .

ووجه ثالث : أنه لو لم يكن طلب الحظ فيها سائغا ، لم يصح النص على الامتنان بها في القرآن والسنة ، كقوله تعالى : ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها [ الروم : 21 ] .

وقال : هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا [ يونس : 67 ] .

وقال : الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم [ البقرة : 22 ] .

وقال : ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله [ القصص : 73 ] .

وقال : وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا [ النبأ : 10 - 11 ] .

إلى آخر الآيات ، إلى غير ذلك مما لا يحصى .

وذلك أن ما جاء في معرض مجرد التكليف لا يقع النص عليه في معرض الامتنان ; لأنه في نفسه كلفة وخلاف للعادات ، وقطع للأهواء ; كالصلاة ، [ ص: 375 ] والصيام ، والحج ، والجهاد ، إلا ما نحا نحو قوله : وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم [ البقرة : 216 ] ، بعد قوله : كتب عليكم القتال وهو كره لكم [ البقرة : 216 ] ، بخلاف ما تميل إليه النفوس وتقضى به الأوطار ، وتفتح به أبواب التمتع ، واللذات النفسانية ، وتسد به الخلات الواقعة من الغذاء والدواء ، ودفع المضرات ، وأضراب ذلك ; فإن الإتيان بها في معرض الامتنان مناسب ، وإذا كان كذلك اقتضى هذا البساط الأخذ بها من جهة ما وقعت المنة بها ، فلا يكون الأخذ على ذلك قدحا في العبودية ، ولا نقصا من حق الربوبية ، لكنهم مطالبون على أثر ذلك بالشكر للذي امتن بها ، وذلك صحيح .

فإن قيل : فيلزم على هذا أن يكون الأخذ لها بقصد التجرد عن الحظ قادحا أيضا ; إذ كان المقصود المفهوم من الشارع إثبات الحظ والامتنان به ، وهذا أيضا لا يقال به على الإطلاق ; لما تقدم .

فالجواب أن أخذها من حيث تلبية الأمر أو الإذن قد حصل في ضمنه الحظ وبالتبعية ; لأنه إذا ندب إلى التزوج مثلا فأخذه من حيث الندب على وجه لو لم يندب إليه لتركه مثلا ، فإن أخذه من هنالك قد حصل له به أخذه من حيث الحظ ; لأن الشارع قصد بالنكاح التناسل ، ثم أتبعه آثارا حسنة ; من التمتع باللذات ، والانغمار في نعم يتنعم بها المكلف كاملة ، فالتمتع بالحلال من جملة ما قصده الشارع ، فكان قصد هذا القاصد بريئا من الحظ ، وقد انجر [ ص: 376 ] في قصده الحظ ; فلا فرق بينه وبين من قصد بالنكاح نفس التمتع ; فلا مخالفة للشارع من جهة القصد ، بل له موافقتان : موافقة من جهة قبول ما قصد الشارع أن يتلقاه بالقبول ، وهو التمتع ، وموافقة من جهة أن أمر الشارع في الجملة يقتضي اعتبار المكلف له في حسن الأدب ، فكان له تأدب مع الشارع في تلبية الأمر زيادة إلى حصول ما قصده من نيل حظ المكلف .

وأيضا ; ففي قصد امتثال الأمر القصد إلى المقصد الأصلي من حصول النسل ، فهو بامتثال الأمر ملب للشارع في هذا القصد ، بخلاف طلب الحظ فقط ; فليس له هذه المزية .

فإن قيل : فطالب الحظ في هذا الوجه ملوم ; إذ أهمل قصد الشارع في الأمر من هذه الجهة .

فالجواب أنه لم يهمله مطلقا ; فإنه حين ألقى مقاليده في نيل هذه الحظوظ للشارع على الجملة حصل له بالضمن مقتضى ما قصد الشارع ، فلم يكن قصد المكلف في نيل الحظوظ منافيا لقصد الشارع الأصلي .

وأيضا ; فالداخل في حكم هذه الحظوظ داخل بحكم الشرط العادي على أنه يلد ، ويتكلف التربية والقيام بمصالح الأهل والولد ; كما أنه عالم إذا أتى الأمر من بابه أنه ينفق على الزوجة ويقوم بمصالحها ، لكن لا يستوي القصدان : قصد الامتثال ابتداء حتى كان الحظ حاصلا بالضمن ، وقصد الحظ ابتداء حتى صار قصد الامتثال بالضمن ; فثبت أن قصد الحظ في هذا القسم [ ص: 377 ] غير قادح في العمل .

فإن قيل : فطالب الحظ إذا فرضناه لم يقصد الامتثال على حال ، وإنما طلب حظه مجردا ، بحيث لو تأتى له على غير الوجه المشروع لأخذ به ، لكنه لم يقدر عليه إلا بالوجه المشروع ; فهل يكون القصد الأول في حقه موجودا بالقوة أم لا ؟

فالجواب أنه موجود له بالقوة أيضا ; لأنه إذا لم يكن له سبيل إلى الوصول إلى حظه على غير المشروع ; فرجوعه إلى الوجه المشروع قصد إليه ، وقصد الوجه المشروع يتضمن امتثال الأمر أو العمل بمقتضى الإذن ، وهو القصد الأول الأصلي وإن لم يشعر به على التفصيل ، وقد مر بيان هذا في موافقة قصد الشارع ، وأما العمل بالحظ والهوى بحيث [ لو ] يكون قصد العامل تحصيل مطلوبه وافق الشارع أو خالفه ، فليس من الحق في شيء ، وهو ظاهر والشواهد عليه أظهر .

فإن قيل : أما كونه عاملا على قصد المخالفة ; فظاهر أنه عامل بالهوى لا بالحق ، وأما عمله على غير قصد المخالفة فليس عاملا بالهوى بإطلاق ; فقد تبين في موضعه أن العامل بالجهل فيخالف أمر الشارع حكمه حكم الناسي ، فلا ينسب عمله إلى الهوى هكذا بإطلاق ، وإذا وافق أمر الشرع جهلا ، فسيأتي أن يصح عمله على الجملة ، فلا يكون عمله بالهوى أيضا وإلى هذا ، فالعامل بالهوى إذا صادف أمر الشارع فلم تقول : إنه عامل بالهوى وقد وافق قصده مع ما مر آنفا أن موافقة أمر الشارع تصير الحظ محمودا .

فالجواب أنه إذا عمل على غير قصد المخالفة ; فلا يستلزم أن يكون موافقا له ، بل الحالات ثلاث :

[ ص: 378 ] حال يكون فيها قاصدا للموافقة ; فلا يخلو أن يصيب بإطلاق ; كالعالم يعمل على وفق ما علم ; فلا إشكال أو يصيب بحكم الاتفاق أو لا يصيب ، فهذان قسمان يدخل فيهما العامل بالجهل ، فإن الجاهل إذا ظن في تقديره أن العمل هكذا ، وأن العمل مأذون فيه على ذلك الوجه الذي دخل فيه لم يقصد مخالفة ، لكن فرط في الاحتياط لذلك العمل ، فيؤاخذ في الطريق ، وقد لا يؤاخذ إذا لم يعد مفرطا ، ويمضي عمله إن كان موافقا .

وأما إذا قصد مخالفة أمر الشارع فسواء في العبادات وافق أو خالف [ فإنه لا اعتبار بموافقته كما ] لا اعتبار بما يخالف فيه ; لأنه مخالف القصد بإطلاق ، وفي العادات الأصل اعتبار ما وافق دون ما خالف ; لأن ما لا تشترط النية في صحته من الأعمال لا اعتبار بموافقته في القصد الشرعي ولا مخالفته ، كمن عقد [ ص: 379 ] عقدا يقصد أنه فاسد فكان صحيحا ، أو شرب جلابا يظنه خمرا ; إلا أن عليه في قصد المخالفة درك الإثم .

وأما إذا لم يقصد موافقة ولا مخالفة ; فهو العمل علي مجرد الحظ أو الغفلة ; كالعامل ولا يدري ما الذي يعمل ، أو يدري ولكنه إنما قصد مجرد العاجلة ، معرضا عن كونه مشروعا أو غير مشروع ، وحكمه في العبادات عدم الصحة ; لعدم نية الامتثال ، ولذلك لم يكلف الناسي ولا الغافل ولا غير العاقل ، وفي العادات الصحة إن وافق قصد الشارع ، وإلا ; فعدم الصحة .

وفي هذا الموضع نظر إذ يقال : إن المقصد هنا لما انتفى ; فالموافقة غير معتبرة لإمكان الاسترسال بها في المخالفة وقد يظهر لهذا تأثير في تصرفات المحجور ; كالطفل والسفيه الذي لا قصد له إلى موافقة قصد الشارع في إصلاح المال ، فلذلك قيل بعدم نفوذ تصرفاته مطلقا ، وإن وافقت المصلحة ، وقيل بنفوذ ما وافق المصلحة منها لا ما خالفها ، على تفصيل أصله هذا النظر ، وهو أن مطلق القصد إلى المصلحة غير منتهض ، فهو بهذا القصد مخالف للشارع ، وقد يقال : القصد إنما يعتبر بما ينشأ عنه ، وقد نشأ هنا مع عدم القصد موافقة قصد الشارع ; فصح .
فصل

حيث قلنا بالصحة في التصرفات العادية وإن خالف القصد قصد الشارع ; فإن ما مضى الكلام فيه مع اصطلاح الفقهاء ، وأما إذا اعتبرنا ما هو مذكور في هذا الكتاب في نوع الصحة والبطلان من كتاب الأحكام ; فكل ما خالف قصد الشارع ; فهو باطل على الإطلاق ، لكن بالتفسير المتقدم ، والله أعلم .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #74  
قديم 19-12-2021, 04:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,266
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله


الموافقات
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الثانى
الحلقة (74)
صـ380 إلى صـ 386

المسألة السابعة

المطلوب الشرعي ضربان :

أحدهما : ما كان من قبيل العاديات الجارية بين الخلق ، في الاكتسابات وسائر المحاولات الدنيوية ، التي هي طرق الحظوظ العاجلة ; كالعقود على اختلافها ، والتصاريف المالية على تنوعها .

والثاني : ما كان من قبيل العبادات اللازمة للمكلف ، من جهة توجهه إلى الواحد المعبود .

فأما الأول ; فالنيابة فيه صحيحة ، فيقوم فيها الإنسان عن غيره وينوب منابه فيما لا يختص به منها ; فيجوز أن ينوب منابه في استجلاب المصالح له ودرء المفاسد عنه ، بالإعانة والوكالة ونحو ذلك مما هو في معناه ; لأن الحكمة التي يطلب بها المكلف في ذلك كله صالحة أن يأتي بها سواه ; كالبيع والشراء ، والأخذ والإعطاء ، والإجارة والاستئجارة ، والخدمة ، والقبض ، والدفع ، وما أشبه ذلك ما لم يكن مشروعا لحكمة لا تتعدى المكلف عادة أو شرعا ; كالأكل ، والشرب ، واللبس ، والسكنى ، وغير ذلك مما جرت به العادات ، وكالنكاح وأحكامه التابعة له من وجوه الاستمتاع التي لا تصح النيابة فيها شرعا ، فإن مثل هذا مفروغ من النظر فيه ، لأن حكمته لا تتعدى صاحبها إلى غيره ، ومثل ذلك وجوه العقوبات والازدجار ; لأن مقصود الزجر لا يتعدى صاحب الجناية ما لم يكن ذلك راجعا إلى المال ; فإن النيابة فيه تصح ، فإن كان دائرا بين الأمر المالي [ ص: 381 ] وغيره ; فهو مجال نظر واجتهاد ، كالحج والكفارات ; فالحج بناء على أن المغلب فيه التعبد ; فلا تصح النيابة فيه ، أو المال ; فتصح ، والكفارة بناء على أنها زجر فتختص ، أو جبر فلا تختص ، وكالتضحية في الذبح بناء على ما بني عليه في الحج ، وما أشبه هذه الأشياء .

فالحاصل أن حكمة العاديات إن اختصت بالمكلف ; فلا نيابة ، وإلا صحت النيابة ، وهذا القسم لا يحتاج إلى إقامة دليل لوضوح الأمر فيه .

وأما الثاني ; فالتعبدات الشرعية لا يقوم فيها أحد عن أحد ، ولا يغني فيها عن المكلف غيره ، وعمل العامل لا يجتزى به غيره ، ولا ينتقل بالقصد إليه ، ولا يثبت إن وهب ، ولا يحمل إن تحمل ، وذلك بحسب النظر الشرعي القطعي نقلا وتعليلا .

فالدليل على صحة هذه الدعوى أمور :

أحدها : النصوص الدالة على ذلك ; كقوله تعالى : ولا تزر وازرة وزر أخرى [ الأنعام : 164 ] .

[ ص: 382 ] وأن ليس للإنسان إلا ما سعى [ النجم : 39 ] .

وفي القرآن : ولا تزر وازرة وزر أخرى [ الإسراء : 15 ] في مواضع .

وفي بعضها : وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى [ فاطر : 18 ] .

ثم قال : ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه [ فاطر : 18 ] .

وقال تعالى : وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون [ العنكبوت : 12 ] .

وقال : وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم [ القصص : 55 ] .

وقال تعالى : ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء [ الأنعام : 52 ] الآية .

وأيضا ما يدل على أن أمور الآخرة لا يملك فيها أحد عن أحد شيئا ، كقوله : يوم لا تملك نفس لنفس شيئا [ الانفطار : 19 ] ; فهذا عام في نقل الأجور أو حمل الأوزار ونحوها .

وقال : واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا [ لقمان : 33 ] .

وقال : واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل [ البقرة : 48 ] الآية .

[ ص: 383 ] إلى كثير من هذا المعنى .

وفي الحديث حين أنذر عليه الصلاة والسلام عشيرته الأقربين : يا بني فلان ! إني لا أملك لكم من الله شيئا .

والثاني : المعنى ، وهو أن مقصود العبادات الخضوع لله ، والتوجه إليه ، والتذلل بين يديه ، والانقياد تحت حكمه ، وعمارة القلب بذكره ; حتى يكون العبد بقلبه وجوارحه حاضرا مع الله ، ومراقبا له غير غافل عنه ، وأن يكون ساعيا في مرضاته ، وما يقرب إليه على حسب طاقته ، والنيابة تنافي هذا المقصود وتضاده ; لأن معنى ذلك أن لا يكون العبد عبدا ولا المطلوب بالخضوع والتوجه خاضعا ولا متوجها ، إذا ناب عنه غيره في ذلك ، وإذا قام غيره في ذلك مقامه ; فذلك الغير هو الخاضع المتوجه ، والخضوع والتوجه ونحوهما إنما هو اتصاف بصفات العبودية ، والاتصاف لا يعدو المتصف به ولا ينتقل عنه إلى غيره ، والنيابة إنما معناها أن يكون المنوب منه بمنزلة النائب ، حتى يعد المنوب عنه متصفا بما اتصف به النائب ، وذلك لا يصح في العبادات كما يصح في التصرفات ; فإن النائب في أداء الدين مثلا لما قام مقام المدان صار المدان متصفا بأنه مؤد لدينه ; فلا مطالبة للغريم بعد ذلك به ، وهذا في التعبد لا يتصور ما لم يتصف المنوب عنه بمثل ما اتصف به النائب ، ولا نيابة إذ ذاك على حال .

والثالث : أنه لو صحت النيابة في العبادات البدنية لصحت في الأعمال [ ص: 384 ] القلبية ; كالإيمان وغيره من الصبر والشكر ، والرضى والتوكل ، والخوف والرجاء ، وما أشبه ذلك ، ولم تكن التكاليف محتومة على المكلف عينا لجواز النيابة ; فكان يجوز أمره ابتداء على التخيير بين العمل والاستنابة ، ولصح مثل ذلك في المصالح المختصة بالأعيان من العاديات ; كالأكل ، والشرب ، والوقاع ، واللباس ، وما أشبه ذلك ، وفي الحدود والقصاص ، والتعزيرات ، وأشباهها من أنواع الزجر ، وكل ذلك باطل بلا خلاف ; من جهة أن حكم هذه الأحكام مختصة ; فكذلك سائر التعبدات .

وما تقدم من آيات القرآن كلها عمومات لا تحتمل التخصيص ; لأنها محكمات نزلت بمكة احتجاجا على الكفار ، وردا عليهم في اعتقادهم حمل بعضهم عن بعض أو دعواهم ذلك عنادا ، ولو كانت تحتمل الخصوص في هذا [ ص: 385 ] المعنى ; لم يكن فيها رد عليهم ، ولما قامت عليهم بها حجة ، أما على القول بأن العموم إذا خص لا يبقى حجة في الباقي ; فظاهر ، وأما على قول غيرهم ; فلتطرق احتمال التخصيص بالقياس أو غيره ، وإذا تأمل الناظر العمومات المكية وجد عامتها عرية عن التخصيص والنسخ وغير ذلك من الأمور المعارضة ; فينبغي للبيب أن يتخذها عمدة في الكليات الشرعية ، ولا ينصرف عنها .

فإن قيل : كيف هذا ؟ وقد جاء في النيابة في العبادات واكتساب الأجر والوزر من الغير ، وعلى ما لم يعمل أشياء :

أحدها : الأدلة الدالة على خلاف ما تقدم ، وهي جملة منها أن الميت يعذب ببكاء الحي عليه .

وأن من سن سنة حسنة أو سيئة ; كان له أجرها أو عليه وزرها .

[ ص: 386 ] وأن " الرجل إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث " .

وأنه ما من نفس تقتل ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها .

وفي القرآن : والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم [ الطور : 21 ] .

وفسر بأن الأبناء يرفعون إلى منازل الآباء وإن لم يبلغوا ذلك بأعمالهم .

وفي الحديث : إن فريضة الله أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة ; أفأحج عنه ؟ قال : نعم .

وفي رواية : أفرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته ، أكان يجزئه ؟ قالت : نعم . قال : فدين الله أحق أن يقضى .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #75  
قديم 19-12-2021, 04:26 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,266
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله




الموافقات
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الثانى
الحلقة (75)
صـ387 إلى صـ 400

ومن مات وعليه صوم صام عنه وليه .

وقيل : يا رسول الله ! إن أمي ماتت وعليها نذر لم تقضه . قال : فاقضه عنها .

وقد قال بمقتضى هذه الأحاديث كبراء وعلماء ، وجماعة ممن لم يذهب إلى ذلك قالوا بجواز هبة العمل ، وأن ذلك ينفع الموهوب له عند الله تعالى ; فهذه جملة تدل على ما لم يذكر من نوعها ، وتبين أن ما تقدم في الكلية المذكورة ليست على العموم ; فلا تكون صحيحة .

والثاني : أن لنا قاعدة يرجع إليها غير مختلف فيها ، وهي قاعدة الصدقة عن الغير ، وهى عبادة ; لأنها إنما تكون صدقة إذا قصد بها وجه الله تعالى وامتثال أمره ، فإذا تصدق الرجل عن الرجل ; أجزأ ذلك عن المتصدق عنه وانتفع [ ص: 388 ] به ، ولا سيما إن كان ميتا ، فهذه عبادة حصلت فيها النيابة ، ويؤكد ذلك ما كان من الصدقة فرضا كالزكاة ; فإن إخراجها عن الغير جائز وجاز عن ذلك الغير ، والزكاة أخية الصلاة .

والثالث : أن لنا قاعدة أخرى متفقا عليها أو كالمتفق عليها ، وهى تحمل العاقلة للدية في قتل الخطأ ; فإن حاصل الأمر في ذلك أن يتلف زيد فيغرم عمرو ، وليس ذلك إلا من باب النيابة في أمر تعبدي لا يعقل معناه ، ومنه أيضا نيابة الإمام عن المأموم في القراءة وبعض أركان الصلاة مثل القيام ، والنيابة عنه في سجود السهو بمعنى أنه يحمله عنه ، وكذلك الدعاء للغير ; فإن حقيقته خضوع لله وتوجه إليه ، والغير هو المنتفع بمقتضى تلك العبادة ، وقد خلق الله ملائكة عبادتهم الاستغفار للمؤمنين خصوصا ولمن في الأرض عموما ، وقد استغفر النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبويه حتى نزل : ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين [ التوبة : 113 ] .

[ ص: 389 ] [ ص: 390 ] وقال في ابن أبي : " لأستغفرن لك ما لم أنه عنك " حتى نزل : استغفر لهم أو لا تستغفر لهم [ التوبة : 80 ] ، ونزل : ولا تصل على أحد منهم مات أبدا [ التوبة : 84 ] الآية .

وإن كان قد نهي عنه ; فلم ينه عن الاستغفار لمن كان حيا منهم ، وقال عليه الصلاة والسلام : اللهم اغفر لقومي ; فإنهم لا يعلمون .

وعلى الجملة ; فالدعاء للغير مما علم من دين الأمة ضرورة .

والرابع : إن النيابة في الأعمال البدنية غير العبادات صحيحة ، وكذلك [ ص: 391 ] بعض العبادات البدنية ، وإن كانت واجبة على الإنسان عينا ، وكذلك المالية ، وأولها الجهاد ; فإنه جائز أن يستنيب فيه المكلف به غيره بجعل وبغير جعل ، إذا أذن الإمام ، والجهاد عبادة ، فإذا جازت النيابة في مثل هذا ; فلتجز في باقي الأعمال المشروعة لأن الجميع مشروع .

والخامس : إن مآل الأعمال التكليفية أن يجازى عليها ، وقد يجازى الإنسان على ما لم يعمل ، خيرا كان الجزاء أو شرا ، وهو أصل متفق عليه في الجملة ، وذلك ضربان :

أحدهما : المصائب النازلة في نفسه وأهله وولده وعرضه ; فإنه إن كانت باكتساب كفر بها من سيئاته ، وأخذ بها من أجر غيره ، وحمل غيره وزره ، و [ لو ] لم يعمل بذلك ، فضلا عن أن يجد ألمه ، كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في المفلس يوم القيامة ، وإن كانت بغير اكتساب ، فهي كفارات فقط ، أو كفارات وأجور ، وكما جاء فيمن " غرس غرسا أو زرع زرعا يأكل منه [ ص: 392 ] إنسان أو حيوان أنه له أجر " ، وفيمن ارتبط فرسا في سبيل الله فأكل في مرج أو روضة ، أو شرب في نهر ، أو استن شرفا أو شرفين ، ولم يرد أن يكون ذلك ; فهي له حسنات " ، وسائر ما جاء في هذا المعنى .

والضرب الثاني : النيات التي تتجاوز الأعمال كما جاء : " إن المرء يكتب له قيام الليل أو الجهاد إذا حبسه عن عذر " .

[ ص: 393 ] وكذلك سائر الأعمال ; حتى قال عليه الصلاة والسلام في المتمني أن يكون له مال يعمل به مثل عمل فلان : " فهما في الأجر سواء " ، وفي الآخر : " فهما في الوزر سواء " .

[ ص: 394 ] وحديث : من هم بحسنة فلم يعملها ; كتبت له حسنة .

والمسلمان يلتقيان بسيفيهما الحديث .

إلى غير ذلك من الأدلة الدالة على عد المكلف بمجرد النية كالعامل نفسه في الأجر والوزر ، فإذا كان كالعامل وليس بعامل ولا عمل عنه غيره ; فأولى أن يكون كالعامل إذا استناب غيره على العمل .

[ ص: 395 ] فالجواب : أن هذه الأشياء وإن كان منها ما قال بعض العلماء فيه بصحة النيابة ; فإن للنظر فيها متسعا .

أما قاعدة الصدقة عن الغير وإن عددناها عبادة ; فليست من هذا الباب ; فإن كلامنا في نيابة في عبادة من حيث هي تقرب إلى الله تعالى وتوجه إليه ، والصدقة عن الغير من باب التصرفات المالية ، ولا كلام فيها .

وأما قاعدة الدعاء ; فظاهر أنه ليس في الدعاء نيابة لأنه شفاعة للغير ; فليس من هذا الباب .

وأما قاعدة النيابة في الأعمال البدنية والمالية ; فإنها مصالح معقولة المعنى لا يشترط فيها من حيث هي كذلك نية ، بل المنوب عنه إن نوى القربة فيما له سبب فيه ; فله أجر ذلك ، فإن العبادة منه صدرت لا من النائب ، والنيابة على مجرد التفرقة أمر خارج عن نفس التقرب بإخراج المال ، والجهاد وإن كان من الأعمال المعدودة في العبادات ، فهي في الحقيقة معقولة المعنى ، كسائر فروض الكفايات التي هي مصالح الدنيا ، لكن لا يحصل لصاحبها الأجر الأخروي إلا إذا قصد وجه الله تعالى ، وإعلاء كلمة الله ، فإن قصد الدنيا ، فذلك حظه مع أن المصلحة الجهادية قائمة ; كقاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والجهاد شعبة منها ، على أن من أهل العلم من كره النيابة في الجهاد بالجعل ; لما فيه من تعريض النفس للهلكة في عرض من أعراض الدنيا ، ولو فرض هنا قصد التقرب بالعمل ; لم يصح فيه من تلك الجهة نيابة أصلا ; فهذا الأصل لا اعتراض به أيضا .

وأما قاعدة المصائب النازلة ; فليست من باب النيابة في التعبد ، وإنما [ ص: 396 ] الأجر والكفارة في مقابلة ما نيل منه لا لأمر خارج عن ذلك ، وكون حسنات الظالم تعطى المظلوم ، أو سيئات المظلوم تطرح على الظالم ; فمن باب الغرامات ; فهي معاوضات ; لأن الأعواض الأخروية إنما تكون في الأجور والأوزار ; إذ لا دينار هناك ولا درهم ، وقد فات القضاء في الدنيا .

ومسألة الغرس والزرع من باب المصائب في المال ، ومن باب الإحسان به إن كان باختيار مالكه .

ومسألة العاجز عن الأعمال راجعة إلى الجزاء على الأعمال المختصة بالعامل بلا نيابة ; إذ عد في الجزاء بسبب نيته كمن عمل تفضلا من الله تعالى ، مع أن الأحكام إنما تجري في الدنيا على الظاهر ، ولذلك يقال فيمن عجز عن عبادة واجبة وفي نيته أن لو قدر عليها لعملها إن له أجر من عملها مع أن ذلك لا يسقط القضاء عنه فيما بينه وبين الله إن كانت العبادة مما يقضى ، كما أنه لو تمنى أن يقتل مسلما أو يسرق أو يفعل شرا إلا أنه لم يقدر ; كان له وزر من عمل ، ولا يعد في الدنيا كمن عمل ، حتى يجب عليه ما يجب على الفاعل حقيقة ; فليست من النيابة في شيء ، وإن فرضت النيابة ; فالنائب هو المكتسب ، فعمله عليه أو له ، فهذه القواعد لا تنقض ما تأصل .

ونرجع إلى ما ذكر أول السؤال ; فإنه عمدة من خالف في المسألة .

[ ص: 397 ] فحديث تعذيب الميت ببكاء الحي ظاهر حمله على عادة العرب في تحريض المريض - إذا ظن الموت - أهله على البكاء عليه ، وأما " من سن سنة . . . " ، وحديث ابن آدم الأول ، وحديث انقطاع العمل إلا من ثلاث ، وما أشبه ذلك ، فإن الجزاء فيها راجع إلى عمل المأجور أو الموزور ; لأنه الذي تسبب فيه أولا ، فعلى جريان سببه تجري المسببات ، والكفل الراجع إلى المتسبب [ الأول ] ناشئ عن عمله ، لا عن عمل المتسبب الثاني ، وإلى هذا المعنى يرجع قوله تعالى : والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم [ الطور : 21 ] الآية ; لأن ولده كسب من كسبه ، فما جرى عليه من خير فكأنه منسوب إلى الأب ، وبذلك فسر قوله تعالى : ما أغنى عنه ماله وما كسب [ المسد : 2 ] أن ولده من كسبه ; فلا غرو أن يرجع إلى منزلته وتقر عينه به ، كما تقر عينه بسائر أعماله الصالحة ، وذلك قوله تعالى : وما ألتناهم من عملهم من شيء [ الطور : 21 ] .

وإنما يشكل من كل ما أورد ما بقي من الأحاديث ; فإنها كالنص في معارضة القاعدة المستدل عليها ، وبسببها وقع الخلاف فيما نص فيها خاصة - وذلك الصيام والحج - ، وأما النذر ; فإنما كان صياما فيرجع إلى الصيام .

والذي يجاب به فيها أمور :

أحدها : أن الأحاديث فيها مضطربة ، نبه البخاري ومسلم على [ ص: 398 ] اضطرابها ; فانظره في الإكمال ، وهو مما يضعف الاحتجاج بها إذا لم تعارض أصلا قطعيا ; فكيف إذا عارضته ؟

وأيضا ; فإن الطحاوي قال في حديث من مات وعليه صوم صام عنه وليه : إنه لم يرو إلا من طريق عائشة ، وقد تركته فلم تعمل به وأفتت بخلافه ، وقال في حديث التي ماتت وعليها نذر : إنه لا يرويه إلا ابن عباس ، وقد خالفه وأفتى بأنه لا يصوم أحد عن أحد .

والثاني : أن الناس على أقوال في هذه الأحاديث : منهم من قبل ما صح منها بإطلاق ; كأحمد بن حنبل ، ومنهم من قبل من قال ببعضها ، فأجاز ذلك في الحج دون الصيام ، وهو مذهب الشافعي ، ومنهم من منع بإطلاق ، كمالك بن أنس ، فأنت ترى بعضهم لم يأخذ ببعض الأحاديث وإن صح ، وذلك دليل على ضعف الأخذ بها في النظر ، ويدل على ذلك أنهم اتفقوا في الصلاة على ما حكاه ابن العربي ، وإن كان ذلك لازما في الحج لمكان ركعتي الطواف ; لأنهم تبع ، ويجوز في التبع ما لا يجوز في غيره ; كبيع الشجرة بثمرة قد أبرت ، وبيع العبد بماله ، واتفقوا على المنع في الأعمال القلبية .

[ ص: 399 ] والثالث : أن من العلماء من تأول الأحاديث على وجه يوجب ترك اعتبارها مطلقا ; وذلك أنه قال : سبيل الأنبياء صلوات الله عليهم أن لا يمنعوا أحدا من فعل الخير ، يريد أنهم سئلوا عن القضاء في الحج والصوم ، فأنفذوا ما سئلوا فيه من جهة كونه خيرا ، لا من جهة أنه جاز عن المنوب عنه ، وقال هذا القائل : لا يعمل أحد عن أحد شيئا ، فإن عمله ; فهو لنفسه كما قال تعالى : وأن ليس للإنسان إلا ما سعى [ النجم : 39 ] .

والرابع : أنه يحتمل أن تكون هذه الأحاديث خاصة بمن كان له تسبب في تلك الأعمال ، كما إذا أمر بأن يحج عنه ، أو أوصى بذلك ، أو كان له فيه سعي حتى يكون موافقا لقوله تعالى : وأن ليس للإنسان إلا ما سعى [ النجم : 39 ] ، وهو قول بعض العلماء .

والخامس : أن قوله : " صام عنه وليه محمول على ما تصح فيه النيابة ، وهو الصدقة مجازا ; لأن القضاء تارة يكون بمثل المقضي ، وتارة بما يقوم مقامه عند تعذره ، وذلك في الصيام الإطعام ، وفي الحج النفقة عمن يحج عنه ، أو [ ص: 400 ] ما أشبه ذلك .

والسادس : أن هذه الأحاديث على قلتها معارضة لأصل ثابت في الشريعة قطعي ، ولم تبلغ مبلغ التواتر اللفظي ولا المعنوي ; فلا يعارض الظن القطع ، كما تقرر أن خبر الواحد لا يعمل به إلا إذا لم يعارضه أصل قطعي ، وهو أصل مالك بن أنس وأبي حنيفة ، وهذا الوجه هو نكتة الموضع ، وهو المقصود فيه ، وما سواه من الأجوبة تضعيف لمقتضى التمسك بتلك الأحاديث ، وقد وضح مأخذ هذا الأصل الحسن ، وبالله التوفيق .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #76  
قديم 19-12-2021, 04:26 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,266
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله


الموافقات
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الثانى
الحلقة (76)
صـ401 إلى صـ 412

فصل

ويبقى النظر في مسألة لها تعلق بهذا الموضع ، وهي مسألة هبة الثواب ، وفيها نظر .

[ ص: 401 ] فللمانع أن يمنع ذلك من وجهين :

أحدهما : أن الهبة إنما صحت في الشريعة في شيء مخصوص ، وهو المال ، وأما في ثواب الأعمال ; فلا ، وإذا لم يكن لها دليل ; فلا يصح القول بها .

والثاني : أن الثواب والعقاب من جهة وضع الشارع كالمسببات بالنسبة إلى الأسباب ، وقد نطق بذلك القرآن ; كقوله تعالى : تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات [ النساء : 13 ] .

ثم قال : ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين [ النساء : 14 ] ، وقوله : جزاء بما كانوا يعملون [ الأحقاف : 14 ] .

[ ص: 402 ] ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون [ النحل : 32 ] .

وهو كثير .

وهذا أيضا كالتوابع بالنسبة إلى المتبوعات ; كاستباحة الانتفاع بالمبيع مع عقد البيع ، واستباحة البضع مع عقد النكاح ; فلا خيرة للمكلف فيه ، هذا مع أنه مجرد تفضل من الله تعالى على العامل ، وإذا كان كذلك ; اقتضى أن الثواب والعقاب ليس للعامل فيه نظر ولا اختيار ، ولا في يده منه شيء ، فإذا لا يصح فيه تصرف ; لأن التصرف من توابع الملك الاختياري ، وليس في الجزاء ذلك ; فلا يصح للعامل تصرف فيما لا يملك ، كما لا يصح لغيره .

وللمجيز أن يستدل أيضا من وجهين :

أحدهما : أن أدلته من الشرع هي الأدلة على جواز الهبة في الأموال وتوابعها ; إما أن تدخل تحت عمومها أو إطلاقها ، وإما بالقياس عليها ; لأن كل واحد من المال والثواب عوض مقدر ، فكما جاز في أحدهما جاز في الآخر ، وقد تقدم في الصدقة عن الغير أنها هبة الثواب ، لا يصح فيها غير ذلك ، فإذا كان كذلك ; صح وجود الدليل ، فلم يبق للمنع وجه .

والثاني : أن كون الجزاء مع الأعمال كالمسببات مع الأسباب ، وكالتوابع مع المتبوعات ، يقضي بصحة الملك لهذا العامل ; كما يصح في الأمور الدنيوية ، وإذا ثبت الملك صح التصرف بالهبة .

لا يقال : إن الثواب لا يملك كما يملك المال ; لأنه إما أن يكون في الدار [ ص: 403 ] الآخرة فقط ، وهو النعيم الحاصل هنالك والآن لم يملك منه شيئا ، وإما أن يملك هنا منه شيئا حسبما اقتضاه قوله تعالى : من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة [ النحل : 97 ] الآية ; فذلك بمعنى الجزاء في الآخرة ، أي أنه ينال في الدنيا طيب عيش من غير كدر مؤثر في طيب عيشه ، كما ينال في الآخرة أيضا النعيم الدائم ، فليس له أمر يملكه الآن حتى تصح هبته ، وإنما ذلك في الأموال التي يصح حوزها وملكها الآن .

لأنا نقول : هو وإن لم يملك نفس الجزاء ; فقد كتب له في غالب الظن عند الله تعالى ، واستقر له ملكا بالتمليك ، وإن لم يحزه الآن ، ولا يلزم من الملك الحوز ، وإذا صح مثل هذا في المال ، وصح التصرف فيه بالهبة وغيرها ; صح فيما نحن فيه ; فقد يقول القائل : ما ورثته من فلان فقد وهبته لفلان ، ويقول : إن اشترى لي وكيلي عبدا ، فهو حر أو هبة لأخي ، وما أشبه ذلك وإن لم يحصل شيء من ذلك ، في حوزه وكما يصح هذا التصرف فيما بيد الوكيل فعله ، وإن لم يعلم به الموكل ، فضلا عن أن يحوزه من يد الوكيل ; يصح أيضا التصرف بمثله فيما هو بيد الله الذي هو على كل شيء وكيل ; فقد وضح إذا مغزى النظر في هبة الثواب ، والله الموفق للصواب .
[ ص: 404 ] المسألة الثامنة

من مقصود الشارع في الأعمال دوام المكلف عليها ، والدليل على ذلك واضح ؛ كقوله تعالى : إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون [ المعارج : 22 - 23 ] .

وقوله : يقيمون الصلاة [ البقرة : 3 ] .

وإقام الصلاة بمعنى الدوام عليها بهذا فسرت الإقامة حيث ذكرت مضافة إلى الصلاة ، وجاء هذا كله في معرض المدح ، وهو دليل على قصد الشارع إليه ، وجاء الأمر به صريحا في مواضع كثيرة ; كقوله : وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة [ البقرة : 83 ] .

وفي الحديث : أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل .

وقال : خذوا من العمل ما تطيقون ; فإن الله لن يمل حتى تملوا .

[ ص: 405 ] وكان عليه الصلاة والسلام إذا عمل عملا أثبته ، وكان عمله ديمة .

وأيضا ; فإن في توقيت الشارع وظائف العبادات ; من مفروضات ومسنونات ، ومستحبات في أوقات معلومة الأسباب ظاهرة ولغير أسباب ; ما يكفي في حصول القطع بقصد الشارع إلى إدامة الأعمال ، وقد قيل في قوله تعالى في الذين ترهبوا : فما رعوها حق رعايتها [ الحديد : 27 ] ، إن عدم مراعاتهم لها هو تركها بعد الدخول فيها والاستمرار .
فصل

فمن هنا يؤخذ حكم ما ألزمه الصوفية أنفسهم من الأوراد في الأوقات ، وأمروا بالمحافظة عليها بإطلاق ، لكنهم قاموا بأمور لا يقوم بها غيرهم ; فالمكلف إذا أراد الدخول في عمل غير واجب ، فمن حقه أن لا ينظر إلى سهولة الدخول فيه ابتداء حتى ينظر في مآله فيه ، وهل يقدر على الوفاء به طول عمره أم لا ؟ فإن المشقة التي تدخل على المكلف من وجهين :

أحدهما : من جهة شدة التكليف في نفسه ، بكثرته أو ثقله في نفسه .

والثاني : من جهة المداومة عليه وإن كان في نفسه خفيفا .

وحسبك من ذلك الصلاة ; فإنها من جهة حقيقتها خفيفة ، فإذا انضم إليها معنى المداومة ثقلت ، والشاهد لذلك قوله تعالى : [ ص: 406 ] واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين [ البقرة : 45 ] ; فجعلها كبيرة حتى قرن بها الأمر بالصبر ، واستثني الخاشعين فلم تكن عليهم كبيرة ; لأجل ما وصفهم به من الخوف الذي هو سائق ، والرجاء الذي هو حاد ، وذلك ما تضمنه قوله : الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم [ البقرة : 46 ] الآية ، فإن الخوف والرجاء يسهلان الصعب ، فإن الخائف من الأسد يسهل عليه تعب الفرار ، والراجي لنيل مرغوبه يقصر عليه الطويل من المسافة ، ولأجل الدخول في الفعل على قصد الاستمرار وضعت التكاليف على التوسط وأسقط الحرج ، ونهي عن التشديد ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : إن هذا الدين متين ; فأوغل فيه برفق ، ولا تبغض إلى نفسك عبادة الله ; فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى ، وقال : من يشاد هذا الدين يغلبه ، وهذا يشمل التشديد بالدوام ، كما يشمل التشديد بأنفس الأعمال ، والأدلة على هذا المعنى كثيرة .
المسألة التاسعة

الشريعة بحسب المكلفين كلية عامة ، بمعنى أنه لا يختص بالخطاب بحكم من أحكامها الطلبية بعض دون بعض ، ولا يحاشى من الدخول تحت أحكامها مكلف البتة ، والدليل على ذلك - مع أنه واضح - أمور :

أحدها : النصوص المتضافرة ; كقوله تعالى : وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا [ سبأ : 28 ] .

وقوله : قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا [ الأعراف : 158 ] .

وقوله عليه الصلاة والسلام : بعثت إلى الأحمر والأسود .

[ ص: 408 ] وأشباه هذه النصوص مما يدل على أن البعثة عامة لا خاصة ، ولو كان بعض الناس مختصا بما لم يخص به غيره ; لم يكن مرسلا للناس جميعا ; إذ يصدق على من لم يكلف بذلك الحكم الخاص أنه لم يرسل إليه به ; فلا يكون مرسلا بذلك الحكم الخاص إلى الناس جميعا ، وذلك باطل ، فما أدى إليه مثله بخلاف الصبيان والمجانين ونحوهم ممن ليس بمكلف ، فإنه لم يرسل إليه بإطلاق ، ولا هو داخل تحت الناس المذكورين في القرآن ، فلا اعتراض به ، وما تعلق بأفعالهم من الأحكام المنسوبة إلى خطاب الوضع ; فظاهر الأمر فيه .

والثاني : أن الأحكام إذا كانت موضوعة لمصالح العباد ; فالعباد بالنسبة إلى ما تقتضيه من المصالح مرآة ، فلو وضعت على الخصوص ; لم تكن موضوعة لمصالح العباد بإطلاق ، لكنها كذلك حسبما تقدم في موضعه ; فثبت أن أحكامها على العموم لا على الخصوص ، وإنما يستثنى من هذا ما كان اختصاصا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; كقوله : وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي ، إلى قوله : خالصة لك من دون المؤمنين [ الأحزاب : 50 ] .

[ ص: 409 ] وقوله : ترجي من تشاء منهن [ الأحزاب : 51 ] الآية .

وما أشبه ذلك مما ثبت فيه الاختصاص به بالدليل ، ويرجع إلى هذا ما خص هو به بعض أصحابه كشهادة خزيمة ; فإنه راجع إليه عليه الصلاة والسلام أو غير راجع إليه ; كاختصاص أبي بردة بن نيار بالتضحية بالعناق [ ص: 410 ] الجذعة ، وخصه بذلك بقوله : ولن تجزئ عن أحد بعدك ; فهذا لا نظر فيه ، إذ هو راجع إلى جهة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولأجله وقع النص على الاختصاص في مواضعه إعلاما بأن الأحكام الشرعية خارجة عن قانون الاختصاص .

والثالث : إجماع العلماء المتقدمين على ذلك من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ، ولذلك صيروا أفعال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة للجميع في أمثالها ، وحاولوا فيما وقع من الأحكام على قضايا معينة وليس لها صيغ عامة أن تجري على العموم ; إما بالقياس ، أو بالرد إلى الصيغة أن تجري على العموم المعنوي ، أو غير ذلك من المحاولات ، بحيث لا يكون الحكم على الخصوص في النازلة الأولى مختصا به ، وقد قال تعالى : فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج الآية [ الأحزاب : 37 ] ; [ ص: 411 ] فقرر الحكم في مخصوص ليكون عاما في الناس ، وتقرر صحة الإجماع لا يحتاج إلى مزيد ، لوضوحه عند من زاول أحكام الشريعة .

والرابع : أنه لو جاز خطاب البعض ببعض الأحكام حتى يخص بالخروج عنه بعض الناس ; لجاز مثل ذلك في قواعد الإسلام أن لا يخاطب بها بعض من كملت فيه شروط التكليف بها ، وكذلك في الإيمان الذي هو رأس الأمر ، وهذا باطل ، فما لزم عنه مثله ، ولا أعني بذلك ما كان نحو الولايات وأشباهها ; من القضاء ، والإمامة ، والشهادة ، والفتيا في النوازل ، والعرافة ، والنقابة ، والكتابة ، والتعليم للعلوم وغيرها ; فإن هذه الأشياء راجعة إلى النظر في شرط التكليف بها ، وجامع الشروط في التكليف القدرة على المكلف به ; فالقادر على القيام بهذه الوظائف مكلف بها على الإطلاق والعموم ، ومن لا يقدر على ذلك سقط التكليف عنه بإطلاق ، كالأطفال والمجانين بالنسبة إلى الطهارة والصلاة ونحوها ; فالتكليف عام لا خاص ، [ ص: 412 ] [ وبسقوطه أيضا عام لا خاص ] من جهة القدرة أو عدمها لا من جهة أخرى ، بناء على منع التكليف بما لا يطاق ، وكذلك الأمر في كل ما كان موهما للخطاب الخاص ; كمراتب الإيغال في الأعمال ، ومراتب الاحتياط على الدين ، وغير ذلك .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #77  
قديم 19-12-2021, 04:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,266
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله


الموافقات
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الثانى
الحلقة (77)
صـ413 إلى صـ 438


فصل

وهذا الأصل يتضمن فوائد عظيمة :

منها : أنه يعطى قوة عظيمة في إثبات القياس على منكريه ، من جهة أن الخطاب الخاص ببعض الناس والحكم الخاص كان واقعا في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثيرا ، ولم يؤت فيها بدليل عام يعم أمثالها من الوقائع ; فلا يصح مع العلم بأن الشريعة موضوعة على العموم والإطلاق - إلا أن يكون الخصوص الواقع غير مراد ، وليس في القضية لفظ يستند إليه في إلحاق غير المذكور بالمذكور ، فأرشدنا ذلك إلى أنه لا بد في كل واقعة وقعت إذ ذاك أن يلحق بها ما في معناها ، وهو معنى القياس ، وتأيد بعمل الصحابة رضي الله عنهم ، فانشرح الصدر لقبوله ، ولعل هذا يبسط في كتاب الأدلة بعد هذا إن شاء الله .

ومنها : أن كثيرا ممن لم يتحقق بفهم مقاصد الشريعة يظن أن الصوفية جرت على طريقة غير طريقة الجمهور ، وأنهم امتازوا بأحكام غير الأحكام المبثوثة في الشريعة ، مستدلين على ذلك بأمور من أقوالهم وأفعالهم ، ويرشحون ذلك بما يحكى عن بعضهم أنه سئل عما يجب في زكاة كذا ; [ ص: 413 ] فقال : على مذهبنا أو على مذهبكم ؟ ثم قال : أما على مذهبنا ; فالكل لله ، وأما على مذهبكم ، فكذا وكذا ، وعند ذلك افترق الناس فيهم ، فمن مصدق بهذا الظاهر ، مصرح بأن الصوفية اختصت بشريعة خاصة هي أعلى مما بث في الجمهور ، ومن مكذب ومشنع يحمل عليهم وينسبهم إلى الخروج عن الطريقة المثلى والمخالفة للسنة ، وكلا الفريقين في طرف وكل مكلف داخل تحت أحكام الشريعة المبثوثة في الخلق ، كما تبين آنفا ، ولكن روح المسألة الفقه في الشريعة ، حتى يتبين ذلك ، والله المستعان .

ومن ذلك أن كثيرا يتوهمون أن الصوفية أبيح لهم أشياء لم تبح لغيرهم ; لأنهم ترقوا عن رتبة العوام المنهمكين في الشهوات إلى رتبة الملائكة الذين سلبوا الاتصاف بطلبها والميل إليها ; فاستجازوا لمن ارتسم في طريقتهم إباحة بعض الممنوعات في الشرع بناء على اختصاصهم عن الجمهور ; فقد ذكر نحو هذا في سماع الغناء وإن قلنا بالنهي عنه ، كما أن من الفلاسفة المنتسبين إلى الإسلام من استباح شرب الخمر بناء على قصد التداوي بها ، واستجلاب النشاط في الطاعة ، لا على قصد التلهي ، وهذا باب فتحته الزنادقة بقولهم : إن [ ص: 414 ] التكليف خاص بالعوام ساقط عن الخواص ، وأصل هذا كله إهمال النظر في الأصل المتقدم ; فليعتن به ، وبالله التوفيق .
[ ص: 415 ] المسألة العاشرة

كما أن الأحكام والتكليفات عامة في جميع المكلفين على حسب ما كانت بالنسبة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا ما خص به ، كذلك المزايا والمناقب ; فما من مزية أعطيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سوى ما وقع استثناؤه إلا وقد أعطيت أمته منها أنموذجا ; فهي عامة كعموم التكاليف ، بل قد زعم ابن العربي أن سنة الله [ ص: 416 ] جرت أنه إذ أعطى الله نبيا شيئا أعطى أمته منه ، وأشركهم معه فيه ، ثم ذكر من ذلك أمثلة .

وما قاله يظهر في هذه الملة بالاستقراء .

أما أولا ; فالوراثة العامة في الاستخلاف على الأحكام المستنبطة ، وقد كان من الجائز أن تتعبد الأمة بالوقوف عندما حد من غير استنباط ، وكانت تكفي العمومات والإطلاق حسبما قاله الأصوليون ، ولكن الله من على العباد بالخصوصية التي خص بها نبيه عليه الصلاة والسلام ; إذ قال تعالى : لتحكم بين الناس بما أراك الله [ النساء : 105 ] .

وقال في الأمة : لعلمه الذين يستنبطونه منهم [ النساء : 83 ] .

وهذا واضح ; فلا نطول به .

وأما ثانيا ; فقد ظهر ذلك من مواضع كثيرة ، نقتصر منها على ثلاثين وجها :

أحدها : الصلاة من الله تعالى ; فقال تعالى في النبي عليه الصلاة والسلام : إن الله وملائكته يصلون على النبي [ الأحزاب : 56 ] الآية .

وقال في الأمة : هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور [ الأحزاب : 43 ] الآية .

[ ص: 417 ] وقال : أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة [ البقرة : 157 ] .

والثاني : الإعطاء إلى الإرضاء ، قال تعالى في النبي : ولسوف يعطيك ربك فترضى [ الضحى : 5 ] .

وقال في الأمة : ليدخلنهم مدخلا يرضونه [ الحج : 59 ] .

وقال : رضي الله عنهم ورضوا عنه [ المائدة : 119 ] .

والثالث : غفران ما تقدم وما تأخر ، قال تعالى : ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر [ الفتح : 2 ] .

وفي الأمة ما روي أن الآية لما نزلت قال الصحابة : هنيئا مريئا ; فما لنا ؟ فنزل : ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم [ الفتح : 5 ] ; فعم ما تقدم وما تأخر .

[ ص: 418 ] وفي الآية الأولى إتمام النعمة في قوله : ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما [ الفتح : 2 ] .

وقال في الأمة : ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم [ المائدة : 6 ] الآية .

وهو الوجه الرابع .

[ ص: 419 ] والخامس : الوحي وهو النبوة ، قال تعالى : إنا أوحينا إليك [ النساء : 163 ] ، وسائر ما في هذا المعنى ، ولا يحتاج إلى شاهد ، وفي الأمة : الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة .

[ ص: 420 ] والسادس : نزول القرآن على وفق المراد ; قال تعالى : قد نرى تقلب وجهك في السماء [ البقرة : 144 ] ; فقد كان عليه الصلاة والسلام يحب أن يرد إلى الكعبة ، وقال تعالى أيضا : ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء [ الأحزاب : 51 ] ; لما كان قد حبب إليه النساء فلم يوقف فيهن على عدد معلوم .

وفي الأمة قال عمر : " وافقت ربي في ثلاث " . قلت : يا رسول الله لو اتخذت مقام إبراهيم مصلى ، فنزلت : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى [ البقرة : 125 ] [ ص: 421 ] وقلت : يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر ، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب ، فأنزل الله آية الحجاب . قال : وبلغني معاتبة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض نسائه ; فدخلت عليهن فقلت : إن انتهيتن أو ليبدلن الله رسوله خيرا منكن . فأنزل الله : عسى ربه إن طلقكن [ التحريم : 5 ] الآية .

وحديث التي ظاهر منها زوجها فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - أن زوجي ظاهر مني ، وقد طالت صحبتي معه ، وقد ولدت له أولادا ; فقال عليه الصلاة والسلام : " قد حرمت عليه " . فرفعت رأسها إلى السماء ; فقالت : إلى الله أشكو حاجتي إليه . ثم عادت ، فأجابها ، ثم ذهبت لتعيد الثالثة ; فأنزل الله : قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها
[ المجادلة : 1 ] الآية .

[ ص: 422 ] ومن هذا كثير لمن تتبع .

ونزلت براءة عائشة - رضي الله عنها - من الإفك على وفق ما أرادت ; إذ قالت : وأنا حينئذ أعلم أني بريئة ، وأن الله مبرئي ببراءتي ، ولكن والله ما ظننت أن الله منزل في شأني وحيا يتلى ، ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بأمر يتلى ، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النوم رؤيا يبرئني الله بها .

[ ص: 423 ] وقال هلال بن أمية : والذي بعثك بالحق إني لصادق ، فلينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد . فنزل : والذين يرمون أزواجهم [ النور : 6 ] الآية ، وهذا خاص بزمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لانقطاع الوحي بانقطاعه .

والسابع : الشفاعة ; قال تعالى : عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا [ الإسراء : 79 ] .

وقد ثبتت شفاعة هذه الأمة ; كقوله عليه الصلاة والسلام في أويس : يشفع في مثل ربيعة ومضر .

[ ص: 424 ] " أئمتكم شفعاؤكم " ، وغير ذلك .

[ ص: 425 ] والثامن : شرح الصدر ; قال تعالى : ألم نشرح لك صدرك [ الشرح : 1 ] الآية .

وقال في الأمة : أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه [ الزمر : 22 ] .

والتاسع : الاختصاص بالمحبة ; لأن محمدا حبيب الله ، ثبت ذلك في الحديث ; إذ خرج عليه الصلاة والسلام ، ونفر من أصحابه يتذاكرون ; فقال بعضهم : عجبا إن الله اتخذ من خلقه خليلا ، وقال آخر : ماذا بأعجب من كلام موسى ، كلمه الله تكليما ، وقال آخر : فعيسى كلمة الله وروحه . وقال آخر : آدم اصطفاه الله . فخرج عليهم فسلم وقال : قد سمعت كلامكم وعجبكم ، إن الله اتخذ إبراهيم خليلا ، وهو كذلك ، وموسى نجي الله وهو كذلك ، وعيسى روح الله وهو كذلك ، وآدم اصطفاه الله وهو كذلك ، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر ، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر ، وأنا أول شافع وأنا أول مشفع ولا فخر ، [ ص: 426 ] وأنا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح الله لي فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر ، وأنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر .

وفي الأمة : فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه [ المائدة : 54 ] الآية .

وجاء في هذا الحديث أنه أول من يدخل الجنة وأن أمته كذلك ، وهو العاشر .

وأنه أكرم الأولين والآخرين ، وقد جاء في الأمة : كنتم خير أمة أخرجت للناس [ آل عمران : 110 ] .

[ ص: 427 ] وهو الحادي عشر .

والثاني عشر : أنه جعل شاهدا على أمته ، اختص بذلك دون الأنبياء عليهم السلام .

وفي القرآن الكريم : وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا [ البقرة : 143 ] .

والثالث عشر : خوارق العادات معجزات وكرامات للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وفي حق الأمة كرامات ، وقد وقع الخلاف : هل يصح أن يتحدى الولي بالكرامة دليلا على أنه ولي أم لا ؟ وهذا الأصل شاهد له ، وسيأتي بحول الله وقدرته .

والرابع عشر : الوصف بالحمد في الكتب السالفة وبغيره من الفضائل ; ففي القرآن : ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد [ الصف : 6 ] ، وسميت أمته الحمادين .

والخامس عشر : العلم مع الأمية ، قال تعالى : هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم [ الجمعة : 2 ] .

وقال : فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله [ الأعراف : 158 ] الآية .

[ ص: 428 ] وفي الحديث : نحن أمة أمية لا نحسب ولا نكتب .

والسادس عشر : مناجاة الملائكة ; ففي النبي - صلى الله عليه وسلم - ظاهر ، وقد روي في بعض الصحابة - رضي الله عنهم - أنه كان يكلمه الملك ; كعمران بن الحصين ونقل عن الأولياء من هذا .

والسابع عشر : العفو قبل السؤال ، قال تعالى : عفا الله عنك لم أذنت لهم [ التوبة : 43 ] .

وفي الأمة : ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم [ آل عمران : 152 ] .

والثامن عشر : رفع الذكر ، قال تعالى : ورفعنا لك ذكرك [ الشرح : 4 ] .

وذكر أن معناه قرن اسمه باسمه في عقد الأيمان ، وفي كلمة الأذان ; فصار ذكره عليه الصلاة والسلام مرفوعا منوها به ، وقد جاء من ذكر الأمة ومدحهم والثناء عليهم في القرآن وفي الكتب السالفة كثير .

وجاء في بعض الأحاديث عن موسى عليه الصلاة والسلام ; أنه قال : [ ص: 429 ] اللهم اجعلني من أمة أحمد لما وجد في التوراة من الإشادة بذكرهم والثناء عليهم .

والتاسع عشر : أن معاداتهم معاداة لله ، وموالاتهم موالاة لله ، قال تعالى : إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله [ الأحزاب : 57 ] [ هي عند طائفة بمعنى أن الذين يؤذون رسول الله لعنهم الله ] .

وفي الحديث : من آذاني ; فقد آذى الله .

[ ص: 430 ] وفي الحديث : من آذى لي وليا ; فقد بارزني بالمحاربة .

وقال تعالى : من يطع الرسول فقد أطاع الله [ النساء : 80 ] .

ومفهومه من لم يطع الرسول لم يطع الله .

وتمام العشرين : الاجتباء ; فقال تعالى في الأنبياء عليهم السلام : واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم [ الأنعام : 87 ] .

وفي الأمة : هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج [ الحج : 78 ] .

وفي الحديث أنه عليه الصلاة والسلام مصطفى من الخلق .

[ ص: 431 ] وقال في الأمة : ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا [ فاطر : 32 ] .

والحادي والعشرون : التسليم من الله ; ففي أحاديث إقراء السلام من الله تعالى على نبيه عليه الصلاة والسلام .

وقال تعالى : قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى [ النمل : 59 ] .

وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم [ الأنعام : 54 ] .

وقال جبريل للنبي عليه الصلاة والسلام في خديجة : اقرأ عليها السلام من ربها ومني .

والثاني والعشرون : التثبيت عند توقع التفلت البشري ، قال تعالى : ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا [ الإسراء : 74 ] .

[ ص: 432 ] وفي الأمة : يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة [ إبراهيم : 27 ] .

والثالث والعشرون : العطاء من غير منة ، قال تعالى : وإن لك لأجرا غير ممنون [ القلم : 3 ] .

وقال في الأمة : فلهم أجر غير ممنون [ التين : 6 ] .

والرابع والعشرون : تيسير القرآن عليهم ، قال تعالى : إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه [ القيامة : 17 - 19 ] .

قال ابن عباس : علينا أن نجمعه في صدرك ، ثم إن علينا بيانه [ القيامة : 19 ] ; علينا أن نبينه على لسانك .

وفي الأمة : ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر [ القمر : 17 ] .

والخامس والعشرون : جعل السلام عليهم مشروعا في الصلاة ; إذ يقال في التشهد : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين .

والسادس والعشرون : أنه سمى نبيه عليه السلام بجملة من أسمائه كالرءوف الرحيم ، وللأمة نحو المؤمن والخبير والعليم والحكيم .

والسابع والعشرون : أمر الله تعالى بالطاعة لهم ، قال تعالى : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم [ النساء : 59 ] ، [ ص: 433 ] وهم الأمراء والعلماء .

وفي الحديث : من أطاع أميري ; فقد أطاعني .

وقال : من يطع الرسول فقد أطاع الله .

والثامن والعشرون : الخطاب الوارد مورد الشفقة والحنان ; كقوله تعالى : طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى [ طه : 1 - 2 ] .

وقوله : فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به [ الأعراف : 2 ] .

واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا [ الطور : 48 ] .

وفي الأمة : ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم [ المائدة : 6 ] الآية .

يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر [ البقرة : 185 ] .

يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا [ النساء : 28 ] .

ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما [ النساء : 29 ] .

والتاسع والعشرون : العصمة من الضلال بعد الهدى ، وغير ذلك من [ ص: 434 ] وجوه الحفظ العامة ; فالنبي - صلى الله عليه وسلم - قد عصمه الله تعالى من ذلك كله .

وجاء في الأمة : لا تجتمع أمتي على ضلالة .

[ ص: 435 ] [ ص: 436 ] [ ص: 437 ] وجاء : احفظ الله يحفظك .

وفي القرآن : لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين [ ص : 83 ] ، تفسيره في قوله : لا تجتمع أمتي على ضلالة .

وفي قوله : وإنى والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها .

وتمام الثلاثين : إمامة الأنبياء ; ففي حديث الإسراء أنه عليه الصلاة والسلام أم بالأنبياء ; قال : " وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء . . . فحانت الصلاة فأممتهم " .

وفي حديث نزول عيسى عليه السلام إلى الأرض في آخر الزمان : إن إمام هذه الأمة منها ، وإنه يصلي مؤتما بإمامها .

[ ص: 438 ] ومن تتبع الشريعة وجد من هذا كثيرا ، [ مجموعه ] يدل على أن أمته تقتبس منه خيرات وبركات ، وترث أوصافا وأحوالا موهوبة من الله تعالى ومكتسبة ، والحمد لله على ذلك .
يتبع





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #78  
قديم 19-12-2021, 04:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,266
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله


الموافقات
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الثانى
الحلقة (78)
صـ413 إلى صـ 438


وهو الحادي عشر .

والثاني عشر : أنه جعل شاهدا على أمته ، اختص بذلك دون الأنبياء عليهم السلام .

وفي القرآن الكريم : وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا [ البقرة : 143 ] .

والثالث عشر : خوارق العادات معجزات وكرامات للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وفي حق الأمة كرامات ، وقد وقع الخلاف : هل يصح أن يتحدى الولي بالكرامة دليلا على أنه ولي أم لا ؟ وهذا الأصل شاهد له ، وسيأتي بحول الله وقدرته .

والرابع عشر : الوصف بالحمد في الكتب السالفة وبغيره من الفضائل ; ففي القرآن : ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد [ الصف : 6 ] ، وسميت أمته الحمادين .

والخامس عشر : العلم مع الأمية ، قال تعالى : هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم [ الجمعة : 2 ] .

وقال : فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله [ الأعراف : 158 ] الآية .

[ ص: 428 ] وفي الحديث : نحن أمة أمية لا نحسب ولا نكتب .

والسادس عشر : مناجاة الملائكة ; ففي النبي - صلى الله عليه وسلم - ظاهر ، وقد روي في بعض الصحابة - رضي الله عنهم - أنه كان يكلمه الملك ; كعمران بن الحصين ونقل عن الأولياء من هذا .

والسابع عشر : العفو قبل السؤال ، قال تعالى : عفا الله عنك لم أذنت لهم [ التوبة : 43 ] .

وفي الأمة : ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم [ آل عمران : 152 ] .

والثامن عشر : رفع الذكر ، قال تعالى : ورفعنا لك ذكرك [ الشرح : 4 ] .

وذكر أن معناه قرن اسمه باسمه في عقد الأيمان ، وفي كلمة الأذان ; فصار ذكره عليه الصلاة والسلام مرفوعا منوها به ، وقد جاء من ذكر الأمة ومدحهم والثناء عليهم في القرآن وفي الكتب السالفة كثير .

وجاء في بعض الأحاديث عن موسى عليه الصلاة والسلام ; أنه قال : [ ص: 429 ] اللهم اجعلني من أمة أحمد لما وجد في التوراة من الإشادة بذكرهم والثناء عليهم .

والتاسع عشر : أن معاداتهم معاداة لله ، وموالاتهم موالاة لله ، قال تعالى : إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله [ الأحزاب : 57 ] [ هي عند طائفة بمعنى أن الذين يؤذون رسول الله لعنهم الله ] .

وفي الحديث : من آذاني ; فقد آذى الله .

[ ص: 430 ] وفي الحديث : من آذى لي وليا ; فقد بارزني بالمحاربة .

وقال تعالى : من يطع الرسول فقد أطاع الله [ النساء : 80 ] .

ومفهومه من لم يطع الرسول لم يطع الله .

وتمام العشرين : الاجتباء ; فقال تعالى في الأنبياء عليهم السلام : واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم [ الأنعام : 87 ] .

وفي الأمة : هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج [ الحج : 78 ] .

وفي الحديث أنه عليه الصلاة والسلام مصطفى من الخلق .

[ ص: 431 ] وقال في الأمة : ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا [ فاطر : 32 ] .

والحادي والعشرون : التسليم من الله ; ففي أحاديث إقراء السلام من الله تعالى على نبيه عليه الصلاة والسلام .

وقال تعالى : قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى [ النمل : 59 ] .

وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم [ الأنعام : 54 ] .

وقال جبريل للنبي عليه الصلاة والسلام في خديجة : اقرأ عليها السلام من ربها ومني .

والثاني والعشرون : التثبيت عند توقع التفلت البشري ، قال تعالى : ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا [ الإسراء : 74 ] .

[ ص: 432 ] وفي الأمة : يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة [ إبراهيم : 27 ] .

والثالث والعشرون : العطاء من غير منة ، قال تعالى : وإن لك لأجرا غير ممنون [ القلم : 3 ] .

وقال في الأمة : فلهم أجر غير ممنون [ التين : 6 ] .

والرابع والعشرون : تيسير القرآن عليهم ، قال تعالى : إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه [ القيامة : 17 - 19 ] .

قال ابن عباس : علينا أن نجمعه في صدرك ، ثم إن علينا بيانه [ القيامة : 19 ] ; علينا أن نبينه على لسانك .

وفي الأمة : ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر [ القمر : 17 ] .

والخامس والعشرون : جعل السلام عليهم مشروعا في الصلاة ; إذ يقال في التشهد : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين .

والسادس والعشرون : أنه سمى نبيه عليه السلام بجملة من أسمائه كالرءوف الرحيم ، وللأمة نحو المؤمن والخبير والعليم والحكيم .

والسابع والعشرون : أمر الله تعالى بالطاعة لهم ، قال تعالى : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم [ النساء : 59 ] ، [ ص: 433 ] وهم الأمراء والعلماء .

وفي الحديث : من أطاع أميري ; فقد أطاعني .

وقال : من يطع الرسول فقد أطاع الله .

والثامن والعشرون : الخطاب الوارد مورد الشفقة والحنان ; كقوله تعالى : طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى [ طه : 1 - 2 ] .

وقوله : فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به [ الأعراف : 2 ] .

واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا [ الطور : 48 ] .

وفي الأمة : ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم [ المائدة : 6 ] الآية .

يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر [ البقرة : 185 ] .

يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا [ النساء : 28 ] .

ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما [ النساء : 29 ] .

والتاسع والعشرون : العصمة من الضلال بعد الهدى ، وغير ذلك من [ ص: 434 ] وجوه الحفظ العامة ; فالنبي - صلى الله عليه وسلم - قد عصمه الله تعالى من ذلك كله .

وجاء في الأمة : لا تجتمع أمتي على ضلالة .

[ ص: 435 ] [ ص: 436 ] [ ص: 437 ] وجاء : احفظ الله يحفظك .

وفي القرآن : لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين [ ص : 83 ] ، تفسيره في قوله : لا تجتمع أمتي على ضلالة .

وفي قوله : وإنى والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها .

وتمام الثلاثين : إمامة الأنبياء ; ففي حديث الإسراء أنه عليه الصلاة والسلام أم بالأنبياء ; قال : " وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء . . . فحانت الصلاة فأممتهم " .

وفي حديث نزول عيسى عليه السلام إلى الأرض في آخر الزمان : إن إمام هذه الأمة منها ، وإنه يصلي مؤتما بإمامها .

[ ص: 438 ] ومن تتبع الشريعة وجد من هذا كثيرا ، [ مجموعه ] يدل على أن أمته تقتبس منه خيرات وبركات ، وترث أوصافا وأحوالا موهوبة من الله تعالى ومكتسبة ، والحمد لله على ذلك .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #79  
قديم 19-12-2021, 04:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,266
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله


الموافقات
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الثانى
الحلقة (79)
صـ439 إلى صـ 444


فصل

وهذا الأصل ينبني عليه قواعد :

منها : أن جميع ما أعطيته هذه الأمة من المزايا والكرامات ، والمكاشفات والتأييدات وغيرها من الفضائل إنما هي مقتبسة من مشكاة نبينا - صلى الله عليه وسلم - ، لكن على مقدار الاتباع ; فلا يظن ظان أنه حصل على خير بدون وساطة نبوته ، كيف وهو السراج المنير الذي يستضئ به الجميع ، والعلم الأعلى الذي به يهتدى في سلوك الطريق .

ولعل قائلا يقول : قد ظهرت على أيدي الأمة أمور لم تظهر على يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولا سيما الخواص التي اختص بها بعضهم ; كفرار الشيطان من ظل [ ص: 439 ] عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وقد نازع النبي عليه الصلاة والسلام في صلاته الشيطان ، وقال لعمر : ما سلكت فجا إلا سلك الشيطان فجا غير فجك .

وجاء في عثمان بن عفان رضي الله عنه : أن ملائكة السماء تستحي منه ، ولم يرد مثل هذا بالنسبة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .

وجاء في أسيد بن حضير وعباد بن بشر : أنهما خرجا من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ليلة مظلمة ، فإذا نور بين أيديهما حتى تفرقا ، فافترق النور معهما ، ولم يؤثر مثل ذلك عنه عليه الصلاة والسلام .

إلى غير ذلك من المنقولات عن الصحابة ومن بعدهم ، مما لم ينقل أنه ظهر مثله على يد النبي - صلى الله عليه وسلم - .

فيقال : كل ما نقل عن الأولياء أو العلماء أو ينقل إلى يوم القيامة من [ ص: 440 ] الأحوال والخوارق والعلوم والفهوم وغيرها ; فهي أفراد وجزئيات داخلة تحت كليات ما نقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ; غير أن أفراد الجنس وجزئيات الكلي قد تختص بأوصاف تليق بالجزئي من حيث هو جزئي ، وإن لم يتصف بها الكلي من جهة ما هو كلي ، ولا يدل ذلك على أن للجزئي مزية على الكلي ، ولا أن ذلك في الجزئي خاص به لا تعلق له بالكلي ، كيف والجزئي لا يكون كليا إلا بجزئي ؟ إذ هو من حقيقته وداخل في ماهيته ; فكذلك الأوصاف الظاهرة على الأمة لم تظهر إلا من جهة النبي - صلى الله عليه وسلم - ; فهي كالأنموذج من أوصافه عليه الصلاة والسلام وكراماته .

والدليل على صحة ذلك أن شيئا منها لا يحصل إلا على مقدار الاتباع والاقتداء به ، ولو كانت ظاهرة للأمة على فرض الاختصاص بها والاستقلال [ ص: 441 ] لم تكن المتابعة شرطا فيها ، ويتبين هذا بالمثال المذكور في شأن عمر .

ألا ترى أن خاصيته المذكورة هي هروب الشيطان منه ، وذلك حفظ من الوقوع في حبائله وحمله إياه على المعاصي ، وأنت تعلم أن الحفظ التام المطلق العام خاصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - ; إذ كان معصوما عن الكبائر والصغائر على العموم والإطلاق ، ولا حاجة إلى تقرير هذا المعنى هنا ; فتلك النقطة الخاصة بعمر من هذا البحر .

وأيضا ; فإن فرار الشيطان أو بعده من الإنسان إنما المقصود منه الحفظ من غير زيادة ، وقد زادت مزية النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه خواص :

منها : أنه عليه الصلاة والسلام أقدره الله على تمكنه من الشيطان ، حتى هم أن يربطه إلى سارية المسجد ، ثم تذكر قول سليمان عليه السلام : وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي [ ص : 35 ] ، ولم يقدر عمر على شيء من ذلك .

[ ص: 442 ] ومنها : أن النبي عليه الصلاة والسلام اطلع على ذلك من نفسه ومن عمر ولم يطلع عمر على شيء منه .

ومنها : أنه عليه الصلاة والسلام كان آمنا من نزغات الشيطان وإن قرب منه ، وعمر لم يكن آمنا وإن بعد عنه .

وأما منقبة عثمان ; فلم يرد ما يعارضها بالنسبة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، بل نقول : هو أولى بها وإن لم يذكرها عن نفسه ; إذ لا يلزم من عدم ذكرها عدمها .

وأيضا ; فإن ذلك لعثمان لخاصية كانت فيه وهى شدة حيائه ، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أشد الناس حياء ، وأشد حياء من العذراء في خدرها ، فإذا كان الحياء أصلها ; فالنبي عليه الصلاة والسلام هو الذي حواه على الكمال .

وعلى هذا الترتيب يجري القول في أسيد وصاحبه ; لأن المقصود بذلك الإضاءة حتى يمكن المشي في الطريق ليلا بلا كلفة ، والنبي عليه الصلاة والسلام لم يكن الظلام يحجب بصره ، بل كان يرى في الظلمة كما يرى في الضوء ، بل كان لا يحجب بصره ما هو أكثف من حجاب الظلمة ، فكان يرى [ ص: 443 ] من خلفه كما يرى من أمامه ، وهذا أبلغ ، حيث كانت الخارقة في نفس البصر لا في المبصر به ، على أن ذلك إنما كان من معجزات النبي عليه الصلاة والسلام وكراماته التي ظهرت في أمته [ من ] بعده وفي زمانه .

فهذا التقرير هو الذي ينبغي الاعتماد عليه ، والأخذ لهذه الأمور من [ ص: 444 ] جهته لا على الجملة ، فربما يقع للناظر فيها ببادئ الرأي إشكال ، ولا إشكال فيها بحول الله ، وانظر في كلام القرافي في قاعدة الأفضلية والخاصية .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #80  
قديم 19-12-2021, 04:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,266
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله


الموافقات
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الثانى
الحلقة (80)
صـ445 إلى صـ 456


فصل

ومن الفوائد في هذا الأصل أن ينظر إلى كل خارقة صدرت على يدي أحد ; فإن كان لها أصل في كرامات الرسول عليه الصلاة والسلام ومعجزاته ; فهي صحيحة وإن لم يكن لها أصل ، فغير صحيحة ; وإن ظهر ببادئ الرأي أنها كرامة ; إذ ليس كل ما يظهر على يدي الإنسان من الخوارق بكرامة ، بل منها ما يكون كذلك ، ومنها ما لا يكون كذلك .

وبيان ذلك بالمثال أن أرباب التصريف بالهمم والتقربات بالصناعة الفلكية والأحكام النجومية قد تصدر عنهم أفاعيل خارقة ، وهي كلها ظلمات [ ص: 445 ] بعضها فوق بعض ، ليس لها في الصحة مدخل ، ولا يوجد لها في كرامات النبي - صلى الله عليه وسلم - منبع ; لأنه إن كان ذلك بدعاء مخصوص ، فدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن على تلك النسبة ، ولا تجري فيه تلك الهيئة ، ولا اعتمد على قران في الكواكب ، ولا التمس سعودها أو نحوسها ، بل تحرى مجرد الاعتماد على من إليه يرجع الأمر كله واللجأ إليه ، معرضا عن الكواكب وناهيا عن الاستناد إليها ; إذ قال : أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر الحديث ، وإن تحرى وقتا أو دعا [ إلى تحريه ] ; فلسبب بريء من هذا كله ; كحديث التنزل ، وحديث اجتماع الملائكة طرفي النهار ، وأشباه ذلك .

[ ص: 446 ] والدعاء أيضا عبادة لا يزاد فيها ولا ينقص ، أعني الكيفيات المستفعلة والهيئات المتكلفة التي لم يعهد مثلها فيما تقدم ، وكذلك الأدعية التي لا تجد مساقها في متقدم الزمان ولا متأخره ، ولا مستعمل النبي عليه الصلاة والسلام والسلف الصالح ، والتي روعي فيها طبائع الحروف في زعم أهل الفلسفة ومن نحا نحوهم مما لم يقل به غيرهم ، وإن كان بغير دعاء كتسليط الهمم على الأشياء حتى تنفعل ; فذلك غير ثابت النقل ، ولا تجد له أصلا ، بل أصل ذلك حال حكمي وتدبير فلسفي لا شرعي ، هذا وإن كان الانفعال الخارق حاصلا به ; فليس بدليل على الصحة ، كما أنه قد يتعدى ظاهرا بالقتل والجرح ، بل قد يوصل بالسحر والعين إلى أمثال ذلك ، ولا يكون شاهدا على صحته ، بل هو باطل صرف ، وتعد محض ، وهذا الموضع مزلة قدم للعوام ولكثير من الخواص ، فلتنبه له .
فصل

ومنها أنه لما ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حذر وبشر وأنذر ، وندب ، وتصرف بمقتضى الخوارق من الفراسة الصادقة ، والإلهام الصحيح ، والكشف الواضح ، والرؤيا الصالحة ; كان من فعل مثل ذلك ممن اختص بشيء من هذه الأمور على [ ص: 447 ] طريق من الصواب ، وعاملا بما ليس بخارج عن المشروع ، لكن مع مراعاة شرط ذلك ، ومن الدليل على صحته زائدا إلى ما تقدم أمران :

أحدهما : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد عمل بمقتضى ذلك أمرا ونهيا ، وتحذيرا وتبشيرا وإرشادا ، مع أنه لم يذكر أن ذلك خاص به دون أمته ; فدل على أن الأمة حكمهم في ذلك حكمه ، شأن كل عمل صدر منه ولم يثبت دليل على الاختصاص به دون غيره ، ويكفي من ذلك ما ترك بعده في أمته من المبشرات ، وإنما فائدتها البشارة والنذارة التي يترتب عليها الإقدام والإحجام .

وقد قال عليه الصلاة والسلام لعبد الله بن عمر في رؤياه الملكين وقولهما له : نعم الرجل أنت لو تكثر الصلاة ; فلم يزل بعد ذلك يكثر الصلاة .

[ ص: 448 ] وفي رواية : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن عبد الله رجل صالح لو كان يكثر الصلاة من الليل .

وقال عليه الصلاة والسلام لأبي ذر : إني أراك ضعيفا ، وإني أحب لك ما أحب لنفسي ، لا تأمرن على اثنين ، ولا تولين مال يتيم .

وقوله لثعلبة بن حاطب وسأله الدعاء له بكثرة المال : قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه .

[ ص: 449 ] وقال لأنس : اللهم كثر ماله وولده .

ودل عليه الصلاة والسلام أناسا شتى على ما هو أفضل الأعمال في حق كل واحد منهم ، عملا بالفراسة الصادقة فيهم ، وقال : لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه ; فأعطاها عليا - رضي الله عنه - ففتح الله على يديه .

وقال لعثمان بن عفان : إنه لعل الله أن يقمصك قميصا ، فإن أرادوك على خلعه ; فلا تخلعه .

[ ص: 450 ] فرتب على الاطلاع الغيبي وصاياه النافعة ، وأخبر أنه ستكون لهم أنماط ويغدو أحدهم في حلة ويروح في أخرى ، وتوضع بين يديه صحفة وترفع أخرى ، ثم قال آخر الحديث : وأنتم اليوم خير منكم يومئذ .

[ ص: 451 ] [ ص: 452 ] وأخبر بملك معاوية ووصاه ، وأن عمارا تقتله الفئة الباغية ، وبأمراء [ ص: 453 ] [ ص: 454 ] يؤخرون الصلاة عن وقتها ثم وصاهم كيف يصنعون ، وأنهم سيلقون بعده أثرة ، ثم أمرهم بالصبر إلى سائر ما أخبر به عليه الصلاة والسلام من المغيبات التي حصلت بها فوائد الإيمان والتصديق ، والتحذير والتبشير ، وغير ذلك وهو أكثر من أن يحصى .

والثاني : عمل الصحابة رضي الله عنهم بمثل ذلك من الفراسة والكشف والإلهام والوحي النومي ; كقول أبي بكر : " إنما هما أخواك وأختاك " .

وقول عمر : " يا سارية الجبل " ; فاعمل النصيحة التي أنبأ عنها الكشف .

[ ص: 455 ] ونهيه لمن أراد أن يقص على الناس ، وقال : أخاف أن تنتفخ حتى تبلغ الثريا .

وقوله لمن قص عليه رؤياه أن الشمس والقمر رآهما يقتتلان ; فقال : مع أيهما كنت ؟ قال : مع القمر . قال : كنت مع الآية الممحوة ، لا تلي [ لي ] عملا أبدا .

[ ص: 456 ] ويكثر نقل مثل هذا عن السلف الصالح ومن بعدهم من العلماء والأولياء - نفع الله بهم - ولكن يبقى هنا النظر في شرط العمل على مقتضى هذه الأمور ، والكلام فيه يحتمل بسطا ; فلنفرده بالكلام عليه ، وهي :




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 223.10 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 217.25 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (2.62%)]